أحمد وسام شاكر
New member
سألني بشغف: هل تعتقد أن يتم العثور على مصحف عثمان الذي أبقاه لنفسه واستشهد رضي الله عنه وهو يقرأ فيه، في يوم من الأيام؟
أقول بداية: تحتفظ العديد من البلدان الإسلامية اليوم بمصاحف عتيقة مكتوبة على الرق بالخط الكوفي أشهرها الذي في القاهرة في جامع الإمام الحسين، والذي في اسطنبول في متحف طوب قابي سراي، والذي في طشقند في متحف الآثار العتيقة.
هناك اعتقاد سائد بين عامة المسلمين في هذه البلدان أن المصحف الذي لديهم هو مصحف عثمانرضي الله عنه الذي استشهد وهو يقرأ منه وعليه قطرات دمه. إن هذا الاعتقاد غير مبني على أدلة ودراسات علمية بل الحال كما أخبر الشيخ طه الولي رحمه الله أن الناس من فرط حرصهم على التشرف بنيل هذا الأثر العظيم يتوهمون (أن كل مصحف مكتوب بالخط الكوفي على الرق لابد وأن يكون هو نفس النسخة التي كتبت في أيام عثمان ولو لم تكن في الواقع كذلك). أما عن قطرات الدم التي تكون على أوراق بعض هذه المصاحف العتيقة مما يجعل العامة تعتقد أنه مصحف عثمان الشخصي فقد تنبه لذلك الشيخ زاهد الكوثري فقال رحمه الله (وكثير من الماكرين يجترئون على تلطيخ بعض المصاحف القديمة بالدم، ليظن أنه كان بيد عثمان حينما قتل. وكم من مصاحف ملطخة بالدم في خزانات الكتب).
إن أغلب الباحثين اليوم يميلون إلى عدم صحة نسبة هذه المصاحف إلى عثمان، فهي ليست واحدة من المصاحف العثمانية التي أرسلها إلى أهل الأمصار (المصاحف الخمسة) ولا النسخة التي حبسها لنفسها واستشهدرضي الله عنه وهو يقرأ منها. الأرجح - كما يذهب إلى ذلك الدكتور طيار آلتي قولاج وغيره من الباحثين - أن تكون هذه المصاحف مستسنخة منها أو من نُسخة نَسخَت عنها وذلك لأننا نجد في بعض هذه المصاحف خصائص المصحف الكوفي أو الشامي أو البصري، وهكذا. فاحتمالية نسخها من المصاحف العثمانية الأصلية قوية.
وبالعودة إلى السؤال عن مصير مصحف عثمان الشخصي (=المصحف المدني الخاص) وإمكانية العثور عليه في يوم من الأيام، ينبغي أولاً ذكر ما وصلنا من روايات تاريخية تخص هذا المصحف لتساعدنا على الإجابة على هذا السؤال إما بالنفي أو الإثبات.
لقد ذكر ابن قتيبة رحمه الله أن مصحف عثمان الذي قتل وهو في حجره صار إلى ابنه خالد ثم صار مع أولاده وقد درجوا. وقد ورد في المصادر رؤية عدد من العلماء لهذا المصحف، منهم عاصم الجحدري (ت128هـ) وأبو عبيد القاسم بن سلام (ت224هـ). فيقول أبو عبيد: (رأيت المصحف الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، استخرج لي من بعض خزائن الأمراء، وهو المصحف الذي كان في حجره حين أصيب، ورأيت آثار دمه في مواضع منه.)
ولما سأل وهب الإمام مالك عن مصحف عثمان، قال له: ذهب. وهذه العبارة استدرك عليها السخاوي وغيره بالقول بأنها لا تدل على غياب المصحف بالكلية بحيث لا يوجد، لأن ما تغيب يرجى ظهوره، ويتوقع حظوره، طال زمان مغيبه أو قصر.
وفي العصر الحديث، قدمت الدكتورة سحر السيد عبد العزيز بحثاً تتبعت فيه الأخبار التاريخية عن مصحف عثمان، انتهت فيه إلى القول بأن أخر ما وصلنا عن هذا المصحف كان في القرن الثامن الهجري، وبعدها انقطعت أخباره عنا.
ونخلص من ذلك كله أن مصحف عثمان الشخصي رأه بعض العلماء قديماً ونقلوا منه، لكنه اليوم مفقود، والمفقود يرجى ظهوره مهما طال زمان مغيبه أو قصر كما قال السخاوي، ولن أتفاجئ إذا أعلن العلماء في يوم من الأيام خبر اكتشافه أو اكتشاف واحد من المصاحف العثمانية الأصلية التي أرسلت إلى الامصار. ولم لا؟ فمن كان يتوقع أن يعثر عمال الصيانة على آلاف الرقوق القرآنية التي تعود إلى القرون المبكرة من تاريخ الإسلام وهم يرممون سقف الجامع الكبير عام 1972 بسبب الأمطار!
هكذا بدون بحث أو تنقيب عثرنا على رقوق قرآنية في خزانة قديمة لا تقدر بثمن فماذا لو كثفنا الجهود والأبحاث؟ لا شك إننا سنصل إلى نتائج مذهلة، فما زال مجال دراسة مخطوطات القرآن الكريم في أوله والايام حبلى يلدن كل عجيب.
والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
أحمد شاكر
27 مايو 2015
أقول بداية: تحتفظ العديد من البلدان الإسلامية اليوم بمصاحف عتيقة مكتوبة على الرق بالخط الكوفي أشهرها الذي في القاهرة في جامع الإمام الحسين، والذي في اسطنبول في متحف طوب قابي سراي، والذي في طشقند في متحف الآثار العتيقة.
هناك اعتقاد سائد بين عامة المسلمين في هذه البلدان أن المصحف الذي لديهم هو مصحف عثمانرضي الله عنه الذي استشهد وهو يقرأ منه وعليه قطرات دمه. إن هذا الاعتقاد غير مبني على أدلة ودراسات علمية بل الحال كما أخبر الشيخ طه الولي رحمه الله أن الناس من فرط حرصهم على التشرف بنيل هذا الأثر العظيم يتوهمون (أن كل مصحف مكتوب بالخط الكوفي على الرق لابد وأن يكون هو نفس النسخة التي كتبت في أيام عثمان ولو لم تكن في الواقع كذلك). أما عن قطرات الدم التي تكون على أوراق بعض هذه المصاحف العتيقة مما يجعل العامة تعتقد أنه مصحف عثمان الشخصي فقد تنبه لذلك الشيخ زاهد الكوثري فقال رحمه الله (وكثير من الماكرين يجترئون على تلطيخ بعض المصاحف القديمة بالدم، ليظن أنه كان بيد عثمان حينما قتل. وكم من مصاحف ملطخة بالدم في خزانات الكتب).
إن أغلب الباحثين اليوم يميلون إلى عدم صحة نسبة هذه المصاحف إلى عثمان، فهي ليست واحدة من المصاحف العثمانية التي أرسلها إلى أهل الأمصار (المصاحف الخمسة) ولا النسخة التي حبسها لنفسها واستشهدرضي الله عنه وهو يقرأ منها. الأرجح - كما يذهب إلى ذلك الدكتور طيار آلتي قولاج وغيره من الباحثين - أن تكون هذه المصاحف مستسنخة منها أو من نُسخة نَسخَت عنها وذلك لأننا نجد في بعض هذه المصاحف خصائص المصحف الكوفي أو الشامي أو البصري، وهكذا. فاحتمالية نسخها من المصاحف العثمانية الأصلية قوية.
وبالعودة إلى السؤال عن مصير مصحف عثمان الشخصي (=المصحف المدني الخاص) وإمكانية العثور عليه في يوم من الأيام، ينبغي أولاً ذكر ما وصلنا من روايات تاريخية تخص هذا المصحف لتساعدنا على الإجابة على هذا السؤال إما بالنفي أو الإثبات.
لقد ذكر ابن قتيبة رحمه الله أن مصحف عثمان الذي قتل وهو في حجره صار إلى ابنه خالد ثم صار مع أولاده وقد درجوا. وقد ورد في المصادر رؤية عدد من العلماء لهذا المصحف، منهم عاصم الجحدري (ت128هـ) وأبو عبيد القاسم بن سلام (ت224هـ). فيقول أبو عبيد: (رأيت المصحف الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، استخرج لي من بعض خزائن الأمراء، وهو المصحف الذي كان في حجره حين أصيب، ورأيت آثار دمه في مواضع منه.)
ولما سأل وهب الإمام مالك عن مصحف عثمان، قال له: ذهب. وهذه العبارة استدرك عليها السخاوي وغيره بالقول بأنها لا تدل على غياب المصحف بالكلية بحيث لا يوجد، لأن ما تغيب يرجى ظهوره، ويتوقع حظوره، طال زمان مغيبه أو قصر.
وفي العصر الحديث، قدمت الدكتورة سحر السيد عبد العزيز بحثاً تتبعت فيه الأخبار التاريخية عن مصحف عثمان، انتهت فيه إلى القول بأن أخر ما وصلنا عن هذا المصحف كان في القرن الثامن الهجري، وبعدها انقطعت أخباره عنا.
ونخلص من ذلك كله أن مصحف عثمان الشخصي رأه بعض العلماء قديماً ونقلوا منه، لكنه اليوم مفقود، والمفقود يرجى ظهوره مهما طال زمان مغيبه أو قصر كما قال السخاوي، ولن أتفاجئ إذا أعلن العلماء في يوم من الأيام خبر اكتشافه أو اكتشاف واحد من المصاحف العثمانية الأصلية التي أرسلت إلى الامصار. ولم لا؟ فمن كان يتوقع أن يعثر عمال الصيانة على آلاف الرقوق القرآنية التي تعود إلى القرون المبكرة من تاريخ الإسلام وهم يرممون سقف الجامع الكبير عام 1972 بسبب الأمطار!
هكذا بدون بحث أو تنقيب عثرنا على رقوق قرآنية في خزانة قديمة لا تقدر بثمن فماذا لو كثفنا الجهود والأبحاث؟ لا شك إننا سنصل إلى نتائج مذهلة، فما زال مجال دراسة مخطوطات القرآن الكريم في أوله والايام حبلى يلدن كل عجيب.
والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
أحمد شاكر
27 مايو 2015