قال المالقي: قال الحافظ رحمه الله: "وهذا إذا لم تلق الهاء ساكنا".
قد تقدم أن الهاء إذا سكن ما بعدها فابن كثير يوافق الجماعة على ترك الصلة إلا في قوله تعالى: "عنه تلهى" في قراءة البزي حيث شدد التاء وأبقى صلة الهاء، وقد تقدم في صدر باب الإدغام أن الحرف المشدد يتكون من حرفين أولهما ساكن، لكن لما كان هذا التشديد عارضا كما قال الحافظ لم يعتد به، فلم تحذف الصلة لذلك، بل يجب أن يزاد في مدها على ما يأتي بعد بحول الله عز وجل.
فإن قيل: وكيف يكون التشديد عارضا والأصل "تتلهى" بتاءين، بل التخفيف هو العارض؛ لما فيه من حذف إحدى التاءين هربا من توالي المثلين، فأما التشديد ففيه إثبات التاءين وهو الأصل، غير أنه لما استثقل ذلك أسكنت الأولى وأدغمت في الثانية طلبا للتخفيف، فكيف يكون التشديد عارضا وفيه إبقاء الأصل؟
فالجواب أن الأصل كما قلت أن يكون بتاءين، ثم إن العرب منهم من يتكلم بالأصل ولا يبالي بالثقل، ومنهم من يستثقل فيخفف بالحذف، ويطرد ذلك في الوصل والابتداء، ويلتزم هذا حتى يصير كأنه الأصل، ولا يعرج على ما كان قبل ذلك، وهذا المعنى ملحوظ عندهم، وإليه أشار قائلهم
إذا انصرفت نفسي عن الأمر لم تكد إليه بوجه آخر الدهر ترجع
فلما صار هذا الحذف كأنه أصل في الكلام، حكم للتشديد المنبه على الأصل بحكم العارض، كما قالوا: اجتمعت أهل اليمامة، بإثبات التاء في الفعل، لما كان الذي كثر في كلامهم واشتهر أن يقولوا: اجتمعت اليمامة، ويحذفون "الأهل" حتى صار كالمتروك في الأصل، وإن كان إثباته هو الأصل، فإذا لفظ به يوما ما فقيل: اجتمعت أهل اليمامة، أبقوا التاء، وحكموا على "الأهل" بحكم المقحم الزائد حتى صار "اجتمع أهل اليمامة" بحذف التاء قليلا في كلامهم.
ويقوي كون هذا التشديد في حكم العارض اختصاصه بالوصل دون الابتداء؛ إذ لا يجوز الابتداء بهذه التاء في هذه الكلمة وسائر أخواتها إلا بالتخفيف كما هو مذكور في موضعه من فرش الحروف، ولا يجوز إدخال همزة الوصل ولا النطق بتاءين مفككتين.
وإن شئت قلت: إن الذي ذهب من العرب إلى التشديد لم يرتكبه بعد استقرار الحذف لينبه على الأصل، ولكنه لما استثقل اجتماع المثلين متحركين، سكن الأول وأدغمه في الثاني، واكتفى بهذا القدر من التخفيف، وعلى هذا أيضا لا يخرج التشديد عن كونه عارضا؛ إذ الأصل التفكيك والتحريك.
واعلم أن السؤال وارد على كل واحد من المذهبين؛ أما المذهب الثاني فيرد عليه عدم الاطراد؛ لأنه يسكن ويدغم في الوصل، ويحذف الحرف بحركته في البتداء.
وأما المذهب الأول فيرد عليه أنه لما شدد لينبه على الأصل عرض فيه الرجوع إلى ما قد كان رفض.
فإن قيل: لا ينكر الرجوع إلى الأصل في كلام العرب كما قال الشاعر:
فإنه أهل لأن يؤكرما
فأثبت الهمزة الهمزة.
وقال الآخر:
........ أني أجود لأقوام وإن ضننوا
بتفكيك النونين.
ومن صرف ما لا ينصرف.
قيل: هذا كله صحيح ولكن بابه الشعر، ويقل وجوده في الكلام، والله - لا إله غيره -أعلم.