عندما يصبح إعجاز القرآن مصدراً للكسب

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع مرهف
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

مرهف

New member
إنضم
27/04/2003
المشاركات
511
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
ـ سوريا
الموقع الالكتروني
www.kantakji.org
عندما يصبح إعجاز القرآن مصدراً للكسب​
د.محمد سعيد رمضان البوطي​


أستاذ بجامعة دمشق​
ليس في الناس الذين عرفوا القرآن، فقرؤوه أو قرؤوا شيئاً منه، من لا يعلم أنه معجز، وليس فيهم من يجهل أن لإعجازه وجوهاً كثيرة، وأن إخباره ببعض الحقائق العلمية الثابتة التي لم تكن معروفة للناس من قبل، واحد من هذه الوجوه. وذلك مثل إخباره بأن ضياء الشمس منبثق من ذاتها، وأن نور القمر منعكس إليه من غيره، في مثل قوله تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً)[يونس:5]. إذ المضيء في اللغة هو الشيء الذي ينبثق الضياء من داخله، والمنير هو الذي يتجه إليه الضياء من جرم آخر، فأنت تقول - فيما تقرره اللغة - غرفة منيرة ولا تقول غرفة مضيئة.
ولكن الشيء الذي لا يقبله عقل العقلاء أياً كانوا، مؤمنين أو جاحدين، أن يعمد أحدنا إلى آية من القرآن فيفرغها من دلالتها الظاهرة التي تنزلت بها، ثم يجعلها وعاء (قبلت اللغة العربية أم لم تقبل) لظنون علمية ربما ظهر فيما بعدُ بطلانها!..
لقد غدت هذه الطريقة في إثبات الإعجاز العلمي للقرآن ذائعة شائعة، يتسابق إليها ذوو الأحلام التوسعية المتنوعة، وأُنشِئت لهؤلاء المتسابقين مؤسَّساتٌ، ورُسِمت لها ميزانيات، ورُتب لها مديرون وإدارات، وأحيط ذلك كلُّه بهالة من الدعايات.
فهل دعت هذه الطريقةُ الناس التائهين عن القرآن إلى الالتفات إليه والإقبال عليه؟.. أم هل أورثت المجادلين بشأنه، المستخفّين بحقائقه انعطافاً إليه وإيماناً بربانيته ويقينياً بالوجوه الإعجازية (العلمية) التي تتوازع المتسابقين إدعاءآتُ السبقِ والاكتشافِ لها؟..
إنني على علم بأن هذه الطريقة لم تزد التائهين عنه إلا تيهاً وإعراضاً، ولم تزد المرتابين فيه إلا شكاً، بل إنها لم تنقلهم من الشك فيه إلا إلى الجحود به. بل إني لأخشى أن أقول: إن في المقبلين إلى كتاب الله هذا، والمستأنسين بخطابه وتعاليمه، من زجّتهم هذه الطريقة (الاحترافية)، إذ وثقوا بها فتابعوها، في حالة من الارتياب فيما كانوا مؤمنين به، وفي الإعراض عما كانوا مقبلين إليه!..
ماذا تتوقع من حال إنسان له حظٌّ، قلَّ أو كثر، من الثقافة العامة والمحاكمة العقلانية للأمور، يسمع أو يقرأ ما يقوله أحد هؤلاء المسرعين إلى الفوز بالأسبقية، في اكتشاف المزيد من مظاهر (الإعجاز العلمي) في القرآن، عن إعجاز علمي باهر جديد اكتشفه في سورة يوسف، في قوله تعالى على لسان يوسف: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً)[يوسف: 93]. إنه الإعجاز الذي يقرره العلم متمثلاً في الأثر الذي يتركه العَرَقُ المتصبّب من جسم الإنسان، في العين التي غاض عنها نورها فأصيبت بنوع من العمى، ونظراً إلى أن القرآن قد سبق علم العلماء بذلك، وقرر ذلك في هذا الذي قاله يوسف لإخوته، إذن فهو مظهر فريد من مظاهر الإعجاز العلمي في القرآن، إذ إن القميص ليس هو الذي أعاد الرؤية إلى عيني يعقوب، عندما ألقي على وجهه، وإنما هو العرق الذي كان قد تشربه القميص من جسم يوسف!..
إن الإنسان الذي سمع أو قرأ هذا الكلام لا بدّ أن يتساءل: في أي موسوعة علمية أو على لسان أي طبيب أو باحث علمي أو فيما يقرره أي عطار يتعامل مع فنون العطارة ومزايا الأعشاب، ثبت أن عرق الإنسان يحمل هذه الفائدة النموذجية المتميزة للعين العمياء؟.. إنك مهما بحثت، لن تجد ما يؤيد هذه الأكذوبة الصلعاء.. ثم هب أن العرق له هذا التأثير السحري العجيب، فأي أثر منه يبقى على الثوب بعد اجتياز المسافات الطويلة بين مصر والبادية التي كان يقيم فيها يعقوب عليه الصلاة والسلام؟ على أن هذا الوهم الذي نسجه خيال أحد المتسابقين في هذا المضمار، إن افترضنا جَدَلاً صحته، فإنما هو عندئذ إعجاز ليوسف عليه الصلاة والسلام وليس إعجازاً للقرآن.
وقرأت لأحدهم كشفاً عظيماً، يُبرز فيما يزعم أنه الإعجاز الباهر في قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر)[القمر:1]، وأتى مؤيداً على قوله، بصُوَرٍ التُقِطت لجوانب من القمر، إبَّان رحلة بعض العلماء إليه، تُبرز شقوقاً على وجهه، مؤكداً أن أحد هذه الشقوق هو مصداق قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر)، إنك لا تدري أيُّ تلك الشقوق هو المعنيُّ بخبر الله عن انشقاق القمر، وما الدليل على أنه هو لا غيره المعنيّ بذلك. ثم إن الإنشقاق الذي تم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم القمر، فيما رآه الناس، بنصفين، ثم عادا فالتأما.
فما وجه الشبه بين ذلك الانشطار الكلي الذي تم آنذاك، وواقع شقوق ذات أعماق محدودة رُئيت كظاهرة مستمرة على وجه القمر؟ وكيف يمكن لإنسان العلم والبحث عن الحقيقة في العصر الحديث أن يصدق أن ما رُئي على وجه القمر من شقوق كالتي ترى في أماكن على وجه الأرض، هو المعنيّ بالانشقاق الذي أعلن عنه بيان الله في القرآن، معجزةً دالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء الناس به من عند الله؟
ألا ترى أن هؤلاء المتسابقين يزرعون بتخبطاتهم المتكلفة الشكوك والريب في صدور البسطاء المؤمنين من الناس بأن القرآن كلام الله، من حيث يوهمون أنهم يزيدون المؤمنين بكتاب الله إيماناً. وأنهم يزيدون المرتابين بذلك ريبة ويزيدونهم اطمئناناًُ إلى كفرهم وضلالهم، بدلاً من أن يصعدوا بهم من اضطراب الرأي إلى صعيد الإيمان واليقين؟
وأغرب من هذا وذاك أن متسابقاً آخر يصر على أن الحديد إنما أُهبط، كالمطر والبَرَد من السماء، ولم يُستخرج فلذات ومناجم من الأرض. وأن هذه الحقيقة أنبأ عنها القرآن في قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس)[الحديث: 25] وأن العلم الحديث أيقن اليوم ذلك، فهو إذن من مظاهر الإعجاز العملي في القرآن.
فمن أين سرت هذه اللُّوثة إلى ذهن هذا الباحث الذي تغلبت لديه حوافز المسابقة في هذا المضمار على حوافز البحث في معنى كلمة (النزول) لغة؟ إنها سرت إليه من العجلة التي أفقدته فرصة البحث في معنى النزول ثم أفقدته فرصة الإصغاء إلى ما يقوله علماء الجيولوجيا وعلماء الطبيعة عموماً عن الحديد ومصدر تكوينه.
إن كلمة النزول تعني في أصلها اللغوي (الحلول). تقول نزلت ضيفاً عند فلان أي حللت في داره. ويقول الله تعالى: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين)[الفتح: 4]. أي أحلَّها في قلوبهم. ويقول عز وجل: (لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك)[هود: 12] أي هلّا حلّ لديه وفي ملكه كنز .. ومثله قوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوأتكم وريشاً)[الأعراف 26].
وإنما تأتي بمعنى الهبوط من علُ، عند وجود قرينة دالة على ذلك. كقوله تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك..)[الشعراء: 193]. وكقوله: (هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقاً)[غافر: 13].
إذن فمعنى قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد) أحللناه في الأرض ويسّرنا لكم استخراجه.
إن الذي غيّب هذه الحقيقة اللغوية المبثوثة في القواميس العربية، عن ذهن هذا الذي يركض منافساً أقرانه في اكتشاف المزيد من (الإعجاز العلمي) في القرآن، أنه فهم كلمة (النزول) كما يفهمها عوام الناس الذين يتعاملون مع ظواهر اللغة، فألجأه ذلك إلى أن يستنطق علماء هذا الشأن بما يتفق مع الفهم الذي عاد به لكلمة (أنزلنا) في الآية المذكورة، وهو أن الحديد إنما نزل قطراتٍ متفرقةً من السماء، ولم يُستخرج فلذات ومناجم وعروقاً من باطن الأرض.
فهل استجاب علماء هذا الشأن لهذا الاستجرار الذي جاء نتيجة لجهل باللغة وتصور باطل لمعنى النزول؟
لم أجد في علماء طبقات الأرض، ولا الخبراء بالمعادن، ولا علماء الطبيعة عموماً من قال: إن الحديد، دون غيره من المعادن المستقرة في طوايا الأرض، هابط، منفصلاً عن تماسكه وثقله، من أجواء السماء، ثم إنه اتخذ مكانه منتشراً في أعماق الأرض، وإن إنطاقهم بما لم ينطقوا به ولا يؤمنون به، أمر غريب وعجيب!..
* * *​
ألا فليتق الله أناس جرهم الطمع إلى أن يتخذوا من القرآن مِنجَماً لاستخراج كنوز المال. فمنهم من طاب له أن يستخرجها عن طريق التفنن في طباعته وإخراجه، ومنهم من فكر ملياً ثم رأى أن يستخرج المزيد منها عن طريق ابتداع إشارات لأحكام التجويد في ثنايا جمله وكلماته .. ومنهم من سلك إلى الغاية ذاتها ما ابتدعه من تلوين المعاني المتنوعة فيه بألوان متنوعة فاستخرج من ذلك قرآناً فيه سائر ألوان الطيف مع ضميمة أخرى.. ومنهم من آثر الوصول إلى المبتغى ذاته عن طريق الفتق والتشقيق لآيات القرآن لتحميلها ما لا تحمله من دعاوي السبق العلمي الوهمي، والكل مرتزق محترف .. على أننا لا نرتاب في أن القرآن معجز بهر الناس قديماً وحديثاً بإعجازه، ولإعجازه جوانب شتى، وما قراراته العملية المعلنة بنصوص عربية قاطعة الدلالة، إلا واحدٌ منها.
المصدر: صحيفة الخليج
و موقع نسيم الشام: http://naseem-alsham.com/ar/Pages.php?page=readrticle&pg_id=3544&page1=1
 
اتهام بغير دليل

اتهام بغير دليل

"عندما يصبح إعجاز القرآن مصدراً للكسب"​


العنوان اتهام بغير دليل والمقال يهدم ولا يبني
وما ذكره الدكتور البوطي لا يسوغ مثل هذا العنوان
ثم إنه كلام يمكن الجواب عليه بالآتي:
أولا: إنه من الناحية العلمية غير دقيق ، وأستطيع أن أقول إنه أقرب للكلام الإنشائي منه إلى الكلام العلمي ، والدليل:
أنه قال :
"ليس في الناس الذين عرفوا القرآن، فقرؤوه أو قرؤوا شيئاً منه، من لا يعلم أنه معجز، وليس فيهم من يجهل أن لإعجازه وجوهاً كثيرة، وأن إخباره ببعض الحقائق العلمية الثابتة التي لم تكن معروفة للناس من قبل، واحد من هذه الوجوه."
فهو هنا يقر بأن أحد وجوه إعجاز القرآن إخباره ببعض الحقائق العلمية.
ثم هو يعطينا مثالا على ذلك فيقول:
"وذلك مثل إخباره بأن ضياء الشمس منبثق من ذاتها، وأن نور القمر منعكس إليه من غيره، في مثل قوله تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً)[يونس:5]. إذ المضيء في اللغة هو الشيء الذي ينبثق الضياء من داخله، والمنير هو الذي يتجه إليه الضياء من جرم آخر، فأنت تقول - فيما تقرره اللغة - غرفة منيرة ولا تقول غرفة مضيئة."
وإذا درجنا على طريقة الدكتور البوطي في مقاله فيمكن أن نقول:
أين الإثبات على هذه الحقيقة العلمية ؟
من قال بذلك ممن لا يتخذون إعجاز القرآن مصدرا للكسب ؟
ثم إذا رجعنا لكلام السلف حول هذه الآية نجد في بعض أقوالهم ما يرد هذه المقولة
فهذا الطبري يقول:
"حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، والقمر آية الليل، والشمس آية النهار، فمحونا آية الليل: السواد الذي في القمر."
وبناء عليه يمكن القول أن ضوء القمر ذاتي وغير مستمد من الشمس.
ثم يقول:
"إذ المضيء في اللغة هو الشيء الذي ينبثق الضياء من داخله، والمنير هو الذي يتجه إليه الضياء من جرم آخر، فأنت تقول - فيما تقرره اللغة - غرفة منيرة ولا تقول غرفة مضيئة."
وهذا يحتاج إلى دليل قاطع ، وإذا كان الدكتور البوطي يستند إلى اللغة فأقول إن اللغة قد جاءت بغير ما ذكر، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن رؤيته لربه قال:
"رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ" صحيح مسلم
فهل الله تعالى يستمد نوره من غيره؟
وروى الطبراني:
"حَدَّثَنَا بِشْرُ بن مُوسَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ السَّلامِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مِكْرَزٍ، أَوْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن مِكْرَزٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ:"إِنَّ رَبُّكُمْ تَعَالَى لَيْسَ عِنْدَهُ لَيْلٌ، وَلا نَهَارٌ، نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ"
ثم إنا نجد في اللغة عكس ما ذكر الدكتور البوطي
روى أحمد رحمه الله والبيهقي في شعب الإيمان:
عن العرباض بن سارية ، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : « إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأخبركم عن ذلك ؛ دعوة إبراهيم وبشارة عيسى بي ، ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين ، وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام »
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال : نور ولم يقل ضياء.وقال : أضاءت ولم يقل أنارت .
وفي البخاري قال صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا."

ثم يقول الدكتور البوطي:
"ولكن الشيء الذي لا يقبله عقل العقلاء أياً كانوا، مؤمنين أو جاحدين، أن يعمد أحدنا إلى آية من القرآن فيفرغها من دلالتها الظاهرة التي تنزلت بها، ثم يجعلها وعاء (قبلت اللغة العربية أم لم تقبل) لظنون علمية ربما ظهر فيما بعدُ بطلانها!.."
وأقول:
نعم هذا غير مقبول ، ولكنه قد ينطبق على مثالك الذي قبلته وقدمته لنا.

ثم يقول الدكتور البوطي:
"لقد غدت هذه الطريقة في إثبات الإعجاز العلمي للقرآن ذائعة شائعة، يتسابق إليها ذوو الأحلام التوسعية المتنوعة، وأُنشِئت لهؤلاء المتسابقين مؤسَّساتٌ، ورُسِمت لها ميزانيات، ورُتب لها مديرون وإدارات، وأحيط ذلك كلُّه بهالة من الدعايات.
فهل دعت هذه الطريقةُ الناس التائهين عن القرآن إلى الالتفات إليه والإقبال عليه؟.. أم هل أورثت المجادلين بشأنه، المستخفّين بحقائقه انعطافاً إليه وإيماناً بربانيته ويقينياً بالوجوه الإعجازية (العلمية) التي تتوازع المتسابقين إدعاءآتُ السبقِ والاكتشافِ لها؟.."
أقول :
نعم لقد أثمرت تلك الهيئات التي عنيت بالإعجاز القرآني وآتت أكلها والشواهد على ذلك أصبحت ظاهرة لكل منصف.
ثم يقول الدكتور:
"إنني على علم بأن هذه الطريقة لم تزد التائهين عنه إلا تيهاً وإعراضاً، ولم تزد المرتابين فيه إلا شكاً، بل إنها لم تنقلهم من الشك فيه إلا إلى الجحود به. بل إني لأخشى أن أقول: إن في المقبلين إلى كتاب الله هذا، والمستأنسين بخطابه وتعاليمه، من زجّتهم هذه الطريقة (الاحترافية)، إذ وثقوا بها فتابعوها، في حالة من الارتياب فيما كانوا مؤمنين به، وفي الإعراض عما كانوا مقبلين إليه!.."
وأقول:
غريب هذا الكلام !!!
وجوابي عليه اختصره بقولي:
نحن نرى العكس تماما فالشواهد المكتوبة والمسموعة والمرئية تؤكد عكس ما يقوله الدكتور.
أكتفي بهذا القدر لضيق الوقت
وأرجو أن ييسر الله الوقت للوقوف مع الأمثلة الأخرى التي ذكرها الدكتور البوطي " قميص يوسف، وانشقاق القمر ، وإنزال الحديد"
 
الحق أحق أن يتبع

الحق أحق أن يتبع

أشكر الدكتور مرهف على ما تفضل بنقله وأشكر الأخ الكريم الأستاذ الغامدي على طول نفسه ومنهجيته وأقول :
إن الواضح من المقال هو زجر المتاجرين بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم وزجر من يتفنن من أجل سبق رخيص ولو على حساب القرآن الكريم وقدسيته ـ
أما من استخرج من القرآن حقيقة علمية ثابتة لا تقبل الجدل أو الشك أو الرد مهما تقدم العلم وتطورت التقنية فكلامه مقبول ورأيه محمود وسعيه مشكور .
ونحن في انتظار مزيد من نقاش أبي سعد ـ أسعده الله ـ لمزيد من الإفادة منه.
 
عندما يصبح إعجاز القرآن مصدراً للكسب​





د.محمد سعيد رمضان البوطي​


أستاذ بجامعة دمشق​

ماذا تتوقع من حال إنسان له حظٌّ، قلَّ أو كثر، من الثقافة العامة والمحاكمة العقلانية للأمور، يسمع أو يقرأ ما يقوله أحد هؤلاء المسرعين إلى الفوز بالأسبقية، في اكتشاف المزيد من مظاهر (الإعجاز العلمي) في القرآن، عن إعجاز علمي باهر جديد اكتشفه في سورة يوسف، في قوله تعالى على لسان يوسف: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً)[يوسف: 93]. إنه الإعجاز الذي يقرره العلم متمثلاً في الأثر الذي يتركه العَرَقُ المتصبّب من جسم الإنسان، في العين التي غاض عنها نورها فأصيبت بنوع من العمى، ونظراً إلى أن القرآن قد سبق علم العلماء بذلك، وقرر ذلك في هذا الذي قاله يوسف لإخوته، إذن فهو مظهر فريد من مظاهر الإعجاز العلمي في القرآن، إذ إن القميص ليس هو الذي أعاد الرؤية إلى عيني يعقوب، عندما ألقي على وجهه، وإنما هو العرق الذي كان قد تشربه القميص من جسم يوسف!..
إن الإنسان الذي سمع أو قرأ هذا الكلام لا بدّ أن يتساءل: في أي موسوعة علمية أو على لسان أي طبيب أو باحث علمي أو فيما يقرره أي عطار يتعامل مع فنون العطارة ومزايا الأعشاب، ثبت أن عرق الإنسان يحمل هذه الفائدة النموذجية المتميزة للعين العمياء؟.. إنك مهما بحثت، لن تجد ما يؤيد هذه الأكذوبة الصلعاء.. ثم هب أن العرق له هذا التأثير السحري العجيب، فأي أثر منه يبقى على الثوب بعد اجتياز المسافات الطويلة بين مصر والبادية التي كان يقيم فيها يعقوب عليه الصلاة والسلام؟ على أن هذا الوهم الذي نسجه خيال أحد المتسابقين في هذا المضمار، إن افترضنا جَدَلاً صحته، فإنما هو عندئذ إعجاز ليوسف عليه الصلاة والسلام وليس إعجازاً للقرآن.
http://naseem-alsham.com/ar/Pages.php?page=readrticle&pg_id=3544&page1=1
ملاحظاتي على هذا الكلام كالتالي:
أولاً: ليس القميص هو الذي أعاد الرؤية إلى عيني يعقوب عليه السلام وإنما الله هو الذي أعاده.
ثانياً: لم يكن يوسف عليه السلام ليرسل القميص ويأمر بإلقائه على وجه أبيه ويخبر أنه سيرتد بصيرا من عند نفسه وإنما كان بأمر من الله تعالى معجزةً ليوسف عليه السلام.
ثالثاً: هل لنا أن نسأل : لماذا القميص ؟ ألم يكن الله قادرا على أن يعيد ليعقوب بصره من غير القميص؟ بلى.
إذا ما هي الحكمة ؟ إنه أمر تركه الحق تبارك وتعالى لنجتهد ونبحث ونتعلم. بعد يوسف أحزن يعقوب عليه السلام واشتد به الحزن حتى ذهب بصره ، والأحزان وشدتها تحدث اختلالا في الجسم ووظائفه وينتج عن ذلك أمراض وعلل كثيرة ، وهذا أمر معروف عند الناس بالتجربة ولهذا كان يتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الحزن.
إن القميص قد أعاد إلى يعقوب عليه السلام ريح يوسف ، وريح الإنسان في لباسه ينتج عن عرقه وإفراز جسمه وهذا يبقى مهما طالت المدة مالم يغسل.
هل ريح يوسف عليه السلام أعادت إلى يعقوب عليه السلام توازن وظائف جسمه حين ألقي القميص على وجهه ومن ثم ارتد بصيرا؟
هذا ما أعتقده والله أعلم.
رابعا: صاحب الاكتشاف هو الدكتور : عبد الباسط محمد سيد رئيس قسم الكيمياء الحيوية بالمركز القومي للبحوث في مصر، وعضو هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة.
وهذا تعريف موجز بالدكتور:
"وُلد الدكتور عبد الباسط سيد في أسيوط في مصر عام 1943، تخرج من كلية العلوم جامعة أسيوط عام 64، ثم حصل على البكالوريوس في الطب من جامعة القاهرة عام 69، ثم على الماجستير في التمثيل الغذائي من جامعة القاهرة عام 1971، حصل بعد ذلك على الدكتوراه في مجال الفيزياء الحيوية الطبية من جامعة ستوكهولم في السويد عام 1978." المصدر برنامج بلا حدود قناة الجزيرة.
الدكتور عبد الباسط لم يقل إن العرق هو سبب مباشر في رجوع بصر يعقوب ، ولم يقل إن هذا تفسير الآية ، وإنما قال دفعتني الآية للبحث فأوصلتني البحوث إلى أن عرق الإنسان مكون من 52 مادة وجد أن واحدة من هذه المواد مادة علاجية للعين المصابة بالعتامة وتم تسجيل هذا الاكتشاف وسجلت براءة اختراعه في أوروبا وأمريكا "مع الأسف الشديد".
فإذا كان القرآن قد قاد هذا الرجل المسلم للبحث والتنقيب ووصل إلى ما وصل إليه ألا يدل ذلك على أن هذا القرآن معجز وفعال ومؤثر في كل جانب من جوانب الحياة ؟

 
عندما يصبح إعجاز القرآن مصدراً للكسب​





د.محمد سعيد رمضان البوطي​



أستاذ بجامعة دمشق​

وقرأت لأحدهم كشفاً عظيماً، يُبرز فيما يزعم أنه الإعجاز الباهر في قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر)[القمر:1]، وأتى مؤيداً على قوله، بصُوَرٍ التُقِطت لجوانب من القمر، إبَّان رحلة بعض العلماء إليه، تُبرز شقوقاً على وجهه، مؤكداً أن أحد هذه الشقوق هو مصداق قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر)، إنك لا تدري أيُّ تلك الشقوق هو المعنيُّ بخبر الله عن انشقاق القمر، وما الدليل على أنه هو لا غيره المعنيّ بذلك. ثم إن الإنشقاق الذي تم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم القمر، فيما رآه الناس، بنصفين، ثم عادا فالتأما.​
فما وجه الشبه بين ذلك الانشطار الكلي الذي تم آنذاك، وواقع شقوق ذات أعماق محدودة رُئيت كظاهرة مستمرة على وجه القمر؟ وكيف يمكن لإنسان العلم والبحث عن الحقيقة في العصر الحديث أن يصدق أن ما رُئي على وجه القمر من شقوق كالتي ترى في أماكن على وجه الأرض، هو المعنيّ بالانشقاق الذي أعلن عنه بيان الله في القرآن، معجزةً دالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء الناس به من عند الله؟
ألا ترى أن هؤلاء المتسابقين يزرعون بتخبطاتهم المتكلفة الشكوك والريب في صدور البسطاء المؤمنين من الناس بأن القرآن كلام الله، من حيث يوهمون أنهم يزيدون المؤمنين بكتاب الله إيماناً. وأنهم يزيدون المرتابين بذلك ريبة ويزيدونهم اطمئناناًُ إلى كفرهم وضلالهم، بدلاً من أن يصعدوا بهم من اضطراب الرأي إلى صعيد الإيمان واليقين؟
: http://naseem-alsham.com/ar/Pages.php?page=readrticle&pg_id=3544&page1=1

انشقاق القمر حقيقة قرآنية وحقيقة تاريخية
أما كونه حقيقة قرآنية فلأنه ثابت في كتاب الله تعالى الذي ثبت بالدليل القطعي أنه كلام الله تعالى .
وأما تاريخيا فلأن هذه الحقيقة شاهدها الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وكان مستند إيمانهم هو صدق النبي صلى الله عليه وسلم وما كان لأولئك الذين بذلوا في سبيل إيمانهم المبني على صدق الرسول أموالهم ودمائهم والصبر على الأذى ليسكتوا على أمر يعلمون حقيقة كذبه.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الذين رأوا الحادثة وهم على كفرهم شهدوا بها ، ولكنهم نسبوها إلى السحر ، ولو أن الحادثة لم تقع لأنكروها ، ولكن لم يحصل شيء من ذلك.
في هذا العصر الحديث الذي يعيش على الأرض أكثر من أربعة مليار إنسان لا يؤمنون بالقرآن ولا بمن أنزل عليه القرآن ، عصر العلم وعصر اكتشاف أعماق البحار وباطن الأرض وآيات السماء ، إذا تحدث أحد العلماء المسلمين وهو أستاذ في علوم الأرض وله نصيب وافر من العلم الشرعي مشهود له بالخير والاستقامة والجهود المشكورة في الدعوة إلى دين الله ، إذا تحدث وقال:
إنه سمع من أحد المشهورين ـ أثناء إلقائه محاضرة عن الإسلام في أحدى الجامعات البريطانية ـ أنه أسلم لأنه سمع من بعض رواد الفضاء أنه قد اكتشفوا ما يدل على أن القمر قد انشق يوما ما ، فدفعه ذلك إلى الإسلام لأنه وجد ذلك يؤكد ما جاء في القرآن.
فهل من العقل أن نرفض ما قاله الرجل ونرده ؟
ثم إن الدكتور زغلول النجار وهو المختص في فنه يقول:
إن في القمر شروخا عميقة تمد من القطب إلى القطب لا يمكن تفسيرها علميا إلا بالشد الجانبي " أي أن القمر قد انشق يوما ما" وهذا أمر يؤكد ما جاء في القرآن وإن كنا غير محتاجين إليه .
فهل هذا القول يزرع الشكوك والريب والتخبط في صدور المؤمنين البسطاء كما يقول الدكتور محمد سعيد البوطي وبناء عليه يكيل التهم للفضلاء بأنهم يتكسبون من وراء الإعجاز ؟
أين المنطق العلمي الذي يتحدث عنه الدكتور؟
 
مرحباً أخي الحبيب أبا سعد:
إن كلام الدكتور سعيد حفظه الله منطقي وسليم، فهو لا ينكر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم من حيث الوجود - كما ذكر الدكتور عبد الفتاح جزاه الله خيرا - ولكنه ينكر على المتاجرين فيه الذين لديهم هوس بكل ما يدعى (علمي) دون النظر بمصداقيته في الواقع وارتباطه بالآية من حيث الدلالة، وما تفضلتم به له محل من النظر والبحث، فسيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام لم يعصر قميص يوسف ويقطر عرقه في عينه ليرتد بصيراً، كما أن اعتقادك بأن ريح يوسف أعادت عمل وظائف الجسم في نبي الله يعقوب اعتقاد تقف به أمام الله تعالى ولكن ليس بملزم لغيرك لأن يوسف نبي وله معجزات تظهر تفضيل الله له على أخوته فلا أخالك أخي أبا سعد تمشي على قدم رشيد رضا في علمنة المعجزات وجعلها من جملة الماديات، وأما انشقاق القمر فقد حصل حوله جدل في مصداقية صحة الصورة حتى دخلت على موقع سانا ورأيت بعض الصور المأخوذة عن طريق الأقمار الصناعية التي تبين وجود تشققات بالفعل، ولكن هل هناك تصريح ممن استكشف هذه التشققات في بيان أنها تسببت من انفصال شقي القمر وتباعدهما ثم عودتهما، أم أن إسقاط حصول هذ التشققات في القمر على واقعة معجزة النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل الاحتمال النظري، ثم ظاهر الرواية أن القمر انشق نصفين وفهمنا يقود لى أن الانشقاق طولي فهل هذه التشققات طولية أم عرضية، ..وكم هو عمق هذه التشققات؟.. هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة وبما أن الكلام هنا دون إثبات علمي فهو مضيعة للوقت ويكفينا الحقيقة القرآنية حول هذه المعجزة التي تواترت نقلاً كما تواترت قرآناً.
إن الكتابات في الإعجاز العلمي يا أخي العزيز أبا سعد صارت عند بعضهم - كما يقال - (شغل لمن لا شغل له)، ولا يجوز تعميم كلام الدكتور سعيد على كل من كتب في هذا الاتجاه أيضاً ولكن الأمر يحتاج للتقوى والله المستعان.
 
عندما يصبح إعجاز القرآن مصدراً للكسب​







د.محمد سعيد رمضان البوطي​



وأغرب من هذا وذاك أن متسابقاً آخر يصر على أن الحديد إنما أُهبط، كالمطر والبَرَد من السماء، ولم يُستخرج فلذات ومناجم من الأرض. وأن هذه الحقيقة أنبأ عنها القرآن في قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس)[الحديث: 25] وأن العلم الحديث أيقن اليوم ذلك، فهو إذن من مظاهر الإعجاز العملي في القرآن.
فمن أين سرت هذه اللُّوثة إلى ذهن هذا الباحث الذي تغلبت لديه حوافز المسابقة في هذا المضمار على حوافز البحث في معنى كلمة (النزول) لغة؟ إنها سرت إليه من العجلة التي أفقدته فرصة البحث في معنى النزول ثم أفقدته فرصة الإصغاء إلى ما يقوله علماء الجيولوجيا وعلماء الطبيعة عموماً عن الحديد ومصدر تكوينه.
إن كلمة النزول تعني في أصلها اللغوي (الحلول). تقول نزلت ضيفاً عند فلان أي حللت في داره. ويقول الله تعالى: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين)[الفتح: 4]. أي أحلَّها في قلوبهم. ويقول عز وجل: (لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك)[هود: 12] أي هلّا حلّ لديه وفي ملكه كنز .. ومثله قوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوأتكم وريشاً)[الأعراف 26].
وإنما تأتي بمعنى الهبوط من علُ، عند وجود قرينة دالة على ذلك. كقوله تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك..)[الشعراء: 193]. وكقوله: (هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقاً)[غافر: 13].
إذن فمعنى قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد) أحللناه في الأرض ويسّرنا لكم استخراجه.
إن الذي غيّب هذه الحقيقة اللغوية المبثوثة في القواميس العربية، عن ذهن هذا الذي يركض منافساً أقرانه في اكتشاف المزيد من (الإعجاز العلمي) في القرآن، أنه فهم كلمة (النزول) كما يفهمها عوام الناس الذين يتعاملون مع ظواهر اللغة، فألجأه ذلك إلى أن يستنطق علماء هذا الشأن بما يتفق مع الفهم الذي عاد به لكلمة (أنزلنا) في الآية المذكورة، وهو أن الحديد إنما نزل قطراتٍ متفرقةً من السماء، ولم يُستخرج فلذات ومناجم وعروقاً من باطن الأرض.
فهل استجاب علماء هذا الشأن لهذا الاستجرار الذي جاء نتيجة لجهل باللغة وتصور باطل لمعنى النزول؟
لم أجد في علماء طبقات الأرض، ولا الخبراء بالمعادن، ولا علماء الطبيعة عموماً من قال: إن الحديد، دون غيره من المعادن المستقرة في طوايا الأرض، هابط، منفصلاً عن تماسكه وثقله، من أجواء السماء، ثم إنه اتخذ مكانه منتشراً في أعماق الأرض، وإن إنطاقهم بما لم ينطقوا به ولا يؤمنون به، أمر غريب وعجيب!..
المصدر: صحيفة الخليج
و موقع نسيم الشام: http://naseem-alsham.com/ar/Pages.php?page=readrticle&pg_id=3544&page1=1
قول الدكتور محمد سعيد:
"وأغرب من هذا وذاك أن متسابقاً آخر يصر على أن الحديد إنما أُهبط، كالمطر والبَرَد من السماء، ولم يُستخرج فلذات ومناجم من الأرض."
وأقول:
لم أسمع ولم أقرأ لأحد من العلماء المعتبرين الذين تكلموا في هذا الشأن أن الحديد لم يستخرج من الأرض ، فلا أدري من أين أتى بها الدكتور محمد سعيد البوطي؟
ويقول:
"إن كلمة النزول تعني في أصلها اللغوي (الحلول). تقول نزلت ضيفاً عند فلان أي حللت في داره."
هذا الكلام غير دقيق ، وغريب أن يأتي من عالم ، فـ "نزول" أصل بذاتها ، و"حلول" أصل بذاتها.
والأصل في النزول هو المجيء من مكان عالٍ ولا يحتاج إلى قرينة كما قال الدكتور.
قال بن دريد في "جمهرة اللغة":
"ولا يكون النُّزول إلا من ارتفاع الى هبوط، وإنما قالوا: نزلتُ في موضع كذا وكذا، لأنه ينزل على دابّة أو يتجاوز مَنزلة الى مَنزلة أخرى. وأنزلَ الله عزّ وجلّ الكتابَ إنزالاً ونزّله تنزيلاً شيئاً بعد شيء. وجعلتُ للرجل نُزْلاً، أي ما يقيمه لنزوله من طعام وغيره. ونزلتُ بفلان نازلةُ سَوْءٍ، وهنّ نوازل الدهر. وأنزل الفحلُ ماءه إنزالاً. والنُّزالة: ما أنزله الفحل من مائه. وفلان من نُزالةِ سَوْءٍ، أي من فحلِ سَوْءٍ. واللَّزْن: الضّيق؛ ماء لَزْن ومَلزون، أي قليل."
والحلول فيه دلالة على النزول من علو ، قال صاحب " تاج العروس":
"وحَلَلْتُ : نَزلْتُ مِن حَلِّ الأَحْمالِ عندَ النزول ثم جُرِّد استعمالُه للنُّزولِ فقِيل : حَلَّ حُلُولاً : نَزَل ."
وفي التنزيل استخدم "أنزل" و"أحلّ" ولكل واحدة منها دلالتها الخاصة، قال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) إبراهيم(28)
قال بن عادل في تفسيره " اللباب":
« أحَلُّوا » أنزلوا : « قَوْمهُمْ » من على كفرهم : « دَارَ البَوارِ » الهلاك .
وقال بن عاشور:
"والإحلال بها الإنزال فيها".
وقال تعالى:
"وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ"
قال الجوهري في الصحاح:
"وأمَّا قوله تعالى: " أو تَحُلُّ قريباً من دارِهِم " فبالضم، أي تنزِل."
وقال تعالى:
(كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ) طه(81)
قال الجوهري في الصحاح:
"وحَلَّ العذابُ يَحِلُّ بالكسر، أي وَجب ويَحُلّ بالضم، أي نزل. وقرئ بهما قوله تعالى: " فَيَحِلُّ عليكم غَضَبي " . وأمَّا قوله تعالى: " أو تَحُلُّ قريباً من دارِهِم " فبالضم، أي تنزِل."
وهنا نلاحظ أن الحلول في الآيات الكريمة قد فسرت بالنزول ، بينما لو نظرنا في الأمثلة التي ساقها الدكتور وفسر النزول فيها بالحلول:
" ويقول الله تعالى: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين)[الفتح: 4]. أي أحلَّها في قلوبهم.
ويقول عز وجل: (لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك)[هود: 12] أي هلّا حلّ لديه وفي ملكه كنز .. ومثله قوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوأتكم وريشاً)[الأعراف 26]."
أقول:
لم أجد في كلام المفسرين من فسر النزول بالحلول ، بل إن أكثرهم لم يتعرض لمعنى الإنزال لوضوحه ، إلا ما ذكره بن كثير عن بن عباس في تفسير آية سورة الفتح حيث قال:
"{ هُوَ الَّذِي أَنزلَ السَّكِينَةَ } أي: جعل الطمأنينة. قاله ابن عباس"
ولو تأملنا الآيات التي أوردها الدكتور مرة أخرى لرأينا أنه فسر النزول في الآيات بمعنى لا يصح.
الآية الأولى:
" ويقول الله تعالى: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين)[الفتح: 4]. أي أحلَّها في قلوبهم.
وهذا المعنى الذي ذكره الدكتور لا يلغى المعنى الحقيقي للفظة " أنزل" الدالة على المجيء من العلو ، وإذا تأملنا الأمر المنزل " السكينة" وجدنا أنها أمر معنوي وحسي مصدره إلهي قادم من العلو ، ففي الصحيحين من حديث البراء بن عازب قال:

"كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ."
وفي الحديث الآخر:
"عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنْ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ إِذْ جَالَتْ الْفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ فَقَرَأَ فَجَالَتْ الْفَرَسُ فَسَكَتَ وَسَكَتَتْ الْفَرَسُ ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتْ الْفَرَسُ فَانْصَرَفَ وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ قَالَ فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ فَخَرَجَتْ حَتَّى لَا أَرَاهَا قَالَ وَتَدْرِي مَا ذَاكَ قَالَ لَا قَالَ تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ"
قال بن بطال رحمه الله تعالى في شرحه لصحيح البخاري:
"فى هذا الحديث أن أسيد بن حضير رأى مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - : « تلك الملائكة تنزلت للقرآن » ، وقال - صلى الله عليه وسلم - فى حديث البراء فى سورة الكهف: « تلك السكينة نزلت للقرآن » . فمرة أخبر - صلى الله عليه وسلم - عن نزول السكينة، ومرة أخرى عن نزول الملائكة، فدل على أن السكينة كانت فى تلك الظلة وأنها تنزل أبدًا مع الملائكة، والله أعلم، ولذلك ترجم البخارى باب نزول السكينة والملائكة عند القراءة."
ويشهد لقول أن السكينة تنزل مع الملائكة الحديث الصحيح :
"وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال النووي رحمه الله تعالى في شرحه على مسلم:
"قَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى ( السَّكِينَة ) هُنَا أَشْيَاء الْمُخْتَار مِنْهَا : أَنَّهَا شَيْء مِنْ مَخْلُوقَات اللَّه تَعَالَى فِيهَا طُمَأْنِينَة وَرَحْمَة وَمَعَهُ الْمَلَائِكَة . وَاللَّهُ أَعْلَمُ ."
وهذه الأقوال تشهد له آيات القرآن الكريم:
(ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ) سورة التوبة(26)
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة(40)
نخلص من كل ذلك أن السكينة مصدرها علوي وتنزلها تنزل حقيقي ، لا كما ذهب إليه الدكتور.
الآية الثانية:
"ويقول عز وجل: (لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك)[هود: 12] أي هلّا حلّ لديه وفي ملكه كنز."
وهذا التفسير غريب جدا
نحن عرب يا دكتور والذين نزل بلغتهم القرآن يعون ما يقولون ولا أحتاج إلى الإطالة في أن مرادهم هو إنزال كنز من السماء كآية ومعجزة ، يؤكد هذا قول الله تعالى:
(وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)) الفرقان
قال بن الجوزي في زاد المسير:
"{ أو يُلقَى إِليه كَنْزٌ } أي : ينزل إِليه كنز من السماء"
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى في فتح القدير:
"{ أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ } معطوف على أنزل ، ولا يجوز عطفه على فيكون ، والمعنى : أو هلا يلقى إليه كنز ، تنزلوا من مرتبة نزول الملك معه ، إلى اقتراح أن يكون معه كنز يلقى إليه من السماء ؛ ليستغني به عن طلب الرزق".
الآية الثالثة:
قال الدكتور :
"ومثله قوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوأتكم وريشاً)[الأعراف 26]."
ولا أدري ماذا يقصد الدكتور بقوله : ومثله ؟ هل يعني أن أنزل هنا بمعنى "أَحلّ عليكم " ، فإن كان كذلك ، فأقول لم أجد في اللغة واستشهاده بالآيتين السابقتين ما يسند كلامه ، ولا في كلام المفسرين أيضا ، قال بن الجوزي في زاد المسير:
"وفي معنى : { أنزلنا عليكم } ثلاثة أقوال .
أحدها : خلقنا لكم . والثاني : ألهمناكم كيفية صنعه . والثالث : أنزلنا المطر الذي هو سبب نبات ما يتخذ لباساً ."
ومن هنا لا نجد في كلام المفسرين شيئا منسوبا إلى المعصوم ما تستريح إليه النفس ، ولهذا كانت هذه الآية ومعها آية الأنعام في الزمر ،والحديد في الحديد ، محل اجتهاد وبحث لتفسير معنى اختيار لفظ الإنزال دون لفظ الخلق أو غيره من الألفاظ.
قال الرازي رحمه الله في مفاتيح الغيب :
"في نظم الآية وجهان :
الوجه الأول : أنه تعالى لما بين أنه أمر آدم وحواء بالهبوط إلى الأرض ، وجعل الأرض لهما مستقراً بين بعده أنه تعالى أنزل كل ما يحتاجون إليه في الدين والدنيا ، ومن جملتها اللباس الذي يحتاج إليه في الدين والدنيا .
الوجه الثاني : أنه تعالى لما ذكر واقعة آدم في انكشاف العورة أنه كان يخصف الورق عليها ، أتبعه بأن بين أنه خلق اللباس للخلق ليستروا بها عورتهم ، ونبه به على المنة العظيمة على الخلق بسبب أنه أقدرهم على التستر .
فإن قيل : ما معنى إنزال اللباس؟
قلنا : إنه تعالى أنزل المطر ، وبالمطر تتكون الأشياء التي منها يحصل اللباس ، فصار كأنه تعالى أنزل اللباس ، وتحقيق القول أن الأشياء التي تحدث في الأرض لما كانت معلقة بالأمور النازلة من السماء صار كأنه تعالى أنزلها من السماء . ومنه قوله تعالى : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الانعام ثمانية أزواج } [ الزمر : 6 ] وقوله : { وَأَنزْلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } [ الحديد : 25 ]"
وقال بن عاشور رحمه الله تعالى:
"ولمّا كان إلهام الله آدمَ أن يَستر نفسه بوَرق الجنّة مِنَّةٌ عليه ، وقد تقلّدها بنوه ، خوطب النّاس بشمول هذه المنّة لهم بعنوان يدلّ على أنّها منّةٌ موروثة ، وهي أوقع وأدعى للشّكر ، ولذلك سمّى تيسير اللّباس لهم وإلهامهم إياه إنزالاً ، لقصد تشريف هذا المظهر ، وهو أوّل مظاهر الحَضارة ، بأنّه منزّل على النّاس من عند الله ، أو لأنّ الذي كان مِنْهُ على آدم نزل به من الجنّة إلى الأرض التي هو فيها ، فكان له في معنى الإنزال مزيد اختصاص ، على أنّ مجرّد الإلهام إلى استعماله بتسخير إلهي ، مع ما فيه من عظيم الجدوى على النّاس والنّفع لهم ، يحسِّن استعارة فعل الإنزال إليه ، تشريفاً لشأنه ، وشاركه في هذا المعنى ما يكون من الملهمات عظيم النّفع ، كما في قوله : { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للنّاس } [ الحديد : 25 ] أي أنزلنا الإلهام إلى استعماله والدّفاععِ به ، وكذلك قوله : { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } [ الزمر : 6 ] أي : خلَقها لكم في الأرض بتدبيره ، وعلَّمكم استخدامها والانتفاعَ بما فيها ، ولا يطرد في جميع ما أُلهم إليه البشر ممّا هو دون هذه في الجدوى ، وقد كان ذلك اللّباس الذي نزل به آدم هو أصل اللّباس الذي يستعمله البشر ."
وهنا نلاحظ اجتهاد السابقين في محاولة فهم لماذا اختير لفظ "أنزل" دون غيره ، فلماذا نحرم عن اللاحقين الاجتهاد للوصول إلى معنى أدق؟
وإذا سلمنا أن للمسلم ـ في حدود معطيات كلام الشارع وقواعد اللغة ومعطيات العلم الحديث في اكتشاف سنن الله في الخلق وهو كتاب الله المنظور ـ أن يجتهد في فهم كتاب الله تعالى ، إذا سلمنا ذلك فإن قول الدكتور محمد البوطي في موضوع فهم آية الحديد:
"إذن فمعنى قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد) أحللناه في الأرض ويسّرنا لكم استخراجه.
إن الذي غيّب هذه الحقيقة اللغوية المبثوثة في القواميس العربية، عن ذهن هذا الذي يركض منافساً أقرانه في اكتشاف المزيد من (الإعجاز العلمي) في القرآن، أنه فهم كلمة (النزول) كما يفهمها عوام الناس الذين يتعاملون مع ظواهر اللغة، فألجأه ذلك إلى أن يستنطق علماء هذا الشأن بما يتفق مع الفهم الذي عاد به لكلمة (أنزلنا) في الآية المذكورة، وهو أن الحديد إنما نزل قطراتٍ متفرقةً من السماء، ولم يُستخرج فلذات ومناجم وعروقاً من باطن الأرض."
فيه حجر على العقول مع اتهام الآخرين بالجهل لمجرد مخالفتهم ما فهمه هو.
لا أحد يخالف أن الله أحل الحديد في الأرض.
وعلى تفسير الدكتور لمعنى " النزول" هو " الحلول" بقوله:
"تقول نزلت ضيفاً عند فلان أي حللت في داره"
نقول : سلمنا ، إذا الحديد حل في الأرض ، أو : أحله الله في الأرض ، إذا فهو طارئ عليها ، لم يكن فيها ، كما أن الضيف يكون طارئ على الدار بعد حلوله فيها وليس جزءا منها.
وعليه فالنتيجة واحدة ويبقى السؤال ، لماذا قال الله : " وأنزلنا الحديد" ولم يقل : خلقنا الحديد ، أو أحللنا الحديد ، أو جعلنا الحديد ؟
وهذا ما حاول أن يعرفه الدكتور زغلول النجار واجتهد في معرفته ، وبما أنه صاحب الاختصاص وأستاذ فيه وصلته بعلوم الأرض من خلال تخصصه لا تخفى مع شهادة الكثيرين له بالورع والتقوى ، نحسبه كذلك والله حسيبه ، فكلامه مقدم على كلام الدكتور محمد سعيد البوطي وهو ليس من أهل الاختصاص:
" فألجأه ذلك إلى أن يستنطق علماء هذا الشأن بما يتفق مع الفهم الذي عاد به لكلمة (أنزلنا) في الآية المذكورة، وهو أن الحديد إنما نزل قطراتٍ متفرقةً من السماء، ولم يُستخرج فلذات ومناجم وعروقاً من باطن الأرض.
فهل استجاب علماء هذا الشأن لهذا الاستجرار الذي جاء نتيجة لجهل باللغة وتصور باطل لمعنى النزول؟
لم أجد في علماء طبقات الأرض، ولا الخبراء بالمعادن، ولا علماء الطبيعة عموماً من قال: إن الحديد، دون غيره من المعادن المستقرة في طوايا الأرض، هابط، منفصلاً عن تماسكه وثقله، من أجواء السماء، ثم إنه اتخذ مكانه منتشراً في أعماق الأرض، وإن إنطاقهم بما لم ينطقوا به ولا يؤمنون به، أمر غريب وعجيب!.."
 
مرحباً أخي الحبيب أبا سعد:
إن كلام الدكتور سعيد حفظه الله منطقي وسليم، فهو لا ينكر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم من حيث الوجود - كما ذكر الدكتور عبد الفتاح جزاه الله خيرا - ولكنه ينكر على المتاجرين فيه الذين لديهم هوس بكل ما يدعى (علمي) دون النظر بمصداقيته في الواقع وارتباطه بالآية من حيث الدلالة، وما تفضلتم به له محل من النظر والبحث، فسيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام لم يعصر قميص يوسف ويقطر عرقه في عينه ليرتد بصيراً، كما أن اعتقادك بأن ريح يوسف أعادت عمل وظائف الجسم في نبي الله يعقوب اعتقاد تقف به أمام الله تعالى ولكن ليس بملزم لغيرك لأن يوسف نبي وله معجزات تظهر تفضيل الله له على أخوته فلا أخالك أخي أبا سعد تمشي على قدم رشيد رضا في علمنة المعجزات وجعلها من جملة الماديات، وأما انشقاق القمر فقد حصل حوله جدل في مصداقية صحة الصورة حتى دخلت على موقع سانا ورأيت بعض الصور المأخوذة عن طريق الأقمار الصناعية التي تبين وجود تشققات بالفعل، ولكن هل هناك تصريح ممن استكشف هذه التشققات في بيان أنها تسببت من انفصال شقي القمر وتباعدهما ثم عودتهما، أم أن إسقاط حصول هذ التشققات في القمر على واقعة معجزة النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل الاحتمال النظري، ثم ظاهر الرواية أن القمر انشق نصفين وفهمنا يقود لى أن الانشقاق طولي فهل هذه التشققات طولية أم عرضية، ..وكم هو عمق هذه التشققات؟.. هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة وبما أن الكلام هنا دون إثبات علمي فهو مضيعة للوقت ويكفينا الحقيقة القرآنية حول هذه المعجزة التي تواترت نقلاً كما تواترت قرآناً.
إن الكتابات في الإعجاز العلمي يا أخي العزيز أبا سعد صارت عند بعضهم - كما يقال - (شغل لمن لا شغل له)، ولا يجوز تعميم كلام الدكتور سعيد على كل من كتب في هذا الاتجاه أيضاً ولكن الأمر يحتاج للتقوى والله المستعان.

كون الدكتور سعيد لا ينكر الإعجاز العلمي فمسلم لأنه أشار إلى ذلك في مقاله.
ولا إشكال عندي في كونه ينكر المتاجرة بقضية الإعجاز.
أما كون كلامه منطقي وسليم فهذا ما لا أتفق معك فيه ، وقد بينت افتقار كلامه إلى المنطق والسلامة في ردودي عليه.

***
أخي الكريم:
الله تعالى أمرنا بتدبر بكتابه واستنباط الفوائد التي تعود علينا بالنفع في ديننا ودنيانا ، وما ذكرته بشأن يعقوب عليه السلام ما هو إلا فهم دلت عليه النصوص والآيات التي أمرنا الله بتدبرها.
يعقوب عليه السلام قال في تبريره موقفه من عدم إرسال يوسف عليه السلام مع إخوته :
(قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ)
وأخبر الله عنه في قوله:
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) سورة يوسف(84)
وهنا نلاحظ أن الله نص على أن علة ابيضاض عيني يعقوب عليه السلام هو الحزن.
وأيضا نرى أن أبناء يعقوب عليه السلام خشوا على أبيهم من المرض أو الهلاك بسب تذكر يوسف والحزن عليه:
(قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) يوسف (85)
إذا الحزن له أثر في صحة الإنسان واعتلال جسده ، هذا ما تشير إليه الآيات وعرفه الناس بالملاحظة، ألا يدعونا هذا إلى البحث كيف يحدث الحزن العلل في الجسد ؟
أنا اعتقد ذلك ، وأن هذا جانب من جوانب هداية القرآن للتي هي أقوم في جميع أمور الحياة ، وهي دعوة لعلماء الطب عموما والطبي النفسي على وجه الخصوص للبحث والتنقيب.
يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى:
"وأن الحزن هو السبب لعدم الإبصار كما هو الظاهر . فإن توالي إحساس الحزن على الدماغ قد أفضى إلى تعطيل عمل عصب الإبصار"
ثم إن الآيات تخبرنا أن يوسف عليه السلام قد علم بفقد أبيه لبصره ، وهذا من خلال قول الله تعالى:
(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) يوسف (93)
وقال تعالى مشيرا إلى أثر القميص على يعقوب عليه السلام:
( فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) يوسف(96)
وهنا لابد أن نسأل ما علاقة القميص بارتداد بصر يعقوب عليه السلام؟
والجواب أعتقد أنه موجود في قوله تعالى:
(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ) يوسف(94)
وهذه الآية تدعونا إلى التأمل والبحث في تكوين النفس البشرية وما أودع الله فيها من أسرار حكمته وعجيب صنعه ، وتدعونا إلى طرح بعض الأسئلة:
كيف وجد يعقوب عليه السلام ريح يوسف عليه السلام من مسيرة تبلغ مئات الأميال ؟
ما علاقة القميص بريح يوسف عليه السلام ؟
لماذا ألقى البشيرُ القميصَ على وجه يعقوب عليه السلام ولم يضعه في يديه مثلا؟
وهذه الأسئلة ليست تشكيك في المعجزات ، ثم إن المعجزات ليست من صنع من ظهرت على يديه ، وإنما هي من صنع الله تعالى يظهر على يدي من يشاء ، وكون القميص معجزة ليوسف عليه السلام ، لا يعني أنا لا نتأمل في تلك المعجزة و نستفيد من دلائل تلك المعجزة وما يمكن أن تقودنا إليه.
والاستفادة من المعجزة وما تحمله من أسرار لا يخرجها عن طبيعتها وكونها معجزة ، وتأمل معي قول الله تعالى لأيوب عليه السلام:
(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) ص (42)
وهنا نسأل:
أليس الله بقادر على أن يكشف ضر أيوب عليه السلام دون أن يأمره بما أمره به في الآية ؟
لا شك أن الجواب :
بلى.
إذا أليس من حقنا أن نسأل :
ما الحكمة من تلك الأمور ؟
وهل من حقنا أن نبحث عنها ونستفيد مما يفتح الله به علينا ؟
الذي أعتقده أن هذا الذي يريد الله تعالى منا أن نفعله.


***

حين تكلم الدكتور زغلول النجار حفظه الله عن موضوع انشقاق القمر لم يعلق الموضوع بالصور
بل علقه بما عرفه ووقف عليه من بحوث ودراسات وهو صاحب التخصص بل والتميز في تخصصه وفي كل جهوده العلمية والعملية ، وهو عندي شاهد عدل ، والذي أعلمه أنه لا يبني دراسته على الأوهام وإنما على حقائق علمية أو نظريات لها أدلتها وشواهدها التي يبني عليه العلماء عادة أخذهم لها بعين الاعتبار للوصول إلى الحقائق .

***
شكر الله لك دكتور مرهف ونفع بك
محبكم:
أبو سعد


 
جزاك الله خيرًا.
وقرأت لأحدهم كشفاً عظيماً، يُبرز فيما يزعم أنه الإعجاز الباهر في قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر)[القمر:1]، وأتى مؤيداً على قوله، بصُوَرٍ التُقِطت لجوانب من القمر، إبَّان رحلة بعض العلماء إليه، تُبرز شقوقاً على وجهه، مؤكداً أن أحد هذه الشقوق هو مصداق قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر)، إنك لا تدري أيُّ تلك الشقوق هو المعنيُّ بخبر الله عن انشقاق القمر، وما الدليل على أنه هو لا غيره المعنيّ بذلك. ثم إن الإنشقاق الذي تم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم القمر، فيما رآه الناس، بنصفين، ثم عادا فالتأما.
فما وجه الشبه بين ذلك الانشطار الكلي الذي تم آنذاك، وواقع شقوق ذات أعماق محدودة رُئيت كظاهرة مستمرة على وجه القمر؟ وكيف يمكن لإنسان العلم والبحث عن الحقيقة في العصر الحديث أن يصدق أن ما رُئي على وجه القمر من شقوق كالتي ترى في أماكن على وجه الأرض، هو المعنيّ بالانشقاق الذي أعلن عنه بيان الله في القرآن، معجزةً دالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء الناس به من عند الله؟
من أبرز من صدع بذلك الدكتور زغلول النجار، وقد استدل على كون الشق المصور من قبل وكالة ناسا هو أثر انشقاق القمر في عهد النبوة، استدل بكونه تصدعًا صخريّا هائلا ممتدًّا على طول القمر.
وأقول: لا يبعد أن يتبع الله خوارق العادات بآثار تدل على وقوعها فإن ذلك نور على نور، ألم تر أن الله تعالى قال: ((فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية)) ؟!
 
عودة
أعلى