على هامش محاضرة للدكتور مساعد الطيار

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
73
الإقامة
تارودانت-المغرب
أستسمح في كوني اتخذت هذا الموضوع مستقلا . وذلك لكي لا أُؤثر على مجرى المحاضرة القيمة التي ألقاها أستاذي وشيخي الدكتور مساعد الطيار . فالشكر موصول له وللإخوة القائمين على مركز تفسير ، وعلى رأسهم أستاذنا الكريم عبد الرحمن الشهري .
وهذا رابط المحاضرة : http://vb.tafsir.net/tafsir37507/
فبصراحة المحاضرة كانت قيمة وغنية ، وهي تشدك من أولها إلى آخرها . وتتناول مجالا ثرا يحتاج إلى مزيد من الجهود ، حتى نقترب من النص القرآني أكثر ، في زمن بدأ اللحن يدب إلى لغتنا التي ما فتئت تمتزج بالعامية في كل البلدان العربية . مما يؤثر علينا سلبا في تعاملني مع فهم لسان القرآن الكريم .
في هذه المحاولة أريد أن أركز كطالب باحث على مداخلة قام بها الأستاذ الدكتور زيد العيص . وهي عبارة عن تساؤلات ، وهي موجهة للدكتور مساعد الطيار ، ولا بأس بإبرازها بعد تفريغها ، فإليكموها :
يقول الدكتور العيص : " أولا : من حيث التنظير تقول : إن اللغة هي الأساس في التفسير ، لكني أعتقد أننا عند التطبيق نؤخرها كثيرا حين نسلط عليها السلف ، ونجعل السلف الصالح وسيطا بيننا وبين اللغة : فما قاله السلف هو الصحيح ، وما خرج عنه السلف غير صحيح . فصرنا نحاكم الدلالة اللغوية إلى فهم السلف للقرآن . وأنا في نظري هذه إشكالية .
يؤكد هذه الإشكالية أن السلف فسروا بالمعنى ، وأعربوا على المعنى . فأحيانا ، السلف قد يفسرون من أجل بيان الآية للعوام ، والدكتور أراحنا فذكر أمثلة،{يستحيون نساءكم } يمتهنون نساءكم . أراد أن يوضح المعنى باختصار ، لكن هذا ليس تفسيرا ، قول واحد . {يستحيون نساءكم } ، يُبقون نساءكم أحياء لأغراض خاصة ، وهي الامتهان . هذا تقصير في المعنى . هم أبقوها لأمور كثيرة تعلمونها أنتم . (هذه مسألة)
ثانيا : القول بأن السلف الصالح بما فيهم الصحابة الكرام هم أعلم الناس باللغة ، وعندهم إحاطة بدلالات الألفاظ ، أنا برأيي هذه مسألة تحتاج إلى تأمل . إذ أن الإحاطة بدلالة الألفاظ من جملة الصنائع . لكن فهل هم فعلا تحققت لهم هذه الصنعة ، فكانوا يتقنون اللغة . فليس هناك تلازم بين هاتين المسألتين .
وحتى معاجم اللغة ، حين نفزع إليهم ، هل هذه المعاجم فسرت اللفظة تفسيرا لغويا أم فسرتها تفسيرا شرعيا .
لسان العرب ، حين أتكلم عن السلوى ـ أنا آتي بأمثلة خارجية ـ قال السلوى هي الطير . تجد هذا التفسير مثلا عند صاحب اللسان . فأحيانا نحن نُخدع حين نتجه إلى صاحب اللسان ، فنُفاجأ أنه يفسر لنا القرآن : ذهبت لأصحاب المعاجم ليعطوني الدلالة المعنوية لهذه المفردة قبل نزول القرآن ، فأراه يستعير تفسيرا من تفسير التابعين .
هنا أيضا مسألة أرجو أن يتسع لها المقام : حين يتعارض تفسير الصحابة ـ تفسير السلف عموما ـ مع اللغة ، نقدم تفسير الصحابة ، كما هو المنهج عندنا . وإذا تعارض قولان ، نقدم تفسير الصحابة . فالسلوى والعسل ، اتفقوا على أن السلوى في اللغة هي العسل ، وفي القرآن هي الطير . إذن هناك اتفاق على أن اللفظة تحتمل العسل وتحتمل الطير . وإذا كان ذلك كذلك ، فلا يجزم بمعنى واحد إلا دليل صحيح صريح من كتاب أو سنة فقط . أما من التابعين ، من السلف ، من المفسرين فهم مجتهدون . فلماذا سُلط المفسرون على مثل هذه الألفاظ .
أنا عندي تفسير وهو تساؤل : أنا أعتقد أننا في ردنا على الاستخدام السيئ للغة وتوظيف اللغة السيئ من المعتزلة ، صار عندنا ردة فعل ، سلطنا السلف بما فيهم الصحابة والتابعين ـ القرون الثلاثة الأولى ـ سلطناهم على اللغة لنقول للمعتزلة : فهمكم غير صحيح وفهمنا الصحيح . وبهذا صراحة نحن أسأنا للغة وأسأنا للقرآن من حيث لا ندري .
ولهذا ، اللغة جاءت في المرتبة الرابعة ـ وأنا أشكر الدكتور مساعد الذي قدمها ، وأرجو الدكتور أن يحتملني في هذه العبارة ـ الدكتور مساعد في محاضرته قدم اللغة تنظيرا وأخرها تطبيقا ، وقدم عليها السلف لأنه في الحقيقة من حراس منهج السلف جزاه الله خيرا في هذا المجال ."
 
أولا : من حيث التنظير تقول : إن اللغة هي الأساس في التفسير ، لكني أعتقد أننا عند التطبيق نؤخرها كثيرا حين نسلط عليها السلف ، ونجعل السلف الصالح وسيطا بيننا وبين اللغة : فما قاله السلف هو الصحيح ، وما خرج عنه السلف غير صحيح . فصرنا نحاكم الدلالة اللغوية إلى فهم السلف للقرآن . وأنا في نظري هذه إشكالية .
بادئ ذي بدء نضع الأمور في إطارها العام . فالسؤال المطروح هو : عن أي لغة نتكلم .
طبعا نتكلم عن لسان القرآن ، إننا نريد أن نفسر القرآن . ذلك الكتاب الذي أنزله الله تعالى مخاطبا به العرب بجنس لسانهم : {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }[الشعراء:195] . فهو كتاب " على غاية السهولة والعذوبة إلى عامة كلام ذلك العصر " كما قال الفراهي .
الذين نزل عليهم القرآن هم الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم . فهم الذين أنزل عليهم ، وهم الذين تفاعلوا معه تلقيا وفهما وتطبيقا .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم مبينا لهم ، لأن الله كلفه بالبيان : {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[النحل:64]
فالسلف من الصحابة هم الذين فهموا القرآن وطبقوه ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم . فلغتهم تعتبر تغذية راجعة ، سهر عليها الرسول الكريم حتى لا يكون الانحراف عن القصد ، عن طريق الفهم السيئ للمعنى . كما ورد عن عدي بن حاتم في معنى الخيط الأبيض من الخيط الأسود .
والبحث في عربية الصحابة لمعاني القرآن هي لصيقة بالسياقات الداخلية والخارجية للنص القرآني ، مما يزيد من الوضوح والبيان .
وإذا كان ذلك كذلك ، فلا معنى لمفردة (تسليط) التي وردت في المداخلة ، لأنها ليست علمية . فكيف لنا ونحن نتعامل مع النص القرآني الذي هو لسان عربي ، تفاعل معه الصحابة رضوان الله عليهم من خلال خطاباته وتوجيهاته ، أن نغفل هذا التفاعل اللغوي ونسقطه من دراستنا لفهم القرآن . هؤلاء الصحابة هم الذين يُعتبرون (العينة) الوحيدة الصالحة ، للدراسة العلمية لفهم القرآن الكريم .
 
ثانيا : القول بأن السلف الصالح بما فيهم الصحابة الكرام هم أعلم الناس باللغة ، وعندهم إحاطة بدلالات الألفاظ ، أنا برأيي هذه مسألة تحتاج إلى تأمل . إذ أن الإحاطة بدلالة الألفاظ من جملة الصنائع . لكن فهل هم فعلا تحققت لهم هذه الصنعة ، فكانوا يتقنون اللغة . فليس هناك تلازم بين هاتين المسألتين .
الصحابة رضوان الله عليهم هم أعلم الناس بلسان القرآن . والقرآن الكريم يؤكد ذلك . لأن الله نزل كتابه على هؤلاء العرب في هذه الفترة المحددة من الزمن . إنه الحكيم العليم خاطب هؤلاء بما يفهمونه . فكانت هذه الفترة هي التاريخ المرجعي لفهم لسان القرآن .
لأن الدلالة اللغوية تتغير باستمرار عبر الأزمنة ، وحصر فهم القرآن في هذا التاريخ ، عامل مهم في التعامل مع النص القرآني بطريقة صحيحة .
المسألة لا تتعلق بالصنعة ، بل هي خاصة بالسليقة اللغوية ، وكيف تعامل السلف مع النص القرآني فهما وتطبيقا وهم الذين نزل عليهم القرآن الكريم .
وحتى معاجم اللغة ، حين نفزع إليهم ، هل هذه المعاجم فسرت اللفظة تفسيرا لغويا أم فسرتها تفسيرا شرعيا .
لسان العرب ، حين أتكلم عن السلوى ـ أنا آتي بأمثلة خارجية ـ قال السلوى هي الطير . تجد هذا التفسير مثلا عند صاحب اللسان . فأحيانا نحن نُخدع حين نتجه إلى صاحب اللسان ، فنُفاجأ أنه يفسر لنا القرآن : ذهبت لأصحاب المعاجم ليعطوني الدلالة المعنوية لهذه المفردة قبل نزول القرآن ، فأراه يستعير تفسيرا من تفسير التابعين .
الدراسة العلمية لتطور المعجم العربي تؤكد أن هناك تداخلا بين علم المعجم وعلم التفسير في بيان دلالة المفردة القرآنية . لأن الدافع الرئيسي في نشأة المعجم العربي والتأليف فيه هو الحاجة إلى فهم الكتاب المعجز . وما جاء من مثال مفردة (السلوى) يؤكد صحة الطرح بأن التاريخ المرجعي لفهم لسان القرآن ضروري ومؤكد . لذلك نجد أصحاب المعاجم من الناحية المنهجية يعتبرون فهم الصحابة للسان القرآني من بين الدعائم الأساسية في بيان الدلالة اللغوية للمفردة القرآنية .
أنا عندي تفسير وهو تساؤل : أنا أعتقد أننا في ردنا على الاستخدام السيئ للغة وتوظيف اللغة السيئ من المعتزلة ، صار عندنا ردة فعل ، سلطنا السلف بما فيهم الصحابة والتابعين ـ القرون الثلاثة الأولى ـ سلطناهم على اللغة لنقول للمعتزلة : فهمكم غير صحيح وفهمنا الصحيح . وبهذا صراحة نحن أسأنا للغة وأسأنا للقرآن من حيث لا ندري .
ولهذا ، اللغة جاءت في المرتبة الرابعة ـ وأنا أشكر الدكتور مساعد الذي قدمها ، وأرجو الدكتور أن يحتملني في هذه العبارة ـ الدكتور مساعد في محاضرته قدم اللغة تنظيرا وأخرها تطبيقا ، وقدم عليها السلف لأنه في الحقيقة من حراس منهج السلف جزاه الله خيرا في هذا المجال ."
فهم المعتزلة السيئ للمفردة القرآنية ، ما هو إلا نموذج تاريخي عابر . لذلك فالتاريخ المرجعي لفهم القرآن والذي ينحصر في عصر السلف (القرون الثلاثة الأولى) هو حجة على كل العصور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
واللغة العربية هي أساس فهم كتاب الله ، وكما جاء في المحاضرة " وهي حاضرة في كل آية من الآيات . ولا يمكن أن تجد أي تفسير مبني على الكتاب أو السنة أو الأحوال أو حتى المصطلح الشرعي ، يبطل الدلالة اللغوية . بمعنى أن اللغة العربية ثابتة في جميع المسارات . معنى هذا أن القرآن أو السنة أو الأحوال أو المصطلح الشرعي يحدد إحدى الدلالات اللغوية المرادة "

وفي ختام هذه المحاولة النقدية إن صح التعبير ، أشكر مرة أخرى الدكتور مساعد الطيار على مساهماته العلمية في تأصيل التفسير وعلوم القرآن ، كما أشكر القائمين على مركز تفسير وكل الحاضرين في هذا الملتقى العلمي المبارك ، وعلى رأسهم الدكتور زيد العيص الذي شارك بهذه المحاولة العلمية الاستفزازية ، وأحسبه يريد بها تحريك الهمم ، وخصوصا لطلاب العلم مثلي .

نفعنا الله بعلمكم أيها المشايخ الكرام ، وجعل جهودكم لنشر العلم في ميزان حسناتكم

والحمد لله رب العالمين
 
عودة
أعلى