محمد الربيعة
New member
- إنضم
- 18/04/2003
- المشاركات
- 116
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
أبرز المفسرين الذين اعتنوا بالسياق، ومناهجهم في تناوله إجمالاً
اعتنى المفسرون بالسياق عناية ظاهرة، ورعوه حق رعايته، وأنزلوه منزلته العالية في التفسير من لدن الإمام ابن جرير الطبري الذي أجاد وأفاد في مجال التأصيل والتطبيق، وانتهاء بالتفاسير الحديثة، ويحسن في هذه الدراسة أن ألقي الضوء على عنايتهم بالسياق ومناهجهم في تناوله إجمالا.
أولاً: الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (جامع البيان في تأويل آي القرآن).
تفسير ابن جرير هو عمدة التفاسير في تناول السياق تأصيلاً وتطبيقاً، وقد اعتمد ابن جرير السياق وقدمه على غيره، وقرره بقواعد مهمة في التفسير.
قال محمود شاكر ([1]) : ".. لم يغفل عن هذا الترابط الدقيق بين معاني الكتاب، سواء كان ذلك في آيات الأحكام، أو آيات القصص أو غيرها من نصوص هذا الكتاب، فهو يأخذ المعنى في أول الآية ثم يسير معه كلمة كلمة، وحرفاً حرفاً، ثم جملة جملة، غير تارك لشيء منه، أو متجاوز عن معنى يدل عليه سياقها"([2]).
وقد درِس الشيخ عبد الحكيم القاسم - وفقه الله - منهجه في السياق دراسة مستقلة بعنوان (دلالة السياق القرآني وأثرها في التفسير دراسة نظرية تطبيقية من خلال تفسير ابن جرير الطبري) .
وعرض لمنهجه وأبرز قواعد السياق التي اعتمد عليها ابن جرير، حيث عقد فصلاً كاملاً في طريقة تناوله للسياق، استخلص فيه بعض القواعد التي قررها ابن جرير في السياق فقال: "لقد كانت القواعد التي سار عليها الإمام فيما يخص بحث هذه الرسالة، وهو ما يتعلق بدلالة السياق القرآني حسب حصري لها: تسع قواعد، جمعت في هذا الباب، واختصت كل قاعدة بمبحث، محاولة لتأصيل وتقعيد منهج ابن جرير رحمه الله في التعامل مع السياق وهي كالتالي:
الأولى: الكلام على اتصال السياق، ما لم يدل دليل على انقطاعه ([3]).
الثانية: إذا تتالت كلمتان، والثانية نعت فإنها تحمل على سابقتها.
الثالثة: أولى تفسير للآية ما كان في سياق السورة.
الرابعة: النظر إلى ابتداء الآيات معين على معرفة مناسبة خاتمتها.
الخامسة: إذا لزم من تفسير الآيات التكرار الذي لا معنى له، فذلك خُلفٌ ينزه القرآن عنه.
السادسة: يختار من المعاني ما اتسق وانتظم معه الكلام؟
السابعة: تعيين من نزل بهم الخطاب لا يعني تخصيصهم، بل يدخل من يشابههم
الثامنة: الأولى في التفسير أن يكون الوعيد على ما فتح به الخبر من الفعل المذكور السابق.
التاسعة: لا يفسر السياق إلا بالظاهر من الخطاب.
وكل قاعدة أفردت في مبحث مستقل، ليتم النظر إليها، وإلى تطبيقاتها، بشيء من التفصيل، عسى أن تتضح في الأذهان، وتستعمل في تفسير القرآن، وغيره من البيان"([4]).
وكفى بهذا الإيضاح بياناً لعناية ابن جرير بالسياق، وطريقة تناوله فيه. وقد تجلى لي ذلك في بيان سياق سورة البقرة. وسيأتي مزيد بيان وتفصيل وتمثيل لهذه القواعد في مبحث مستقبل بإذن الله.
ثانياً: الزمخشري في تفسيره (الكشاف).
والزمخشري من أبرز المفسرين الذين اعتمدوا السياق في تفسيرهم، ويدلك على ذلك تمكنه من اللغة والبلاغة.
وقد صرح الزركشي بمنهجه وعنايته بالسياق فقال: "ولهذا ترى صاحب (الكشاف) يجعل الذي سيق له الكلام معتمداً حتى كأن غيره مطروح"([5]).
وغالب تناوله للسياق من جهة العناية بالروابط ووجوه العلاقة والتراكيب والإعراب.
ومثال ذلك ما ورد في تفسيره في قوله تعالى: { وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا } [البقرة 25] .
قال: "فإن قلت: من المأمور بقوله تعالى: { وَبَشِّر} ؟ قلت: يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يكون كل أحد.. وهذا الوجه أحسن وأجزل؛ لأنه يؤذن بأن الأمر لعظمه وفخامة شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به.
فإن قلت: علام عطف هذا الأمر ولم يسبق أمر ولا نهي يصح عطفه عليه؟ قلت: ليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب له مشاكل من أمر أو نهي يعطف عليه؛ إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين، فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين"([6]).
فتأمل كيف وجه الخطاب في المسألة الأولى إلى السياق وهو التعظيم والتفخيم للأمر. ووجه المعنى في المسألة الثانية إلى السياق في مقابلة حال المؤمنين لحال الكفار.
ثالثاً: الراغب الأصفهاني في (مفردات ألفاظ القرآن).
يعتبر الراغب الأصفهاني من أبرز المفسرين وأهل اللغة عناية ببيان السياق القرآني، من خلال كتابه المفردات خاصة، وذلك أنه يجمع الكلمات الغريبة في القرآن ويبين معناها حسب سياقها الذي وردت فيه، وهو من أهم ينبغي الرجوع إليه في معرفة السياق.
ويؤكد عنايته بجانب السياق الزركشي فيقول: "وهذا ـ أي النظر إلى الآية بحسب السياق ـ يعتني به الراغب كثيراً في كتاب المفردات فيذكر قيداً زائداً على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ لأنه اقتنصه من السياق"([7]).
وقال أيضاً في حديثه عن كتب غريب القرآن: (ومن أحسنها كتاب (المفردات) للراغب وهو يتصيد المعاني من السياق؛ لأن مدلولات الألفاظ خاصة" ([8]).
رابعاً: ابن عطية في تفسيره (المحرر الوجيز).
يعتبر ابن عطية من أبرز المفسرين في العناية بالسياق واعتباره في التفسير، وقد اعتمد عليه في جانب بيان المعنى المراد، والعلاقات النحوية في الآية، وبيان الراجح على وجه الخصوص.
ويؤكد ذلك أحد الدارسين لتفسيره، فيقول وهو يقارن بين تفسير ابن جرير وابن عطية: "....كما نرى توسعاً ملحوظاً ـ عند ابن عطية ـ في بيان الألفاظ اللغوية ومعانيها في الجملة، ومعنى الجمل نفسها في السياق العام الذي تنساق فيه الآية، ثم ينتفع انتفاعاً طيباً بما استقر من الدارسات الأدبية وبخاصة البلاغية"([9]).
وقال صاحب (قواعد الترجيح عند المفسرين) في تقريره لقاعدة من قواعد السياق وهي (إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عنهما إلا بدليل) ذكر من اعتمد على هذه القاعدة من المفسرين فقال: "ومنهم ابن عطية: فهي عنده من قواعد الترجيح الأساسية، ورجح بها كثيراً من الأقوال، وضعّف بها كذلك كثيراً من الأقوال، في متن كتابه، فمن هذه المواضع التي رجّح بهذه القاعدة فيها، قوله - معلقاً على قول خالف هذه القاعدة -: (وهذا تفسير من انتزع ألفاظ آخر الآية عما تقدمها، وارتبط بها من المعنى، وعمّا تأخر أيضاً)([10]) "([11]).
ومن الأمثلة الدالة على اعتماده السياق في الترجيح ما ذكره في تفسير قوله تعالى:{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} الآية [البقرة: 266] قال في المراد بالمثل في الآية: "حكى الطبري عن السدي أن هذه الآية مثل آخر لنفقة الرياء، ورجح هو هذا القول، وحكى عن ابن زيد أنه قرأ قول الله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى" (البقرة: 264)، ثم قال ضرب في ذلك مثلاً فقال: { أيود أحدكم} الآية. قال القاضي أبو محمد: وهذا أبين من الذي رجح الطبري، وليست هذه الآية بمثل آخر لنفقة الرياء، هذا هو مقتضى سياق الكلام"([12]).
فنجده قد خالف الطبري ورجح ما ذهب إليه ابن زيد اعتماداً على السياق.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) محمود محمد شاكر علامة في الأدب واللغة حائز على جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي مات سنة 1997 م انظر: إتمام الأعلام لنزار أباظة ومحمد رياض المالح 1/432
([2]) ((جامع البيان بتحقيق شاكر)) (4/537).
([3]) هذه القاعدة من أعظم قواعد التفسير التي اعتمدها ابن جرير وهي متضمنة لبعض القواعد التي قررها الباحث، وقد قرر الحربي هذه القاعدة في كتابه ((قواعد الترجيح عند المفسرين)) ونص على اعتماد ابن جرير لها في التفسير فقال: (استعمل ابن جرير هذه القاعدة في مواطن كثيرة جداً في كتابه، ونص عليها بلفظها كذلك في مواضع كثيرة، فهي من القواعد الأساسية التي اعتمدها في الترجيح) انظر: ((قواعد الترجيح عند المفسرين)) (1/128).
([4]) ((دلالة السياق القرآني وأثرها في التفسير)) (ص111).
([5]) ((البرهان في علوم القرآن)) (1/317).
([6]) ((الكشاف)) (1/64).
([7]) ((البرهان)) (1/291).
([8]) ((البرهان)) (1/ 291).
([9]) ((نشأة التفسير للدكتور السيد خليل)) (ص50).
([10]) انظر: ((المحرر الوجيز)) (2/356).
([11]) ((قواعد الترجيح عند المفسرين)) (1/129).
([12]) ((المحرر الوجيز)) (1/330).
اعتنى المفسرون بالسياق عناية ظاهرة، ورعوه حق رعايته، وأنزلوه منزلته العالية في التفسير من لدن الإمام ابن جرير الطبري الذي أجاد وأفاد في مجال التأصيل والتطبيق، وانتهاء بالتفاسير الحديثة، ويحسن في هذه الدراسة أن ألقي الضوء على عنايتهم بالسياق ومناهجهم في تناوله إجمالا.
أولاً: الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (جامع البيان في تأويل آي القرآن).
تفسير ابن جرير هو عمدة التفاسير في تناول السياق تأصيلاً وتطبيقاً، وقد اعتمد ابن جرير السياق وقدمه على غيره، وقرره بقواعد مهمة في التفسير.
قال محمود شاكر ([1]) : ".. لم يغفل عن هذا الترابط الدقيق بين معاني الكتاب، سواء كان ذلك في آيات الأحكام، أو آيات القصص أو غيرها من نصوص هذا الكتاب، فهو يأخذ المعنى في أول الآية ثم يسير معه كلمة كلمة، وحرفاً حرفاً، ثم جملة جملة، غير تارك لشيء منه، أو متجاوز عن معنى يدل عليه سياقها"([2]).
وقد درِس الشيخ عبد الحكيم القاسم - وفقه الله - منهجه في السياق دراسة مستقلة بعنوان (دلالة السياق القرآني وأثرها في التفسير دراسة نظرية تطبيقية من خلال تفسير ابن جرير الطبري) .
وعرض لمنهجه وأبرز قواعد السياق التي اعتمد عليها ابن جرير، حيث عقد فصلاً كاملاً في طريقة تناوله للسياق، استخلص فيه بعض القواعد التي قررها ابن جرير في السياق فقال: "لقد كانت القواعد التي سار عليها الإمام فيما يخص بحث هذه الرسالة، وهو ما يتعلق بدلالة السياق القرآني حسب حصري لها: تسع قواعد، جمعت في هذا الباب، واختصت كل قاعدة بمبحث، محاولة لتأصيل وتقعيد منهج ابن جرير رحمه الله في التعامل مع السياق وهي كالتالي:
الأولى: الكلام على اتصال السياق، ما لم يدل دليل على انقطاعه ([3]).
الثانية: إذا تتالت كلمتان، والثانية نعت فإنها تحمل على سابقتها.
الثالثة: أولى تفسير للآية ما كان في سياق السورة.
الرابعة: النظر إلى ابتداء الآيات معين على معرفة مناسبة خاتمتها.
الخامسة: إذا لزم من تفسير الآيات التكرار الذي لا معنى له، فذلك خُلفٌ ينزه القرآن عنه.
السادسة: يختار من المعاني ما اتسق وانتظم معه الكلام؟
السابعة: تعيين من نزل بهم الخطاب لا يعني تخصيصهم، بل يدخل من يشابههم
الثامنة: الأولى في التفسير أن يكون الوعيد على ما فتح به الخبر من الفعل المذكور السابق.
التاسعة: لا يفسر السياق إلا بالظاهر من الخطاب.
وكل قاعدة أفردت في مبحث مستقل، ليتم النظر إليها، وإلى تطبيقاتها، بشيء من التفصيل، عسى أن تتضح في الأذهان، وتستعمل في تفسير القرآن، وغيره من البيان"([4]).
وكفى بهذا الإيضاح بياناً لعناية ابن جرير بالسياق، وطريقة تناوله فيه. وقد تجلى لي ذلك في بيان سياق سورة البقرة. وسيأتي مزيد بيان وتفصيل وتمثيل لهذه القواعد في مبحث مستقبل بإذن الله.
ثانياً: الزمخشري في تفسيره (الكشاف).
والزمخشري من أبرز المفسرين الذين اعتمدوا السياق في تفسيرهم، ويدلك على ذلك تمكنه من اللغة والبلاغة.
وقد صرح الزركشي بمنهجه وعنايته بالسياق فقال: "ولهذا ترى صاحب (الكشاف) يجعل الذي سيق له الكلام معتمداً حتى كأن غيره مطروح"([5]).
وغالب تناوله للسياق من جهة العناية بالروابط ووجوه العلاقة والتراكيب والإعراب.
ومثال ذلك ما ورد في تفسيره في قوله تعالى: { وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا } [البقرة 25] .
قال: "فإن قلت: من المأمور بقوله تعالى: { وَبَشِّر} ؟ قلت: يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يكون كل أحد.. وهذا الوجه أحسن وأجزل؛ لأنه يؤذن بأن الأمر لعظمه وفخامة شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به.
فإن قلت: علام عطف هذا الأمر ولم يسبق أمر ولا نهي يصح عطفه عليه؟ قلت: ليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب له مشاكل من أمر أو نهي يعطف عليه؛ إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين، فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين"([6]).
فتأمل كيف وجه الخطاب في المسألة الأولى إلى السياق وهو التعظيم والتفخيم للأمر. ووجه المعنى في المسألة الثانية إلى السياق في مقابلة حال المؤمنين لحال الكفار.
ثالثاً: الراغب الأصفهاني في (مفردات ألفاظ القرآن).
يعتبر الراغب الأصفهاني من أبرز المفسرين وأهل اللغة عناية ببيان السياق القرآني، من خلال كتابه المفردات خاصة، وذلك أنه يجمع الكلمات الغريبة في القرآن ويبين معناها حسب سياقها الذي وردت فيه، وهو من أهم ينبغي الرجوع إليه في معرفة السياق.
ويؤكد عنايته بجانب السياق الزركشي فيقول: "وهذا ـ أي النظر إلى الآية بحسب السياق ـ يعتني به الراغب كثيراً في كتاب المفردات فيذكر قيداً زائداً على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ لأنه اقتنصه من السياق"([7]).
وقال أيضاً في حديثه عن كتب غريب القرآن: (ومن أحسنها كتاب (المفردات) للراغب وهو يتصيد المعاني من السياق؛ لأن مدلولات الألفاظ خاصة" ([8]).
رابعاً: ابن عطية في تفسيره (المحرر الوجيز).
يعتبر ابن عطية من أبرز المفسرين في العناية بالسياق واعتباره في التفسير، وقد اعتمد عليه في جانب بيان المعنى المراد، والعلاقات النحوية في الآية، وبيان الراجح على وجه الخصوص.
ويؤكد ذلك أحد الدارسين لتفسيره، فيقول وهو يقارن بين تفسير ابن جرير وابن عطية: "....كما نرى توسعاً ملحوظاً ـ عند ابن عطية ـ في بيان الألفاظ اللغوية ومعانيها في الجملة، ومعنى الجمل نفسها في السياق العام الذي تنساق فيه الآية، ثم ينتفع انتفاعاً طيباً بما استقر من الدارسات الأدبية وبخاصة البلاغية"([9]).
وقال صاحب (قواعد الترجيح عند المفسرين) في تقريره لقاعدة من قواعد السياق وهي (إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عنهما إلا بدليل) ذكر من اعتمد على هذه القاعدة من المفسرين فقال: "ومنهم ابن عطية: فهي عنده من قواعد الترجيح الأساسية، ورجح بها كثيراً من الأقوال، وضعّف بها كذلك كثيراً من الأقوال، في متن كتابه، فمن هذه المواضع التي رجّح بهذه القاعدة فيها، قوله - معلقاً على قول خالف هذه القاعدة -: (وهذا تفسير من انتزع ألفاظ آخر الآية عما تقدمها، وارتبط بها من المعنى، وعمّا تأخر أيضاً)([10]) "([11]).
ومن الأمثلة الدالة على اعتماده السياق في الترجيح ما ذكره في تفسير قوله تعالى:{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} الآية [البقرة: 266] قال في المراد بالمثل في الآية: "حكى الطبري عن السدي أن هذه الآية مثل آخر لنفقة الرياء، ورجح هو هذا القول، وحكى عن ابن زيد أنه قرأ قول الله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى" (البقرة: 264)، ثم قال ضرب في ذلك مثلاً فقال: { أيود أحدكم} الآية. قال القاضي أبو محمد: وهذا أبين من الذي رجح الطبري، وليست هذه الآية بمثل آخر لنفقة الرياء، هذا هو مقتضى سياق الكلام"([12]).
فنجده قد خالف الطبري ورجح ما ذهب إليه ابن زيد اعتماداً على السياق.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) محمود محمد شاكر علامة في الأدب واللغة حائز على جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي مات سنة 1997 م انظر: إتمام الأعلام لنزار أباظة ومحمد رياض المالح 1/432
([2]) ((جامع البيان بتحقيق شاكر)) (4/537).
([3]) هذه القاعدة من أعظم قواعد التفسير التي اعتمدها ابن جرير وهي متضمنة لبعض القواعد التي قررها الباحث، وقد قرر الحربي هذه القاعدة في كتابه ((قواعد الترجيح عند المفسرين)) ونص على اعتماد ابن جرير لها في التفسير فقال: (استعمل ابن جرير هذه القاعدة في مواطن كثيرة جداً في كتابه، ونص عليها بلفظها كذلك في مواضع كثيرة، فهي من القواعد الأساسية التي اعتمدها في الترجيح) انظر: ((قواعد الترجيح عند المفسرين)) (1/128).
([4]) ((دلالة السياق القرآني وأثرها في التفسير)) (ص111).
([5]) ((البرهان في علوم القرآن)) (1/317).
([6]) ((الكشاف)) (1/64).
([7]) ((البرهان)) (1/291).
([8]) ((البرهان)) (1/ 291).
([9]) ((نشأة التفسير للدكتور السيد خليل)) (ص50).
([10]) انظر: ((المحرر الوجيز)) (2/356).
([11]) ((قواعد الترجيح عند المفسرين)) (1/129).
([12]) ((المحرر الوجيز)) (1/330).