محمد الربيعة
New member
- إنضم
- 18/04/2003
- المشاركات
- 116
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
صلة السياق بالمتشابه.
المتشابه اللفظي في القرآن كثير، وكثيراً ما يتساءل القارئ لكتاب الله والمتأمل فيه عن سر هذا التشابه ووجه الفرق بين الآيات المتشابهة. وقبل أن نبين صلة هذا العلم بالسياق، نعرض للمحة موجزة عنه:
أولاً: المقصود بالتشابه اللفظي:
حدد الزركشي مفهوم المتشابه فقال: "هو إيراد القصة الواحدة في صور شتى، وفواصل مختلفة، ويكثر في إيراد القصص والأنباء"([1]).
وعرفه صاحب رسالة دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي بقوله: "الآيات المتكررة في موضوع واحد متقارب المعنى مع اختلاف في لفظها أو نظمها أو كليهما"([2]).
وقد عنى بعض العلماء بالمتشابه اللفظي وألفوا فيه استقلالاً ومن ذلك:
1- درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الإسكافي.
2- البرهان في متشابه القرآن للكرماني.
3- ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل لأبي جعفر ابن الزبير.
4- كشف المعاني في المتشابه المثاني لابن جماعة.
5- فتح الرحمن بكشف ما يلتبس من القرآن لأبي يحيى زكريا الأنصاري.
ثانياً: فائدة علم المتشابه اللفظي في القرآن:
لهذا العلم فوائد عظيمة تظهر من وجوه:
1- أنه يظهر عظمة القرآن وإعجازه ببلاغته النافذة التي عجز عنها أرباب البلاغة دالاً بذلك على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
قال أبو بكر الباقلاني في كتابه الانتصار مبيناً ذلك: "إن العرب لم تستطع أن تأتي بمثل هذا المكرر الصحيح المعنى الذي ليس عليه اعتراض، ولا سبيل لها أن تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إن المعنى الذي ذكرته من القصة قد ذهبت بلفظه، فلا يمكن لنا أن نأتي بمثله، وذلك أن المكرر قد أبطل حجتهم بإعادته المعنى بلفظ آخر بليغ كنظيره، فتبين بهذا أن الإتيان بمثله لم يكن مستطاعاً إلا من منزِّله"([3]).
2- أن هذا التشابه يظهر عظمة القرآن في كونه يورد القصة الواحدة لعدة أغراض، كل موضع منها يرد لغرض معين، فتأتي ألفاظه متفقة مع غرضه، وهذا لاشك أنه دال على بلاغة عظيمة لا يستطيعها البشر في بيانهم. وهذا هو السر الأعظم من التكرار والتشابه اللفظي والله أعلم.
ودراسة علم المتشابه تعتبر ضرباً من التفسير لكلام الله تعالى، وهو باب عظيم من أبواب التأمل في آيات الله التي حث البارئ تعالى على تدبرها، وهو أيضاً مما يزيد الإيمان حين يتأمل القارئ لكتاب الله تعالى ويظهر ما فيه من وجوه البلاغة وعظيم المقاصد([4]).
الصلة بين السياق وعلم المتشابه:
يعتمد المتشابه على السياق اعتماداً ظاهراً، ويعتبر السياق هو عمدة حل المتشابه وركنه الأساس؛ إذ أن أعظم معنى يظهر الفرق بين الآيات المتشابهة هو العلم بمقاصد الآيتين أو المقطعين وأغراضهما، وهذا هو السياق. كما أن المتشابه يجلي السياق من جهة ما يتضمنه من وجوه الاختلاف في التعبير. فظهر بذلك أن بينهما علاقة مشتركة.
قال صاحب رسالة دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي: "ومن فوائد علم المتشابه اللفظي عونه في الكشف عن السياق، هذا مع أن السياق يطلب له"([5]).
ويتجلى ذلك بالأمثلة:
المثال الأول: في توجيه قوله في أمر مريم في سورة الأنبياء (آية 91) +فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا" فأضاف النفخ إلى جملتها، وفي سورة التحريم (آية12)+فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا" فأضاف النفخ إلى فرجها.
وقد وجه الخطيب الإسكافي الآية بالنظر في السياق فقال" : لما كان القصد في سورة الأنبياء عن حال مريم وابنها، وأنهما جعلا آية للناس، وكان النفخ فيها مما جعلها حاملاً، والحمل صفة للجملة.. فلما كان القصد التعجب من حاليهما، وأنها بالنفخ صارت حاملاً، ردّ الضمير إلى جملتها.. أما قوله في التحريم +وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ" [التحريم 12] فلما كان القصد فيه التعجب من حالها بالحمل عن النفخ، وولادتها لا عن اقتراب فحل، لم يكن ثمّ من القصد إلى وصف جملتها بغير الصفة التي كانت عليها قبلها ما كان في الآية الأولى، فجاء اللفظ على أصله، والمعنى:نفخنا في فرجها، ولم يسق الكلام إلى ما سيق في سورة الأنبياء من وصف حالها بعد النفخ، فاختلفا لذلك"([6]).
المثال الثاني: في قوله تعالى: في سورة البقرة (آية 173) +مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ" مع قوله في سورة المائدة (آية 3) والأنعام (آية 145) والنحل (آية 115) +أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ".
وجه ابن جماعة الموضعين بالنظر في السياق بأن آية البقرة في سياق المأكول، وحله وحرمته، فكان تقديم ضميره وتعلق الفعل به أهم. وآية المائدة وردت بعد تعظيم شعائر الله وأوامره، والأمر بتقواه، وأيضاً فآية النحل بعد قوله تعالى: +وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ" [النحل 114] وكان تقديم اسمه أهم، وأيضاً فآية النحل والأنعام نزلتا بمكة، فكان تقديم ذكر الله بترك الأصنام على ذبائحهم أهم، لما يجب من توحيده وإفراده بالتسمية على الذبائح، وآية البقرة نزلت بالمدينة على المؤمنين لبيان ما يحل لهم وما يحرم، فقدم الأهم فيه. والله أعلم" ([7]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ((البرهان في علوم القرآن)) (1/112).
([2]) ((دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي في قصة موسى)) (1/100).
([3]) ((الانتصار للقرآن)) (2/803) باختصار.
([4]) انظر: ((دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي في قصة موسى)) (1/139).
([5]) انظر: (1/139).
([6]) ((درة التنزيل)) (2/912).
([7]) ((كشف المعاني)) (ص116).
المتشابه اللفظي في القرآن كثير، وكثيراً ما يتساءل القارئ لكتاب الله والمتأمل فيه عن سر هذا التشابه ووجه الفرق بين الآيات المتشابهة. وقبل أن نبين صلة هذا العلم بالسياق، نعرض للمحة موجزة عنه:
أولاً: المقصود بالتشابه اللفظي:
حدد الزركشي مفهوم المتشابه فقال: "هو إيراد القصة الواحدة في صور شتى، وفواصل مختلفة، ويكثر في إيراد القصص والأنباء"([1]).
وعرفه صاحب رسالة دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي بقوله: "الآيات المتكررة في موضوع واحد متقارب المعنى مع اختلاف في لفظها أو نظمها أو كليهما"([2]).
وقد عنى بعض العلماء بالمتشابه اللفظي وألفوا فيه استقلالاً ومن ذلك:
1- درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الإسكافي.
2- البرهان في متشابه القرآن للكرماني.
3- ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل لأبي جعفر ابن الزبير.
4- كشف المعاني في المتشابه المثاني لابن جماعة.
5- فتح الرحمن بكشف ما يلتبس من القرآن لأبي يحيى زكريا الأنصاري.
ثانياً: فائدة علم المتشابه اللفظي في القرآن:
لهذا العلم فوائد عظيمة تظهر من وجوه:
1- أنه يظهر عظمة القرآن وإعجازه ببلاغته النافذة التي عجز عنها أرباب البلاغة دالاً بذلك على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
قال أبو بكر الباقلاني في كتابه الانتصار مبيناً ذلك: "إن العرب لم تستطع أن تأتي بمثل هذا المكرر الصحيح المعنى الذي ليس عليه اعتراض، ولا سبيل لها أن تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إن المعنى الذي ذكرته من القصة قد ذهبت بلفظه، فلا يمكن لنا أن نأتي بمثله، وذلك أن المكرر قد أبطل حجتهم بإعادته المعنى بلفظ آخر بليغ كنظيره، فتبين بهذا أن الإتيان بمثله لم يكن مستطاعاً إلا من منزِّله"([3]).
2- أن هذا التشابه يظهر عظمة القرآن في كونه يورد القصة الواحدة لعدة أغراض، كل موضع منها يرد لغرض معين، فتأتي ألفاظه متفقة مع غرضه، وهذا لاشك أنه دال على بلاغة عظيمة لا يستطيعها البشر في بيانهم. وهذا هو السر الأعظم من التكرار والتشابه اللفظي والله أعلم.
ودراسة علم المتشابه تعتبر ضرباً من التفسير لكلام الله تعالى، وهو باب عظيم من أبواب التأمل في آيات الله التي حث البارئ تعالى على تدبرها، وهو أيضاً مما يزيد الإيمان حين يتأمل القارئ لكتاب الله تعالى ويظهر ما فيه من وجوه البلاغة وعظيم المقاصد([4]).
الصلة بين السياق وعلم المتشابه:
يعتمد المتشابه على السياق اعتماداً ظاهراً، ويعتبر السياق هو عمدة حل المتشابه وركنه الأساس؛ إذ أن أعظم معنى يظهر الفرق بين الآيات المتشابهة هو العلم بمقاصد الآيتين أو المقطعين وأغراضهما، وهذا هو السياق. كما أن المتشابه يجلي السياق من جهة ما يتضمنه من وجوه الاختلاف في التعبير. فظهر بذلك أن بينهما علاقة مشتركة.
قال صاحب رسالة دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي: "ومن فوائد علم المتشابه اللفظي عونه في الكشف عن السياق، هذا مع أن السياق يطلب له"([5]).
ويتجلى ذلك بالأمثلة:
المثال الأول: في توجيه قوله في أمر مريم في سورة الأنبياء (آية 91) +فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا" فأضاف النفخ إلى جملتها، وفي سورة التحريم (آية12)+فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا" فأضاف النفخ إلى فرجها.
وقد وجه الخطيب الإسكافي الآية بالنظر في السياق فقال" : لما كان القصد في سورة الأنبياء عن حال مريم وابنها، وأنهما جعلا آية للناس، وكان النفخ فيها مما جعلها حاملاً، والحمل صفة للجملة.. فلما كان القصد التعجب من حاليهما، وأنها بالنفخ صارت حاملاً، ردّ الضمير إلى جملتها.. أما قوله في التحريم +وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ" [التحريم 12] فلما كان القصد فيه التعجب من حالها بالحمل عن النفخ، وولادتها لا عن اقتراب فحل، لم يكن ثمّ من القصد إلى وصف جملتها بغير الصفة التي كانت عليها قبلها ما كان في الآية الأولى، فجاء اللفظ على أصله، والمعنى:نفخنا في فرجها، ولم يسق الكلام إلى ما سيق في سورة الأنبياء من وصف حالها بعد النفخ، فاختلفا لذلك"([6]).
المثال الثاني: في قوله تعالى: في سورة البقرة (آية 173) +مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ" مع قوله في سورة المائدة (آية 3) والأنعام (آية 145) والنحل (آية 115) +أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ".
وجه ابن جماعة الموضعين بالنظر في السياق بأن آية البقرة في سياق المأكول، وحله وحرمته، فكان تقديم ضميره وتعلق الفعل به أهم. وآية المائدة وردت بعد تعظيم شعائر الله وأوامره، والأمر بتقواه، وأيضاً فآية النحل بعد قوله تعالى: +وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ" [النحل 114] وكان تقديم اسمه أهم، وأيضاً فآية النحل والأنعام نزلتا بمكة، فكان تقديم ذكر الله بترك الأصنام على ذبائحهم أهم، لما يجب من توحيده وإفراده بالتسمية على الذبائح، وآية البقرة نزلت بالمدينة على المؤمنين لبيان ما يحل لهم وما يحرم، فقدم الأهم فيه. والله أعلم" ([7]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ((البرهان في علوم القرآن)) (1/112).
([2]) ((دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي في قصة موسى)) (1/100).
([3]) ((الانتصار للقرآن)) (2/803) باختصار.
([4]) انظر: ((دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي في قصة موسى)) (1/139).
([5]) انظر: (1/139).
([6]) ((درة التنزيل)) (2/912).
([7]) ((كشف المعاني)) (ص116).