علم السياق القرآني (مفهوم السياق عند العلماء)

إنضم
18/04/2003
المشاركات
116
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
علم السياق القرآني علم عظيم المنزلة رفيع القدر ، وهو من أهم مايوصل للفهم الصحيح لكتاب الله تعالى؛ إذ هو الطريق الأسلم لجعل كلام الله متناسباً منتظماً، وهذا هو الأنسب لكتاب الله المعجز المحكم.
وإن من أعظم ما يبين منزلة هذا العلم أنه مرتبط حقيقة بالقرآن نفسه من حيث إنه تفسير للقرآن بالقرآن، ذلك أنه تفسير للآية بما تضمنه نصها، أو بما سبقها ولحقها من الآيات، وهذا من تفسير القرآن بالقرآن، بل هو أقوى مراتب هذا النوع، وذلك أن تفسير القرآن بالقرآن قد يكون في محل واحد وسورة واحدة، وقد يفترقان، وأقوى النوعين وأسلمهما ما كان في محل واحد وسورة واحدة ، وهذا هو السياق؛ إذ أن السياق هو: (الغرض الذي ينتظم به جميع ما يرتبط بالنص من القرائن اللفظية والحالية).
ومن هنا فيمكن القول بأن السياق أصل من أصول التفسير التي يجب الاعتماد عليها في تفسير كتاب الله تعالى.
قال شيخ الإسلام: "ينظر في كل آية وحديث بخصوصه وسياقه، وما يبين معناه من القرائن والدلالات، فهذا أصل عظيم مهم نافع، في باب فهم الكتاب والسنة"(مجموع الفتاوى 6/18 ).
وإذا علم فضل هذا العلم ومنزلته في التفسير، فإنه من أعظم ما ينبغي على المهتمين بتفسير القرآن ملاحظته ومراعاته. وحيث قد هداني الله وساقني لدراسة هذا العلم وتطبيقه على أعظم سورتين في كتاب الله تعالى وهما سورتا الفاتحة والبقرة، فإنني سأعرض في هذا الملتقى المبارك لخلاصة ماجمعته وتوصلت إليه في الدراسة النظرية إحياءَ لهذا العلم وتعريفاَ به . وأول وقفة لي مع هذا العلم هي بعنوان :
(((مفهوم السياق عند العلماء والباحثين))) .
بالنظر إلى أقوال العلماء في تحديد مفهوم السياق نجد أنهم متفاوتون في التعبير عنه، ولنا أن نستعرض شيئاً من أقوالهم في ذلك ليتبين المراد:

قال ابن دقيق العيد":أما السياق والقرائن، فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه"([1]).

وقال السرخسي ([2])":القرينة التي تقترن باللفظ من المتكلم، وتكون فرقاً فيما بين النص والظاهر هي السياق، بمعنى الغرض الذي سيق لأجله الكلام"([3]).

وقال السلجماسي ([4]) في تعريف السياق بأنه":ربط القول بغرض مقصود على القصد الأول"([5]).

وقال البناني ([6])":السياق هو ما يدل على خصوص المقصود من سابق الكلام المسوق لذلك أو لاحقه"([7]).

بالنظر لمجموع ماذكر العلماء في تعريف السياق يمكن الخروج بنتيجة واضحة أن السياق مؤلف من عدة عناصر:

أولها: وهو محوره وقطب رحاه وعمدته: الغرض والمقصود ومراد المتكلم.

ثانيها: تآلف الكلام وتتابعه وجريانه على أسلوب واحد.

ثالثها: الظروف المحيطة بالنص، وأحوال المخاطبين فيه.

واستيعاب السياق لهذه العناصر واشتماله عليها هو الذي يوفق بين المعاني المختلفة ويحدد هذا المصطلح العام.

ويمكن أن نخلص إلى تحديد أدق للسياق بناءً على ذلك كله: بأن السياق هو الغرض الذي ينتظم به جميع مايرتبط بالنص من القرائن اللفظية والحالية.
وبهذا الحد يتوافق المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، وبه يجتمع اختلاف العلماء والمفسرين في تعريف السياق؛ ولذا فإنه يمكن أن يطلق على عنصر من عناصر السياق بأنه السياق باعتبار أنه جزء منه، وعليه يحمل إطلاق بعض المفسرين للسياق، وغالب إطلاقهم للسياق مقصود به الغرض الذي ورد الكلام لأجله كما تبين من أقوالهم السابقة

وتأييداً لما خلصت إليه في تحديد السياق أذكر ماقرره بعض الدارسين لمفهوم السياق: قال صاحب كتاب دلالة السياق ":وهنا يمكن تلخيص القول في مفهوم السياق في التراث العربي في النقاط الثلاث التالية: الأولى: أن السياق هو الغرض، أي مقصود المتكلم في إيراد الكلام... الثانية: أن السياق هو الظروف والمواقف والأحداث التي ورد فيها النص أو نزل أو قيل بشأنها، الثالثة: أن السياق هو ما يعرف الآن بالسياق اللغوي الذي يمثله الكلام في موضع النظر والتحليل، ويشمل ما يسبق أو يلحق به من كلام"([8]).

وقال صاحب كتاب منهج الدرس الدلالي عند الشاطبي":ويمكن نعت بحث الشاطبي لمسألة السياق بأنه مستوعب لمقتضيات الخطاب التي تتطلب النظر في مجموع ما يرتبط به"([9]).

وقال صاحب كتاب البحث اللساني":السياق يقتضي عناصر مختلفة، أولاً عنصر ذاتي وهو معتقدات المتكلم وأيضاً مقاصد المتكلم، ثم العنصر الثاني أسميه عنصراً موضوعياً وهو الوقائع الخارجية التي تم فيها القول يعني الظروف الزمانية والمكانية. ثم العنصر الذي أسميه العنصر الذواتي، وأقصد به المعرفة المشتركة بين المتخاطبين"([10]).

وقال صاحب رسالة دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي":وبعد هذا البيان فإننا نخلص إلى تعريف للسياق، وهو أنه: الغرض الذي تتابع الكلام لأجله، مدلولاً عليه بلفظ المتكلم، أو حاله، أو أحوال الكلام، أو المتكلم نفسه، أو السامع"([11]).

ويقول صاحب رسالة أثر السياق في النظام النحوي":وبعد هذا الكم من التعريفات يمكن أن نخلص إلى تعريف يختصرها بقولنا هو: (مجموعة القرائن اللفظية والحالية الدالة على قصد المتكلم من خلال تتابع الكلام وانتظام سابقه ولاحقه به"([12]).

ويقول صاحب رسالة السياق القرآني وأثره في تفسير المدرسة العقلية":التعريف المختار للسياق القرآني ، هو مايحيط بالنص من عوامل داخلية أو خارجية ، لها أثر فير فهمه ، من سابق أو لاحق به ، أو حال من حال المخِاطِب، والمخاطَب، والغرض الذي سيق له، والجو الذي نزل فيه" ([13]).



----الحواشي -------------------------------

([1]) ((إحكام الأحكام)) (2/21).
([2]) محمد بن حمد بن سهل، قاض من كبار الأحناف، مجتهد، مات سنة 483هـ انظر: الأعلام 5/315
([3]) ((أصول السرخسي)) (1/164).
([4]) علي بن عبد الواحد بن محمد أبو الحسن الأنصاري، كان آية باهرة في جميع العلوم وجميع أحواله كلها مرضية مات سنة1057 هـ انظر: الموسوعة الميسرة 2/1626و معجم المؤلفين 2/471
([5]) ((المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع)) (ص18).
([6]) عبد الرحمن بن جاد الله البناني المغربي فقيه أصولي نزيل مصر مات سنة 1198هـ ((معجم المؤلفين 2/86))
([7]) ((حاشية البناني على جمع الجوامع)) (1/20).
([8]) ((دلالة السياق لردة الله الطلحي)) (ص51).
([9]) ((منهج الدرس الدلالي عند الإمام الشاطبي)) (ص165).
([10]) ((البحث اللساني لطه عبد الرحمن)) منشورات كلية الآداب بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 6، ص301.
([11]) ((دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي في قصة موسى، للشيخ فهد الشتوي)) (27).
([12]) ((أثر السياق في النظام النحوي على كتاب (البيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري) للدكتور نوح الشهري) (ص79).
([13]) ((السياق القرآني وأثره في تفسير المدرسة العقلية، للدكتور سعيد الشهراني)) (ص22).
 
جزاكم الله خيراً
وفتح عليكم فتوح العارفين
ومعكم متابعون
 
الموضوع هذا قدمت فيه أطاريح عديدة في جامعة مكناس بالمغرب ..
حبذا لمن اطلع على شيء من رسائلها التعريف بها .
 

===================
أقول:
===================

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ( صحبه و اتباعه أجمعين )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


بارك الله فيك يا أخي الحبيب على هذا الموضوع المهم

فللأسف

أرى كثيرا من بعض العلماء و غيرهم من العامة

يهملون السياق الرباني و يجتزئون جزء من آية ما - لإثبات صحة تأويلهم أو إثبات عقيدة ما !!!؟؟


/////////////////////////////////////////////////
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أرجوا إفادتي والأعضاء عن أفضل تفسير استخدم التفسير بدلالة السياق القرآني،الذي قدمتم هذه الدراسة الجميلة عنه؟
ثمّ ماإذا كان تفسير المجمع بالمدينة من هذا النوع؟وجزاكم الله خيراً.
 
الشيخ أمين الشنقيطي
من خلال تتبعي للتفاسير في الدراسة التطبيقية لسورة البقرة ، تبين لي اعتماد كثير من المفسرين لهذا العلم على تفاوت بينهم في ذلك ، ومن أبرزهم ابن جرير وابن عطية وأبو حيان وابن كثير ، وابن عاشور . وسأبين في حلقات التعريف بهذا العلم مناهجهم في ذلك بإذن الله تعالى
ولكن لم أقف على تفسير معين اعتمد السياق في جميع تفسيره ، وعنى به في جميع ترجيحه ، وهذا الذي يؤكد ضرورة العناية بهذا العلم في التفسير .
 
الدكتور عبدالرحمن وفقه الله
قرأت ماسطره قلمك عن النظرة الجديدة التي جاد بها فكرك ونظرك الثاقب ، وقد أمعنت النظر فيه ، وأظن أن ماتوصلت إليه من من تحديد الوحدات الخمس هو خلاصة جهد وممارسة ، وقد لفت نظري بأنك جعلت السياق هو أهم وحدة جامعة ، وهي في نظري نتيجة صحيحة ، إذ إن السياق حقيقة جامع للوحدات التي تسبقه كلها فهو نظرية تشمل الكلمة وموقعها وسر تعبيرها ، والحروف ومعانيها ، والجمل وترابطها .
وأرجو أن تأذن لي بإعادة نشر الخلاصة مع اختصار وترتيب لها ليكون مؤكداَ وشاهداَ لأهمية علم السياق ودراسته :
((( الخلاصة في ضوء كون التفسير هو علم فهم معاني القرآن على مراد الله أو كما فهمه النبي وصحبه فهو بهذا المعنى (علم دلالة القرآن)، ولما كان السياق اللغوي هو وحدة دلالية عند جميع علماء اللسانيات المعاصرين كان علم السياق القرآني أهم وحدة (تفسيرية) إذ يمكن أن ننقل الترتيب التصاعدي للوحدات الدلالية (كلمة -عبارة-جملة-سياق) إلى علم التفسير فنقول :
1- الوحدة التفسيرية الصغرى هي الكلمة القرآنية: ولضبط هذه الوحدة نحصر مراجعها في علم المعاجم ومعاني الكلمات ومفردات القرآن ، وكتب التصريف والصرف لأنه علم الصيغ، وكتب علم معاني الأدوات فهو جزء من علم النحو.
2- الوحدةالتفسيرية الثانية (العبارة أو شبه الجملة في القرآن ) فكانت تدرس في كتب النحو ، وفي حقل الإضافة أيضا من تلك الكتب.
3- الوحدة التفسيرية الثالثة هي الجملة القرآنية ، وهذه مراجع دراستها جميع كتب النحو والتفاسير خصوصا تلك التي تركز على النحو في منهجها.
4- الوحدة التفسيرية الرابعة هي السياق ، والمرجع في فهم السياق القرآني هو علم ترابط الجمل ومرجعه تفسير الزمخشري ، وعلم النظم والبلاغة بكتبها المعروفة. وعلم السياق القرآني أهم وحدة (تفسيرية) . وربط السياق اللغوي بواقعه التاريخي مهم ، ويحوج المفسر لهذه الوحدة التفسيرية العودة إلى كتب التاريخ بمعناه العام بما فيها كتب الحديث والسير والمغازي، لكنه عند هذه المرحلة يكون قد دخل الوحدة التفسيرية الكبرى الخامسة وهي ( السياق الحضاري -التاريخي-الاجتماعي) للنص القرآني ، والمقارنة بين السياقين في خصوص النص القرآني هي نوع من العلم جميل وجديد ولذيذ.

وعلى ذلك يكون :
- العالم بمفردات القرآن والمعاجم : مرجعنا في فهم الوحدة التفسيرية الأولى يشاركه في ذلك العالم بوظائف الكلمات القواعدية ومعانيها ، وتحولات صيغ الأفعال ومعاني الزيادات.
- ويكون العالم بالنحو المُغني لفهمه لكتب النحو في التراث بقراءات لسانية معاصرة مرجعنا في الوحدة التفسيرية الثانية والثالثة .
- ويكون عالم البلاغة وعِلم ترابط الجمل والمحيط بأسباب النزول الناقد لها في ضوء منهج المحدثين مرجعنا في الوحدة التفسيرية الرابعة.
- وأما المرجع للوحدة التفسيرية الخامسة فهو كل ما يكتب في الدفاع عن العقيدة الإسلامية. لأنها هي السياق الحضاري العام لورود القرآن. وأما الأساس الثاني فهو ضرورة اعتبار السيرة النبوية ...
هذه الضوابط ترتب المعاني والأفكار بحسب اقترابها من المعنى المتحصل من ربط القرآن بسيرة النبي وبما ثبت من طريقة فهم الصحابة له. وهيهات أن يحيط بالوحدات التفسيرية الخمس رجل واحد ولكن يمكن رسم المخطط العام للمقاربة العلمية في التفسير . والله من وراء القصد))) اهـ باختصار وترتيب .
 
عودة
أعلى