طارق منينة
New member
- إنضم
- 19/07/2010
- المشاركات
- 6,330
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
علمانيو الانقلاب.. خزي الماضي والحاضر
طارق منينة
لقد حاول العلمانيون المصريون بعد سقوط الخلافة الإسلامية عام1924م، وأسر الخليفة عبد الحميد الثاني من قبل الانقلابيين، أتاتورك وعصابة تركيا الفتاة، خطف الدولة المصرية ثم التوغل في مؤسساتها السياسية والثقافية والاجتماعية، ونجحت محاولاتهم، إلا أنهم لم يستطيعوا إحلال العلمانية الشاملة في البلاد كما فعل أتاتورك بعد خطف الخلافة والخليفة.
لكنهم - واقعيًّا - اختطفوا وسرقوا دولة الإسلام في مصر، وحولوها لدولة تحمل الناس حملًا على التحاكم لمبادئ القوانين الغربية، للقرن التاسع عشر، في نفس الوقت الذي حاولوا فيه المساس بالإسلام، عقيدة وشريعة، دينًا ومنهج حياة، سنة وسيرة، حتى صارت العلمانية الجزئية تقود البلاد مع إرث قوانينها الوضعية الاستعمارية، التي كان الاستعمار قد وضع لها موطئ قدم في الدولة، والسياسة والقانون، والتعليم والثقافة.
ولم يستحِ أولئك العلمانيون من التعامل معه في البداية؛ فوضعوا -نيابة عنه- الخنجر المسموم في جسد الأمة الضعيف، بعد سقوط ما أسموه بـ "الرجل المريض"؛ فأخروا تقدم الأمة إلى التمدن والحضارة كما كانت في أوج عزها؛ بل منعوا تقدمها، وكرّسوا لأمية بشعة في كافة مناحي الحياة العلمية، اللهم إلا في مجال الأدب والفكر؛ فجعلوها علمانية التوجه علمانية المعرفة، أما باقي المجالات العلمية فقد وضعوا الحوائل دون فاعليتها الضرورية؛ فكانت في الغالب مسجونة في الجامعة لا تتعدى أسوارها إلا في النزر اليسير.
فانهارت مقومات الإنسان على إثر ذلك؛ فكان الفقر والمرض والعشوائية والاستبداد، وتوقفت العلوم عن التطور والنمو، وفسدت الذمم وتغيرت العقول وانتشر الفساد في كثير من الأعمال والشركات والمؤسسات، وصار مدح الاستعمار، والتحقير من الذات، علامة على التقدم والثقافة، خصوصًا الاستعمار الفرنسي النابليوني الذي أقام له فاروق حسني وزير ثقافة مبارك المنتديات الثقافية والفعاليات الأدبية، وهرع إليه الكتاب العلمانيون وكأنهم يجتمعون على وليمة أو ذبيحة!
إلا أن الله عز وجل تكفل بتحقيق وعده للأمة التي عانت من ويلات الاستبداد وحروب الاستعمار الثقافية والمادية.
قطيع العلمانية في خدمة الدكتاتورية:
لقد استخدمهم الاستعمار واستخدموه، كما استخدمتهم السلطة واستخدموها، عاشوا بالدكتاتورية وعاشت الدكتاتورية بهم، وإن التاريخ ليحكي لنا الكثير من المشاهد المخزية المؤلمة، إلا أننا سنقتصر على عرض لمحات تبدأ من عصر ما بعد جلاء الملك فاروق وتولي العسكر سلطة الدولة، وقد ظن الناس بهم خيرًا.
فعن الدولة الناصرية نقول بأنه قد تم تبني النموذج الاشتراكي، كما تم التحالف مع الجماعات الماركسية والشيوعية بعد تدجينها وإخضاعها رغبة ورهبة. برز النموذج الماركسي - الاشتراكي- اليساري في تلك الأثناء وتحالف مع الدكتاتورية، التي تخفت في قلوب ضباط كان بعضهم يتبنى النماذح الغربية عقيدة ومنهجًا للتغيير، ظن كثير من المتغربين الماركسيين أنهم باستخدام السلطة والخضوع لها سوف يقيمون الاحتفال قريبًا مع "المركز" لتخليد الماركسية على جثة الإسلام وإفنائه!
فتم تبرير أعمال تلك السلطة الغاشمة وموقفها من الإسلام كمنهج للحياة، وكان العبيد في التمهيد أقطاب بارزون في الحركة الماركسية، ومثاله: الدكتور محمود أمين العالم، المؤمن بالمادية الجدلية، الرافضة للوحي والدين، والغيب والقرآن، والرسالة والشريعة. يقول أمين العالم ص129، في كتابه (الفكر العربي بين الخصوصية والكونية): "فالمادية التاريخية والمنهج المادي الجدلي يشكلان وحدة واحدة، ويعبران عن رؤية جماعية تغييرية للتاريخ، نابعة من القراءة العلمية للتاريخ نفسه". ويقول عن ناصرية الدولة التي خدمها في القمة رغم استبدادها إنها: "فجرت وأشاعت وعمقت مفاهيم وقيمًا تنويرية عقلانية وعلمانية جديدة في المجتمع كله، وليس بين النخب المثقفة وحدها". [الفكر العربي بين الخصوصية والكونية، ص 215] وسيأتي من كلامه مدحه لها لتمريرها الأفكار الغربية.
العلاقة الآثمة بين الدكتاتور والماركسي العلماني:
لقد عُين محمود أمين العالم رئيسًا لمجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأصبح مسئولًا في الأمانة المركزية للتنظيم الطليعي الاشتراكي الذي أسسه عبد الناصر! وكان مسئولًا عن إعداد الأوراق التثقيفية، ومع إيمانه بالاشتراكية فإنه عمل داخل نظام دكتاتوري كان قد قمعه من قبل، وبعد العلاقة الآثمة مدحه وعمل لديه، انتظارًا لتطور الأمور إلى تمكين الفكر المادي في بلاد الإسلام، لم يجد حرجًا من مدح عبد الناصر وتبرير دمويته ضد الإخوان وغيرهم، تمامًا كما فعل الدكتور مصطفى حجازي اليوم في حكومة الانقلابيين الجدد، وسيأتي الكلام عنه.
قال جابر عصفور في مقال بعنوان (محمود أمين العالم.. الرمز والقيمة): "لقد بدأ العالم حياته الفكرية الحقيقية بالانتماء إلي الفلسفة الماركسية... وما أسرع ما شغل مناصب قيادية متعددة: رئاسة مؤسسة الأخبار, ومؤسسة المسرح, وهيئة الكتاب إلخ... محمود العالم كان أول من قدم البنيوية إلي القراء العرب, وذلك في ذروة اشتعال المعركة بين البنيوية وأعدائها في الحياة الفرنسية, وكان ذلك في المقالات التي واصل نشرها في مجلة المصور في الستينيات, وقد تعلمت منها معارفي الأولى عن أسماء رولان بارت ولوسيان جولدمان وغيرهما". [الأهرام، 19 يناير 2009م]
في المقابل يمدح العالم عصفورًا بقوله عن كتاب عصفور (هوامش على دفتر التنوير) - وهو كتاب مليئ بالهجوم على الفكر الإسلامي والحقائق الإسلامية والإسلاميين - إنه:
"ثمرة معركة حية محتدمة اليوم في حياتنا السياسية والثقافية العربية عامة والمصرية خاصة... يقرر بحسم أن "استخدام الثرات إيجابًا لا يختلف عن استخدامه سلبًا، كلاهما يضع الجزء موضع الكل، ويعيد إنتاج الجزء الذي يصبح هو الكل؛ بل يضفي شرعية على الحاضر باسم الماضي... ونكاد نتبين من العديد من نصوصه أن كل عودة إلى الأصل القديم تتعارض مع المشروع التنويري الليبرالي؛ بل لعل ذلك أن يكون في رأيه من الأسباب الأساسية لانتكاسه". [الفكر العربي بين الخصوصية والكونية، ص211]
وفي (ص 218) يقدم التحية: "وتحية في النهاية للدكتور جابر عصفور على كتابه الجاد القيم، الذي يعد خطوة كبيرة في طريق طويل".
تحالف العلمانية مع رأس المال الفاسد في عصر السادات ومبارك:
أيضًا، مُلئت دهاليز ومؤسسات السياسة والثقافة والإعلام والمجتمع، أيام السادات ومبارك بمن يدعون بالمثقفين العلمانيين، المتسترين وغيرهم، من الذين كانوا يقدمون ترضيات للحماهير في الجرائد، بينما كانوا في كتبهم ومشاريعهم يحاولون المساس بالإسلام والقرآن والرسول، ذلك وهم يقومون بوأد تيارات النهضة الإسلامية وهي تقوم بالدفاع عن حقوق الإنسان والمجتمع.
لقد اعتلى كثير من أولئك الجبناء والمنتفعين المناصب الثقافية، ورئاسة الصحف والمجلات، والمؤسسات والهيئات، وكان على رأسهم كبير الحاقدين على الإسلام كمنهج وعقيدة وشريعة، وهو الدكتور جابر عصفور، الذي مدحه محمود أمين العالم منذ هنيهة؛ ذلك الرجل المعاصر الذي كان مقربًا من الإدارة السياسية الدكتاتورية، وحلقات الوصل والفصل فيها، حتى إنه نجح في تمرير مجموعة من المشاريع لعلمنة الفكر والثقافة، التي نُفذت فعلًا، مسابقًا الزمن في صناعة تغيير أصبح يتسارع بنشاط مخيف، في محاولة أخيرة لاختراق العقل المصري، عن طريق نشر الكتب المترجمة على نطاق واسع وبأرخص الأسعار (من أموال الشعب)، وكذلك طبع كتب العلمانيين العرب، أو كتب الدفاع عنهم؛ ومن ذلك كتاب قدم مساهمة في تمرير العلمانية ودعم الدكتاتورية، وهو بعنوان موحي: (ضد التعصب)؛ لقد كتبه الدكتور جابر عصفور نفسه دفاعًا عن مشروع نصر حامد أبي زيد، القائل إن القرآن منتج ثقافي أسطوري ترجع أصوله إلى المعرفي التاريخي العربي وغيره من ثقافات الشرق القديم الأسطورية!
أما المدهش في الكتاب فهو عرض عصفور دفاع الكاتب العلماني المتهكم على الرسول في كتابه (فترة التكوين)، وهو المحامي خليل عبد الكريم، عرض دفاعه عن نصر حامد أبي زيد، وأيضًا عرض كلام الكاتب الماسوني المشهور بعدائه لتيار النهضة الإسلامي، وهو رئيس سابق لمحكمة أمن الدولة وصاحب الكتب التي تقدح في القرآن والصحابة والشريعة وما أسماه بالإسلام السياسي، وهو المستشار محمد سعيد العشماوي، وقد قمت بالرد على العشماوي في كتابي: (أقطاب العلمانية ج2)، وردّ عليه أيضًا الدكتور محمد عمارة في كتابه: (سقوط الغلو العلماني).
صدر كتاب عصفور عن مكتبة الأسرة برعاية زوجة الطاغية حسني مبارك، وهذا يعني أن أموال الدولة المصرية التي تجمع من مصادر شتى، ومنها ضرائب المصريين، تمول هذه المشاريع والكتابات التي تحاول خلخلة الوعي المصري وعلمنته، شعوريًّا وفكريًّا، إعلاميًّا وثقافيًّا.
تحالف الانقلاب مع الليبرالية العلمانية:
رأينا أيضًا كيف أن حكومة العسكر قبل الانتخابات التي جاءت بالرئيس محمد مرسي، قدمت جابر عصفور ليكون وزيرًا للثقافة، بعد أن كان في دولة مبارك رئيسًا للمجلس الأعلى للثقافة، إلا أنه سرعان ما تُخلي عن المهمة، كذلك رأينا أن الانقلابيين صعدوا الدكتور مصطفى حجازي، المحلل الاجتماعي المتخذ من رؤية منهجية الجدلية المادية طريقًا للتفسير، ليتحدث باسمهم، مخاطبًا الداخل والخارج بلسان الدمويين.
وقد أهدر مصطفى حجازي الكرامة الإنسانية التي كثيرًا ما تشدق بالدفاع عنها في كتبه على مذابح أسياده الانقلابيين؛ فعبد نفسه لثلاثة أنماط من الهيمنة التي كان قد كتب ضدها باعتباره مفكر جدلي (السلطة المستبدة - الهيمنة الخارجية - العصبية - أنظمة القمع والتحريم!)، وهو الذي طالما أدانها في كتبه.
وبقي له من الأنماط الأربعة التي حذر منها في كتبه نمط واحد وهو (السلفية)؛ فهذه بقيت مغضوب عليها عنده؛ بل برر قتل أهلها كما شاهدنا ذلك في أحاديثه للشعب المصري ولقاءاته مع بعض القنوات الأجنبية، لقد أهدر الإنسانية وهو يقوم بتبرير عمليات الدمويين في قتل وحرق وخنق وخطف أهل (رابعة) (والنهضة) وغيرها من الميادين، بينما كان يخاطب الغربيين بما يخافون منه؛ فهو يضرب على وترهم الذي صنعوه؛ فيقول لهم إن الإخوان قد حرقوا الكنائس وهم من يقتل الناس في الشوارع! ومع ذلك بدا على المذيعة الأجنبية في الـ(بي بي سي) الشك في كلامه.
وهكذا دفعته المادية إلى الدموية، والعلمانية إلى التحالف مع الدكتاتورية؛ فالرجل اتخذ منهج المادية الجدلية في هدم الروح البشري الذي دافع عنه بكلمات يهدمها منهجه في الحياة، كما رفض حقيقة الغيب في محاولة منه للقدح في العقيدة وجدواها في الحياة عن طريق رمي الجماعات الإسلامية السياسية بالإيمان بالغيب، كعادة أمثاله في الإلتفاف والمداورة، ولا شك أن لجابر عصفور تأثيرًا قويًّا على اتجاهات كتاباته، قال حجازي وكأن الكاتب عصفور: "أما علم الغيب فنقصد به استغلال الدين وسيطرة رجاله على الحكم بالغيب تفسيرًا وتأويلًا، واحتكارهم لهذه السلطة المعرفية من أجل ترويض الناس من خلال كل آليات التحريم والتحليل المعروفة، ولقد وصل الأمر بهم إلى تكفير كل فكّير، ومنع التساؤل والتفكير التحليلي النقدي، الذي يوصف بالزندقة والبدع؛ لصالح الاتّباع المحض".
علمانية تبيح سفك الدماء لأجل مشروعها اللا إنساني:
بعد صعود تيار النهضة الإسلامية لسُدة الحكم، وتولي الرئيس مرسي لإدارة البلاد، ومحاولة إفشاله من خلال إعاقة كافة الإدارات والمشاريع عن الفاعلية من قبل الدولة الخفية التي لم تسقط بسقوط الطاغية مبارك -ظهرت كتب علمانية تدفع في اتجاه الثورة على الدولة التي انتخبها الشعب المصري، وتدعو إلى التمرد، والتحريض على الإسلام ورجالات الفكر الإسلامي، ونتائج الانتخابات التي تدافع عليها المصريون لاختيار أول برلمان مصري معاصر غير مزور، وأول رئيس مصري لم يأتِ على ظهر دبابة وإنما باختيار شعبي عن طريق الانتخاب الحديثة، وهي الاقتراع وصندوق الانتخابات، تلك العملية التي طالما تشدقوا بأنها هي الفيصل الوحيد في اختيار نواب الأمة ورئيسها.
ظهر هذا التيار العلماني بكتاباته الدموية داعمة مواقفها بفلسفات فاشية ودموية وصدامية؛ وذلك لما رأوا أن الشعوب العربية اختارت الإسلام حكمًا وقيمًا؛ فبدا لهذا الخطاب العلماني الجامح والفاقد للعقل أنه لا بد من كتابات تحريضية دموية؛ فالجماهير الإسلامية لم تلق لأصحابهم بالًا، بل لم تعرفهم أصلًا، وكيف تعرف أناسًا يريدون هدم أصول دينهم ودنياهم، وهي التي أخرجت للعالم حضارة علمية - ايمانية - روحية ومادية، استفادت منها الدنيا كلها، وحتى يوم الناس هذا.
راحت تلك الكتابات العلمانية تفسر هذه الثورات المدهشة بتصورات علمانية ممتلئة بالأحقاد الاستشراقية القديمة والحديثة، وعلى إثرها بدأت التصريحات الواضحة بعلمنة الدولة، ولا يخفى على القارئ مقولة (حلمي النمنم) في المؤتمر المشهور عن مصر والعلمانية، وأنه يريدها علمانية ولو بالدم! قائلًا إنه لا توجد ديمقراطية بدون دم! وطبعًا فالرجل يتكلم عن الدم الإسلامي!
أيضًا ظهر رئيس الوزراء الرأسمالي الانقلابي (الببلاوي) على قناة (أ بي سي) الأجنبية، وسرعان ما بدأ بتبرير قتل نظامه الدموي للناس في ميداني رابعة والنهضة بقوله: "هناك أوقات استثنائية ترتكب فيها الأعمال الوحشية"!! فهل يُعقل هذا؟!
إن مصطفى حجازي والببلاوي وجهان لعملة دموية انقلابية واحدة، يؤمنان بالفكر الغربي، ويبرران أعمال القتل الوحشية التي جرت من قبل سلطة الانقلاب، التي يعملان معًا في سبيل خلودها.
وقد كان دأب أمثال هؤلاء قديمًا - منذ تغول الفكر الماركسي في بلادنا - أن يحكموا على الأحداث هزيمة أو نصرًا بالمعايير العلمانية الخاطئة؛ فسواء كان الأمر هزيمة للعرب كما كان في عام 67 على يد نظام تغرب في الاشتراكية ودكتاتوريتها، أو كان بعد نصر ثورات أمتنا لبداية الألفية الثالثة؛ فإنهم كانوا ولا يزالون يرمون الإسلام بالتخلف وأنه هو سبب الهزيمة، أوالمعيق للتطور والتقدم؛ كصادق جلال العظم، في كتاب (نقد الفكر العربي)، وكتاب (النقد الذاتي للهزيمة) عن هزيمة 67م.
وبمناسبة هذا السياق نذكر قول محمود أمين العالم عن (العظم) وافتراءاته على الإسلام، وأنه سبب هزائم الأمة بقوله: "كتاب صادق جلال العظم (النقد الذاتي للهزيمة) ... لعل هذا الكتاب من أوائل الكتابات الموضوعية التي أخذت تكشف المفاهيم السلبية المسيطرة على الفكر العربي نفسه". [الفكر العربي بين الخصوصية والكونية، لمحمود العالم ص57].
أو يرمونه بأن أهله هم سبب انحراف أهداف الثورة بزعمهم؛ كحازم صاغية وكتابه (الانهيار المديد)، ومنهم من حاول تشويه مفاهيم الإسلام فيما يخص علاقته بالدولة والسلطة، وكذلك تشويه صورة الدعاة إليه؛ كما في كتاب (سياسات الأديان) لنبيل عبد الفتاح، وقد صدر عن مكتبة الأسرة عام (2003م) برعاية زوجة الطاغية مبارك، التي مررت للعلمانيين كثيرًا من أباطيلهم، بيد أنه حاول مغازلة رفاقه والدكتاتورية بكتابه (النخبة والثورة، الدولة والإسلام السياسي والقومية والليبرالية)، وهذا الأخير صدر عام 2013م عن دار العين للنشر، الإسكندرية، وهلل له الليبراليون في ميدان التحرير بعد أن أعلن أنه سيوزع عليهم هناك.
أيضًا صدر لهاشم صالح تلميذ الهالك (أركون) كتابه (الانتفاضات العربية في ضوء فلسفة التاريخ)، وهذا الكتاب يعد الأخطر من تلك الكتب التي دعت إلى الدم، وأنه لا بد منه للتخلص من الأصول الإسلامية وأهلها، وهو الذي أخذوا عنه تلك الفكرة الدموية وصرحوا بها، يقول هاشم صالح: "...هل يعلم هذا العبقري أن تطبيق الشريعة مستحيل في العصور الحديثة؛ لأنها مضادة في معظم بنودها لكل إعلانات حقوق الإنسان والمواطن". [الانتفاضات العربية، (ص211)]، ويقول عن المسلمين إنهم: "لا يستطيعون أن يفهموا أن هناك عدة طرق تؤدي إلى الله لا طريقًا واحدًا أو دينًا واحدًا... أن تخرج من كل الأديان والمذاهب وتعتنق الفلسفة التنويرية الكونية دينًا". [الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ، (ص264)]
ومعلوم أن هاشمًا ومعه أركون قاما بنقد القرآن بصورة تبين ضحالة ما هم عليه من أوحال الفكر الغربي، وأدبيات الفكر العلماني لما بعد الحداثة، وضحالة وتهافت نقده المنتفخ بهزيانات العقل المنبثق عن مادية متوحشة في إهابها الناعم، وقد زرعت الشقاء للإنسان وقتلت وهي تحتل الكيان الإنساني، روحه وأشواقه.
وفي كتابه هذا قال المفكر الشديد الحقد على أصول الإسلام، باستخفاف وتهكم واضح: "وأخيرًا أنا لست ضد رجال الدين في المطلق، بشرط أن يتركونا نشرب عرقًا وويسكي، ونسمع الجاز والموسيقى، ونغازل الآنسات والسيدات وبقية الحريات...هكذا تلاحظون أن إيماني مخفف إلى درجة أنه يكاد يتبخر في الهواء". [الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ (ص95)] ويخبرنا أنه من: "الأصولية العلوية الشيعية التي تربيت عليها في طفولتي". [نفس الكتاب (ص 96)] ويقول وهو في حالة نشوة خرافية كالتي عاشها (العظم) وأمثاله وهو يعلنون خلود الماركسية في ستينات القرن الماضي - وأين هي الآن؟ إمبراطوريتها المخيفة؟ الإتحاد السوفيتي؟ الإجابة إنها في مزبلة التاريخ - قال: "نهاية التاريخ هي النظام العلماني الديمقراطي الحديث". [نفس المرجع، هامش، (ص247)] وهكذا تحولوا بقدره قادر إلى عرافين يتكلمون عن الغيب!!!
لقد نشر هؤلاء العلمانيون أحقادهم العنيفة ضد تيار النهضة الإسلامية، وما يزالون إلى لحظتنا هذه؛ فهذا التيار المتنامي هو الحائل دون أهدافهم النفعية المادية؛ فهو الأصل الأصيل المتأصل في الأمة، إنهم يريدون أن يخرجوا الأمة من دينها وقيمها وآدابها، إلى علمانية ولائكية ولا دينية ولا أخلاقية، تجعل الدين شعائر لا شأن له بقيادة الدنيا أو سيادة عمليات وتقنينات التشريع للناس، من خلال اجتهادات بشرية تنطلق من روح وقيم وشرائع هذا الدين العظيم، الذي رأوا إنتاجه الخلقي والعلمي، الإنساني والمادي، في حواضر الإسلام في الشرق والغرب، بيد أن السيادة العليا بالنسبة لهؤلاء الحمقى يجب أن تكون للعلمانية، أي لعقول الفلاسفة الغربيين وأصحاب المصالح والمال والقانون والفكر والسياسة، بكل ما لها من طفرات وتحولات في عالم الإنسان والمجتمع، وعالم السياسة الكونية والاقتصاد، والأخلاق والثقافة، وغير ذلك من عوالم الإنسان المعاصر، من تعليمية، وإعلامية، وقيمية، وواقعية (إباحية وتجارية لا ضوابط فيها).
إنها الحرب على الإسلام وهي سبب الحرب على تيار النهضة الإسلامي:
بعد أن يذكر السيد ياسين - الذي تستعين به حكومات ومؤسسات مختلفة المشارب - سبب رفضه للإسلام من خلال تطوره الفكري العلماني، نراه يذكر كلمة قال مثلها المستشار العشماوي قديمًا، قال ياسين: "في ضوء ذلك كله يتبين المنطق الكامن وراء مقالاتي وأبحاثي في السنوات الأخيرة ضد تيار الإسلام السياسي". [العالمية والعولمة، للسيد ياسين، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، يناير2000، (ص24)]
نذكر هذه المقولة الخطيرة للسيد ياسين لنبين السبب الأصلي للحملة على تيار النهضة الإسلامية.
والسؤال الآن: ما هو المنطق العلماني القائم وراء حرب ياسين وأمثاله (جابر عصفور - القمني - خليل عبد الكريم - هاشم صالح - أركون...إلخ) على تيار النهضة الإسلامي عامة؟
مقالنا هذا يجيب على السؤال بالتوثيق.
يقول السيد ياسين: "وأذكر أنني في موجة شك عميق كتبت مقالة أبرزت فيها عدم قناعتي بقصة خلق العالم كما يرويها القرآن". [العالمية والعولمة، السيد يسين، (ص17)] وقال: "بعد تأمل عميق في نظام الزكاة لم أقبل فكرة أن يتصدق إنسان على إنسان، وقلت لنفسي: بأي حق يتفضل الغني على الفقير ببعض ماله؟ وألا يعطي له ذلك مكانة عليا بالنظر إلى الفقير؟ ولماذا لا يكون رفع مستوى الفقير مسئولية الدولة؟ بحيث يحصل الفقير (...) على حقه باعتباره مواطنًا، لا باعتباره مجرد فقير محل للصدقة والإحسان؟ لم أقتنع بنظام الزكاة، وفي نفس الوقت لم أجد إجابة شافية على سؤالي الرئيس: لماذا التفاوت الطبقي في المجتمع؟ كان ذلك أحد أسباب خلافي مع النسق الفكري للإخوان المسلمين". [العالمية والعولمة، السيد ياسين، (ص18)]
وبعد أن يذكر (رحلة البحث) وطرق باب الماركسية وعثوره على المنهج العلمي - بحسب زعمه - لتفسير نشوء المجتمعات وتطورها في الماركسية، في الوقت الذي رفض فيه كما يقول بعض نظرياتها وأهمها ديكتاتورية البروليتاريا (ص 19)، راح ينتقل من الاشتراكية الإنسانية إلى الاقتناع بمبدأ "النسبية الثقافية"، انتقل من خلال ذلك إلى "الكونية" و"سقوط الأنساق الفكرية المغلقة" (ص23)؛ فالنسبية الثقافية وسقوط الأنساق الفكرية والإيمان بالكونية التي نشأت في ظل الثقافة الغربية المادية التابعة لتطور مجريات الأمور في الغرب هي آخر ما هو عليه السيد ياسين، بعد رفضه للإسلام وشريعته وعقيدته. ومن هنا يقول بعد أن عرض تحولاته: "في ضوء ذلك كله يتبين المنطق الكامن وراء مقالاتي وأبحاثي في السنوات الأخيرة ضد تيار الإسلام السياسي". (ص 24)
وقد تبنى السيد ياسين مفهوم "الطريق الثالث" الذي يتبنى النموذج الحضاري الجديد كما قال، والقيم الاجتماعية الجديدة التي ترد "إلى فكر ما بعد الحداثة" (ص30)، والذي إذا اهتم بالروح فإنه يهتم بها على أساس هذا المنهج العلماني، فالاهتمام "بالأمور الروحية والتي تأخذ أشكالًا شتى ليست بالضرورة تطبيقًا لقواعد الأديان المعروفة". (ص 30)
ولذلك كله استدعت قناة (سي بي سي) في برنامج خيري رمضان السيد ياسين لتحليل الجولة الثانية في الاستفتاء على دستور مصر، بعد ثورة 25 يناير، وقبل الانقلاب الدموي لعبد الفتاح السيسي وعصابته، من غير أن يعرف الناس ما هو المنطق الكامن وراء تشويهه لتيار النهضة الإسلامية! ولا يخفى على القارئ أن القناة تعلم من هو السيد ياسين من موقفه من الإسلام وشرائع الإسلام، التي أهان منها في كتابه المسمى العالمية شريعة الزكاة، وقال إنه ترك الإسلام لأنه لم يقتنع بهذه الشريعة.
الفرصة السانحة على رأي عنوان كتاب لـ(كيسنجر):
كلنا يعلم أن العلمانيين والليبراليين استخدموا بشكل ذكي ماكر كل الإشاعات التي أطلقتها الماكينة الإعلامية المصرية وتوابعها في كثير من القنوات الخاصة؛ لكي يحطموا المثال في النهضة الإسلامية ويجهضوها؛ بحيث يفقد الناس الثقة في النموذج الإسلامي، الذي حاول الاستشراق الغربي - الذراع الفكري للإستعمار - لقرون مضت وحتى اليوم إسقاطه بدءًا من الرسول صلى الله عليه وسلم والسيرة والصحابة والتاريخ والقادة الكبار للأمة؛ من الشافعي مرورًا بصلاح الدين وقادة العمل الإسلامي حتى يومنا هذا.
بيد أن ما شد انتباهي في الأشهر الأخيرة بين ديسمبر وبداية يناير من العام الماضي أن هذا الإعلام المشبوه استضاف قادة الفكر العلماني، ومتلقفي النظريات الإلحادية وإعلان الإيمان بها، أو المحللين لتاريخ الإسلام من خلال فكر مادي، أو الحاقدين على أصحاب التوجه الإسلامي المرتبط بأصول الإسلام ومبادئه وتشريعاته، والجمهور لا يعرف شيئًا عن الضيوف!
كما استدعت (لميس الحديدي) أيضًا في برنامجها (هنا العاصمة - حلقة 7-1-2013) الدكتور يوسف زيدان صاحب كتاب (اللاهوت العربي وأصول العنف الديني)، الذي أرجع فيه الوحي القرآني إلى منطق صحراوي وبيئة جدباء! وهو من قال عن القرآن إنه: "الاستعلان النهائي للاهوت العربي". [انظر اللاهوت العربي وأصول العنف الديني، ص(146)]
يقول زيدان: "ومعروف أن السمات الثقافية العامة المميزة لما يمكن أن يسمى العقلية العربية (!) هي سمات، مهما اختلفت حولها الأحكام والرؤى، تمتاز في نهاية الأمر بأنها ثقافة عملية (برجماتية) لا تنزع إلى التفلسف النظري العميق، ولا تقبل فكرة الاندماج والتداخل بين الآلهة والبشر (يقصد الموجودة في منطقة مصر واليونان مثلًا)، وتعتقد بوجود كائنات وسيطة بين العالمين الإلهي والإنساني؛ كالجن والعفاريت والمهان والأنبياء والملهمين، وهي عقلية جمعية لقوم لطالما تحدوا عوامل الفناء المحدقة بهم؛ كالصحراوات الشاسعة، والأسفار الطويلة المهلكة، والحروب الداخلية والدولية، والخوف من المجهول الكامن في الغيب الآتي، وكان ذلك نقيضًا لطبيعة العقلية الجمعية للمصريين واليونانيين القدماء؛ حيث الأرض الخضراء، والأرض المنتظمة، والشعور العام بأن الآلهة قريبة من البشر". [اللاهوت العربي وأصول العنف الديني، (ص87)]
وفي (ص 84-85) يتكلم عن الوثنيات في منطقة الهلال الخصيب، التي تصورت إلهًا مفارقًا يمنح شرائع في ثقافة ما قبل السيادة العربية -يقول- وأن ثقافة المجتمعات في منطقة الهلال الخصيب كانت تحتفي بالحكماء من البشر وبالكهنة الملهمين من الآلهة، وهؤلاء جميعًا كانوا في وعي العرب بمنزلة أدلاء، يعرّفون الناس بالإله، ويملئون المسافة الهائلة الفاصلة بين اللاهوت والناسوت، بعيدًا عن النظريات الفلسفية المعقدة (مثل نظرية الفيض عند أفلوطين) وبعيدًا عن أي ادعاء عن هؤلاء الوسطاء بأنهم والله شيء واحد. وقد اشتهر كثيرون من هؤلاء الوسطاء قبل الإسلام؛ فمنهم مخبرون يسخرون الجن، ومنهم عرافون يستطلعون أخبار السماء، ومنهم أنبياء عرب خُلص؛ من أمثال صالح وهود، وقد اشتهر قديمًا من هؤلاء الحكماء والأنبياء أحيقار (وزير الملك سنحريب) - التي تشابه سيرته وأقواله التي عثر على نسخة آرمية منها يعود تاريخ كتابتها الى القرن الخامس قبل الميلاد - ما نراه في الكتاب المقدس من سفر النبي يشوع بن سيراخ، وما نراه في القرآن الكريم من وصايا لقمان الحكيم الذي اقتحمت(!) سيرته وأقواله الحكيمة لابنه قلب السورة القرآنية المسماة باسمه، قاطعة بحدة بالغة السياق المخبر عن (الله) في الآيات السابقة عليها مباشرة والتالية لها؛ فكأنها نص اقتحم النص فجأة". [اللاهوت العربي ص 85]
واستدعت (منى الشاذلي) في برنامجها في بداية 2013م صاحب كتاب (السلطة في الإسلام، العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ)؛ لكي يشارك ويدلي بدلوه في قضية القانون الإسلامي، وطبعًا منى الشاذلي ومن وراء برنامجها واختياراته يعلمون مغزى فكر هذا المستشار.
واستضافت (لميس الحديدي) كاتب خطابات الرئيس عبد الناصر، وتكلم الرجل بشيء من الزهو والاعتزاز بالنفس والغرور التاريخي عن الإخوان، وتسلل من خلال ذلك إلى الطعن فيهم والتهكم منهم ومن الرئيس محمد مرسي، طبعًا لميس الحديدي ومن استدعوا محمد حسنين هيكل إلى برنامجها يعلمون تمامًا مدى الحقد الدفين الذي يكنه هذا الصحفي للنهضة الإسلامية عامة والإخوان خاصة، ولا شك أن الرجل شارك في عملية قتل واعتقال الإخوان، وعمليات إقصاء القيم والمبادئ الإسلامية من الدولة الناصرية، وشارك في عمليات التهكم على كل من له صلة بشرائع هذا الدين العظيم، وهو الذي كان سندًا إعلاميًّا وفكريًّا لعبد الناصر ولنظامه، ولذلك استخدمته قناة لميس الحديدي من ضمن الحملة على - ليس الإخوان فقط - وإنما على النهضة الإسلامية السلفية عامة.
المتخفي الأحمق:
ومن الإعلاميين الذين نشطوا أخيرًا وبقوة في الحرب على التيار الإسلامي كان (إبراهيم عيسى)، الذي عظم في كتاباته منهجية (صادق جلال العظم)؛ ذلك الملحد الذي زعم في كتابه (نقد الفكر الديني) بعد هزيمة 67، أن الإسلام هو سبب الهزيمة، وأن العلم والإسلام يتعارضان، ثم بعد عقود راح (العظم) يكتب سابًّا للنبي في أكثر من ألف صفحة من كتابيه: (ذهنية التحريم) و(ما بعد ذهنية التحريم)، ويأتي إبراهيم عيسى ليدافع عنه في كتابه (أفكار مهددة بالقتل من الشعراوي إلى سلمان رشدي)؛ بل ويقول عن العظم المدافع بكتابه (ذهنية التحريم) عن سلمان رشدي، بأنه محام ومفكر كبير، محام عن قضية سب النبي طبعًا: "أما المحامي - أو الذي أعتبره كذلك - فهو مفكر سوري كبير، اسمه صادق جلال العظم، من مواليد دمشق عام1934... له 12 كتابًا... وأحدث كتبه بعنوان ذهنية التحريم". [أفكار مهددة بالقتل من الشعراوي إلى سلمان رشدي، لإبراهيم عيسى (ص104)]
المدهش في الفصل الذي عقده عيسى لسلمان رشدي في كتابه هذا، أنه بينما يمدح العظم فإنه يهين الأمة ويتحرقها كعادته؛ فيسمي اعتراضها على رشدي وتصويره للنبي وزوجاته بأشنع الأوصاف، فيصفه بأنه: "الهجوم القطيعي (...) والحشد والتعبئة تجاه أمر بعينه من سمات مجتمعنا وسبب من أسباب تخلفه". (ص105) تناسى عيسى هذا الكلام وهو يحرض الناس على الانقلاب ضد السيد مرسي ونتيجة الانتخابات!، ويقول: "أول ما فعله الكاتب صادق جلال العظم أنه فتح ملفات المقالات التي كتبها نقادنا وأساتذتنا الكبار عن آيات شيطانية وسلمان رشدي، وهي فضيحة رسمي وبجلاجل". (ص106)
المدهش أن إبرهيم عيسى يخفي عن القراء أن العظم قد شتم الرسول في كتابه هذا، وأيضًا في كتابه المكمل وهو (ما بعد ذهنية التحريم) مئات المرات، بل قال العظم في مئات النصوص ما المشكلة أن نتهكم ونهزأ بالنبي محمد ونصوره في أبشع صورة كما فعل سلمان رشدي؟ وقال إن احتقار النبي ضرورة حداثية للانعتاق من أسر الدين والخرافة، وقال كلامًا كثيرًا في هذا يتجاوز الألف صفحة، وليس صفحة واحدة، وإبراهيم عيسى لم يقل شيئًا عن ذلك وإنما مدح الرجل، وذكر أنه كان بطلًا في الرد على من عاب منهجه هذا وعمل لهم فضيحة رسمي وبجلاجل!
من جهة أخرى، يقول عن سلمان رشدي: "إنه الاسم الذي يصيب كثيرين "بالأرتيكاريا" (ص23)، ويصف الذين اعترضوا عليه بأنهم فعلوا زارًا جماهيريًّا (ص103): "لقد كان المتطرفون يبحثون عن قضية لاستعراض العضلات وإثبات الذات ونفخ القوى (!) فلجأوا إلى المظاهرات". (ص110)، مع أن ابراهيم هذا استعرض عضلاته في كتابه هذا في إهانة الشعراوي، والغزالي، والعودة، والأمة كلها، فماذا تقول فيمن يثني على أقذر العلمانيين ويشتم أفاضل المسلمين؟!
إن رشدي هذا قد صور النبي صلى الله عليه وسلم في روايته برجل مخمور تتلقفه عاهرة من كرنفال، ويبيت عندها، كما صور زوجاته في بيت دعارة يمارسن المهنة، وقد كتب العظم يدافع عن هذا الكلام القذر بالذات!
ويعلم عيسى وكل من قرأ دفاع العظم عن رشدي بكتابيه، الذين لم أقرأ في حياتي مثلهما في التهجم على الرسول والقرآن، وبصورة لم يسبق إليها، إنه العظم الذي قد زاد على أوساخ رشدي بأقذر منها، وذلك على امتداد أكثر من ألف صفحة من صفحات كتابيه الذين أثنى إبراهيم عيسى على أحدهما، وفيه من الشتم والهزء والتهكم والسخرية من النبي صلى الله عليه وسلم بل والدفاع عن شاتمه والمتهكم به الشيء الخطير، بدعوى العظم أن المنهجية الحديثة تتطلب إسقاط هيبة أي شخص خصوصًا الأنبياء، وبالذات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الدين لا بد أن يهان حتى يزول!
لكن الجماهير لا تقرأ ولا تعرف أنها تجلس أمام أبالسة الشاشات والفضائيات الممولة بالمال الفاسد والعلماني في آن، يقومون بخلخلة معتقداتها وزعزعة الثقة في مسلماتها وعظمائها، ونبيها ودينها.
والحاصل بعد ما قلناه هو:
إن ثورتنا قائمة وماضية وثابتة ومزلزلة لعودة الحق للشعب كله، وعودة الوعي الحقيقي للأمة؛ فها هو تيار النهضة الإسلامية الهادر العظيم ومعه غالبية الشعب الشريف تقف في وجه الثورة المضادة بوجوهها المعلنة والمتسترة، حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وإن هذه الأمة لمنصورة إن شاء الله، مهما قدمت من شهداء وتحملت من آلام؛ فإن شهادتها لله تقتضي ذلك البذل والعطاء.
"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" [يوسف: ٢١]مشاهدة المزيد
[لتحميل العدد الأخير كاملًا: Horras#07
للتحميل من رابط بديل: http://goo.gl/P9wxPO]
طارق منينة
لقد حاول العلمانيون المصريون بعد سقوط الخلافة الإسلامية عام1924م، وأسر الخليفة عبد الحميد الثاني من قبل الانقلابيين، أتاتورك وعصابة تركيا الفتاة، خطف الدولة المصرية ثم التوغل في مؤسساتها السياسية والثقافية والاجتماعية، ونجحت محاولاتهم، إلا أنهم لم يستطيعوا إحلال العلمانية الشاملة في البلاد كما فعل أتاتورك بعد خطف الخلافة والخليفة.
لكنهم - واقعيًّا - اختطفوا وسرقوا دولة الإسلام في مصر، وحولوها لدولة تحمل الناس حملًا على التحاكم لمبادئ القوانين الغربية، للقرن التاسع عشر، في نفس الوقت الذي حاولوا فيه المساس بالإسلام، عقيدة وشريعة، دينًا ومنهج حياة، سنة وسيرة، حتى صارت العلمانية الجزئية تقود البلاد مع إرث قوانينها الوضعية الاستعمارية، التي كان الاستعمار قد وضع لها موطئ قدم في الدولة، والسياسة والقانون، والتعليم والثقافة.
ولم يستحِ أولئك العلمانيون من التعامل معه في البداية؛ فوضعوا -نيابة عنه- الخنجر المسموم في جسد الأمة الضعيف، بعد سقوط ما أسموه بـ "الرجل المريض"؛ فأخروا تقدم الأمة إلى التمدن والحضارة كما كانت في أوج عزها؛ بل منعوا تقدمها، وكرّسوا لأمية بشعة في كافة مناحي الحياة العلمية، اللهم إلا في مجال الأدب والفكر؛ فجعلوها علمانية التوجه علمانية المعرفة، أما باقي المجالات العلمية فقد وضعوا الحوائل دون فاعليتها الضرورية؛ فكانت في الغالب مسجونة في الجامعة لا تتعدى أسوارها إلا في النزر اليسير.
فانهارت مقومات الإنسان على إثر ذلك؛ فكان الفقر والمرض والعشوائية والاستبداد، وتوقفت العلوم عن التطور والنمو، وفسدت الذمم وتغيرت العقول وانتشر الفساد في كثير من الأعمال والشركات والمؤسسات، وصار مدح الاستعمار، والتحقير من الذات، علامة على التقدم والثقافة، خصوصًا الاستعمار الفرنسي النابليوني الذي أقام له فاروق حسني وزير ثقافة مبارك المنتديات الثقافية والفعاليات الأدبية، وهرع إليه الكتاب العلمانيون وكأنهم يجتمعون على وليمة أو ذبيحة!
إلا أن الله عز وجل تكفل بتحقيق وعده للأمة التي عانت من ويلات الاستبداد وحروب الاستعمار الثقافية والمادية.
قطيع العلمانية في خدمة الدكتاتورية:
لقد استخدمهم الاستعمار واستخدموه، كما استخدمتهم السلطة واستخدموها، عاشوا بالدكتاتورية وعاشت الدكتاتورية بهم، وإن التاريخ ليحكي لنا الكثير من المشاهد المخزية المؤلمة، إلا أننا سنقتصر على عرض لمحات تبدأ من عصر ما بعد جلاء الملك فاروق وتولي العسكر سلطة الدولة، وقد ظن الناس بهم خيرًا.
فعن الدولة الناصرية نقول بأنه قد تم تبني النموذج الاشتراكي، كما تم التحالف مع الجماعات الماركسية والشيوعية بعد تدجينها وإخضاعها رغبة ورهبة. برز النموذج الماركسي - الاشتراكي- اليساري في تلك الأثناء وتحالف مع الدكتاتورية، التي تخفت في قلوب ضباط كان بعضهم يتبنى النماذح الغربية عقيدة ومنهجًا للتغيير، ظن كثير من المتغربين الماركسيين أنهم باستخدام السلطة والخضوع لها سوف يقيمون الاحتفال قريبًا مع "المركز" لتخليد الماركسية على جثة الإسلام وإفنائه!
فتم تبرير أعمال تلك السلطة الغاشمة وموقفها من الإسلام كمنهج للحياة، وكان العبيد في التمهيد أقطاب بارزون في الحركة الماركسية، ومثاله: الدكتور محمود أمين العالم، المؤمن بالمادية الجدلية، الرافضة للوحي والدين، والغيب والقرآن، والرسالة والشريعة. يقول أمين العالم ص129، في كتابه (الفكر العربي بين الخصوصية والكونية): "فالمادية التاريخية والمنهج المادي الجدلي يشكلان وحدة واحدة، ويعبران عن رؤية جماعية تغييرية للتاريخ، نابعة من القراءة العلمية للتاريخ نفسه". ويقول عن ناصرية الدولة التي خدمها في القمة رغم استبدادها إنها: "فجرت وأشاعت وعمقت مفاهيم وقيمًا تنويرية عقلانية وعلمانية جديدة في المجتمع كله، وليس بين النخب المثقفة وحدها". [الفكر العربي بين الخصوصية والكونية، ص 215] وسيأتي من كلامه مدحه لها لتمريرها الأفكار الغربية.
العلاقة الآثمة بين الدكتاتور والماركسي العلماني:
لقد عُين محمود أمين العالم رئيسًا لمجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأصبح مسئولًا في الأمانة المركزية للتنظيم الطليعي الاشتراكي الذي أسسه عبد الناصر! وكان مسئولًا عن إعداد الأوراق التثقيفية، ومع إيمانه بالاشتراكية فإنه عمل داخل نظام دكتاتوري كان قد قمعه من قبل، وبعد العلاقة الآثمة مدحه وعمل لديه، انتظارًا لتطور الأمور إلى تمكين الفكر المادي في بلاد الإسلام، لم يجد حرجًا من مدح عبد الناصر وتبرير دمويته ضد الإخوان وغيرهم، تمامًا كما فعل الدكتور مصطفى حجازي اليوم في حكومة الانقلابيين الجدد، وسيأتي الكلام عنه.
قال جابر عصفور في مقال بعنوان (محمود أمين العالم.. الرمز والقيمة): "لقد بدأ العالم حياته الفكرية الحقيقية بالانتماء إلي الفلسفة الماركسية... وما أسرع ما شغل مناصب قيادية متعددة: رئاسة مؤسسة الأخبار, ومؤسسة المسرح, وهيئة الكتاب إلخ... محمود العالم كان أول من قدم البنيوية إلي القراء العرب, وذلك في ذروة اشتعال المعركة بين البنيوية وأعدائها في الحياة الفرنسية, وكان ذلك في المقالات التي واصل نشرها في مجلة المصور في الستينيات, وقد تعلمت منها معارفي الأولى عن أسماء رولان بارت ولوسيان جولدمان وغيرهما". [الأهرام، 19 يناير 2009م]
في المقابل يمدح العالم عصفورًا بقوله عن كتاب عصفور (هوامش على دفتر التنوير) - وهو كتاب مليئ بالهجوم على الفكر الإسلامي والحقائق الإسلامية والإسلاميين - إنه:
"ثمرة معركة حية محتدمة اليوم في حياتنا السياسية والثقافية العربية عامة والمصرية خاصة... يقرر بحسم أن "استخدام الثرات إيجابًا لا يختلف عن استخدامه سلبًا، كلاهما يضع الجزء موضع الكل، ويعيد إنتاج الجزء الذي يصبح هو الكل؛ بل يضفي شرعية على الحاضر باسم الماضي... ونكاد نتبين من العديد من نصوصه أن كل عودة إلى الأصل القديم تتعارض مع المشروع التنويري الليبرالي؛ بل لعل ذلك أن يكون في رأيه من الأسباب الأساسية لانتكاسه". [الفكر العربي بين الخصوصية والكونية، ص211]
وفي (ص 218) يقدم التحية: "وتحية في النهاية للدكتور جابر عصفور على كتابه الجاد القيم، الذي يعد خطوة كبيرة في طريق طويل".
تحالف العلمانية مع رأس المال الفاسد في عصر السادات ومبارك:
أيضًا، مُلئت دهاليز ومؤسسات السياسة والثقافة والإعلام والمجتمع، أيام السادات ومبارك بمن يدعون بالمثقفين العلمانيين، المتسترين وغيرهم، من الذين كانوا يقدمون ترضيات للحماهير في الجرائد، بينما كانوا في كتبهم ومشاريعهم يحاولون المساس بالإسلام والقرآن والرسول، ذلك وهم يقومون بوأد تيارات النهضة الإسلامية وهي تقوم بالدفاع عن حقوق الإنسان والمجتمع.
لقد اعتلى كثير من أولئك الجبناء والمنتفعين المناصب الثقافية، ورئاسة الصحف والمجلات، والمؤسسات والهيئات، وكان على رأسهم كبير الحاقدين على الإسلام كمنهج وعقيدة وشريعة، وهو الدكتور جابر عصفور، الذي مدحه محمود أمين العالم منذ هنيهة؛ ذلك الرجل المعاصر الذي كان مقربًا من الإدارة السياسية الدكتاتورية، وحلقات الوصل والفصل فيها، حتى إنه نجح في تمرير مجموعة من المشاريع لعلمنة الفكر والثقافة، التي نُفذت فعلًا، مسابقًا الزمن في صناعة تغيير أصبح يتسارع بنشاط مخيف، في محاولة أخيرة لاختراق العقل المصري، عن طريق نشر الكتب المترجمة على نطاق واسع وبأرخص الأسعار (من أموال الشعب)، وكذلك طبع كتب العلمانيين العرب، أو كتب الدفاع عنهم؛ ومن ذلك كتاب قدم مساهمة في تمرير العلمانية ودعم الدكتاتورية، وهو بعنوان موحي: (ضد التعصب)؛ لقد كتبه الدكتور جابر عصفور نفسه دفاعًا عن مشروع نصر حامد أبي زيد، القائل إن القرآن منتج ثقافي أسطوري ترجع أصوله إلى المعرفي التاريخي العربي وغيره من ثقافات الشرق القديم الأسطورية!
أما المدهش في الكتاب فهو عرض عصفور دفاع الكاتب العلماني المتهكم على الرسول في كتابه (فترة التكوين)، وهو المحامي خليل عبد الكريم، عرض دفاعه عن نصر حامد أبي زيد، وأيضًا عرض كلام الكاتب الماسوني المشهور بعدائه لتيار النهضة الإسلامي، وهو رئيس سابق لمحكمة أمن الدولة وصاحب الكتب التي تقدح في القرآن والصحابة والشريعة وما أسماه بالإسلام السياسي، وهو المستشار محمد سعيد العشماوي، وقد قمت بالرد على العشماوي في كتابي: (أقطاب العلمانية ج2)، وردّ عليه أيضًا الدكتور محمد عمارة في كتابه: (سقوط الغلو العلماني).
صدر كتاب عصفور عن مكتبة الأسرة برعاية زوجة الطاغية حسني مبارك، وهذا يعني أن أموال الدولة المصرية التي تجمع من مصادر شتى، ومنها ضرائب المصريين، تمول هذه المشاريع والكتابات التي تحاول خلخلة الوعي المصري وعلمنته، شعوريًّا وفكريًّا، إعلاميًّا وثقافيًّا.
تحالف الانقلاب مع الليبرالية العلمانية:
رأينا أيضًا كيف أن حكومة العسكر قبل الانتخابات التي جاءت بالرئيس محمد مرسي، قدمت جابر عصفور ليكون وزيرًا للثقافة، بعد أن كان في دولة مبارك رئيسًا للمجلس الأعلى للثقافة، إلا أنه سرعان ما تُخلي عن المهمة، كذلك رأينا أن الانقلابيين صعدوا الدكتور مصطفى حجازي، المحلل الاجتماعي المتخذ من رؤية منهجية الجدلية المادية طريقًا للتفسير، ليتحدث باسمهم، مخاطبًا الداخل والخارج بلسان الدمويين.
وقد أهدر مصطفى حجازي الكرامة الإنسانية التي كثيرًا ما تشدق بالدفاع عنها في كتبه على مذابح أسياده الانقلابيين؛ فعبد نفسه لثلاثة أنماط من الهيمنة التي كان قد كتب ضدها باعتباره مفكر جدلي (السلطة المستبدة - الهيمنة الخارجية - العصبية - أنظمة القمع والتحريم!)، وهو الذي طالما أدانها في كتبه.
وبقي له من الأنماط الأربعة التي حذر منها في كتبه نمط واحد وهو (السلفية)؛ فهذه بقيت مغضوب عليها عنده؛ بل برر قتل أهلها كما شاهدنا ذلك في أحاديثه للشعب المصري ولقاءاته مع بعض القنوات الأجنبية، لقد أهدر الإنسانية وهو يقوم بتبرير عمليات الدمويين في قتل وحرق وخنق وخطف أهل (رابعة) (والنهضة) وغيرها من الميادين، بينما كان يخاطب الغربيين بما يخافون منه؛ فهو يضرب على وترهم الذي صنعوه؛ فيقول لهم إن الإخوان قد حرقوا الكنائس وهم من يقتل الناس في الشوارع! ومع ذلك بدا على المذيعة الأجنبية في الـ(بي بي سي) الشك في كلامه.
وهكذا دفعته المادية إلى الدموية، والعلمانية إلى التحالف مع الدكتاتورية؛ فالرجل اتخذ منهج المادية الجدلية في هدم الروح البشري الذي دافع عنه بكلمات يهدمها منهجه في الحياة، كما رفض حقيقة الغيب في محاولة منه للقدح في العقيدة وجدواها في الحياة عن طريق رمي الجماعات الإسلامية السياسية بالإيمان بالغيب، كعادة أمثاله في الإلتفاف والمداورة، ولا شك أن لجابر عصفور تأثيرًا قويًّا على اتجاهات كتاباته، قال حجازي وكأن الكاتب عصفور: "أما علم الغيب فنقصد به استغلال الدين وسيطرة رجاله على الحكم بالغيب تفسيرًا وتأويلًا، واحتكارهم لهذه السلطة المعرفية من أجل ترويض الناس من خلال كل آليات التحريم والتحليل المعروفة، ولقد وصل الأمر بهم إلى تكفير كل فكّير، ومنع التساؤل والتفكير التحليلي النقدي، الذي يوصف بالزندقة والبدع؛ لصالح الاتّباع المحض".
علمانية تبيح سفك الدماء لأجل مشروعها اللا إنساني:
بعد صعود تيار النهضة الإسلامية لسُدة الحكم، وتولي الرئيس مرسي لإدارة البلاد، ومحاولة إفشاله من خلال إعاقة كافة الإدارات والمشاريع عن الفاعلية من قبل الدولة الخفية التي لم تسقط بسقوط الطاغية مبارك -ظهرت كتب علمانية تدفع في اتجاه الثورة على الدولة التي انتخبها الشعب المصري، وتدعو إلى التمرد، والتحريض على الإسلام ورجالات الفكر الإسلامي، ونتائج الانتخابات التي تدافع عليها المصريون لاختيار أول برلمان مصري معاصر غير مزور، وأول رئيس مصري لم يأتِ على ظهر دبابة وإنما باختيار شعبي عن طريق الانتخاب الحديثة، وهي الاقتراع وصندوق الانتخابات، تلك العملية التي طالما تشدقوا بأنها هي الفيصل الوحيد في اختيار نواب الأمة ورئيسها.
ظهر هذا التيار العلماني بكتاباته الدموية داعمة مواقفها بفلسفات فاشية ودموية وصدامية؛ وذلك لما رأوا أن الشعوب العربية اختارت الإسلام حكمًا وقيمًا؛ فبدا لهذا الخطاب العلماني الجامح والفاقد للعقل أنه لا بد من كتابات تحريضية دموية؛ فالجماهير الإسلامية لم تلق لأصحابهم بالًا، بل لم تعرفهم أصلًا، وكيف تعرف أناسًا يريدون هدم أصول دينهم ودنياهم، وهي التي أخرجت للعالم حضارة علمية - ايمانية - روحية ومادية، استفادت منها الدنيا كلها، وحتى يوم الناس هذا.
راحت تلك الكتابات العلمانية تفسر هذه الثورات المدهشة بتصورات علمانية ممتلئة بالأحقاد الاستشراقية القديمة والحديثة، وعلى إثرها بدأت التصريحات الواضحة بعلمنة الدولة، ولا يخفى على القارئ مقولة (حلمي النمنم) في المؤتمر المشهور عن مصر والعلمانية، وأنه يريدها علمانية ولو بالدم! قائلًا إنه لا توجد ديمقراطية بدون دم! وطبعًا فالرجل يتكلم عن الدم الإسلامي!
أيضًا ظهر رئيس الوزراء الرأسمالي الانقلابي (الببلاوي) على قناة (أ بي سي) الأجنبية، وسرعان ما بدأ بتبرير قتل نظامه الدموي للناس في ميداني رابعة والنهضة بقوله: "هناك أوقات استثنائية ترتكب فيها الأعمال الوحشية"!! فهل يُعقل هذا؟!
إن مصطفى حجازي والببلاوي وجهان لعملة دموية انقلابية واحدة، يؤمنان بالفكر الغربي، ويبرران أعمال القتل الوحشية التي جرت من قبل سلطة الانقلاب، التي يعملان معًا في سبيل خلودها.
وقد كان دأب أمثال هؤلاء قديمًا - منذ تغول الفكر الماركسي في بلادنا - أن يحكموا على الأحداث هزيمة أو نصرًا بالمعايير العلمانية الخاطئة؛ فسواء كان الأمر هزيمة للعرب كما كان في عام 67 على يد نظام تغرب في الاشتراكية ودكتاتوريتها، أو كان بعد نصر ثورات أمتنا لبداية الألفية الثالثة؛ فإنهم كانوا ولا يزالون يرمون الإسلام بالتخلف وأنه هو سبب الهزيمة، أوالمعيق للتطور والتقدم؛ كصادق جلال العظم، في كتاب (نقد الفكر العربي)، وكتاب (النقد الذاتي للهزيمة) عن هزيمة 67م.
وبمناسبة هذا السياق نذكر قول محمود أمين العالم عن (العظم) وافتراءاته على الإسلام، وأنه سبب هزائم الأمة بقوله: "كتاب صادق جلال العظم (النقد الذاتي للهزيمة) ... لعل هذا الكتاب من أوائل الكتابات الموضوعية التي أخذت تكشف المفاهيم السلبية المسيطرة على الفكر العربي نفسه". [الفكر العربي بين الخصوصية والكونية، لمحمود العالم ص57].
أو يرمونه بأن أهله هم سبب انحراف أهداف الثورة بزعمهم؛ كحازم صاغية وكتابه (الانهيار المديد)، ومنهم من حاول تشويه مفاهيم الإسلام فيما يخص علاقته بالدولة والسلطة، وكذلك تشويه صورة الدعاة إليه؛ كما في كتاب (سياسات الأديان) لنبيل عبد الفتاح، وقد صدر عن مكتبة الأسرة عام (2003م) برعاية زوجة الطاغية مبارك، التي مررت للعلمانيين كثيرًا من أباطيلهم، بيد أنه حاول مغازلة رفاقه والدكتاتورية بكتابه (النخبة والثورة، الدولة والإسلام السياسي والقومية والليبرالية)، وهذا الأخير صدر عام 2013م عن دار العين للنشر، الإسكندرية، وهلل له الليبراليون في ميدان التحرير بعد أن أعلن أنه سيوزع عليهم هناك.
أيضًا صدر لهاشم صالح تلميذ الهالك (أركون) كتابه (الانتفاضات العربية في ضوء فلسفة التاريخ)، وهذا الكتاب يعد الأخطر من تلك الكتب التي دعت إلى الدم، وأنه لا بد منه للتخلص من الأصول الإسلامية وأهلها، وهو الذي أخذوا عنه تلك الفكرة الدموية وصرحوا بها، يقول هاشم صالح: "...هل يعلم هذا العبقري أن تطبيق الشريعة مستحيل في العصور الحديثة؛ لأنها مضادة في معظم بنودها لكل إعلانات حقوق الإنسان والمواطن". [الانتفاضات العربية، (ص211)]، ويقول عن المسلمين إنهم: "لا يستطيعون أن يفهموا أن هناك عدة طرق تؤدي إلى الله لا طريقًا واحدًا أو دينًا واحدًا... أن تخرج من كل الأديان والمذاهب وتعتنق الفلسفة التنويرية الكونية دينًا". [الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ، (ص264)]
ومعلوم أن هاشمًا ومعه أركون قاما بنقد القرآن بصورة تبين ضحالة ما هم عليه من أوحال الفكر الغربي، وأدبيات الفكر العلماني لما بعد الحداثة، وضحالة وتهافت نقده المنتفخ بهزيانات العقل المنبثق عن مادية متوحشة في إهابها الناعم، وقد زرعت الشقاء للإنسان وقتلت وهي تحتل الكيان الإنساني، روحه وأشواقه.
وفي كتابه هذا قال المفكر الشديد الحقد على أصول الإسلام، باستخفاف وتهكم واضح: "وأخيرًا أنا لست ضد رجال الدين في المطلق، بشرط أن يتركونا نشرب عرقًا وويسكي، ونسمع الجاز والموسيقى، ونغازل الآنسات والسيدات وبقية الحريات...هكذا تلاحظون أن إيماني مخفف إلى درجة أنه يكاد يتبخر في الهواء". [الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ (ص95)] ويخبرنا أنه من: "الأصولية العلوية الشيعية التي تربيت عليها في طفولتي". [نفس الكتاب (ص 96)] ويقول وهو في حالة نشوة خرافية كالتي عاشها (العظم) وأمثاله وهو يعلنون خلود الماركسية في ستينات القرن الماضي - وأين هي الآن؟ إمبراطوريتها المخيفة؟ الإتحاد السوفيتي؟ الإجابة إنها في مزبلة التاريخ - قال: "نهاية التاريخ هي النظام العلماني الديمقراطي الحديث". [نفس المرجع، هامش، (ص247)] وهكذا تحولوا بقدره قادر إلى عرافين يتكلمون عن الغيب!!!
لقد نشر هؤلاء العلمانيون أحقادهم العنيفة ضد تيار النهضة الإسلامية، وما يزالون إلى لحظتنا هذه؛ فهذا التيار المتنامي هو الحائل دون أهدافهم النفعية المادية؛ فهو الأصل الأصيل المتأصل في الأمة، إنهم يريدون أن يخرجوا الأمة من دينها وقيمها وآدابها، إلى علمانية ولائكية ولا دينية ولا أخلاقية، تجعل الدين شعائر لا شأن له بقيادة الدنيا أو سيادة عمليات وتقنينات التشريع للناس، من خلال اجتهادات بشرية تنطلق من روح وقيم وشرائع هذا الدين العظيم، الذي رأوا إنتاجه الخلقي والعلمي، الإنساني والمادي، في حواضر الإسلام في الشرق والغرب، بيد أن السيادة العليا بالنسبة لهؤلاء الحمقى يجب أن تكون للعلمانية، أي لعقول الفلاسفة الغربيين وأصحاب المصالح والمال والقانون والفكر والسياسة، بكل ما لها من طفرات وتحولات في عالم الإنسان والمجتمع، وعالم السياسة الكونية والاقتصاد، والأخلاق والثقافة، وغير ذلك من عوالم الإنسان المعاصر، من تعليمية، وإعلامية، وقيمية، وواقعية (إباحية وتجارية لا ضوابط فيها).
إنها الحرب على الإسلام وهي سبب الحرب على تيار النهضة الإسلامي:
بعد أن يذكر السيد ياسين - الذي تستعين به حكومات ومؤسسات مختلفة المشارب - سبب رفضه للإسلام من خلال تطوره الفكري العلماني، نراه يذكر كلمة قال مثلها المستشار العشماوي قديمًا، قال ياسين: "في ضوء ذلك كله يتبين المنطق الكامن وراء مقالاتي وأبحاثي في السنوات الأخيرة ضد تيار الإسلام السياسي". [العالمية والعولمة، للسيد ياسين، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، يناير2000، (ص24)]
نذكر هذه المقولة الخطيرة للسيد ياسين لنبين السبب الأصلي للحملة على تيار النهضة الإسلامية.
والسؤال الآن: ما هو المنطق العلماني القائم وراء حرب ياسين وأمثاله (جابر عصفور - القمني - خليل عبد الكريم - هاشم صالح - أركون...إلخ) على تيار النهضة الإسلامي عامة؟
مقالنا هذا يجيب على السؤال بالتوثيق.
يقول السيد ياسين: "وأذكر أنني في موجة شك عميق كتبت مقالة أبرزت فيها عدم قناعتي بقصة خلق العالم كما يرويها القرآن". [العالمية والعولمة، السيد يسين، (ص17)] وقال: "بعد تأمل عميق في نظام الزكاة لم أقبل فكرة أن يتصدق إنسان على إنسان، وقلت لنفسي: بأي حق يتفضل الغني على الفقير ببعض ماله؟ وألا يعطي له ذلك مكانة عليا بالنظر إلى الفقير؟ ولماذا لا يكون رفع مستوى الفقير مسئولية الدولة؟ بحيث يحصل الفقير (...) على حقه باعتباره مواطنًا، لا باعتباره مجرد فقير محل للصدقة والإحسان؟ لم أقتنع بنظام الزكاة، وفي نفس الوقت لم أجد إجابة شافية على سؤالي الرئيس: لماذا التفاوت الطبقي في المجتمع؟ كان ذلك أحد أسباب خلافي مع النسق الفكري للإخوان المسلمين". [العالمية والعولمة، السيد ياسين، (ص18)]
وبعد أن يذكر (رحلة البحث) وطرق باب الماركسية وعثوره على المنهج العلمي - بحسب زعمه - لتفسير نشوء المجتمعات وتطورها في الماركسية، في الوقت الذي رفض فيه كما يقول بعض نظرياتها وأهمها ديكتاتورية البروليتاريا (ص 19)، راح ينتقل من الاشتراكية الإنسانية إلى الاقتناع بمبدأ "النسبية الثقافية"، انتقل من خلال ذلك إلى "الكونية" و"سقوط الأنساق الفكرية المغلقة" (ص23)؛ فالنسبية الثقافية وسقوط الأنساق الفكرية والإيمان بالكونية التي نشأت في ظل الثقافة الغربية المادية التابعة لتطور مجريات الأمور في الغرب هي آخر ما هو عليه السيد ياسين، بعد رفضه للإسلام وشريعته وعقيدته. ومن هنا يقول بعد أن عرض تحولاته: "في ضوء ذلك كله يتبين المنطق الكامن وراء مقالاتي وأبحاثي في السنوات الأخيرة ضد تيار الإسلام السياسي". (ص 24)
وقد تبنى السيد ياسين مفهوم "الطريق الثالث" الذي يتبنى النموذج الحضاري الجديد كما قال، والقيم الاجتماعية الجديدة التي ترد "إلى فكر ما بعد الحداثة" (ص30)، والذي إذا اهتم بالروح فإنه يهتم بها على أساس هذا المنهج العلماني، فالاهتمام "بالأمور الروحية والتي تأخذ أشكالًا شتى ليست بالضرورة تطبيقًا لقواعد الأديان المعروفة". (ص 30)
ولذلك كله استدعت قناة (سي بي سي) في برنامج خيري رمضان السيد ياسين لتحليل الجولة الثانية في الاستفتاء على دستور مصر، بعد ثورة 25 يناير، وقبل الانقلاب الدموي لعبد الفتاح السيسي وعصابته، من غير أن يعرف الناس ما هو المنطق الكامن وراء تشويهه لتيار النهضة الإسلامية! ولا يخفى على القارئ أن القناة تعلم من هو السيد ياسين من موقفه من الإسلام وشرائع الإسلام، التي أهان منها في كتابه المسمى العالمية شريعة الزكاة، وقال إنه ترك الإسلام لأنه لم يقتنع بهذه الشريعة.
الفرصة السانحة على رأي عنوان كتاب لـ(كيسنجر):
كلنا يعلم أن العلمانيين والليبراليين استخدموا بشكل ذكي ماكر كل الإشاعات التي أطلقتها الماكينة الإعلامية المصرية وتوابعها في كثير من القنوات الخاصة؛ لكي يحطموا المثال في النهضة الإسلامية ويجهضوها؛ بحيث يفقد الناس الثقة في النموذج الإسلامي، الذي حاول الاستشراق الغربي - الذراع الفكري للإستعمار - لقرون مضت وحتى اليوم إسقاطه بدءًا من الرسول صلى الله عليه وسلم والسيرة والصحابة والتاريخ والقادة الكبار للأمة؛ من الشافعي مرورًا بصلاح الدين وقادة العمل الإسلامي حتى يومنا هذا.
بيد أن ما شد انتباهي في الأشهر الأخيرة بين ديسمبر وبداية يناير من العام الماضي أن هذا الإعلام المشبوه استضاف قادة الفكر العلماني، ومتلقفي النظريات الإلحادية وإعلان الإيمان بها، أو المحللين لتاريخ الإسلام من خلال فكر مادي، أو الحاقدين على أصحاب التوجه الإسلامي المرتبط بأصول الإسلام ومبادئه وتشريعاته، والجمهور لا يعرف شيئًا عن الضيوف!
كما استدعت (لميس الحديدي) أيضًا في برنامجها (هنا العاصمة - حلقة 7-1-2013) الدكتور يوسف زيدان صاحب كتاب (اللاهوت العربي وأصول العنف الديني)، الذي أرجع فيه الوحي القرآني إلى منطق صحراوي وبيئة جدباء! وهو من قال عن القرآن إنه: "الاستعلان النهائي للاهوت العربي". [انظر اللاهوت العربي وأصول العنف الديني، ص(146)]
يقول زيدان: "ومعروف أن السمات الثقافية العامة المميزة لما يمكن أن يسمى العقلية العربية (!) هي سمات، مهما اختلفت حولها الأحكام والرؤى، تمتاز في نهاية الأمر بأنها ثقافة عملية (برجماتية) لا تنزع إلى التفلسف النظري العميق، ولا تقبل فكرة الاندماج والتداخل بين الآلهة والبشر (يقصد الموجودة في منطقة مصر واليونان مثلًا)، وتعتقد بوجود كائنات وسيطة بين العالمين الإلهي والإنساني؛ كالجن والعفاريت والمهان والأنبياء والملهمين، وهي عقلية جمعية لقوم لطالما تحدوا عوامل الفناء المحدقة بهم؛ كالصحراوات الشاسعة، والأسفار الطويلة المهلكة، والحروب الداخلية والدولية، والخوف من المجهول الكامن في الغيب الآتي، وكان ذلك نقيضًا لطبيعة العقلية الجمعية للمصريين واليونانيين القدماء؛ حيث الأرض الخضراء، والأرض المنتظمة، والشعور العام بأن الآلهة قريبة من البشر". [اللاهوت العربي وأصول العنف الديني، (ص87)]
وفي (ص 84-85) يتكلم عن الوثنيات في منطقة الهلال الخصيب، التي تصورت إلهًا مفارقًا يمنح شرائع في ثقافة ما قبل السيادة العربية -يقول- وأن ثقافة المجتمعات في منطقة الهلال الخصيب كانت تحتفي بالحكماء من البشر وبالكهنة الملهمين من الآلهة، وهؤلاء جميعًا كانوا في وعي العرب بمنزلة أدلاء، يعرّفون الناس بالإله، ويملئون المسافة الهائلة الفاصلة بين اللاهوت والناسوت، بعيدًا عن النظريات الفلسفية المعقدة (مثل نظرية الفيض عند أفلوطين) وبعيدًا عن أي ادعاء عن هؤلاء الوسطاء بأنهم والله شيء واحد. وقد اشتهر كثيرون من هؤلاء الوسطاء قبل الإسلام؛ فمنهم مخبرون يسخرون الجن، ومنهم عرافون يستطلعون أخبار السماء، ومنهم أنبياء عرب خُلص؛ من أمثال صالح وهود، وقد اشتهر قديمًا من هؤلاء الحكماء والأنبياء أحيقار (وزير الملك سنحريب) - التي تشابه سيرته وأقواله التي عثر على نسخة آرمية منها يعود تاريخ كتابتها الى القرن الخامس قبل الميلاد - ما نراه في الكتاب المقدس من سفر النبي يشوع بن سيراخ، وما نراه في القرآن الكريم من وصايا لقمان الحكيم الذي اقتحمت(!) سيرته وأقواله الحكيمة لابنه قلب السورة القرآنية المسماة باسمه، قاطعة بحدة بالغة السياق المخبر عن (الله) في الآيات السابقة عليها مباشرة والتالية لها؛ فكأنها نص اقتحم النص فجأة". [اللاهوت العربي ص 85]
واستدعت (منى الشاذلي) في برنامجها في بداية 2013م صاحب كتاب (السلطة في الإسلام، العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ)؛ لكي يشارك ويدلي بدلوه في قضية القانون الإسلامي، وطبعًا منى الشاذلي ومن وراء برنامجها واختياراته يعلمون مغزى فكر هذا المستشار.
واستضافت (لميس الحديدي) كاتب خطابات الرئيس عبد الناصر، وتكلم الرجل بشيء من الزهو والاعتزاز بالنفس والغرور التاريخي عن الإخوان، وتسلل من خلال ذلك إلى الطعن فيهم والتهكم منهم ومن الرئيس محمد مرسي، طبعًا لميس الحديدي ومن استدعوا محمد حسنين هيكل إلى برنامجها يعلمون تمامًا مدى الحقد الدفين الذي يكنه هذا الصحفي للنهضة الإسلامية عامة والإخوان خاصة، ولا شك أن الرجل شارك في عملية قتل واعتقال الإخوان، وعمليات إقصاء القيم والمبادئ الإسلامية من الدولة الناصرية، وشارك في عمليات التهكم على كل من له صلة بشرائع هذا الدين العظيم، وهو الذي كان سندًا إعلاميًّا وفكريًّا لعبد الناصر ولنظامه، ولذلك استخدمته قناة لميس الحديدي من ضمن الحملة على - ليس الإخوان فقط - وإنما على النهضة الإسلامية السلفية عامة.
المتخفي الأحمق:
ومن الإعلاميين الذين نشطوا أخيرًا وبقوة في الحرب على التيار الإسلامي كان (إبراهيم عيسى)، الذي عظم في كتاباته منهجية (صادق جلال العظم)؛ ذلك الملحد الذي زعم في كتابه (نقد الفكر الديني) بعد هزيمة 67، أن الإسلام هو سبب الهزيمة، وأن العلم والإسلام يتعارضان، ثم بعد عقود راح (العظم) يكتب سابًّا للنبي في أكثر من ألف صفحة من كتابيه: (ذهنية التحريم) و(ما بعد ذهنية التحريم)، ويأتي إبراهيم عيسى ليدافع عنه في كتابه (أفكار مهددة بالقتل من الشعراوي إلى سلمان رشدي)؛ بل ويقول عن العظم المدافع بكتابه (ذهنية التحريم) عن سلمان رشدي، بأنه محام ومفكر كبير، محام عن قضية سب النبي طبعًا: "أما المحامي - أو الذي أعتبره كذلك - فهو مفكر سوري كبير، اسمه صادق جلال العظم، من مواليد دمشق عام1934... له 12 كتابًا... وأحدث كتبه بعنوان ذهنية التحريم". [أفكار مهددة بالقتل من الشعراوي إلى سلمان رشدي، لإبراهيم عيسى (ص104)]
المدهش في الفصل الذي عقده عيسى لسلمان رشدي في كتابه هذا، أنه بينما يمدح العظم فإنه يهين الأمة ويتحرقها كعادته؛ فيسمي اعتراضها على رشدي وتصويره للنبي وزوجاته بأشنع الأوصاف، فيصفه بأنه: "الهجوم القطيعي (...) والحشد والتعبئة تجاه أمر بعينه من سمات مجتمعنا وسبب من أسباب تخلفه". (ص105) تناسى عيسى هذا الكلام وهو يحرض الناس على الانقلاب ضد السيد مرسي ونتيجة الانتخابات!، ويقول: "أول ما فعله الكاتب صادق جلال العظم أنه فتح ملفات المقالات التي كتبها نقادنا وأساتذتنا الكبار عن آيات شيطانية وسلمان رشدي، وهي فضيحة رسمي وبجلاجل". (ص106)
المدهش أن إبرهيم عيسى يخفي عن القراء أن العظم قد شتم الرسول في كتابه هذا، وأيضًا في كتابه المكمل وهو (ما بعد ذهنية التحريم) مئات المرات، بل قال العظم في مئات النصوص ما المشكلة أن نتهكم ونهزأ بالنبي محمد ونصوره في أبشع صورة كما فعل سلمان رشدي؟ وقال إن احتقار النبي ضرورة حداثية للانعتاق من أسر الدين والخرافة، وقال كلامًا كثيرًا في هذا يتجاوز الألف صفحة، وليس صفحة واحدة، وإبراهيم عيسى لم يقل شيئًا عن ذلك وإنما مدح الرجل، وذكر أنه كان بطلًا في الرد على من عاب منهجه هذا وعمل لهم فضيحة رسمي وبجلاجل!
من جهة أخرى، يقول عن سلمان رشدي: "إنه الاسم الذي يصيب كثيرين "بالأرتيكاريا" (ص23)، ويصف الذين اعترضوا عليه بأنهم فعلوا زارًا جماهيريًّا (ص103): "لقد كان المتطرفون يبحثون عن قضية لاستعراض العضلات وإثبات الذات ونفخ القوى (!) فلجأوا إلى المظاهرات". (ص110)، مع أن ابراهيم هذا استعرض عضلاته في كتابه هذا في إهانة الشعراوي، والغزالي، والعودة، والأمة كلها، فماذا تقول فيمن يثني على أقذر العلمانيين ويشتم أفاضل المسلمين؟!
إن رشدي هذا قد صور النبي صلى الله عليه وسلم في روايته برجل مخمور تتلقفه عاهرة من كرنفال، ويبيت عندها، كما صور زوجاته في بيت دعارة يمارسن المهنة، وقد كتب العظم يدافع عن هذا الكلام القذر بالذات!
ويعلم عيسى وكل من قرأ دفاع العظم عن رشدي بكتابيه، الذين لم أقرأ في حياتي مثلهما في التهجم على الرسول والقرآن، وبصورة لم يسبق إليها، إنه العظم الذي قد زاد على أوساخ رشدي بأقذر منها، وذلك على امتداد أكثر من ألف صفحة من صفحات كتابيه الذين أثنى إبراهيم عيسى على أحدهما، وفيه من الشتم والهزء والتهكم والسخرية من النبي صلى الله عليه وسلم بل والدفاع عن شاتمه والمتهكم به الشيء الخطير، بدعوى العظم أن المنهجية الحديثة تتطلب إسقاط هيبة أي شخص خصوصًا الأنبياء، وبالذات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الدين لا بد أن يهان حتى يزول!
لكن الجماهير لا تقرأ ولا تعرف أنها تجلس أمام أبالسة الشاشات والفضائيات الممولة بالمال الفاسد والعلماني في آن، يقومون بخلخلة معتقداتها وزعزعة الثقة في مسلماتها وعظمائها، ونبيها ودينها.
والحاصل بعد ما قلناه هو:
إن ثورتنا قائمة وماضية وثابتة ومزلزلة لعودة الحق للشعب كله، وعودة الوعي الحقيقي للأمة؛ فها هو تيار النهضة الإسلامية الهادر العظيم ومعه غالبية الشعب الشريف تقف في وجه الثورة المضادة بوجوهها المعلنة والمتسترة، حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وإن هذه الأمة لمنصورة إن شاء الله، مهما قدمت من شهداء وتحملت من آلام؛ فإن شهادتها لله تقتضي ذلك البذل والعطاء.
"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" [يوسف: ٢١]مشاهدة المزيد
[لتحميل العدد الأخير كاملًا: Horras#07
للتحميل من رابط بديل: http://goo.gl/P9wxPO]