علل القراءات ومعانيها

إنضم
12/09/2013
المشاركات
45
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
[align=justify]
بسم1

في هذا الوضوع أود -بإذن الله- التطرق لبعض آيات القرآن الكريم التي نزلت بأكثر من قراءة ، حيث نحاول الوقوف على الحكمة من نزولها بأكثر من قراءة ، وكذلك نحاول الوقوف على معاني هذه القراءات .

وهذه هي المسائل التي سأتحدث فيها بإذن الله
1- {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
2- {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}
3- {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}
4- {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا }
5- {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ }
6- ,,,,
[/align]​
 
[align=justify]1- {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
قال ابن مجاهد :(اختلفوا في قوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} في إثبات الألف وإسقاطها فقرأ عاصم والكسائي مالك يوم الدين بألف وقرأ الباقون ملك بغير ألف ولم يمل أحد الألف من ملك).

ولكي نفهم علة ذلك يجب أن نعلم الفرق بين "مالك" و "ملك" ، ومتى يصح استخدام "ملك" ومتى يصح استخدام "مالك"
إن القاعدة في ذلك أنك تنظر إلى المملوك ،
- فإن كان عاقلا فيجب استخدام "ملك" ، وتكون الملكية هي ملكية الحكم والقهر ، لذا نحن نسمى الحاكم ملكا لا مالكا ،
- أما إن كان المملوك غير عاقل فيجب استخدام "مالك" ، وتكون الملكية هي ملكية الحيازة والتصرف ، فمثلا نقول مالك العقار ، مالك السيارة الخ ، ولا يصح أن نقول "ملك" السيارة! .

حسنا لنطبق ذلك في الآيات:
* قوله تعالى : {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ}
المملوك هنا غير عاقل ، والملكية هي ملكية حيازة وتصرف بمعنى أن الله يؤتي الملك ويمنعه : {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ } ، لذا فيجب استخدام "مالك" ، فنجد أنها نزلت "مالك" فقط.

* قوله تعالى : {مَلِكِ النَّاسِ}
المملوك هنا عاقل ، والملكية هي ملكية الحكم والقهر ، لذا فيجب استخدام "ملك" ، فنجد أنها نزلت "ملك" فقط.

* قوله تعالى : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
يوم الدين ظرف ، وملكية الظرف تعني ملكية المظروف ، فالمظروف هو المملوك .
إن المملوك هنا قد يكون عاقلا وهم العباد الذين يحاسبون في هذا اليوم ، وتكون الملكية المقصودة هي ملكية الحكم والقهر ، وقد يكون المملوك غير عاقل ، وهي الأشياء التي توجد في هذا اليوم من جنة ونار وثواب وعقاب الخ ، حيث تكون الملكية المقصودة هي ملكية حيازة وتصرف ، من هنا نفهم لماذا أنزل الله تارة ملك وتارة مالك ، حيث أن المملوك هنا يحتمل أن يكون عاقلا وغير عاقل.

فلما كان المملوك غير عاقل أنزل الله "مالك" فقط : {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ}.
ولما كان المملوك عاقلا أنزل الله "ملك" فقط : {مَلِكِ النَّاسِ}.
ولما كان المملوك يشمل العاقل وغير العاقل أنزل الله تارة "مالك" وتارة "ملك" ، وهذا من كمال القرآن.

والله أعلم
[/align]​
 
[align=justify]2- {وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } (الحديد :24)
قال ابن مجاهد : قرأ نافع وابن عامر {فَإِنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} ليس فيها هو كذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام وقرأ الباقون {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والعراق.

ولكي نفهم علة ذلك يجب أن نعلم الفرق في المعنى بين قولك (زيد المنطلق) و (زيد هو المنطلق) بزيادة ضمير الفصل (أو العماد) ، ومتى يصح استخدام كلا من العبارتين.

إن قولك (زيد المنطلق) تقال إن لم تكن ثمة شبهة مشاركة أي ليس في ذهنك ذكر لغير زيد ، وتريد أن تثبت له انطلاقا ، أما إن قال قائل (عمرو المنطلق) وأردت أن تنفي الانطلاق عن عمر وتثبته لزيد فإنك إذا تقول (إن زيدا هو المنطلق) ، فتكون قد نفيت أن يكون الانطلاق وقع من عمرو ، وأثبت أنه كان من زيد فقط.
فقولك (زيد المنطلق) لم يكن ثمة شبهة المشاركة
أما قولك (زيد هو المنطلق) ، فقد ادُّعِى أن الانطلاق وقع من غير زيد فتنفي ذلك وتثبت لزيد الانطلاق وحده.

حسنا لنطبق ذلك في الآيات:
*قوله تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا}
هنا لم يدع أحد من العالمين أنه خلق السماوات والأرض ، أي ليس ثمة شبهة مشاركة ، لذا فلم يقل (الله هو الذي).

* قوله تعالى : {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ، هنا قد ادعى أحد الكفار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبتر ، لذا فقد نزل في الآية ضمير الفصل "هو" ، كي ينفي هذه الصفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويثبتها لشانئه هذا .

* قوله تعالى : {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ *** الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }
بالنظر هنا إلى المخاطب بقوله تعالى {فَإِنَّ اللَّهَ " هُوَ" الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} نجد أنهما فريقان :
أحدهما هم المختالون الفخورون الذين بخلوا : إن هؤلاء يدعون في أنفسهم الغنى لأنهم مختالون ، ويحمدون أنفسهم لأنهم فخورون ، فكل منهم يدعي في نفسه أنه غني حميد ، فإن خاطب الله هؤلاء فيجب أن ينفى عنهم هذه الصفات (نفي شبهة المشاركة) ، فيضع ضير الفصل "هو" : {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} ، ويكون المعنى الله هو الغني عنكم وأنتم فقراء إليه والله هو المحمود بعطائه وأنتم
مذمومون ببخلكم.

الفريق الثاني هم الذين بُخِل عليهم ، إن هؤلاء لا يدعون في أنفسهم أنهم أغنياء ، لذا فليس مع هؤلاء شبهة مشاركة تقتضي وجود ضمير الفصل "هو" ، لذا فقد أنزل الله لهؤلاء قوله : {وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } أي سيغنيكم من فضله فاحمدوه.

فلا يصح غير النزول بقراءتين في هذا الموضع وهذا من كمال نظم القرآن
والله أعلم
[/align]​
 
[align=justify]
3- قوله تعالى : وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا

قال ابن مجاهد : واختلفوا في قوله {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ} (البقرة 102) مخففة النون في لكن ومشددة فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ونافع {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ} وكذلك {وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (الأنفال 17) {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (يونس 44) مشددات كلهن وقرأ نافع وابن عامر {وَلَكِنِ الْبِرُّ مَنْ آَمَنَ} (البقرة 157) {وَلَكِنِ الْبِرُّ مَنِ اتَّقَى} (البقرة 189) خففا النون ورفعا البر

وشدد النون في هذين الموضعين ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وقرأ حمزة والكسائي {وَلَكِنِ اللَّهُ قَتَلَهُمْ}{ وَلَكِنِ اللَّهُ رَمَى}{ وَلَكِنِ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}{ وَلَكِنِ الشَّيَاطِينُ كَفَرُوا} خفيفات النون قرأ ابن عامر {وَلَكِنِ الشَّيَاطِينُ كَفَرُوا} مخففة {وَلَكِنِ اللَّهُ قَتَلَهُمْ} {وَلَكِنِ اللَّهُ رَمَى} وشدد النون في {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون }



ولم يختلفوا إلا في هذه الستة الأحرف

ولكي نفهم سبب نزول هذه الآيات الست بأكثر من قراءة لابد أن نعلم الفرق بين (لكن) المخففة و(لَكِنَّ) الثقيلة .
قال عبد القاهر في دلائل الإعجاز : روي عن ابن الأنباري أنه قال: ركب الكندي المتفلسف إلى أبي العباس وقال له: إني لأجد في كلام العرب حشواً: فقال أبو العباس: في أي موضع وجدت ذلك. فقال أجد العرب يقولون: عبد الله قائم. ثم يقولون: إن عبد الله قائم ثم يقولون: إن عبد الله لقائم فالألفاظ متكررة والمعنى واحد. فقال أبو لعباس: بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ، فقولهم: عبد الله قائم إخبار عن قيامه، وقولهم: إن عبد الله قائم،جواب عن سؤال سائل. وقولهم: إن عبد الله لقائم، جواب عن إنكار منكر قيامه، فقد تكررت الألفاظ لتكرر المعاني. قال: فما أحار المتفلسف جواباً.
وعلى هذا الأساس قسم علماء المعاني حالات المخاطب إلى ثلاثة أقسام :
1- المنزلة الابتدائية (ويخاطب بها خالي الذهن من القضية)
2- المنزلة الطلبية (للمتردد أو السائل)
3- منزلة الإنكار (للمنكر للقضية)
فمثلا في الجملة الاسمية : تقول (عبد الله قائم) لخالي الذهن ، و(إن عبد الله قائم) للسائل ، و(إن عبد الله لقائم) للمنكر.
وفي الجملة الفعلية (الماضي) تقول : (جاء زيد) لخالي الذهن ، و(قد جاء زيد) للسائل ، و(لقد جاء زيد) للمنكر.
وفي النفي تقول : (لم يحدث) لخالي الذهن ، و(لما يحدث) للسائل ، و(ما حدث) للمنكر.
وفي الاستقبال تقول : (سأفعل) لخالي الذهن ، و(سوف أفعل) للسائل ، و(لسوف أفعل) للمنكر.
ومثل ذلك في الاستدراك تقول : (لكنْ) المخففة لخالي الذهن "المنزلة الابتدائية" ، و(لكنَّ) الثقيلة للسائل "المنزلة الطلبية" ، و(لكنَّ + لـ) للمنكر "منزلة الإنكار" . كقول الشاعر : ولَكِنَّني من حُبِّها لَعَمِيدُ.

والقرآن يخاطب الناس بما يناسبهم ، فالله مطلع على قلوبهم فهو سبحانه يعلم إن كان المخاطب خالي الذهن من القضية أو مترددا أو منكرا ، وهذا وجه من وجوه إعجاز القرآن.

تنبيه : إن أردت أن تطبق هذه القاعدة في القرآن يجب أن تفرق بين (لكنْ) المخففة من الثقيلة والتي تنطبق عليها هذه القاعدة وبين (لكنْ) التي هي خفيفة بأصل الوضع ، حيث أنها تشبه (بل) وتأتي في أي منزلة للمخاطب.

لنعد إلى مسألة (لكن) ...
إذا فالفرق بين (لكنْ) و (لكنَّ) أنّ (لكنْ) المخففة يخاطب بها خالي الذهن "المنزلة الابتدائية" ، و(لكنَّ) الثقيلة يخاطب بها السائل "المنزلة الطلبية".
وعادة يكون المخاطب إما خالي الذهن أو سائلا أو منكرا ، إلا أن كل آية من هذه الآيات الست قد تميز السياق فيها بنكتة يجب النظر إليها.



قوله تعالى : {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}
في الجمل المنفية ينصرف النفي إلى وقوع الفعل إن جاءت الجملة على بابها (أي بترتيبها الطبيعي :أداة النفي ثم الفعل ثم الفاعل ثم المفعول) مثل قوله تعالى : {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} فالآية تنفي حدوث الكذب لا من الفؤاد ولا من غيره.
أما إن قصدت إثبات وقوع الفعل ولكن من فاعل آخر ، فإنك تؤخر الفاعل ، مثل قوله تعالى : {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} ، فأخر الشياطين ليفيد أن التنزل وقع من غير الشياطين (من الملائكة).
فإذا نظرنا إلى جملة {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} نجد أن الوجهين ممكنان ، ذلك أن مفعول كفر محذوف (يقدر بكفر إيمانه أو كفر قلبه أو كفر حق الله) ، فإن قدرنا المفعول بعد الفاعل فهذا يعني أن الجملة جاءت على بابها ، وبالتالي فالنفي ينصرف إلى الفعل دون التطرق لكونه وقع من غيره أم لم يقع. وإن قدرناه قبل الفاعل فسوف يكون المعنى هو إثبات وقوع الكفر من غير سليمان ، فالوجهان ممكنان والسبب هو حذف المفعول ، وهنا النكتة لأنه من فهم أن المعنى هو أن الكفر قد وقع من غير سليمان فهذا يثير لديه تساؤلا عن هذا الذي كفر بتعلم السحر ، من هو؟ فتكون جملة (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) هي بمثابة إجابة لهذا التساؤل لذا يجب أن ينزل المخاطب منزلة السائل ، فتستخدم (لَكِنَّ) الثقيلة .
أما من فهم أن المعنى هو أن النفي انصرف إلى الفعل "كفر" ، فهذا لا يثير لديه آية تساؤلات عن آخرين كفروا لأنه لم يثبت عنده أن الفعل قد وقع أو لم يقع ، ولذا ينزل منزلة خالي الذهن من قضية كفر الشياطين ، فتستخدم (لَكِنْ) المخففة.
فلما كان ذلك كذلك جعل الله لهذه الآية قراءتين ، فأنزل خالي الذهن منزلة خالي الذهن وخاطبه بما يناسبه وأنزل السائل منزلة السائل وخاطبه بما يناسبه.
والله أعلم

قوله تعالى : {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}
ذكرنا أن الجملة المنفية إذا جاءت على بابها انصرف النفي إلى الفعل ، إلا أن الفعل ههنا مقطوع بوقوعه ، لذا فلابد من تقدير قيد محذوف ينصرف إليه النفي ، ويمكن تقدير هذا القيد المحذوف بأنه ضمير الفصل "أنتم" في الأولى و"أنت" في الثانية ، قال الطبري في تفسيره : (يقول تعالـى ذكره ....: فلـم تقتلوا الـمشركين أيها الـمؤمنون أنتـم) ، يقصد أن النفي واقع على القيد المحذوف "أنتم" .
في الحقيقة إن هذا التقدير يثير في الذهن تساؤلا : إن لم يكونوا هم من قتلوهم ، فمن قتلهم ؟ لذا فإن قوله تعالى : وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ سيكون بمثابة الإجابة على هذا التساؤل ، لذا يجب أن ينزل المخاطب منزلة السائل ، فتستخدم (لَكِنَّ) الثقيلة .
ويمكن أيضا تقدير القيد المحذوف بأنه (فلم تقتلوهم بحولكم وقوتكم ) وهكذا قال ابن كثير في تفسيره ، و هذا التقدير لا يثير في الذهن أي تساؤل فإن هذا أمر بديهي ، فمن قدر هذا يجب أن ينزل منزلة خالي الذهن ، ، فتستخدم (لَكِنْ) المخففة.
فلما كانت بعض التقديرات الممكنة للمحذوف تثير تساؤلا وبعضها تدع من قدرها خالي الذهن ولا تثير عنده أي تساؤل جعل الله لهذه الآية قراءتين ، فأنزل خالي الذهن منزلة خالي الذهن وخاطبه بما يناسبه وأنزل السائل منزلة السائل وخاطبه بما يناسبه.
ويقال مثل ذلك في {وَمَا رَمَيْتَ}
والله أعلم

قوله تعالى : {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ}
إن هذه الآية يمكن أن نفهمها بطريقتين ، فكلمة البر قد وليت ليس ، وعليه فإن المعنى (البر ليس كذا ) وهذا يثير تساؤلا : ما هو البر إن لم يكن هو هذا ؟ فتكون جملة {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ} هي إجابة هذا التساؤل ، لذا يجب أن ينزل المخاطب منزلة السائل ، فتستخدم (لَكِنَّ) الثقيلة .
ويمكن أيضا القول بأن السياق لم يكن في الحديث عن البر أصلا ولكن كان الحديث عن تولية الوجه في القبلة وإنما قيل ذلك لبيان أن تولية الوجه إلى جهة معينة ليس برا ، وهذا الفهم لا يثير تساؤلا إجابته {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ} ، فمن فهم هذا يجب أن ينزل منزلة خالي الذهن ، فتستخدم (لَكِنْ) المخففة.
فلما كان ذلك كذلك جعل الله لهذه الآية قراءتين ، فأنزل خالي الذهن منزلة خالي الذهن وخاطبه بما يناسبه وأنزل السائل منزلة السائل وخاطبه بما يناسبه.
ويقال مثل ذلك في {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى}
والله أعلم

قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}
إن الله لا يظلم لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولكن في الدنيا قد وقع الظلم ، لذا فإن نفي الظلم عن الله يثير تساؤلا في ذهن السامع : من الذي كسب الظلم والشر الموجودان في الدنيا ، فتكون جملة {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بمثابة إجابة عن هذا التساؤل ، فيقتضي ذلك إنزال المخاطب منزلة السائل ، فتستخدم (لَكِنَّ) الثقيلة .
ويكون معنى {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي يبغي بعضهم على بعض.
بينما في الآخرة لا يوجد ظلم {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} ، لذا فإن نفي الظلم عن الله في الآخرة لا يثير أي تساؤل عن الذي كسب الظلم ،من هو؟ لأن الظلم لم يقع أصلا. فيقتضي ذلك إنزال المخاطب منزلة خالي الذهن فتستخدم (لَكِنْ) المخففة.
ويكون معنى {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي ظلموا أنفسهم بفعل ما يوجب العقوبة.
فلما كان ذلك كذلك جعل الله لهذه الآية قراءتين ، فأنزل خالي الذهن منزلة خالي الذهن وخاطبه بما يناسبه وأنزل السائل منزلة السائل وخاطبه بما يناسبه.
والله أعلم



























[/align]​
 
4- {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا}

قال ابن مجاهد: واختلفوا فى الباء والنون من قوله تعالى {الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ} فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر {عِنْدَ الرَّحْمَنِ} بالنونوقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائى {عِبَادُ الرَّحْمَنِ} بالباء,

بداية يجب أن نعلم أن ثمة محذوفا في الآية ، فالتقدير هو: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا له ، وكذلك الحال في قوله تعالى : {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} أي: اتخذهم أبناء . ذلك أنهم قالوا إن الملائكة بنات الله ، وإنما وقع الحذف استنكافا من ذكر المحذوف كما في قوله تعالى {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ} أي اتخذوه إلها.
إن قول هؤلاء إن الملائكة بنات الله هو قول مركب من ادعاءين باطلين ، ذلك أن الملائكة ليسوا أبناء لله وكذلك فإن الملائكة ليسوا إناثا .
فلما كان قولهم بأن الملائكة هم بنات الله يحمل ادعاءين باطلين أنزل الله لهذه الآية قراءتين ، كل قراءة ترد على أحد هذين الادعاءين .

لنر ماذا يعني قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}
{الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ} إن كون الملائكة عبادا لله هو رد على ادعائهم بأن الملائكة أبناء له ، ذلك أن الأب لا يأمر أبنائه أن يعبدوه ، وهذا مثل قوله تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} ذلك أن الأب لا يعذب أبناءه ، فلو كان هؤلاء كما ادعوا ما عذبهم الله ، ولو كان الملائكة كما ادعى المشركون ما أمرهم الله بعبادته.
{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} في هذا السياق (شهد) بمعنى حضر يقال هذا عرس لم أشهده أي لم أحضره ، وكلمة (خلق) في هذا السياق مصدر بمعنى ابتداءهم ونشأتهم ، والمعنى أنهم لم يكونوا حاضرين ذلك اليوم الذي خلق الله فيه الملائكة وابتدأهم ، فكيف يتأتى لهم أن يعلموا أصل هذا الخلق ونسبه!
إذا فقراءة {الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ} هي رد على ادعائهم أنهم أبناء لله

والآن لنر ماذا يعني قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}
{الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ} (عند) في اللغة تفيد خصوصا وقربا وتمكنا ويمكن في هذا السياق فهم معنى الاختصاص والقرب ، حيث يكون المعنى : الملائكة الذين اختص الله بهم نفسه واصطفاهم لذاته وقربهم منه ، وهذا ينفي أن يكونوا إناثا ، فكيف يصطفي عنده ما هو أدنى (في عرف المشركين وزعهم).وذلك المعنى توضحه الآيات السابقة لهذه الآية ، قال تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}.
{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} في هذا السياق (شهد) بمعنى رأى واطلع على الشيء ، وكلمة (خلق) في هذا السياق بمعنى صورة وهيئة ، تقول هو حسن الخَلْق أي حسن الصورة والهيئة ، والمعنى أنهم لم يروا أو يطلعوا على صورة الملائكة وهيئتهم فكيف علموا أنهم إناث ، فأنت تفرق بين الذكر والأنثى من صورتهم وهيئة أجساهم.
إذا فقراءة {الَّذِينَ هُمْ عِنْدُ الرَّحْمَنِ} هي رد على ادعائهم أنهم إناث.

وتفسير الآية بالقراءتين هو :
إن الملائكة هم عباد الله وهذا ينفي أن يكونوا أبناء له فإن الأب لا يأمر أبناءه بعبادته ، كما أن الملائكة هم عند الله اختص بهم نفسه فكيف يصطفي عنده ما هو أدنى (في عرف المشركين) ، إذا فالملائكة ليسوا إناثا.
وكذلك فإن هؤلاء المشركين لم يكونوا حاضرين ذلك اليوم الذي خلق الله فيه الملائكة وابتدأهم ، فكيف يتأتى لهم أن يعلموا أصل هذا الخلق ونسبه! كما أنهم لم يروا أو يطلعوا على صورة الملائكة وهيئتهم فكيف علموا أنهم إناث!!
وهذان الوجهان في تفسير {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} بالتبديل بينها تصبح كل قراءة بفردها ترد على كلا الادعاءين.

فلما كان قولهم بأن الملائكة هم بنات الله يحمل ادعاءين باطلين أنزل الله لهذه الآية قراءتين ، كل قراءة ترد على أحد هذين الادعاءين .
والله أعلم
 
عودة
أعلى