يحيى الشهري
New member
[align=justify][2] حديث : يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس، قلت: أو للإنس شياطين قال: نعم .
أورده الطبري في جامعه (8: 4 ت 5)، والبغوي في تفسيره (2: 124)، والرازي في تفسيره (13: 126)، وابن كثير في تفسيره (1: 306)، (2: 167)، (4: 576)، والقرطبي في جامعه (7: 68)، والسيوطي في الدر المنثور (3: 342)، والشوكاني في فتح القدير (2: 154)، و حكمت بشير في الصحيح المسبور (1: 68).
والحديث من رواية أبي ذر (رضي الله عنه) في قصة طويلة قال فيه: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو في المسجد فجلست إليه، فقال: يا أبا ذر هل صليت ؟ قلت: لا .
قال: قم فصل.
قال: فقمت فصليت، ثم أتيته فجلست إليه.
فقال لي: يا أبا ذر استعذ بالله من شر شياطين الإنس والجن.
قال: قلت يا رسول الله ! وهل للإنس من شياطين.
قال: نعم يا أبا ذر ، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة.
قال: قلت بلى بأبي أنت وأمي.
قال: قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة.
قال: قلت يا رسول الله فما الصلاة ؟
قال: خير موضوع فمن شاء أكثر ومن شاء أقل.
قال: قلت فما الصيام يا رسول الله ؟
قال: فرض مجزئ.
قال: قلت يا رسول الله فما الصدقة؟
قال: أضعاف مضاعفة وعند الله مزيد.
قال: قلت أيها أفضل يا رسول الله ؟
قال: جهد من مقل أو سر إلى فقير.
قلت: فأي ما أنزل الله عز وجل عليك أعظم قال الله لا إله إلا هو الحي القيوم حتى ختم الآية.
قلت: فأي الأنبياء كان أول ؟
قال: آدم.
قلت: أو نبي كان يا رسول الله ؟
قال: نبي مكلم.
قلت: فكم المرسلون يا رسول الله ؟
قال: ثلاث مئة وخمسة عشر جمًا غفيرًا.
هذا لفظ وكيع في رواية أحمد.
[color=0000FF]طرق الحديث واختلاف ألفاظه:[/color]
الحديث اشتهر من رواية المسعودي وعرف، وهو عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة بن عبدالله مسعود الكوفي، روى له الأربعة والبخاري تعليقًا، وهو في عداد الثقات: وثقه جهابذة النقاد: ابن معين وابن المديني وابن نمير وأحمد في جماعة، إلا أنه اختلط بسنة أو سنتين، والضابط في حاله : أن من سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه قبل الاختلاط، وهم كثر.
أما من سمع منه في بغداد فحديثه ضعيف لأجل اختلاطه، ومن هذا الضرب: هاشم بن القاسم، وعاصم بن علي بن عاصم، وعبدالرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون.
والقاعدة في المختلطين: الاحتجاج بما روى عنهم الثقات من القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم، وما وافقوا الثقات في الروايات التي لا نشك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى؛ لأن حكمهم وإن اختلطوا في أواخر أعمارهم وحمل عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم حكم الثقة إذا أخطأ، أن الواجب ترك خطئه إذا علم والاحتجاج بما نعلم أنه لم يخطئ فيه، وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات، وما انفردوا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذين كان سمعاهم منهم قبل الاختلاط سواء. انظر مقدمة ابن حبان لصحيحه (1/161).
وهنا يلزمنا النظر في رواة حديثه هذا، فلما نظرنا، وجدنا من رواته: جعفر بن عون، وعبيدالله بن موسى، وعمرو بن الهيثم، ومحمد بن عبيد، وهاشم بن القاسم، ووكيع ، ويزيد بن هارون، ويعلى بن عُبيد، وأبوداود الطيالسي، وأبو نعيم، والمقري.
فمنهم من سمعه قبل الاختلاط، ومنهم من سمعه بعد الاختلاط.
فإلى بيان مروياتهم:
1 ـ فأما حديث جعفر بن عون : فأخرجه النسائي في (الكبرى 4/461) في الاستعاذة/ باب الاستعاذة من شر شياطين الإنس برقم (461): أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبي عمر، عن عبيد بن خشخاش، عن أبي ذر (فذكره) ولفظ الترجمة له.
2 ـ وأما حديث عبيدالله بن موسى : فأخرجه ابن مردويه (أشار لهذا ابن كثير في تفسيره 2: 167).
3 ـ وأما حديث عمرو بن الهيثم : فأخرجه ابن سعد في الطبقات (1: 54): أخبرنا عمرو بن الهيثم وهاشم بن القاسم الكناني أبو النضر، قالا: أخبرنا المسعودي، عن أبي عمر الشآمي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره) بقصة الأنبياء.
4 ـ وأما حديث محمد بن عبيد: فأخرجه هناد في الزهد (2: 516/ برقم 1065): حدثنا محمد بن عبيد، ثنا المسعودي، عن أبي عمرو، عن عبيد بن الخشخاش، قال: قال أبو ذر: (فذكره) بطوله.
5 ـ وأما حديث هاشم بن القاسم الكناني : فأخرجه ابن سعد في الطبقات (1: 54): أخبرنا عمرو بن الهيثم وهاشم بن القاسم الكناني أبو النضر، قالا: أخبرنا المسعودي، عن أبي عمر الشآمي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره). بقصة الأنبياء.
6 ـ وأما رواية وكيع بن الجراح: فأخرجها أحمد (5: 178/ برقم 21586) : ثنا وكيع، ثنا المسعودي، أنبأني أبو عمر الدمشقي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره) مطولاً.
وأخرجه البيهقي في الشعب (1: 148/ برقم 130): من طريق أحمد بن عبدالجبار، ثنا وكيع به. (مختصرًا).
7 ـ وأما حديث يزيد بن هارون: فأخرجه أحمد (5: 179/ برقم 21592): ثنا يزيد، أنا المسعودي، عن أبي عمرو الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر(فذكره) بطوله.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1: 299/ برقم 3423): به (قال: فقم فصل ركعتين). فحسب.
وأخرجه ابن أبي شيبة (7: 256/ برقم 35933)، وابن أبي عاصم في الأوائل (ص69/برقم 35) به فذكر قصة أول الأنبياء.
8 ـ وأما حديث يعلى بن عبيد: فأخرجه البزار (9: 426/ برقم 4034): حدثنا محمد بن معمر، قال: نا يعلى بن عبيد وأبو داود، قالا: نا المسعودي ـ قال أبو داود: عن أبي عمر. وقال يعلى: عن أبي عمروـ عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره).
وأخرجه الحاكم (2: 310/ برقم 3115): أخبرني علي بن عبد الرحمن السبيعي، حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا المسعودي، عن أبي عمرو الشيباني، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره) مختصراً. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأخرجه البيهقي في الشعب (2: 457/ برقم 2390): من طريق الحاكم به.
9 ـ وأما حديث الطيالسي فأخرجه في مسنده (ص65/ برقم 478)، ومن طريقه البزار في مسنده (9: 426/ برقم 4034) والبيهقي في الشعب (3: 291/ برقم 3576): حدثنا المسعودي، عن أبي عمر الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره) بطوله.
10ـ وأما رواية أبي نعيم فأخرجها البخاري في التاريخ (5: 447): عن أبي ذر (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((آدم نبي مكلم)). قاله أبو نعيم: عن المسعودي، عن أبي عمر لم يذكر سماعا من أبي ذر (رضي الله عنه).
11 ـ وأما حديث المقري: فأورده الذهبي في سير النبلاء (2: 62) بطوله.
فظهر بسياق هذه الأوجه أن المدار في الحديث على أبي عمرو، وقيل: أبو عمر الشامي. وفي بعض الروايات : الشيباني.
فما حال هذا الرجل ؟ الرجل تالف .. قال الدارقطني في سؤالات البرقاني (رقم/ 603): "دمشقي متروك".
وهو مقلٌ جدًا، بل لا أظن له غير هذا الحديث الطويل عن أبي ذر.
ولا يُحفظ فيه غير قول الدارقطني هذا، وعليه فلا يسلم للحافظ ابن حجر قوله فيه في (التقريب): " ضعيف" .. ففي هذا تجوز؛ لأن من كان حكمه كذلك جاز أن يتقوى حديثه بالمتابعة.
وإنما قلنا ذلك لأن الدارقطني معدود لديهم في المتساهلين غير المتعنتين في الجرح.
أما الذهبي فذكره في الكاشف برقم (6750)، فقال: "أبو عمر الدمشقي عن عبيد بن الخشخاش وعمر بن عبد العزيز وعنه المسعودي وحسين الجعفي، واه. (س)". فأصاب في هذا!..
والقاعدة فيمن كحاله، أن روايته مردودة غير مقبولة ولا تصح بحال.
وانظر لترجمته (كذلك) تاريخ دمشق (76 : 97).
أما شيخه عبيد بن الخشخاش: فقال ابن ماكولا (3: 148) : "عبيد بن الخشخاش. روى عن أبي ذر، روى حديثه المسعودى، عن أبي عمر الدمشقي عنه، وقيل فيه: بالحاء والسين المهملتين". اهـ.
وهذا يدل على أن عبيدًا هذا في عداد المجاهيل إذ ليس معروفًا في غير هذا الحديث.
قال البخاري في التاريخ الكبير (5: 447): لم يذكر سماعًا عن أبي ذر (رضي الله عنه)، وضعفه الدراقطني.
وذكره الذهبي في المغني برقم (3960): ولم يزد على ما قال البخاري هنا.. لكنه ذكره في الميزان (3: 19) وقال: قال البخاري في (الضعفاء) لم يذكر سماعًا من أبي ذر رواه المسعودي عن أبي عمرو عنه.
وذكره ابن حبان في (الثقات).
وقال ابن حجر في التقريب برقم (4371): لين. وانظر لترجمته التهذيب (7: 59).
وقد توبع عليه عبيد بن الخشخاش: فورد من رواية عبيد بن عمير، وعوف بن مالك، وأبو إدريس الخولاني، وابن عائذ.
1 ـ فأما حديث عبيد بن عمير: فأخرجه العقلي في الضعفاء (4: 404): من طريق موسى بن العبادي التُّستري.
وأخرجه ابن حبان في المجروحين (3: 129): من طريق الحسن بن إبراهيم البياضي.
وأخرجه ابن عدي في الكامل (7: 244): من طريق إبراهيم بن حرب بن عمر.
وأخرجه الحاكم برقم (4166): من طريق الحسن بن عرفة.
أربعتهم عن يحيى بن سعيد البصري، حدثنا عبدالملك بن جريج، عن عطاء، عنه به (نحوه).
قال العقيلي: لا يتابع على حديثه، وليس مشهورًا بالنقل.
وقال ابن حبان: يروي المقلوبات والمُلزقات لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.
وقال ابن عدي: يُعرف بهذا الحديث، وهو منكر من هذا الطريق.
وقال: هذا حديث منكر من هذا الطريق، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر. وهذا الحديث ليس له من الطرق إلا من رواية أبي إدريس الخولاني، والقاسم بن محمد، عن أبي ذر، والثالث حديث ابن جريج، وهذا أنكر الروايات.
وقال البيهقي في الأسماء (ص510): تفرد به يحيى بن سعيد السعدي، وله شاهد بإسناد أصح.. ثم ذكر طريق إبراهيم بن هشام الماضية.
وقال الذهبي: السعدي ليس بثقة. التلخيص برقم (4166).
2 ـ وأما حديث عوف بن مالك : فأخرجه إسحاق في (مسنده) المطالب العالية (3: 38/ برقم 652/6)، (8: 197/ برقم 3647): أنا النضر بن شميل، ثنا حماد ـ هو ابن سلمة ـ نا معبد، أخبرني فلان في مسجد دمشق، عن عوف بن مالك: أن أبا ذر جلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: (يا أبا ذر أصليت الضحى؟).
فذكر الحديث وفيه: (إن أضلَّ الناس من ذُكرت عنده فلم يصل عليَّ).
وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في (مسنده) بغية الباحث (1: 195/ برقم 53)، (1: 334/ برقم 223)، والمطالب (3: 39/ برقم 652/7): حدثنا يونس بن محمد، ثنا حماد به. (فذكره) بطوله.. وفيه فقال: (أصليت الضحى؟) قلت: لا ، قال: [قم فأذن وصل ركعتين].
وختم بالزيادة المذكورة.. وذكر الأذان فيه منكر.
وأخرجه الحارث (كذلك) المطالب (8: 198/ برقم 3648): ثنا عبيدالله بن محمد بن عائشة، ثنا حماد، به.
وأخرجه أبو يعلى في (مسنده رواية ابن المقرئ) المطالب (3: 39/ برقم 652/8)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (66: 187) (68 : 117): حدثنا هدبة، ثنا حماد بن سلمة عن معبد العنزي عن رجل من أهل دمشق عن عوف بن مالك عن أبي ذر(فذكره).
وأخرجه الطبري في الجامع (5/ 8 : 4): حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن حميد بن هلال ـ (كذا) والصواب (معبد) ـ به (فذكر) الشاهد فحسب.
ـ شيخ معبد مجهول.. ولعله كنى عنه لضعفه .. فهذه كانت عادة لبعضهم فيمن لا يرضاه.
ـ وشيخ شيخه عوف بن مالك ، هو الأشجعي الصحابي المشهور (فيما ظهر لي). وهو من مسلمة الفتح.
وفي ألفاظ هذا الحديث نكارة ظاهرة.
3 ـ وأما حديث قتادة: فأخرجه ابن جرير في الجامع (5/ 8: 5): حدثنا محمد بن عبدالأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغني أن أبا ذر قام يومًا يصلي ... فذكر الشاهد. وهذا منقطع لا يصح.
4 ـ وأما حديث أبي إدريس الخولاني: فأخرجه ابن حبان (2: 76/ برقم 361)، والطبراني في الكبير (2: 157/ برقم 1651)، وأبو نعيم في الحلية (1: 166)، والقضاعي في مسنده بالأرقام (561 , 740 ، 837): من طرق عن إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، قال: حدثنا أبي، عن جدي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالس وحده.
قال: "يا أبا ذر إن للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان فقم فاركعهما".
قال: فقمت، فركعتهما، ثم عدت فجلست إليه، فقلت: يا رسول الله، إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة ؟
قال: "خير موضوع، استكثر أو استقل".
قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل ؟ قال: "إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله".
قال: قلت: يا رسول الله، فأي المؤمنين أكمل إيمانًا ؟
قال: "أحسنهم خلقا".
قلت: يا رسول الله ، فأي المؤمنين أسلم ؟
قال: "من سلم الناس من لسانه ويده".
قال: قلت: يا رسول الله، فأي الصلاة أفضل ؟
قال: "طول القنوت".
قال: قلت: يا رسول الله، فأي الهجرة أفضل ؟
قال: "من هجر السيئات".
قال: قلت: يا رسول الله ، فما الصيام ؟
قال: "فرض مجزئٌ، وعند الله أضعاف كثيرة".
قال: قلت: يا رسول الله ، فأي الجهاد أفضل ؟
قال: "من عقر جواده وأهريق دمه".
قال: قلت: يا رسول الله ، فأي الصدقة أفضل ؟
قال: "جهد المقل يُسر إلى فقير".
قلت: يا رسول الله ، فأي ما أنزل الله عليك أعظم ؟
قال: "آية الكرسي"، ثم قال: "يا أبا ذر، ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاةٍ بأرضٍ فلاةٍ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة".
قال: قلت: يا رسول الله ، كم الأنبياء ؟
قال: "مئة ألف وعشرون ألفًا".
قلت: يا رسول الله ، كم الرسل من ذلك ؟
قال: "ثلاث مئة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا".
قال: قلت: يا رسول الله ، من كان أولهم ؟
قال: "آدم". قلت: يا رسول الله ، أنبي مرسل ؟
قال: "نعم خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلاً".
ثم قال: "يا أبا ذر أربعةٌ سريانيون: آدم، وشيث، وأخنوخ، وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم، ونوح. وأربعة من العرب: هود، وشعيب، وصالح، ونبيك محمد (صلى الله عليه وسلم) ".
قلت: يا رسول الله ، كم كتابا أنزله الله ؟ قال: "مئة كتاب، وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسون صحيفة، وأنزل على أخنوخ ثلاثون صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزَّبور والقرآن".
قال: قلت: يا رسول الله ، ما كانت صحيفة إبراهيم ؟
قال: "كانت أمثالا كلها: أيها الملك المُسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو كانت من كافر.
وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن تكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يُحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب.
وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث: تزوُّد لمعاد، أو مرمًّة لمعاش، أو لذة في غير مُحرَّم.
وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظًا للسانه.
ومن حسب كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما يعنيه".
قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى ؟
قال: "كانت عبرًا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت، ثم هو يفرح.
وعجبت لمن أيقن بالنار، ثم هو يضحك.
وعجبت لمن أيقن بالقدر، ثم هو ينصب.
عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها، ثم اطمأن إليها.
وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا، ثم لا يعمل".
قلت: يا رسول الله أوصني.
قال: "أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس الأمر كله".
قلت: يا رسول الله زدني، قال: "عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض، وذخرٌ لك في السماء".
قلت: يا رسول الله زدني. قال: "إياك وكثرة الضحك، فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه".
قلت: يا رسول الله زدني. قال: "عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك، وعون لك على أمر دينك".
قلت: يا رسول الله زدني، قال: "عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي".
قلت: يا رسول الله زدني. قال: "أحب المساكين وجالسهم".
قلت: يا رسول الله زدني، قال: "انظر إلى من تحتك، ولا تنظر إلى من فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك".
قلت: يا رسول الله زدني، قال: "قل الحق وإن كان مرًا".
قلت: يا رسول الله زدني، قال: "ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك، أو تجد عليهم فيما تأتي".
ثم ضرب بيده على صدري، فقال: "يا أبا ذر لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق". واللفظ لابن حبان.
وهذا الحديث تفرد به إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، عن أبيه، عن جده.. ولا يحتمل منه التفرد فهو متهم، كذبه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان. وزاد أبو حاتم: ينبغي ألا يحدث عنه. وأقره على هذا علي بن الجنيد. كما في الجرح (2: 142).
ومشاه ابن حبان وغيره. انظر تفصيل حاله في كتابي زوائد رجال صحيح ابن حبان (1: 278 ـ 287/ برقم 25/4).
والحديث أورده المنذري في الترغيب (3: 131 ـ 132)، وقال: انفرد به إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، عن أبيه، وهو حديث طويل في أوله ذكر الأنبياء عليهم السلام، ذكرت منه هذه القطعة لما فيها من الحكم العظيمة والمواعظ الجسيمة.
ورواه الحاكم أيضًا، ومن طريقه البيهقي: كلاهما عن يحيى بن سعيد السعدي البصري، حدثنا عبد الملك بن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمر، عن أبي ذر بنحوه.
ويحيى بن سعيد فيه كلام. والحديث منكر من هذه الطريق وحديث إبراهيم بن هشام هو المشهور والله أعلم. اهـ.
وأورده الألباني في ضعيف الترغيب برقم (1352)، وقال : ضعيف جدًا .. وعقب على المصنف بقوله: لكن إبراهيم هذا متهم ... والحديث مخرج في الضعيفة (5638). وبعض فقراته قد صحت متفرقة في بعض الأحاديث، وقد أودعتها في (الصحيح) وبيانها هنا مما لا يتسع له المجال، وقد ميزتها عن الضعيفة منها في كتابي صحيح موارد الظمآن (2 ـ العلم/13). اهـ.
لكنه قال في التعليقات الحسان برقم (361): ضعيف جدًا ـ الضعيفة (1910 و6090).
وأورد في الترغيب (3: 272) قطعة ابن ماجة الماضية.
وقال في الضعيف برقم (1595): في إسناده ضعيف وآخر مجهول. وفي إسناد ابن حبان كذاب. وهو مخرج في الضعيفة (1910)؛ فالعجب من المؤلف كيف صدره بـ(عن) مشيرًا إلى تقويته. اهـ.
وقد تابعه عليه عن أبي إدريس الخولاني: إسماعيل بن مسلم، والقاسم بن محمد .
أ ـ فأما حديث إسماعيل بن سلمة: فقال أبونعيم في الحلية (1: 168): ورواه المختار بن غسان، عن إسماعيل بن سلمة (كذا)، عن أبي إدريس.
ثم وقفت عليه من رواية محمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش (ص77/ برقم 58): حدثنا الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، نا أحمد بن علي الأسدي، عن المختار بن غسان العبدي، عن اسماعيل بن سلم (كذا)، عن أبي ادريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري، قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحده، فجلست إليه، فقلت: يا رسول الله، أيما آيه أنزلت عليك أفضل؟ قال: "آية الكرسي ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة".
والمختار هذا قال فيه ابن حجر في (التقريب): مقبول. يعني عند المتابعة. وفي التلخيص (4: 40)، قال : مجهول.
وإسماعيل هذا هو ابن مسلم تصحف.. وهو المكي ضعيف. انظر السلسة الصحيحة (109).
ب ـ وأما حديث القاسم بن محمد: فأخرجه ابن ماجه برقم (4218): من طريق الماضي بن محمد، عن علي بن سليمان، عنه به بلفظ : "لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق". وقد اختصره.
وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق برقم (12): حدثنا علي بن داود القنطري، ثنا سعيد بن سابق الرشيدي، ثنا بشر بن خيثمة، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي سليمان الفلسطيني، عن القاسم بن أبي بكر (كذا)، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيمانًا؟ قال: "حسنهم خلقًا".
قال الألباني: إسماعيل هذا متروك كذبوه.
وأبو سليمان الفلسطيني مجهول. وظني أنه علي بن سليمان نفسه الذي في الطريق الأولى. الضعيفة (4: 383).
قلت: أورده الذهبي في الميزان (4: 533)، وقال: أبو سليمان الفلسطيني عن القاسم بن محمد وعنه إسماعيل بن أبي زياد. قال البخاري حديث طويل منكر في القصص.
رواه عنه الماضي بن محمد. اهـ.
قلت: فيكون ما استظهره الألباني صحيح. وما وقع في الكتاب من نسبة القاسم بن أبي بكر، فلا أراه إلا من باب التصحيف.. وقد عرفة به المحققة على أنه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.. فأخطأ في هذا خطأ بينًا!!.
قال البوصيري في الزوائد برقم (1505): ضعيف لضعف الماضي بن محمد الغافقي المصري.
وقال الذهبي في الكاشف برقم (5238): فيه جهالة، وله ما ينكر.
ـ وعلي بن سليمان هذا شامي مجهول. التقريب برقم (4740).
وقال أبو بكر بن مردويه كما في تفسير ابن كثير (1: 311): أخبرنا سليمان بن أحمد، أخبرنا عبد الله بن وهيب المقرئ، أخبرنا محمد بن أبي السري العسقلاني، أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي، عن القاسم بن محمد الثقفي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر الغفاري : أنه سأل النبي (صلى الله عليه وسلم): عن الكرسي فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "والذي نفسي بيده ما السماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة".
ـ شيخ الطبراني هنا هو الغزي.
ـ ومحمد بن أبي السري العسقلاني وثقه ابن معين ولينه أبو حاتم، وله أحاديث تستنكر. انظر الميزان (4: 23 ـ 24).
ـ ومحمد بن عبد الله التميمي، هو العمي البصري. ذكره ابن حبان في (الثقات)، لكن ذكره العقيلي في (الضعفاء)، قال العقيلي لا يقيم الحديث. وقال بن عدي له أفراد.
ـ فالمدار من الوجهين على القاسم بن محمد الثقفي وهو تابعي اشتهر برواية حديث أسماء (رضي الله عنها) مع الحجاج. ويروي عن معاوية (رضي الله عنه). انظر التاريخ الكبير (7: 157)، طبقات ابن سعد (8: 254)، تاريخ دمشق (40: 39).ولا يحتمل من مثله التفرد بهذه الألفاظ.
5 ـ وأما حديث ابن عائذ: فأخرجه البخاري في التاريخ (1: 29) عن عبد الله بن صالح .
وأخرجه ابن جرير في التفسير (5/ 8: 4 ـ 5): حدثنا المثنى، حدثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن أبي عبد الله محمد بن أيوب وغيره من المشيخة، عن ابن عائذ، عن أبي ذر (فذكره) مختصرًا.
وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (3: 154/ برقم 1979): حدثنا بكر بن سهل، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا معاوية بن صالح، عن أبي عبد الملك محمد بن أيوب، عن ابن عائذ، عن أبي ذر (فذكراه) بطوله.
وأخرجه ابن عساكر في التاريخ (7: 444 ـ 445): من طريق عبدالله بن صالح، به.
ـ وعبدالله بن صالح ، هو كاتب الليث صدوق كثير الغلط. ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة. كذا قال فيه الحافظ في التقريب (3388).
وقال الذهبي في الكاشف برقم (2780): وكان صاحب حديث فيه لين. قال أبو زرعة: حسن الحديث لم يكن ممن يكذب، وقال الفضل الشعراني: ما رأيته إلا يحدث أو يسبح، وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث له أغاليط وكذبه جزرة.
- ومحمد بن أيوب أبو عبدالملك الأزدي لم يذكروا في الرواة عنه سوى معاوية بن صالح، وعبيدالله بن زحر. انظر لترجمته الجرح والتعديل (7: 196)، الثقات لابن حبان (7: 389).
ـ وابن عائذ، هو عبد الرحمن بن عائذ الأزدي الثمالي الحمصي أرسل عن معاذ ، وله عن أبي أمامة وكثير بن مرة، وعنه محفوظ ونصر ابنا علقمة وثور وصفوان بن عمرو، وثقه النسائي، كان صاحب كتب 4. الكاشف برقم (3232).
قال العلائي في جامع التحصيل برقم (434): روى عن عمر وأبي ذر رضي الله عنهما والظاهر أنه مرسل. اهـ.
قلت ذكر ابن عساكر (34: 454) بسنده عن أحمد بن محمد بن عيسى قال: عبدالرحمن بن عائذ الثمالي رأى عبدالله بن قرط، أدرك من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم): عبدالله بن قرط، وعبدالله بن بشر، ومعاوية، وعتبة بن عبد، والمقدام، وأبا أمامة، وأنس بن مالك، وابن عمر. اهـ.
فتكون روايته عمن عداهم مرسلة.
وقد أطلنا بذكر هذا الحديث لئلا يغتر البعض بإيراد ابن حبان له في (الصحيح).. خاصة أني رأيته يوزع في بعض المنشورات، ويذكِّر به بعض الوعاظ، ولكون بعض فقراته سترد جزمًا فيما يأتي من آيات له تعلق بها، فكان لزامًا على الفصل فيه هنا عند أول وروده.
وله شاهد من حديث أبي أمامة: أخرجه أحمد (5: 256/ برقم 22342): ثنا أبو المغيرة، ثنا معان بن رفاعة، حدثني على بن يزيد، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة (فذكره) بطوله.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (4: 1371/ برقم 7786): حدثنا محمد بن عوف الحمصي ثنا ابو المغيرة به. (فذكرالشاهد) فحسب.
وأخرجه الطبراني في الكبير (8: 217/ برقم 7871): حدثنا أحمد بن عبد الوهاب ثنا أبو المغيرة به (فذكره) بطوله.
والحديث لا يصح من هذه الطريق:
ـ فمعان بن رفاعة .. ضعفه ابن معين وغيره، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. الكامل (6: 328).
ـ وشيخه علي بن يزيد أبو عبد الملك الألهاني الدمشقي يروي عن القاسم ومكحول. قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، وقال النسائي والأزدي والدارقطني: متروك. الضعفاء لابن الجوزي برقم (2410).
وقال ابن حبان في المجروحين (2: 63): إذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن لا يكون متن ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم.اهـ.
قلت: أحاديثه مناكير بواطيل لا يتابع على كثير منها.
ـ أما القاسم فهو أبو عبد الرحمن ويقال: ابن عبد الرحمن الشامي مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية القرشي الأموي .. فقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: ما رأيت أحدا أفضل من القاسم أبي عبد الرحمن كنا بالقسطنطينية، وكان الناس يرزقون رغيفين رغيفين في كل يوم، وكان يتصدق برغيف ويصوم ويفطر على رغيف.
وقال إبراهيم أبو الحصين: كان القاسم من فقهاء دمشق.
وقال سليمان بن عبد الرحمن عن القاسم مولى عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية وكان قد أدرك أربعين من المهاجرين.
وقال كثير بن الحارث عن القاسم: رجل قد أدرك أربعين بدريًا.
نقل هذا جميعه البخاري في (التاريخ الكبير (7: 159) ولم يتهمه في شيء. فيبعد أن يكون سببًا في هذه الطامات التي يرويها عنه الألهاني هذا. كما أشار لهذا ابن حبان.
والحديث أورده ابن كثير في التفسير (2: 167)، من حديث عبيد بن الخشخاش، وعوف بن مالك عن أبي ذر.
ومن حديث أبي أمامة ذكر فيه قصة أبي ذر.
وقال: "فهذه طرق لهذا الحديث ومجموعها يفيد قوته وصحته والله أعلم". اهـ.
وأورده أ. د. حكمت بشير في الصحيح المسبور (1: 68) من رواية الإمام أحمد : عن يزيد عن المسعودي ، عن أبي عمرو الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره).
قال: "وقد صحح الألباني هذا الحديث بعد أن ذكر جزءً منه"... وختم بكلام ابن كثير الأنف.
والحديث طويل متشعب تناوله الألباني في عدة مواضع وصحح بعض ألفاظه لا جميعها.. وقد نقلنا بعض كلامه فيما سبق.
ولا نسلم لابن كثير ولا للأستاذ الدكتور حكمت التقوية بمجموع طرق عامتها واهٍ ، لا يحتمل معها الحسن بله الصحة.. زد على ذلك أن في بعض ألفاظه تكلف ونكارة، وفي كلام الله وصحيح السنة غنية عن تقوية الأحاديث الواهية . والله أعلم.
وكتبه / يحيى البكري الشهري (4/2/1425هـ).[/align]
أورده الطبري في جامعه (8: 4 ت 5)، والبغوي في تفسيره (2: 124)، والرازي في تفسيره (13: 126)، وابن كثير في تفسيره (1: 306)، (2: 167)، (4: 576)، والقرطبي في جامعه (7: 68)، والسيوطي في الدر المنثور (3: 342)، والشوكاني في فتح القدير (2: 154)، و حكمت بشير في الصحيح المسبور (1: 68).
والحديث من رواية أبي ذر (رضي الله عنه) في قصة طويلة قال فيه: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو في المسجد فجلست إليه، فقال: يا أبا ذر هل صليت ؟ قلت: لا .
قال: قم فصل.
قال: فقمت فصليت، ثم أتيته فجلست إليه.
فقال لي: يا أبا ذر استعذ بالله من شر شياطين الإنس والجن.
قال: قلت يا رسول الله ! وهل للإنس من شياطين.
قال: نعم يا أبا ذر ، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة.
قال: قلت بلى بأبي أنت وأمي.
قال: قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة.
قال: قلت يا رسول الله فما الصلاة ؟
قال: خير موضوع فمن شاء أكثر ومن شاء أقل.
قال: قلت فما الصيام يا رسول الله ؟
قال: فرض مجزئ.
قال: قلت يا رسول الله فما الصدقة؟
قال: أضعاف مضاعفة وعند الله مزيد.
قال: قلت أيها أفضل يا رسول الله ؟
قال: جهد من مقل أو سر إلى فقير.
قلت: فأي ما أنزل الله عز وجل عليك أعظم قال الله لا إله إلا هو الحي القيوم حتى ختم الآية.
قلت: فأي الأنبياء كان أول ؟
قال: آدم.
قلت: أو نبي كان يا رسول الله ؟
قال: نبي مكلم.
قلت: فكم المرسلون يا رسول الله ؟
قال: ثلاث مئة وخمسة عشر جمًا غفيرًا.
هذا لفظ وكيع في رواية أحمد.
[color=0000FF]طرق الحديث واختلاف ألفاظه:[/color]
الحديث اشتهر من رواية المسعودي وعرف، وهو عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة بن عبدالله مسعود الكوفي، روى له الأربعة والبخاري تعليقًا، وهو في عداد الثقات: وثقه جهابذة النقاد: ابن معين وابن المديني وابن نمير وأحمد في جماعة، إلا أنه اختلط بسنة أو سنتين، والضابط في حاله : أن من سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه قبل الاختلاط، وهم كثر.
أما من سمع منه في بغداد فحديثه ضعيف لأجل اختلاطه، ومن هذا الضرب: هاشم بن القاسم، وعاصم بن علي بن عاصم، وعبدالرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون.
والقاعدة في المختلطين: الاحتجاج بما روى عنهم الثقات من القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم، وما وافقوا الثقات في الروايات التي لا نشك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى؛ لأن حكمهم وإن اختلطوا في أواخر أعمارهم وحمل عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم حكم الثقة إذا أخطأ، أن الواجب ترك خطئه إذا علم والاحتجاج بما نعلم أنه لم يخطئ فيه، وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات، وما انفردوا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذين كان سمعاهم منهم قبل الاختلاط سواء. انظر مقدمة ابن حبان لصحيحه (1/161).
وهنا يلزمنا النظر في رواة حديثه هذا، فلما نظرنا، وجدنا من رواته: جعفر بن عون، وعبيدالله بن موسى، وعمرو بن الهيثم، ومحمد بن عبيد، وهاشم بن القاسم، ووكيع ، ويزيد بن هارون، ويعلى بن عُبيد، وأبوداود الطيالسي، وأبو نعيم، والمقري.
فمنهم من سمعه قبل الاختلاط، ومنهم من سمعه بعد الاختلاط.
فإلى بيان مروياتهم:
1 ـ فأما حديث جعفر بن عون : فأخرجه النسائي في (الكبرى 4/461) في الاستعاذة/ باب الاستعاذة من شر شياطين الإنس برقم (461): أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبي عمر، عن عبيد بن خشخاش، عن أبي ذر (فذكره) ولفظ الترجمة له.
2 ـ وأما حديث عبيدالله بن موسى : فأخرجه ابن مردويه (أشار لهذا ابن كثير في تفسيره 2: 167).
3 ـ وأما حديث عمرو بن الهيثم : فأخرجه ابن سعد في الطبقات (1: 54): أخبرنا عمرو بن الهيثم وهاشم بن القاسم الكناني أبو النضر، قالا: أخبرنا المسعودي، عن أبي عمر الشآمي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره) بقصة الأنبياء.
4 ـ وأما حديث محمد بن عبيد: فأخرجه هناد في الزهد (2: 516/ برقم 1065): حدثنا محمد بن عبيد، ثنا المسعودي، عن أبي عمرو، عن عبيد بن الخشخاش، قال: قال أبو ذر: (فذكره) بطوله.
5 ـ وأما حديث هاشم بن القاسم الكناني : فأخرجه ابن سعد في الطبقات (1: 54): أخبرنا عمرو بن الهيثم وهاشم بن القاسم الكناني أبو النضر، قالا: أخبرنا المسعودي، عن أبي عمر الشآمي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره). بقصة الأنبياء.
6 ـ وأما رواية وكيع بن الجراح: فأخرجها أحمد (5: 178/ برقم 21586) : ثنا وكيع، ثنا المسعودي، أنبأني أبو عمر الدمشقي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره) مطولاً.
وأخرجه البيهقي في الشعب (1: 148/ برقم 130): من طريق أحمد بن عبدالجبار، ثنا وكيع به. (مختصرًا).
7 ـ وأما حديث يزيد بن هارون: فأخرجه أحمد (5: 179/ برقم 21592): ثنا يزيد، أنا المسعودي، عن أبي عمرو الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر(فذكره) بطوله.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1: 299/ برقم 3423): به (قال: فقم فصل ركعتين). فحسب.
وأخرجه ابن أبي شيبة (7: 256/ برقم 35933)، وابن أبي عاصم في الأوائل (ص69/برقم 35) به فذكر قصة أول الأنبياء.
8 ـ وأما حديث يعلى بن عبيد: فأخرجه البزار (9: 426/ برقم 4034): حدثنا محمد بن معمر، قال: نا يعلى بن عبيد وأبو داود، قالا: نا المسعودي ـ قال أبو داود: عن أبي عمر. وقال يعلى: عن أبي عمروـ عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره).
وأخرجه الحاكم (2: 310/ برقم 3115): أخبرني علي بن عبد الرحمن السبيعي، حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا المسعودي، عن أبي عمرو الشيباني، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره) مختصراً. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأخرجه البيهقي في الشعب (2: 457/ برقم 2390): من طريق الحاكم به.
9 ـ وأما حديث الطيالسي فأخرجه في مسنده (ص65/ برقم 478)، ومن طريقه البزار في مسنده (9: 426/ برقم 4034) والبيهقي في الشعب (3: 291/ برقم 3576): حدثنا المسعودي، عن أبي عمر الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره) بطوله.
10ـ وأما رواية أبي نعيم فأخرجها البخاري في التاريخ (5: 447): عن أبي ذر (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((آدم نبي مكلم)). قاله أبو نعيم: عن المسعودي، عن أبي عمر لم يذكر سماعا من أبي ذر (رضي الله عنه).
11 ـ وأما حديث المقري: فأورده الذهبي في سير النبلاء (2: 62) بطوله.
فظهر بسياق هذه الأوجه أن المدار في الحديث على أبي عمرو، وقيل: أبو عمر الشامي. وفي بعض الروايات : الشيباني.
فما حال هذا الرجل ؟ الرجل تالف .. قال الدارقطني في سؤالات البرقاني (رقم/ 603): "دمشقي متروك".
وهو مقلٌ جدًا، بل لا أظن له غير هذا الحديث الطويل عن أبي ذر.
ولا يُحفظ فيه غير قول الدارقطني هذا، وعليه فلا يسلم للحافظ ابن حجر قوله فيه في (التقريب): " ضعيف" .. ففي هذا تجوز؛ لأن من كان حكمه كذلك جاز أن يتقوى حديثه بالمتابعة.
وإنما قلنا ذلك لأن الدارقطني معدود لديهم في المتساهلين غير المتعنتين في الجرح.
أما الذهبي فذكره في الكاشف برقم (6750)، فقال: "أبو عمر الدمشقي عن عبيد بن الخشخاش وعمر بن عبد العزيز وعنه المسعودي وحسين الجعفي، واه. (س)". فأصاب في هذا!..
والقاعدة فيمن كحاله، أن روايته مردودة غير مقبولة ولا تصح بحال.
وانظر لترجمته (كذلك) تاريخ دمشق (76 : 97).
أما شيخه عبيد بن الخشخاش: فقال ابن ماكولا (3: 148) : "عبيد بن الخشخاش. روى عن أبي ذر، روى حديثه المسعودى، عن أبي عمر الدمشقي عنه، وقيل فيه: بالحاء والسين المهملتين". اهـ.
وهذا يدل على أن عبيدًا هذا في عداد المجاهيل إذ ليس معروفًا في غير هذا الحديث.
قال البخاري في التاريخ الكبير (5: 447): لم يذكر سماعًا عن أبي ذر (رضي الله عنه)، وضعفه الدراقطني.
وذكره الذهبي في المغني برقم (3960): ولم يزد على ما قال البخاري هنا.. لكنه ذكره في الميزان (3: 19) وقال: قال البخاري في (الضعفاء) لم يذكر سماعًا من أبي ذر رواه المسعودي عن أبي عمرو عنه.
وذكره ابن حبان في (الثقات).
وقال ابن حجر في التقريب برقم (4371): لين. وانظر لترجمته التهذيب (7: 59).
وقد توبع عليه عبيد بن الخشخاش: فورد من رواية عبيد بن عمير، وعوف بن مالك، وأبو إدريس الخولاني، وابن عائذ.
1 ـ فأما حديث عبيد بن عمير: فأخرجه العقلي في الضعفاء (4: 404): من طريق موسى بن العبادي التُّستري.
وأخرجه ابن حبان في المجروحين (3: 129): من طريق الحسن بن إبراهيم البياضي.
وأخرجه ابن عدي في الكامل (7: 244): من طريق إبراهيم بن حرب بن عمر.
وأخرجه الحاكم برقم (4166): من طريق الحسن بن عرفة.
أربعتهم عن يحيى بن سعيد البصري، حدثنا عبدالملك بن جريج، عن عطاء، عنه به (نحوه).
قال العقيلي: لا يتابع على حديثه، وليس مشهورًا بالنقل.
وقال ابن حبان: يروي المقلوبات والمُلزقات لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.
وقال ابن عدي: يُعرف بهذا الحديث، وهو منكر من هذا الطريق.
وقال: هذا حديث منكر من هذا الطريق، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر. وهذا الحديث ليس له من الطرق إلا من رواية أبي إدريس الخولاني، والقاسم بن محمد، عن أبي ذر، والثالث حديث ابن جريج، وهذا أنكر الروايات.
وقال البيهقي في الأسماء (ص510): تفرد به يحيى بن سعيد السعدي، وله شاهد بإسناد أصح.. ثم ذكر طريق إبراهيم بن هشام الماضية.
وقال الذهبي: السعدي ليس بثقة. التلخيص برقم (4166).
2 ـ وأما حديث عوف بن مالك : فأخرجه إسحاق في (مسنده) المطالب العالية (3: 38/ برقم 652/6)، (8: 197/ برقم 3647): أنا النضر بن شميل، ثنا حماد ـ هو ابن سلمة ـ نا معبد، أخبرني فلان في مسجد دمشق، عن عوف بن مالك: أن أبا ذر جلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: (يا أبا ذر أصليت الضحى؟).
فذكر الحديث وفيه: (إن أضلَّ الناس من ذُكرت عنده فلم يصل عليَّ).
وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في (مسنده) بغية الباحث (1: 195/ برقم 53)، (1: 334/ برقم 223)، والمطالب (3: 39/ برقم 652/7): حدثنا يونس بن محمد، ثنا حماد به. (فذكره) بطوله.. وفيه فقال: (أصليت الضحى؟) قلت: لا ، قال: [قم فأذن وصل ركعتين].
وختم بالزيادة المذكورة.. وذكر الأذان فيه منكر.
وأخرجه الحارث (كذلك) المطالب (8: 198/ برقم 3648): ثنا عبيدالله بن محمد بن عائشة، ثنا حماد، به.
وأخرجه أبو يعلى في (مسنده رواية ابن المقرئ) المطالب (3: 39/ برقم 652/8)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (66: 187) (68 : 117): حدثنا هدبة، ثنا حماد بن سلمة عن معبد العنزي عن رجل من أهل دمشق عن عوف بن مالك عن أبي ذر(فذكره).
وأخرجه الطبري في الجامع (5/ 8 : 4): حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن حميد بن هلال ـ (كذا) والصواب (معبد) ـ به (فذكر) الشاهد فحسب.
ـ شيخ معبد مجهول.. ولعله كنى عنه لضعفه .. فهذه كانت عادة لبعضهم فيمن لا يرضاه.
ـ وشيخ شيخه عوف بن مالك ، هو الأشجعي الصحابي المشهور (فيما ظهر لي). وهو من مسلمة الفتح.
وفي ألفاظ هذا الحديث نكارة ظاهرة.
3 ـ وأما حديث قتادة: فأخرجه ابن جرير في الجامع (5/ 8: 5): حدثنا محمد بن عبدالأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغني أن أبا ذر قام يومًا يصلي ... فذكر الشاهد. وهذا منقطع لا يصح.
4 ـ وأما حديث أبي إدريس الخولاني: فأخرجه ابن حبان (2: 76/ برقم 361)، والطبراني في الكبير (2: 157/ برقم 1651)، وأبو نعيم في الحلية (1: 166)، والقضاعي في مسنده بالأرقام (561 , 740 ، 837): من طرق عن إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، قال: حدثنا أبي، عن جدي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالس وحده.
قال: "يا أبا ذر إن للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان فقم فاركعهما".
قال: فقمت، فركعتهما، ثم عدت فجلست إليه، فقلت: يا رسول الله، إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة ؟
قال: "خير موضوع، استكثر أو استقل".
قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل ؟ قال: "إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله".
قال: قلت: يا رسول الله، فأي المؤمنين أكمل إيمانًا ؟
قال: "أحسنهم خلقا".
قلت: يا رسول الله ، فأي المؤمنين أسلم ؟
قال: "من سلم الناس من لسانه ويده".
قال: قلت: يا رسول الله، فأي الصلاة أفضل ؟
قال: "طول القنوت".
قال: قلت: يا رسول الله، فأي الهجرة أفضل ؟
قال: "من هجر السيئات".
قال: قلت: يا رسول الله ، فما الصيام ؟
قال: "فرض مجزئٌ، وعند الله أضعاف كثيرة".
قال: قلت: يا رسول الله ، فأي الجهاد أفضل ؟
قال: "من عقر جواده وأهريق دمه".
قال: قلت: يا رسول الله ، فأي الصدقة أفضل ؟
قال: "جهد المقل يُسر إلى فقير".
قلت: يا رسول الله ، فأي ما أنزل الله عليك أعظم ؟
قال: "آية الكرسي"، ثم قال: "يا أبا ذر، ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاةٍ بأرضٍ فلاةٍ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة".
قال: قلت: يا رسول الله ، كم الأنبياء ؟
قال: "مئة ألف وعشرون ألفًا".
قلت: يا رسول الله ، كم الرسل من ذلك ؟
قال: "ثلاث مئة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا".
قال: قلت: يا رسول الله ، من كان أولهم ؟
قال: "آدم". قلت: يا رسول الله ، أنبي مرسل ؟
قال: "نعم خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلاً".
ثم قال: "يا أبا ذر أربعةٌ سريانيون: آدم، وشيث، وأخنوخ، وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم، ونوح. وأربعة من العرب: هود، وشعيب، وصالح، ونبيك محمد (صلى الله عليه وسلم) ".
قلت: يا رسول الله ، كم كتابا أنزله الله ؟ قال: "مئة كتاب، وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسون صحيفة، وأنزل على أخنوخ ثلاثون صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزَّبور والقرآن".
قال: قلت: يا رسول الله ، ما كانت صحيفة إبراهيم ؟
قال: "كانت أمثالا كلها: أيها الملك المُسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو كانت من كافر.
وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن تكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يُحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب.
وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث: تزوُّد لمعاد، أو مرمًّة لمعاش، أو لذة في غير مُحرَّم.
وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظًا للسانه.
ومن حسب كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما يعنيه".
قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى ؟
قال: "كانت عبرًا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت، ثم هو يفرح.
وعجبت لمن أيقن بالنار، ثم هو يضحك.
وعجبت لمن أيقن بالقدر، ثم هو ينصب.
عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها، ثم اطمأن إليها.
وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا، ثم لا يعمل".
قلت: يا رسول الله أوصني.
قال: "أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس الأمر كله".
قلت: يا رسول الله زدني، قال: "عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض، وذخرٌ لك في السماء".
قلت: يا رسول الله زدني. قال: "إياك وكثرة الضحك، فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه".
قلت: يا رسول الله زدني. قال: "عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك، وعون لك على أمر دينك".
قلت: يا رسول الله زدني، قال: "عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي".
قلت: يا رسول الله زدني. قال: "أحب المساكين وجالسهم".
قلت: يا رسول الله زدني، قال: "انظر إلى من تحتك، ولا تنظر إلى من فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك".
قلت: يا رسول الله زدني، قال: "قل الحق وإن كان مرًا".
قلت: يا رسول الله زدني، قال: "ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك، أو تجد عليهم فيما تأتي".
ثم ضرب بيده على صدري، فقال: "يا أبا ذر لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق". واللفظ لابن حبان.
وهذا الحديث تفرد به إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، عن أبيه، عن جده.. ولا يحتمل منه التفرد فهو متهم، كذبه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان. وزاد أبو حاتم: ينبغي ألا يحدث عنه. وأقره على هذا علي بن الجنيد. كما في الجرح (2: 142).
ومشاه ابن حبان وغيره. انظر تفصيل حاله في كتابي زوائد رجال صحيح ابن حبان (1: 278 ـ 287/ برقم 25/4).
والحديث أورده المنذري في الترغيب (3: 131 ـ 132)، وقال: انفرد به إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، عن أبيه، وهو حديث طويل في أوله ذكر الأنبياء عليهم السلام، ذكرت منه هذه القطعة لما فيها من الحكم العظيمة والمواعظ الجسيمة.
ورواه الحاكم أيضًا، ومن طريقه البيهقي: كلاهما عن يحيى بن سعيد السعدي البصري، حدثنا عبد الملك بن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمر، عن أبي ذر بنحوه.
ويحيى بن سعيد فيه كلام. والحديث منكر من هذه الطريق وحديث إبراهيم بن هشام هو المشهور والله أعلم. اهـ.
وأورده الألباني في ضعيف الترغيب برقم (1352)، وقال : ضعيف جدًا .. وعقب على المصنف بقوله: لكن إبراهيم هذا متهم ... والحديث مخرج في الضعيفة (5638). وبعض فقراته قد صحت متفرقة في بعض الأحاديث، وقد أودعتها في (الصحيح) وبيانها هنا مما لا يتسع له المجال، وقد ميزتها عن الضعيفة منها في كتابي صحيح موارد الظمآن (2 ـ العلم/13). اهـ.
لكنه قال في التعليقات الحسان برقم (361): ضعيف جدًا ـ الضعيفة (1910 و6090).
وأورد في الترغيب (3: 272) قطعة ابن ماجة الماضية.
وقال في الضعيف برقم (1595): في إسناده ضعيف وآخر مجهول. وفي إسناد ابن حبان كذاب. وهو مخرج في الضعيفة (1910)؛ فالعجب من المؤلف كيف صدره بـ(عن) مشيرًا إلى تقويته. اهـ.
وقد تابعه عليه عن أبي إدريس الخولاني: إسماعيل بن مسلم، والقاسم بن محمد .
أ ـ فأما حديث إسماعيل بن سلمة: فقال أبونعيم في الحلية (1: 168): ورواه المختار بن غسان، عن إسماعيل بن سلمة (كذا)، عن أبي إدريس.
ثم وقفت عليه من رواية محمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش (ص77/ برقم 58): حدثنا الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، نا أحمد بن علي الأسدي، عن المختار بن غسان العبدي، عن اسماعيل بن سلم (كذا)، عن أبي ادريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري، قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحده، فجلست إليه، فقلت: يا رسول الله، أيما آيه أنزلت عليك أفضل؟ قال: "آية الكرسي ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة".
والمختار هذا قال فيه ابن حجر في (التقريب): مقبول. يعني عند المتابعة. وفي التلخيص (4: 40)، قال : مجهول.
وإسماعيل هذا هو ابن مسلم تصحف.. وهو المكي ضعيف. انظر السلسة الصحيحة (109).
ب ـ وأما حديث القاسم بن محمد: فأخرجه ابن ماجه برقم (4218): من طريق الماضي بن محمد، عن علي بن سليمان، عنه به بلفظ : "لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق". وقد اختصره.
وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق برقم (12): حدثنا علي بن داود القنطري، ثنا سعيد بن سابق الرشيدي، ثنا بشر بن خيثمة، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي سليمان الفلسطيني، عن القاسم بن أبي بكر (كذا)، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيمانًا؟ قال: "حسنهم خلقًا".
قال الألباني: إسماعيل هذا متروك كذبوه.
وأبو سليمان الفلسطيني مجهول. وظني أنه علي بن سليمان نفسه الذي في الطريق الأولى. الضعيفة (4: 383).
قلت: أورده الذهبي في الميزان (4: 533)، وقال: أبو سليمان الفلسطيني عن القاسم بن محمد وعنه إسماعيل بن أبي زياد. قال البخاري حديث طويل منكر في القصص.
رواه عنه الماضي بن محمد. اهـ.
قلت: فيكون ما استظهره الألباني صحيح. وما وقع في الكتاب من نسبة القاسم بن أبي بكر، فلا أراه إلا من باب التصحيف.. وقد عرفة به المحققة على أنه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.. فأخطأ في هذا خطأ بينًا!!.
قال البوصيري في الزوائد برقم (1505): ضعيف لضعف الماضي بن محمد الغافقي المصري.
وقال الذهبي في الكاشف برقم (5238): فيه جهالة، وله ما ينكر.
ـ وعلي بن سليمان هذا شامي مجهول. التقريب برقم (4740).
وقال أبو بكر بن مردويه كما في تفسير ابن كثير (1: 311): أخبرنا سليمان بن أحمد، أخبرنا عبد الله بن وهيب المقرئ، أخبرنا محمد بن أبي السري العسقلاني، أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي، عن القاسم بن محمد الثقفي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر الغفاري : أنه سأل النبي (صلى الله عليه وسلم): عن الكرسي فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "والذي نفسي بيده ما السماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة".
ـ شيخ الطبراني هنا هو الغزي.
ـ ومحمد بن أبي السري العسقلاني وثقه ابن معين ولينه أبو حاتم، وله أحاديث تستنكر. انظر الميزان (4: 23 ـ 24).
ـ ومحمد بن عبد الله التميمي، هو العمي البصري. ذكره ابن حبان في (الثقات)، لكن ذكره العقيلي في (الضعفاء)، قال العقيلي لا يقيم الحديث. وقال بن عدي له أفراد.
ـ فالمدار من الوجهين على القاسم بن محمد الثقفي وهو تابعي اشتهر برواية حديث أسماء (رضي الله عنها) مع الحجاج. ويروي عن معاوية (رضي الله عنه). انظر التاريخ الكبير (7: 157)، طبقات ابن سعد (8: 254)، تاريخ دمشق (40: 39).ولا يحتمل من مثله التفرد بهذه الألفاظ.
5 ـ وأما حديث ابن عائذ: فأخرجه البخاري في التاريخ (1: 29) عن عبد الله بن صالح .
وأخرجه ابن جرير في التفسير (5/ 8: 4 ـ 5): حدثنا المثنى، حدثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن أبي عبد الله محمد بن أيوب وغيره من المشيخة، عن ابن عائذ، عن أبي ذر (فذكره) مختصرًا.
وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (3: 154/ برقم 1979): حدثنا بكر بن سهل، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا معاوية بن صالح، عن أبي عبد الملك محمد بن أيوب، عن ابن عائذ، عن أبي ذر (فذكراه) بطوله.
وأخرجه ابن عساكر في التاريخ (7: 444 ـ 445): من طريق عبدالله بن صالح، به.
ـ وعبدالله بن صالح ، هو كاتب الليث صدوق كثير الغلط. ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة. كذا قال فيه الحافظ في التقريب (3388).
وقال الذهبي في الكاشف برقم (2780): وكان صاحب حديث فيه لين. قال أبو زرعة: حسن الحديث لم يكن ممن يكذب، وقال الفضل الشعراني: ما رأيته إلا يحدث أو يسبح، وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث له أغاليط وكذبه جزرة.
- ومحمد بن أيوب أبو عبدالملك الأزدي لم يذكروا في الرواة عنه سوى معاوية بن صالح، وعبيدالله بن زحر. انظر لترجمته الجرح والتعديل (7: 196)، الثقات لابن حبان (7: 389).
ـ وابن عائذ، هو عبد الرحمن بن عائذ الأزدي الثمالي الحمصي أرسل عن معاذ ، وله عن أبي أمامة وكثير بن مرة، وعنه محفوظ ونصر ابنا علقمة وثور وصفوان بن عمرو، وثقه النسائي، كان صاحب كتب 4. الكاشف برقم (3232).
قال العلائي في جامع التحصيل برقم (434): روى عن عمر وأبي ذر رضي الله عنهما والظاهر أنه مرسل. اهـ.
قلت ذكر ابن عساكر (34: 454) بسنده عن أحمد بن محمد بن عيسى قال: عبدالرحمن بن عائذ الثمالي رأى عبدالله بن قرط، أدرك من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم): عبدالله بن قرط، وعبدالله بن بشر، ومعاوية، وعتبة بن عبد، والمقدام، وأبا أمامة، وأنس بن مالك، وابن عمر. اهـ.
فتكون روايته عمن عداهم مرسلة.
وقد أطلنا بذكر هذا الحديث لئلا يغتر البعض بإيراد ابن حبان له في (الصحيح).. خاصة أني رأيته يوزع في بعض المنشورات، ويذكِّر به بعض الوعاظ، ولكون بعض فقراته سترد جزمًا فيما يأتي من آيات له تعلق بها، فكان لزامًا على الفصل فيه هنا عند أول وروده.
وله شاهد من حديث أبي أمامة: أخرجه أحمد (5: 256/ برقم 22342): ثنا أبو المغيرة، ثنا معان بن رفاعة، حدثني على بن يزيد، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة (فذكره) بطوله.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (4: 1371/ برقم 7786): حدثنا محمد بن عوف الحمصي ثنا ابو المغيرة به. (فذكرالشاهد) فحسب.
وأخرجه الطبراني في الكبير (8: 217/ برقم 7871): حدثنا أحمد بن عبد الوهاب ثنا أبو المغيرة به (فذكره) بطوله.
والحديث لا يصح من هذه الطريق:
ـ فمعان بن رفاعة .. ضعفه ابن معين وغيره، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. الكامل (6: 328).
ـ وشيخه علي بن يزيد أبو عبد الملك الألهاني الدمشقي يروي عن القاسم ومكحول. قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، وقال النسائي والأزدي والدارقطني: متروك. الضعفاء لابن الجوزي برقم (2410).
وقال ابن حبان في المجروحين (2: 63): إذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن لا يكون متن ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم.اهـ.
قلت: أحاديثه مناكير بواطيل لا يتابع على كثير منها.
ـ أما القاسم فهو أبو عبد الرحمن ويقال: ابن عبد الرحمن الشامي مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية القرشي الأموي .. فقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: ما رأيت أحدا أفضل من القاسم أبي عبد الرحمن كنا بالقسطنطينية، وكان الناس يرزقون رغيفين رغيفين في كل يوم، وكان يتصدق برغيف ويصوم ويفطر على رغيف.
وقال إبراهيم أبو الحصين: كان القاسم من فقهاء دمشق.
وقال سليمان بن عبد الرحمن عن القاسم مولى عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية وكان قد أدرك أربعين من المهاجرين.
وقال كثير بن الحارث عن القاسم: رجل قد أدرك أربعين بدريًا.
نقل هذا جميعه البخاري في (التاريخ الكبير (7: 159) ولم يتهمه في شيء. فيبعد أن يكون سببًا في هذه الطامات التي يرويها عنه الألهاني هذا. كما أشار لهذا ابن حبان.
والحديث أورده ابن كثير في التفسير (2: 167)، من حديث عبيد بن الخشخاش، وعوف بن مالك عن أبي ذر.
ومن حديث أبي أمامة ذكر فيه قصة أبي ذر.
وقال: "فهذه طرق لهذا الحديث ومجموعها يفيد قوته وصحته والله أعلم". اهـ.
وأورده أ. د. حكمت بشير في الصحيح المسبور (1: 68) من رواية الإمام أحمد : عن يزيد عن المسعودي ، عن أبي عمرو الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر (فذكره).
قال: "وقد صحح الألباني هذا الحديث بعد أن ذكر جزءً منه"... وختم بكلام ابن كثير الأنف.
والحديث طويل متشعب تناوله الألباني في عدة مواضع وصحح بعض ألفاظه لا جميعها.. وقد نقلنا بعض كلامه فيما سبق.
ولا نسلم لابن كثير ولا للأستاذ الدكتور حكمت التقوية بمجموع طرق عامتها واهٍ ، لا يحتمل معها الحسن بله الصحة.. زد على ذلك أن في بعض ألفاظه تكلف ونكارة، وفي كلام الله وصحيح السنة غنية عن تقوية الأحاديث الواهية . والله أعلم.
وكتبه / يحيى البكري الشهري (4/2/1425هـ).[/align]