يحيى الشهري
New member
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فعلم علل الأحاديث من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها، وعر المسالك ، ضيق المخارج ، تتقاصر عنه الهمم ، لصعوبته وتشعبه، لا يقوم به إلا من رزقه الله ـ تعالى ـ فهمًا ثاقبًا وحفظًا واسعًا ، ومعرفةً تامةً بمراتب الرواة ، وملكة قوية تحيط بتشعب الأسانيد واختلاف المتون، ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن ، كعبدالرحمن بن مهدي، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة، ومسلم، والنسائي، والدارقطني ، وغيرهم رحمهم الله.
فهم أهل النقد العارفين بالنقل، الذائقين كلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالعقل، وهذا العلم مسلم لهم، ولهم فيه معارف وطرق يختصون بها، وقد تناولوا بالنقد كثيرًا من الرواة، وبينوا ما في بعض مروياتهم من العلل، وصنفوا في ذلك المصنفات النافعة.
وهم العارفون بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حقاً، وهم النقاد الجهابذة صدقًا، "الذين ينتقدون انتقاد الصيرفي الحاذق للنقد البهرج من الخالص، وانتقاد الجوهري الحاذق للجوهر مما دلس به".
فلذا قصُرت همم كثير من الناس عن تتبع العلل في الأحاديث، والاكتفاء بالحكم المجمل على الأسانيد والمتون، لوعورة هذا المسلك، وعدم ظهور وجه العلة إلا بعد طول الفحص والنظر.
وهذا المنهج فيه من التجوز الشيء الكثير، فكم من حديث أعله الأئمة ، ولم يقبل هذا بعض الناس ؛ لقصورهم عن فهم وجه العلة في الحديث، فدعاهم هذا إلى رد كلام الأئمة المتقدمين، والتصحيح والتحسين لأحاديث كثيرة، هي عند التمحيص معلولة.
وكم كان هذا الأمر يشغلني كثيرًا عند اطلاعي على أحكام كثير من أخوتنا المعاصرين في هذا الباب ، فلما شرفت بدعوة من أخي الفاضل عبدالرحمن البكري المشرف العام على شبكة التفسير والدراسات القرآنية ، للمشاركة فيما يطرح في هذه الشبكة من مقالات ومشاركات قيمة وأبحاث علمية محررة ، نشطت للكتابة في ما يخص أحاديث التفسير، وبيان عللها.. تمشيًا مع خاصية هذه الشبكة.
وإنما حفزني لذلك أني رأيت بعض الجهود القيمة التي فيها محاولة جمع أحاديث التفسير والكلام عليها، ظهر فيها إهمال جوانب مهمة متعلقة بهذا الباب، سيتضح الكثير منها عند منا قشتنا للأحاديث المعلة.
وحيث إنه كتب في باب العلة الشيء الكثير، فسأكتفي بلمحات حول طرفي العنوان، ثم أختم بمنهجي في عرض الأحاديث وبيان عللها.. ثم أشرع في المراد.
ولربما عرجت على هذا الجانب بدراسة مستفيضة بعد استكمالي الكلام على الأحاديث ـ بإذن الله تعالى ـ إذ إن التعرض لهذا الجانب الآن سيكون فيه جوانب قصور كثيرة.
لمحة عن أحاديث العلل
العلة في اللغة: ذكر ابن فارس في معجمه (مقاييس اللغة): أن لكلمة (أعل) أصولاً ثلاثة صحيحة:
أحدها: التكرر أو التكرير.
الثاني: العائق الذي يعوق.
الثالث: الضعف في الشيء.
ولعل أقربها لاصطلاح المحدثين الأصل الثالث .. فالمراد بالضعف المرض، يقال: علّ المريض، يعِلُّ، علَّة، فهو عليل، وأعله الله فهو مُعل.
ووجه المناسبة أن العلة إذا طرأت على الحديث ظاهر الصحة أعلته، ونزلت به من الصحة إلى الضعف.
والقياس عند أهل اللغة أن يسمى (المُعل) لأنه اسم مفعول من الفعل (أعل).
ويجوز فيه (المعلل) أخذ من الأصل الثاني عند ابن فارس.. يقال: أعله عن كذا أي أعاقه وشغله وألهاه.
وعلى هذا يكون المعنى: الحديث الذي أعاقته العلة ، وشغلته، فلم يعد صالحًا للعمل به.
قال الحافظ العراقي:
[align=center]وسمّ ما بعلةٍ مشمولُ * مُعللاً ولا تقل معلولُ[/align]
وقد اشتهر عند المحدثين تسميته بالمعلول. وإن أنكرهذا ابن الصلاح والنووي والعراقي.
وممن حفظ عنه استخدام هذا البخاري، والترمذي، والدارقطني، وابن عدي، والحاكم، والخليلي، وابن عبدالبر، والبيهقي، والسخاوي.
وسمى ابن حجر كتابه (الزهر المطلول في الخبر المعلول).
وقد خرج لهم البعض وجهًا يصح به ما أطلقوه من جهة اللغة .. قال ابن سيده في (المحكم): " واستعمل أبو إسحاق لفظة (المعلول) في المتقارب من المعروض، والمتكلمون يستخدمون لفظة (المعلول) في مثل هذا كثيرًا ، فلست منها على ثقة ولا ثلَج، لأن المعروف إنما هو (أعله الله فهو معلّ)، اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه، من قولهم : (مجنون) ، و (مسلول) من أنهما جاءا على جننته وسللته ولم يستعملا في الكلام واستغنى عنهما بأفعلت، وإذا قالوا: جُنَّ وسُلَّ فإنما يقولون: جُعل فيه الجنون والسِّل، كما قالوا: حُزن وفُسل". اهـ.
والعلة في اصطلاحهم: تطلق على كل ما فيه علة سواء كانت خفية أو ظاهرة، قادحةً أو غير قادحة، فكل ما فيه علة يصح أن يقال: إن فيه علة، وهذا حديث معلول.
وكل اختلاف في الحديث يمكن أن يسمى علة، سواء كان هذا الاختلاف يؤدي إلى رد الحديث أو عدم رده.
فالمعنى العام إذًا: كل ما حصل فيه قدح في صحة الحديث ، سواءً ضعِّف به الحديث أم لا.
والعلماء النقاد يعبرون بذلك، فيطلقون العلة على العلة الخفية، والعلة الظاهرة، وعلى العلة القادحة، وعلى العلة غير القادحة.
فلذلك سنسلك هذا المسلك، وذلك ببيان أوجه الاختلاف سندًا ومتنًا، حتى وإن لم يكن للعلة أثر على صحة الحديث وضعفه.
فإذا أطلقنا العلة فالمراد المعنى الخاص فإنما نقصد بها العلة الخفية التي تقدح في صحة الحديث.
وعليه فالمعنى الخاص للعلة: ما لا يدخلها ضرب الجرح والتعديل والكلام عن الرواة بالقبول أو الرد من ناحية الضبط أو من ناحية العدالة.
قال الحاكم في (المعرفة) : " إنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل ، فإنَّ حديث المجروح ساقط واهٍ.
وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات، أن يحدثوا بحديث له علة، فيخفى عليهم علمه، فيصير الحديث معلولاً، والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير ". اهـ.
والمعنى العام هو كل ما كان فيه علة، وقلما نستخدمها بهذا المعنى.
وسنتناول في حديثنا النوعين، وإن كان مقصودنا الأسمى النوع الأول.
أجناس العلة:
العلة لها صور بحسب ورودها، وقد قسمها أبوعبدالله الحاكم في كتابه (معرفة علوم الحديث) إلى عشرة أقسام .. وذكرها البلقيني في (محاسن الاصطلاح)، والسيوطي في (تدريب الراوي)، وتتلخص فيما يلي:
أحدها : أن يكون السند ظاهره الصحة، وفيه من لا يعرف بالسماع.
الثاني: أن يكون الحديث مرسلاً من وجه رواه الثقات الحفاظ ، ويسند من وجه ظاهره الصحة.
الثالث: أن يكون الحديث محفوظاً عن صحابي، ويروى عن غيره لاختلاف بلاد رواته كرواية المدنيين عن الكوفيين.
الرابع : أن يكون محفوظاً عن صحابي فيروي عن تابعي، يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحته، بل ولا يكون معروفا من جهته.
الخامس : أن يكون روى بالعنعنة وسقط منه رجل دل عليه طريق أخرى محفوظة.
السادس : أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره، ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد.
السابع : الاختلاف على رجل في تسمية شيخه أو تجهيله.
الثامن : أن يكون الراوي عن شخص أدركه وسمع منه، لكنه لم يسمع منه أحاديث معينة، فإذا رواها عنه بلا واسطة فعلتها أنه لم يسمعها منه.
التاسع : أن تكون طريقه معروفة يروي أحد رجالها حديثاً من غير تلك الطريق، فيقع من رواه من تلك الطريق بناء على الجادة في الوهم.
العاشر : أن يروي الحديث مرفوعاً من وجه وموقوفاً من وجه.
قال الحاكم: وبقيت أجناس لم نذكرها، وإنما جعلنا هذه مثالا لأحاديث كثيرة .
وخلاصة هذا أن العلة ترد في الإسناد وقد ترد في المتن، فإذا وقعت في الإسناد فقد تقدح في المتن وقد لا تقدح ، وورودها في المتن كذلك.
أوجه الكشف عن العلل:
1 ـ جمع روايات الحديث الواحد، والموازنة بينها سندًا ومتنًا، فيظهر من الاتفاق والاختلاف مواطن العلل.
قال الخطيبُ البغداديُّ في (الجامع لأخلاق الراوي): "والسبيلُ إلى معرفةِ علة الحديث أنْ يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط، كما أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأشناني بنيسابور قال: سمعتُ أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي، يقول: سمعتُ عثمان بن سعيد الدارمي، يقول: سمعتُ نعيم بن حماد، يقول: سمعت ابن المبارك، يقول: إذا أردتَ أن يصحَّ لكَ الحديث فاضرب بعضه ببعض".
وقال علي بنُ المديني ـ رحمة الله عليه ـ: "البابُ إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه".
2 ـ النظر في الأسانيد من حيث النقص والزيادة، والعلو والنزول.
3 ـ أن ينص أحد من الأئمة النقاد على علة في الحديث.
4 ـ كمال المعرفة والفهم، التي يعرف بواسطتها أحاديث الرواة، مما ينبه على علل خفية، لا يحتمله الرواة في حديثهم، وهذا ليس إلا للحذاق من الحفاظ، لكثرة ممارستهم للحديث ومعرفتهم، إذ يكثر في قولهم : "هذا الحديث يشبه حديث فلان" .. "وهذا الحديث لا يشبه حديث فلان".
وقال ابن رجب في (شرح علل الترمذي): "معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إمّا في الإسناد، وإمّا في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع ونحو ذلك، وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث".
مظان أحاديث العلل:
من مظان العلل الأحاديث المشهورة، كثيرة التداول، ولذا فلا عجب أن وجدنا العلل في الأحاديث الصحاح بالنظر لكثرة تداولها واختلاف رواتها.
قال الحاكم في (المعرفة) : " وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات، أن يحدثوا بحديث له علة، فيخفى عليهم علمه، فيصير الحديث معلولاً". اهـ.
وقد صنفت فيه مصنفات خاصة من أشهرها:
1 ـ العلل الكبير للترمذي.
2 ـ علل الحديث لابن أبي حاتم .
3 ـ المسند الكبير المعلل للبزار. طبع منه تسعة مجلدات بتحقيق محفوظ الرحمن السلفي ـ رحمه الله ـ وطبع من باقيه العاشر والحادي عشر بتحقيق عادل بن سعد.
4 ـ العلل الواردة في الأحاديث النبوية لأبي الحسن الدارقطني. طبع منه أحد عشر مجلدًا بتحقيق محفوظ الرحمن السلفي ـ رحمه الله ـ والباقي ما زال مخطوطًا.
5 ـ العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي.
ومن مظانها كذلك جامع الترمذي، والسنن الكبرى للنسائي، والضعاء للعقيلي والكامل لابن عدي، وتهذيب الآثار للطبري، والحلية لأبي نعيم، والسنن الكبرى للبيهقي.
ومما يجدر التنبيه إليه أن هناك العدد الكثير من الأحاديث التي لم تكشف عللها بعد، فلا عجب أن وجدنا أحاديث معلولة لم نسبق لتعليلها.
أما من ناحية التقعيد فهناك مصنفات ودراسات كثيرة، منها :
1 ـ شرح علل الترمذي لابن رجب .. وهو عمدة في هذا الباب .. مع مقدمته القيمة للدكتور همام سعيد.
2 ـ الحديث المعلول قواعد وضوابط للدكتور حمزة المليباري.
3 ـ الحديث المعل للدكتور خليل ملا خاطر.
وبعض الدراسات والمداخل القيمة بين يدي بعض الرسائل العلمية التي لها تعلق بعلم العلل، مثل علم علل الحديث من خلال كتاب بيان الوهم والإيهام لإبراهيم بن الصديق ، ومرويات الزهري المعلة للدكتور عبدالله دمفو ، ويعقوب بن شيبة السدوسي آثاره ومنهجه في الجرح والتعديل لعلي لصياح ، الأحاديث التي أعلها الإمام يحيى بن معين من خلال سؤالات الدوري والدارمي وابن محرز وابن الجنيد والدقاق لهشام الحلاف ، وغير ذلك.
لمحة عن أحاديث التفسير:
نشأت أحاديث التفسير مع نشأة علم الرواية، إذ كان من أبرز مهام النبي (صلى الله عليه وسلم) بيان القرآن الكريم، قال تعالى:﴿وأنزلنا إليك الذكرلتُبين للناس ما نُزِّل إليهم﴾. [النحل: 44]. وقال: ﴿وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدىً ورحمةً لقومٍ يؤمنون﴾ [النحل: 64]. فكانت حياته (صلى الله عليه وسلم)، وهديه وسيرته شارحةً للقرآن الكريم، تفسرمجمله، وتخصص عامه، وتقييد مطلقه. وكان الصحابة يتلقون منه القرآن الكريم تلاوة لألفاظه وبيانًا لمعانيه، فجمعوا بين العلم والعمل.
فعن أبي عبدالرحمن السلمي، قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عشر آيات، ولا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العمل والعلم، فإنا علمنا العمل والعلم.
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (29929)، وأحمد برقم (23529).
وهذا يدخل فيه تعليم الإسلام والقرآن والسنن والأحكام .. وهذا هو المعنى العام للتفسير النبوي، ويلتحق به تفسير غيره من كبار الصحابة.
أما المعنى الخاص: فهو يقتصر على ما ورد عنه (صلى الله عليه وسلم) من تفسير لآيات بأعيانها، أوأحاديث فيها تأكيد ما ورد في القرآن الكريم من قصص الأنبياء، وأخبار الأمم الماضية، وأحوال الآخرة، والبعث والنشور، والجنة والنار.
ويلتحق بذلك عندهم ما ورد في فضل بعض الآيات والسور، وأسباب النزول، وبيان الناسخ والمنسوخ، واختلاف القراءات.. وهذا المعنى أخذناه من تصرفات المحدثين في تبويبهم.
وقد اشتهر عن جماعة من الصحابة معرفتهم بالتفسير، وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، ابن عباس، وغيرهم.
وقد تصدر منهم ابن مسعود وابن عباس للإقراء والتفسير، خاصة ابن عباس، وبان فيه أثر دعوته (صلى الله عليه وسلم): "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". أخرجه ابن حبان.
واشتهر من تلاميذه مجاهد (101هـ)، وعكرمة (107هـ)، وعطاء (114هـ)، وطاوس (106هـ)، وجابر بن زيد (93هـ)، وسعيد بن جبير (95هـ).
واشتهر كذلك من التابعين أبو العالية الرياحي (90هـ)، وقتادة بن دعامة السدوسي (110هـ)، والحسن البصري (110هـ)، ومقاتل بن سليمان (105هـ)، والضحاك بن مزاحم (105هـ).
ويليهم طبقة السدي الكبير (127هـ)، والربيع بن أنس (140هـ).
وهؤلاء لهم نسخ منثورة عن غير واحدٍ من الصحابة، وقد اشتهر في هذه الفترة تصنيف بعضهم لذلك، كما ورد من تصنيف سعيد بن جبير استجابة لطلب عبدالملك بن مروان، ثم ظهر التصنيف في طبقة تلي هؤلاء بصورة أشمل، من هذه المصنفات:
1 ـ تفسير معمر بن راشد (154هـ).
2ـ تفسير سعيد بن أبي عروبة (156هـ).
3 ـ تفسير الحسين بن واقد المروزي (159هـ).
4 ـ تفسيرزائدة بن قدامة (160هـ).
5 ـ تفسير سفيان الثوري (161هـ).
6 ـ تفسير إبراهيم بن طهمان (168هـ).
7 ـ تفسير عبدالله بن المبارك (181هـ).
8 ـ تفسير هشيم بن بشير (183هـ).
9 ـ تفسير سفيان بن عيينة (198هـ).
10 ـ تفسير عبدالرزاق الصنعاني (211هـ).
11 ـ تفسير ابن أبي شيبة (235هـ).
وقد حوت هذه المصنفات التفسير النبوي، وتفسيرالصحابة والتابعين، وكانت عمدة من أتى بعدهم من مصنفي السنن والتفاسير، يبين هذا سياقهم لأسانيد مروياتهم، وهو ما يعرف في عصرنا هذا بالموارد.
وقد اعتنى المحدثون بأحاديث التفسير فضمنوها مصنفاتهم، لا فرق بين أصنافها ومسانيدها، وكانت من أهم مقاصد مصنفي الأبواب .. فهذا البخاري في (الجامع الصحيح) عقد كتابًا للتفسير أورد فيه (472) بابًا من أبواب التفسير مرتبةً على حسب سور القرآن الكريم وآيه.
قال الحافظ في الفتح (2/743): " اشتمل كتاب التفسيرعلى خمسمئة حديث وثمانية وأربعين حديثا من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها، الموصول من ذلك أربعمئة حديث وخمسة وستون حديثا، والبقية معلقة وما في معناه، المكرر من ذلك فيه وفيما مضى أربعمئة وثمانية وأربعون حديثا، والخالص منها مئة حديث وحديث، وافقه مسلم على تخريج بعضها، ولم يخرج أكثرها لكونها ليست ظاهرة في الرفع، والكثير منها من تفاسير بن عباس رضي الله تعالى عنهما وهي ستة وستون".
ثم أردفه بكتاب (فضائل القرآن) وقد ضمنه (37) بابًا.
قال الحافظ في الفتح (9: 103): " اشتمل كتاب فضائل القرآن من الأحاديث المرفوعة على تسعة وتسعين حديثا، المعلق منها وما التحق به من المتابعات تسعة عشر حديثا، والباقي موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة وسبعون حديثا... وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار والله أعلم ".
ونجد الترمذي في (جامعه) عقد كتابًا في (فضائل القرآن) وأورد فيه (25) بابًا، وفيها قرابة (61) روايةً.
.. ثم تلاه بكتاب القراءات وأورد فيه (13) بابًا، وفيها (27) روايةً .. ثم أعقبهما بكتاب التفسير وأورد فيه (95) بابًا، وفيها قرابة (484) روايةً.
ومن أوسع ما ذكر ضمن كتب السنة الأصول كتاب تفسير النسائي، وهو أحد الكتب الجامعة ضمن سننه الكبرى، ذكر فيه ما يزيد على (420) بابًا، وفيها ما يقارب (735) رواية.
وذكر قبله بعدة أبواب كتاب فضائل القرآن ضمنه (61) بابًا، وفيها (93) رواية، وأبواب قراءة القرآن وفيه (55) رواية.
ضمن هذه الأبواب مجتمعة مئات الآثار، وقليل من الأحاديث المرفوعة الصحيحة وبعض الأحاديث الضعيفة والمعلولة، وستكون تعليلاته (رحمه الله) من مواردنا في هذه المقالات.
ثم برزت التفاسير الجامعة للتفسير بالمأثور كتفسير ابن جرير الطبري ، وتفسير ابن أبي حاتم، وحوى هذان التفسيران كثيرًا من تفاسير التابعين المنثورة، وكانا عمدة كل من أتى بعدهما من مصنفي التفسيربالمأثور، وطيلة القرون اللاحقة لم يخب نور هذين الكتابين وبقيا أهم مصدرين لجميع الدراسات في مجال التفسير وعلوم القرآن إلى يومنا هذا.
ومن التفاسير المشهورة ـ كذلك ـ تفسير البغوي، وتفسير ابن كثير، والدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي .
فأما تفسير البغوي فقد امتدحه ابن تيمية وقال: إنه أحسن التفاسير.. وقد حوى قدرًا لا بأس به من الأحاديث المرفوعة.. وهو في مجمله تحرير لتفسير الثعالبي.
وتميز تفسير ابن كثير بالجمع والاختصار والعزو للأصول مع التمحيص والحكم في بعض الأحيان.
أما تفسير السيوطي ففقد قيمته الصناعية لكونه ليس مسندًا، ولو ظهر أصله (ترجمان القرآن) لكان نافعًا.
أما ما سوى هذه الأصول فيكثر فيها الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، ولعل السبب في ذلك ندرة الأحاديث الصحيحة والثابتة المرفوعة، حتى اشتهر عن الإمام أحمد قوله: ثلاثة كتب ليس لها أصول وهي: المغازي ، والتفسير، والملاحم. أخرجه الخطيب في (الجامع) من طريق الميموني.
قال ابن حجر: ينبغي أن يضاف إليها الفضائل فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ إذ كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي، وفي التفسير على مثل مقاتل والكلبي، وفي الملاحم على الإسرائيليات، وأما الفضائل فلا يحصى كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت، وعارضهم جهلة أهل السنة بفضائل معاوية بدأً، وبفضائل الشيخين وقد أغناهما الله وأعلى مرتبتهما عنها. اهـ.
وقد اختلف في مراد أحمد بهذا الحرف.. فحملها الخطيب والذهبي وغيرهما على أن مراده بذلك كتبًا مخصوصة.
قال الخطيب في (الجامع): "وهذا الكلام محمول على وجه، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها ولا موثوق بصحتها، لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصاص فيها، فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) من وجوه مرضية وطرق واضحة جلية.
وأما الكتب المصنفة في تفسير القرآن فمن أشهرها كتابا الكلبي ومقاتل بن سليمان... ولا أعلم في التفسير كتابًا مصنفًا سلم من علة فيه أو عري من مطعن عليه ". اهـ.
ويرى القاسمي: أن معنى ذلك أن الغالب عليها أنها مرسلة. وهو رأي وجيه.
وقد أنكر المحدثون على أهل الزهد والتصوف كثيراً مما ذكروه في كتبهم من الأحاديث الموضوعات، كحال الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين)، وأبي طالب المكي في (قوت القلوب)، وأبي الليث السمرقندي في (تنبيه الغافلين).
وكذلك أنكروا على أهل التفسير ما يوردونه في تفاسيرهم من أحاديث مكذوبة وإسرائيليات باطلة مستشنعة. كحال ما أورده الكلبي ومقاتل في تفسيريهما، وأبو بكر النقاش في (شفاء الصدور)، والثعالبي في (الكشف والبيان)... وفي مصنفاتهم من الكذب ما لا يخفى بطلانه، خاصةً ما كان في باب فضائل الآي والسور، فمن لم يميز يقع في غلط عظيم، وربما اغتر به البعض فنقله، وربما عمل به.
لمحة عن المنهج المتبع :
سيكون معولنا في ما نذهب إليه من كشف علل الأحاديث، على أئمة النقد المتقدمين، الذين مهروا في معرفة العلل، مع ما يفتح الله به من الفهم والمعرفة.. ولما كانت العلل لا توجد إلا في الأحاديث التي يظن بها الصحة، فإن من شرطنا:
عدم إيراد الأحاديث الضعاف البين ضعفها، فهي وإن كانت معلولة، إلا أنه لا يجري عليها مصطلح العلة ، من حيث الخفاء والغموض.
وألا نورد حديثًا صحيحًا من كل وجه لا علة فيه، فدخل معنا بهذا كل حديث صح من وجه وأعل من وجه آخر.
ومن شرطنا (كذلك): عدم إيراد الأحاديث الغرائب التي تفرد بها الثقات أو من دونهم إذ لا وجه للعلة فيها، إلا إذا صُححت وظهر لي في تصحيحها نظر، فأوردها من باب التنبيه على نكارتها.
وألا أتعرض للآثار إلا في أضيق الحدود.. إذ المقصود بأحاديث التفسير هنا الطراز الأول المنقول عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وسوف أتعرض لتراجم الرواة، وبيان أوجه التجريح والتعديل في البعض منهم، ممن يكون للكلام فيه أثر على الحديث، وأعرض عن بقية الرواة الذين لا يظهر لهم أثر في ضعف الرواية أو إعلالها، وسوف يكون ذلك بطريقة مجملة مختصرة.
وأتعرض كذلك لبيان بعض القواعد الحديثية الاصطلاحية.. التي يتم بواسطتها معرفة بعض وجوه العلل.
وربما نبهت على بعض اللطائف الإسنادية، المتعلقة بما أورده من أحاديث.
وربما فسرت الغريب، وذكرت بعض الفوائد إن اقتضى الحال.
على أني لن ألتزم منهجًا معينًا في عرض المادة العلمية، إذ أنه لم يسبق لي أن كتبت في هذا الموضوع، فسأقوم بالكلام على الحديث وفق ما يتفق لي، في كل حديث بحسبه، منتظرًا إفادة القراء ومشاركاتهم لزيادة التحرير.
وسوف أبتدئ (بعون الله تعالى) بآي كتاب الله الكريم آية فآية وسورة فسورة، مقدمًا ما له تعلق بالاستعاذة والبسملة ، مما هو داخل في شرطنا، على أن أفرد لكل حديث مشاركة خاصة، ليتسنى التعقيب لمن أراد ذلك، وليسهل عليَّ الإحالة إلى رقم المشاركة عند الضرورة كتكرار ترجمة أحد الرواة ، أو تكرار ورود الحديث في تفسير آية من الآيات، أو الحاجة للتذكير بقاعدة من قواعد الجرح والتعديل .. ونحو ذلك.
ونحن هنا إنما نطرح هذه العلل لأهل العلم وطلابه، الذين يقدرون هذا الفن ويجلون أصحابه، ونذكر علل الأحاديث نصيحة للدين وحفظًا لسنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وصيانة لها، وتمييزًا مما يدخل على رواتها من الغلط والسهو والوهم، ولا يوجب ذلك طعناً في غير الأحاديث المعلة بل تقوى بذلك الأحاديث السليمة لبراءتها من العلل وسلامتها من الآفات. ونستمد من الله ـ تعالى ـ السداد والتوفيق.
وسوف يكون محل الحلقات إن شاء الله ملتقى أهل التفسير في هذه الشبكة العلمية ؛ لإتاحة المجال للتعقيب والمناقشة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فعلم علل الأحاديث من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها، وعر المسالك ، ضيق المخارج ، تتقاصر عنه الهمم ، لصعوبته وتشعبه، لا يقوم به إلا من رزقه الله ـ تعالى ـ فهمًا ثاقبًا وحفظًا واسعًا ، ومعرفةً تامةً بمراتب الرواة ، وملكة قوية تحيط بتشعب الأسانيد واختلاف المتون، ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن ، كعبدالرحمن بن مهدي، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة، ومسلم، والنسائي، والدارقطني ، وغيرهم رحمهم الله.
فهم أهل النقد العارفين بالنقل، الذائقين كلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالعقل، وهذا العلم مسلم لهم، ولهم فيه معارف وطرق يختصون بها، وقد تناولوا بالنقد كثيرًا من الرواة، وبينوا ما في بعض مروياتهم من العلل، وصنفوا في ذلك المصنفات النافعة.
وهم العارفون بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حقاً، وهم النقاد الجهابذة صدقًا، "الذين ينتقدون انتقاد الصيرفي الحاذق للنقد البهرج من الخالص، وانتقاد الجوهري الحاذق للجوهر مما دلس به".
فلذا قصُرت همم كثير من الناس عن تتبع العلل في الأحاديث، والاكتفاء بالحكم المجمل على الأسانيد والمتون، لوعورة هذا المسلك، وعدم ظهور وجه العلة إلا بعد طول الفحص والنظر.
وهذا المنهج فيه من التجوز الشيء الكثير، فكم من حديث أعله الأئمة ، ولم يقبل هذا بعض الناس ؛ لقصورهم عن فهم وجه العلة في الحديث، فدعاهم هذا إلى رد كلام الأئمة المتقدمين، والتصحيح والتحسين لأحاديث كثيرة، هي عند التمحيص معلولة.
وكم كان هذا الأمر يشغلني كثيرًا عند اطلاعي على أحكام كثير من أخوتنا المعاصرين في هذا الباب ، فلما شرفت بدعوة من أخي الفاضل عبدالرحمن البكري المشرف العام على شبكة التفسير والدراسات القرآنية ، للمشاركة فيما يطرح في هذه الشبكة من مقالات ومشاركات قيمة وأبحاث علمية محررة ، نشطت للكتابة في ما يخص أحاديث التفسير، وبيان عللها.. تمشيًا مع خاصية هذه الشبكة.
وإنما حفزني لذلك أني رأيت بعض الجهود القيمة التي فيها محاولة جمع أحاديث التفسير والكلام عليها، ظهر فيها إهمال جوانب مهمة متعلقة بهذا الباب، سيتضح الكثير منها عند منا قشتنا للأحاديث المعلة.
وحيث إنه كتب في باب العلة الشيء الكثير، فسأكتفي بلمحات حول طرفي العنوان، ثم أختم بمنهجي في عرض الأحاديث وبيان عللها.. ثم أشرع في المراد.
ولربما عرجت على هذا الجانب بدراسة مستفيضة بعد استكمالي الكلام على الأحاديث ـ بإذن الله تعالى ـ إذ إن التعرض لهذا الجانب الآن سيكون فيه جوانب قصور كثيرة.
لمحة عن أحاديث العلل
العلة في اللغة: ذكر ابن فارس في معجمه (مقاييس اللغة): أن لكلمة (أعل) أصولاً ثلاثة صحيحة:
أحدها: التكرر أو التكرير.
الثاني: العائق الذي يعوق.
الثالث: الضعف في الشيء.
ولعل أقربها لاصطلاح المحدثين الأصل الثالث .. فالمراد بالضعف المرض، يقال: علّ المريض، يعِلُّ، علَّة، فهو عليل، وأعله الله فهو مُعل.
ووجه المناسبة أن العلة إذا طرأت على الحديث ظاهر الصحة أعلته، ونزلت به من الصحة إلى الضعف.
والقياس عند أهل اللغة أن يسمى (المُعل) لأنه اسم مفعول من الفعل (أعل).
ويجوز فيه (المعلل) أخذ من الأصل الثاني عند ابن فارس.. يقال: أعله عن كذا أي أعاقه وشغله وألهاه.
وعلى هذا يكون المعنى: الحديث الذي أعاقته العلة ، وشغلته، فلم يعد صالحًا للعمل به.
قال الحافظ العراقي:
[align=center]وسمّ ما بعلةٍ مشمولُ * مُعللاً ولا تقل معلولُ[/align]
وقد اشتهر عند المحدثين تسميته بالمعلول. وإن أنكرهذا ابن الصلاح والنووي والعراقي.
وممن حفظ عنه استخدام هذا البخاري، والترمذي، والدارقطني، وابن عدي، والحاكم، والخليلي، وابن عبدالبر، والبيهقي، والسخاوي.
وسمى ابن حجر كتابه (الزهر المطلول في الخبر المعلول).
وقد خرج لهم البعض وجهًا يصح به ما أطلقوه من جهة اللغة .. قال ابن سيده في (المحكم): " واستعمل أبو إسحاق لفظة (المعلول) في المتقارب من المعروض، والمتكلمون يستخدمون لفظة (المعلول) في مثل هذا كثيرًا ، فلست منها على ثقة ولا ثلَج، لأن المعروف إنما هو (أعله الله فهو معلّ)، اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه، من قولهم : (مجنون) ، و (مسلول) من أنهما جاءا على جننته وسللته ولم يستعملا في الكلام واستغنى عنهما بأفعلت، وإذا قالوا: جُنَّ وسُلَّ فإنما يقولون: جُعل فيه الجنون والسِّل، كما قالوا: حُزن وفُسل". اهـ.
والعلة في اصطلاحهم: تطلق على كل ما فيه علة سواء كانت خفية أو ظاهرة، قادحةً أو غير قادحة، فكل ما فيه علة يصح أن يقال: إن فيه علة، وهذا حديث معلول.
وكل اختلاف في الحديث يمكن أن يسمى علة، سواء كان هذا الاختلاف يؤدي إلى رد الحديث أو عدم رده.
فالمعنى العام إذًا: كل ما حصل فيه قدح في صحة الحديث ، سواءً ضعِّف به الحديث أم لا.
والعلماء النقاد يعبرون بذلك، فيطلقون العلة على العلة الخفية، والعلة الظاهرة، وعلى العلة القادحة، وعلى العلة غير القادحة.
فلذلك سنسلك هذا المسلك، وذلك ببيان أوجه الاختلاف سندًا ومتنًا، حتى وإن لم يكن للعلة أثر على صحة الحديث وضعفه.
فإذا أطلقنا العلة فالمراد المعنى الخاص فإنما نقصد بها العلة الخفية التي تقدح في صحة الحديث.
وعليه فالمعنى الخاص للعلة: ما لا يدخلها ضرب الجرح والتعديل والكلام عن الرواة بالقبول أو الرد من ناحية الضبط أو من ناحية العدالة.
قال الحاكم في (المعرفة) : " إنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل ، فإنَّ حديث المجروح ساقط واهٍ.
وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات، أن يحدثوا بحديث له علة، فيخفى عليهم علمه، فيصير الحديث معلولاً، والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير ". اهـ.
والمعنى العام هو كل ما كان فيه علة، وقلما نستخدمها بهذا المعنى.
وسنتناول في حديثنا النوعين، وإن كان مقصودنا الأسمى النوع الأول.
أجناس العلة:
العلة لها صور بحسب ورودها، وقد قسمها أبوعبدالله الحاكم في كتابه (معرفة علوم الحديث) إلى عشرة أقسام .. وذكرها البلقيني في (محاسن الاصطلاح)، والسيوطي في (تدريب الراوي)، وتتلخص فيما يلي:
أحدها : أن يكون السند ظاهره الصحة، وفيه من لا يعرف بالسماع.
الثاني: أن يكون الحديث مرسلاً من وجه رواه الثقات الحفاظ ، ويسند من وجه ظاهره الصحة.
الثالث: أن يكون الحديث محفوظاً عن صحابي، ويروى عن غيره لاختلاف بلاد رواته كرواية المدنيين عن الكوفيين.
الرابع : أن يكون محفوظاً عن صحابي فيروي عن تابعي، يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحته، بل ولا يكون معروفا من جهته.
الخامس : أن يكون روى بالعنعنة وسقط منه رجل دل عليه طريق أخرى محفوظة.
السادس : أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره، ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد.
السابع : الاختلاف على رجل في تسمية شيخه أو تجهيله.
الثامن : أن يكون الراوي عن شخص أدركه وسمع منه، لكنه لم يسمع منه أحاديث معينة، فإذا رواها عنه بلا واسطة فعلتها أنه لم يسمعها منه.
التاسع : أن تكون طريقه معروفة يروي أحد رجالها حديثاً من غير تلك الطريق، فيقع من رواه من تلك الطريق بناء على الجادة في الوهم.
العاشر : أن يروي الحديث مرفوعاً من وجه وموقوفاً من وجه.
قال الحاكم: وبقيت أجناس لم نذكرها، وإنما جعلنا هذه مثالا لأحاديث كثيرة .
وخلاصة هذا أن العلة ترد في الإسناد وقد ترد في المتن، فإذا وقعت في الإسناد فقد تقدح في المتن وقد لا تقدح ، وورودها في المتن كذلك.
أوجه الكشف عن العلل:
1 ـ جمع روايات الحديث الواحد، والموازنة بينها سندًا ومتنًا، فيظهر من الاتفاق والاختلاف مواطن العلل.
قال الخطيبُ البغداديُّ في (الجامع لأخلاق الراوي): "والسبيلُ إلى معرفةِ علة الحديث أنْ يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط، كما أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأشناني بنيسابور قال: سمعتُ أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي، يقول: سمعتُ عثمان بن سعيد الدارمي، يقول: سمعتُ نعيم بن حماد، يقول: سمعت ابن المبارك، يقول: إذا أردتَ أن يصحَّ لكَ الحديث فاضرب بعضه ببعض".
وقال علي بنُ المديني ـ رحمة الله عليه ـ: "البابُ إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه".
2 ـ النظر في الأسانيد من حيث النقص والزيادة، والعلو والنزول.
3 ـ أن ينص أحد من الأئمة النقاد على علة في الحديث.
4 ـ كمال المعرفة والفهم، التي يعرف بواسطتها أحاديث الرواة، مما ينبه على علل خفية، لا يحتمله الرواة في حديثهم، وهذا ليس إلا للحذاق من الحفاظ، لكثرة ممارستهم للحديث ومعرفتهم، إذ يكثر في قولهم : "هذا الحديث يشبه حديث فلان" .. "وهذا الحديث لا يشبه حديث فلان".
وقال ابن رجب في (شرح علل الترمذي): "معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إمّا في الإسناد، وإمّا في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع ونحو ذلك، وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث".
مظان أحاديث العلل:
من مظان العلل الأحاديث المشهورة، كثيرة التداول، ولذا فلا عجب أن وجدنا العلل في الأحاديث الصحاح بالنظر لكثرة تداولها واختلاف رواتها.
قال الحاكم في (المعرفة) : " وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات، أن يحدثوا بحديث له علة، فيخفى عليهم علمه، فيصير الحديث معلولاً". اهـ.
وقد صنفت فيه مصنفات خاصة من أشهرها:
1 ـ العلل الكبير للترمذي.
2 ـ علل الحديث لابن أبي حاتم .
3 ـ المسند الكبير المعلل للبزار. طبع منه تسعة مجلدات بتحقيق محفوظ الرحمن السلفي ـ رحمه الله ـ وطبع من باقيه العاشر والحادي عشر بتحقيق عادل بن سعد.
4 ـ العلل الواردة في الأحاديث النبوية لأبي الحسن الدارقطني. طبع منه أحد عشر مجلدًا بتحقيق محفوظ الرحمن السلفي ـ رحمه الله ـ والباقي ما زال مخطوطًا.
5 ـ العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي.
ومن مظانها كذلك جامع الترمذي، والسنن الكبرى للنسائي، والضعاء للعقيلي والكامل لابن عدي، وتهذيب الآثار للطبري، والحلية لأبي نعيم، والسنن الكبرى للبيهقي.
ومما يجدر التنبيه إليه أن هناك العدد الكثير من الأحاديث التي لم تكشف عللها بعد، فلا عجب أن وجدنا أحاديث معلولة لم نسبق لتعليلها.
أما من ناحية التقعيد فهناك مصنفات ودراسات كثيرة، منها :
1 ـ شرح علل الترمذي لابن رجب .. وهو عمدة في هذا الباب .. مع مقدمته القيمة للدكتور همام سعيد.
2 ـ الحديث المعلول قواعد وضوابط للدكتور حمزة المليباري.
3 ـ الحديث المعل للدكتور خليل ملا خاطر.
وبعض الدراسات والمداخل القيمة بين يدي بعض الرسائل العلمية التي لها تعلق بعلم العلل، مثل علم علل الحديث من خلال كتاب بيان الوهم والإيهام لإبراهيم بن الصديق ، ومرويات الزهري المعلة للدكتور عبدالله دمفو ، ويعقوب بن شيبة السدوسي آثاره ومنهجه في الجرح والتعديل لعلي لصياح ، الأحاديث التي أعلها الإمام يحيى بن معين من خلال سؤالات الدوري والدارمي وابن محرز وابن الجنيد والدقاق لهشام الحلاف ، وغير ذلك.
لمحة عن أحاديث التفسير:
نشأت أحاديث التفسير مع نشأة علم الرواية، إذ كان من أبرز مهام النبي (صلى الله عليه وسلم) بيان القرآن الكريم، قال تعالى:﴿وأنزلنا إليك الذكرلتُبين للناس ما نُزِّل إليهم﴾. [النحل: 44]. وقال: ﴿وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدىً ورحمةً لقومٍ يؤمنون﴾ [النحل: 64]. فكانت حياته (صلى الله عليه وسلم)، وهديه وسيرته شارحةً للقرآن الكريم، تفسرمجمله، وتخصص عامه، وتقييد مطلقه. وكان الصحابة يتلقون منه القرآن الكريم تلاوة لألفاظه وبيانًا لمعانيه، فجمعوا بين العلم والعمل.
فعن أبي عبدالرحمن السلمي، قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عشر آيات، ولا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العمل والعلم، فإنا علمنا العمل والعلم.
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (29929)، وأحمد برقم (23529).
وهذا يدخل فيه تعليم الإسلام والقرآن والسنن والأحكام .. وهذا هو المعنى العام للتفسير النبوي، ويلتحق به تفسير غيره من كبار الصحابة.
أما المعنى الخاص: فهو يقتصر على ما ورد عنه (صلى الله عليه وسلم) من تفسير لآيات بأعيانها، أوأحاديث فيها تأكيد ما ورد في القرآن الكريم من قصص الأنبياء، وأخبار الأمم الماضية، وأحوال الآخرة، والبعث والنشور، والجنة والنار.
ويلتحق بذلك عندهم ما ورد في فضل بعض الآيات والسور، وأسباب النزول، وبيان الناسخ والمنسوخ، واختلاف القراءات.. وهذا المعنى أخذناه من تصرفات المحدثين في تبويبهم.
وقد اشتهر عن جماعة من الصحابة معرفتهم بالتفسير، وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، ابن عباس، وغيرهم.
وقد تصدر منهم ابن مسعود وابن عباس للإقراء والتفسير، خاصة ابن عباس، وبان فيه أثر دعوته (صلى الله عليه وسلم): "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". أخرجه ابن حبان.
واشتهر من تلاميذه مجاهد (101هـ)، وعكرمة (107هـ)، وعطاء (114هـ)، وطاوس (106هـ)، وجابر بن زيد (93هـ)، وسعيد بن جبير (95هـ).
واشتهر كذلك من التابعين أبو العالية الرياحي (90هـ)، وقتادة بن دعامة السدوسي (110هـ)، والحسن البصري (110هـ)، ومقاتل بن سليمان (105هـ)، والضحاك بن مزاحم (105هـ).
ويليهم طبقة السدي الكبير (127هـ)، والربيع بن أنس (140هـ).
وهؤلاء لهم نسخ منثورة عن غير واحدٍ من الصحابة، وقد اشتهر في هذه الفترة تصنيف بعضهم لذلك، كما ورد من تصنيف سعيد بن جبير استجابة لطلب عبدالملك بن مروان، ثم ظهر التصنيف في طبقة تلي هؤلاء بصورة أشمل، من هذه المصنفات:
1 ـ تفسير معمر بن راشد (154هـ).
2ـ تفسير سعيد بن أبي عروبة (156هـ).
3 ـ تفسير الحسين بن واقد المروزي (159هـ).
4 ـ تفسيرزائدة بن قدامة (160هـ).
5 ـ تفسير سفيان الثوري (161هـ).
6 ـ تفسير إبراهيم بن طهمان (168هـ).
7 ـ تفسير عبدالله بن المبارك (181هـ).
8 ـ تفسير هشيم بن بشير (183هـ).
9 ـ تفسير سفيان بن عيينة (198هـ).
10 ـ تفسير عبدالرزاق الصنعاني (211هـ).
11 ـ تفسير ابن أبي شيبة (235هـ).
وقد حوت هذه المصنفات التفسير النبوي، وتفسيرالصحابة والتابعين، وكانت عمدة من أتى بعدهم من مصنفي السنن والتفاسير، يبين هذا سياقهم لأسانيد مروياتهم، وهو ما يعرف في عصرنا هذا بالموارد.
وقد اعتنى المحدثون بأحاديث التفسير فضمنوها مصنفاتهم، لا فرق بين أصنافها ومسانيدها، وكانت من أهم مقاصد مصنفي الأبواب .. فهذا البخاري في (الجامع الصحيح) عقد كتابًا للتفسير أورد فيه (472) بابًا من أبواب التفسير مرتبةً على حسب سور القرآن الكريم وآيه.
قال الحافظ في الفتح (2/743): " اشتمل كتاب التفسيرعلى خمسمئة حديث وثمانية وأربعين حديثا من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها، الموصول من ذلك أربعمئة حديث وخمسة وستون حديثا، والبقية معلقة وما في معناه، المكرر من ذلك فيه وفيما مضى أربعمئة وثمانية وأربعون حديثا، والخالص منها مئة حديث وحديث، وافقه مسلم على تخريج بعضها، ولم يخرج أكثرها لكونها ليست ظاهرة في الرفع، والكثير منها من تفاسير بن عباس رضي الله تعالى عنهما وهي ستة وستون".
ثم أردفه بكتاب (فضائل القرآن) وقد ضمنه (37) بابًا.
قال الحافظ في الفتح (9: 103): " اشتمل كتاب فضائل القرآن من الأحاديث المرفوعة على تسعة وتسعين حديثا، المعلق منها وما التحق به من المتابعات تسعة عشر حديثا، والباقي موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ثلاثة وسبعون حديثا... وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة آثار والله أعلم ".
ونجد الترمذي في (جامعه) عقد كتابًا في (فضائل القرآن) وأورد فيه (25) بابًا، وفيها قرابة (61) روايةً.
.. ثم تلاه بكتاب القراءات وأورد فيه (13) بابًا، وفيها (27) روايةً .. ثم أعقبهما بكتاب التفسير وأورد فيه (95) بابًا، وفيها قرابة (484) روايةً.
ومن أوسع ما ذكر ضمن كتب السنة الأصول كتاب تفسير النسائي، وهو أحد الكتب الجامعة ضمن سننه الكبرى، ذكر فيه ما يزيد على (420) بابًا، وفيها ما يقارب (735) رواية.
وذكر قبله بعدة أبواب كتاب فضائل القرآن ضمنه (61) بابًا، وفيها (93) رواية، وأبواب قراءة القرآن وفيه (55) رواية.
ضمن هذه الأبواب مجتمعة مئات الآثار، وقليل من الأحاديث المرفوعة الصحيحة وبعض الأحاديث الضعيفة والمعلولة، وستكون تعليلاته (رحمه الله) من مواردنا في هذه المقالات.
ثم برزت التفاسير الجامعة للتفسير بالمأثور كتفسير ابن جرير الطبري ، وتفسير ابن أبي حاتم، وحوى هذان التفسيران كثيرًا من تفاسير التابعين المنثورة، وكانا عمدة كل من أتى بعدهما من مصنفي التفسيربالمأثور، وطيلة القرون اللاحقة لم يخب نور هذين الكتابين وبقيا أهم مصدرين لجميع الدراسات في مجال التفسير وعلوم القرآن إلى يومنا هذا.
ومن التفاسير المشهورة ـ كذلك ـ تفسير البغوي، وتفسير ابن كثير، والدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي .
فأما تفسير البغوي فقد امتدحه ابن تيمية وقال: إنه أحسن التفاسير.. وقد حوى قدرًا لا بأس به من الأحاديث المرفوعة.. وهو في مجمله تحرير لتفسير الثعالبي.
وتميز تفسير ابن كثير بالجمع والاختصار والعزو للأصول مع التمحيص والحكم في بعض الأحيان.
أما تفسير السيوطي ففقد قيمته الصناعية لكونه ليس مسندًا، ولو ظهر أصله (ترجمان القرآن) لكان نافعًا.
أما ما سوى هذه الأصول فيكثر فيها الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، ولعل السبب في ذلك ندرة الأحاديث الصحيحة والثابتة المرفوعة، حتى اشتهر عن الإمام أحمد قوله: ثلاثة كتب ليس لها أصول وهي: المغازي ، والتفسير، والملاحم. أخرجه الخطيب في (الجامع) من طريق الميموني.
قال ابن حجر: ينبغي أن يضاف إليها الفضائل فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ إذ كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي، وفي التفسير على مثل مقاتل والكلبي، وفي الملاحم على الإسرائيليات، وأما الفضائل فلا يحصى كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت، وعارضهم جهلة أهل السنة بفضائل معاوية بدأً، وبفضائل الشيخين وقد أغناهما الله وأعلى مرتبتهما عنها. اهـ.
وقد اختلف في مراد أحمد بهذا الحرف.. فحملها الخطيب والذهبي وغيرهما على أن مراده بذلك كتبًا مخصوصة.
قال الخطيب في (الجامع): "وهذا الكلام محمول على وجه، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها ولا موثوق بصحتها، لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصاص فيها، فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) من وجوه مرضية وطرق واضحة جلية.
وأما الكتب المصنفة في تفسير القرآن فمن أشهرها كتابا الكلبي ومقاتل بن سليمان... ولا أعلم في التفسير كتابًا مصنفًا سلم من علة فيه أو عري من مطعن عليه ". اهـ.
ويرى القاسمي: أن معنى ذلك أن الغالب عليها أنها مرسلة. وهو رأي وجيه.
وقد أنكر المحدثون على أهل الزهد والتصوف كثيراً مما ذكروه في كتبهم من الأحاديث الموضوعات، كحال الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين)، وأبي طالب المكي في (قوت القلوب)، وأبي الليث السمرقندي في (تنبيه الغافلين).
وكذلك أنكروا على أهل التفسير ما يوردونه في تفاسيرهم من أحاديث مكذوبة وإسرائيليات باطلة مستشنعة. كحال ما أورده الكلبي ومقاتل في تفسيريهما، وأبو بكر النقاش في (شفاء الصدور)، والثعالبي في (الكشف والبيان)... وفي مصنفاتهم من الكذب ما لا يخفى بطلانه، خاصةً ما كان في باب فضائل الآي والسور، فمن لم يميز يقع في غلط عظيم، وربما اغتر به البعض فنقله، وربما عمل به.
لمحة عن المنهج المتبع :
سيكون معولنا في ما نذهب إليه من كشف علل الأحاديث، على أئمة النقد المتقدمين، الذين مهروا في معرفة العلل، مع ما يفتح الله به من الفهم والمعرفة.. ولما كانت العلل لا توجد إلا في الأحاديث التي يظن بها الصحة، فإن من شرطنا:
عدم إيراد الأحاديث الضعاف البين ضعفها، فهي وإن كانت معلولة، إلا أنه لا يجري عليها مصطلح العلة ، من حيث الخفاء والغموض.
وألا نورد حديثًا صحيحًا من كل وجه لا علة فيه، فدخل معنا بهذا كل حديث صح من وجه وأعل من وجه آخر.
ومن شرطنا (كذلك): عدم إيراد الأحاديث الغرائب التي تفرد بها الثقات أو من دونهم إذ لا وجه للعلة فيها، إلا إذا صُححت وظهر لي في تصحيحها نظر، فأوردها من باب التنبيه على نكارتها.
وألا أتعرض للآثار إلا في أضيق الحدود.. إذ المقصود بأحاديث التفسير هنا الطراز الأول المنقول عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وسوف أتعرض لتراجم الرواة، وبيان أوجه التجريح والتعديل في البعض منهم، ممن يكون للكلام فيه أثر على الحديث، وأعرض عن بقية الرواة الذين لا يظهر لهم أثر في ضعف الرواية أو إعلالها، وسوف يكون ذلك بطريقة مجملة مختصرة.
وأتعرض كذلك لبيان بعض القواعد الحديثية الاصطلاحية.. التي يتم بواسطتها معرفة بعض وجوه العلل.
وربما نبهت على بعض اللطائف الإسنادية، المتعلقة بما أورده من أحاديث.
وربما فسرت الغريب، وذكرت بعض الفوائد إن اقتضى الحال.
على أني لن ألتزم منهجًا معينًا في عرض المادة العلمية، إذ أنه لم يسبق لي أن كتبت في هذا الموضوع، فسأقوم بالكلام على الحديث وفق ما يتفق لي، في كل حديث بحسبه، منتظرًا إفادة القراء ومشاركاتهم لزيادة التحرير.
وسوف أبتدئ (بعون الله تعالى) بآي كتاب الله الكريم آية فآية وسورة فسورة، مقدمًا ما له تعلق بالاستعاذة والبسملة ، مما هو داخل في شرطنا، على أن أفرد لكل حديث مشاركة خاصة، ليتسنى التعقيب لمن أراد ذلك، وليسهل عليَّ الإحالة إلى رقم المشاركة عند الضرورة كتكرار ترجمة أحد الرواة ، أو تكرار ورود الحديث في تفسير آية من الآيات، أو الحاجة للتذكير بقاعدة من قواعد الجرح والتعديل .. ونحو ذلك.
ونحن هنا إنما نطرح هذه العلل لأهل العلم وطلابه، الذين يقدرون هذا الفن ويجلون أصحابه، ونذكر علل الأحاديث نصيحة للدين وحفظًا لسنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وصيانة لها، وتمييزًا مما يدخل على رواتها من الغلط والسهو والوهم، ولا يوجب ذلك طعناً في غير الأحاديث المعلة بل تقوى بذلك الأحاديث السليمة لبراءتها من العلل وسلامتها من الآفات. ونستمد من الله ـ تعالى ـ السداد والتوفيق.
وسوف يكون محل الحلقات إن شاء الله ملتقى أهل التفسير في هذه الشبكة العلمية ؛ لإتاحة المجال للتعقيب والمناقشة.