علة حديث: (خلق الله التربة يوم السبت)

إنضم
13/05/2025
المشاركات
50
مستوى التفاعل
8
النقاط
8
الإقامة
صنعاء - اليمن
علة حديث: (خلق الله التربة يوم السبت)

روى الإمام مسلم في صحيحه (2789) من طريق ابن جُريج قال: أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: (خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة، في آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل)، وروى هذا الحديث أحمد بن حنبل في مسنده (8341) والنسائي في السنن الكبرى (10943) وابن خزيمة في صحيحه (1731) وابن حبان في صحيحه (6161) وغيرهم، كلهم من طريق ابن جُريج به، ورواه النسائي في السنن الكبرى (11328) من طريق الأخضر بن عجلان عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة، ورواية الأخضر عن ابن جريج خطأ، فقد خالف ثقتين هما حجاج بن محمد وهشام بن يوسف رويا الحديث عن ابن جريج عن إسماعيل عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة ، والصواب قولهما، يُنظر: الأنوار الكاشفة للمعلمي (ص: 192) وتحقيق مسند أحمد للأرناؤوط (14/ 83).

وروى الحاكم حديث التربة في كتابه معرفة علوم الحديث (ص: 33) بإسناد ضعيف جدًا من طريق إبراهيم بن أبي يحيى، قال إبراهيم: شبك بيدي صفوان بن سليم، وقال صفوان: شبك بيدي أيوب بن خالد الأنصاري، وقال أيوب: شبك بيدي عبد الله بن رافع، وقال عبد الله: شبك بيدي أبو هريرة، وقال أبو هريرة: شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وقال: (خلق الله الأرض يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الاثنين، والمكروه يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، والدواب يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة). قلت: إبراهيم بن أبي يحيى متروكٌ عند كثير من المحدثين، ضعفه غير واحد من علماء الحديث، وبعضهم كذَّبه، وبعضهم وثقة، والأرجح ضعفه، فقد كان يروي أحاديث ليس لها أصل، يُنظر ترجمته بتفصيل في ميزان الاعتدال للذهبي (1/ 57 - 61)، وأيوب بن خالد سيأتي ذكر من ضعَّفه، ولم يُخرج له مسلم إلا هذا الحديث الواحد فقط، وهو مقل جدًا، ليس له في الكتب التسعة إلا أربعة أحاديث فقط، أحدها حديث التربة الذي رواه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده.

وحديث التربة رجح الإمام البخاري أنه لا يصح، وأنه من الإسرائيليات، قال الإمام البخاري في التاريخ الكبير (1/ 413): "روى إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد الأنصاري عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله التربة يوم السبت)، وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح".

وروى هذا الحديث البيهقي في الأسماء والصفات (812) ثم قال: "هذا حديث قد أخرجه مسلم في كتابه، وزعم بعض أهل العلم بالحديث أنه غير محفوظ؛ لمخالفته ما عليه أهل التفسير وأهل التواريخ، وزعم بعضهم أن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أيوب بن خالد، وإبراهيم غير محتج به"، ثم روى البيهقي عن علي ابن المديني أنه قال: "ما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا عن إبراهيم بن أبي يحيى". قال البيهقي: "وقد تابعه على ذلك موسى بن عُبيدة الربذي عن أيوب بن خالد إلا أن موسى بن عُبيدة ضعيف، وروي عن بكر بن الشرود عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم عن أيوب بن خالد، وإسناده ضعيف، والله أعلم".

وقال المُلا علي القاري في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (ص: 456، 457): "حديث أبي هريرة: (خلق الله التربة يوم السبت ...) الحديث هو في صحيح مسلم، ولكن وقع الغلط في رفعه، وإنما هو من قول كعب الأحبار، كذلك قال إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه الكبير، وقاله غيره من علماء المسلمين أيضًا، وهو كما قالوا؛ لأن الله أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وهذا الحديث يتضمن أن مدة التخليق سبعة أيام!".

وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (17/ 235، 236): "وأما الحديث الذي رواه مسلم في قوله: (خلق الله التربة يوم السبت) فهو حديث معلول، قدح فيه أئمة الحديث كالبخاري وغيره، وقال البخاري: الصحيح أنه موقوف على كعب الأحبار، وقد ذكر تعليله البيهقي أيضًا، وبينوا أنه غلط، ليس مما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مما أنكر الحذَّاق على مسلم إخراجه إياه كما أنكروا عليه إخراج أشياء يسيرة".

وقال ابن كثير في تفسيره (1/ 215): "هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعًا، وقد حرر ذلك البيهقي".

وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيق مسند أحمد (14/ 82): "الأصح أن هذا الحديث موقوف على كعب الأحبار، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم".

وممن رجح القول بعدم صحة حديث: (خلق الله التربة يوم السبت)، وأنه من الإسرائيليات: العلامة ابن القيم وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء، كما في فتوى وقَّع عليها: عبد العزيز بن باز وعبد العزيز آل الشيخ وعبد الله بن غديان وبكر أبو زيد وصالح الفوزان. يُنظر: فتاوى اللجنة الدائمة - 2 (1/ 10).

وبعض العلماء رجحوا صحة حديث التربة، ووجهوه بما لا يخالف القرآن الكريم كالعلامة عبد الرحمن المعلمي في كتابه القيم الأنوار الكاشفة (ص: 188 - 193)، والدكتور عبد القادر السندي في رسالته إزالة الشبهة عن حديث التربة، ومحدث العصر الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/ 449، 450).

والأقرب قول من رجَّح أن الحديث من الإسرائيليات، ويؤيد ذلك ما رواه ابن منده في كتاب التوحيد (1/ 183) من طريق أبي حاتم الرازي قال: حدثنا عمرو بن عون قال: حدثنا خالد بن عبد الله عن سليمان الشيباني عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أخيه [كذا، وصوابه: عن أبيه] عبد الله بن عتبة قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن في الجمعة لساعة لا يسأل الله عز وجل عبد فيها شيئًا إلا أعطاه)، فقال عبد الله بن سلام: إن الله عز وجل ابتدأ الخلق، فخلق الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق السموات يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، وخلق الأقوات وما في الأرض من شيء يوم الخميس ويوم الجمعة، وفرغ من ذلك صلاة العصر، فتلك الساعة ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس. رواه جماعة عن سليمان الشيباني منهم أبو حمزة السكري، ورواه ابن أبي ذئب وابن عجلان وغيرهما عن سعيد المقبري عن أبيه عن عبد الله بن سلام قوله. انتهى كلام ابن منده. وإسناده الأول صحيح عن أبي هريرة، وفيه التمييز بين الحديث المرفوع وقول عبد الله بن سلام، وإسناده الثاني أيضًا صحيح عن عبد الله بن سلام، ورواه البيهقي في الأسماء والصفات (810 ) من طريق محمد بن بكير الحضرمي قال: حدثنا خالد عن الشيباني به من قول عبد الله بن سلام كما رواه ابن منده، فهذه الرواية تبين أن أصل حديث التربة من الإسرائيليات، نقله عبد الله بن سلام وكعب الأحبار، وقد كانا من اليهود فأسلما، وفي قول عبد الله بن سلام تفصيل الخلق في ستة أيام لا في سبعة أيام، وهذه الرواية أولى من رواية أيوب بن خالد التي جعلها مرفوعة، وذكر فيها تفصيل الخلق في سبعة أيام، فلعل أحد الرواة أخطأ في رواية الخبر الإسرائيلي، فذكره بما يخالف رواية عبد الله بن سلام، والله أعلم.

وقد ضعف بعض العلماء حديث التربة لتفرد أيوب بن خالد بروايته، وهو راو فيه لين، ولم يخرج له مسلم إلا هذا الحديث فقط، وقيل: أيوب بن خالد اثنان: أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري، وأيوب بن خالد بن صفوان الأنصاري، قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (1/ 401): "أيوب بن خالد بن صفوان بن أوس بن جابر الأنصاري ... فرَّق أبو زرعة وأبو حاتم بين أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري يروي عن أبيه عن جده، وبين أيوب بن خالد بن صفوان، وجعلهما ابن يونس واحدًا. قلت: وسبب ذلك أن خالد بن صفوان والد أيوب أمه عمرة بنت أبي أيوب الأنصاري، فهو جده لأمه، فالأشبه قول ابن يونس، فقد سبقه إليه البخاري، وذكره ابن حبان في الثقات، ورجحه الخطيب، وقال الأزدي: أيوب بن خالد ليس حديثه بذاك، تكلم فيه أهل العلم بالحديث، وكان يحيى بن سعيد ونظراؤه لا يكتبون حديثه".

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (2/ 1064): "أيوب بن خالد بن صفوان بن أوس الأنصاري النجاري المدني، نزيل برقة، عن: أبيه، وجابر، وزيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة. وعنه: عمر مولى غفرة، وإسماعيل بن أمية، وموسى بن عبيدة، ويزيد بن أبي حبيب. وهو راوي حديث: (خلق الله التربة يوم السبت) الذي رواه مسلم".

وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (ص: 118): " أيوب بن خالد بن صفوان بن أوس بن جابر الأنصاري المدني، نزيل برقة، ويعرف بأيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري، وأبو أيوب جده لأمه عمرة، فيه لين".

فتبين بهذا أن حديث التربة لا يصح لثلاثة أمور:

1 - أيوب بن خالد تفرد به، وفيه لين كما قال ابن حجر، ونقل الأزدي تضعيف أهل الحديث له، وأن يحيى بن سعيد القطان وغيره من المحدثين كانوا لا يكتبون حديثه لضعفه، فالقلب لا يطمئن لتفرده بمثل هذا الحديث، لا سيما مع مخالفة روايته لما جاء عن عبد الله بن سلام من قوله .

2 – أنه ورد ما يدل على أن أصل هذا الكلام من الإسرائيليات، وليس من قول النبي عليه الصلاة والسلام، وتقدم تصحيح البخاري أنه من قول كعب، والبخاري واسع الرواية والمعرفة بعلل الحديث.

3- مخالفته لظاهر القرآن الكريم، ففي حديث التربة أن خلق الأرض والنور وغير ذلك تم في سبعة أيام، وقد أخبرنا الله سبحانه أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، لا في سبعة أيام، ولو سَلِم الحديث من العلتين السابقتين لأمكن التوفيق بينه وبين ظاهر القرآن الكريم كما فعل ذلك من صحح الحديث من أهل العلم.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.​
 
جزاكم الله خير الجزاء

وأيضاً متن الحديث خالف القرآن في القول بخلق النبات قبل النور، وعلمياً النبات بحاجة لضوء الشمس للبناء الضوئي، وهذه العلاقة العلمية يحترمها القرآن ويذكرها في أكثر من موضع؛

1. قال تعالي {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }الجاثية5.
الآية فيها دليل على أهمية الليل والنهار لعملية الإنبات، فقد جعل الله إحياء الأرض بالرزق النازل من السماء، وقدم عليه ذكر عُنصر آخر لم يكن معلوم في زمن النبي صلي الله عليه و سلم، له أهمية خاصة في إحياء الأرض وإنبات النبات، وهو اختلاف الليل والنهار، قال الشوكاني في فتح القدير ( قوله { وما أنزل الله من السماء من رزق } معطوف على إختلاف الليل و النهار، والرزق المطر، ومنفعة رزق السماء للنبات معطوفة علي منفعة اختلاف الليل و النهار، و لا تتم إلا به، ولذا ربط الله بينهما (انتهى بإختصار).

2. ربما قال قائل لعل هذا الربط السابق بين تعاقب الليل والنهار هو من قبيل الصُدفة، ولعل الآية لم تقصد الربط بين اختلاف الليل و النهار و مسألة إنبات النبات !!!
فأقول وبالله التوفيق، لو كان صُدفة لما جاء في القرآن إلا مرة واحدة، ولكن هذا الربط تكرر أيضاً في آية البقرة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وبث فيها من كل دابة}.

فقدم الله في هذه الآية أيضاً ذكر إختلاف الليل والنهار على ذكر إنزال الماء وإحياء الأرض بعد موتها ثم بث الدواب، فبدون الشمس وتعاقب الليل والنهار لن يكون هناك إنبات، لحاجة النبات لعملية البناء ضوئي للحصول على الطاقة اللازمة لجميع عملياته الحيوية، وباقي دواب الأرض تعتمد على النبات كمصدر أساسي للطاقة حيث لا يستطيع الحيوان أخذ طاقته من الشمس مباشرة وهذا أمر معلوم في السلسلة الغذائية.

3. واليكم الدليل الفصل على أن اخراج نبات الأرض (المرعى) لم يتم إلا بعد خلق الليل والنهار، وخلق السماوات بأجرامها، وذلك في سورة النازعات (ءَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا. رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا. وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا. وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا).

يقول الطبري نقلا عن ابن عباس في إخراج المرعى بعد بناء السماء وإخراج ضحاها
)أن الله خلق السماوات والأرض، فلما فرغ من السماوات قبل أن يخلق أقوات الأرض فيها بعد خلق السماء، وأرسى الجبال، يعني بذلك دحْوَها الأقوات، ولم تكن تصلح أقوات الأرض ونباتها إلا بالليل والنهار).
 
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا جزيلا للدكتور محمد المطري وجزاك الله خيرا لهذا التفصيل الدقيق.

احب ان اطرح مداخله حول هذا الموضوع وهي كالتالي:
قرأت هذا الحديث .. وانا شخصياً اجد فيه تناقض كبير مع ما ورد بالقران الكريم وكذلك مع العلوم القائمة وذلك للحقائق التالية:-
1- الحقيقة الأولى:
بحسب تقسيم وتصنيف الموارد الطبيعية الى ثلاث مجموعات ( المواد العضوية - المواد اللاعضوية - المواد العضوية واللاعضوية) صنفت التربة على انها من المواد (العضوية واللاعضوية) ليس ذلك فحسب بل هي المادة الوحيدة المصنفة بهذا التقسيم حيث تشير المواد العضوية الى جميع الكائنات الحية، بينما المواد اللاعضوية فتشير الى المواد الغير عضوية مثل المعادن والاملاح والرمل والاحجار وغيرها.
لماذا صنفت بهذا التصنيف؟
ذلك لأنها تتضمن بقيا من المواد العضوية وهي بقايا المواد المترسبة من الكائنات الحية.. وكذلك تتضمن مواد من المعادن والاملاح والرمل وخلافها وهي مواد مترسبة من الصخور وبقية العناصر الكيميائية، هذا الامر جعل منها تربة صالحة للزراعة، عملية تكون التربة تطلبت وقت طويل.

2- الحقيقة الثانية:
خلقت الأرض في يومين وما زالت السماء دخان، ولم تقدر اقواتها وارزاقها الا في الأيام الأربعة اللاحقة، لقوله تعالى (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)).
أي ان الأرض خلال اليومين الأولى لازالت في طور التكوين، رغم ان خلقها اكتمل لكن لم تظهر قشرتها الأرضية الا في الأيام الأربعة اللاحقة والمشار اليها في الآية بقوله ( وجعل فيها رواسي من فوقها ) والرواسي كما اشرت بموضوع طرحته سابقاً في هذا الموقع الى انها تعني القشرة الأرضية وليس الجبال فالجبال ذكرها الله بالقران باسمها بنحو 34 مرة ومن ضمنها قوله تعالى (والجبال ارساها) وهذا لا يعني ان الجبال هي الرواسي فالله سبحانه وتعالى دقيق في اختيار المسميات واللفظ .. فالجبال يسميها بمسماها الجبال اما الرواسي ذكرت 9 مرات بالقران الكريم .. وهذا العدد متناسب مع عدد صفائح القشرة الأرضية المكتشفة (كبيرة ومتوسطة) والبالغ مجموعها تسع مع اهمال الصغيرة، كلمة رواسي هي صفة توضح حال القشرة الأرضية من الرسو والطفو اي انها راسية على سطح الأرض لان ما تحت صفائح القشرة الأرضية ليس ثابت اصلن.

الاستنتاج:
من هذا المنطلق وبحسب الآيات السابقة نستنتج ان القشرة الأرضية وما تحتويه من تراب لم تخلق الا في الأيام الأربعة اللاحقة.

واذا افترضنا صحة الحديث فلن يكون المقصود بالتراب هو التراب بالمعنى الحرفي ولكن قد يقصد به طبقات الأرض التي تكونت منها القشرة الأرضية والتراب الذي نعرفه لاحقا،

مع ذلك لا يزال هذا الحديث محل جدل فحسب الحديث يفترض ان خلق ادام كان في اخر يوم (يوم الجمعة) بينما تشير علوم الجولوجيا بان عمر الأرض يمتد لملايين السنين ومرت بأكثر من عصر مثل العصر الجليدي والطبشوري وخلافة، وتحدد العلوم بان تاريخ الانسان على الأرض يمتد الى نحو 70 الف سنه، واذا افترضنا ان خلق ادم تم بالفعل في اخر يوم وهو يوم الجمعة فهذا يعني ان ادم عليه السلام وامنا حواء عاشا في الجنة لمدة طويله جدا قبل ان يتم انزالهم الى الأرض، ولا اظن ان هذا ما حدث،
خلق ادم تم يوم الجمعة للحديث الوارد في صحيح مسلم (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة" ويوم الجمعة اخر يوم في خلق السماوات ليس بالشرط والضرورة ان يكون هو نفس يوم الجمعة الذي خلق الله فيها ادم وانزل فيها.

من ناحية أخرى هل يقصد باليوم يوم من أيامنا نحن ام يوم من أيام الله سبحانه وتعالى الذي تعادل الف سنه مما نعد .. فلو كان اليوم بألف سنه فكيف نسمي اليوم الأول من الخلق الذي امتد لألف عام بيوم السبت، بينما الأيام لدينا هي أسبوعية فالسبت يوم، ويوم الجمعة يوم وفيه خلق الله ادم.
هذا الحديث سبب حالة من الارباك لعلماء الجيولوجيا والفلك حيث ان افتراض نزول ادم عليه السلام في اخر يوم من خلق السماوات والأرض ... أي اليوم السادس يجعل عمر الكون والأرض لا يتجاوز 14 يوم أي أربعة عشر الف سنه ( سته أيام لخلق السماوات والأرض + اقدم حضارة مكتشفة قبل الميلاد 5000 سنه+ 2000 سنة بعد الميلاد)

تقبلوا خالص التقدير
وليد احمد الغشم
 



توهم بطلان حديث "خلق الله التربة يوم السبت" (*)

مضمون الشبهة:

يتوهم بعض الناس بطلان حديث «خلق الله التربة يوم السبت» والذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد عصر يوم الجمعة».

مستدلين على ذلك بأن أهل الحديث استنكروا هذا الخبر، فضعفه البخاري بقوله: وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب وهو الأصح، وأن هذا الحديث يتعارض مع ما جاء به القرآن الكريم من قوله عز وجل: )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام( (يونس: ٣)، وقوله عز وجل: )ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب (38)( (ق)، إذ إن الحديث قد جعل خلق الأرض وحدها قد استغرق سبعة أيام، بينما أثبت القرآن في أكثر من موضع أن خلق السماوات والأرض معا كان في ستة أيام.

بالإضافة إلى أن هذا الحديث مخالف للآثار القائلة: إن أول الستة يوم الأحد وهو الذي نزل عليه أسماء الأيام: الأحد، الإثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس.

وجوه إبطال الشبهة:

1) لقد أكد العلماء على صحة الحديث سندا، فقد رواه مسلم في صحيحه، ورواه الإمام أحمد في مسنده، والنسائي، وابن مردويه، وابن أبي حاتم وغيرهم، وصحح إسناده أحمد شاكر والألباني والمعلمي اليماني، أما قول البخاري: "وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب الأحبار، وهو أصح " - فإنه لا يقدح في صحة رواية مسلم، وإنما هو من قبيل الأصح والصحيح، والأصح مقدم على الصحيح.

2) إن التفصيل الذي في الحديث الشريف غير التفصيل الذي في الآيات التي تتحدث عن خلق السماوات والأرض، لذلك فالواجب هو ضم أحدهما للآخر كما ذكر أهل العلم ذلك، كما أن خلق آدم لا يعد من الأيام الستة؛ لأن الأرض قد خلقت قبل خلقه ودبت عليها الحياة قبله بدليل قوله تعالى: )وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة( (البقرة:٣٠) كما أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إلى خلق السماوات، وإن لم ينص على ذكرها وذلك في يومي الأربعاء والخميس؛ لأن النور والحرارة تحتاجهما الدواب ومصدرهما الأجرام السماوية.

3) ليس هناك دليل على أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد، وما روي في ذلك من أحاديث مرفوعة لا تصح، وعامتها مأخوذة من الإسرائيليات، وكانت هذه التسمية قبل الإسلام تقليدا لأهل الكتاب، وهي تسمية طارئة؛ لأنها كانت في اللغات القديمة غير ذلك.

التفصيل:

أولا. الحديث صحيح سندا ولا مطعن فيه:

إن حديث "خلق الله التربة" حديث صحيح، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه قال: حدثني سريج بن يونس، وهارون بن عبد الله، قالا: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال: خلق الله - عز وجل - التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم - عليه السلام - بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل»[1].

ثم قال مسلم: "قال إبراهيم: حدثنا البسطامي (وهو الحسين بن عيسى)، وسهل بن عمار، وإبراهيم بن بنت حفص، وغيرهم عن حجاج بهذا الحديث"[2].

ورواه الإمام أحمد في مسنده بالسند نفسه عن حجاج أيضا[3]، ورواه الإمام النسائي[4]، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن جرير، وغيرهم.

فالحديث - بداية - صحيح، أما ما وجه إليه من طعن في السند فهو مردود عليه بحمد الله، ولنبدأ بإسماعيل بن أمية راوي الحديث، فقد عدله المزي صاحب تهذيب الكمال فنقل آراء النقاد فيه، ومنهم أن يحيى بن معين، وأبا زراعة، وأبا حاتم، والنسائي، ومحمد بن سعد قد وثقه جميعهم.

وقال عنه أحمد بن حنبل: إسماعيل أقوى وأثبت في الحديث من أيوب، وقال - أيضا: أيوب ابن عم إسماعيل، وإسماعيل أكبر منه، وأحب إلي[5].

أما أيوب بن خالد والذي روى الحديث عنه إسماعيل بن أمية فقد قال عنه الألباني أثناء تصحيحه الحديث ردا على من أعل الحديث بأيوب بن خالد؛ لأن فيه لينا فقال: "ليس بشيء، فإنه لم يضعفه أحد سوى الأزدي، وهو نفسه لين عند المحدثين، فتبينه"[6].

وقال المعلمي اليماني: وأيوب لا بأس به، وصنيع ابن المديني يدل على قوته عنده"[7].

وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة ثقة، فقد وثقه العجلي، وأبو زرعة والنسائي وابن حبان[8].

هذا عن رجال الإسناد، بقي أن نوضح أن قول الإمام البخاري: "وهو أصح" لا يفيد إنكار الحديث أو تضعيفه - كما قالوا - وإنما هو من قبيل الصحيح والأصح؛ فأفعل التفضيل "أصح" لا تفيد التضعيف على الإطلاق، وقد علق الشيخ الألباني على قول الإمام البخاري: "وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح" - بقوله: "فمن هذا البعض؟ وما حاله في الضبط والحفظ حتى يرجح على رواية عبد الله بن رافع؟! وقد وثقه النسائي وابن حبان، واحتج به مسلم، وروى عنه جمع، ويكفي في صحة الحديث أن ابن معين رواه ولم يعله بشيء![9].

وهذا ما أكده د. سعد المرصفي قائلا: "قال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح، أي إنه وهم فيه أيوب على احتمال، ولم يجزم بخطئه، كما زعم شيخ المحدثين - على زعم من ادعى ذلك - قال: وهو أصح، وأفعل التفضيل لم ينف الصحة عن حديث أيوب، فهو من قبيل صحيح وأصح، والأصح مقدم على الصحيح، وهذا هو كلام المحدثين، مع علمهم أن تعليلهم للحديث لم يسلم عند كثيرين من المحدثين غيرهم، وعلى رأسهم مسلم، والنسائي وأحمد[10].

وتأسيسا على أقوال علماء الحديث الثقات في رجال هذا الحديث وبيان حقيقة قول البخاري نستطيع أن نؤكد أن حديث «خلق الله التربة» صحيح سندا، ولا يقدح فيه أي قول، ويتأكد ذلك أكثر بعد بيان صحة ما جاء به متن الحديث، وذلك في الوجهين الآتيين.

ثانيا. لا تعارض بين الحديث والقرآن في شيء:

لقد ظن بعض الناس أن حديث «خلق الله التربة يوم السبت»[11] يتعارض مع قوله عز وجل: )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام( وقوله تعالى: )هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش( (الحديد:٤)، وهذا ظن خاطئ منهم؛ لأن الآيات تتكلم عن خلق السماوات والأرض إجمالا، أما الحديث فإنه يفصل ما خلق في أيام خلق الأرض الأربعة التي ذكرت في الآيات، لهذا نجد جمعا كبيرا من علماء الأمة جعل ابتداء الخلق يوم السبت، وانتهاءه يوم الخميس، فهذه ستة أيام، وهي التي ذكرها الله في كتابه، وأما خلق آدم فجعلوه غير داخل في الأيام الستة، وبهذا يندفع الإشكال ويذهب التعارض، وقد اختلف في وجه عدم دخول اليوم الذي خلق فيه آدم - عليه السلام - في الأيام الستة على عدة أقوال؛ منها: أن خلق آدم - عليه السلام - مستقل عن خلق الأرض، ليس منها، فلا يكون يومه معدودا في الأيام الستة، حيث قال ابن هبيرة - رحمه الله - "لما كملت هذه الأشياء في ستة أيام كما قال - عز وجل - واستتب أمر الدار، مستدعية بلسان حالها قدوم الساكن حين تهيئة الأسباب، والفراغ من الرزق والمركب والرياش، وتبين ما يكره وما يطلب، كان خلق ساكن الدار - أبي البشر - في يوم الجمعة عند آخر النهار"[12].

ومنهم من ذكر أن أصل الأشياء هي التي خلقت في ستة أيام، وآدم ليس أصلا؛ وإنما هو كالفرع من بعضها، وبناء عليه، فلا يلزم أن يكون يوم خلقه من جملة الستة، وهذا ما ذهب إليه ابن الجوزي - رحمه الله، قال: "فإن قيل: فالقرآن يدل على أن خلق الأشياء في ستة أيام، وهذا الحديث يدل على أنها في سبعة؟! فالجواب: أن السماوات والأرض وما بينهما خلق في ستة أيام، وخلق آدم من الأرض، والأصول خلقت في ستة، وآدم كالفرع من بعضها"[13].

كما ذهب المعلمي إلى القول: بأن خالقية الله - عز وجل - لم تتوقف بعد الأيام الستة؛ لأن الله - تعالى - ما زال ولا يزال خالقا، فخلق آدم كان بعدها، وليس في القرآن ما يدل على أن خلق آدم كان في الأيام الستة حتى يقال: إنها صارت بهذا الحديث سبعة، ويزيد أن "في آيات خلق آدم في سورة البقرة، وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض عمار قبل آدم، عاشوا فيها دهرا، فهذا يؤكد القول: بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السماوات والأرض، فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان، يتضح لك إن شاء الله أن دعوى مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت ولله الحمد"[14].

وقد ذهب المفسرون إلى أن الجن سكنت الأرض قبل بني آدم وأفسدوا فيها لذلك قالت الملائكة: )قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة: ٣٠)، يقول الإمام القرطبي: "وقيل: إن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء؛ وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم وألحقهم بالبحار ورءوس الجبال فأخذته العزة[15].

أما ابن كثير - رحمه الله - فقد ذكر عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو أنه قال: كان الجن بنو الجان في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنة، فأفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، فبعث الله جندا من الملائكة فضربوهم، حتى ألحقوهم بجزائر البحور فقال الله تعالى للملائكة: )إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة:3٠)[16].

وقد ذكر الألباني أن هذه الأيام المذكورة في الحديث غير الأيام الستة المذكورة في القرآن، واستدل على ذلك بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا أبا هريرة، إن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الإثنين، والشر يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، والدواب يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة، في آخر ساعة من النهار بعد العصر، خلقه من أديم الأرض، بأحمرها وأسودها، وطيبها وخبيثها، من أجل ذلك جعل الله من آدم الطيب والخبيث»[17].

وقال الشيخ - رحمه الله - تعليقا على هذا الحديث: "الأيام السبعة في الحديث هي غير الأيام الستة في القرآن، فالحديث يتحدث عن شيء من التفصيل الذي أجراه الله على الأرض، فهو يزيد على القرآن، ولا يخالفه، وكان هذا الجمع قبل أن أقف على حديث الأخضر - يعني: الحديث المتقدم - فإذا هو صريح فيما كنت ذهبت إليه من الجمع، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات"[18].

كما صرح المستشار سالم علي البهنساوي في كتابه "السنة المفترى عليها" - أن الأيام الستة ليست هي التي فصلها الحديث النبوي فهو لم يذكر خلق السماوات ولا خلق الأرض، حيث ورد ذلك في القرآن الكريم بل ذكر خلق التربة والجبال والشجر والدواب وغير ذلك مما تم بعد خلق الأرض والسماوات، ولا تعارض بين هذا التفصيل وبين ما ورد في القرآن الكريم، ولا يوجد أيضا أي تعارض لو كان خلق هذه الأشياء خلال الأيام الستة التي خلق الله فيها الأرض والسماوات"[19].

ومما يزيد الأمر وضوحا ما ذكره المرصفي قائلا: "وواضح أن الحديث فصل خلق ما احتوته الأرض واشتملت عليه، بينما الآية تذكر خلق السماوات والأرض جملة، وحينئذ لا يكون تعارض.

يقول د. محمد السماحي: الحديث يقول: «خلق الله - عز وجل - التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد» فهذان يومان. «وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء»فإذا فسرنا المكروه بآفات الزروع والثمار، كان تقدير الأقوات وما يتعلق بها في يومين، فهذا تمام أربعة أيام.

بقي قوله: «وخلق آدم - عليه السلام - بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل» لا إشكال فيه بعد قوله تعالى: )هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء( (البقرة: ٢٩)، فظاهره أنه خلق وأعد لبني آدم ما يحتاجون له في الأرض، في تلك الأيام الأربع، ثم استوى إلى السماء، فقضاهن سبع سماوات في يومين، كما يشير إليه قوله تعالى: )فقضاهن سبع سماوات في يومين( (فصلت: 12)، فخلق آدم خارج عن نطاق الأيام الستة، قد يقال إن الآية تقول: )وجعل فيها رواسي من فوقها( (فصلت:١٠) بعد قوله: )خلق الأرض في يومين( (فصلت: ٩)، وهذا ينافي خلقها في اليوم الثاني، كما جاء في الحديث، لكن إذا تأملت قوله )وجعل فيها رواسي( (فصلت: ١٠) علمت أنه لا ينافي خلقها قبل ذلك، فالجبال من الأرض، وخلقها الله في الأرض، معها تضاريس غير مرتبة ولا منسقة، فإرساؤها في مكانها الذي يحفظ توازن الأرض في دورتها، ونقلها من مكان إلى مكان، بعوامل الزلازل والتعرية وغيرها، هو الذي جعلها رواسي، بعد أن لم تكن كذلك.

فالمعنى: صير فيها رواسي من فوقها، وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها، على أن قوله: )في أربعة أيام سواء للسائلين (10)( (فصلت). يدل على أن خلق الأرض والجبال، وتصييرها رواسي، ووضع البركة فيها، وتقدير أقواتها، كان في مدة أربعة أيام، من غير فصل، فكأن مبادئها كانت مختلطة في هذه الأدوار، من غير أن ينفصل كل دور عن سابقه تماما، وبذلك لا يتحقق التعارض بين الحديث والقرآن [20].

وأما بالنسبة لمن قال: إن الحديث اقتصر على خلق الأرض ولم يذكر شيئا عن خلق السماء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر السماء في الحديث الشريف، وإن كان لم ينص على ذكر السماوات؛ فإنه قد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس: النور، وفي السادس: الدواب، وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة والنور، ولا شك أن مصدرهما - أي الحرارة والنور - الأجرام السماوية.

وهذا ما قاله المعلمي - رحمه الله - "أن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام لم يذكر ما يدل أن من جملة ذلك خلق النور والدواب، وإذ ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئا، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت في التطور بما أودعه الله - تعالى - فيها، والله - سبحانه وتعالى - لا يشغله شأن عن شأن"[21].

وقد رد المرصفي على عدم وجود ذكر لخلق السماء في الحديث قائلا: قال د.محمد السماحي: وقوله صلى الله عليه وسلم: «وخلق النور يوم الأربعاء» وهذا ما يتعلق بالسماء، فالنور إنما هو نور الشمس والقمر والكواكب والنجوم.

وأما قوله: «وبث فيها الدواب يوم الخميس».

فأولا: لم يقل "خلق"، وفرق بين الخلق والبث.

وثانيا: لم تكن الدواب من أقوات الأرض بالأصالة، بل إنما خلقت الأقوات لها، فلو قلنا: إن الحديث إنما دل على تفريقها في الأرض، وهذا لا ينافي خلقها قبل ذلك، ولم يقل الحديث إنه لم يخلق في يوم الإثنين إلا الشجر، وعلى فرض أنه خلقها في يوم الخميس فلا نسلم أنها من الأقوات المرادة في الآية[22].

ثالثا. كانت بداية الخلق يوم السبت وليس يوم الأحد:

أما إن الحديث يخالف الآثار القائلة بأن ابتداء الخلق كان يوم الأحد فهذا كلام غير صحيح يقول الشيخ المعلمي: ما كان منها - أي الأحاديث - مرفوعا فهو أضعف من هذا الحديث بكثير، وأما غير المرفوع فعامته من قول عبد الله بن سلام، وكعب بن وهب ومن يأخذ عن الإسرائيليات، وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليدا لأهل الكتاب، فجاء الإسلام وقد اشتهرت وانتشرت، فلم ير ضرورة إلى تغييرها؛ لأن إقرار الأسماء التي قد عرفت واشتهرت وانتشرت لا يعد اعترافا بمناسبتها لما أخذت منه أو بنيت عليه، إذ قد أصبحت لا تدل على ذلك وإنما تدل على مسمياتها فحسب، ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي، فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام"[23].

ومما يؤكد ذلك أيضا قول الفقيه السهيلي: "وليس في تسمية هذه الأيام الأحد والإثنين إلى الخميس ما يشد قول من قال: إن أول الأسبوع الأحد وسابعها السبت، كما قال أهل الكتاب؛ لأنها تسمية طارئة، وإنما كانت أسماؤها في اللغة القديمة شيار وأول وأهون وجبار ودبار ومؤنس والعروبة، وأسماؤها بالسريانية قبل هذا أبو جاد هوز حطي إلى آخرها، ولو كان الله - عز وجل - ذكرها في القرآن بهذه الأسماء المشتقة من العدد، لقلنا: هي تسمية صادقة على المسمى بها، ولكنه لم يذكر منها إلا الجمعة والسبت، وليسا من المشتقة من العدد، ولم يسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأحد والإثنين إلى سائرها إلا حاكيا للغة قومه لا مبتدئا لتسميتها، ولعل قومه أن يكونوا أخذوا معاني هذه الأسماء من أهل الكتاب المجاورين لهم، فألقوا عليها هذه الأسماء اتباعا لهم، وإلا فقد قدمنا ما ورد في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد...» الحديث[24].

وتأسيسا على ما سقناه من قول الشيخ المعلمي، وقول الفقيه السهيلي وغيرهم، نقول: ليس من الضروري ابتداء الخلق يوم الأحد، كما قال أهل الكتاب؛ لأنها تسمية طارئة، فهي ليست صادقة على المسمى بها، كما أنه من المعلوم أن آخر أيام الخلق هو يوم الجمعة، كما نصت على ذلك الأحاديث الثابتة، وأجمعت الأمة على ذلك، أما أول أيام الخلق فلم يثبت أنه الأحد، وما ورد من روايات في ذلك فهي ضعيفة، أغلبها من أقوال كعب الأحبار، ووهب بن منبه وغيرهما ممن يأخذ عن الإسرائيليات، ومن ثم لا مجال للاحتجاج بها.

الخلاصة:

· إن حديث خلق التربة يوم السبت صحيح سندا، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، وكذلك الإمام النسائي، وصححه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ودافع عنه، والمعلمي اليماني، وأحمد شاكر وغيرهم من جهابذة الحديث.

· إن قول الإمام البخاري: "وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب وهو الأصح" لا ينفي صحة هذا الحديث؛ لأن الأصح لا ينفي الصحيح، وإن كان أقل منه درجة.

· ذهب العلماء إلى أن الحديث لا يتعارض مع الآيات التي تذكر أن خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام؛ وذلك لأن خلق آدم - عليه السلام - في اليوم السابع، لا يدخل في الأيام المعدودة، لأن آدم - عليه السلام - جزء من الأرض وليس منفصلا عنها - ودليل ذلك قوله تعالى: )ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12)( (المؤمنون)، وغيرها من الآيات التي توضح حقيقة خلق الإنسان.

· وذهب بعض العلماء إلى أن خلق آدم - عليه السلام - تأخر عن خلق السماوات والأرض المذكور في الآيات؛ وذلك لأن الأرض قد سكنها - قبل آدم - مخلوقات أخرى كالجن وغيرها ودليل ذلك قوله تعالى: )وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة: ٣٠)، وهذا يدل على أن الجن سكنت الأرض قبل بني آدم، وهذا ما ذهب إليه المفسرون.

· وذهب فريق ثالث إلى أن الخلق المذكور في الآيات يختلف عن الخلق المذكور في الحديث، فالخلق المذكور في الآيات هو خلق السماوات والأرض جملة، أما الخلق المذكور في الحديث فإنه تفصيل لما خلق الله في الأرض من جبال وتربة وشجر ودواب وغير ذلك، وهذا لا يتعارض مع الآيات، ولكن يضم إليها.

· أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه إلى خلق السماوات والأرض، وإن لم يصرح بذلك؛ إذ الدواب تحتاج إلى النور والحرارة، ولا شك أن مصدرهما الأجرام السماوية، وهذا ما أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «وخلق النور يوم الأربعاء، وبث الدواب يوم الخميس».

· أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن بدء الخلق كان يوم السبت، وهذا هو الصحيح، أما من ذهب إلى أن بدء الخلق كان يوم الأحد فكان معتمدا على آثار موقوفة أو ضعيفة قياسا على هذا الحديث، وهي من الإسرائيليات التي أخذت عن كعب ووهب بن منبه وغيرهما من مسلمي أهل الكتاب، وهذا ما ذكره الإمام السهيلي في الروض الأنف، وعاب على من قال: إن أول الأسبوع الأحد لا السبت، ومن ثم فقد ثبتت صحة الحديث سندا ومتنا.
=====


(*) السنة المفترى عليها، سالم علي البهنساوي، دار البحوث العلمية، الكويت، ط4، 1413هـ/ 1992م. أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، السعودية، ط1، 1427هـ. الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل و التضليل والمجازفة، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م. أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م.

[1]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام، (9/ 3910)، رقم (6920).

[2] . شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3910).

[3]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، (16/ 146)، رقم (8323). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.

[4] . صحيح: أخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب: التفسير، باب: سورة البقرة، رقم (11010). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1833).

[5]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1415هـ/ 1994م، (3/ 47، 48).

[6]. سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، الدار السلفية، الكويت، ط2، 1404هـ، (4/ 450).

[7]. الأنوار الكاشفة، المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص187.

[8]. انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1415هـ/ 1994م، (14/ 485).

[9]. سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، الدار السلفية، الكويت، ط2، 1404هـ، (4/ 449، 450).

[10]. أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، ص41 بتصرف.

[11]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم، باب: ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام، (9/ 3910)، رقم (6920).

[12]. الإفصاح عن معاني الصحاح، ابن هبيرة، (8/ 150، 151). نقلا عن: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، السعودية، ط1، 1427هـ، ص367.

[13]. كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض، 1418هـ/ 1997م، (1/ 1038).

[14]. الأنوار الكاشفة، المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص187، 188.

[15]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م.

[16]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، (1/ 70).

[17]. إسناده جيد: أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب التفسير، باب سورة السجدة، رقم (11392)، وجود إسناده الألباني في مختصر العلو ص75.

[18]. مختصر العلو، الألباني، ص112، نقلا عن: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، السعودية، ط1، 1427هـ، ص368.

[19]. السنة المفترى عليها، سالم علي البهنساوي، دار البحوث العلمية، الكويت، ط4، 1413هـ/ 1992م، ص352.

[20]. أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، ص42: 44 بتصرف

[21]. الأنوار الكاشفة، المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص187 .

[22]. أبو هريرة في الميزان، د. محمد السماحي، ص124. نقلا عن: أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، ص42.

[23]. الأنوار الكاشفة، المعلمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص188.

[24]. الروض الأنف، السهيلي، دار الفكر، بيروت، 1409 هــ/ 1989م، ( 2 / 198).
 
توهم بطلان حديث "خلق الله التربة يوم السبت" (*)

مضمون الشبهة:

يتوهم بعض الناس بطلان حديث «خلق الله التربة يوم السبت» والذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد عصر يوم الجمعة».

مستدلين على ذلك بأن أهل الحديث استنكروا هذا الخبر، فضعفه البخاري بقوله: وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب وهو الأصح، وأن هذا الحديث يتعارض مع ما جاء به القرآن الكريم من قوله عز وجل: )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام( (يونس: ٣)، وقوله عز وجل: )ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب (38)( (ق)، إذ إن الحديث قد جعل خلق الأرض وحدها قد استغرق سبعة أيام، بينما أثبت القرآن في أكثر من موضع أن خلق السماوات والأرض معا كان في ستة أيام.

بالإضافة إلى أن هذا الحديث مخالف للآثار القائلة: إن أول الستة يوم الأحد وهو الذي نزل عليه أسماء الأيام: الأحد، الإثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس.

وجوه إبطال الشبهة:

1) لقد أكد العلماء على صحة الحديث سندا، فقد رواه مسلم في صحيحه، ورواه الإمام أحمد في مسنده، والنسائي، وابن مردويه، وابن أبي حاتم وغيرهم، وصحح إسناده أحمد شاكر والألباني والمعلمي اليماني، أما قول البخاري: "وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب الأحبار، وهو أصح " - فإنه لا يقدح في صحة رواية مسلم، وإنما هو من قبيل الأصح والصحيح، والأصح مقدم على الصحيح.

2) إن التفصيل الذي في الحديث الشريف غير التفصيل الذي في الآيات التي تتحدث عن خلق السماوات والأرض، لذلك فالواجب هو ضم أحدهما للآخر كما ذكر أهل العلم ذلك، كما أن خلق آدم لا يعد من الأيام الستة؛ لأن الأرض قد خلقت قبل خلقه ودبت عليها الحياة قبله بدليل قوله تعالى: )وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة( (البقرة:٣٠) كما أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إلى خلق السماوات، وإن لم ينص على ذكرها وذلك في يومي الأربعاء والخميس؛ لأن النور والحرارة تحتاجهما الدواب ومصدرهما الأجرام السماوية.

3) ليس هناك دليل على أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد، وما روي في ذلك من أحاديث مرفوعة لا تصح، وعامتها مأخوذة من الإسرائيليات، وكانت هذه التسمية قبل الإسلام تقليدا لأهل الكتاب، وهي تسمية طارئة؛ لأنها كانت في اللغات القديمة غير ذلك.

التفصيل:

أولا. الحديث صحيح سندا ولا مطعن فيه:

إن حديث "خلق الله التربة" حديث صحيح، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه قال: حدثني سريج بن يونس، وهارون بن عبد الله، قالا: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال: خلق الله - عز وجل - التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم - عليه السلام - بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل»[1].

ثم قال مسلم: "قال إبراهيم: حدثنا البسطامي (وهو الحسين بن عيسى)، وسهل بن عمار، وإبراهيم بن بنت حفص، وغيرهم عن حجاج بهذا الحديث"[2].

ورواه الإمام أحمد في مسنده بالسند نفسه عن حجاج أيضا[3]، ورواه الإمام النسائي[4]، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن جرير، وغيرهم.

فالحديث - بداية - صحيح، أما ما وجه إليه من طعن في السند فهو مردود عليه بحمد الله، ولنبدأ بإسماعيل بن أمية راوي الحديث، فقد عدله المزي صاحب تهذيب الكمال فنقل آراء النقاد فيه، ومنهم أن يحيى بن معين، وأبا زراعة، وأبا حاتم، والنسائي، ومحمد بن سعد قد وثقه جميعهم.

وقال عنه أحمد بن حنبل: إسماعيل أقوى وأثبت في الحديث من أيوب، وقال - أيضا: أيوب ابن عم إسماعيل، وإسماعيل أكبر منه، وأحب إلي[5].

أما أيوب بن خالد والذي روى الحديث عنه إسماعيل بن أمية فقد قال عنه الألباني أثناء تصحيحه الحديث ردا على من أعل الحديث بأيوب بن خالد؛ لأن فيه لينا فقال: "ليس بشيء، فإنه لم يضعفه أحد سوى الأزدي، وهو نفسه لين عند المحدثين، فتبينه"[6].

وقال المعلمي اليماني: وأيوب لا بأس به، وصنيع ابن المديني يدل على قوته عنده"[7].

وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة ثقة، فقد وثقه العجلي، وأبو زرعة والنسائي وابن حبان[8].

هذا عن رجال الإسناد، بقي أن نوضح أن قول الإمام البخاري: "وهو أصح" لا يفيد إنكار الحديث أو تضعيفه - كما قالوا - وإنما هو من قبيل الصحيح والأصح؛ فأفعل التفضيل "أصح" لا تفيد التضعيف على الإطلاق، وقد علق الشيخ الألباني على قول الإمام البخاري: "وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح" - بقوله: "فمن هذا البعض؟ وما حاله في الضبط والحفظ حتى يرجح على رواية عبد الله بن رافع؟! وقد وثقه النسائي وابن حبان، واحتج به مسلم، وروى عنه جمع، ويكفي في صحة الحديث أن ابن معين رواه ولم يعله بشيء![9].

وهذا ما أكده د. سعد المرصفي قائلا: "قال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح، أي إنه وهم فيه أيوب على احتمال، ولم يجزم بخطئه، كما زعم شيخ المحدثين - على زعم من ادعى ذلك - قال: وهو أصح، وأفعل التفضيل لم ينف الصحة عن حديث أيوب، فهو من قبيل صحيح وأصح، والأصح مقدم على الصحيح، وهذا هو كلام المحدثين، مع علمهم أن تعليلهم للحديث لم يسلم عند كثيرين من المحدثين غيرهم، وعلى رأسهم مسلم، والنسائي وأحمد[10].

وتأسيسا على أقوال علماء الحديث الثقات في رجال هذا الحديث وبيان حقيقة قول البخاري نستطيع أن نؤكد أن حديث «خلق الله التربة» صحيح سندا، ولا يقدح فيه أي قول، ويتأكد ذلك أكثر بعد بيان صحة ما جاء به متن الحديث، وذلك في الوجهين الآتيين.

ثانيا. لا تعارض بين الحديث والقرآن في شيء:

لقد ظن بعض الناس أن حديث «خلق الله التربة يوم السبت»[11] يتعارض مع قوله عز وجل: )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام( وقوله تعالى: )هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش( (الحديد:٤)، وهذا ظن خاطئ منهم؛ لأن الآيات تتكلم عن خلق السماوات والأرض إجمالا، أما الحديث فإنه يفصل ما خلق في أيام خلق الأرض الأربعة التي ذكرت في الآيات، لهذا نجد جمعا كبيرا من علماء الأمة جعل ابتداء الخلق يوم السبت، وانتهاءه يوم الخميس، فهذه ستة أيام، وهي التي ذكرها الله في كتابه، وأما خلق آدم فجعلوه غير داخل في الأيام الستة، وبهذا يندفع الإشكال ويذهب التعارض، وقد اختلف في وجه عدم دخول اليوم الذي خلق فيه آدم - عليه السلام - في الأيام الستة على عدة أقوال؛ منها: أن خلق آدم - عليه السلام - مستقل عن خلق الأرض، ليس منها، فلا يكون يومه معدودا في الأيام الستة، حيث قال ابن هبيرة - رحمه الله - "لما كملت هذه الأشياء في ستة أيام كما قال - عز وجل - واستتب أمر الدار، مستدعية بلسان حالها قدوم الساكن حين تهيئة الأسباب، والفراغ من الرزق والمركب والرياش، وتبين ما يكره وما يطلب، كان خلق ساكن الدار - أبي البشر - في يوم الجمعة عند آخر النهار"[12].

ومنهم من ذكر أن أصل الأشياء هي التي خلقت في ستة أيام، وآدم ليس أصلا؛ وإنما هو كالفرع من بعضها، وبناء عليه، فلا يلزم أن يكون يوم خلقه من جملة الستة، وهذا ما ذهب إليه ابن الجوزي - رحمه الله، قال: "فإن قيل: فالقرآن يدل على أن خلق الأشياء في ستة أيام، وهذا الحديث يدل على أنها في سبعة؟! فالجواب: أن السماوات والأرض وما بينهما خلق في ستة أيام، وخلق آدم من الأرض، والأصول خلقت في ستة، وآدم كالفرع من بعضها"[13].

كما ذهب المعلمي إلى القول: بأن خالقية الله - عز وجل - لم تتوقف بعد الأيام الستة؛ لأن الله - تعالى - ما زال ولا يزال خالقا، فخلق آدم كان بعدها، وليس في القرآن ما يدل على أن خلق آدم كان في الأيام الستة حتى يقال: إنها صارت بهذا الحديث سبعة، ويزيد أن "في آيات خلق آدم في سورة البقرة، وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض عمار قبل آدم، عاشوا فيها دهرا، فهذا يؤكد القول: بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السماوات والأرض، فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان، يتضح لك إن شاء الله أن دعوى مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت ولله الحمد"[14].

وقد ذهب المفسرون إلى أن الجن سكنت الأرض قبل بني آدم وأفسدوا فيها لذلك قالت الملائكة: )قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة: ٣٠)، يقول الإمام القرطبي: "وقيل: إن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء؛ وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم وألحقهم بالبحار ورءوس الجبال فأخذته العزة[15].

أما ابن كثير - رحمه الله - فقد ذكر عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو أنه قال: كان الجن بنو الجان في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنة، فأفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، فبعث الله جندا من الملائكة فضربوهم، حتى ألحقوهم بجزائر البحور فقال الله تعالى للملائكة: )إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة:3٠)[16].

وقد ذكر الألباني أن هذه الأيام المذكورة في الحديث غير الأيام الستة المذكورة في القرآن، واستدل على ذلك بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا أبا هريرة، إن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الإثنين، والشر يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، والدواب يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة، في آخر ساعة من النهار بعد العصر، خلقه من أديم الأرض، بأحمرها وأسودها، وطيبها وخبيثها، من أجل ذلك جعل الله من آدم الطيب والخبيث»[17].

وقال الشيخ - رحمه الله - تعليقا على هذا الحديث: "الأيام السبعة في الحديث هي غير الأيام الستة في القرآن، فالحديث يتحدث عن شيء من التفصيل الذي أجراه الله على الأرض، فهو يزيد على القرآن، ولا يخالفه، وكان هذا الجمع قبل أن أقف على حديث الأخضر - يعني: الحديث المتقدم - فإذا هو صريح فيما كنت ذهبت إليه من الجمع، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات"[18].

كما صرح المستشار سالم علي البهنساوي في كتابه "السنة المفترى عليها" - أن الأيام الستة ليست هي التي فصلها الحديث النبوي فهو لم يذكر خلق السماوات ولا خلق الأرض، حيث ورد ذلك في القرآن الكريم بل ذكر خلق التربة والجبال والشجر والدواب وغير ذلك مما تم بعد خلق الأرض والسماوات، ولا تعارض بين هذا التفصيل وبين ما ورد في القرآن الكريم، ولا يوجد أيضا أي تعارض لو كان خلق هذه الأشياء خلال الأيام الستة التي خلق الله فيها الأرض والسماوات"[19].

ومما يزيد الأمر وضوحا ما ذكره المرصفي قائلا: "وواضح أن الحديث فصل خلق ما احتوته الأرض واشتملت عليه، بينما الآية تذكر خلق السماوات والأرض جملة، وحينئذ لا يكون تعارض.

يقول د. محمد السماحي: الحديث يقول: «خلق الله - عز وجل - التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد» فهذان يومان. «وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء»فإذا فسرنا المكروه بآفات الزروع والثمار، كان تقدير الأقوات وما يتعلق بها في يومين، فهذا تمام أربعة أيام.

بقي قوله: «وخلق آدم - عليه السلام - بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل» لا إشكال فيه بعد قوله تعالى: )هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء( (البقرة: ٢٩)، فظاهره أنه خلق وأعد لبني آدم ما يحتاجون له في الأرض، في تلك الأيام الأربع، ثم استوى إلى السماء، فقضاهن سبع سماوات في يومين، كما يشير إليه قوله تعالى: )فقضاهن سبع سماوات في يومين( (فصلت: 12)، فخلق آدم خارج عن نطاق الأيام الستة، قد يقال إن الآية تقول: )وجعل فيها رواسي من فوقها( (فصلت:١٠) بعد قوله: )خلق الأرض في يومين( (فصلت: ٩)، وهذا ينافي خلقها في اليوم الثاني، كما جاء في الحديث، لكن إذا تأملت قوله )وجعل فيها رواسي( (فصلت: ١٠) علمت أنه لا ينافي خلقها قبل ذلك، فالجبال من الأرض، وخلقها الله في الأرض، معها تضاريس غير مرتبة ولا منسقة، فإرساؤها في مكانها الذي يحفظ توازن الأرض في دورتها، ونقلها من مكان إلى مكان، بعوامل الزلازل والتعرية وغيرها، هو الذي جعلها رواسي، بعد أن لم تكن كذلك.

فالمعنى: صير فيها رواسي من فوقها، وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها، على أن قوله: )في أربعة أيام سواء للسائلين (10)( (فصلت). يدل على أن خلق الأرض والجبال، وتصييرها رواسي، ووضع البركة فيها، وتقدير أقواتها، كان في مدة أربعة أيام، من غير فصل، فكأن مبادئها كانت مختلطة في هذه الأدوار، من غير أن ينفصل كل دور عن سابقه تماما، وبذلك لا يتحقق التعارض بين الحديث والقرآن [20].

وأما بالنسبة لمن قال: إن الحديث اقتصر على خلق الأرض ولم يذكر شيئا عن خلق السماء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر السماء في الحديث الشريف، وإن كان لم ينص على ذكر السماوات؛ فإنه قد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس: النور، وفي السادس: الدواب، وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة والنور، ولا شك أن مصدرهما - أي الحرارة والنور - الأجرام السماوية.

وهذا ما قاله المعلمي - رحمه الله - "أن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام لم يذكر ما يدل أن من جملة ذلك خلق النور والدواب، وإذ ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئا، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت في التطور بما أودعه الله - تعالى - فيها، والله - سبحانه وتعالى - لا يشغله شأن عن شأن"[21].

وقد رد المرصفي على عدم وجود ذكر لخلق السماء في الحديث قائلا: قال د.محمد السماحي: وقوله صلى الله عليه وسلم: «وخلق النور يوم الأربعاء» وهذا ما يتعلق بالسماء، فالنور إنما هو نور الشمس والقمر والكواكب والنجوم.

وأما قوله: «وبث فيها الدواب يوم الخميس».

فأولا: لم يقل "خلق"، وفرق بين الخلق والبث.

وثانيا: لم تكن الدواب من أقوات الأرض بالأصالة، بل إنما خلقت الأقوات لها، فلو قلنا: إن الحديث إنما دل على تفريقها في الأرض، وهذا لا ينافي خلقها قبل ذلك، ولم يقل الحديث إنه لم يخلق في يوم الإثنين إلا الشجر، وعلى فرض أنه خلقها في يوم الخميس فلا نسلم أنها من الأقوات المرادة في الآية[22].

ثالثا. كانت بداية الخلق يوم السبت وليس يوم الأحد:

أما إن الحديث يخالف الآثار القائلة بأن ابتداء الخلق كان يوم الأحد فهذا كلام غير صحيح يقول الشيخ المعلمي: ما كان منها - أي الأحاديث - مرفوعا فهو أضعف من هذا الحديث بكثير، وأما غير المرفوع فعامته من قول عبد الله بن سلام، وكعب بن وهب ومن يأخذ عن الإسرائيليات، وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليدا لأهل الكتاب، فجاء الإسلام وقد اشتهرت وانتشرت، فلم ير ضرورة إلى تغييرها؛ لأن إقرار الأسماء التي قد عرفت واشتهرت وانتشرت لا يعد اعترافا بمناسبتها لما أخذت منه أو بنيت عليه، إذ قد أصبحت لا تدل على ذلك وإنما تدل على مسمياتها فحسب، ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي، فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام"[23].

ومما يؤكد ذلك أيضا قول الفقيه السهيلي: "وليس في تسمية هذه الأيام الأحد والإثنين إلى الخميس ما يشد قول من قال: إن أول الأسبوع الأحد وسابعها السبت، كما قال أهل الكتاب؛ لأنها تسمية طارئة، وإنما كانت أسماؤها في اللغة القديمة شيار وأول وأهون وجبار ودبار ومؤنس والعروبة، وأسماؤها بالسريانية قبل هذا أبو جاد هوز حطي إلى آخرها، ولو كان الله - عز وجل - ذكرها في القرآن بهذه الأسماء المشتقة من العدد، لقلنا: هي تسمية صادقة على المسمى بها، ولكنه لم يذكر منها إلا الجمعة والسبت، وليسا من المشتقة من العدد، ولم يسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأحد والإثنين إلى سائرها إلا حاكيا للغة قومه لا مبتدئا لتسميتها، ولعل قومه أن يكونوا أخذوا معاني هذه الأسماء من أهل الكتاب المجاورين لهم، فألقوا عليها هذه الأسماء اتباعا لهم، وإلا فقد قدمنا ما ورد في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد...» الحديث[24].

وتأسيسا على ما سقناه من قول الشيخ المعلمي، وقول الفقيه السهيلي وغيرهم، نقول: ليس من الضروري ابتداء الخلق يوم الأحد، كما قال أهل الكتاب؛ لأنها تسمية طارئة، فهي ليست صادقة على المسمى بها، كما أنه من المعلوم أن آخر أيام الخلق هو يوم الجمعة، كما نصت على ذلك الأحاديث الثابتة، وأجمعت الأمة على ذلك، أما أول أيام الخلق فلم يثبت أنه الأحد، وما ورد من روايات في ذلك فهي ضعيفة، أغلبها من أقوال كعب الأحبار، ووهب بن منبه وغيرهما ممن يأخذ عن الإسرائيليات، ومن ثم لا مجال للاحتجاج بها.

الخلاصة:

· إن حديث خلق التربة يوم السبت صحيح سندا، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، وكذلك الإمام النسائي، وصححه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ودافع عنه، والمعلمي اليماني، وأحمد شاكر وغيرهم من جهابذة الحديث.

· إن قول الإمام البخاري: "وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب وهو الأصح" لا ينفي صحة هذا الحديث؛ لأن الأصح لا ينفي الصحيح، وإن كان أقل منه درجة.

· ذهب العلماء إلى أن الحديث لا يتعارض مع الآيات التي تذكر أن خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام؛ وذلك لأن خلق آدم - عليه السلام - في اليوم السابع، لا يدخل في الأيام المعدودة، لأن آدم - عليه السلام - جزء من الأرض وليس منفصلا عنها - ودليل ذلك قوله تعالى: )ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12)( (المؤمنون)، وغيرها من الآيات التي توضح حقيقة خلق الإنسان.

· وذهب بعض العلماء إلى أن خلق آدم - عليه السلام - تأخر عن خلق السماوات والأرض المذكور في الآيات؛ وذلك لأن الأرض قد سكنها - قبل آدم - مخلوقات أخرى كالجن وغيرها ودليل ذلك قوله تعالى: )وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة: ٣٠)، وهذا يدل على أن الجن سكنت الأرض قبل بني آدم، وهذا ما ذهب إليه المفسرون.

· وذهب فريق ثالث إلى أن الخلق المذكور في الآيات يختلف عن الخلق المذكور في الحديث، فالخلق المذكور في الآيات هو خلق السماوات والأرض جملة، أما الخلق المذكور في الحديث فإنه تفصيل لما خلق الله في الأرض من جبال وتربة وشجر ودواب وغير ذلك، وهذا لا يتعارض مع الآيات، ولكن يضم إليها.

· أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه إلى خلق السماوات والأرض، وإن لم يصرح بذلك؛ إذ الدواب تحتاج إلى النور والحرارة، ولا شك أن مصدرهما الأجرام السماوية، وهذا ما أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «وخلق النور يوم الأربعاء، وبث الدواب يوم الخميس».

· أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن بدء الخلق كان يوم السبت، وهذا هو الصحيح، أما من ذهب إلى أن بدء الخلق كان يوم الأحد فكان معتمدا على آثار موقوفة أو ضعيفة قياسا على هذا الحديث، وهي من الإسرائيليات التي أخذت عن كعب ووهب بن منبه وغيرهما من مسلمي أهل الكتاب، وهذا ما ذكره الإمام السهيلي في الروض الأنف، وعاب على من قال: إن أول الأسبوع الأحد لا السبت، ومن ثم فقد ثبتت صحة الحديث سندا ومتنا.
=====


(*) السنة المفترى عليها، سالم علي البهنساوي، دار البحوث العلمية، الكويت، ط4، 1413هـ/ 1992م. أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، السعودية، ط1، 1427هـ. الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل و التضليل والمجازفة، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م. أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م.

[1]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام، (9/ 3910)، رقم (6920).

[2] . شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3910).

[3]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، (16/ 146)، رقم (8323). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.

[4] . صحيح: أخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب: التفسير، باب: سورة البقرة، رقم (11010). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1833).

[5]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1415هـ/ 1994م، (3/ 47، 48).

[6]. سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، الدار السلفية، الكويت، ط2، 1404هـ، (4/ 450).

[7]. الأنوار الكاشفة، المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص187.

[8]. انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1415هـ/ 1994م، (14/ 485).

[9]. سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، الدار السلفية، الكويت، ط2، 1404هـ، (4/ 449، 450).

[10]. أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، ص41 بتصرف.

[11]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم، باب: ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام، (9/ 3910)، رقم (6920).

[12]. الإفصاح عن معاني الصحاح، ابن هبيرة، (8/ 150، 151). نقلا عن: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، السعودية، ط1، 1427هـ، ص367.

[13]. كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض، 1418هـ/ 1997م، (1/ 1038).

[14]. الأنوار الكاشفة، المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص187، 188.

[15]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م.

[16]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، (1/ 70).

[17]. إسناده جيد: أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب التفسير، باب سورة السجدة، رقم (11392)، وجود إسناده الألباني في مختصر العلو ص75.

[18]. مختصر العلو، الألباني، ص112، نقلا عن: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، السعودية، ط1، 1427هـ، ص368.

[19]. السنة المفترى عليها، سالم علي البهنساوي، دار البحوث العلمية، الكويت، ط4، 1413هـ/ 1992م، ص352.

[20]. أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، ص42: 44 بتصرف

[21]. الأنوار الكاشفة، المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص187 .

[22]. أبو هريرة في الميزان، د. محمد السماحي، ص124. نقلا عن: أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، ص42.

[23]. الأنوار الكاشفة، المعلمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص188.

[24]. الروض الأنف، السهيلي، دار الفكر، بيروت، 1409 هــ/ 1989م، ( 2 / 198).

السلام عليكم ورحمة الله
أضعتم من الجهد الكثير لاثبات صحة حديث ضعفه جمع من الأكابر، وتحتقر قولهم وكأنه لا شيء. ومتنه مليء بالعيوب والتناقضات التي يستحيل ان يأتي بها الوحي، وفيه مشابهة للنص التوراتي بشكل واضح جدا، وليته اضاف شيء يمكن أن نستفيد به في علم التفسير.

قلتم (الآيات تتكلم عن خلق السماوات والأرض إجمالا، أما الحديث فإنه يفصل ما خلق في أيام خلق الأرض الأربعة التي ذكرت في الآيات، لهذا نجد جمعا كبيرا من علماء الأمة جعل ابتداء الخلق يوم السبت، وانتهاءه يوم الخميس، فهذه ستة أيام).
وقد دللت لذلك بكلام الألباني، والمستشار البهنساوي

كيف الحديث يفصل ما خلق الله في أيام خلق الأرض الأربعة؟
كيف تجعل أربعة أيام ستة أيام؟
كيف تجعل أيام خلق السماوات والأرض الغير معلوم فيها قيمة اليوم، كيف تجعلها تقاس بأيام الأرض التي تمثل ٢٤ ساعة لليوم؟
وكيف تسمي أيام الحديث بأيام الأسبوع قبل خلق النور يوم الأربع؟
يفترض أن تتابع الليل والنهار بدأ بعد خلق النور، وليس قبله!!!!!
فكيف جعلت اليوم ٢٤ ساعة وله نفس ايام الاسبوع قبل خلق النور؟!!!!!
=====
وأما قولكم
(يقول د. محمد السماحي: الحديث يقول: «خلق الله - عز وجل - التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد» فهذان يومان. «وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء»فإذا فسرنا المكروه بآفات الزروع والثمار، كان تقدير الأقوات وما يتعلق بها في يومين، فهذا تمام أربعة أيام).


وقول د. محمد السماحي مصيبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد جاء بترتيب وحكي مخالف للقرآن، ومن ذلك؛

جعل من السبت الى الأربع هي ايام الهلق الاربعة، والسماء لم تخلق ولا ليل ولا نهار، ومع ذلك يعد الحركات بأيام الأسبوع، غريبة جدا!!!!!

الله قال بخلق جسم الارض في يومين، ولم يقل بخلق تربتها ولا جبالها في نفس اليومين، ولكن الله جعل خلق التربة والجبال في اليومين الثالث والرابع، فالتربة هي قوت النبات ولا شك في ذلك فتدخل في الأقوات، واما الجبال الرواسي فقال الله بجعلها اي خلقها في اليومين الثالث والرابع، والجعل خلق وتصيير من حالة الى حالة، وجمهور المفسرين على ان خلق الجبال تم في اليومين الثالث والرابع، وأما ارساء الجبال فقد تم مع دحو الأرض بعد تسوية السماء الدخانية، كما أنه جعل الزرع داخل الايام الاربعة، وجمهور المفسرين قالوا بأن إخراج المرعى الذي هو النبات عندهم تم بعد تسوية السماء أي بعد انتهاء الايام الستة، ومستندهم صريح قول الله، والأرض بعد ذلك دحاها اخرج منها ماءها ومرعاها، وحديث ابن عباس
عن عبد الله بن عباس، في قوله: ﴿دَحاها﴾، قال: دَحيُها: أنْ أخرج منها الماء والمرعى.

كما أن قوله هذا جعل خلق النبات قبل خلق النور، وهي نفس اشكالية متن الحديث، والذي جعل خلق النبات قبل خلق النور، واعجب من فهمكم ضرورة خلق الدواب بعد خلق النور، ولم تعجب من خلق النبات قبل النور!!!!!

متن الحديث خالف القرآن في القول بخلق النبات قبل النور، وعلمياً النبات بحاجة لضوء الشمس للبناء الضوئي، وهذه العلاقة العلمية يحترمها القرآن ويذكرها في أكثر من موضع؛

1. قال تعالي {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }الجاثية5.
الآية فيها دليل على أهمية الليل والنهار لعملية الإنبات، فقد جعل الله إحياء الأرض بالرزق النازل من السماء، وقدم عليه ذكر عُنصر آخر لم يكن معلوم في زمن النبي صلي الله عليه و سلم، له أهمية خاصة في إحياء الأرض وإنبات النبات، وهو اختلاف الليل والنهار، قال الشوكاني في فتح القدير ( قوله { وما أنزل الله من السماء من رزق } معطوف على إختلاف الليل و النهار، والرزق المطر، ومنفعة رزق السماء للنبات معطوفة علي منفعة اختلاف الليل و النهار، و لا تتم إلا به، ولذا ربط الله بينهما (انتهى بإختصار).

2. ربما قال قائل لعل هذا الربط السابق بين تعاقب الليل والنهار هو من قبيل الصُدفة، ولعل الآية لم تقصد الربط بين اختلاف الليل و النهار و مسألة إنبات النبات !!!
فأقول وبالله التوفيق، لو كان صُدفة لما جاء في القرآن إلا مرة واحدة، ولكن هذا الربط تكرر أيضاً في آية البقرة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وبث فيها من كل دابة}.

فقدم الله في هذه الآية أيضاً ذكر إختلاف الليل والنهار على ذكر إنزال الماء وإحياء الأرض بعد موتها ثم بث الدواب، فبدون الشمس وتعاقب الليل والنهار لن يكون هناك إنبات، لحاجة النبات لعملية البناء ضوئي للحصول على الطاقة اللازمة لجميع عملياته الحيوية، وباقي دواب الأرض تعتمد على النبات كمصدر أساسي للطاقة حيث لا يستطيع الحيوان أخذ طاقته من الشمس مباشرة وهذا أمر معلوم في السلسلة الغذائية.

3. واليكم الدليل الفصل على أن اخراج نبات الأرض (المرعى) لم يتم إلا بعد خلق الليل والنهار، وخلق السماوات بأجرامها، وذلك في سورة النازعات (ءَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا. رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا. وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا. وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا. أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا).

يقول الطبري نقلا عن ابن عباس في إخراج المرعى بعد بناء السماء وإخراج ضحاها)أن الله خلق السماوات والأرض، فلما فرغ من السماوات قبل أن يخلق أقوات الأرض فيها بعد خلق السماء، وأرسى الجبال، يعني بذلك دحْوَها الأقوات، ولم تكن تصلح أقوات الأرض ونباتها إلا بالليل والنهار).
====
وقولكم
(وأما بالنسبة لمن قال: إن الحديث اقتصر على خلق الأرض ولم يذكر شيئا عن خلق السماء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر السماء في الحديث الشريف، وإن كان لم ينص على ذكر السماوات؛ فإنه قد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس: النور، وفي السادس: الدواب، وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة والنور، ولا شك أن مصدرهما - أي الحرارة والنور - الأجرام السماوية).


وهذا قول مخالف للقرآن من وجهين؛
١. خلق السماوات في ظاهر القرآن تم في يومين، وليس يوم واحد وهو الأربع.
٢. خلق النور هو اخر شيء في خلق السماوات كما ذكرت سورة النازعات، فالحديث لا يحكي خلق مادة السماء وبناءها، ورفع سمكها، ولا اغطاش ليلها، فقط ذكر اخر لقطة، وهي اخرج ضحاها، وهو النور، كل هذا البناء العظيم تم اختزاله في خلق النور في يوم واحد.
 
الشيخ الحويني رحمه الله ممن صححوا الحديث، وقد سمعته بنفسي. التوفيق بسيط:
هي أيام أخرى تالية لأيام الخلق. فالتربة ليست هي نفسها "الأرض".
لكن فعلا الحديث موضع شك في السند والمتن، ولا إشكال عندي في توضيح علته.

لكن الموضوع متعلق بنقطة أريد توضيحها.
أن آدم خلق في يوم سابع منفصل عن أيام الخلق الستة القرآنية. وقد وافق يوم جمعة كما في الأحاديث الصحيحة.
كيف يقال أن خلقه كان في نهاية أيام الخلق الستة؟! ألم يبقى في الجنة فترة. وقبلها ألم يظل فترة في صورة طينية؟ وكان إبليس يطوف ويفحصه ويتوعده قبل أن تنفخ فيه الروح؟!
وألم يكن الجن سكان الأرض قبل الإنس؟ ثم تمردوا فنفاهم الله للصحارى كما تقول بعض الآثار؟
هناك الكثير من الأحداث وقعت بعد الأيام الستة القرآنية وقبل نزول آدم للأرض.
عصور الديناصورات مثلا وحقبها الطويلة!
فلا مانع أبدا من أن يكون خلق آدم في يوم سابع منفصل وبعيد تماما عن أيام الخلق الستة المذكورة في القرآن.
 
تحياتي للجميع :

اللَّهُمَّ اهْدِنِا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

الموضوع معقد ويحتاج نفس طويل بدون جرح وفضل كلام، لمن يريد البحث عن الحق.

المسئلة اجتهادية وتشمل شقين : شق حديثي ، و شق كوني

أما الشق الحديثي فأستأذن أخونا الدكتور المطري ليوضح هل كلام موقع " بيان الاسلام " عن الحديث مقبول أم مرفوض؟

أما الشق الكوني فسؤالي : ما يمنع أن يكون خلق السموات العلا والأرض في ستة أيام كونية ، وخلق السموات الدنا وتجهيزات الأرض لأدم ومن قبله في سبعة أيام اسبوعية ؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال تعالى (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)).

هذه الآية تضمنت الحقائق التالية:
- خلق الله الأرض في يومين أي انه اكتمل خلقها بجميع ذراتها وعناصرها وبعثت فيها الروح.

- السماء كانت في نهاية اليوم الثاني قد تشكلت وبعث الله فيها الروح ولكنها لازالت سماء واحده لقوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)

- خاطب الله الأرض والسماء لانهما مخلوقان لهما روح، ليس ذلك فحسب بل عاقلان قادران على التفكير والكلام لقوله (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) )، فالله سبحانه وتعالى لا يمكن ان يخاطب جماد كما انه لا يمكن ان يخاطب شيء منزوع منه الخيار لذلك جاء ردهما بالقول لا بالإشارة اتينا طائعين فالله سبحانه اسمه الحق ولا ينطق الا بالحق، لان هذا فعلا ما حدث ومن اصدق من الله قيلا.

- جاء امر الله بتحويل السماء الواحدة الى سبع سماوات، أي ان هذه السماء كانت المصدر الذي تشكلت منه السماوات السبع، واستمر خلق السماوات السبع ليومين، وهذا يعني ان السماوات السبع انتهاء خلقها بجميع ذراتها وعناصرها في يومين.

_ استمر تمهيد الأرض خلال الأربعة الأيام اللاحقة، واستطيع القول ان ما تغير هو كان على سطحها من تشكل القشرة وتكون الجبال وبث الدواب وخلق النبات. الشي الذي اضيف الى الأرض هو عنصر الحديد لان الله انزل الحديد الى الأرض.

_ استمرت السماوات بالتشكل ليومين إضافيين، واقصد بالتشكل هنا هو تشكيل داخلي أي انه لم تضاف ذرة واحده جديده للسماوات بعد اكتمال خلقها لان الله دقيق باللفظ.

- اكتمل خلق السماوات والأرض في سته أيام واليوم عند الله هو 1000 سنه مما نعد لقوله تعالى ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)) هذه الآية حاسمة فقد وضحت مقدر اليوم عند الله سبحانه وتعالى بمقدار ما نحسبه نحن البشر)

الاستنتاجات
مما سبق نجد ان الأرض خلقت في اليومين الاولين أي 2000 سنه واستمرت الله في تمهيدها في الربعة أيام أي 4000 سنة، اما السماوات فخلقت في اليوم الثالث والرابع بما فيها أي 2000 سنه واستمرت في تشكل مظهرها الى اليوم السادس أي 2000 سنة.
مجموع أيام خلق السماوات والأرض 6 أيام أي 6000 سنه.

التساؤلات
- لماذا خلق الله الدواب والأشجار في الأيام الأربعة اللاحقة لخلق الأرض؟ وما نوع الدواب والأشجار التي وجدت بداية الخلق؟
- لماذا قالت الملائكة تجعل فيها من يسفك الدماء؟ هل للجن فعلا دماء ذات لون احمر؟
- هل خلق ادم علية السلام نهاية اليوم السادس؟

الرد على التساؤلات
السؤال الأول: لا يمكن ان تتواجد الدواب الأشجار الا بعد تكون السماوات لأنها تحتاج الى ضوء الشمس وتشكل البحار وتكون الامطار والانهار وهذا الامر لن يحدث الا بعد اليوم الرابع على اقل تقدير لان السماوات تم الانتهاء من خلقها في اليومين اللاحقين من خلق الأرض، بحسب الحقائق السابقة
- الدواب تحتاج الى غذاء ومن المعروف ان الحيوانات المفترسة تقتات على الحيوانات العاشبة اذن الامر يحتاج الى خلق النبات أولا، والنبات يحتاج الى تربة وتحتاج الى اكسجين -- وهذا يدل على انه لا بد من التمهيد لظهور هذه المخلوقات، لان الله جعل خلق الأرض والسماوات يمر بقواعد وقوانين وهي المشار اليها بالقران بلفظ (السنن) أي انه لم يوجدها دفعة واحده وهو القادر على خلقهما بلمح البصر لو شاء.
- من اجل التمهيد كان لا بد من وجود شيء يهي الحياه ويعدها لخلق الدواب والأشجار التي تعتمد على التربة، والجواب جاء في قوله تعالى (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)) وهذا يعني ان القشرة الأرضية تمددت ورفعت القارات التي تكون منها البر وظلت القارات التي كونت قيعان البحار والمحيطات.. ماذا حدث بعد ذلك؟
انبت الله نباتات مختلفة وصفت بانها موزونه وسبب اللفظ يرجع الى عملها وهو قيامها بتهيئة البيئة الأرضية وهذا ما اكتشفه العلماء بقولهم ان اول الحياه التي نشأت على الأرض كانت عبارة عن طحلبيات ساعدت في وجود الاكسجين والبيئة المناسبة لظهور بقية المخلوقات بعدها، لاحظوا ان هذه الآية لم يرد ذكر (بث الدواب) فيها .. ولكن في مرحلة أخرى من مراحل الخلق قال تعالى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)) في هذه المرحلة نجد ان خلق السماوات اكتمل وخلق القشرة الأرضية على الأرض اكتمل وهنا اصبح المطر ينزل من السماء أي ان الشمس والقمر والمجموعة الشمسية صارت موجوده ... لذلك بث الله كل دبه وانبات نبات وصف بانه كريم ... وهنا يمكن القول بان السبب من وصف النباتات بالكريمة هو لآنها نباتات عملاقة اجادت وساهمت في تكون التربة التي نعرفها اليوم وفي اطعام نوع من الحيوانات التي ظهرت خلال السته الأيام الأولى من تكون السماوات والأرض وبالتحديد ما بعد اليوم الرابع وهي أيام لازالت تمر بعملية التمهيد في الأرض وتكون في السماوات - وهنا سنجد ان الدواب التي بثت بهذه المرحلة هي الديناصورات.
الديناصورات مع النباتات التي وصفت بانها كريمة هي الأساس لأنها ساهمت في تشكل التربة التي نعرفها اليوم والتي تحتوي في تركيبها على المواد العضوية والمواد اللاعضويه، وكذلك ساهمت في تكون جيوب النفط تحت الأرض، وذلك نتيجة لتحللها فمنها مواد ظلت على الأرض كتربة ومواد تسربت الى جوف الأرض مكونه النفط، ولا اقصد هنا تحلل شجرة او مجموعه أشجار وانما غابات من الأشجار العملاقة، هناك أشجار عملاقة متحجرة تم اكتشافها في تايلاند تؤكد هذه الحقيقة يمكنكم الاطلاع عليها من خلال الرابط التالي:
- السؤال الثاني: رد الملائكة عليهم السلام بقولهم (تجعل فيها من يسفك الدماء) هذا يدل على ان هناك كائنات حية لها دماء وليس الجن المخلوقين من النار لان اجسامهم عبارة عن طاقات موجية من خلالها يستطيعون التنقل بسرعات كبيرة ويسترقون السمع ولا يمكن ان ينتج عنهم دماء لذلك يكون المقصود هو الديناصورات ... لان الديناصورات سفكت دماء بعضها وهي خلق من مخلوقات الله وهي اول من وجود من الدواب، هذه المعلومة أصبحت لدى الملائكة لان الله سبحانه وتعالى لم يذكر نوع الخليفة الذي سينزل على الأرض عندما خاطبهم .. اهو حيوان ام نبات ام مخلوق اخر ولكن الملائكة تعلم ان هناك بطش ودماء سالت في الأرض من مخلوقات وجدت فعلا ومن سيسكن الأرض سيحذو نفس حذوهم.

السؤال الثالث : يصعب الجزم بان ادم خلق نهاية اليوم السادس بل الفكرة تبدو مستحيلة، ولكن خلق ادم كان في يوم جمعة ولم يكون في يوم السبت مثلا او غيرة هي فكرة مقبولة وصحيحه كونها وردت ولكن ليس بالشرط ان تكون في نهاية اليوم لخلق السماوات والأرض، خاصه ان الحديث حدد وقت خلق ادم عليه السلام وهو ما بين العصر والمغرب أي فترة ما بعد الظهيرة وهذه فتره محدده لنا كبشر فنحن نعرف هذا التوقيت، وهو محدد بساعات وليس بسنين وهذا لا يعني ان الله خلق ادم خلال ساعات ولكن يعني انه بداء خلق ادم بهذا التوقيت، والمقصود فيه اظهار فضل وبركة يوم الجمعة.

اذن من المتوقع ان هناك فترة كبيرة مرت بعد خلق السماوات والأرض لا يعلمها الا الله وفيها تناوبت العصور على الأرض ليس الأرض فقط وانما السماوات أيضا ... ونزول ادم عليه السلام للأرض لا يتعدى 70 الف سنة واتوقع ان يكون اقل من ذلك بكثير.
تقبلوا خالص التقدير
وليد الغشم
 
توهم بطلان حديث "خلق الله التربة يوم السبت" (*)

مضمون الشبهة:

يتوهم بعض الناس بطلان حديث «خلق الله التربة يوم السبت» والذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد عصر يوم الجمعة».

مستدلين على ذلك بأن أهل الحديث استنكروا هذا الخبر، فضعفه البخاري بقوله: وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب وهو الأصح، وأن هذا الحديث يتعارض مع ما جاء به القرآن الكريم من قوله عز وجل: )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام( (يونس: ٣)، وقوله عز وجل: )ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب (38)( (ق)، إذ إن الحديث قد جعل خلق الأرض وحدها قد استغرق سبعة أيام، بينما أثبت القرآن في أكثر من موضع أن خلق السماوات والأرض معا كان في ستة أيام.

بالإضافة إلى أن هذا الحديث مخالف للآثار القائلة: إن أول الستة يوم الأحد وهو الذي نزل عليه أسماء الأيام: الأحد، الإثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس.

وجوه إبطال الشبهة:

1) لقد أكد العلماء على صحة الحديث سندا، فقد رواه مسلم في صحيحه، ورواه الإمام أحمد في مسنده، والنسائي، وابن مردويه، وابن أبي حاتم وغيرهم، وصحح إسناده أحمد شاكر والألباني والمعلمي اليماني، أما قول البخاري: "وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب الأحبار، وهو أصح " - فإنه لا يقدح في صحة رواية مسلم، وإنما هو من قبيل الأصح والصحيح، والأصح مقدم على الصحيح.

2) إن التفصيل الذي في الحديث الشريف غير التفصيل الذي في الآيات التي تتحدث عن خلق السماوات والأرض، لذلك فالواجب هو ضم أحدهما للآخر كما ذكر أهل العلم ذلك، كما أن خلق آدم لا يعد من الأيام الستة؛ لأن الأرض قد خلقت قبل خلقه ودبت عليها الحياة قبله بدليل قوله تعالى: )وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة( (البقرة:٣٠) كما أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إلى خلق السماوات، وإن لم ينص على ذكرها وذلك في يومي الأربعاء والخميس؛ لأن النور والحرارة تحتاجهما الدواب ومصدرهما الأجرام السماوية.

3) ليس هناك دليل على أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد، وما روي في ذلك من أحاديث مرفوعة لا تصح، وعامتها مأخوذة من الإسرائيليات، وكانت هذه التسمية قبل الإسلام تقليدا لأهل الكتاب، وهي تسمية طارئة؛ لأنها كانت في اللغات القديمة غير ذلك.

التفصيل:

أولا. الحديث صحيح سندا ولا مطعن فيه:

إن حديث "خلق الله التربة" حديث صحيح، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه قال: حدثني سريج بن يونس، وهارون بن عبد الله، قالا: حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال: خلق الله - عز وجل - التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم - عليه السلام - بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل»[1].

ثم قال مسلم: "قال إبراهيم: حدثنا البسطامي (وهو الحسين بن عيسى)، وسهل بن عمار، وإبراهيم بن بنت حفص، وغيرهم عن حجاج بهذا الحديث"[2].

ورواه الإمام أحمد في مسنده بالسند نفسه عن حجاج أيضا[3]، ورواه الإمام النسائي[4]، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن جرير، وغيرهم.

فالحديث - بداية - صحيح، أما ما وجه إليه من طعن في السند فهو مردود عليه بحمد الله، ولنبدأ بإسماعيل بن أمية راوي الحديث، فقد عدله المزي صاحب تهذيب الكمال فنقل آراء النقاد فيه، ومنهم أن يحيى بن معين، وأبا زراعة، وأبا حاتم، والنسائي، ومحمد بن سعد قد وثقه جميعهم.

وقال عنه أحمد بن حنبل: إسماعيل أقوى وأثبت في الحديث من أيوب، وقال - أيضا: أيوب ابن عم إسماعيل، وإسماعيل أكبر منه، وأحب إلي[5].

أما أيوب بن خالد والذي روى الحديث عنه إسماعيل بن أمية فقد قال عنه الألباني أثناء تصحيحه الحديث ردا على من أعل الحديث بأيوب بن خالد؛ لأن فيه لينا فقال: "ليس بشيء، فإنه لم يضعفه أحد سوى الأزدي، وهو نفسه لين عند المحدثين، فتبينه"[6].

وقال المعلمي اليماني: وأيوب لا بأس به، وصنيع ابن المديني يدل على قوته عنده"[7].

وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة ثقة، فقد وثقه العجلي، وأبو زرعة والنسائي وابن حبان[8].

هذا عن رجال الإسناد، بقي أن نوضح أن قول الإمام البخاري: "وهو أصح" لا يفيد إنكار الحديث أو تضعيفه - كما قالوا - وإنما هو من قبيل الصحيح والأصح؛ فأفعل التفضيل "أصح" لا تفيد التضعيف على الإطلاق، وقد علق الشيخ الألباني على قول الإمام البخاري: "وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح" - بقوله: "فمن هذا البعض؟ وما حاله في الضبط والحفظ حتى يرجح على رواية عبد الله بن رافع؟! وقد وثقه النسائي وابن حبان، واحتج به مسلم، وروى عنه جمع، ويكفي في صحة الحديث أن ابن معين رواه ولم يعله بشيء![9].

وهذا ما أكده د. سعد المرصفي قائلا: "قال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح، أي إنه وهم فيه أيوب على احتمال، ولم يجزم بخطئه، كما زعم شيخ المحدثين - على زعم من ادعى ذلك - قال: وهو أصح، وأفعل التفضيل لم ينف الصحة عن حديث أيوب، فهو من قبيل صحيح وأصح، والأصح مقدم على الصحيح، وهذا هو كلام المحدثين، مع علمهم أن تعليلهم للحديث لم يسلم عند كثيرين من المحدثين غيرهم، وعلى رأسهم مسلم، والنسائي وأحمد[10].

وتأسيسا على أقوال علماء الحديث الثقات في رجال هذا الحديث وبيان حقيقة قول البخاري نستطيع أن نؤكد أن حديث «خلق الله التربة» صحيح سندا، ولا يقدح فيه أي قول، ويتأكد ذلك أكثر بعد بيان صحة ما جاء به متن الحديث، وذلك في الوجهين الآتيين.

ثانيا. لا تعارض بين الحديث والقرآن في شيء:

لقد ظن بعض الناس أن حديث «خلق الله التربة يوم السبت»[11] يتعارض مع قوله عز وجل: )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام( وقوله تعالى: )هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش( (الحديد:٤)، وهذا ظن خاطئ منهم؛ لأن الآيات تتكلم عن خلق السماوات والأرض إجمالا، أما الحديث فإنه يفصل ما خلق في أيام خلق الأرض الأربعة التي ذكرت في الآيات، لهذا نجد جمعا كبيرا من علماء الأمة جعل ابتداء الخلق يوم السبت، وانتهاءه يوم الخميس، فهذه ستة أيام، وهي التي ذكرها الله في كتابه، وأما خلق آدم فجعلوه غير داخل في الأيام الستة، وبهذا يندفع الإشكال ويذهب التعارض، وقد اختلف في وجه عدم دخول اليوم الذي خلق فيه آدم - عليه السلام - في الأيام الستة على عدة أقوال؛ منها: أن خلق آدم - عليه السلام - مستقل عن خلق الأرض، ليس منها، فلا يكون يومه معدودا في الأيام الستة، حيث قال ابن هبيرة - رحمه الله - "لما كملت هذه الأشياء في ستة أيام كما قال - عز وجل - واستتب أمر الدار، مستدعية بلسان حالها قدوم الساكن حين تهيئة الأسباب، والفراغ من الرزق والمركب والرياش، وتبين ما يكره وما يطلب، كان خلق ساكن الدار - أبي البشر - في يوم الجمعة عند آخر النهار"[12].

ومنهم من ذكر أن أصل الأشياء هي التي خلقت في ستة أيام، وآدم ليس أصلا؛ وإنما هو كالفرع من بعضها، وبناء عليه، فلا يلزم أن يكون يوم خلقه من جملة الستة، وهذا ما ذهب إليه ابن الجوزي - رحمه الله، قال: "فإن قيل: فالقرآن يدل على أن خلق الأشياء في ستة أيام، وهذا الحديث يدل على أنها في سبعة؟! فالجواب: أن السماوات والأرض وما بينهما خلق في ستة أيام، وخلق آدم من الأرض، والأصول خلقت في ستة، وآدم كالفرع من بعضها"[13].

كما ذهب المعلمي إلى القول: بأن خالقية الله - عز وجل - لم تتوقف بعد الأيام الستة؛ لأن الله - تعالى - ما زال ولا يزال خالقا، فخلق آدم كان بعدها، وليس في القرآن ما يدل على أن خلق آدم كان في الأيام الستة حتى يقال: إنها صارت بهذا الحديث سبعة، ويزيد أن "في آيات خلق آدم في سورة البقرة، وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض عمار قبل آدم، عاشوا فيها دهرا، فهذا يؤكد القول: بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السماوات والأرض، فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان، يتضح لك إن شاء الله أن دعوى مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت ولله الحمد"[14].

وقد ذهب المفسرون إلى أن الجن سكنت الأرض قبل بني آدم وأفسدوا فيها لذلك قالت الملائكة: )قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة: ٣٠)، يقول الإمام القرطبي: "وقيل: إن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء؛ وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم وألحقهم بالبحار ورءوس الجبال فأخذته العزة[15].

أما ابن كثير - رحمه الله - فقد ذكر عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو أنه قال: كان الجن بنو الجان في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنة، فأفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، فبعث الله جندا من الملائكة فضربوهم، حتى ألحقوهم بجزائر البحور فقال الله تعالى للملائكة: )إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة:3٠)[16].

وقد ذكر الألباني أن هذه الأيام المذكورة في الحديث غير الأيام الستة المذكورة في القرآن، واستدل على ذلك بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا أبا هريرة، إن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الإثنين، والشر يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، والدواب يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة، في آخر ساعة من النهار بعد العصر، خلقه من أديم الأرض، بأحمرها وأسودها، وطيبها وخبيثها، من أجل ذلك جعل الله من آدم الطيب والخبيث»[17].

وقال الشيخ - رحمه الله - تعليقا على هذا الحديث: "الأيام السبعة في الحديث هي غير الأيام الستة في القرآن، فالحديث يتحدث عن شيء من التفصيل الذي أجراه الله على الأرض، فهو يزيد على القرآن، ولا يخالفه، وكان هذا الجمع قبل أن أقف على حديث الأخضر - يعني: الحديث المتقدم - فإذا هو صريح فيما كنت ذهبت إليه من الجمع، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات"[18].

كما صرح المستشار سالم علي البهنساوي في كتابه "السنة المفترى عليها" - أن الأيام الستة ليست هي التي فصلها الحديث النبوي فهو لم يذكر خلق السماوات ولا خلق الأرض، حيث ورد ذلك في القرآن الكريم بل ذكر خلق التربة والجبال والشجر والدواب وغير ذلك مما تم بعد خلق الأرض والسماوات، ولا تعارض بين هذا التفصيل وبين ما ورد في القرآن الكريم، ولا يوجد أيضا أي تعارض لو كان خلق هذه الأشياء خلال الأيام الستة التي خلق الله فيها الأرض والسماوات"[19].

ومما يزيد الأمر وضوحا ما ذكره المرصفي قائلا: "وواضح أن الحديث فصل خلق ما احتوته الأرض واشتملت عليه، بينما الآية تذكر خلق السماوات والأرض جملة، وحينئذ لا يكون تعارض.

يقول د. محمد السماحي: الحديث يقول: «خلق الله - عز وجل - التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد» فهذان يومان. «وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء»فإذا فسرنا المكروه بآفات الزروع والثمار، كان تقدير الأقوات وما يتعلق بها في يومين، فهذا تمام أربعة أيام.

بقي قوله: «وخلق آدم - عليه السلام - بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل» لا إشكال فيه بعد قوله تعالى: )هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء( (البقرة: ٢٩)، فظاهره أنه خلق وأعد لبني آدم ما يحتاجون له في الأرض، في تلك الأيام الأربع، ثم استوى إلى السماء، فقضاهن سبع سماوات في يومين، كما يشير إليه قوله تعالى: )فقضاهن سبع سماوات في يومين( (فصلت: 12)، فخلق آدم خارج عن نطاق الأيام الستة، قد يقال إن الآية تقول: )وجعل فيها رواسي من فوقها( (فصلت:١٠) بعد قوله: )خلق الأرض في يومين( (فصلت: ٩)، وهذا ينافي خلقها في اليوم الثاني، كما جاء في الحديث، لكن إذا تأملت قوله )وجعل فيها رواسي( (فصلت: ١٠) علمت أنه لا ينافي خلقها قبل ذلك، فالجبال من الأرض، وخلقها الله في الأرض، معها تضاريس غير مرتبة ولا منسقة، فإرساؤها في مكانها الذي يحفظ توازن الأرض في دورتها، ونقلها من مكان إلى مكان، بعوامل الزلازل والتعرية وغيرها، هو الذي جعلها رواسي، بعد أن لم تكن كذلك.

فالمعنى: صير فيها رواسي من فوقها، وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها، على أن قوله: )في أربعة أيام سواء للسائلين (10)( (فصلت). يدل على أن خلق الأرض والجبال، وتصييرها رواسي، ووضع البركة فيها، وتقدير أقواتها، كان في مدة أربعة أيام، من غير فصل، فكأن مبادئها كانت مختلطة في هذه الأدوار، من غير أن ينفصل كل دور عن سابقه تماما، وبذلك لا يتحقق التعارض بين الحديث والقرآن [20].

وأما بالنسبة لمن قال: إن الحديث اقتصر على خلق الأرض ولم يذكر شيئا عن خلق السماء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر السماء في الحديث الشريف، وإن كان لم ينص على ذكر السماوات؛ فإنه قد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس: النور، وفي السادس: الدواب، وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة والنور، ولا شك أن مصدرهما - أي الحرارة والنور - الأجرام السماوية.

وهذا ما قاله المعلمي - رحمه الله - "أن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام لم يذكر ما يدل أن من جملة ذلك خلق النور والدواب، وإذ ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئا، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت في التطور بما أودعه الله - تعالى - فيها، والله - سبحانه وتعالى - لا يشغله شأن عن شأن"[21].

وقد رد المرصفي على عدم وجود ذكر لخلق السماء في الحديث قائلا: قال د.محمد السماحي: وقوله صلى الله عليه وسلم: «وخلق النور يوم الأربعاء» وهذا ما يتعلق بالسماء، فالنور إنما هو نور الشمس والقمر والكواكب والنجوم.

وأما قوله: «وبث فيها الدواب يوم الخميس».

فأولا: لم يقل "خلق"، وفرق بين الخلق والبث.

وثانيا: لم تكن الدواب من أقوات الأرض بالأصالة، بل إنما خلقت الأقوات لها، فلو قلنا: إن الحديث إنما دل على تفريقها في الأرض، وهذا لا ينافي خلقها قبل ذلك، ولم يقل الحديث إنه لم يخلق في يوم الإثنين إلا الشجر، وعلى فرض أنه خلقها في يوم الخميس فلا نسلم أنها من الأقوات المرادة في الآية[22].

ثالثا. كانت بداية الخلق يوم السبت وليس يوم الأحد:

أما إن الحديث يخالف الآثار القائلة بأن ابتداء الخلق كان يوم الأحد فهذا كلام غير صحيح يقول الشيخ المعلمي: ما كان منها - أي الأحاديث - مرفوعا فهو أضعف من هذا الحديث بكثير، وأما غير المرفوع فعامته من قول عبد الله بن سلام، وكعب بن وهب ومن يأخذ عن الإسرائيليات، وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليدا لأهل الكتاب، فجاء الإسلام وقد اشتهرت وانتشرت، فلم ير ضرورة إلى تغييرها؛ لأن إقرار الأسماء التي قد عرفت واشتهرت وانتشرت لا يعد اعترافا بمناسبتها لما أخذت منه أو بنيت عليه، إذ قد أصبحت لا تدل على ذلك وإنما تدل على مسمياتها فحسب، ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي، فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام"[23].

ومما يؤكد ذلك أيضا قول الفقيه السهيلي: "وليس في تسمية هذه الأيام الأحد والإثنين إلى الخميس ما يشد قول من قال: إن أول الأسبوع الأحد وسابعها السبت، كما قال أهل الكتاب؛ لأنها تسمية طارئة، وإنما كانت أسماؤها في اللغة القديمة شيار وأول وأهون وجبار ودبار ومؤنس والعروبة، وأسماؤها بالسريانية قبل هذا أبو جاد هوز حطي إلى آخرها، ولو كان الله - عز وجل - ذكرها في القرآن بهذه الأسماء المشتقة من العدد، لقلنا: هي تسمية صادقة على المسمى بها، ولكنه لم يذكر منها إلا الجمعة والسبت، وليسا من المشتقة من العدد، ولم يسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأحد والإثنين إلى سائرها إلا حاكيا للغة قومه لا مبتدئا لتسميتها، ولعل قومه أن يكونوا أخذوا معاني هذه الأسماء من أهل الكتاب المجاورين لهم، فألقوا عليها هذه الأسماء اتباعا لهم، وإلا فقد قدمنا ما ورد في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد...» الحديث[24].

وتأسيسا على ما سقناه من قول الشيخ المعلمي، وقول الفقيه السهيلي وغيرهم، نقول: ليس من الضروري ابتداء الخلق يوم الأحد، كما قال أهل الكتاب؛ لأنها تسمية طارئة، فهي ليست صادقة على المسمى بها، كما أنه من المعلوم أن آخر أيام الخلق هو يوم الجمعة، كما نصت على ذلك الأحاديث الثابتة، وأجمعت الأمة على ذلك، أما أول أيام الخلق فلم يثبت أنه الأحد، وما ورد من روايات في ذلك فهي ضعيفة، أغلبها من أقوال كعب الأحبار، ووهب بن منبه وغيرهما ممن يأخذ عن الإسرائيليات، ومن ثم لا مجال للاحتجاج بها.

الخلاصة:

· إن حديث خلق التربة يوم السبت صحيح سندا، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، وكذلك الإمام النسائي، وصححه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ودافع عنه، والمعلمي اليماني، وأحمد شاكر وغيرهم من جهابذة الحديث.

· إن قول الإمام البخاري: "وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب وهو الأصح" لا ينفي صحة هذا الحديث؛ لأن الأصح لا ينفي الصحيح، وإن كان أقل منه درجة.

· ذهب العلماء إلى أن الحديث لا يتعارض مع الآيات التي تذكر أن خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام؛ وذلك لأن خلق آدم - عليه السلام - في اليوم السابع، لا يدخل في الأيام المعدودة، لأن آدم - عليه السلام - جزء من الأرض وليس منفصلا عنها - ودليل ذلك قوله تعالى: )ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12)( (المؤمنون)، وغيرها من الآيات التي توضح حقيقة خلق الإنسان.

· وذهب بعض العلماء إلى أن خلق آدم - عليه السلام - تأخر عن خلق السماوات والأرض المذكور في الآيات؛ وذلك لأن الأرض قد سكنها - قبل آدم - مخلوقات أخرى كالجن وغيرها ودليل ذلك قوله تعالى: )وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( (البقرة: ٣٠)، وهذا يدل على أن الجن سكنت الأرض قبل بني آدم، وهذا ما ذهب إليه المفسرون.

· وذهب فريق ثالث إلى أن الخلق المذكور في الآيات يختلف عن الخلق المذكور في الحديث، فالخلق المذكور في الآيات هو خلق السماوات والأرض جملة، أما الخلق المذكور في الحديث فإنه تفصيل لما خلق الله في الأرض من جبال وتربة وشجر ودواب وغير ذلك، وهذا لا يتعارض مع الآيات، ولكن يضم إليها.

· أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه إلى خلق السماوات والأرض، وإن لم يصرح بذلك؛ إذ الدواب تحتاج إلى النور والحرارة، ولا شك أن مصدرهما الأجرام السماوية، وهذا ما أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «وخلق النور يوم الأربعاء، وبث الدواب يوم الخميس».

· أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن بدء الخلق كان يوم السبت، وهذا هو الصحيح، أما من ذهب إلى أن بدء الخلق كان يوم الأحد فكان معتمدا على آثار موقوفة أو ضعيفة قياسا على هذا الحديث، وهي من الإسرائيليات التي أخذت عن كعب ووهب بن منبه وغيرهما من مسلمي أهل الكتاب، وهذا ما ذكره الإمام السهيلي في الروض الأنف، وعاب على من قال: إن أول الأسبوع الأحد لا السبت، ومن ثم فقد ثبتت صحة الحديث سندا ومتنا.
=====


(*) السنة المفترى عليها، سالم علي البهنساوي، دار البحوث العلمية، الكويت، ط4، 1413هـ/ 1992م. أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، السعودية، ط1، 1427هـ. الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل و التضليل والمجازفة، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م. أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م.

[1]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام، (9/ 3910)، رقم (6920).

[2] . شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3910).

[3]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، (16/ 146)، رقم (8323). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.

[4] . صحيح: أخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب: التفسير، باب: سورة البقرة، رقم (11010). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1833).

[5]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1415هـ/ 1994م، (3/ 47، 48).

[6]. سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، الدار السلفية، الكويت، ط2، 1404هـ، (4/ 450).

[7]. الأنوار الكاشفة، المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص187.

[8]. انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1415هـ/ 1994م، (14/ 485).

[9]. سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، الدار السلفية، الكويت، ط2، 1404هـ، (4/ 449، 450).

[10]. أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، ص41 بتصرف.

[11]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم، باب: ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام، (9/ 3910)، رقم (6920).

[12]. الإفصاح عن معاني الصحاح، ابن هبيرة، (8/ 150، 151). نقلا عن: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، السعودية، ط1، 1427هـ، ص367.

[13]. كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض، 1418هـ/ 1997م، (1/ 1038).

[14]. الأنوار الكاشفة، المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص187، 188.

[15]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م.

[16]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، (1/ 70).

[17]. إسناده جيد: أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب التفسير، باب سورة السجدة، رقم (11392)، وجود إسناده الألباني في مختصر العلو ص75.

[18]. مختصر العلو، الألباني، ص112، نقلا عن: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، السعودية، ط1، 1427هـ، ص368.

[19]. السنة المفترى عليها، سالم علي البهنساوي، دار البحوث العلمية، الكويت، ط4، 1413هـ/ 1992م، ص352.

[20]. أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، ص42: 44 بتصرف

[21]. الأنوار الكاشفة، المعلمي اليماني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص187 .

[22]. أبو هريرة في الميزان، د. محمد السماحي، ص124. نقلا عن: أضواء على حديث خلق الله التربة، د. سعد المرصفي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، ص42.

[23]. الأنوار الكاشفة، المعلمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص188.

[24]. الروض الأنف، السهيلي، دار الفكر، بيروت، 1409 هــ/ 1989م، ( 2 / 198).
جزاك الله خيرا، وقد أشرت في بحثي إلى خلاف العلماء في تصحيحه، وتصحيحه وتضعيفه هو على غلبة الظن، وهو من الأحاديث التي انتقدها بعض العلماء على مسلم في صحيحه، ويبقى الأمر محتملا، ومن صححه لا ينبغي القطع بتصحيحه، ومن ضعفه لا ينبغي له القطع ببطلانه، والله أعلم.
 
الجن المخلوقين من النار لان اجسامهم عبارة عن طاقات موجية من خلالها يستطيعون التنقل بسرعات كبيرة ويسترقون السمع ولا يمكن ان ينتج عنهم دماء

يجب التعليق على هذه النقطة، لأن هذا خطأ شائع.
الجن مثلنا لهم أجساد تحتاج الطعام والشراب، وليست أجساما نارية.
الجني الأول فقط هو من كان أصله من نار، مثل أن آدم كان أصله من طين. لكن جسمه لم يكن ناريا وجسم آدم بعد نفخ الروح فيه لم يكن طينيا، بل من لحم ودم.

والدليل هو أنهم يعذبون بالنار، سواء بإرسالها عليهم في شهب أو بوضعهم في جهنم. وأفضل دليل هو حديث مسك الرسول بخناق الشيطان الذي تفلت عليه في صلاته، حيث نجد فيه أنه خنقه حتى "وجد برد لعابه على يده".
إذن هي مخلوقات لها لعاب مثلنا. واللعاب ماء، لا نار.
 
عودة
أعلى