علاقة قوله تعالى :(ونقر في الأرحام) بحديث (رفقاً بالقوارير) والقراءة الجديدة للقرآن

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,331
مستوى التفاعل
138
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com

01.png


هاتفني اليوم أخي العزيز الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالله النور - وفقه الله - وكان عهدي به بعيداً، حيث كنتُ تحدثت معه حول القراءة الجديدة للقرآن الكريم، وما يسمونه بالنص المفتوح. وكان ذلك بعد سؤالٍ أثير في ملتقى أهل التفسير في 15/4/2004م تجدونه على هذا الرابط : خطورة ما يسمى بالنص المفتوح وعلاقته بتفسير القرآن الكريم. فأخبرني حينها أستاذي الدكتور تركي بن سهو العتيبي - حفظه الله - بمقالات ينشرها الأستاذ عبدالرحمن النور في مجلة اليمامة السعودية حول الموضوع .
وأخبرني الأستاذ عبدالرحمن النور في اتصاله الهاتفي أنه نشر مقالاً بعنوان :(ثقافة الصحراء) في المجلة العربية عدد(403) شعبان 1431هـ - أغسطس 2010م . كان سببه ذلك الحوار الذي دار بيننا حول القراءة الجديدة للقرآن الكريم قبل سبع سنوات، ويقول : أحببت أن تكون من أول من يقرأ المقال في المَجلة لنتناقش حول ما يمكن عمله لتطوير الفكرة . وقد ذهبت لموقع المجلة وقرأت المقال فأعجبني، وأحببت أن تشاركوني في قراءة المقال، فقد لفت فيه النظر إلى معنى جديد جدير بالقراءة ..


ثقافة الصحراء
أشغلني كثيراً هذا المصطلح الذي سار به الناس، وروى الكثير منهم أنهم أول ما سمعوا به كان على لسان والدي عبدالله نور، الذي يرقد الآن بسلام في رحمة الله -إن شاء الله- هذا المصطلح جعلني أتساءل كثيراً: ما علاقة العربية بثقافة صحراء الجزيرة العربية؟! وما هي العلاقة بين «ثقافة الصحراء» وحداثة «اللغة العربية» أو موضوع «القراءة اللغوية الجديدة»؟!
أستطيع أن أقول إن «دلالات» حروف اللغة العربية تقول إن الثقافة هي الإدراك التام الشامل لحقيقة الأشياء، ومن هذا التعريف فإن ثقافة الصحراء هي الإدراك التام الشامل لواقع اللغة العربية.
يردد كثير من الناس عبارة «رفقاً بالقوارير» وهي عبارة وردت في حديث الرسول الكريم محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-، فقد جاء في لسان العرب ما يأتي: «وفي الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأنجشة وهو يحدو بالنساء: رفقاً بالقوارير؛ أراد -صلى الله عليه وسلم- بالقوارير النساء، شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن وقلة دوامهن على العهد، والقوارير من الزجاج يُسرع إليها الكسر ولا تقبل الجبر، وكان أنجشة يحدو بهن رِكابهن ويرتجز بنسيب الشعر والرجز وراءهن، فلم يُؤمَن أن يصيبهن ما يسمعن من رقيق الشعر فيهن أن يقع في قلوبهن حُداؤه، فأمر أنجشة بالكف عن نشيده وحُدائه حذار صبوتهن إلى غير الجميل». انتهى كلام لسان العرب، وقد بدأت أسأل نفسي كثيراً عن المعنى الذي ذهب إليه الرسول الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه- بقوله: «رفقاً بالقوارير»، وتساءلت: هل يمكن قراءة نص هذا الحديث قراءة لغوية جديدة، تأتي بمعنى جديد، بعيداً عما يقوله العرب ولسان العرب، وكيف؟!
ورد في مسند الإمام أحمد: «... كان عامر شاعراً فنزل يحدو قائلاً:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اقتفينا * وثبت الأقدام أن لاقينا
وألقين سكينـة علينا * إنا إذا صيح بنا أتينا
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من هذا الحادي؟... إلى آخر الحديث».
قد يعجب القارئ حين يقرأ ما ورد في مسند أحمد عن هذا الحديث ويعلم أن الحداء في ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن فاحشاً حتى يحذر صبوة النساء إلى غير الجميل، وقد يتساءل القارئ مثلما تساءلت: لماذا لم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنجشة: رفقاً بالنساء؟ ولماذا لم يرد وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- النساء بالقوارير إلا في هذا الحديث وهذا الموضع؟
هنا يظهر دور حداثة «اللغة» أو القراءة الجديدة؛ لأن حداثة اللغة تبحث عن المعنى في «باطن» اللغة، لذلك حين أكملت ما جاء في لسان العرب وجدته يقول: «وقيل: أراد أن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واشتدت فأزعجت الراكب فأتعبته فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة، وواحدة القوارير: قارورة، سميت بها لاستقرار الشراب فيها. «انتهى كلام لسان العرب». وعدت بذاكرتي إلى محاضرة بعنوان «فيزياء اللغة»، في نادي الرياض الأدبي لصاحب مصطلح ثقافة الصحراء، والدي عبدالله نور -يرحمه الله- عرفت منها العلاقة بين فيزياء اللغة وفيزياء حروف اللغة، والعلاقة بين فيزياء الحروف والفيزياء الكونية، ومنها فيزياء الصحراء وكائناتها، ذلك أن «الإبل» هذه الكائنات الصحراوية العجيبة قد أودع الله فيها سراً عظيماً وهو أنها تتفاعل وتتحرك حركة فيزيائية دقيقة مضبوطة مع موجة صوت الحرف العربي، فتحرك رؤوسها ذات اليمين وذات الشمال، فتتمايل أجسادها ذات اليمين وذات الشمال مثل حركة رؤوس وأجساد المنشدين في صفوف عرضات «السامري»، حركة وجدانية مضبوطة بشكل عجيب على إيقاع صوت الحرف العربي وهو يموج ويتماوج ذات اليمن وذات الشمال. هذه الحركة لها تأثير قوي في تحريك «ماء الحياة» في بدء استقراره في «أرحام» النساء مما يجعل الأرحام تلقي ما بها كما تفقد القوارير ماءها عند كسرها، ولذلك فإن المعنى «الحديث» (أو الجديد) الذي تعقله فيزياء لغة العرب لكلمة «القوارير» هو «الأرحام».
أجل القوارير هي الأرحام، ومن عجيب ما يظهره علم تشريح جسد المرأة أن الرحم يظهر بشكل «قارورة» محكمة الخلق ليستقر فيها ماء الرجل، وهذا من عجيب خلق الله -تبارك وتعالى- ولذلك فإن هذا الحديث يظهر حرص الرسول الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه- في حفظ الحياة البشرية في أول مراحل تكونها وهو يعرف الصحراء وكائناتها وقد خشي أن تفقد بعض النساء الحوامل حملهن، فأمر أنجشة أن يرفق بالقوارير، أي بالأرحام، رحمة منه -صلى الله عليه وسلم- وهو المبعوث رحمة للعالمين، والله -سبحانه وتعالى- يقول في كتابه الكريم في سورة الحج الآية الخامسة: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مُخلّقة وغير مُخلّقة لنبين لكم ونقرُّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى).. الآية.
وهنا فإن فيزياء اللغة تظهر في فيزياء حروف الفعل, و«القارورة» من الفعل «قرَّ» وقرَّ الشيء أي اطمأن وسكن؛ ولذلك فإن الرحم هو قارورة يطمئن ويسكن فيها ماء الرجل، وقد اشتق اسمها من حروف الفعل «قرَّ»، والفائدة من هذه القراءة اللغوية الجديدة هي معرفة أن الرحم في أول مرحلة استقرار ماء الرجل فيه وبدء الحمل، حين يكون نطفة في طور الأربعين يوماً الأولى، يكون في هشاشة «الزجاج» بمعنى أنه سريع فَقْدَ الماء مثل الزجاج عند كسره متى ما تعرض لحركة أو هزة كافية من تلك الهزات أو الحركات التي تحدثها الإبل عند سماعها صوت الحداء، وهنا تظهر قمة البلاغة النبوية في تشبيه الرحم في هذه المرحلة بالقارورة، بل هو قارورة، بكل معنى الكلمة، وقد تفقد القارورة «الماء» متى ما توافرت «شروط» الحركة «الفيزيائية» لكسرها، سواء أكانت المرأة على ظهر بعير يحدو به الحادي في الصحراء، أم في قلب سيارة تتقاذفها حُفر الطريق، أو وهي تمارس رياضة وفرت فيها الشروط الحركية الكافية ليفقد الرحم ماءه.
ومن الخلط في المعنى اعتقاد أن القارورة تكون من الزجاج فقط، فقد ورد أيضاً في لسان العرب: «والقارورة: واحدة القوارير من الزجاج، والعرب تسمي المرأة القارورة وتكني عنها بها. والقارورة: ما قَرَّ فيه الشراب وغيره، وقيل: لا يكون إلا من الزجاج خاصة، وقوله تعالى: (قوارير من فضة)، قال بعض أهل العلم: معناه أواني زجاج في بياض الفضة وصفاء القوارير». انتهى كلام لسان العرب.
والصحيح في سنن اللغة أن القارور أو القارورة هو ما استقر فيه الشيء سواء كان من زجاج أو من غيره من المواد، ولذلك فإن الله العزيز الحكيم في الآية السابقة يعلمنا سنن هذه اللغة العربية العظيمة حين أعاد ذكر القوارير ووصفها بأنها (من فضة قدروها تقديرا) حتى لا يذهب ذهن القارئ إلى قوارير الزجاج، التي تكسر ويذهب شرابها؛ بل هي قوارير من فضة خالصة كلها أسرار إلهية عجيبة، وسمّاها الله قوارير لأن شرابها يقرّ فيها ولا تفقده أبداً، كما قال الله وهو سبحانه أعلم، قدروها تقديرا لما فيها من النعيم والسرّ الإلهي العظيم من اللذة واستقرار الشراب فيها.
أجل نحن بحاجة الآن إلى «حداثة اللغة العربية» لنبدأ القراءة اللغوية الجديدة التي تولد لنا معاني حديثة (جديدة)؛ لنبدأ قراءة «ثقافة الصحراء» قراءة جديدة، يحتاج فيها المرء إلى أن «يقرأ» لغة الصحراء وفيزياء وكيمياء الصحراء وحياة الصحراء وهندسة الصحراء، وكل شيء في هذه الصحراء، قراءة لغوية كونية جديدة، وليس من سبيل إلى ذلك إلا «بقراءة» حروف لغة الصحراء العربية ودلالاتها قراءة لغوية حديثة غير مسبوقة، وهنا أقول لوالدي عبدالله نور: يرحمك الله ألف ألف رحمة إذ وضعت بين يدي قراء اللغة العربية كتابك «نون القرآن الكريم» لنعرف منه دلالات حروف هذه اللغة العربية العظيمة؛ نحو قراءة لغوية ثقافية جديدة للغة الصحراء وحروف الصحراء وثقافة الصحراء.
نم يا أبا عبدالرحمن «قرير» العين في رحمة الله، وسوف تقرّ عينك وروحك -بإذن الله- حين تشرب من قوارير من فضة في جنات النعيم عند مليك مقتدر، هو ملك الملوك ورب الأرباب والحمد لله رب العالمين.​

المصدر : المجلة العربية

 
شكر الله لك شيخنا الدكتور عبد الرحمن
لأول مرة أدرك أن هناك ربط بين الأية والحديث ولأول مرة يمر علي هذا المعنى وهذا التفسير.
جزاك الله خيرا ونفع بك
 
نشرتُ الموضوعَ أولاً وقد قربت إقامة الصلاة، فلم أشأ حبسه حتى أكتب تعليقي عليه، وآثرت إن ألحقه بالتعليق في وقتٍ لاحقٍ.
إنَّ الدعوةَ للقراءة الجديدة للقرآن من الدعوات التي فيها حقُّ وباطلٌ، وإنه وإن كان الذين اشتهروا بالدعوة إلى القراءة الجديدة للقرآن من المشبوهين في دعوتهم كما تدل على ذلك أعمالهم، إلا أنَّ هذا ينبغي ألا يجعلنا نغفل عمَّا في هذه الدعوة من حقٍّ لا بُدَّ من الانتفاع به. وذلك أن هناك دقائق كثيرة في لغة القرآن وأساليبه، فات على المتقدمين الوقوف عندها وبيانها بياناً يفهمه أهلُ زماننا جميعاً، فلا بُدَّ للعلماء بالقرآن وما يتصل به من معارف أن يبينوا للناس هذه الأسرار، ويوضحوا ما اختصره المتقدمون، بحيث يستشعر القراء دلالات هذا القرآن العظيم، وسعة اللغة العربية الشريفة.
وما ذكره أخي المهندس عبدالرحمن النور في هذه المقالة جديرٌ بالتأمل، فلم يسبق لي أن قرأتُ أنَّ عِلَّةَ وصف النساء بالقوارير في حديث النبي صل1 هو اشتمالهنَّ على الرَّحِمِ الحاضنة للحمل، وأنَّ عِلَّةَ حركة الإبل عند الحداء هي هذا التناغم بين نغمة الحداء العربية وانسجامها مع ما ترتاح له هذه الإبل التي ألفت صحراء العرب.
وقد أحسن أخي عبدالرحمن عرض فكرته، وأحسب لديه من الأمثلة ما يدعم هذا الرأي الذي أرجو أن يكون له شأنٌ في كشف المزيد من أسرار هذه اللغة العالية . ويبقى ما توصل إليه اجتهاد منه عرضة للخطأ ، ولعله يظهر ذلك بعد تقليب هذا الرأي والتأمل فيه من الزملاء الباحثين في الملتقى .
وأرجو من إخواني الباحثين أن يكون هناك جهد علمي عميق يكرس للبحث في أسرار الدلالات في القرآن الكريم والإضافة العلمية لما استنبطه السابقون من القرآن بأصوله وضوابطه انطلاقاً من الدعوة للقراءة الجديدة للقرآن بأصولها وضوابطها، يوازي الجهد الذي يبذله إخواننا الباحثون في التصدي لجهل وكذب وتزوير وتحريف الداعين للقراءة الجديدة للقرآن الكريم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .
 
مِمَّا يُمكنُ أن يؤيَّد به ربط أخي عبدالرحمن النور بين وصف المرأة بـالقارورة، وأنَّ المقصودَ به قرارُ الجنين في الرَّحِمِ قوله تعالى في سورة المرسلات : (((أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ(22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ(23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ(24)))) {المرسلات}.
فقد سمى الله الرحم قراراً مكيناً .

 
موضوع رائع يا دكتور ..
ومنه أيضاً قرارهن في البيوت .. قال تعالي : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (33) سورة الأحزاب


ولا أدري لماذا .. تذكرت مقولة عمر رضي الله عنه زمن المجاعة يخاطب بطنة
" قرقري أو لا تقرقري .. والله لن تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين"
فلعلها أن تقرّ وتكف عن الاضطراب بسبب خلوها .. رضي الله عنه
 
لفتة لغوية قيمة جداً يشكر عليها الأستاذ عبدالرحمن النور ، وإن كانت القراءة الجديدة تنتج مثل هذا التدقيق في لغة القرآن فمرحبا بها ، وأما العبث والهدم الذي يحدث باسم القراءة الجديدة فلا مرحباً به .
 
كل عام وأنتم بخير، واسمحوا لي أن أخالفكم الرأي
فأنا أرى أن تعميم القول – إثباتا أو نفيا - في مثل هذه النظريات الحديثة – كهذي وكالإعجاز العلمي - فيه قدر غير قليل من الخطأ والتسرع، ولا بد من التفصيل، وتناول كل مسألة ببحث مستقل، أما التعامل بالعموم والإجمال فليس صوابا، ولن يؤدي إلى نتائج مرضية.
ولنا أن نأخذ مثالا هذه المسألة، فمع كل الاحترام للأستاذ المهندس، وللمعجبين بهذه النظرية، فلي عليها الإشكالات الآتية:
1- لفظ قوارير – ومفرده قارورة – ليس عربيا قطعا، بل هو من الأعجمي في القرآن، من الآرامية. ومن الدليل على ذلك: أن العربية لا تعرف وزن (فاعول – فاعولة) وإنما استوردته من لغات أخرى، وقد جاء عليه في الآرامية أعلام (طالوت – جالوت – قابوس – جارود) وأسما (طاغوت – ناموس - حانوت) وأما أسماء الآلة فهو فيها العمدة (طاحون – نافورة – ساطور – عامود – ناقور: آلة إيقاعية – ناقوس: جرس) ومن بقاياه في اللهجات الشامية (ناطور: حارس – جارور: دُرْج – بارودة: بندقية) واليمنية (شاقوص: منفذ للضوء – فاروع: معول – دافور: موقد القاز) وقد أخذته المجامع اللغوية فصاغت عليه (حاسوب) وكل ما سبق يؤكد أنه لفظ غير عربي، بل آرامي سرياني.
2- اشتقاق الاسم من الفعل خطأ ومردود لغويا، فمن المقرر في علم اللغة الحديث: أن الاشتقاق جرى كالتالي: (الأصل الحسي: الاسم) ← (الأصل المجرد: المصدر) ← الفعل. فالفعل على هذا آخر شيء ظهورا، وربما سبقه الحرف. وهاكم مثالين على ذلك: ناقة ← أناقة ← تأنق، ثور ← ثورة ← ثار. فينبغي أن يكون: قارورة ← قر. أما العكس فخطأ لا يقبله لغوي، وهو مردود، وما بني على باطل فهو باطل. وقد انقرض منذ زمن ذلك الخلاف بين نحاة البصرة والكوفة في أصل الاشتقاق، آلاسم أم الفعل؟ فقد قضي للبصرة على الكوفة.
3- صرف النصوص – خاصة الشرعية – عن المتبادر إلى ذهن العربي الأول غير سائغ ولا مقبول،إلا بدليل، أو على الأقل قرينة واضحة.وقد يقول قائل: ما أدرى الرسول بشكل الرحم؟ والحمدلله لسنا شيعة لنخلع عليه صل1 علم الغيب، وما كان وما يكون. ففي مثل هذا التفسير افتيات على بلاغة رسول الله الذي أوتي جوامع الكلم. وفتح هذا الباب سيؤدي للتزرية بالنص الشرعي، والسخرية منه – إن لم يكن تكذيبه - فيما لو خالف القاعدة العلمية، تماما كما هو الأمر مع الإعجاز العلمي. وإنما قصد الرسول صل1 التشبيه؛ تعبيرا عن رقة إحساس المرأة ورهافته، فشبهه بالزجاج سريع الكسر، ومستحيل الشعب. وواقع الحال يشهد أن ملايين بنات المسلمين المراهقات ومن فوقهن قد فتنهن الشيطان بأصوات المطربين منذ عبدالحليم حتى آخر مغن اليوم. بل لقد سجل التاريخ المعاصر حالات انتحار لبنات بسبب وفاتهم أو حتى إصابتهم بحادث. وليس يمنع مثل هذا السفه والطيش إلا تربية دينية سليمة. ولقد ذكرني فعل الأستاذ المهندس بفعلة عمرو خالد؛ لما تناول الحديث الشريف " إنكن أكثر أهل النار " ففهم عمرو منه أن الرسول صل1 " بيهزر مع النسوان " وحاشاه صل1 من هذا الخطل.
4- القوارير ليس لها شكل واحد؛ بل منها المدور والمربع والمثلث وغيرها بالعشرات.. فإذا صح أن واحدا من هذه الأشكال يشبه رحم المرأة، فهو مجرد صدفة، كما إن بريطانيا وإيطاليا – في الخريطة - تشبهان الحذاء، ولا بد من استخدام الخيال عندئذ. ومن النوادر الطريفة أن عميد المترجمين في لندن – وهو الدكتور صفاء خلوصي – قال متندرا: إن شكسبير عربي الأصل، واسمه قبل التحريف الشيخ زبير، فرويت عنه ولم تكن سوى دعابة. وبما أن الأستاذ مولع بالفيزياء، فدعوني أذكره بنظرية الأواني المستطرقة. ثم لي سؤال: هل قناة فالوب مثلا تشبه شيئا من القنوات المائية؟ عجبا.
5- يلجأ صاحب النظرية إلى المنهج الانتقائي، فيكتفي بنص واحد ليثبت ما توصل إليه، ويقصي النصوص الأخرى، وغير خاف أن هذا منهج غير علمي، وغير مقبول. فمثلا: القارورة لا تكون إلا من الزجاج نعم، وإذا كانت من غيره فلا تسمى قارورة. وأما قوله تعالى " قوارير من فضة" فيؤكد هذا ويعضده، ويدعمه ولا ينفيه؛ كأنه تبارك وتعالى يقول: ليس نعيم الجنة بالمعروف ولا المألوف لديكم، وفي الآية تصرف بلاغي عجيب. والأستاذ قد أخذ هذه الآية وتغافل عن مثل قوله تعالى {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }النمل44 ولو لم تكن زجاجا شفافا، فكيف تحسبه ملكة سبأ ماء، فتكشف عن ساقيها؛ كي لا تبتلا؟ ومثله استدلاله بقرار مكين، وكان عليه أن يتناول لفظ قرار حيثما ورد في التنزيل، لا أن يختار موضعا واحدا، ثم عليه يبني قاعدته، وإلا فماذا يقول عن قوله تعالى {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }المؤمنون50. وهنا لي ملاحظة على ابن منظور، لا على ابن النور؛ فقد زعم أن وصف المرأة بالقارورة هو من ديدن العرب، ونعم قد كان هذا ولكن بعد حديث أنجشة رضي الله عنه، فأما قبله فالتحدي قائم لابن منظور وغيره: أن يأتي بنص واحد، يشهد لزعمه.
 
بارك الله فيكم أخي رصين على هذه التعقبات التي ستسر الباحث الأخ عبدالرحمن النور ، ولعله يتولى مناقشتك بنفسه، وإن كنتُ أراك تسارع لإثبات عجمة الكثير من الألفاظ العربية وإرجاعها للسريان أو غيرهم وتجزم بذلك كأَنَّكَ شهدتَ لحظة ولادتها دون العالمين، وأخشى أن تكون أصابتك لوثة المستشرقين الذين يرددون هذا في كتبهم هم وتلامذتهم دون دليل. وتجزم برأيٍ في أصلِ الاشتقاق لم يزل أهلُ اللغة مختلفين فيه إلى اليوم ، ورفعُ الخلافِ فيه صعبٌ جداً ، ولكن لا بأس بهذا في النقاش العلمي فالغرض هو الفائدة لنا جميعاً بارك الله فيكم ونفع بعلمكم .
 
السلام عليكم، وعيد مبارك..

1- في تقديري أن هذا الربط بين الحديث ومعنى القرار في الرحم، عجيب ولا مبرر له، وإلا جاز لنا أن نجمع كل مشتقات اللفظ وإدارجها في معنى اللفظ..
من الطبيعي أن يكون لكل لفظ عدد كبير من المشتقات اللغوية يستعمل كل واحد منها في سياق من السياقات، ولكن ليس من الضروري أن تصلح جميع المشتقات لجميع السياقات.

2- حديث (رفقا بالقوارير) كان موضوعا لحوار إلكتروني متحمس بيني وبين مهتديين كنديين في الأيام الثلاثة الأخيرة، حيث أرسل أحدهما ترجمة رديئة للحديث، لا أدري سبب الوقوع فيها، حيث قال المرتجم (Doucement avec les perles) ومعناها: (رفقا باللآلئ)..
فدخلت في حوار لبيان الخطأ في الترجمة، وأيضا الخطأ في فهم المراد النبوي من الحديث.
وسأذكر هنا جملة ما أراه في المعنى المراد، وتنبيهي إن كنت مخطئا:

الحديث، في ما وجدت في تخريجه، ورد عن أنس بن مالك..
1- أخرج المروزي عن أنس بن مالك : كان البراء جيد الحداء ، وكان حادي الرجال ، وكان أنجشة يحدو بالنساء ، فحدا ذات يوم ، فأعتقت الإبل ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم :" رويدك يا أنجشة ، رويدك سوقك بالقوارير"

2- وفي رواية أخرى عن أنس بن مالك : كان رجل يسوق بأمهات المؤمنين ، يقال له أنجشة ، فاشتد في السياقة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أنجشة ، رويدك سوقك بالقوارير"

3- وفي رواية ثالثة عن أنس بن مالك أيضا : أن النبى صلى الله عليه وسلم كان في مسير ، وكان حاد يحدو بنسائه أو سائق ، قال : وكان نساؤه يتقدمن بين يديه فقال : " يا أنجشة ويحك ارفق بالقوارير".

فهل كان المراد بالقوارير هنا: النساء أم الإبل؟ أم الاثنان معا؟

نعم، أدرك أن جملة ما قرأته في شرح العبارة يشير، كما جاء في لسان العرب، إلى أن العرب تسمي النساء بالقوارير: "أَراد، صلى الله عليه وسلم، بالقوارير النساء، شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن وقلة دوامهن على العهد، والقواريرُ من الزُّجاج يُسْرِع إِليها الكسر ولا تقبل الجَبْرَ، وكان أَنْجَشَةُ يحدو بهن رِكابَهُنَّ ويرتجز بنسيب الشعر والرجز وراءهن، فلم يُؤْمَنْ أَن يصيبهن ما يسمعن من رقيق الشعر فيهن أَو يَقَعَ في قلوبهن حُداؤه، فأَمر أَنجشَةَ بالكف عن نشيده وحُدائه حِذارَ صَبْوَتِهن إِلى غير الجميل."

ولكن، ورد أيضا في لسان العرب بعد بضع فقرات: "والقَرُّ: مَرْكَبٌ للرجال بين الرَّحْل والسَّرْج، وقيل: القَرُّ الهَوْدَجُ؛ وأَنشد: كالقَرِّ ناسَتْ فوقَه الجَزاجِزُ وقال امرؤ القيس: فإِمَّا تَرَيْني في رِحالةِ جابرٍ على حَرَجٍ كالقَرِّ، تَخْفِقُ أَكفاني وقيل: القَرُّ مَرْكَبٌ للنساء."

ونجد أيضا في لسان العرب:
"أَقَرَّ الله عينه: مشتق من القَرُور، وهو الماء البارد، وقيل: أَقَرَّ اللهُ عينك أَي صادفت ما يرضيك فتقرّ عينك من النظر إِلى غيره، ورضي أَبو العباس هذا القول واختاره، وقال أَبو طالب: أَقرَّ الله عينه أَنام الله عينه، والمعنى صادف سروراً يذهب سهره فينام؛ وأَنشد: أَقَرَّ به مواليك العُيونا أَي نامت عيونهم لما ظَفِرُوا بما أَرادوا.
وقوله تعالى: فكلي واشربي وقَرِّي عَيناً؛ قال الفراء: جاء في التفسير أَي طيبي نفساً، قال: وإِنما نصبت العين لأَن الفعل كان لها فصيرته للمرأَة، معناه لِتَقَرَّ عينُك، فإِذا حُوِّل الفعلُ عن صاحبه نصب صاحب الفعل على التفسير.
وعين قَرِيرةٌ: قارَّة، وقُرَّتُها: ما قَرَّت به.
والقُرَّةُ: كل شيء قَرَّت به عينك، والقُرَّةُ: مصدر قَرَّت العين قُرَّةً."

إذن لم لا يكون مراد النبي (ص) الذي أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا، أن يجمع عددا من المعاني في نفس الوقت:
- "رفقا بالإبل" لأن الحادي جعل قافلة النساء تسرع في المسير أكثر من قافلة الرجال، وسيؤدي هذا الأمر للحاق إبل النساء بإبل الرجال.
- "رفقا بزوجات النبي (صلى الله عليه وسلم)"، اللواتي قد يتعب جلستهن الطويلة في الهودج إسراعُ الإبل
- "رفقا بزوجات النبي (صلى الله عليه وسلم)" لأنهن قرّة عين النبي (صلى الله عليه وسلم).
- "رويدك سوقك بإبل النساء (أو بالنساء)" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقدم براحلته إبلَ زوجاته، ولاحظ أن هذه الإبل ستتجاوزه في القافلة، فأراد تنبيه الحادي كي لا يتجاوزه ركب النساء.

أجدني أميل لفهم الحديث بجميع هذه المعاني، والتي لا دخل لها مطلقا بمفهوم القرار في الرحم، الذي يمثل في أقل الحالات تأويلا بعيدا لا وجود لدليل على أنه مراد النبي (صلى الله عليه وسلم).

وفي تقديري الخاص/ لا وجود لدليل في ألفاظ الحديث على أن إشارة النبي (صلى الله عليه وسلم) مرتبطة بجمال صوت الحادي أو بمعاني الشعر التي كان يذكرها، وإنما فقط بسرعة أداء الحداء (rythm) التي أدت إلى إسراع الإبل.. ولذلك أجدني لا أستسيغ ما جاء فس لسان العرب من أن المراد هو الخوف على قلوب النساء (فلم يُؤْمَنْ أَن يصيبهن ما يسمعن من رقيق الشعر فيهن أَو يَقَعَ في قلوبهن حُداؤه)..
 
السلام عليكم ورحمة الله
كل عام انتم بخير
جزاكم الله خيرا على هذا النقاش وبارك فيك يا أبا عبدالله وقد صرحت في أول كلامك بطلب المشاركة في التعليق على المقال
ولا أرى في الحديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أنجشة رضى الله عنه الرفق بهن وأراد جمال الصوت ، بل ربما أراد الرفق في سوق الإبل والمعروف عند العرب أن من يسوق الإبل لا بد أن يرفع صوته
( وخاصة إذا كان الجمل رزين ، وفيه رفايص )
 
القراءة الجديدة، المبنى والمعنى

القراءة الجديدة، المبنى والمعنى

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين،والصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله الطيبين وأرضى اللهم عن صحابته الميامين، وبعد:
القراءة الجديدة، وما أدراك ما القراءة الجديدة؟!
القراءة هي استخراج المعنى من ألفاظ (مباني) اللغة .
واللغة في واقعها "بنيان"، أي أن اللغة "مبنية" من حروف (أساسية) وهي ما يسميه علماء اللغة حروف "المباني" (وهي حروف الهجاء)، ولكل حرف من حروف "المباني" معنى خاص به؛ أي أن لكل حرف مبنى ولكل مبنى معنى. وحروف المباني تتطور إلى "وحدات لغوية" أكبر بمعاني لغوية أكبر، منها الفعل ومنها الاسم ومنها الحرف وهو ما يسمى عند علماء اللغة التقليديين "حروف المعاني"؛ ولكن في نظرية القراءة الجديدة كل حروف اللغة (الأساسية) هي حروف مباني وحروف معاني في آن واحد، وكما قلت لكل حرف مبنى ولكل مبنى معنى.والقاعدة اللغوية التي تقول : "الزيادة في المبنى زيادة في المعنى"؛ تنطبق على "بنية" الحروف قبل كل شيء.
وإذا كانت القراءة هي استخراج المعنى من ألفاظ (مباني) اللغة؛ فإن القراءة الجديدة هي استخراج معاني جديدة من مباني اللغة على عدة مستويات (لغوية) يتلو بعضها بعضا وهي:
المستوى الأول: قراءة دلالات معاني "الحرف" بالنسبة لموقعه في "الكلمة".
المستوى الثاني:قراءة دلالات معاني "الكلمة "بالنسبة لموقعها في "الجملة"
المستوى الثالث:قراءة دلالات معاني "الجملة" بالنسبة لموقعها في "الكلام"
المستوى الرابع: قراءة دلالات معاني "الكلام" بالنسبة لموقعه في "الحدث"
وإذ ذكرت كلمة "الحدث"؛فإن القضية ترتبط بحداثة اللغة أو بحديث اللغة أو بما تحدثنا به اللغة في كل مرة نقرأ فيها اللغة، أي أن وظيفة القراءة الجديدة هي دراسة مباني ومعاني الحروف والكلمات والجمل والكلام والحدث للوصول إلى معاني جديدة تؤيد وتساند المعاني القياسية (الأولى) الصحيحة للمباني القياسية الأولى؛ وبذلك فإن وظيفة القراءة الجديدة هي زيادة اليقين والإيمان وليس نقض ذلك، إما إذا حدث نقض للمباني (الثوابت) والمعاني (الثوابت)؛ فإن القارئ قد أخطأ في بعض أو كل قراءته لسبب من الأسباب، وفي نظري أن مصطلح"القراءة الجديدة" كما يعرف في أدبيات ما بعد الحداثة لم يصل طلابه إلى شيء؛ لسبب بسيط وهو أن الحكم على شيء فرع عن تصوره؛ ولم يصل أحد بعد إلى الصورة الكلية (أو الجزيئة) لما يسمى بالقراءة الجديدة؛ لأن هذه النظرية تحتاج إلى لغة ذات صفات قياسية ثابتة حتى يمكن استنباط قواعدها وأصولهاولا يوجد لغة ذات صفات قياسية ثابتة إلا اللغة العربية؛ إذا القضية تخص طلاب اللغة العربية وأساتذها في المقام الأول والأخير.
ما هو دور علم الفيزياء والهندسة في القراءة الجديدة؟
علم الفيزياء هو علم دراسة المادة وحركتها، واللغة العربية هي في حقيقتها "مادة" هي "المباني"أي الحروف ،وللغة العربية حركة هي حركة المعاني في سياق الحروف والكلمات والجمل والكلام والأحداث.
وعلم الهندسة هو علم الحد والقياس ،و اللغة بمبانيها ومعانيها لها حدود ولها مقاييس، ونظرية القراءة الجديدة تستفيد من علم الفيزياء وعلم الهندسة في استنباط الأصول والقواعد لهذا العلم الجديد، واستنباط حدوده ومقاييسه.
أعود ، بعد هذه المقدمة المختصرة؛ إلى كلمة القوارير التي وردت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :"رفقا بالقوارير يا أنجشة" ، و أقول أنني وصلت إلى معنى "القوارير" في هذا الحديث وهو "الأرحام"، بعد دراستي للمباني " اللغوية" ومعانيها حسب المستويات الأربعة التي ذكرت أعلاه.
وقلت إن كلمة "قوارير" جاءت من الفعل "قر"، وحروف الفعل قر هي الحرف "قاف" والحرف "راء" مكررا .
وقلت إن القارورة هي (ما استقر فيه الشيء)، واستقر الشيء أي "ثبت" الشيء ضمن حدود معروفة.
وفائدة هذه القراءة الجديدة هي في معرفة المعاني الدقيقة للغة وتصحيح ما يرد في معاجم اللغة فمثلا ورد في تعريف كلمة "قرية" في معجم مقاييس اللغة :" القاف والراء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على جمعٍ واجتماعٍ. من ذلك القرية، سمِّيت قريةً لاجتماع النَّاس فيهاوهذا تعريف غير دقيق، فهل يمكن أن نطلق على مكان صلاة العيد مثلا قرية لأن الناس يجتمعون فيه، أو نسمي السوق قرية لأن الناس يجتمعون فيه؛ إن حرف القاف يدل على استقرار شيء في شيء ، وعلى هذا فإن حروف كلمة قرية تدل على المكان الذي "يستقر" فيه جمع من الناس،(لاحظ التشابه البنيوي على مستوى حرفي القاف والراء بين كلمة قرية وقارورة)؛ فالاستقرار لا يكون استقرار لاجتماع الناس فقط في مكان ما؛بل لطول بقائهم ومكثهم (وثباتهم) في ذلك المكان، وهذا معنى كلمة "قرية". هنا يظهر حدود للمباني والمعاني ومقاييس يقاس عليها مباني ومعاني كلمة "قرية".
خذ مثلا كلمة "القر" فقد ورد في لسان العرب : "والقَرُّ: مَرْكَبٌ للرجال بين الرَّحْل والسَّرْج، وقيل: القَرُّ الهَوْدَجُ؛ وأَنشد: كالقَرِّ ناسَتْ فوقَه الجَزاجِزُ وقال امرؤ القيس: فإِمَّا تَرَيْني في رِحالةِ جابرٍ على حَرَجٍ كالقَرِّ، تَخْفِقُ أَكفاني وقيل: القَرُّ مَرْكَبٌ للنساء."
وهنا فإن القر من حرف القاف و الراء يعني مركب للرجال أو الهودج لأن هذا المركب "يستقر" أي "يثبت" بين الرحل والسرج، كما يسمى الهودج "قر"لأنه "يستقر" أي يثبت على ظهر الجمل.
خذ مثلا كلمة "قرة" العين أو قرت العين، فقد ورد في لسان العرب:
"أَقَرَّ الله عينه: مشتق من القَرُور، وهو الماء البارد،...
فلماذا سمي الماء البارد القرور، هل لأنه مصنوع من الزجاج؟!
المعنى في الفيزياء؛ فإذا ارتفعت درجة حرارة الماء تبدأ جزيئات الماء "بالاضطراب " والحركة" وتجاوز حالة "الاستقرار" و"الثبات" ويظهر ذلك جليا في "غليان" الماء واضطرابه عند درجات الحرارة العالية؛لذلك فإن الماء البارد هو في حالة "استقرار" وثبات فيزيائية وتنطبق عليه الدلالات القياسية لحرف القاف والراء ، وهنا تظهر عبقرية اللغة العربية بتسميته بالقرور؛لاستقراره وثبات جزيئاته، وليس لأنه مصنوع من زجاج!!
وعين قَرِيرةٌ: قارَّة، وقُرَّتُها: ما قَرَّت به.
والقُرَّةُ: كل شيء قَرَّت به عينك، والقُرَّةُ: مصدر قَرَّت العين قُرَّةً."
وقرة العين لأن العين "تستقر" وتثبت" في مكانها وهذه الحالة دليل على الاطمئنان لدى الإنسان، لأن حالة الخوف أو القلق تظهر في عين الإنسان باضطراب "حدقة" العين واهتزازها، وهي حالة ضد الاستقرار والثبات.
وقد يعجب المرء حين يعلم أن العرب تسمي حدقة العين "قارورة" العين؛ لأن الحدقة تحتوي على "ماء" العين ويستقر فيها على نحو ما يستقر الماء في "القوارير"، مع أن العين ليست من مادة الزجاج، وليس كما ورد في لسان العرب والقارورة: حَدَقة العين، على التشبيه بالقارورة من الزجاج لصفائها وأَن المتأَمّل يرى شخصه فيها؛ قال رؤبة: قد قَدَحَتْ من سَلْبِهِنَّ سَلْبا قارورةُ العينِ"، بل إنها قارورة لاستقرار ماء العين فيها؛ ويزداد العجب إذا علم المرء أن العرب تقول "أبرد الله دمعة عينيه" ففي لسان العرب أيضا وفي حديث الاستسقاء:" لو رآك لقَرَّتْ عيناه أَي لَسُرَّ بذلك وفَرِحَ، قال: وحقيقته أَبْرَدَ اللهُ دَمْعَةَ عينيه لأَن دمعة الفرح باردة"، وورد في الصحاح في اللغة :" وأقَرَّ الله عينَه، أي أعطاه حتَّى تَقَرَّ فلا تطمح إلى من هو فوقه.ويقال: حتَّى تبرد ولا تسخن. فللسرور دمعةٌ باردة، وللحزن دمعة حارَّةٌ. وهنا يظهر دور دراسة المادة وحركتها في فهم اللغة العربية ؛ لأن الدمعة الباردة هي إشارة إلى استقرار العين (قرة العين)؛لأن ماء العين بداخل الحدقة إذا سخن اضطرب وتحرك وجاوز الاستقرار والثبات (كما ذكرت أعلاه ) وبسبب اضطراب هذا الماء تضطرب حدقة العين ولا تستقر وهذا ما يحدث في حالة الحزن والقلق والخوف والغضب، وفي هذا العجب كل العجب من هذه اللغة العجيبة.والله تعالى أعلم.
وأما قول الله عز وجل: ذاتِ قَرارٍ ومَعِينٍ فقد ورد في لسان العرب ما يلي:" وقول عز وجل : ذاتِ قَرارٍ ومَعِينٍ:؛ هو المكان المطمئن الذي يستقرّ فيه الماء.وهنا يظهر معنى الاستقرار أي الثبات ضمن حدود معروفة، وهو المعنى في "قرار" الماء في القارورة وفي قرار ماء الرجل في رحم المرأة.
وفي الحديث: أَفضلُ الأَيام عند الله يومُ النحر ثم يوم القَرِّ؛ قال أَبو عبيد: أَراد بيوم القَرِّ الغَدَ من يوم النحر، وهو حادي عشر ذي الحجة، سمي يومَ القَرِّ لأَن أَهل المَوْسِمِ يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر في تعب من الحج، فإِذا كان الغدُ من يوم النحر قَرُّوا بمنًى فسمي يومَ القَرِّ؛لأن الحجاج يستقرون في منى أي "يثبتون" في منى.
والقُرُّ: البَرْدُ عامةً، بالضم، وقال بعضهم: القُرُّ في الشتاء والبرد في الشتاء والصيف، يقال: هذا يومٌ ذو قُرٍّ أَي ذو بَرْدٍ، وسبب تسمية البرد بالقر لأن الناس في اليوم البارد تقل حركتهم ويكثر استقرارهم وثباتهم في أماكنهم؛ لذلك سمي البرد "قرا"، والأمثلة كثيرة في اللغة العربية.
وبعد هذه المقدمة، أشكر الأخ /عبدالرحمن الشهري على طرحه هذا الموضوع في هذا الملتقى المبارك إن شاء الله، وأشكر جميع الأخوة المشاركين الأفاضل على تعليقاتهم على هذا الموضوع و أخص الأخ رصين الرصين، بتعليقي هذا فأقول:
لو كانت علة تسمية القوارير بهذا الاسم لأنها مصنوعة من الزجاج فقط؛ لرأيت العرب تسمي "الكأس" المصنوع من الزجاج قارورة أيضا، ولضاقت علينا الأرض بما رحبت حين يظهر في زماننا "قوارير" مصنوعة من البلاستيك أو من الألمنيوم فلا ندري كيف نسميها لأنها ليست مصنوعة من الزجاج، علما بأن شيوع وانتشار صناعة القوارير من الزجاج ليس لصفاء الزجاج فبعض الزجاج له ألوان قاتمة حسب طريقة التصنيع؛ وقد شاع وانتشر تصنيع القوارير (لحفظ الماء أو السوائل الأخرى) من الزجاج لسهولة تصنيعها وذلك بتسخين مادة الزجاج ونفخها، كما أن الزجاج لا يتفاعل مع السوائل و لا يغير من طبيعتها؛ لكن تسمية القوارير لم تأتي لأنها مصنوعة من زجاج؛بل لأن (الشراب/الماء) يستقر في بطنها.
أما قولك وبما أن الأستاذ مولع بالفيزياء، فدعوني أذكره بنظرية الأواني المستطرقة. ثم لي سؤال: هل قناة فالوب مثلا تشبه شيئا من القنوات المائية؟ عجبا.
فأقول : إن كلمة "قناة" تعني الحيز الذي "ينقل" الأشياء(عادة الماء) من نقطة إلى أخرى على نحو مستقر وثابت(أي لا يفقد منه شيئا)، وقد يزداد عجبك إذا علمت أن قناة فالوب هي "قناة" تصل ما بين المبيض والرحم في المرأة ووظيفة هذه القناة هي "نقل" ماء الرجل من الرحم إلى أعلى القناة حيث توجد "بويضة" المرأة وهناك يحدث التخصيب، أي أن الشروط الفيزيائية والوظيفية واللغوية التي من أجلها تسمى قناة الماء " قناة " تنطبق على قناة فالوب ولذلك تسمى قناة، وجواب السؤال: أجل قناة فالوب تشبه كل الشبه قنوات الماء؛فازدد عجبا على عجب.
أما قولك :"يلجأ صاحب النظرية إلى المنهج الانتقائي، فيكتفي بنص واحد ليثبت ما توصل إليه، ويقصي النصوص الأخرى"
فإن قراءة المعنى الجديد تأتي ضمن المستويات الأربعة التي ذكرت أعلاه؛ أي يتحدد المعنى حسب دلالة الحرف وموقعه من الكلمة ودلالة الكلمة وموقعها من الجملة ودلالة الجملة وموقعها من الكلام ودلالة الكلام وموقعها من " الحدث"، وهذه انتقائية يفرضها سياق هذه المستويات وليست انتقائية مزاجية، وعلى كل حال فإن القارئ (الجديد) سيرى "رابطة لغوية" تتكرر باستمرار في جميع النصوص التي وردت فيها كلمة قارورة أو قرار أو قر بمعنى استقرار شيء في شيء ، وهي رابطة لغوية بنيوية واضحة لمن يقوم بدراسة "بنيان" اللغة.
وأخيرا أقول أن القراءة الجديدة هي في حقيقتها بحث في "نظرية المعنى" التي حاول القدماء الحديث عنها في كتب ومواضيع متفرقة ، منها على سبيل المثال ما ورد في كتاب الخصائص لابن جني،ومحاولته لاستقراء "حركة" الحروف في الكلمة الواحدة، وهو مجهود يمكن أن يكون أحد قواعد نظرية القراءة الجديدة لو استرسل الباحثون في دراسة مباني الحروف وربط مبنى كل حرف بمعناه، وأقول مرة أخرى إن وظيفة القراءة الجديدة هي زيادة اليقين والإيمان وليس نقض ذلك، إما إذا حدث نقض للمباني (الثوابت) والمعاني (الثوابت)؛ فإن القارئ قد أخطأ في بعض أو كل قراءته لسبب من الأسباب. والله تعالى أعلم.
وهذا الموضوع هو مقدمة وتمرين ذهني بسيط، وللكلام صلة وبقية إن شاء الله تعالى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
بارك الله فيكم أخي رصين على هذه التعقبات التي ستسر الباحث الأخ عبدالرحمن النور ، ولعله يتولى مناقشتك بنفسه، وإن كنتُ أراك تسارع لإثبات عجمة الكثير من الألفاظ العربية وإرجاعها للسريان أو غيرهم وتجزم بذلك كأَنَّكَ شهدتَ لحظة ولادتها دون العالمين، وأخشى أن تكون أصابتك لوثة المستشرقين الذين يرددون هذا في كتبهم هم وتلامذتهم دون دليل. وتجزم برأيٍ في أصلِ الاشتقاق لم يزل أهلُ اللغة مختلفين فيه إلى اليوم ، ورفعُ الخلافِ فيه صعبٌ جداً ، ولكن لا بأس بهذا في النقاش العلمي فالغرض هو الفائدة لنا جميعاً بارك الله فيكم ونفع بعلمكم .

لا أعرف شيئا في حياتي قدر معرفتي باللغة العربية، ولكن حبي لها وتمسكي بها لا يحملني أن أتعصب لها؛ واعلموا بارك الله فيكم أن العربية أحدث اللغات السامية نشأة وطورا ومولدا، وقبل الإسلام بثلاثة قرون لم يكن لها وجود! ولذا اختارها الله وعاء لكتابه العظيم؛ لأنها أخذت أجمل ما في اللغات التي سبقتها، وتركت ما سواه، كما كانت لغة قريش بين سائر لغات قبائل العرب. ولولا القرآن لانقرضت كما انقرضت إنجليزية شكسبير ومن قبله. ووفقا لما سبق، فإن وجد لفظ مشترك بينها وبين لغة سامية أخرى، فواضح أن العربية مستوردة لا مصدرة؛ ذلك أنها الأحدث وليست الأقدم. أما السريانية بالذات؛ فلأنها أكثر لغة اتصل بها العرب الأوائل حتى قبل الإسلام، فلذلك اختاروا الإملاء السرياني في تدوين المصحف؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون غيره. ولأن الإنجيل الذي كان يقرؤه الحنيفيون من أمثال ورقة بن نوفل كان مكتوبا بها. بل إنها قضت على العبرية فكتب اليهود توارتهم بالآارمية. وذلك تصديق قوله تعالى ((( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَاد * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَاد))) والآراميون حكموا العالم بأسره قرونا من الزمان، وقضوا على جميع الحضارات السابقة، إلا أن اليمن استعصت عليهم. ولذا إذا لم يوجد للفظ أصل في العربية، فهو إما آرامي سرياني، وإما يمني سبئي. ولكلتا اللغتين معاجم حصرت ألفاظهما، على الأقل في حدود ما نشر من نقوش، وكلتاهما قبل العربية بآلاف السنين. فكيف تكون هي الأصل؟! وإذا أدى البحث اللغوي إلى موافقة قول المستشرقين، فليس ثمة لوثة إن شاء الله. أما أصل الاشتقاق فهذا مقرر في علم اللغة، ويدل عليه مثل قوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا }البقرة31، وما كان موضع خلاف بين اللغويين القدامى، قد حسمه البحث اللغوي اليوم. ولم يعد يخالف فيه إلا من كان ذا علم بالعربية لكنه جاهل بغيرها لا يعرف سواها من اللغات السامية. وهذا على الأقل رأي الكبار: إبراهيم السامرائي - إبراهيم أنيس - رمضان عبدالتواب - رحمهم الله - الذين لا يستطيع باحث لغوي أن يكتب كلمة دون العودة إلى كتبهم. وأما رفع الخلاف فلا أدعيه، ولكن من جاء بدعوى فعليه الدليل. وأظنني سقت الأدلة على كلامي، وإن فاتني شيء فنبهوني. وغفر الله لنا ولكم.
 
و أخص الأخ رصين الرصين، بتعليقي هذا فأقول:​


لو كانت علة تسمية القوارير بهذا الاسم لأنها مصنوعة من الزجاج فقط؛ لرأيت العرب تسمي "الكأس" المصنوع من الزجاج قارورة أيضا، ولضاقت علينا الأرض بما رحبت حين يظهر في زماننا "قوارير" مصنوعة من البلاستيك أو من الألمنيوم فلا ندري كيف نسميها لأنها ليست مصنوعة من الزجاج، علما بأن شيوع وانتشار صناعة القوارير من الزجاج ليس لصفاء الزجاج فبعض الزجاج له ألوان قاتمة حسب طريقة التصنيع؛ وقد شاع وانتشر تصنيع القوارير (لحفظ الماء أو السوائل الأخرى) من الزجاج لسهولة تصنيعها وذلك بتسخين مادة الزجاج ونفخها، كما أن الزجاج لا يتفاعل مع السوائل و لا يغير من طبيعتها؛ لكن تسمية القوارير لم تأتي لأنها مصنوعة من زجاج؛بل لأن (الشراب/الماء) يستقر في بطنها.​

حديثنا عن الزمن القديم، زمن نزول القرآن والجاهلية وما قبلها، أما التطور الدلالي فبابه واسع؛ وتستطيع أن تسمي شكلا ورقيا أو خشبيا - إذا صنعته على مثالها - قارورة. وأظنك تتفق معي أن القوارير البلاستيكية لم تكن معروفة زمنئذ، ولم يكن ثم إلا الزجاج.

أما قولك وبما أن الأستاذ مولع بالفيزياء، فدعوني أذكره بنظرية الأواني المستطرقة
أردت من هذا أن أدلل على أن أشكال القوارير كثيرة، وأنك تخيرت شكلا واحدا، افترضت أنه يشبه - في شكله - رحم الأنثى.
قراءة المعنى الجديد تأتي ضمن المستويات الأربعة التي ذكرت أعلاه؛
هذه المستويات مقتبسة من أفرع علم اللغة الأربعة: الأصوات داخل الكلمة وهذان هما علما الأصوات والصرف - الكلمة داخل الجملة وهذا هو علم النحو- الجمل داخل النص، وهذا هو علم الدلالة. لكن النتائج التي توصلت إليها لا تتفق مع هذه القواعد، وقد ضربت لك مثلا باشتقاق قارورة من قر أو من (القر: البرد) ولعلك ستصل إلى البرَد، وهذا مسلم - ولو فلسفة وجدلا - لو كانت كلمة عربية، أما و (قارورة) ليست من كلام العرب، فلا

وهذه انتقائية يفرضها سياق هذه المستويات وليست انتقائية مزاجية،
ما دمت اعترفت أنها انتقائية، فاعلم أيها الفاضل أن الانتقائية غير مقبولة، ولا مكان لها في البحث العلمي عامة، واللغوي خاصة. وخاصة في تفسير كلام الله تبارك وتعالى. ونحن لا نضع النتائج مقدما ثم نبحث عن وسائل وطرق وطرقات إليها، بل يقودنا البحث العلمي إلى تلك النتائج. وما زلت أنتظر جوابا عن سائر الإشكالات
ولكم كل التحية
 
لا أعرف شيئا في حياتي قدر معرفتي باللغة العربية.
بارك الله لك فيما آتاك من العلم بلغة كتابه، وزادك فهماً ، ولستُ عمَّا تعلمه منها بغائبٍ فقد درستُها كما درستَها وقرأت من كتبها قدراً طيباً ولله الحمد فأرجو ألا يكون ما أقوله فيها بغير علم إن شاء الله . وحتى أخي المهندس عبدالرحمن النور فبضاعته منها بضاعة طيبة، ووالده رحمه الله له عناية دقيقة باللغة العربية وعلومها ، فأرجو ألا يكون ما يكتبه عن جهلٍ باللغة العربية وأصولها وتاريخها، ولا عن هوى وتعالم إن شاء الله ، وإنما هو البحث العلمي والتأمل والتدبر فيما أبيح له التدبر والتأمل فيه .

واعلموا بارك الله فيكم أن العربية أحدث اللغات السامية نشأة وطورا ومولدا، وقبل الإسلام بثلاثة قرون لم يكن لها وجود!
هذه دعوى منك ، وأعلم أنك ناقل له عن غيرك، فما كان لك أن تقول هذا إلا ببرهان قاطع، والأدلة على هذه الدعوى لا تعدو أن تكون اجتهادات لبعض مؤرخي اللغة لا تستند إلى حجةٍ وبرهانٍ، والذين يتكلمون في هذا يتكلمون بالظن، وثلاثة قرون (300 سنة) أقصر من أن تنضج فيها لغة حتى تبلغ مبلغ نضج اللغة العربية إِبَّان نزول القرآن، وحظ القائلين بقدم اللغة العربية أكثر من هذه المدة التي ذكرتموها أولى بالقبول . والجاحظ عندما أراد أن يُقدِّر تقديراً عمر الشعر استظهره بأنه قبل الإسلام بما يقارب المائتي سنة على أبعد تقدير، ولكن أين الدليل القاطع ؟ لا يوجد . وهذا في الشعر وليس في اللغة نفسها التي هي أسبق فيما يتوقع .

ولذا اختارها الله وعاء لكتابه العظيم؛ لأنها أخذت أجمل ما في اللغات التي سبقتها، وتركت ما سواه، كما كانت لغة قريش بين سائر لغات قبائل العرب.
من قال إن سر اختيارها هو لأنَّها أخذت أجمل ما في اللغات التي سبقتها ؟ هناك علل كثيرة لاختيارها ذكرها العلماء لبلاغتها وسعتها وغير ذلك من الأسباب . لكن القول بأنها مجرد لغة مجمَّعة من اللغات السابقة يحتاج إلى دليل قوي يضع أيدينا على هذا الأخذ من اللغات والتخير ، ومثل هذه الأقوال هي مجرد افتراضات أكثر من أشاعها المستشرقون الذين يبنون على الأوهام نظريات وقواعد ومُسلَّمات يتلقفها بعضنا ويجادل بها كأنها وحي ! وهي عند أصحابها مجرد افتراضات.
ثم من من اللغويين الكبار القدماء الذين يعول عليهم قال إنها كانت لغة قريش دون سائر القبائل ؟ وكيف فَهِمَتْ بقيةُ القبائل لغةَ القرآن ؟ ولماذا احتج اللغويون على تفسير القرآن بأشعار شعراء قبائل العرب الأخرى كبكر وتميم وغيرها .

ووفقا لما سبق، فإن وجد لفظ مشترك بينها وبين لغة سامية أخرى، فواضح أن العربية مستوردة لا مصدرة؛ ذلك أنها الأحدث وليست الأقدم.
هذه طريقة المستشرقين أخي الحبيب، يُقدِّمُ أحدهم بافتراضاتٍ وآراء شخصية ثم يقول وبناء عليه أو ووفقاً لما سبق فإنه كذا .
هناك دراسات الآن تتحدث عن أنَّ اللغة العربية القديمة هي أصل اللغات كلها اليوم، ويسميها بعضهم (العروبية) تمييزاً لها عن العربية التي نتحدثها اليوم . ولا أشك أنك قد اطلعت على بعض هذه الدراسات، وهم يصنعون في استدلالهم كما ينصع مخالفوهم ، كلهم يعتمدون على أدلة ظنيَّة فيما رأيتُ، بل إن حظهم من الأدلة أوفر من مخالفيهم، وتأمل أسماء أصنام قوم نوح (يسوع) و (يعوق) .. هل هي أسماء عربية أم ماذا ؟ ونوح عليه الصلاة والسلام أقدم الأنبياء بعد آدم في قول كثير من أهل العلم . وهذا بابٌ يطول الحديث فيه ، وللأستاذ عبدالحق فاضل الباحث العراقي له كتاب طريف اسمه (مغامرات لغوية) لا أدري هل قرأته أم لا ؟ وللدكتور علي فهمي خشيم الليبي كتب كثيرة حول هذا الموضوع ، مثل (رحلة الكلمات) وغيره يتحدث فيها عن اعتبار اللغة العربية هي أصل اللغات في كلام طويلٍ وافقه فيه بعضم وخالفه فيه آخرون كالباحث علي الشوك العراقي الذي زعم أن اللغة العربية هي فرع عن السامية الحامية لا السامية فقط ، ولويس عوض في كتابه (فقه اللغة العربية) زعم أن العربية فرع عن اللغات الهندية الأوربية .. وهذه كلها افتراضات . وهناك كتاب قيم للأستاذ عماد حاتم في (فقه اللغة) من الكتب القيمة في بابه .
فإذن ليس واضحاً أن اللغة العربية مستوردة لا مصدرة لأنه ليس واضحاً أنها هي الأحدث .

أما السريانية بالذات؛ فلأنها أكثر لغة اتصل بها العرب الأوائل حتى قبل الإسلام، فلذلك اختاروا الإملاء السرياني في تدوين المصحف؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون غيره.
هذه دعوى كذلك ، فمن قال لك أن العرب اختاروا الإملاء السرياني على غيره ودونوا به المصحف، والباحثون مختلفون في ذلك، والروايات التي وردت في ذلك لا تعتمد على وثائق قاطعة، وبينها تعارض يمنع التوفيق بينها، وأسانيدها ضعيفة عموماً لا تهام رواتها كابن الكلبي وغيره. فيبقى الكلام القاطع في هذه المسألة غير متحصل، ولعلك تراجع ما كتبه خليل نامي في أصل الخط العربي، وما كتبه غيره. ولأستاذنا الدكتور غانم الحمد كتاب قيم عن (الكتابة العربية) ذكر فيه أن (الراجح أن لكل من الكتابة العربية والكتابة السريانية تطوره المستقل عن أصلهما القديم وهو الخط الآرامي) ص 38-39 ، وأرجع القارئ أيضاً إلى كتاب خليل نامي ص 3 .

ولذا إذا لم يوجد للفظ أصل في العربية، فهو إما آرامي سرياني، وإما يمني سبئي. ولكلتا اللغتين معاجم حصرت ألفاظهما، على الأقل في حدود ما نشر من نقوش، وكلتاهما قبل العربية بآلاف السنين. فكيف تكون هي الأصل؟!
هذه دعوى تفتقر إلى الدليل كذلك ، فمن أين لك بالقطع بهذه السهولة بهذا الحصر؟ إلا أن يكون هذا افتراضاً كغيره من الافتراضات .


وإذا أدى البحث اللغوي إلى موافقة قول المستشرقين، فليس ثمة لوثة إن شاء الله.
المستشرقون في العصر الحديث هم أبرز من وضع معاجم هذه اللغات التي تتحدث عنها اعتماداً على بعض النقوش والآثار، وإقامة الحجج في أصل اللغات ومنها العربية على مثل هذه الدراسات مَزلَّةُ قدمٍ، نعم هي مفيدة في جوانب ولكنَّ القطع بنتائجها صعب.
وليست هذه المشكلة ولكن المشكلة هي الخطأ المنهجي الذي يرتكبونه بإقامة القواعد على افتراضات، وتقليد كثير من الباحثين العرب - كالذين ذكرتهم في كلامك - لهم دون برهان قاطع، والحديث عن أخطاء المستشرقين في هذا له كتب وبحوث لا تخفى عليك، والاطلاع على أخطاء المستشرقين المنهجية في بحوثهم في اللغة أو غيرها من الدراسات العربية والشرعية مهمة ، ولا سيما لمثلك؛ لأَن للمستشرقين حضوراً كبيراً في بحوث علم اللغة المقارن ، وكثير من أقوالهم أصبحت أشبه بالمسلَّمات لدى كثير من الباحثين دون تثبت .

أما أصل الاشتقاق فهذا مقرر في علم اللغة، ويدل عليه مثل قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا }البقرة31.
وهل المقصود بالأسماء في الآية الأسماء الاصطلاحية التي هي قسيمة للفعل والحرف؟ من قال ذلك من أهل التفسير الذين يحتج بقولهم؟
وليتك في هذه النقطة بالذات تورد الأدلة التي جعلته مقرراً في علم اللغة والتي تجعلك مطمئناً هذا الاطمئنان .

وما كان موضع خلاف بين اللغويين القدامى، قد حسمه البحث اللغوي اليوم. ولم يعد يخالف فيه إلا من كان ذا علم بالعربية لكنه جاهل بغيرها لا يعرف سواها من اللغات السامية.
وهذا على الأقل رأي الكبار: إبراهيم السامرائي - إبراهيم أنيس - رمضان عبدالتواب - رحمهم الله - الذين لا يستطيع باحث لغوي أن يكتب كلمة دون العودة إلى كتبهم.
هذا الخلاف لا يرفعه البحث اللغوي المعاصر إلا بأدلة قاطعة، وليست متوفرة قطعاً لأن هذا يعني معرفة أولية اللغة أول وضعها، وكيف ترتب وضعها ، وهذا لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى . وما سوى ذلك فأقوال وافتراضات قبلها الباحثون من باب الأخذ ببعض الأقوال . وهؤلاء الباحثون الذين أشرتَ إليهم من الباحثين المميزين حقاً، وكتبهم مفيدة للباحث، ولكنهم قلدوا المستشرقين في بعض أقوالهم، واستدرك عليهم اللغويون المعاصرون ممن في طبقتهم أو أعلى منهم .
فالبحث اللغوي الذي تكرر ذكره لا يمكنه أبداً حسم مثل هذا الخلاف أخي رصين .


وأما رفع الخلاف فلا أدعيه، ولكن من جاء بدعوى فعليه الدليل. وأظنني سقت الأدلة على كلامي، وإن فاتني شيء فنبهوني. وغفر الله لنا ولكم.
بارك الله فيك أخي رصين ، وظنُّك أنك سقت الأدلة على كلامك في غير محله، فلم تسق أدلةً تَحملُني على اعتناق مذهبك بعدُ، وأنا أستفيد من تعقيباتك ومداخلاتك جزاك الله خيراً ووفقك لكل خير، ولكنني ألاحظ عليك مسارعتك إلى الحسم والقطع في أمورٍ ليس الحسم والقطع من شأنها . وأطلب منك دوماً في هذا الموضوع أو في غيره أن توثق كلامك من المصادر حتى نتثبت منه بقدر الوسع ونبني عليه، فأنتَ لستَ أبا عمرو بن العلاء حتى نأخذ قولَك في لغةِ العربِ قولاً مُسلَّماً ونَمضي، وقد خصصتُه بالذكر لقول أبي منصور الأزهري : وأخبرني أبو محمد عن أبي خليفة عن محمد بن سلام أنه قال: سمعتُ يونس يقول : لو كان أحدٌ ينبغي أن يؤخذ بقوله كله في شيء كان ينبغي لقول أبي عمرو بن العلاء في العربية أن يؤخذَ كلُّه ، ولكن ليسَ من أحدٍ إلاّ وأنت آخذٌ من قوله وتارك .

ونحن في ملتقى أهل التفسير نحرص على أن لا نُمرِّرَ معلومةً إلا بدليلها، وإلا فالدعاوى كثيرة، ولا سيما في تخصصك العلمي في علم اللغة المقارن، فأرجو أن تحرص على التثبت وتخالف منهج كثير من الباحثين الذي تُسلِّمُ بأَقوالهم وتحاجج بها كأنها من آي الذكر الحكيم أو أحاديث البخاري ومسلم . زادك الله علماً وتوفيقاً ، علماً أن كثيراً من مسائل الخلاف في أولية اللغات ونشأتها واشتقاقها ونحو ذلك مما لا يرفع الخلاف فيه إلا الوحي ، وهو غير متوفر ، فرفع الخلاف متعذر.

وأما أخي عبدالرحمن النور فهو يُعرِبُ عن نفسه، ويُحاجِجُ دونَ رأيه، الذي أستمتع بمتابعته وما يجر إليه من نقاشات وفوائد .
بارك الله لكم وفيكم وفي كل الزملاء في هذا الملتقى العلمي .
 
شيخنا الفاضل الدكتور عبدالرحمن،
أشكر لكم متابعتكم وأريحيتكم
طبعا لا يليق بمقامكم، ولا بمقام البحث العلمي الأكاديمي - وأنتم الأستاذ الجامعي - ولا بمقام منتداكم ارتجال الكلام، ولا القول بغير دليل فضلا عن القول بغير علم، ولكني لم أرد أن أخرج عن الموضوع إلى تفاصيل ليس مقامها، أما وقد أتحتم هذا هنا فاسمحوا لي بالتعليقات الآتية، مجنزئا بالسطر الأول من تعلقياتكم ، وللمتابع العودة للبقية
* قلت بارك الله فيكم: لا أعرف شيئا في حياتي قدر معرفتي باللغة العربية، ولكن حبي لها وتمسكي بها لا يحملني أن أتعصب لها.
وليس في قولي رفع من شأني ، ولا حط - علم الله - من شأن غيري، وإنما أردت أن أقول إني من أهل العربية ، ومحبيها ولكن البحث العلمي شيء آخر، لا يليق به التعصب. الخلاصة أني أردت أن أقول للمتعصبين " لا تكونوا ملكيين أكثر من الملك " والملك الذي أقصده هو المتخصصون في العربية كالفقير إلى ربه.
هذه دعوى منك ، وأنا أعلم أنك ناقل له عن غيرك

بارك الله فيكم، ليست دعوى، بل هي ما أدى إليه البحث اللغوي، بعيدا عن كلام الجاحظ واللغويين القدامى. والدليل:
أقوى الأدلة وهو ما لا يحتمل فيه ما يحتمل في الرواية الشفوية – حتى لو كانت حديثا نبويا – من وهم وسوء حفظ وغفلة ونسيان وتدليس واختلاط وكذب وافتراء، حجر أو رقيم طيني كتب عليه كلمات بلغة ما، ليس في الأدلة أقوى من هذا، خاصة في اللغة.
أن اقدم نقش عربي معروف هو نقش النمارة، وقد كفانا كاتبه مؤونة تأريخه فأرخه بنفسه وهو (328م) وهاك أول ثلاثة أسطر منه:
1- ت ي ن ف ش م رل ق ي س ب ر ع م ر و م ل ك ل ع ر ب ك ل هـ ذ و أس ر ل ث ج
2- و م ل ك ل ا س د ي ن و ن ز ر و م ل و ك هـ م و هـ ر ب م ذ ح ج و
ع ك د ي و ج ا
3- ب ز ج ي في ج ب ج ن ج ر ن م د ن ت ش م ر و م ل ك م ع د.. هذا نقش من عشرات سواه، وهو أسلسها لغة.
وكما ترى، فليست هذه لغة عربية جاهلية قرآنية البتة، وأقرب شيء إليه هو اليمنية القديمة. هذا قبل الإسلام بخمسة قرون. صحيح أن " عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود " لكن السؤال: لماذا يتحدث ملك عربي لغة كهذي؟ والجواب لا يخرج عن اثنين:
1- أن هذا كان هو مستوى اللغة آنذاك2 - أن التأثير الآرامي طغى عليه وعلى قومه، وهذا مرجوح، ولكن معناه أيضا أن العربية لم تكن - كما نعرفها نحن - في زمن هذا الملك. أما تحديد اللغويين بثلاثة قرون، فلم يأخذوه من كلام الجاحظ فقط، بل إن أقدم شاعر عربي هو امرؤالقيس، وربما قبله ( المهلهل: سالم بن مرة ) وهذا من المؤكد أنه لم يتجاوز قرنين قبل الإسلام. واللغويون يتعاملون مع آراء وأقوال القدامى كتعاملكم مع الحديث الضعيف" استئناس لا استشهاد ".
من قال إن سر اختيارها هو لأنَّها أخذت أجمل ما في اللغات التي سبقتها ؟ ليس هذا هو السبب الوحيد، لكني لم أرد التوسع، وإلا فثمة اسباب اقتصادية واجتماعية، تتعلق بمكانة قريش سدنة الحرم المكي، منذ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ودعوة إبراهيم " وارزق أهله من الثمرات " ثم أسواق العرب ( عكاظ - ذوالمجاز - ذوالمجنة.. )ومواسم الحج. أما أول قائل بهذا الرأي فهو عمر لما أمر عبدالله بن مسعود أن يقرئ الناس بلغة قريش لا بلغة هذيل قال " فإنما نزل القرآن بلغة قريش " سبب هذا إنكار عمر قراءة ( عتى حين ) ثم لقف اللغويون هذا الرأي عنه، وكان أشدهم تعصبا ابن فارس (395هـ) في كتابه (الصاحبي) على أن البحث اللغوي قد دل أن هذا إنما هو غالب لا عام شامل، ولو أجرينا نسبة مئوية فلن تتجاوز الألفاظ والأساليب الحجازية 70%، وقد جاء الهمز في القرآن كثيرا وقريش لا تهمز البتة، وإنما الهمز لتميم، وأنتم أدرى مني بهذا. وفي هذا جواب عن كيف فهمت بقية القبائل لغة القرآن، على أن ذلك الفهم نسبي، وإلا ما ظهرت كتب غريب ومعاني ومشكل وتفسير القرآن منذ القرن الثاني، ولما جهل عالم بلغة العرب - كأبي بكر - ألفاظا كـ " أبا " وهي لفظة يعرفها - كما يقول الشافعي - أطفال اليمن. ذلك أن في القرآن القرشي وغيره، بل والعربي وغيره.​

هذه طريقة المستشرقين أخي الحبيب.. هناك دراسات الآن تتحدث عن أنَّ اللغة العربية القديمة هي أصل اللغات كلها اليوم، ويسميها بعضهم (العروبية) تمييزاً لها عن العربية
يا أستاذنا، أنا أربأ بنفسي وبالمنتدى أن أسلك هذا المنهج.
أما هذي فهي نظرية قديمة أول من قال بها هو أحمد ابن فارس (395 هـ ) وجددها الأب العراقي أنستاس الكرملي (1947) ومنشؤها الخلاف في اللغة التي كان آدم عليه السلام يتحدثها؛ فإنه لا ينكر أن آدم تكلم إلا الملحدون، أما اليهود فيزعمون أنها العبرية، والنصارى يقولون الآرامية، ويزعم المسلمون أها العربية.. وأما البحث اللغوي فقد استبعد هذا كله، واكتفى بتقرير أن آدم تكلم، ولم يكن يستخدم لغة الإشارات كما يقول علماء النفس والاجتماع والأنثروبولوجي (الملحدون) الذين لا يؤمنون بكتاب مقدس، وإنما يعتمدون منهج التجريب، فجاءت هذه النظرية كرد فعل دافعه العاطفة والتعصب لا أكثر، أما أنها تستند إلى أساس علمي، فلا.
أما كتب الدكتور خشيم فقد اطلعت عليها وهي متوفرة على النت، وأما كتاب عبدالحق فاضل فقرأته قديما، وأما كتاب عماد حاتم فهو في مكتبتي وقد قرأته. وأفضل مما ذكرت جميعا كتاب الدكتور رمزي بعلبكي ( الكتابة السامية ) الذي أثبت فيه أن الهيروغليفية سامية، وليست -كما يزعم المستشرقون - حامية.
وأما نوح عليه السلام فقد اكتشفت عندنا مومياء كانت ثورة في ( علم الأنثروبولوجي: الإنسان ) وقد قدر تاريخها بثلاثمئة ألف سنة، ثم اعتذروا عن زيادة صفر - رغم أنه كان مكتوبا بالحروف لا الأرقام - وقالوا ثلاثون ألف سنة، فلو تنزلنا وقلنا إنها كانت لأحد قوم نوح - لا أكثر - فإذن نوح عليه السلام يمني، ومن الأدلة على ذلك أسماء آلهة قومه التي ذكرها القرآن فهي جميعا وردت في النقوش، وأما وزن الفعل المضارع ( يعوق ) فهو وزن يمني بحت، لا تعرفه لغة أخرى. فلو سلمنا مع القائلين بأقدمية العربية، فليست البتة عربية الشعر الجاهلي والقرآن الكريم، وهي قطعا اليمنية القديمة السبئية، التي كان يتكلمها نوح عليه السلام وقومه. وهذه هي المصدرة، أما العربية التي نعرفها فهي مستوردة. ومن المقرر أن السلالة السامية أقدم السلالات البشرية، وأن السلالة اليمنية أقدم السلالات السامية، والحاصل: أن السلالة اليمنية - ومعها اللغة اليمنية السبئية، أو المعينية لغة الجوف وبراقش - هي أقدم السلالات واللغات البشرية. فأول من وضع قدمه على الأرض - بعد آدم عليه السلام - يمني. وهذا ليس بحث مؤرخين ومفسرين ولغويين نظريا، بل هو بحث جيولوجي أنثروبولوجي آثاري. يعني مؤكد لا شك فيه.
أما النصراني الحاقد لويس عوض، فأقل من أن يذكر، وتعلمون أنه صاحب الدعوة لتعميم العامية.
ولي طلب من كل من يجري بينه وبيني نقاش، فأقول: من كان لديه خطة هدم، فلا بد أن يكون لديه خطة بناء. وإلا ترك المبنى القديم كما هو. فأنا أسأل الرافضين: أي لغة هي الأقدم؟ العربية مستحيل. هاتوا غيرها.
هذه دعوى كذلك ، فمن قال لك أن العرب اختاروا الإملاء السرياني على غيره. ودونوا به المصحف
وفق نظرية الهدم السابقة، إن لم يكن وفق السريانية فوفق ماذا؟ أما ابن الكلبي وغيره، فسبق أننا نعاملهم معاملة الحديث الضعيف.
نحن لدينا نقوش مكتوبة بخط، أقرب شيء أن يكون نبطيا آراميا، والنبطية لهجة من الآرامية السريانية، أما خليل نامي وغيره فرأيهم معروف، وهذا هو المتأثر بالضغط السياسي اليهودي، لا من قال بالسريانية؛ لأنهم يقولون بأنه تطور عن الخط الكنعاني - والعبرية لهجة كنعانية - وهذا أضعف الآراء، وأما الشيخ الدكتور غانم الحمد فأظنه لم يقطع؛ لأنه لم ير شكل تلك الكتابات، ولكم أن تشاهدوها في اي كتاب يتحدث عن الكتابات القديمة، والشكل يكفي لإصدر الحكم.
سبق بيان أن اليمنية أقدم اللغات البشرية، وعليه فهي المصدر الأول، والأصل الأصيل لكل لفظ سامي، وأما السريانية فهي أكثر الأعجمي ورودا في القرآن. فتلك الأقدم، وتلك الأكثر ولا أنكر وجود الأكدي ( كسف) والحبشي ( هيت - فصرهن ) والفارسي ( سندس - استبرق - أباريق) وربما الروماني والتركي والهندي..
المستشرقون في العصر الحديث هم أبرز من وضع معاجم هذه اللغات التي تتحدث عنها
كان ماذا، وفي مثل هذا يرد الحديث الضعيف " الحكمة ضالة المؤمن " وليس كل ما يقولونه خطأ، ثم نحن لا نسلم به من غير تمحيص وتدقيق، وخذ مثالا واحدا: مالم يأت ناشر النقش بصورة فوتوجرافية واضحة له، فلا نقطع بوجه واحد في القرءاة، ونحتمل الكذب منه والتزوير والتدليس، بل والتلفيق، وهاك مثالا، وهو أن اسم فلسطين وكنعان يطمس طمسا من جميع النقوش القديمة، ثم يأتي المستشرق اليهودي ليقول لا يوجد لهذا النقش صورة. فهذا كلام فارغ، ومردرود على صاحبه. وحينئذ يسقط هذا النقش، كما يسقط الاستدلال به. أما من ذكرت من العلماء فهم الفطاحلة الكبار، ومنهم تعلمنا أصول النقد، لا تقليدا ولا حتى متابعة، بل نخالفهم في بعض آرائهم، كرأي إبراهيم أنيس أن القرآن لم ينزل منونا ولا معربا، وإنما شكل وأعرب في القرن الثاني الهجري. وقد رد على هذا الخطل أستاذنا الدكتور إبراهيم عوض بما تعلمون. ونعم للمستشرقين أخطاء بل وجرائم، ولكن هذا لا يمنع أن نقر بسبقهم وفضلهم في تحقيق تراثنا للأسف حتى الكتب الشرعية، ومنها كتب علوم القرآن والفقه والعقدية والحديث، فضلا عن كتب اللغة والتاريخ والأدب.. كل ذلك من باب { وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ
وهل المقصود بالأسماء في الآية الأسماء الاصطلاحية التي هي قسيمة للفعل والحرف؟ من قال ذلك من أهل التفسير الذين يحتج بقولهم؟ وليتك في هذه النقطة بالذات تورد الأدلة التي جعلته مقرراً في علم اللغة ، والتي تجعلك مطمئناً هذا الاطمئنان .
لا ليس قسيم الفعل والحرف، لكنه الاسم الجامد الذي يصطلح عليه ( الأصل الحسي: المادي ) أما الأدلة، فسأحيلكم إلى ما يحضرني الآن وهو كتابان ( دلالة الألفاظ: إبراهيم أنيس) و (فصول في فقه العربية: رمضان عبدالتواب) وكلاهما على النت، والبحث عن مصادر للمسلمات في العلوم صعب كما تعلم يا شيخ. لكن مع ذلك سأحاول أن أبحث عن مصادر أدق، وأحدد لكم الصفحة.
والخلاف هل أصل الاشتقاق الاسم أم الفعل؟ من مسائل الخلاف بين نحاة البصرة والكوفة وهي - حسب ترتيب الأنباري في الإنصاف: 235 - المسألة 28. فذهبت البصرة إلى أنه المصدر، وذهب الكوفة إلى أنه الفعل. وجاء علم اللغة المقارن؛ ليثبت خطأ الاثنين وإن كان البصرة أقرب إلى الصواب، فالمصدر فرع على شيء آخر، وليس أصلا قائما بذاته، وذلك الشيء ليس سوى الاسم الجامد. فمثلا رجولة مشتقة من رجُل وليس العكس؛ والدليل بسيط: أن الرجل وجد أولا، ثم جاءت الأخلاق والصفات. ويقول علماء الأنثروبولوجي: إن أقدم السلالات البشرية هي الصحراوية، وهذي تفكيرها بسيط وإن شئت بدائي، وأول حيوان خلقه الله - قبل الديناصورات - هو الجمل والحصان والقرد.. أسألكم: هل ( الحصان: العفاف ) أول أم ( الحصان: الجواد ) أم ( الحصانة القضائية والديبلوماسية ) هذي مسائل كانت تدرك بالعقل؛ حتى جاء فقه اللغات السامية، فإذا ثمة أشياء مشتركة بين جميع اللغات السامية، وقد فصلت القول شيئا ما في ذلك هنا
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=20935
. ومع ذلك يرد سؤال: الحصانة اشتقت من الحصان، أم من الحصن؟ والجواب من الحصان؛ لأنه قطعا الأقدم. والحصن مبنى فهو متأخر، بمعنى أن الحصن مشتق من الحصان، ثم أخيرا يرد الفعل فيقال تحصن، أي تشبه بالحصان، في حمايته أو عفافها. وكذا الجود من الجواد، والخيلاء من الخيل، والغنيمة من الغنم والثورة من الثور.. وفي لهجتكم تقولون ( قرادة: سوء حظ ) واشتقاقها من القرد.
تدري من أين جاءت السياسة يا شيخ؟ لا يوجد في اللغة العربية كلمة تدل عليها. لكن الحصان في العبرية ( سوس ) فأخذ العرب هذا اللفظ قديما، وصاغوا منه سياسة الخيل، ثم سياسة البشر. لا أدري هل يكفي هذا؟ أما في علم اللغة مقرر مسلم، لا ينكره إلا من جهل اللغات السامية، ومن خالف فيه، فخلافه غير معتبر، وتعلمون أنه ليس كل خلاف معتبرا.
هذا الخلاف لا يرفعه البحث اللغوي المعاصر إلا بأدلة قاطعة، وليست متوفرة قطعاً لأن هذا يعني معرفة أولية اللغة أول وضعها، وكيف ترتب وضعها ، وهذا لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى
أظن ما سقته يرفع الخلاف في هذه المسألة، وقد اتفقنا ( أظن ) أن اللغات السامية أقدم اللغات البشرية، ولا أحد يقول غير هذا. فربما لا نعلم باليقين التسمية التي علمها الله آدم، لكن عندنا نقوش قديمة فيها اسماء هذه الحيوانات، والظواهر الكونية وأعضاء جسم الإنسان. وهذي لا سبيل إلى الشك فيها.
أما قولكم استدرك عليهم اللغويون، فلا أعلم أحدا استدرك إلا ما كان من إبراهيم أنيس من زلات. أما غيره فليتكم تدلونني.
فأنتَ لستَ أبا عمرو بن العلاء حتى نأخذ قولَك في لغةِ العربِ
أبوعمرو رحمه الله هو الذي يقول " ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا، ولا عربيتهم بعربيتنا " وأنا قد أقمت رسالتي لدحض هذه المقولة، وإثبات أن العربية إنما هي حفيدة السبئية، من صلب أبيها خرجت، ومن ثدي أمها رضعت. وقد أثبت في رسالتي أن القدامى كانوا سيئي الظن جدا باليمنية القديمة، ولذا فلم يكونوا يعرفون عنها شيئا، بل كانوا يعرفون لغات أخرى غير سامية - كالفارسية والتركية - بأفضل وأمتن. وأما نشأة اللغة فقد شطبه اللغويون من مباحث اللغة؛ لأنه يدخل في علم ( الميتافيزيقا: ما وراء الطبيعة) كعالم الجن والملائكة والأرواح والأشباح. هكذا يقولون. إلا أن أصل الاشتقاق مقرر، و لا خلاف فيه.

ونحن في ملتقى أهل التفسير نحرص على أن لا نُمرِّرَ معلومةً إلا بدليلها،
وإلا فالدعاوى كثيرة، ولا سيما في تخصصك العلمي في علم اللغة المقارن، فأرجو
أن تحرص على التثبت وتخالف منهج كثير من الباحثين الذي تُسلِّمُ بأَقوالهم
وتحاجج بها كأنها من آي الذكر الحكيم أو أحاديث البخاري ومسلم .


الدليل - في البحث اللغوي - هو النص، وقد أقام القدامى علم النحو على شواهد بعضها صحيح وبعضها محرف وبعضها مكذوب وبعضها اخترعوه؛ فلو قارنت الدليل السامي بالدليل اللغوي العادي لوجدت الفرق شاسعا. أما الباحثون الذين أشرتم إليهم، فهم علمونا كيف نستنطق النصوص التي ذهب كتابها، ولا يستطيعون أن يفرضوا علينا رايا إلا أن يكون فهما للنص، أما مادة النتص فلا سبيل إلى تغييرها، ولو حدث فسرعان ما يكتشف، فهي أقوى وأوثق بكثير من الروايات الشفوية التي قامت عليها العلوم الشرعية. وأنتم تعلمون أن الشريعة قامت على غلبة الظن، لا اليقين وهذا يكفي أي مسلم لا يريد الزيغ. فمثلا لو جاء تفسير عن صحابي - فضلا عمن دونه - لا عن الرسول - فمن الذي يقطع بأنه الحق الذي لا شك فيه؟ أما تطريق الاحتمالات فكفيل بإفساد أي علم. ولذا قالوا " اجعل لعل عند ذاك الكوكب " وطبيعي أن أقوال العلماء يستدل لها ولا يستدل بها. هذا مقرر ومفهوم.
وأظننا اتفقنا على أن ثمة لغة هي الأقدم عندكم العربية ، وعندي اليمنية القديمة وفيها حتى الآن عشرون ألف نقش.​
ولعلنا اختلفنا في التسمية

وعموما بارك الله فيكم، وأشكر لكم توجيهكم ومتابعتكم
وأنتظر تعليقكم
 
السلام عليكم وحياكم الله
مقال رائع ، صدر فيه صاحبه عن ذوق لطيف بلغة العرب ، وفقه اشتقاقها .
وأشكر رائد الخير الشيخ عبدالرحمن الشهري عن حسن اختياره ودفعه وفقهه الموافق لجمال ما في المقال .
ولي ملاحظ على كلام الأخ الكريم رصين ..
= الذي نعرفه في كتب الأقدمين والمحدثين أن العربية (اللغة) هي أعرق اللغات قدماً على الإطلاق ، يكفي أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام تكلم بها وأن جرهم ( من العرب البائدة ) كانت تتكلمها أيام كانت في حمى البيت الحرام ، وهي اللغة التي وصلت إلى قريش وهي في حمى البيت أيضاً.. وإسماعيل كان من قبل العبرية ومن قبل أن تنزل التوراة الآرامية أو السنسكريتية أو السريانية أو العبرانية، ولا شك .
= من أعظم المغالطات حسبان اللغة العربية صناعة بشرية ، فأقوال السلف تصرح بأن العربية وحي ، وإنما شذ المعتزلة (الفارسي، ابن جني ، ابن فارس وغيرهم) بقولهم أنها اصطلاح ، وتبعهم بعضهم ، ونشر المستشرقون ذلك المذهب ، قياساً عن ألسنتهم المحرفة عن أصول سبقت وأمم خلت .. وخذ مثالا : أعيدت العبرية للحياة بقلب عربي اللسان بامتياز ، لأن قلبها العبري مات موتاً سريرياً.. وهذا غير خاف على الباحثين .
= نقل الكمال ابن الهمام (التحرير) أن أسماء الله توقيفية اتفاقاً ( أي وحي ) ، وأسماء الله تعالى عربية الأحرف ، ومردها كما لا يخفى ، إلى 28 حرفاً ، فإذا سلم لنا على هذا توقيفية الحروف سلم لنا كل بنيان اللغة ، الذي انبنى بتلك الأحرف الشريفة : ضادها وحائها وخائها ورائها وبائها المجهورة الشديدة ..... وهذا ما لا يسلم به المعاصرون الضاربون بعتاقة العربية كل جدار ، القائلون بحداثة نشأة العربية وتطوره عن غيره وانشعابه من لغات هي ، في أضعف الأحوال ، أقل منه أحرفاً وأضعف أصواتاً وأضيع منه على الزمان عوجاً وأمتاً ..
= يدل التتبع التاريخي أن كل الألسنة في انحسار وضيق وتبدل ، فكل جيل أضيق عطنا ممن قبله ، حتى هناك لغات كثيرة تنقرض رغم المحاولات البشرية ، وتهدد بناها ، وتزلزل أحرفها وتصاريفها وجملها وتتعجم وتعوج وتذروها رياح الزمان التي لا تحابي أبداً كما تذري العظام البالية .. ولكنا نرى العربية تجلت في حالة استثنائية مبهرة للجميع ، تحافظ على شبابها وألقها وشاعريتها كالعروس من العرب الأتراب..
= لو رأيت على ورقة شكلاً تجريداً (رسماً تخطيطيا ساذجاً) لشجرة فقلت : هي شجرة ، لما اتهمك أحد إذا صرحت أنها شجرة ، رغم أنك لن ترى شجرة بذلك الوصف التخطيطي على الورقة في الواقع !.. فكيف تضيق على من رأى ملامح القارورة ، في امرأة على بعير (بشكلها التجريدي: أي أقل ما يصح أن يقال عنه بأنه : قارورة) ، فتلطف معها لئلاً تقع من عليه ، ولئلاً تقذف ما لعله يكون في بطنها كما لمح ذلك لمحاً لطيفاً (الأستاذ عبدالرحمن النور)... ولا سيما أن وجه الشبه في الحديث (رفقاً بالقوارير) مجمل غير صريح ، وسر الإجمال في ذلك ، والله أعلم وأكرم ، ليذهب الذهن في تلمس وجه الشبه في مذاهبه التي لا تتعارض مع ذهنية العربي .
= اللغة العربية ، أخي الحبيب ، هي اللغة التي نزل بها الكتاب العزيز لغة تتوافق مع الكون والإنسان توافقاً إعجازياً ، صالحة لكل زمان ومكان ، وهذا يتعامى عنه الكثيرون .. لكن بحث الأستاذ : النور - زاده الله نوراً - يسير في هذا الاتجاه ، سائلاً الله له التوفيق والسداد والاستمرار ..
عصام المجريسي
ماجستير لغة عربية
بنغازي . ليبيا
 
اللهم إن هذا غلو نبرأ إلى الله منه
ولم يبق إلا أن تقول إن العربية لغة إلهية لا بشرية، وهكذا فهي من صفات الله، ومن رد ذلك فكمن قال القرآن مخلوق
وأعجب أن يصدر ذلك من باحث أكاديمي، وأنتظر أن يرد على هذا الغلو غيري
 
أشهد الله أن الغلو مقيت في كل شيء ..
مقيت حتى في الاتهام العبثي وفي الهروب من النقاش العلمي النزيه المؤيد بالنقل الصحيح والعقل الصريح ...
العربية لسان أهل الجنة بلا شك ولسان القرآن الذي يتلى علينا الآن ويتلى كذلك في الآخرة ( اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ) بالعربي ، يا حبيبي ، لا مبدل لكلماته ، ولسان النبيء محمد صلى الله عليه وسلم .. وأسماء الله عربية منذ الأزل إلى الأبد .. كما نقل أهل الحق ..
لماذا تبرأ من أن العربية قديمة حديثة أبدية .. وما دليلك على ما يخالف ؟ ..
أتمنى منك أن تسحب نَفَسَك الذي امتلأت به آنفاً وتعلمنا مما علمك الله تعالى .
ونحن نسمع الكلام الإلهي بها ، ونؤمن إيمانا جازما أنه كلام الله الواحد الأحد ..
 
مقيت حتى في الاتهام العبثي وفي الهروب من النقاش العلمي النزيه المؤيد بالنقل الصحيح والعقل الصريح .
أنت زعم أمرا غيبيا؛ والغيبيات من مسائل العقيدة، ولم أر دليلا صحيحا، ولا عقلا صريحا
فليتك تذكر لي آية، أو حديثا صحيحا، ودعك من أقوال البشر، فلا قيمة لها في البحث العقيدي، وكذلك العقل مهما بلغت صراحته
العربية لسان أهل الجنة بلا شك.
الدليل؟ وأين مورد الاستنباط من هذا أن العربية هي الأقدم؟
لماذا تبرأ من أن العربية قديمة حديثة أبدية .. وما دليلك على ما يخالف ؟ .
أنا لاأبرا، لكن الواقع أن ثمة لغات كثيرة قبلها
لعلك تسلم - أما أنا فلا - أن أول من نطق بها إسماعيل عليه السلام، فماذا عمن قبله؟ وماذا كانت لغة أبيه عليه السلام
وماذا كانت لغة نوح، وإدريس، وهود، وصالح..عليهم السلام؟...
وأسماء الله عربية منذ الأزل إلى الأبد .
القرآن يحكي قصص أمم تكلمت بلغات مختلفة، وقد سبح اليهود والنصارى - قبل الإسلام - أسماء الله ، فهل كانوا يسبحون بالعربية؟
هات دليلا قويا راسخا في الأرض ثم نكمل
واهدأ رجاء
 
أخي الكريم
لقد حولت الحوار إلى أسئلة توجهها إلي ، وهذه طريقة الذي يعجز عن أن يكون طرفاً فاعلا في قيادة الحوار ، فيسلم الدفة للآخر بتوجيه الأسئلة جزافاً ، ويجلس في الخلف للفرجة .. ويقول : رفقاً بالقوارير .. يا أهل الغلو !!
ولا بأس !!
استأنفت مغالطاتك ودعاويك وقفزاتك المارثونية من جديد ، خذ أمثلة على ذلك :
= أنت قلت في ارتباك واضح : "هذه من الغيبيات ، والغيبيات عقيدة ... إلخ ". أما إنه ليس كل الغيبيات عقيدة ، وليس كل العقيدة غيبيات .. لماذا التعميم والقفز والإلزام بما لا يلزم ؟ .
= ... هذه المسألة ليست من مسائل العقيدة كما زعمت ، هداك الله ، بل من مسائل الفقه والتاريخ والنقل والنظر والاجتهاد ، فنحن بين أجر وأجرين ..
= أقوال البشر في العقيدة ليست دائماً على ضلال كما تعتقد ، كأقوال الأمام أحمد وغيره من أئمة الهدى ، ولو قال أعرابي : البعرة تدل على البعير لرفعناها شعاراً في تعريف الناس بالتوحيد ، وهي قول بشر .. وحاجتنا إليها ماسة جداً لتفهيم الجاهل وإرشاد الضال وتوضيح الخفي وكشف الشبه .
= أقوال السلف الاتفاقية حجة لنا لأنهم لا يجتمعون على ضلالة ، وحتى الآحادية الموثوقة .. وهي أسلم لنا في اللغة والشرع من أقوال مرجليوث ، وفندريس ، وجاكبسون ، ودي سوسير ، وتشومسكي ، الذين لا يساوون ظفر الكمال ابن الهمام ، مع وافر الاحترام للأشخاص وللعلم الذي في الصدور .
= آدم كان في الجنة بشاهدة القرآن وكل الكتب السماوية ، ولسان أهل الجنة عربي كما تعلم ، فلسانه عربي ضرورة ، فإذا تعديت هذه الضرورة فأخبرنا عن لسان آدم ؛ كان ماذا ؟ ..
= ليس إسماعيل عليه الصلاة والسلام أول من نطق بالعربية ، لم أدع ذلك ، ولن أفعل ، ولا تقولني ذلك ، فقد كانت على عهده لسان بقية العرب البائدة قبلاً : جرهم ( جرهم ، طسم ، جديس ، ثمود ، عاد ) .. واكتفيتُ بذكر إسماعيل لأنك أنت الذي قلت : إن العربية عمرها قصير جداً (300 سنة)!! فأخبرتك أن عمرها معرق في القدم يتعدى عهد إسماعيل ، حتى نسابة العرب ارتبكوا في تقدير هذه المدة المتطاولة ، واختلفوا في النسب الذي بعد عدنان ؛ كما هو مشهور ومعروف في الحديث : (كذب النسابون..).. يعني آلاف السنين بلا ريب : عمر عربية إسماعيل .. فكيف بعمر عربية العرب البائدة ؟؟؟ .. أطول طبعاً .
= قد تعلم أن الرسالات السماوية المذكورة لنا في القرآن ( من قصهم الله علينا في القرآن المنزل باللسان العربي المبين ) كانت في رقعة جزيرة العرب ( بمعناها الواسع ) ، ولغة هذا الإقليم ( الرابع في تقسيم ابن خلدون للعالم ) متقاربة جداً ؛ جاء في كتاب العين للخليل ( كنع ) أن الكنعانية ( بنت السامية ) أقرب اللغات إلى العربية .. وحكَم العقاد أن لسان إبراهيم كان عربياً ، وقال : كانت العربية لسان الجزيرة في زمنه أو شيئا هذا معناه . وقال ابن حزم ( الإحكام ) : كانت لغات الجزيرة متقاربة في زمن إبراهيم ، كلهجات قرطبة وما حولها من القرى ، يعني ليس كاختلافها الذي نراه اليوم بين العربية والأعجمية .
= قلت : (القرآن يحكي قصص أمم تكلمت بلغات مختلفة ) .. لغات مختلفة !! ما أيسر الدعاوى على لسانك ! هل تقصد أن القرآن تصرف في ما نقل عن تلك الأمم كالحكواتية ، وهو كتاب الصدق المطلق ؟ أم تقصد أن القرآن ترجم تلك اللغات المختلفة ؟ . ما الدليل أن ما في القرآن مترجم عن تلك الأمم ؟ . تعلم أن كلمة القصص تعني مطابقة الواقع ، ولا تعني الحكاية بمعنى المشابهة .
ولا شأن لي بتسبيح اليهود .. إلا إذا أورده القرآن في قصصه الحق .
والله تعالى أعلم .
 
نقاش مفيد من الجميع جزاهم الله خيرا ووفقهم لما يحب ويرضى ، وكنت أظن أن المقال يخص الإعجاز العلمي ، فنحن نفكر لما كثر فقد الأجنة في هذه الأيام فقلت ربما وجدوا علاقة بين خروج المرأة المتكرر للعمل، أو الأسواق والارهاق وبين ما نراه .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الفاضل محمد بن جماعة
قلت في تعليقك على ماورد في مقالة ثقافة الصحراء : " في تقديري أن هذا الربط بين الحديث ومعنى القرار في الرحم، عجيب ولا مبرر له، وإلا جاز لنا أن نجمع كل مشتقات اللفظ وإدارجها في معنى اللفظ.. من الطبيعي أن يكون لكل لفظ عدد كبير من المشتقات اللغوية يستعمل كل واحد منها في سياق من السياقات، ولكن ليس من الضروري أن تصلح جميع المشتقات لجميع السياقات"
وأود أن أوجه نظرك ونظر القارئ الكريم إلى أن مصطلح ثقافة الصحراء هو من المصطلحات المهمة لمن يريد أن يدرس تفسير القرآن، لأن الله عز وجل أنزل القرآن على أهل قرية هم "جوهر" و" أصل" صحراء الجزيرة العربية ، و إذا كانت ثقافة الصحراء تعني كما ذكرت في المقالة (الإدراك التام الشامل لواقع الصحراء)؛ فإن المدلولات الحقيقية (الواقعية) لكلام أهل الصحراء تظهر في سياق ثقافة الصحراء؛ ومن أراد أن يدرك المعاني الحقيقية لشعر العرب يجب أن يقرأ هذا الشعر في إطار ثقافة الصحراء؛ لأن الشواهد والمدلولات الشعرية جاءت من رحم هذه الثقافة؛ فمثلا عند استعراض المعاني المختلفة لحديث رفقا بالقوارير يا أنجشة نرى ما يلي:
1- قد تعني كلمة القوارير النساء لرقتهم وصبوتهم إلى رقيق الكلام والشعر كما هو المفهوم السائد لدى كثير من الناس، وهذه الدلالة يمكن استبعادها، بكل بساطة، إذا عرفنا أنه لا يحدو الحادي بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاحش من القول والدليل ما ذكرته في المقالة فيما ورد في مسند الأمام أحمد، إذا ليستبعد القارئ هذا المعنى.
2- قد تعني كلمة القوارير النساء لضعف أجسادهن وتعرضهن للأذى عند سقوطهن من ظهور الأبل، لكن من يدرك واقع الصحراء إدراكا تاما شاملا يعرف أن النساء لا يركبن على ظهور الجمال إلا إذا تم تثبيت الهوادج(جمع هودج)، والهودج ،لمن يعرف هذه الثقافة جيدا، يثبت على ظهر الجمل بطريقة محكمة جدا و لا يسقط الهودج إلى الأرض إلا إذا خر الجمل صريعا؛ كما أن الحادي يمشي الهوينا وهو يحدو بالإبل ولا يركض أو يعدو؛إذا ليستبعد القارئ هذا المعنى، أو معنى أن الأبل ستسبق ركب الرسول صلى الله عليه وسلم.
3- قد تعني كلمة القوارير الأبل كما ذكرت في تعليقك وهذا المعنى هو بعيد كل البعد عن واقع الصحراء ذلك أن في الأبل قوة هائلة عجيبة وتتحمل ما لا تتحمله كثير من الحيوانات ولذلك ليس هناك مجال في تشبيهها بالقوارير إذا اعتبرنا أن القوارير ضعيفة التحمل.
وإذا أخذنا بالمعنى الجديد بأن القوارير في هذا الحديث هي الأرحام فإن هذا المعنى يظهر لنا الحرص الشديد للرسول صلى الله عليه وسلم على أمته وأفرادها حتى وهي نطف تتشكل في أرحام أمهاتها على ظهور الأبل خصوصا إذا عرفنا أن هذه الأمة بدأت في قلة قليلة وحمل امرأة واحدة له دلالات وبشارات عظيمة لتلك الأمة في تلك الفترة الحرجة من تاريخ تكونها، ولا أظن أن قائدا أظهر من الرحمة والرفق بجماعته مثل ما ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبعوث رحمة للعالمين.
كما أن المعنى الجديد ينبه القارئ إلى خطورة حركة المرأة في بدأ الحمل، فالرحم لا يعتبر قارورة بالمعنى اللغوي إلا إذا استقرت النطفة فيه في اللحظات الأولى للحمل، وهي مرحلة حرجة في ثبات الحمل ، وهذا معنى له فائدة تخص جميع نساء العالمين وفيه رحمة لجميع نساء العالمين، وقد سرني في هذا السياق مشاركة أحد أخواتنا و أمهاتنا الفاضلات وهي مشاركة أم عبد الله الجزائرية حيث قالت في مشاركتها: "نقاش مفيد من الجميع جزاهم الله خيرا ووفقهم لما يحب ويرضى ، وكنت أظن أن المقال يخص الإعجاز العلمي ، فنحن نفكر لما كثر فقد الأجنة في هذه الأيام فقلت ربما وجدوا علاقة بين خروج المرأة المتكرر للعمل، أو الأسواق والارهاق وبين ما نراه "، وهذا صحيح إذا أخذنا بالقراءة الجديدة التي فيها فائدة جديدة أدركتها أم عبدالله بفطرتها وحسها اللغوي، إذ أن حركة المرأة إذا تحققت فيها شروط فيزيائية محددة كما ذكرت في المقالة قد تكون سببا في عدم استقرار الحمل في مراحل لاحقة وحدوث تسقيط للجنين، أي أن أول أربعين يوما هي فترة حرجة في الحمل، وفي طبيعة بعض أعمال النساء في هذه الأيام تتوفر شروط حركية لحدوث عدم استقرار للنطفة في الرحم.
إذا هذه القراءة الجديدة تؤكد لنا هذا المعنى القديم الجديد في أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وتؤكد حقائق طبية وعلمية عن الحمل والأرحام وتأثير الحركة الاهتزازية على ثبات الحمل.
أخي الفاضل يمكنك الرجوع إلى تعليقي السابق حول مستويات القراءة الجديدة وخصوصا المستوى الرابع وهو مستوى قراءة دلالات معاني الكلام في سياق الحدث والحدث هنا هو حركة الأبل وعلى ظهورها نساء المؤمنين. والله تعالى أعلم .
 
الأخ الكريم عصام
إن أردت أن يستمر الحوار، فهدئ من ثورتك قليلا، ولا تسارع إلى سوء الظن والاتهامات الجزافية
لقد حولت الحوار إلى أسئلة توجهها إلي
أظن أنه دوري في السؤال بعد أن أجبتك، وإن بقي شيء فأرجو التنبيه إليه في هدوء
أنت قلت في ارتباك واضح : "هذه من الغيبيات ، والغيبيات عقيدة
لا أدري من أين شعرت بالارتباك، وأرجو الكف عن الأسلوب المستفز
رجل يقول إن أهل الجنة يتكلمون بلغة كذا، أليس هذا أمرا غيبيا؟ أليس عقيدة؟ ودعك من التفلسف بأنه ليس كل غيب عقيدة، والعكس. واقصد إلى الموضوع. وأعيد السؤال: ما دليلك أن أهل الجنة يتكلمون العربية؟
ثم لو سلمنا، كيف تأخذ من هذا أقدمية العربية ؟
هذه المسألة ليست من مسائل العقيدة كما زعمت ، هداك الله ، بل من مسائل الفقه والتاريخ والنقل والنظر والاجتهاد ، فنحن بين أجر وأجرين
كل أمر يزعم أنه يحدث في السماء فهو عقيدة، ليس بفقه، ولا محل في لنظر، ولا اجتهاد في العقيدة. فهات الدليل
استأنفت مغالطاتك ودعاويك وقفزاتك المارثونية من جديد
أنا أرفض الاتهامات الجزافية، فهات المغالطات واحدة واحدة، واطلب دليلها
وبما أنك أستاذ في اللغة فهو (دعاواك) وليس دعاويك
أقوال البشر في العقيدة ليست دائماً على ضلال كما تعتقد
لاأدري من أي قولي فهمت هذا، وأرجو عدم الخروج عن الموضوع
أقوال السلف الاتفاقية حجة لنا لأنهم لا يجتمعون على ضلالة.. وهي أسلم لنا في اللغة والشرع من أقوال مرجليوث
هذا القول محل نظر، وليس هذا موضعه. أما مباحث علم اللغة، فقد يصيب فيها فندريس ويخطئ الخليل، وردك لهذا غلو وتعصب
آدم كان في الجنة بشاهدة القرآن وكل الكتب السماوية
هذا أيضا موضع نظر وخلاف، وسل أستاذك الدكتور عبدالصبور شاهين عنه، ثم لا علاقة له بالموضوع
ولسان أهل الجنة عربي كما تعلم
أنا لا أعلم، فلا تفهم عني ما لم أفهم، وليس لي من هذا موقف مع ولا ضد؛ وأنا متوقف فيه حتى تأتيني بالدليل
فأخبرنا عن لسان آدم ؛ كان ماذا ؟
جوابي لا أدري، وإن كان عندك جواب فهات دليله
ليس إسماعيل عليه الصلاة والسلام أول من نطق بالعربية ، لم أدع ذلك ، ولن أفعل ، ولا تقولني ذلك
هذا قول كثير من الإخباريين، فظننتك تقول به فتبين أن لا، فلا بأس
فقد كانت على عهده لسان بقية العرب البائدة قبلاً : جرهم ( جرهم ، طسم ، جديس ، ثمود ، عاد )
وهؤلاء كانوا يتكلمون لغة، وهي قطعا ليست العربية، ونصوص لغتهم قد عرفناها، وإن كنت لا تعرفها فأنصحك أن تراجع بعض النقوش الصفوية والثمودية.. وتقارن بينها وبين العربية؛ حتى تتوصل إلى نسبة تشابه.

فكيف بعمر عربية العرب البائدة ؟؟؟ .. أطول طبعاً .
لاأدري لماذا تصر على تسميتها عربية؟ هذي مغالطة، فالعربية إذا أطلقت قصد بها لغة الشعر الجاهلي والقرآن الكريم، فابحث عن اسم آخر نتفق، سمها مثلا (سامية - جزرية - عروبي - عاربة) أما العربية فهي شيء آخر.
أأنت أعلم من أبي عمرو بن العلاء، الذي يقول: " ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا، ولا عربيتهم بعربيتنا " فهو يسميها عربية تجوزا، لأنه لم يجد لها اسما آخر، وإلا فقد اقر أنها شيء مختلف تماما، بل حاصل كلامه أنه ليس ثمة نقاط التقاء، وهذا خطأ معذور فيه؛ فلم يكن يعرف من اليمنية شيئا
قلت : (القرآن يحكي قصص أمم تكلمت بلغات مختلفة ) .. لغات مختلفة !! ما أيسر الدعاوى على لسانك ! هل تقصد أن القرآن تصرف في ما نقل عن تلك الأمم كالحكواتية ، وهو كتاب الصدق المطلق ؟ أم تقصد أن القرآن ترجم تلك اللغات المختلفة ؟
هل أفهم من هذا أن جميع الأنبياء عرب؟ يتكملون لغة واحدة؟
أما الدليل فهو قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ }إبراهيم4
وهذا نص واضح أنها لغات مختلفة، وإذ القرآن لغة واحدة فنعم ترجمة إن شئت
والآن حان دورك فسل عما بدا لك، بهدوء
شرط أن تعترف إذا تبين لك الحق وكذلك أنا، ولا داعي للمكابرة
 
من المؤسف أن تضيع الأوقات في نقاشات وجدالات من هذا النوع.
فقد ضاع الموضوع الأصلي في متاهة التعليق والتعليق على التعليق..
 
أخي الحبيب رصين حياك الله
لم أكن أقصد استفزازك ، ولكن استدرجني أسلوبك فكان ما كان ..
= أما الغيب فمنه مطلق موقوف على السمع ، ومنه نسبي كالتاريخ ، كالمسألة التي نحن بصددها ..
= ومسائل العقيدة معروفة ، وليست منها هذه المسألة ، ولا هي في كتب العقائد ، وتجدها في باب الوضع من علم أصول الفقه ، ومن علم أصول اللغة ، وهي مسألة نظر قد يُعجز عنها ، ولا تكليف إلا بما في الطاقة .. وجعلك إياها من العقيدة ارتباك في تصنيف المسائل العلمية .
= كلام أهل الجنة بالعربية وارد في حديث حسنه الحافظ السلفي وضعفه كثيرون ، ويقتضي بقاء القرآن متلوا في الآخرة كما كان في الدنيا أو يستلزم بقاء العربية معه في الآخرة ، فهي لسانه المبين ، وتعلم آدم للأسماء كلها يستلزم علمه بها عربية ضمناً ، على أقل تقدير ، وليست هذه على كل حال هي محل نزاع هنا ، والأمر فيها ذو سعة .. وإنما ذكرت استطرادا ..
محل النزاع في مشاركتك وتعقيبك على الأخ النور : أنك تجعل العربية كغيرها من اللغات وتنتقص من علماء العربية وتطرح مدوناتها المنقولة الحية اليانعة (ولو كانت حديثا)، وتجعل اهتمامك بنقوش الأمم الخالية وحفريات الرمم البالية ، فتجعل تلك النقوش إمامك في كتابة التاريخ اللغوي لجزيرة العرب ، وتعتقد أن ذلك ثورة وهدم للنظريات القائمة :
انظر إليك تقول :
أقوى الأدلة وهو ما لا يحتمل فيه ما يحتمل في الرواية الشفوية – حتى لو كانت حديثا نبويا – من وهم وسوء حفظ وغفلة ونسيان وتدليس واختلاط وكذب وافتراء، حجر أو رقيم طيني كتب عليه كلمات بلغة ما، ليس في الأدلة أقوى من هذا، خاصة في اللغة.
فرغم قلة تلك النقوش وظنيتها وانقطاع الزمان بها وثانويتها وجهالة كتّابها وقصتهم وانتمائهم واحتياجها إلى مزيد بحث وحفر ومقارنات .. تقرر أنها أقوى الأدلة .. اغتراراً بالأحجار .
من أين اكتسب عندك هذا الدليل الحجري الميت قوته الخارقة التي تفند أقوال الجاحظ وابن العلاء وسيبويه وابن الهمام ..
ولو بعث كاتب ذلك الرقيم الطيني وتكلم بلسان ما كتبه لما عددنا ذلك دليلاً عن تاريخ لغات الجزيرة ، ليناقض حاضرها الإسماعيلي العربي أو الجرهمي .. بل لعرفنا أن صاحب ذلك الحجر له لسان يوافق أو يخالف لسان العرب ، لسان الجزيرة العام .. وأنت تعرف أن الشعوب لا تهتم بكتابة النقوش ، إنما الذي يسطر تلك النقوش هم قلة متنفذة ، قد تكون محتلة !! (هذا تشكيك في مصداقية نقوشك)..
ووجود رقيم منقوش عليه لغة غير عربية لا يقتضي أن العربية ليست موجودة ، ففقدان الشيء لا يقتضي نفيه ..
نعم ليس للعربية نقوش وفيرة .. والسبب هو أميتهم ، ليسوا كاليمنيين ، وكالشاميين والعراقيين ( الآرميين ) [الرافعي في تاريخ آداب العرب]. العرب نقوشهم في صدورهم ..
وذهبت - بحجر ملقى في رمال صحرائك (مشكوك في مصدره وكاتبه وغرضه)- تقطع أن نوحاً يمني ، والمعروف أنه من شمال الجزيرة .
وذلك في قولك عن ( يعوق ) من أسماء أصنام قوم نوح .
كيف تقطع بأن وجود أسماء أصنام قوم نوح في حجر يماني دليل على يمنية نوح ، وتعلم أن تلك الأسماء كان يعرفها العرب ووردت في القرآن ، فالقرآن يماني على رأي حَجَرك؛ أقصد على قولك .. !!.
أفلا يدل وجود تلك الأسماء في الحجر وفي القرآن أن لغة قوم نوح كانت كلغة قريش التي عرفت : ودا وسواعا ويعوق ويغوث ونسرا ؟. فلو جئت بمثال آخر ليس فيها هذا الإشكال !
ملاحظة : يذكر أن إسماعيل أول من أعرب وليس أول من نطق .
تنبيه : يجوز أن نقول : دعاوي ودعاوى كصحاري وصحارى وعذاري وعذارى .
مع اعتذار من الأخ محمد بن جماعة .
 
لم أعد إلى قراءة هذا الموضوع كله الآن ، وقد كانت فيه نقاشات مفيدة ، وليته يكتمل النقاش حوله للفائدة .
ولكن أحببت الإشارة إلى بحث ذي صلة بهذا الموضوع بعنوان (التحيز اللغوي : مظاهره وأسبابه) للدكتور حمزة المزيني ، ناقش فيه قضية التعصب للغات عند كل أمة من الأمم ، وادعاء الأولية للغتهم على سائر اللغات . والبحث فيه فوائد وملاحظات ، وهو جدير بالقراءة . وقد نشره الباحث ضمن بحوث أخرى في سلسلة كتاب الرياض رقم 125 بتاريخ 2004م .
 
شكر الله لكم بعث الموضوع من جديد، وهو مفيد حقًا، وليت النقاش يستمر في مثل هذه الموضوعات.
 
عودة
أعلى