د. جمال القرش
Member
-علاقة الوقف والابتداء بالفقه
الوقف والابتداء من العلوم التي تحتاج إلى تمكن في جوانب متعددة في العلوم الأخرى كاللغة والتفسير والفقه والقصص، والقراءات
قال ابن مجاهد: « لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نحويّ، عالم بالقراءات، عالم بالتفسير، عالم بالقصص، وتخليص بعضها من بعض » [1]
وهذا نموذج يظهر علاقة الوقف والابتداء بالأحكام الفقهية اخذت مادتها من كتابي (مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء)
سائلا الله تعالى أن يسدد قولنا في الحياة الدنيا وفي الأخرة ، والله ولي ذلك والقادر عليه ، وكتبه جمال القرش الرياض 12/ 5/ 2016هـ
الوقف على قوله: (شَهَادَةً أَبَداً) النور: 4
قوله تعالى: ] وَالّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلاّ الّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌرّحِيمٌ[ النور: 4.
التوجيه النحوي:
توجيه الوقف يكون بالنظر إلى عودة الاستثناء بـ (إلا) على قولين:
القول الأول: أن الاستثناء يعود على الجملتين التي قبل الاستثناء، وعليه تقبل شهادة القاذف إن تاب [1]
القول الثاني: أن الاستثناء يعود على أقرب مذكور، وعليه فلا تقبل شهادة القاذف أبدا ولو تاب (1)
فعلى القول الأول: لا وقف على (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) لئلا يفصل بين المستثنى والمستثنى منه
وعلى القول الثاني فالوقف على (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) (1)
قال أبو البقاء العبكبري: العكبري (المتوفى : 616هـ) (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَمِنَ الْجُمْلَةِ الَّتِي تَلِيهَا عِنْدَ آخَرِينَ[2]
أقوال المفسرين:
القول الأول: ، وهو قبول شهادته إذا تاب، وهو مذهب أكثر الفقهاء، وجمهور المفسرين، وَقَالَ: مَالِكٌ: تُقْبَلُ فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَا وَغَيْرِهِ إِذَا تَابَ وَبِهِ قال عطاء وطاوس ومجاهد وَالشَّعْبِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٌ وَالزُّهْرِيُّ، وابن الْمُسَيِّب [3]
واستدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1. استدلال الجمهور بقبول الصحابة رضي الله عنهم شهادة القاذف بعد توبته كما في قصة قذف المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فإن عمر رضي الله عنه قبل شهادة نافع، وشبل ما تابا، ورد شهادة أبي بكرة (1)
2. أن من قذف وهو كافر ثم أسلم وتَابَ، وكان بَعْدَ إسْلاَمِه عَدْلاً قبلت شَهادَتُه وإن كان قاذفاً، والقياس قبول شهادة القاذف إن تاب واللَّه - عزَّ وجلَّ - يقول في الشهادات: (مِمنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشهَدَاءِ) فليس القاذف بِأَشد جُرْماً مِنَ الكافِر، فحقه أنه إذا تاب وأصلح قُبِلَتْ شهادَتُه، كما أن الكافِرَ إذا أسلم وأصلح قبلت شَهادَتُه. [4]
3. أنه فعل الصحابة رضي الله عنهم.
4. عموم قوله صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)
5. ما رواه ابن أبي نجيح يقول: القاذف إذا تاب تجوز شهادته[5]
6. ما رواه ابْن الْمُسَيِّبِ قال : «تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ إِذَا تَابَ»[6]
7. ما رواه الزُّهْرِيُّ: «إِذَا جُلِدَ الْقَاذِفُ , فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ» , قَالَ: «فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ , وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ»[7]
8. ما رواه ابْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ: «شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ بِالزِّنَا فَنَكَلَ زِيَادٌ , فَحَدَّ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ , ثُمَّ سَأَلَهُمْ أَنْ يَتُوبُوا , فَتَابَ اثْنَانِ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا , وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَتُوبَ فَكَانَتْ شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ حَتَّى مَاتَ, وَكَانَ قَدْ عَادَ مِثْلَ النَّصْلِ مِنَ الْعِبَادَةِ»[8]
9. ما رواه الشعبيّ، قال: إذا تاب، يعني: القاذف، ولم يعلم منه إلا خير، جازت شهادته[9]
القول الثاني: وهو عدم قبول شهادته إذا تاب، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي وَالنَّخَعِيُّ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ [10]
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1. أَنَّ القَذفَ بِدُونِ إِثْبَاتٍ يدلَّ عَلَى تَسَاهُلِهِ فِي الشَّهَادَةِ فَكَانَ حَقِيقًا بِأَنْ لا يُؤْخَذَ بِشَهَادَتِهِ [11]
2. أن قوله (أَبَدًا) يدل على الأبدية فَالْأَبَدُ: الْزَمْنُ الْمُسْتَقْبَلُ كُلُّهُ
ورده الزجاج بقوله: أن الأبدَ لكل إنسان مقدار مُدتِهِ في حياته، ومقدار مدَّتِه فيما يتصل بقصَّتِهِ. فتقول: الكافر لا يُقْبَلُ منه شَيْء أَبَداً فمعناه، ما دام كافراً فلا يقْبَلُ منه شيء، وكذلك إذَا قُلْتَ: القَاذِفُ لا تُقْبَل منه شَهادَة أبداً، فمعناه ما دَامَ قَاذِفاً، فإذا زال عنه الكفر فقد زال أَبَدُه، وكذلك القاذفُ إذا زال عنه القذفُ فقد زال عنه أَبَدُه، [12]
3. أن َاسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْإِعْلَانِ بِفِسْقِهِمْ لِيَتَمَيَّزُوا فِي هَذِهِ الصِّفَةِ الذَّمِيمَةِ
4. أنه نَهْيٌ جَاءَ بَعْدَ أَمْرٍ، فَكَمَا أَنَّ حُكْمَهُ الْجَلْدُ كَذَلِكَ حُكْمُهُ رَدُّ شَهَادَتِهِ[13]
5. َالْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي شَنَاعَةِ فِسْقِهِمْ[14]
6. أن رد شهادة القاذف من الأحكام العقابية للقاذف فلا يسقط هذا العقاب بالتوبة كما أن الحد لا يسقط عنه بالتوبة.
7. قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه في الإسلام». رواه أبو داود وحسنه الألباني[15]
8. قوله الْحَسَنُ وشريح: «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ أَبَدًا , وَتَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ» [16]
أقوال علماء الوقف والابتداء
الثاني: لا وقف.
الثاني: جائز.
الثالث: التفصيل بين الوقف وعدم الوقف،
مناقشة الأقوال:
الأول: وهو قول: الداني[17]
الثاني: وهو قول : السجاوندي . [18]
الثالث: وهو قول: النحاس، والأنصاري ، والأشموني [19]
ولم يذكر ابن الأنباري وقفا.
فمن رأى عدم الوقف اعتبر أن الاستثناء يعود على الجملتين التي قبل الاستثناء، وعليه تقبل شهادة القاذف.
ومن رأى الوقف اعتبر أن الاستثناء يعود على أقرب مذكور، وعليه فلا تقبل شهادة القاذف أبدا ولو تاب.
القول الراجح:
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول : وهو عودة الاستثناء إلى قوله تعالى (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً) للأسباب التالية:
1- أنه رأي الجمهور وأكثر أهل العلم والفقهاء.
2- أنه لا يوجد دليل من نقل أو عقل يخصص عدم لحوق الاستثناء به.
3- عموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»[20]
4- أن التوبة تجب ما قبلها بالإجماع، ولو قتل وسرق وزنا، وكفر، فما بالك بما دونه.
5- إذا كان الفسق ارتفع بالتوبة، وهو سبب الرد، فيجب ارتفاع ما ترتب عليه.
6- أن الأثار المذكورة ضعيفة، قال ابن القيم: « قالوا: وأما تلك الآثار التي رأيتموها ففيها ضعف).
7- قال أبو جعفر الطبري : والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الاستثناء من المعنيين جميعا، أعني من قوله: (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) ومن قوله: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أن ذلك كذلك، إذا لم يحدّ في القذف حتى تاب، إما بأن يرفع إلى السلطان بعفو المقذوفة عنه، وإما بأن ماتت قبل المطالبة بحدّها، ولم يكن لها طالب يطلب بحدّها، فإذ كان ذلك كذلك وحدثت منه توبة صحت له بها العدالة، فإذ كان من الجميع إجماعا، ولم يكن الله تعالى ذكره شرط في كتابه أن لا تقبل شهادته أبدا بعد الحدّ في رميه، بل نهى عن قبول شهادته في الحال التي أوجب عليه فيها الحدّ، وسماه فيها فاسقا، كان معلوما بذلك أنّ إقامة الحدّ عليه في رميه، لا تحدث في شهادته مع التوبة من ذنبه، ما لم يكن حادثا فيها قبل إقامته عليه، بل توبته بعد إقامة الحدّ عليه من ذنبه أحرى أن تكون شهادته معها أجوز منها قبل إقامته عليه; لأن الحدّ يزيد المحدود عليه تطهيرًا من جرمه الذي استحقّ عليه الحدّ. [21].
8- قال الداني: من قال: إن شهادته جائزة إذا تاب، وجعل الاستثناء من قوله «ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً» وما بعده، لم يقف على قوله «أبداً» ووقف على قوله «فإن الله غفور رحيم» وهذا الاختيار، وعن ابن عباس في قوله {ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً} ثم قال: {إلا الذين تابوا} فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل(1).
رموز المصاحف:
لم تشر عموم المصاحف إلى علامة وقف وهو الذي أميل إليه لأنه الموافق لجمهور المفسرين، والنحويين ، وعلماء الوقف والابتداء.
[1] معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 31)، و المكتفى: ص/143 . و الكافي لابن عبد البر 2/ 897، وبداية المجتهد 2/ 442، 462، والأم 6/ 209.
(1) انظر: علل الوقوف : 734 .، وبدائع الصنائع 6/ 270 – 271، والمغني ص 197.
(1) معاني القرآن للنحاس (4/ 503)، والمكتفى: ص/143 ، و المحرر الوجيز (4/ 165)
[2] التبيان في إعراب القرآن (2/ 964)
[3] البحر المحيط في التفسير (8/ 14)
(1) انظر: المغني ص 197، انظر: أعلام الموقعين 1/ 123
[4] معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 31)
[5] تفسير الطبري (19/ 104)
[6] تفسير عبد الرزاق (2/ 428)،
[7] تفسير عبد الرزاق (2/ 428)،
[8] تفسير عبد الرزاق (2/ 428)،
[9] تفسير الطبري (19/ 103)
[10] تفسير عبد الرزاق (2/ 427)، و الطبري (19/ 106) والبحر المحيط (8/ 14)
[11] التحرير والتنوير (18/ 159)
[12] معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 31)
[13] البحر المحيط في التفسير (8/ 14)
[14] التحرير والتنوير (18/ 159)
[15] صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1212)
[16] تفسير عبد الرزاق (2/ 427)، و تفسير الطبري (19/ 106)
[17] المكتفى: ص/143 .
[18] علل الوقوف : 734 .
[19] القطع والائتناف 464، والمقصد: 60، ومنار الهدى 196
[20] رواه ابن ماجه ، وانظر صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 578)
[21] تفسير الطبري (19/ 107)
(1) المكتفى: ص/143 .
البحث من كتاب ( مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء لـ جمال القرش)
الوقف والابتداء من العلوم التي تحتاج إلى تمكن في جوانب متعددة في العلوم الأخرى كاللغة والتفسير والفقه والقصص، والقراءات
قال ابن مجاهد: « لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نحويّ، عالم بالقراءات، عالم بالتفسير، عالم بالقصص، وتخليص بعضها من بعض » [1]
وهذا نموذج يظهر علاقة الوقف والابتداء بالأحكام الفقهية اخذت مادتها من كتابي (مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء)
سائلا الله تعالى أن يسدد قولنا في الحياة الدنيا وفي الأخرة ، والله ولي ذلك والقادر عليه ، وكتبه جمال القرش الرياض 12/ 5/ 2016هـ
الوقف على قوله: (شَهَادَةً أَبَداً) النور: 4
قوله تعالى: ] وَالّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلاّ الّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌرّحِيمٌ[ النور: 4.
التوجيه النحوي:
توجيه الوقف يكون بالنظر إلى عودة الاستثناء بـ (إلا) على قولين:
القول الأول: أن الاستثناء يعود على الجملتين التي قبل الاستثناء، وعليه تقبل شهادة القاذف إن تاب [1]
القول الثاني: أن الاستثناء يعود على أقرب مذكور، وعليه فلا تقبل شهادة القاذف أبدا ولو تاب (1)
فعلى القول الأول: لا وقف على (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) لئلا يفصل بين المستثنى والمستثنى منه
وعلى القول الثاني فالوقف على (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) (1)
قال أبو البقاء العبكبري: العكبري (المتوفى : 616هـ) (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَمِنَ الْجُمْلَةِ الَّتِي تَلِيهَا عِنْدَ آخَرِينَ[2]
أقوال المفسرين:
القول الأول: ، وهو قبول شهادته إذا تاب، وهو مذهب أكثر الفقهاء، وجمهور المفسرين، وَقَالَ: مَالِكٌ: تُقْبَلُ فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَا وَغَيْرِهِ إِذَا تَابَ وَبِهِ قال عطاء وطاوس ومجاهد وَالشَّعْبِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٌ وَالزُّهْرِيُّ، وابن الْمُسَيِّب [3]
واستدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1. استدلال الجمهور بقبول الصحابة رضي الله عنهم شهادة القاذف بعد توبته كما في قصة قذف المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فإن عمر رضي الله عنه قبل شهادة نافع، وشبل ما تابا، ورد شهادة أبي بكرة (1)
2. أن من قذف وهو كافر ثم أسلم وتَابَ، وكان بَعْدَ إسْلاَمِه عَدْلاً قبلت شَهادَتُه وإن كان قاذفاً، والقياس قبول شهادة القاذف إن تاب واللَّه - عزَّ وجلَّ - يقول في الشهادات: (مِمنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشهَدَاءِ) فليس القاذف بِأَشد جُرْماً مِنَ الكافِر، فحقه أنه إذا تاب وأصلح قُبِلَتْ شهادَتُه، كما أن الكافِرَ إذا أسلم وأصلح قبلت شَهادَتُه. [4]
3. أنه فعل الصحابة رضي الله عنهم.
4. عموم قوله صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)
5. ما رواه ابن أبي نجيح يقول: القاذف إذا تاب تجوز شهادته[5]
6. ما رواه ابْن الْمُسَيِّبِ قال : «تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ إِذَا تَابَ»[6]
7. ما رواه الزُّهْرِيُّ: «إِذَا جُلِدَ الْقَاذِفُ , فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ» , قَالَ: «فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ , وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ»[7]
8. ما رواه ابْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ: «شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ بِالزِّنَا فَنَكَلَ زِيَادٌ , فَحَدَّ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ , ثُمَّ سَأَلَهُمْ أَنْ يَتُوبُوا , فَتَابَ اثْنَانِ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا , وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَتُوبَ فَكَانَتْ شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ حَتَّى مَاتَ, وَكَانَ قَدْ عَادَ مِثْلَ النَّصْلِ مِنَ الْعِبَادَةِ»[8]
9. ما رواه الشعبيّ، قال: إذا تاب، يعني: القاذف، ولم يعلم منه إلا خير، جازت شهادته[9]
القول الثاني: وهو عدم قبول شهادته إذا تاب، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي وَالنَّخَعِيُّ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ [10]
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1. أَنَّ القَذفَ بِدُونِ إِثْبَاتٍ يدلَّ عَلَى تَسَاهُلِهِ فِي الشَّهَادَةِ فَكَانَ حَقِيقًا بِأَنْ لا يُؤْخَذَ بِشَهَادَتِهِ [11]
2. أن قوله (أَبَدًا) يدل على الأبدية فَالْأَبَدُ: الْزَمْنُ الْمُسْتَقْبَلُ كُلُّهُ
ورده الزجاج بقوله: أن الأبدَ لكل إنسان مقدار مُدتِهِ في حياته، ومقدار مدَّتِه فيما يتصل بقصَّتِهِ. فتقول: الكافر لا يُقْبَلُ منه شَيْء أَبَداً فمعناه، ما دام كافراً فلا يقْبَلُ منه شيء، وكذلك إذَا قُلْتَ: القَاذِفُ لا تُقْبَل منه شَهادَة أبداً، فمعناه ما دَامَ قَاذِفاً، فإذا زال عنه الكفر فقد زال أَبَدُه، وكذلك القاذفُ إذا زال عنه القذفُ فقد زال عنه أَبَدُه، [12]
3. أن َاسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْإِعْلَانِ بِفِسْقِهِمْ لِيَتَمَيَّزُوا فِي هَذِهِ الصِّفَةِ الذَّمِيمَةِ
4. أنه نَهْيٌ جَاءَ بَعْدَ أَمْرٍ، فَكَمَا أَنَّ حُكْمَهُ الْجَلْدُ كَذَلِكَ حُكْمُهُ رَدُّ شَهَادَتِهِ[13]
5. َالْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي شَنَاعَةِ فِسْقِهِمْ[14]
6. أن رد شهادة القاذف من الأحكام العقابية للقاذف فلا يسقط هذا العقاب بالتوبة كما أن الحد لا يسقط عنه بالتوبة.
7. قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه في الإسلام». رواه أبو داود وحسنه الألباني[15]
8. قوله الْحَسَنُ وشريح: «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ أَبَدًا , وَتَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ» [16]
أقوال علماء الوقف والابتداء
الثاني: لا وقف.
الثاني: جائز.
الثالث: التفصيل بين الوقف وعدم الوقف،
مناقشة الأقوال:
الأول: وهو قول: الداني[17]
الثاني: وهو قول : السجاوندي . [18]
الثالث: وهو قول: النحاس، والأنصاري ، والأشموني [19]
ولم يذكر ابن الأنباري وقفا.
فمن رأى عدم الوقف اعتبر أن الاستثناء يعود على الجملتين التي قبل الاستثناء، وعليه تقبل شهادة القاذف.
ومن رأى الوقف اعتبر أن الاستثناء يعود على أقرب مذكور، وعليه فلا تقبل شهادة القاذف أبدا ولو تاب.
القول الراجح:
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول : وهو عودة الاستثناء إلى قوله تعالى (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً) للأسباب التالية:
1- أنه رأي الجمهور وأكثر أهل العلم والفقهاء.
2- أنه لا يوجد دليل من نقل أو عقل يخصص عدم لحوق الاستثناء به.
3- عموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»[20]
4- أن التوبة تجب ما قبلها بالإجماع، ولو قتل وسرق وزنا، وكفر، فما بالك بما دونه.
5- إذا كان الفسق ارتفع بالتوبة، وهو سبب الرد، فيجب ارتفاع ما ترتب عليه.
6- أن الأثار المذكورة ضعيفة، قال ابن القيم: « قالوا: وأما تلك الآثار التي رأيتموها ففيها ضعف).
7- قال أبو جعفر الطبري : والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الاستثناء من المعنيين جميعا، أعني من قوله: (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) ومن قوله: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أن ذلك كذلك، إذا لم يحدّ في القذف حتى تاب، إما بأن يرفع إلى السلطان بعفو المقذوفة عنه، وإما بأن ماتت قبل المطالبة بحدّها، ولم يكن لها طالب يطلب بحدّها، فإذ كان ذلك كذلك وحدثت منه توبة صحت له بها العدالة، فإذ كان من الجميع إجماعا، ولم يكن الله تعالى ذكره شرط في كتابه أن لا تقبل شهادته أبدا بعد الحدّ في رميه، بل نهى عن قبول شهادته في الحال التي أوجب عليه فيها الحدّ، وسماه فيها فاسقا، كان معلوما بذلك أنّ إقامة الحدّ عليه في رميه، لا تحدث في شهادته مع التوبة من ذنبه، ما لم يكن حادثا فيها قبل إقامته عليه، بل توبته بعد إقامة الحدّ عليه من ذنبه أحرى أن تكون شهادته معها أجوز منها قبل إقامته عليه; لأن الحدّ يزيد المحدود عليه تطهيرًا من جرمه الذي استحقّ عليه الحدّ. [21].
8- قال الداني: من قال: إن شهادته جائزة إذا تاب، وجعل الاستثناء من قوله «ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً» وما بعده، لم يقف على قوله «أبداً» ووقف على قوله «فإن الله غفور رحيم» وهذا الاختيار، وعن ابن عباس في قوله {ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً} ثم قال: {إلا الذين تابوا} فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل(1).
رموز المصاحف:
لم تشر عموم المصاحف إلى علامة وقف وهو الذي أميل إليه لأنه الموافق لجمهور المفسرين، والنحويين ، وعلماء الوقف والابتداء.
[1] معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 31)، و المكتفى: ص/143 . و الكافي لابن عبد البر 2/ 897، وبداية المجتهد 2/ 442، 462، والأم 6/ 209.
(1) انظر: علل الوقوف : 734 .، وبدائع الصنائع 6/ 270 – 271، والمغني ص 197.
(1) معاني القرآن للنحاس (4/ 503)، والمكتفى: ص/143 ، و المحرر الوجيز (4/ 165)
[2] التبيان في إعراب القرآن (2/ 964)
[3] البحر المحيط في التفسير (8/ 14)
(1) انظر: المغني ص 197، انظر: أعلام الموقعين 1/ 123
[4] معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 31)
[5] تفسير الطبري (19/ 104)
[6] تفسير عبد الرزاق (2/ 428)،
[7] تفسير عبد الرزاق (2/ 428)،
[8] تفسير عبد الرزاق (2/ 428)،
[9] تفسير الطبري (19/ 103)
[10] تفسير عبد الرزاق (2/ 427)، و الطبري (19/ 106) والبحر المحيط (8/ 14)
[11] التحرير والتنوير (18/ 159)
[12] معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 31)
[13] البحر المحيط في التفسير (8/ 14)
[14] التحرير والتنوير (18/ 159)
[15] صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1212)
[16] تفسير عبد الرزاق (2/ 427)، و تفسير الطبري (19/ 106)
[17] المكتفى: ص/143 .
[18] علل الوقوف : 734 .
[19] القطع والائتناف 464، والمقصد: 60، ومنار الهدى 196
[20] رواه ابن ماجه ، وانظر صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 578)
[21] تفسير الطبري (19/ 107)
(1) المكتفى: ص/143 .
البحث من كتاب ( مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء لـ جمال القرش)