علاقة الرسم بالإعجاز الصوتي للقرآن الكريم

إنضم
09/07/2011
المشاركات
75
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الجديدة ، المغرب
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة والسلام على مولانا رسول الله .

إن الرعيل الأول من علمائنا القدماء بدءا بالقراء الأوائل ، ثم الخليل ، وسيبويه ، والكسائي ، و الفراء و غيرهم قد أدركوا ما للأصوات اللغوية من أهمية بالغة ، لذلك نجدهم أولوا هذا الجانب عناية كبيرة و هم يقعدون للقراءات القرآنية . وقد وافق القرآن الكريم ـ من الناحية الصوتية الفوناتيكية ـ القوانين الصوتية التي تميزت بها اللغة العربية ، ولكنه تميز عنها بفرادته التي تشكل إعجازه الصوتي . فلا أحد يجادل في أن كتاب الله امتاز بتناسق صوتي إيقاعي معجز لعب الدور الكبير في أداء الدلالة المطلوبة ، وفي وصول المتلقين الذين هم البشرية جمعاء إلى مراد الله تعالى من خطابه الجليل .
وسأشير ـ هنا ـ إلى نقطة هامة جدا وهي علاقة الرسم القرآني بالجانب الصوتي .
لنتمعنْ جيدا في الآيات التالية :
قال جل وعلا : ( ويَدْعُ الإنسان بالشر دعاءه بالخير ) الإسراء / 11
وقال جل جلاله أيضا : (سنَدْعُ الزبانية ) العلق / 18
وقال سبحانه وتعالى : ( ويَمْحُ الله الباطل ) الشورى / 24
سنلاحظ بأن هذه الآيات ـ وهناك غيرُها ـ حذفت منها لام الفعل الناقص " دعا " و " محا " دون وجود مبرر تركيبي نحوي ، كالشرط مثلا ، أو الجزم بالحروف ، أوالإسناد إلى الأمر. فما سر هذا الحذف ؟
سنجد الجواب عند ابن الجزري حين يعلل ذلك بقوله: " وحذف الواو بسبب مجاورتها للام الساكنة " النشر: ج2 /105
ويعني ابن الجزري بذلك أن التقاء الواو باللام الساكنة في كل من " الزبانية" ،و " الله"، و "الإنسان " استدعى حذف هذه الواو .
وإذا عدنا إلى علم الأصوات الحديث ( الفوناتيك ) سنجد ما يعزز كلام ابن الجزري ، فلو أُثبتت الواو في الآيات لوجدنا أنفسنا أمام مقطع صوتي طويل :
ص ح ح ص (صائت حركة حركة صائت ) : يدعو الإنسان ـ يمحو الله ـ سندعو الزبانية .
و هذا المقطع غير مقبول في النسيج المقطعي العربي الذي يتكون من ثلاثة مقاطع رئيسية :
ـ المقطع المفتوح : ص ح مثل : بَ .
ـ المقطع المغلق : ص ح ص مثل : لَمْ .
ـ المقطع المضاعف الإغلاق : ص ح ص ص مثل : عَبْدْ .
لذلك نجد القرآن الكريم يعمد إلى قصر الحركة الطويلة في الواو(يدعُ لْإنسان) ،(يمحُ الله) ، (سندعُ زَّبانية) بحيث يصبح المقطع مغلقا متوسطا : ( ص ح ص) متماشيا مع النظام المقطعي العربي وبالتالي كان لهذا القصر ـ قصر الحركة الطويلة ـ وظيفة جمالية جعلت الآيات تشكل إيقاعا يسهم في انسجامها الصوتي مع المواقف التي تتحدث عنها، و المعاني و الدلالات التي تعبر عنها . وبذلك يتبين لنا سر إعجاز القرآن الكريم من الناحية الصوتية ، و أن تميز القرآن بهذه الخاصية الإعجازية الصوتية سبق ظهور علم الأصوات أو التنظير له بقرون طويلة .
 
أولا : أهنئ ملتقى أهل التفسير بانضمام أستاذة متمكنة في اللسانيات كالدكتورة خديجة إيكر
ثانيا : أقول للأخت خديجة : ألا حول القرآن وما يتعلق به من اكتشافات واستنباط ودراية فدندني ثم دندني ، فلا يزال هذا القرآن كنزا لم يكشف بعد وإننا لمدعوون جميعا إلى تدارسه ولتلك تلاوته حق تلاوته مهما حاول المتخصصون في التجويد ليّ عنق الأمر بتلاوته حق تلاوته .
طالب العلم
الحسن بن ماديك
 
أخي الحسن لعلك بخير ولعل الأهل في موريتانيا في أحسن حال .
شكرا لك على ما قلته في حقي و إن كان يفوق بكثير ما أنا عليه ، فلست سوى طالبة علم أستفيد من غيري و أحاول أن أفيد قدر الإمكان .
 
مرحبا بالدكتورة خديجة

مرحبا بالدكتورة خديجة

مرحبا بالدكتورة خديجة في الملتقى وفقها الله ونفع بها.

لا يبدو أن في المسألة ما يصح أن يقال فيه إعجاز ألبتة. أقول ذلك على الرغم من أن تحليلكم الصوتي لا غبار عليه، فقد حُذفت الحروف المذكورة لالتقاء الساكنين أي أن اللجنة الرباعية رضي الله عنها قد كتبت هذه الكلمات بنيّة الوصل.
وبرغم أن هذا أمر ظاهر إلا أن معظم القراء قد اجتهدوا وأخطأوا في اجتهادهم فوقفوا على ظاهر مرسوم الخط والصواب أنه لا يجوز إلا أحد أمرين إما الوصل وهو الأفضل دون شك لأن هذه المواقع ليست بمواقع وقف، والأمر الثاني أن يعاد ما حُذف لأجل الوقف ذلك أن عدم إعادته هتك ولا ريب لقواعد اللغة، ولكن هذا ما حصل.
وادعاء الإعجاز في كل شيء ليس من العلم في شيء ولا ريب وهذا رأي ابن خلدون في الرسم (خط المصحف) وهو أعدل الآراء ، أما قول الشمس ابن الجزري إن الصحابة تركوا النقط ليشمل ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة، هذه اللام وإن خرجها سعيد الأفغاني في تهميشه على ابن زنجلة بأنها لام العاقبة لا لام التعليل فإن الشمس ابن الجزري قد وهم في ظنه ولا ريب.
والحق كل الحق مع ابن خلدون رحمه الله. فإن النقط قد تأخر ظهوره عن ذلك الزمان.
لا أرى من العلم في شيء المبالغة في إسقاطات علمية على صنيع الصحابة وحسبهم فخرا كتابتهم القرآن بخط كان بحكم عمره الزمني ضعيفا جدًا ولكنهم كتبوا المصحف به وأبدوا عبقرية ملموسة.

تحياتي لكم مرة أخرى ومرحبا بك بين إخوتك في الدراسات القرآنية
 
سيدي الدكتور عبد الرحمان الصالح سلّمك الله
ولنعم الرأي رأيك حين أعرضت عن تقليد ابن الجزري رحمه الله في مذهبه حول نقط المصحف إذ لم يترك الصحابة الكرام رضي الله عنهم النقط ليشمل ما ادعاه من الأحرف بل لم يكن النقط والشكل قد اكتشف بعد .
وأحسب الدكتورة خديجة إيكر حفظها الله على قدر كبير من الدراية حين وصفت حذف لام الفعل في الأفعال الثلاثة بالإعجاز ، وأسقط لفظ الإعجاز في هذا السياق على التوقيف وإلا فهو اجتهاد من كتبة المصحف العثماني ، وحسبك بأولئك الخبراء في علم اللسانيات والصوتيات والمعاني ...
وإنما يعني لفظ الإعجاز في هذا السياق مخالفة المألوف والقياس والقواعد التي جرى عليها لسان العرب
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الدكتور عبد الرحمن الصالح
أشكرك على مرورك على الموضوع وعلى ترحيبك الطيب بي داخل هذا الملتقى العلمي المتميز، لكن لابد من توضيح بعض الأمور الواردة بكلامكم .
- قلتم :(... أن اللجنة الرباعية رضي الله عنها قد كتبت هذه الكلمات بنيّة الوصل. )
إن اللجنة الرباعية كان عملها عمل المحَقِق و ليس عمل المُنْشِئ لشيء غير موجود أصلا ، ذلك أنها عادت إلى جمع كل ما أمكن من الوثائق المكتوبة كمصحف حفصةرضي الله عنها وما كان مكتوبا في اللخاف و الجريد و غيره .
- و قلتم :(وبرغم أن هذا أمر ظاهر إلا أن معظم القراء قد اجتهدوا وأخطأوا في اجتهادهم )
إن هناك خطورة في القول إن الرسم اجتهاد لأننا نعطي الفرصة للطاعنين في ربانية القرآن الكريم ، فالرسم توقيف و ليس اصطلاحا ، فالقرآن متواتر عن طريق التلقي في مستوياته الثلاث :السماع ، و العرض ، و الرسم لذلك لاسبيل إلى القول بالاجتهاد هنا . و إلا فنحن نعارض قوله جل وعلا :( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ) هذا من جهة و من جهة ثانية ألم يكتب القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ألم يتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كتبة للوحي حيث بلغوا ثلاثة و أربعين كاتبا ، و كان بعضهم منقطعا لكتابة الوحي ؟ألا تعتبر الكتابة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلممن قبيل السنة بالإقرار ، فالرسول كما نعلم جميعا لا يُقِر على باطل و لا يُقَر من الله سبحانه وتعالى على باطل .
ولنعلم جميعا أن القراءة سنة و ليست اجتهادا لأن مفهوم القراءة هو ما قرأ به الرسول صلى الله عليه وسلم أو قُرئ بحضرته فأقره صلى الله عليه وسلم ومن ثم عمد علماء القراءات في مقياسهم القرائي الثلاثي إلى النص على اتصال سند القراءة بالرسول صلى الله عليه وسلمحتى تعتبر قراءة صحيحة هذا بالإضافة إلى موافقة العربية ولو احتمالا ،وموافقة الرسم ولو بوجه .
- و قلتم :(فوقفوا على ظاهر مرسوم الخط والصواب أنه لا يجوز إلا أحد أمرين إما الوصل وهو الأفضل دون شك لأن هذه المواقع ليست بمواقع وقف...)
إن الوقف ليس اجتهادا وإنما هو اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، و لذلك كان لكل قارئ مذهبه في الوقف .ثم ألم يكن الرسولصلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن و يقف في مواضع معينة ؟، ألم يكن يُقرأ عليه صلى الله عليه وسلمفيجيز وقوفا بعينها ؟
- و قلتم :(وادعاء الإعجاز في كل شيء ليس من العلم في شيء ولا ريب وهذا رأي ابن خلدون في الرسم (خط المصحف) وهو أعدل الآراء ....فإن الشمس ابن الجزري قد وهم في ظنه ولا ريب.والحق كل الحق مع ابن خلدون رحمه الله )
سبحان الله هل ابن خلدون حجة في القراءات أم ابن الجزري، حتى يُحتج بكلام الأول في هذا المجال ؟
- و قلتم :(لا أرى من العلم في شيء المبالغة في إسقاطات علمية على صنيع الصحابة )
إن القرآن ليس صنيع الصحابة و إنما هو وحي منزل من اللهجل وعلا ، و كذلك تلقته الأمة جيلا بعد جيل .
كما أنه لا بد من التفريق بين الرسم و النقط فهما مصطلحان مختلفان ، فالرسم ليس هو النقط .فالنقط جاء متأخرا من الناحية التاريخية عن الرسم ،حيث لم يحتج إليه المسلمون إلا بعد ظهور اللحن في القرآن . و النقط نوعان : نقط إعجام قام به نصر بن عاصم الليثي للتفريق بين الأحرف المتشابهة شكلا ، و نقط إعراب و هو الذي قام به أبو الأسود الدؤلي لشكل الكلمات للتمييز بينها في المواقع الإعرابية .أما عن مفهوم الإعجاز فأعني به مخالفة القرآن الكريم لما عرف عند العرب من قواعد تُلزم حذف لام الفعل المعتل الآخرحيث لم يرد في الآيات المذكورة ما يستوجب هذا الحذف ومع ذلك تم ،وجاءت الآيات منسجمة مع النظام الصوتي الفوناتيكي
تحيتي إليكم مرة أخرى.
 
عودة
أعلى