عقيدة ابن عطية من خلال تفسيره المحرر الوجيز

إنضم
02/03/2006
المشاركات
60
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
تمهيد:

للتفسير العقدي للقرآن الكريم أهمية خطيرة، ذلك أنه يلامس جوهر الدين وأساسه الذي ينبني عليه ما يأتي بعده وهو التدين أي الالتزام بتعاليم الدين، وإن الآيات التي نزلت على الرسول e في مكة عالجت أول ما عالجت العقيدة بمحاربة الشرك وعبادة الأوثان ثم إعطاء الأدلة والبراهين على وحدانية الله عز وجل: ألوهية وربوبية، ثم بعد ذلك نزلت آيات الأحكام العملية بالمدينة.
وقد أدى التفسير العقدي في زمن ما من تاريخ الفكر الإسلامي دورا خطيرا، أثر على حياة الناس، أو لم يفتن الناس في دينهم، وعذب من عذب في مسألة خلق القرآن لمجرد عدم مجاراته للمعتزلة في تأويلاتهم، كما أنه –أي التفسير العقدي- قسم المسلمين في الاعتقاد إلى مذاهب شتى: جبرية، معتزلة، حشوية، أشاعرة…
وما كان ليقع ما وقع إلا بسبب اختلاف منهاج التفسير العقدي، خاصة آيات الصفات بين التأويل والإثبات. ثم كذلك التعامل مع السنة النبوية خاصة أخبار الآحاد هي مثبتة للعقيدة أم لا؟
ويبقى أمر آخر لا يقل أهمية في منهج التفسير العقيدي، وهو هل تستشهد للنص أم نستشهد به؟ أي هل ننطلق من النص إلى العقيدة، أم نعتقد رأيا ثم نوظف النص تدعيما واستشهادا؟ وماذا نفعل عندما يخالف النص رأينا، هل نلغي الرأي وننتصر للنص؟ أم نلغي النص وننتصر للرأي؟
طبعا لن أفصل القول في هذا الآن، وإنما سأدرس نموذجا من التفاسير الكبرى في المكتبة الإسلامية، وهو "المحور الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" لعبد الحق ابن عطية، سأدرس منهجه في التفسير العقدي، ما موقعه مما ذكرت آنفا؟
منهجي في البحث هو أني جردت آيات الصفات، وآيات العقيدة التي فيها اختلاف بين الفرق الإسلامية، ثم عرضت إلى تفسير ابن عطية لها، وقارنته بما قالته أهم الفرق الإسلامية، كما أدليت بتعليقي عند تفسير كل آية.
أنبه هنا إلى أن كثيرا من العلماء يدخلون الأشاعرة ضمن أهل السنة، للاقتراب الكبير بينهما إلا في آيات الصفات فإن الأشاعرة لم يثبتوا منها إلا سبعة وهي: الحياة، العلم، الإرادة، القدرة، الكلام، السمع والبصر.
كنت أفرق بين الأشاعرة وأهل السنة في المواضيع التي رأيتها ضرورية، أما غيرها أذكر فقط موقف أهل السنة لأن الأشاعرة منهم.

التعريف بالمؤلف وتفسيره:
أبو محمد عبد الحق بن غالب الفقيه الإمام الحافظ أبي بكر غالب، بن عبد الرحمان، بن غالب، بن عبد الرؤوف، بن تمام، بن عبد الله، بن تمام بن عطية، بن خالد، بن عطية، وهو الداخل إلى الأندلس، بن خالد بن خفاف بن أسلم، ابن مكرم المحاربي، من ولد زيد بن محارب، بن حصفة، بن قيس عيلان من أهل غرناطة( ).
ولد بغرناطة سنة 481هـ، وتوفي سنة 546هـ، نشأ في بيئة علمية بالأندلس، وما أدرك ما الأندلس في زمانها، أسرته معروفة بالعلم، فقد درس على أبيه بداية، ثم على شيوخ منهم الفقيه أبو محمد بن غالب القيرواني، والحافظ أبو علي الغساني.
بدأ دراسته بغرناطة، ثم بعدها رحل في طلب العلم إلى قرطبة وإشبيلية، ومرسية ثم بلنسية، لم يرحل إلى المشرق لأنه كان هناك بالأندلس الجهاد ضد النصارى أيام المرابطين.
تولى القضاء بألمرية على عهد المرابطين( ).
كان موسوعة في العلم، إذ برع في علم القراءات، واللغة وكان نحويا، وأديبا، وكان فقيها قاضيا، ومفسرا عظيما، ألف كتابا ضخما في التفسير أسماه "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" وهو موضوع الدرس، قال عنه ابن خلدون: "… فلما رجع الناس إلى التحقيق والتمحيص، وجاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالمغرب فلخص تلك التفاسير كلها وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها، ووضح ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب والأندلس حسن المنحى"( ).
وقال عنه ابن تيمية: "تفسر ابن عطية خير من تفسير الزمخشري وأصح نقلا، وبحثا، وأبعد عن البدع وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير، لكن تفسير بن جرير الطبري أصح من هذه كلها"( ).
لهذا التفسير قيمة علمية كبيرة، فبالإضافة إلى تفسير آي القرآن تجد فيه: القراءات وأصحابها، فقد عني بها عناية كبيرة، كما تجد فيه من فنون اللغة ما يبهر ولا غرو فقد كان ابن عطية لغويا فصيحا، اهتم في تفسيره بهذا الجانب اللغوي إعرابا وبلاغة. إضافة إلى الأحكام الفقهية وإن كانت غير بارزة.
كما أن لهذا التفسير أثر كبير في التفاسير التي جاءت بعده، في المدرسة المغربية خاصة، نجد هذا الأثر واضحا في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، كذلك في "البحر المحيط" لأبي حيان الأندلسي، وفي غيرها من كتب التفسير التي جاءت بعده.
وهذا التفسير بقي مخطوطا في عدد من المكتبات والخزانات، إلى أن طبعته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني
رحمه الله. حيث أمر المجالس العلمية المغربية بتصحيحه وتحقيقه.
صدر الجزء الأول منه سنة 1975م وبقيت أجزاؤه الأخرى تصدر إلى أن صدر الجزء السادس عشر وهو الأخير سنة 1991م
قام المجلس العلمي لفاس بتصحيح وتحقيق الأجزاء من 1 إلى 10، والمجلس العلمي لمكناس الأجزاء 11/12/13 والمجلس العلمي لتارودانت الأجزاء 14، 15، 16 والجزء الثالث عشر لم أعثر عليه.
فهو الآن مطبوع في ستة عشرة مجلدا.
كما أن طبعات أخرى لهذا التفسير، لكن أولها حسب علمي هي هته التي حققت وصححت وطبعت بالمغرب.


مصادر بن عطية في المذهب الإعتقادي:
نهل ابن عطية في المجال الاعتقادي من كتب أعلام الأشاعرة، وظهر هذا جليا في تفسير "المحرر الوجيز" ومن أبرز هؤلاء الأعلام:
-كتب الإمام أبي الحسن الأشاعري (ت 334هـ) فطالما استشهد ابن عطية في تفسيره بكلام الأشعري، ونكتفي هنا بمثال: يقول بن عطية عند تفسير قوله تعالى: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»: [واختلف الناس في جواز تكليف ما لا يطاق في الأحكام التي هي في الدنيا، بعد اتفاقهم على أنه ليس واقعا الآن في الشرع، وأن هذه الآية آذنت بعدمه، فقال أبو الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين: تكليف مالا يطاق جائزا عقلا، ولا يحرم ذلك شيئا من عقائد الشرع، ويكون ذلك أمارة على تعذيب المكلف وقطعا به تفسير بن عطية سورة البقرة 286].
-كتب القاضي أبي بكر محمد بن أبي الطيب الأشعري الباقلاني [ت 403هـ] كالتمهيد وغيره، وقد نقل ابن عطية في تفسيره كثيرا من أقوال الباقلاني وآرائه في علم الكلام وعلى سبيل المثال يقول بن عطية عند تفسير قوله تعالى: «أو لما أصابكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير». يقول ابن عطية، وقوله تعالى: «إن الله على كل شيء قدير» قال القاضي بن الطيب وغيره: ظاهر العموم ومعناه الخصوص، لأن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على المحالات "[تفسير ابن عطية لسورة آل عمران الآية 165].
-كتب أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني إمام الحرمين [ت 478هـ] كالإرشاد وغيره، وقد اعتمد ابن عطية على أبي المعالي اعتمادا كبيرا، فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى "ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، صم بكم عمي فهم لا يعقلون" يقول بن عطية: [ولما تقرر فقدهم لهذه الحواس قضى بأنهم لا يعقلون، إذ العقل كما يقول أبو المعالي وغيره –علوم ضرورية تعطيها هذه الحواس، ولابد في كسبها من حواس [تفسير بن عطية، سورة البقرة الآية 171]( ).


موقف ابن عطية من آيات الصفات التي يوهم ظاهرها التشبيه.
قبل أن أسرد نماذج من آيات الصفات وموقف ابن عطية منها أحبذ أن أعرض لموقف أهلا الحديث وموقف المعتزلة والأشاعرة من آيات الصفات.
فأهل الحديث يقولون: إن لله صفات أزلية قديمة، ويأخذون آيات الصفات على ظاهرها من غير تأويل أو تعطيل أو تجسيم.
أما المعتزلة فيقولون: ليس لله صفات أزلية قديمة، بل هو عالم بذاته، وقادر بذاته، ومريد بذاته… إلخ وعندما تعرض عليهم آيات الصفات يعمدون إلى تأويلها لكي لا يقولون بالتجسيم الذي ينافي توحيد الله وتنزيهه عندهم، لكنهم وقعوا في أكبر مما كانوا يخشونه، وهو أنهم عطلوا صفات الله وأنكروها.
أما الحشوية: فإنهم قالوا: إن لله صفات تشبه صفات الناس –سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا- وأن يده يدا جارحة، وهكذا.
أما الأشاعرة فقد وافقوا أهل السنة في بعض الصفات وخالفوهم في الأخرى، كما وافقوا المعتزلة في بعض الصفات وخالفوهم فيما تبقى.
والصفات التي أثبتوها سبعة وهي: الحياة، العلم، الإرادة، القدرة، السمع، البصر والكلام. إلا أنهم في صفة ا لكلام قالوا هو كلام نفسي قديم، وأهل السنة قالوا: كلام بحروف وصوت، كلام قديم وآحاد الحوادث، فهو سبحانه لا يزال يتكلم.
وهذه الصفات ثابتة عندهم بالعقل والنقل لذلك أثبتوها، وأما غيرها من الصفات فهي ثابتة عندهم بالنقل فقط، لذلك عمدوا إلى تأويلها.
لن أعرض لكل الصفات لأنها كثيرة ومتكررة في القرآن الكريم، وموقف ابن عطية منها لا يخالف الأشاعرة في أغلبها إن لم أقل كلها، لذلك سأعرض من النماذج من الآيات التي أثبتها الأشاعرة ثم نماذج من التي أولوها.



صفة الاستواء:
يقول في قوله تعالى: "ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم"( ) "ثم" هنا هي لترتيب الأخبار، لا لترتيب الأمر في نفسه، و"استوى" قال قوم معناه: علا دون تكييف ولا تحديد، هذا الاختيار الطبري، والتقدير: علا أمره وقدرته وسلطانه، وقال ابن كيسان معناه قصد إلى السماء، قال الفقيه أبو محمد: أي بخلقه واختراعه، وقيل معناه كما صنعه فيها، كما تقول: استوى الأمر، وهذا قلق، وحكى الطبري عن قوم: أن المعنى: أقبل، وضعفه، وحكى عن قوم: أن المستوي هو الدخان، وهذا أيضا يأباه رصف الكلام، وقيل المعنى استلوى، كما قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
وهذا إنما يجيء في قوله تعالى"على العرش استوى" والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث، ويبقى استواء القدرة والسلطان"( ).
ابن عطية هنا يؤول الإستواء باستواء القدرة والسلطان، وأهلا الحديث يأخذون الآية على ظاهرها من غير تأويل. أما الأشاعرة والمعتزلة فيؤولونها.


صفة الكـــلام:
قال في قوله تعالى: «وكلم الله موسى تكليما»( ) إخبار بخاصة موسى، وأن الله تعالى شرفه بكلامه ثم أكد تعالى الفعل بالمصدر، وذلك منبئ في الأغلب عن تحقيق الفعل، ووقوعه وإنما خارج عن وجوه المجاز والاستعارة(…) وكلام الله للنبي موسى عليه السلام دون تكييف ولا تحديد ولا تجويز حدوث ولا حروف ولا أصوات، والذي عليه الراسخون في العلم: أن الكلام هو المعنى القائم في النفس، ويخلق الله لموسى أو جبريل إدراكا من جهة السمع يتحصل به الكلام، وكما أن الله تعالى موجود لا كالموجدات، معلوم لا كالمعلومات فكذلك كلامه لا
كالكلام، وما روى عن كعب الأحبار وعن محمد بن كعب القرضي ونحوهما: من أن الذي سمع موسى كان أشد ما يسمع من الصواعق، وقي رواية أخرى كالرعد الساكن، فذلك كله غير مرضي عند الأصوليين، وقرأ جمهور الأمة، "وكلم الله موسى" بالرفع في اسم الله، وقرأ يحيى بن وثاب إبراهيم النخفي وكلم الله بالنصب على أن موسى هو المكلم"( )
ابن عطية يذهب مذهب الأشاعرة و الماتريدية الذين قالوا: إن الله بتكلم كلاما نفسيا قديما.أما المعتزلة فيجعلون كلام الله مخلوقا منفصلا فيقولون موسى سمع كلام الشجرة.
وأهل الحديث يقولون:" إنه سبحانه وتعالى يتكلم بكلام يسمع بحرف وصوت، وكلام الله كذلك صفة له تعالى قديمة النوع حادثة الأحاد. فهو سبحانه بتكلم
كيف شاء، متى شاء وليس كلامه صفة نفسية، بل هو بتكلم بصوت بسمعه القريب والبعيد يوم القيامة وصوته ينفذ في ملائكته في السماء وصوته سمعه موسى عليه السلام( )


صفة الإتيان والمجيء:
يقول في قوله تعالى "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك"( ) قال الطبري: لموقف الحساب يوم القيامة، وأسند ذلك إلى قيادة وجماعة من المؤولين. وحكى الزجاج أن المراد بقوله:"أو يأتي ربك" أي العذاب الذي يسلطه الله في الدنيا على من يشاء من عبادة كالصيحات والرجفات والخسف ونحوه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الكلام على كل تأويل فإنما هو بحذف مضاف تقريره أمر ربك، أو بطش ربك، وإلا فالإتيان المفهوم من اللغة مستحيل في حق الله تعالى، ألا ترى أن الله تعالى يقول: "فآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا" فهذا إتيان قد وقع على المجاز وحذف المضاف أما ظاهر اللفظ لوقفنا معه يقتضي أنه توعده بالشهير الفظيع من أشراط الساعة دون أن يخص من ذلك شرطا يريد بذلك الإبهار الذي يترك السامع مع أقوى تخيله، لكن لما قال بعد ذلك "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفس إيمانها" وبينت الآثار الصحاح في البخاري ومسلم أن الآية التي معها هذا الشرط هي طلوع الشمس من المغرب"( )
هنا ينفي صفة الإتيان عن الله تعالى ويؤول الآية بحذف مضاف تقديره أمر ربك أي جاء أمر ربك، ويقول بأن الإتيان مستحيل في حق الله.
ويقول في قوله تعالى "وجاء ربك والملك"( ) وجاء قدره وسلطانه وقضاؤه( ) وهنا أيضا يؤول الآية بمجيء السلطان والقضاء.


صفة اليـــد:
يقول في قوله تعالى »وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا،بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء « ( )
"وقوله" بل يداه مبسوطتان" العقيدة في هذا المعنى نفي التشبيه عن الله تعالى وأنه ليس بجسم ولا له جارحة ولا يشبه ولا يكيف ولا يتحيز في جهة كالجواهر ولا تحله الحوادث تعالى عما يقول المبطلون.
ثم اختلف العلماء فيما ينبغي أن يعتقد في قوله تعالى "بل يداه" وفي قوله "بيدي[ص75] و"عملت أيدينا [يس71] و "يد الله فوق أيديهم"[الفتح10] و "لتصنع على عيني" [طه39] بأعيننا و"اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا" [الطور48] و"كل شيء هالك إلا وجه"[القصص88]، ونحو هذا، فقال فريق من العلماء منهم الشعبي وابن المسيب وسفيان يؤمن بهذه الأشياء وتقرأ كما نصها لله ولا يعن لتفسيرها ولا يشقق النظر فيها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول يضطرب لأن القائلين به يجمعون على أنها ليست على ظاهرها في كلام العرب فإن فعلوا هذا فقط نظروا وصار السكوت عن الأمر بعد هذا مما يوهم العوام ويتيه الجهلة، وقال جمهور الأمة: بل تفسر هذه الآية على قوانين اللغة و مجاز الاستعارة وغير ذلك من أفانين الكلام.
فقالوا في العين والأعين إنها عبارة عن العلم والإدراك، كما يقال فلان من فلان بمرأى ومسمع إذا كان يعني بأموره وإن كان غائبا عنه، وقالوا في الوجه إنه
عبارة عن الذات وصفاتها، وقالوا في اليد واليدين والأيدي إنها تأتي مرة بمعنى القدرة كما تقول العرب لا يد لي بكذا، ومرة بمعنى النعمة كما يقال لفلان عند فلان يد، وتكون بمعنى الملك كما يقول لا يد لفلان على أرضه، وهذه المعاني إذا وردت عن الله تبارك وتعالى عبر عنها باليد أو الأيدي أو اليدين استعمالا لفصاحة العرب ولما في ذلك من الإيجاز، وهذا مذهب أبى المعالي والحذاق، وقال قوم من العلماء منهم القاضي ابن الطيب: هذه كلها صفات زائدة على الذات ثابتة لله دون أن يكون في ذلك تشبيه ولا تحديد، وذكر هذا الطبرى وغيره وقال ابن عباس في هذه الآية "يداه" نعمتاه" ثم اختلفت عبارة الناس في تعيين النعمتين فقيل نعمة الدنيا ونعمة الآخرة،وقيل النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة، وقيل نعمة المطر ونعمة النبات.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر أن قوله تعالى: "بل يداه مبسوطتان" عبارة عن أنعامه على الجملة"( )
ابن عطية هنا يؤول اليد بأنها النعمة، ولم يأخذ الآية على ظاهرها، ولم يذهب مذهب المعتزلة في تأويل آيات الصفات بأنها ذاته تعالى أو على الأصح يعطلونها.


صفة الحياة:
يقول في قوله تعالى: »الله لا إله هو الحي القيوم «( )
"والحي صفة من صفات الله تعالى ذاتية، وذكر الطبري، عن قوم أنهم قالوا: الله تعالى حي لا بحياة، وهذا قول المعتزلة، وهو قول مرغوب عنه(…) وقيوم بناء مبالغة أي: هو القائم على كل أمر بما يجب له"( )
ابن عطية يثبت صفة الحياة كما هو الحال عند الأشاعرة و أهل السنة، لكن المعتزلة ينفونها.


صفة الوجه:
يقول في قوله تعالى: «كل شيء هالك إلا وجهه»( )
"وقوله "إلا وجهه" قالت فرقة هي عبارة عن الذات، المعنى: هالك إلا هو قال الطبري وجماعة منهم أبو المعالي رحمه وقال الزجاج إلا إياه، وقال سفيان الثوري: المراد إلا ذا وجهه أي ما عمل لذاته ومن طاعته وتوجه به نحوه، ومن هذا قول الشاعر: رب العباد إليه الوجه والعمل ومنه قول القائل: أردت بفعلي وجه الله تعالى ومنه قوله عز وجل: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه"( )
ابن عطية يؤول صفة الوجه ولا يثبتها، أهل الحديث يثبتونها، أما المعتزلة فيؤولونها بأن وجهه هو هو.


موقف ابن عطية من رؤية الله تعالى:
بقول في قوله تعالى «وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة»( ) "إلى ربها ناظرة" حمل هذه الآية أهل السنة على أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله تعالى، وهي رؤية دون محاذاة ولا تكييف ولا تحديد كما هو معلوم، موجود لا يشبه الموجودات، كذلك هو لا يشبه المرئيات في شيء، فإن ليس كمثله شيء لا إله إلا هو، وروى هبارة ابن الصامت أن النبيe قال "حدثتكم عن الدجال أنه أعور وأن ربكم ليس بأعور، وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتو". وقالe "إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته". وقال الحسن: تنظرون إلى الله بال إحاطة وأما المعتزلة الذين ينفون رؤية الله تعالى، فذهبوا في هذه الآية إلى أن المعنى إلى رحمة ربها ناظرة أو ثوابه أو ملكه فقدروا مضافا محذوفا، وهذا وجه
سائغ في العربية كما تقول، فلان ناظر إليك في كذا، والرؤية إنما تثبت بأدلة قاطعة غير هذه الآية فإنه تبتت حسن تأويل أهل السنة في هذه الآية وقوي، ودهت تعض المعتزلة في هذه الآية إلى أن قوله "إلى" ليست بحرف جر، وإنما هي إلى واحد الالاء فكأنه قال نعمة ربها منتظرة،أو ناظرة، من النظر بالعين، ويقال نظرتك"( )
هو هنا يثبت رؤية الله تعالى يوم القيامة، بلا كيفية ولا تعيين، ويأخذ بالآية على ظاهرة من غير تأويل.
ويقول في قوله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة"( )
"قالت فرقة هي الجمهور: الحسنى الجنة والزيادة: النظر إلى الله عز وجل، وروي في نحو هذا الحديث عن النبيe، رواه صهيب، وروى هذا القول عن أبي بكر الصديق وحذيفة وأبي موسى الأشعري وعامر بن سعد وعبد الرحمان بن أبي ليلة، وروى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة. وقالت، حسبما ورد نص الحديث وتفسير قوله تعالى " والله يضاعف لمن يشاء" وهذا قول بعضده النظر، ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول"( )
وهنا أيضا يثبت رؤية الله عز وجل كما هو مذهب أهل الحديث اللذين يقولون، إن رؤية الله جائزة شرعا وعقلا بلا كيفية ولا تعيين. أما المعتزلة فيقولون: إن رؤية الله تعالى مستحيلة لأن هذا يؤدي عندهم إلى التجسيم.
أما الأشعرية والماتريدية فإنهما يثبتان الرؤية لكنهم يقولون نظر لا إلى جهة، ويختلفون عن أهل السنة والجماعة الذين يجعلون الرؤية بالعينين إلى جهة العلو حيث الله جل وعلا، أملا أولئك فيجعلونها رؤية بقوة يحدثها الله تعالى في الأجسام يوم القيامة لا إلى جهة[شرع لمعة الاعتقاد لأن الشيخ بتصرف]


موقف ابن عطية من وجوب الأصلح على الله تعالى:
يقول في قوله تعالى: "نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل"( ) و"قوله "بالحق" يحتمل معنيين، أحدهما:
أن يكون المعنى ضمن الحقائق من خبره وأمره ونهيه، ومواعظه، فالباء على حدها في قولك: جاءني كتاب بخبر كذا وكذا أي ذلك الخبر مفتض فيه، والثاني: أن يكون المعنى: إنه نزل الكتاب باستحقاق أن ينزل، لما فيه من المصلحة الشاملة وليس ذلك على أنه واجب على الله أن يفعله، بل له الحق أن يفعله، فالباء-في هذا المعنى- على حدها في قوله تعالى- حكاية عن عيسى عليه السلام: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق"( )( ) ابن عطية هنا لا يقول بوجوب الأصلح على الله تعالى، بل يقول بأن لله الحق في أن يفعل ما يشاء، ويعلل أفعال الله بالحكمة فهو يقول "لما فيه من المصلحة الشاملة".
ويقول في قوله تعالى: «إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب عليهم وكان الله عليما حكيما»( ) والعقيدة أنه لا يجب على الله تعالى شيء عقلا لأن إخباره تعالى عن أشياء أوجبها على نفسه يقتضي وجوب تلك الأشياء سمعا فمن ذلك تخليد الكفار في النار، ومن ذلك قبول إيمان الكافر، والتوبة لا يجب قبولها على الله تعالى عقلا، فأما السمع فظاهره قبول التائب"( )
وهنا نجده يكرر نفس الأمر بأنه لا يجب على الله شيء.
أما المعتزلة فإنهم يقولون: بوجوب الأصلح على الله تعالى، وأن الله تعالى يجب عليه من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد.
والأشاعرة يقولون: لا يجب على الله شيء بل الله يفعل ما يشاء.
وأهل الحديث يقولون: لا أحد يوجب على الله شيء، ولكن اقتضت حكمة الله أن لا يفعل شيئا إلا لحكمة، فهو تعالى منزه عن البعث.
نلاحظ أنه هناك فرق بين أهل السنة والأشاعرة، فالأشاعرة نفوا أن يفعل الله شيئا لغاية أو علة وقالوا إن الذي يعلل أفعاله يكون مضطرا، والله غني عن ذلك وبذلك نفوا حكمة الله في أفعاله.


موقف ابن عطية من التحسين والتقبيح:
يقول في قوله تعالى: «إنما يأمركم بالسوء والفحشاء، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون»( ). وأصل الفحشاء: قبح المنظر، كما قال امرؤ القيس:
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش إذ هي نصته ولا بمعطل
ثم استعملت اللفظة فيما استقبح من المعاني، والشرع هو الذي يحسن ويقبح، فكل ما نهت عنه الشرعية فهو من الفحشاء"( ).
ابن عطية يقول في هذا بأن الشرع هو الذي يحسن ويقبح
المعتزلة يقولون: العقل هو الذي يحسن ويقبح ويوجب
الأشاعرة: الشرع هو الذي يحسن ويقبح ويوجب، والحسن هو ما حسنه الشرع وجوزه، والقبيح هو ما قبحه الشرع وحرمه.
أما أهل الحديث فيقولون: "إن بعض الأمور يمكن للعقل إدراك حسنها أو قبحها، فإنقاذ الغريق حسن في كل العقول، وكفر النعمة قبيح في كل العقول. أما الثواب والعقاب على ذلك، فإنه لا ثواب ولا عقاب إلا بالشرع، ومن الأمور ما لا يدرك حسنها وقبحها بالعقل مثل حسن الصدق الضار أو قبح الكذب النافع"( )


موقف ابن عطية من حرية الإرادة الإنسانية وأفعال الله:
يقول في قوله تعالى: "فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا"( ) و"بما كسبوا" معناه: مما اجترحوا من الكفر والنفاق، أي أن كفرهم بخلق من الله تعالى واختراع وبتكسب منهم.
"واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"( )
وفي هذه الآية نص على أن الثواب والعقاب متعلق بكسب الإنسان، وهذا رد على الجبرية.
يقول تعالى: "قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتيكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون"( ).
وفي قوله تعالى "مني" إشارة إلى أفعال العباد خلق الله تعالى"( ). ابن عطية هنا يقول بما قال به أبو الحسن الأشعري: إن الأفعال هي خلق الله لكن الإنسان يكتسبها.
أما المعتزلة فيقولون: إن العبد هو الذي يخلق أفعال نفسه بقوة أودعها الله فيه. والجبرية يقولون: الإنسان مجبر في كل أفعاله.
وأهل الحديث: يقولون "الله خلق الأشياء كلها وأودع في كل منها خصائصها والتي تنشأ عنها آثاره ولو شاء الله لأوقف هذا الأثر ولم يرتب النتيجة على السبب وهو حال المعجزة، وأما في الأحوال العادية فالنتيجة تنشأ عن السبب ونظرية الكسب عند الأشعري هي أن الله سبحانه فاعل لكل شيء ثم هو سبحانه يخلق للعبد كسبا يقدر به على الفعل، واختلفوا في معنى الكسب، فمنهم من جعله هو العقل والنية، ومنهم من جعله القدرة التي يفعل بها الفعل، فإن قلت لهم: فالله سبحانه يخلق الكسب والعبد يفعل الفعل استقلالا، قالوا: لا إنما الله سبحانه يخلق الكسب ويخلق الفعل، إذ لا تأثير للعبد بوجه ما على الاستقلال ولا على المشاركة إن الأشاعرة بهذا القول لم يضيفوا شيئا إلى قول الجبرية وإن حاولوا جعل الكسب وسطا لإيجاد مخرج من لازم قولهم. وقد خالف عدد من الأشاعرة الأشعري نفسه في هذه القضية، كإمام الحرمين الجويني، فقد جعل للعبد قدرة حقيقية على فعل أفعاله، واقترب بذلك من قول أهل السنة (شفاء العليل لابن القيم ص: 123)( ).


موقف ابن عطية من الوعد والوعيد ومرتكب الكبيرة:
يقول في قوله تعالى: "الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون"( ).
"وقوله تعالى: "بما كنتم تعملون" أي بما كان في أعمالكم من تكسب، وهذا على التجوز علق دخولهم الجنة بأعمالهم من حيث جعل الأعمال أمارة لإدخال العبد الجنة، ويعترض من هذا المعنى قول النبي e "لا يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمته،" وهذه الآية ترد بالتأويل إلى معنى الحديث، ومن الرحمة والتغمد أن يوفق الله العبد إلى أعمال برة، ومقصد الحديث، نفي وجوب ذلك على الله تعالى بالعقل كما ذهب إليه فريق من المعتزلة"( ).
هنا يرد على المعتزلة التي تقول بوجوب الوفاء بالوعد على الله تعالى، ويقرر أن الله يفعل ما يشاء، بل الله يدخل المؤمنين الجنة تفضلا منه ورحمة.
يقول في قوله تعالى«وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفارا أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما»( ).
"فالعقيدة عندي في هذه الآيات: أن من تاب من قريب فله حكم التائب، فيغلب عليه أنه ينعم و لا يعذب، هذا مذهب أبي المعالي وغيره، وقال غيرهم: بل هو مغفور له قطعا لإخبار الله تعالى بذلك، وأبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة، أو من لم يتب حتى حضره الموت فليس في حكم التائبين، فإن كان كافرا فهو مخلد، وإن كان مؤمنا فهو عاص في المشيئة، لكن يغلب الخوف عليه، ويقوى الظن في تعذيبه ويقطع من جهة السمع أن هذه الصنيفة من يغفر الله له تفضلا ولا يعذبه"( ).
هو هنا لا يقول بتخليد مرتكب الكبيرة في النار، بل يقول هو في المشيئة، لكن يغلب على الظن تعذيبه.
ويقول في قوله تعالى: «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما»( ).
"هذه الآية هي الحاكمة ببيان ما تعارض من آيات الوعد، وتلخيص الكلام فيها أن يقال: الناس أربعة أصناف:
*كافر مات على كفره، فهذا مخلد في النار بإجماع
*ومؤمن محسن لم يذنب قط، ومات على ذلك، فهذا في الجنة محتوم عليه، حسب الخبر من الله تعالى بإجماع.
*وتائب مات على توبته، عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة، لاحق بالمؤمن المحسن إلا أن قانون المتكلمين أنه في المشيئة.
*ومذنب مات قبل توبته فهذا هو موضع الخلاف:
فقالت المرجئة: هو في الجنة بإيمانه، ولا تضره سيأته، وبنوا هذه القالة على أن جعلوا آيات الوعيد كلها مخصصة في الكفار، وآيات الوعد عامة في المؤمنين تقيهم وعاصيهم.
وقالت المعتزلة: إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار ولابد.
وقالت الخوارج: إذا كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو في النار(…) جعلوا آيات الوعد كلها مخصصة في المؤمن المحسن الذي لم يعصي قط، والمؤمن التائب، وجعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة… وقال أهل السنة والحق: آيات الوعد ظاهرة العموم، وآيات الوعيد ظاهرة العموم ولا يصح نفوذ كلها لوجهة بسبب تعارضها (…) فلا بد أن نقول: إن آيات الوعد لفظ العموم والمراد به الخصوص في المؤمن المحسن، وفي التائب، وفيمن سبق في علمه تعالى العفو عنه دون تعذيب من العصاة، وإن آيات الوعيد لفظها العموم، والمراد بها الخصوص في الكفرة، وفيمن سبق في علمه تعالى أن يعذبه من العصاة، وتحكم بقولنا هذه الآية –النص في موضع النزاع، وهي قوله عز وجل: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" فإنها جلت الشك وردت على الطائفتين"( ).
ابن عطية هنا يفصل القول ويستخدم القواعد الأصولية ليخلص إلى أنه لا يجب على الله شيء، وإنما يفعل ما يشاء، يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، إلا الشرك كما في الآية، وأن مرتكب الكبيرة هو في مشيئة الله، وبه يقرر مذهب أهل السنة.


موقف ابن عطية من الشفاعة:
يقول في قوله تعالى «واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون»( )
"وسبب هذه الآية أن بني إسرائيل قالوا: نحن أبناء الله وأبناء أنبيائه وسيشفع لنا أباؤنا، فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا يقبل فيه الشفاعات ولا تجزي نفس عن نفس، وهذا إنما هو في الكافرين للإجماع، وتواتر الأحاديث بالشفاعة في المؤمنين"( ).
هنا يعرض لسبب النزول ثم يقرر أن الشفاعة للمؤمنين أخذا بالأحاديث.
ويقول في قوله تعالى "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه"( ).
"وتقرر في هذه الآية أن الله تعالى يأذن لمن يشاء في الشفاعة، وهنا هم الأنبياء والعلماء وغيرهم، والإذن هنا راجع إلى الأمر -فيما يخص عليه- كمحمد e إذ قيل له "واشفع تشفع" وإلى العلم والتمكين إن شفع أحد من الأنبياء والعلماء، قبل أن يؤمر، والذي يظهر أن العلماء والصالحين يشفعون فيمن لم يصل إلى النار –وهو بين المنزلتين- أو وصل، له أعمال صالحة، وفي البخاري في باب "بقية من أبواب الرؤية" "إن المؤمنين يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا" فهذه شفاعة فيمن يقرب أمره…) وأن الأنبياء يشفعون فيمن حصل في النار من عصاة أممهم بذنوب، دون قربى ولا معرفة إلا بنفس الإيمان، ثم تبقى شفاعة أرحم الراحمين في المستغرقين بالذنوب الذين لم ينلهم شفاعة الأنبياء"( ).
وهو هنا يقر بالشفاعة عملا بالأحاديث الواردة في هذا الشأن، ولا يردها كما فعلت المعتزلة باعتبار أنها أخبار آحاد
وأهل السنة يقولون بالشفاعة لورود الأحاديث بذلك.



خاتمة :
في نهاية هذا البحث أخلص إلى النتائج التالية:
-إبن عطية أشعري العقيدة.
فهو تعامل مع آيات الصفات مثل الأشاعرة، أثبت بعضها فقط وأول الباقي. فقي النماذج التي عرضتها قبل، يثبت صفة الحياة والرؤية وقد وافق فيهما أهل الحديث، وأثبت الكلام لكنه قال هو كلام نفسي قديم كما يقول الأشاعرة. وأول صفات: الاستواء، المجيء، اليد والوجه.
كما أنه لا يقول بوجوب الأصلح على الله تعالى كما هو مذهب المعتزلة، وإنما بذهب مذهب أهل الحديث، ونفس الأمر في مسألة الحسن والقيح.
أما في مسألة القدر وحرية الإدارة الإنسانية، فيقول بما قال به أبو الحسن الأشعري وهي نظرية الكسب.
وبالنسبة للوعد والوعيد ومرتكب الكبيرة، فإن ابن عطية يذهب مذهب أهل سنة بأن الله يفعل ما يشاء، وأن مرتكب الكبيرة هو مؤمن عاص في مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفرله.
كذلك يقر بالشفاعة للأنبياء والصالحين، وهو مذهب أهل السنة لأن الأحادية صريحة في هذه المسألة. فهو يأخذ بأحاديث الأحاد ولا يردها في مجال العقيدة، ظهر ذلك جليا في مسألة الشفاعة. أما المعتزلة فلا يأخذون بها، لأنها لا تثبت العقيدة بها عندهم، وذهب إلى هذا الرأي بعض الأشاعرة خاصة المتأخرين منهم، لا يأخذون بها. قال هذا إمام الحرمين الجويني في كتابه الإرشاد، والرازي في أساس التقديس، فهو يخالفهم في هذا رغم كونه أشعريا.
ابن عطية أشعري العقيدة, وعقيدته تلك أترث على تفسيره خاصة في آية الصفات,حيث نجده يصرف تلك الآيات عن ظاهرها لتوافق مذهبه في الإعتقاد, فقد أول آيات الصفات التي أتبثها النقل كما هو معروف عند الأشاعرة باستثناء الرؤية. والأشاعرة كما قلت في المقدمة أدخلها العلماء ضمن أهل السنة، كما أن هناك فرقا بين فقهاء الأشاعرة وبين المتكلمين منهم، الفقهاء أقرب بكثير إلى أهل الحديث عكس المتكلمين الذين يغلبون العقل. وابن عطية من الفقهاء لا من المتكلمين.

أهم مصادر البحث:
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لعبد العق بن عطية، تحقيق المجالس العلمية لفاس و مكناس و تارودانت، مطبعة فضالة، المحمدية المغرب.
- طبقات المفسرين، للسيوطي، دار الكنب العلمية، بيروت لبنان-ط الأولى سنة1983
- المقدمة، عبد الرحمن بن خلذون، دار الفكر ط2 سنة1988
- مقدمة في أصول التفسير، لابن تيمية، منشورات، دار الحياة، بيروت-لبنان
- المعجم الميسر لألفاظ القرآن، للشيخ لإبراهيم رمضان، دار الأرقم بن أبي الرقم-لبنان
- منهج أبي عطية في تفسير القرآن الكريم.د عبد الوهاب فايد. منشورات المكتبة العصرية. صيدا بيروت سنة1973
- المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات، لمحمد بن عبد الرحمان المغراوي. مؤسسة الرسالة.ط1 سنة2000
- المعتزلة بين القديم والحديث لمحمد العبده، وطارق عبد الحكيم، دار ابن حزم الطبعة الأولى سنة1996.
 
الحمد لله
أخي البوسيفي:
قلت:
وأهل الحديث يقولون:" إنه سبحانه وتعالى يتكلم بكلام يسمع بحرف وصوت، وكلام الله كذلك صفة له تعالى قديمة النوع حادثة الأحاد. انتهى.
لطالما استشكل القول بقدم "النوع" وحدوث "الآحاد".. فهل من كاشف عن معنى هذه العبارة؟؟
وهل من توثيق لكلام أهل الحديث الذي ورد فيه النص بقدم ما يسمى "نوع الكلام" وحدوث "آحاده"؟؟
أم إنه كلام مستنبط من كلامهم واصطلاح حادث عن مرامهم؟؟
نرجو من الأفاضل الإفادة في هذه المسائل..
 
وأهل الحديث يقولون:" إنه سبحانه وتعالى يتكلم بكلام يسمع بحرف وصوت، وكلام الله كذلك صفة له تعالى قديمة النوع حادثة الأحاد. فهو سبحانه بتكلم
كيف شاء، متى شاء وليس كلامه صفة نفسية، بل هو بتكلم بصوت بسمعه القريب والبعيد يوم القيامة وصوته ينفذ في ملائكته في السماء وصوته سمعه موسى عليه السلام
شرخ لمعة الاعتقاد للشيخ آل الشيخ- شريط سمعي
 
بارك الله فيك اخي محمد، وابن عطية علم يستحق التوقف عنده في كثير من الجوانب، وقد تناولت جانبا هاما منها، فجزاك الله خيرا.
 
السلام عليكم و رحمة الله

معنى قولهم كلام الله جل وعلا (قديم النوع حادث الآحاد) معناه أن الكلام صفة ذاتية و فعلية لله عز و جل, "فقديم النوع" معناه صفة ذاتية أي لم يزل و لا يزال ربنا متكلما فهي صفة كالصفات الأخرى الذاتية كالعلم و الحياة ... الخ لاتنفك عنه , و "حادث الآحاد" معناه أن كلام الله تعالى صفة فعلية متعلق بالمشيئة يتكلم ربنا بما شاء متى ما شاء كيفما ما شاء كصفة النزول و غيرها من الصفات الفعلية الأخرى.
وممن ذكر هذه المقولة شيخ الإسلام بن تيمية في كتبه و الشيخ سليمان بن سحمان في تعليقه على شرح السفارينية للسفاريني و الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمهم الله جميعا و الشيخ صالح الفوزان حفظه الله.

وارجع إلى هذا الرابط تجد فيه شرح لهذه المقولة لفضيلة الشيخ العلامة صالح السحيمي.
https://www.youtube.com/watch?v=5VzzyuK1KJM
 
هل هذا بحث صغير ام رسالة علمية؟؟ وهل هناك من بحث المسائل العقدية في تفسير المحرر الوجسز لابن عطية؟؟
 
هل هناك من جمع مسائل العقيدة في تفسير المحرر الوجيز برسالة علمية ؟؟؟ افيدوني وفقكم الله
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين أما بعد يبدو أن هناك رسالة جامعية عن آراء ابن عطية الاعتقادية راجع الرابط التالي
http://www.azahera.net/showthread.php?t=391
والله تعالى أعلم.
 
عودة
أعلى