أبو الخير صلاح كرنبه
New member
- إنضم
- 18/07/2007
- المشاركات
- 627
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
[align=justify]
الأحد 1 من رجب1428هـ 15-7-2007م الساعة 11:26 ص مكة المكرمة 08:26 ص جرينتش الصفحة الرئيسة > المستشار > زهرة
[align=center][glow=000000]عقوبة الآثام في الآخرة[/glow][/align]
مفكرة الإسلام : في ما رواه البخاري في صحيحه، من حديث سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ قال: (فيقص عليه من شاء أن يقص، وإنه قال ذات غداة:((إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي أنطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ([1]) رأسه، فيتهدهد([2]) الحجر هاهنا، فيتبع الحجر، فيأخذه، فلا يرجع غليه حتى يصبح رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه([3]) إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ فقالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، قال: وأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط([4]) وأصوات، قال: فأطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسف منهم، فإذا أتاهم ذالك الهب، ضوضوا([5]) قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا، فأتينا على نهر (حسبت أنه كان يقول) أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل، قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيخفر له فاه، فيلقمه حجراً، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه، فغر له فاه، فألقمه حجراً، قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي انطلق، انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآه، أكره ما أنت راء رجلاً مرآة، وإذا عنده نار يحشها([6]) ويسعى حولها، قال قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة([7])، فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر و لدان رأيتهم قط، قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا، فانتهينا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قال: قالا لي: أرق فيها، فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب، ولبن فضة، فأتينا باب المدينة، فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها فتلقانا فيها الرجال، شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري.
كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا، قد ذهب ذلك السوء عنهم، (فصاروا في أحسن صورة)، قالا لي: هذه جنة عدن وهذا منزلك، قال فسما بصري صعداً([8])، فإذا قصر مثل الدبابة([9]) البيضاء، قال: قالا لي: هذا منزلك، قال، قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أما الآن، فلا، وأنت داخله، قلت لهم، فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً، فما هذا الذي رأيت؟
قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعيناه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء العراة، الذين في مثل بناء التنور([10])، فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه أكل الربا، وأما الرجل الكرية المرآة، الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم عليه السلام، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة، فقال بعض المسلمين يا رسول الله، وأولاد المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأولاد المشركين))، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسناً، وشطر قبيحاً، فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، تجاوز الله عنهم([11]).
إنما هو استدارج: وربما اتكل بعض المغترين، على ما يرى من نعم الله عليه في الدنيا وأنه لا يغير ما به، ويظن أن ذلك من محبة الله له، وأنه يعطيه في الآخرة، أفضل من ذلك، وهذا من الغرور، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج)) ثم تلا قوله تعالى: ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) (الأنعام: 44) ([12])
وقد رد سبحانه على من يطن هذا الظن بقوله: ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن . وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن . كلا بل لا تكرمون اليتيم ) (الفجر: 15- 17).
وعنه صلى الله عليه وسلم: (( إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا من يحب)) ([13]).
وقال بعض السلف: رب مستدرج بنعم الله عليه وهو لا يعلم، وب مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم، ورب مغرور بستر الله عليه وهو لا يعلم.
لا تتعجلي عقوبة الذنوب: وهنا هنا نكتة دقيقة، يغلط فيها الناس في أمر الذنب، وهي أنهم لا يرون تأثيره في الحال، وقد يتأخر تأثيره فينسى، ويظن العبد أنه لا يغير بعد ذلك؟!! وسبحان الله!! كم أهلكت هذه النكتة من الخلق؟! وكم أزالت من نعمة؟! وكم جلبت من نقمة؟! وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلاء فضلاً عن الجهال، ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقضي ولو بعد حين، كما ينقضي السهم، وكما ينقض الجرج المندهل على الغش والدعُل.
وقد ذكر الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه: اعبدوا ا لله كأنكم ترونه، وعدوا أنفسكم في الموتى، واعلموا أن قليلاً يغنيكم، خير من كثير يطغيكم، واعلموا أن البر لا يبلى، وأن الإثم لا ينسى([14]).
أعظم العقوبة ألا تشعر بالعقوبة:
واعلمي أختي أن للذنوب تأثيرات قبيحة مرارتها تزيد على حلاوتها أضعافاً مضاعفة، والمجازي بالمرصاد لا يسبقه شيء ولا يفوته، فوا أسفاً لمضروب بالسياط ما يحس بالألم، ولمثخن بالجراح وما عنده من نفسه خير، ولمتقلب في عقوبة ما يدري بها، ولعمري إن أعظم العقوبة أن لا يدري بالعقوبة.
فواعجباً للمغالط نفسه، يرضي نفسه بشهوة، ثم يرضي ربه بطاعة ويقول حسنة وسيئة، ويحك من كيسك تنفق، ومن بضاعتك تهدم، ووجه جاهك تشين، رب جراحة قتلت، ورب عثرة أهلكت، ورب فارط لا يُستدرك.
ويحك، انتبه لنفسك، ما الذي تنتظر بأوبتك؟ وماذا تترقب بتوبتك، المشيب؟ فها هو ذا أوهن العظيم، وهل بعد رحيل الأهل والأولاد والأقارب إلا اللحاق، قدر أن ما تؤمله من الدنيا قد حصل، فكان ماذا؟ ما هو عاجل فشغلك عاجلاً، ثم آخر جرعة اللذة فشرقة، وإما أن تفارق محبوبك أو يفارقك، فيا لها من جرعة مريرة تود عنده أن لو لم تره، آه لمحجوب العقل عن التأمل، ولمصدود عن الودود وهو يرى المذهل، أما في هذه القبور نذير؟ أما في كرور الزمان زاجر؟ نادهم في ناديهم: هيهات، صموا عن مناديهم، فلو أن ما بهم الموت؟ إنما هنيئة ثم القبور.
العمل حصل يا معدوماً بالأمس، يا متلاشي الأشلاء في الغد، بأي وجه تلقى ربك، أيساوي ما تناله من الهوى لفظ عتاب؟ بالله إن الرحمة بعد المعاتبة، ربما لم تستوف قلع البغضة من صميم القلب، فكيف إن أعقب العتاب عقاب؟([15]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) يشدخ: يثلغ.([2]) يتدهده: ينحط من علو إلى أسفل.([3]) كلوب: خطاف.([4]) فيشرشر شدقه: يقطع جانب الفم.([5]) اللغط: الضجيج غير المفهوم.([6]) ضوضوا: رفعوا أصواتهم مختلطة. ([7]) المرآة: المنظر.([8]) يحش: يوقد.([9]) معتمة: كثيرة النبت غطاها الخصب.([10]) المحض: اللبن الخالص الذي لا شائبة فيه.([11]) صعداً: صاعداً في ارتفاع كثير.([12]) رواه البخاري.([13]) صححه الألباني.([14]) الزهد، الإمام أحمد.([15]) صيد الخاطر.[/align]
الأحد 1 من رجب1428هـ 15-7-2007م الساعة 11:26 ص مكة المكرمة 08:26 ص جرينتش الصفحة الرئيسة > المستشار > زهرة
[align=center][glow=000000]عقوبة الآثام في الآخرة[/glow][/align]
مفكرة الإسلام : في ما رواه البخاري في صحيحه، من حديث سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ قال: (فيقص عليه من شاء أن يقص، وإنه قال ذات غداة:((إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي أنطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ([1]) رأسه، فيتهدهد([2]) الحجر هاهنا، فيتبع الحجر، فيأخذه، فلا يرجع غليه حتى يصبح رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه([3]) إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ فقالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، قال: وأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط([4]) وأصوات، قال: فأطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسف منهم، فإذا أتاهم ذالك الهب، ضوضوا([5]) قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا، فأتينا على نهر (حسبت أنه كان يقول) أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل، قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيخفر له فاه، فيلقمه حجراً، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه، فغر له فاه، فألقمه حجراً، قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي انطلق، انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآه، أكره ما أنت راء رجلاً مرآة، وإذا عنده نار يحشها([6]) ويسعى حولها، قال قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة([7])، فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر و لدان رأيتهم قط، قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا، فانتهينا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قال: قالا لي: أرق فيها، فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب، ولبن فضة، فأتينا باب المدينة، فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها فتلقانا فيها الرجال، شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري.
كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا، قد ذهب ذلك السوء عنهم، (فصاروا في أحسن صورة)، قالا لي: هذه جنة عدن وهذا منزلك، قال فسما بصري صعداً([8])، فإذا قصر مثل الدبابة([9]) البيضاء، قال: قالا لي: هذا منزلك، قال، قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أما الآن، فلا، وأنت داخله، قلت لهم، فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً، فما هذا الذي رأيت؟
قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعيناه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء العراة، الذين في مثل بناء التنور([10])، فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه أكل الربا، وأما الرجل الكرية المرآة، الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم عليه السلام، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة، فقال بعض المسلمين يا رسول الله، وأولاد المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأولاد المشركين))، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسناً، وشطر قبيحاً، فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، تجاوز الله عنهم([11]).
إنما هو استدارج: وربما اتكل بعض المغترين، على ما يرى من نعم الله عليه في الدنيا وأنه لا يغير ما به، ويظن أن ذلك من محبة الله له، وأنه يعطيه في الآخرة، أفضل من ذلك، وهذا من الغرور، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج)) ثم تلا قوله تعالى: ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) (الأنعام: 44) ([12])
وقد رد سبحانه على من يطن هذا الظن بقوله: ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن . وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن . كلا بل لا تكرمون اليتيم ) (الفجر: 15- 17).
وعنه صلى الله عليه وسلم: (( إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا من يحب)) ([13]).
وقال بعض السلف: رب مستدرج بنعم الله عليه وهو لا يعلم، وب مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم، ورب مغرور بستر الله عليه وهو لا يعلم.
لا تتعجلي عقوبة الذنوب: وهنا هنا نكتة دقيقة، يغلط فيها الناس في أمر الذنب، وهي أنهم لا يرون تأثيره في الحال، وقد يتأخر تأثيره فينسى، ويظن العبد أنه لا يغير بعد ذلك؟!! وسبحان الله!! كم أهلكت هذه النكتة من الخلق؟! وكم أزالت من نعمة؟! وكم جلبت من نقمة؟! وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلاء فضلاً عن الجهال، ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقضي ولو بعد حين، كما ينقضي السهم، وكما ينقض الجرج المندهل على الغش والدعُل.
وقد ذكر الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه: اعبدوا ا لله كأنكم ترونه، وعدوا أنفسكم في الموتى، واعلموا أن قليلاً يغنيكم، خير من كثير يطغيكم، واعلموا أن البر لا يبلى، وأن الإثم لا ينسى([14]).
أعظم العقوبة ألا تشعر بالعقوبة:
واعلمي أختي أن للذنوب تأثيرات قبيحة مرارتها تزيد على حلاوتها أضعافاً مضاعفة، والمجازي بالمرصاد لا يسبقه شيء ولا يفوته، فوا أسفاً لمضروب بالسياط ما يحس بالألم، ولمثخن بالجراح وما عنده من نفسه خير، ولمتقلب في عقوبة ما يدري بها، ولعمري إن أعظم العقوبة أن لا يدري بالعقوبة.
فواعجباً للمغالط نفسه، يرضي نفسه بشهوة، ثم يرضي ربه بطاعة ويقول حسنة وسيئة، ويحك من كيسك تنفق، ومن بضاعتك تهدم، ووجه جاهك تشين، رب جراحة قتلت، ورب عثرة أهلكت، ورب فارط لا يُستدرك.
ويحك، انتبه لنفسك، ما الذي تنتظر بأوبتك؟ وماذا تترقب بتوبتك، المشيب؟ فها هو ذا أوهن العظيم، وهل بعد رحيل الأهل والأولاد والأقارب إلا اللحاق، قدر أن ما تؤمله من الدنيا قد حصل، فكان ماذا؟ ما هو عاجل فشغلك عاجلاً، ثم آخر جرعة اللذة فشرقة، وإما أن تفارق محبوبك أو يفارقك، فيا لها من جرعة مريرة تود عنده أن لو لم تره، آه لمحجوب العقل عن التأمل، ولمصدود عن الودود وهو يرى المذهل، أما في هذه القبور نذير؟ أما في كرور الزمان زاجر؟ نادهم في ناديهم: هيهات، صموا عن مناديهم، فلو أن ما بهم الموت؟ إنما هنيئة ثم القبور.
العمل حصل يا معدوماً بالأمس، يا متلاشي الأشلاء في الغد، بأي وجه تلقى ربك، أيساوي ما تناله من الهوى لفظ عتاب؟ بالله إن الرحمة بعد المعاتبة، ربما لم تستوف قلع البغضة من صميم القلب، فكيف إن أعقب العتاب عقاب؟([15]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) يشدخ: يثلغ.([2]) يتدهده: ينحط من علو إلى أسفل.([3]) كلوب: خطاف.([4]) فيشرشر شدقه: يقطع جانب الفم.([5]) اللغط: الضجيج غير المفهوم.([6]) ضوضوا: رفعوا أصواتهم مختلطة. ([7]) المرآة: المنظر.([8]) يحش: يوقد.([9]) معتمة: كثيرة النبت غطاها الخصب.([10]) المحض: اللبن الخالص الذي لا شائبة فيه.([11]) صعداً: صاعداً في ارتفاع كثير.([12]) رواه البخاري.([13]) صححه الألباني.([14]) الزهد، الإمام أحمد.([15]) صيد الخاطر.[/align]