عطف "كلا" على "اسكن" بالفاء في سورة الأعراف وعطفها عليه في سورة البقرة بالواو

إنضم
8 سبتمبر 2008
المشاركات
50
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الرياض
عطف "كلا" على "اسكن" بالفاء في سورة الأعراف وعطفها عليه في سورة البقرة بالواو

بسم الله الرحمن الرحيم

قال سبحانه وتعالى ( وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ....) البقرة 35
وقال سبحانه ( وياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ...) الأعراف 16
جاء العطف مرة بالواو ومرة بالفاء ، ماسبب اختلاف حرف العطف ؟
وجدت الإجابة في كتاب الخطيب الاسكافي درة التنزيل (1/222-225) ، لكن لم أفهم المراد ، فأرجو التوضيح والإفادة .
يقول الخطيب الإسكافي بعد ذكر الآيتين :
فعطف "كلا" على "اسكن" بالفاء في هذه السورة وعطفها عليه في سورة البقرة بالواو .
والأصل في ذلك أن كل فعل عُطف عليه ما يتعلق الجواب بالابتداء ، وكان الأول مع الثاني بمعنى الشرط والجزاء ، فالأصل فيه عطف الثاني على الأول بالفاء دون الواو كقوله تعالى ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا ) البقرة 58.
فعطف "كلوا" على "ادخلوا" بالفاء لما كان وجود الأكل منها متعلقا بدخولها ، فكأنه قال : إن دخلتموها أكلتم منها ، فالدخول موصِل إلى الأكل ، والأكل متعلق وجوده بوجوده.
يبين ذلك قوله تعالى في مثل هذه الآية من سورة الأعراف ( وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة ...) الأعراف 161 ، فعطف "كلوا" على قوله "اسكنوا" بالواو دون الفاء ، لأن "اسكنوا" من السكنى وهي المقام مع طول لبث . والأكل لا يختص وجوده بوجوده لأن من دخل بستانا قد يأكل منه وإن كان مجتازاً ، فلما لم يتعلق الثاني بالأول تعلُّق الجواب بالابتداء وجب العطف بالواو دون الفاء .
وعلى هذا قوله تعالى في الآية التي بدأت بذكرها ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ).
وبقي أن نبين المراد بالفاء في قوله تعالى ( .. فكلا من حيث شئتما ..) من سورة الأعراف مع عطفه على قوله "اسكن" وهو أن " اسكن " يقال لمن دخل مكانا ، فيراد به : ألزم المكان الذي دخلته ولا تنتقل منه ، ويقال أيضا لمن لم يدخله اسكن هذا المكان يعني ادخله واسكنه ، كما تقول لمن تعرض عليه دار ينزلها سكنى فتقول : اسكن هذه الدار فاضنع فيها ماشئت من الصناعات ، معناه : ادخلْها ساكِنا لها فافعل فيها كذا وكذا ، على هذا الوجه قول تعالى في سورة الأعراف ( وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا ..) بالفاء .
فالحمل على هذا المعنى في هذه الآية أولى ، لأنه عز من قائل وجل قال لإبليس ( اخرج منها مذءوما مدحورا ) الأعراف 18 ، فكأنه قال لآدم : اسكن أنت وزوجك الجنة ، اي ادخل ، قيقال : اسكن ، يعني : ادخل ساكنا ، ليوافق الدخول الخروج ، ويكون أحد الخطابين لهما قبل الدخول ، والآخر بعده ، مبالغة في الإعذار ، وتأكيداً للإنذار وتحقيقا لمعنى قوله عزوجل (... ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) البقرة 35

انتهى .
 
يرى المؤلف رحمه الله أن الأصل في العطف مبني على ارتباط الفعل المعطوف بالفعل المعطوف عليه؛ فالفعل (كلوا) مترتب على ( ادخلوا) لأنه يتعلق به تعلق الجزاء بالشرط فالدخول شرط للأكل ، والأكل جزاء للدخول، ولا يتصور أكل من القرية إلا بعد الدخول .
وهذا بخلاف الفعل اسكنوا لأن السكنى ليست شرطاً للدخول، لأن الإنسان قد يدخل القرية ويأكل دون أن يسكن، فالأصل في هذه الحالة الواو لا الفاء واستدل على ذلك بآية الأعراف ( وإذ قيل لهم اسكنوا... وكلوا)
ويترتب على هذا الذي قرره أن تكون الآيتان اللتان يقارن بينهما معطوفتين بالواو لأن الأمر فيهما كان بالسكنى لا بالدخول، فأما آية البقرة فقد جاءت على أصله الذي قرره فلا كلام عليهاأما آية الأعراف فقد قال موضحا سر الفاء:"وبقي أن نبين المراد بالفاء في قوله تعالى ( .. فكلا من حيث شئتما ..) من سورة الأعراف..."
فبين أن السكون يطلق بمعنيين:
1/ اسكن إذا خوطب بها من قد دخل مكاناً ويكون المراد : الزم المكان الذي دخلته ولا تنتقل منه .
2/ اسكن هذا المكان إذا خوطب بها من لم يدخلها بعدُ، ويكون المراد: ادخل المكان واسكنه .
ثم حمل آية الاعراف – التي جاءت بالفاء - على هذا المعنى الثاني ، واستدل على أنها في الأعراف بالمعنى الثاني بالسياق لأنه قد جاء فيها أمر إبليس بالخروج فناسبه أن يكون المعنى: ادخل ساكنا ، ليوافق الدخول الخروج .
ثم بين أن خطاب البقرة كان بعد الدخول فلم يحتج إلى الفاء.
هذا مراد كلامه في حدود ما أفهم ، ثم إن أردت الاستزادة في هذه الآية ومقارنة رايه برأي غيره فارجعي إلى:
1/ متشابه النظم القرآني في قصة آدم عليه السلام للدكتور : عبد الجواد طبق، طبعته دار الأرقم ، والكتاب كان متوفرًا قبل سنوات في مكتبة وهبة بالقاهرة ، والمؤلف بذل جهداً كبيراً في محاولة التوجيه لكل أوجه الإختلاف في قصة آدم في كل مواضع ذكرها في القرآن مع اهتمامه بعض الشيء بتأريخ نزول السور.
2/ من بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم للدكتور محمد علي الصامل ، وطبعته كنوز إشبيليا بالرياض.
 
ويمكن أن يضاف لما ذكره أستاذنا الدكتور محمد نصيف أيضاً من المصادر التي تفيد في الموضوع :
- أسرار حروف العطف في الذكر الحكيم (الفاء ، ثُمَّ) للدكتور محمد الأمين الخضري . فقد تكلم عنها بكلام جميل فيها إضافة على ما ذكره الإسكافي .
 
[أستاذنا الدكتور] تُشعر أنني قد بلغت الخمسين - مثلاً- ثم إن الحال كما قال الأول:
ولما أتى مثلي إلى الجو خالياً من العلم أضحى معِلناً متكلمـا
كغابٍ خلا من أُسده فتواثبت ثعالب ما كانت تطا في فِنا الحمى
فليتك تكتفي بأبي هاجر ، وجزاك الله خيراً.
أما كتب الخضري فهي مما يوصى به كل من أراد أن يتذوق البلاغة القرآنية.
 
[أستاذنا الدكتور] تُشعر أنني قد بلغت الخمسين - مثلاً- ثم إن الحال كما قال الأول:
ولما أتى مثلي إلى الجو خالياً من العلم أضحى معِلناً متكلمـا
كغابٍ خلا من أُسده فتواثبت ثعالب ما كانت تطا في فِنا الحمى
فليتك تكتفي بأبي هاجر ، وجزاك الله خيراً.
مَشّها الله يصلحك ، ولا تدقق !
 
توضيح

توضيح

[gdwl] اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد نصيف
[أستاذنا الدكتور] تُشعر أنني قد بلغت الخمسين - مثلاً- ثم إن الحال كما قال الأول:
ولما أتى مثلي إلى الجو خالياً من العلم أضحى معِلناً متكلمـا
كغابٍ خلا من أُسده فتواثبت ثعالب ما كانت تطا في فِنا الحمى
فليتك تكتفي بأبي هاجر ، وجزاك الله خيراً.


مَشّها الله يصلحك ، ولا تدقق !
[/gdwl]


جزاكما الله خيرا من فاضلين، ووالله لقد أفدتما فيما ذكرتما، لكنني كنت قد اطلعت في أحد أبحاثي على كلام في المقام للكرماني يعرض نفس المسألة ويتناول جانب معنيي الفعل اسكن، لكنه يعرض ذلك بطريقة أخصر وأوضح في ظني، إذ يقول:"قوله: اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا، بالواو، وفي الأعراف:فكلا، بالفاء، اسكن في الآيتين ليس بأمر بالسكون الذي هو ضد الحركة، وإنما الذي في البقرة من السكون الذي معناه الإقامة، وذلك يستدعي زمنا ممتدا، فلم يصح إلا بالواو، لأن المعنى: اجمع بين الإقامة فيها والأكل من ثمارها، ولو كان الفاء مكان الواو لوجب تأخير الأكل إلى الفراغ من الإقامة، لأن الفاء للتعقيب والترتيب.
والذي في الأعراف من السكنى الذي معناه اتخاذ الموضع مسكنا لأن الله تعالى أخرج إبليس من الجنة بقوله: اخرج منها مذءوما، وخاطب آدم فقال: ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، أي: اتخذا لأنفسكما مسكنا، فكلا من حيث شئتما، فكانت الفاء أولى، لأن اتخاذ المسكن لا يستدعي زمانا ممتدا، ولا يمكن الجمع بين الاتخاذ والأكل فيه، بل يقع الأكل عقيبه"، أسرار التكرار في القرآن، تأليف/ محمود بن حمزة الكرماني، تحقيق/ عبد القادر أحمد عطاء:70، 71، طبعة دار الفضيلة، القاهرة مصر.
وهذا يعني أن الآيات المتشابهة خضعت لعوامل سياقاتها المتعددة فتم التغيير فيها في كل سياق كررت فيه بحسبه.
 
الكلام في المتشابه اللفظي واسع جداً، لكن الهدف كان شرح كلام الإسكافي، والآيات التي سألت عنها الأخت تشبهها في بعض المواطن آيات أمر اليهود بدخول القرية في البقرة والأعراف( وإذ قلنا ادخلوا... ) ( وإذ قيل لهم اسكنوا) وهي مما أولاه علماء المتشابه اللفظي بل والمفسرون- الرازي - البيضاوي - البحر المحيط - البقاعي - الألوسي- المنار - حبنكة الميداني - وغيرهم عناية فائقة جعلت الآراء تتنوع تنوعاً عجيباً لا تعارض بين أكثره وقد جمعت أقوالهم في بحث أنوي نشره في الآيات المشار إليها وحاولت الاستقصاء فإذا بهم مع كل ما قدموه أغفلوا جوانب تحتوي على لطائف مما يدل على ثراء هذا الباب من العلم جداً ، وقد كلمت اليوم عصراً العلامة محمد أبو موسى - وقد جاوز السبعين - فكلمني بروح الثلاثين وكان من كلامه أن سألني هل كتبت بحثاً بعد الدكتوراه فأخبرته عن هذا البحث فقال ما معناه : هذا العلم كنز ينبغي أن تكتب فيه مجلدات بحجم كتب التفسير .
وأخيراً هذه دعوة أتمنى أن أجد لها مجيباً ، إن خدمة المتشابه اللفظي في القرآن خدمةً حقيقيةً تتسمُ بالتأني والاستقصاءِ والموضوعيةِ والجديةِ تحتاجُ إلى عمل موسوعي يشرف عليه مركز بحثي هدفه إظهار إعجاز القرآن، فهل من داعم حتى نتشرف بهذه الخدمة لكلام ربنا ؟
 
مشاركة

مشاركة

بسم الله الرحمن الرحيم
لك الله من رائع يا نصيف@سموت على كل قصر منيف​
حقيقة أنا معجب بفكرتك لكن لم أفهم وجه الدعم، وإن كانت المسألة تكاتف الجهود وتوزيعها بين من رغب من أعضاء الملتقى فأخبرك أنهم ليسوا إلا إخوانك وتلاميذك فحدد، ونحن رهن الإشارة خدمة لكتاب الله وإجابة لدعوتك الكريمة التي أرجو أن أكون ممن شملتهم، على أن هذا أيضا قد يفيدني فائدة كبيرة في جانب دراستي للإيقاع في قصة موسى عليه السلام.
 
أظنك تقصد رسم الخطة المبدئية وهذا ممكن الآن جداً ، والأفضل أن يكون بعد إتمامي البحث الذي أشرت إليه -وقد أوشكتُ - لأن من أهداف البحث وتوصياته وضع خطة ومنهج لدراسة المتشابه اللفظي، أما الخطة النهائية فلا بد فيها من تلاقح الأفكار ، والاستفادة من كل ما كتب في الناحية النظرية، , وهذا مما لا يخفى عليكم.
 
عودة
أعلى