عرض موجز لكتاب (أسباب النزول) لبسام الجمل

إنضم
03/02/2005
المشاركات
100
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الأحساء
تلقيت مُكالمةً هاتفيةً من المشرف العام لهذا الملتقى المبارك مفادُها التأنيب والعتاب من قلب أخٍ مُحب عن هذا الانقطاع الطويل الذي حال عن المُشاركة في المُلتقى , فلم أملك إلاَّ أن أستجيب لإشارته في الحال وأشارك بهذا العرض السريع .
[align=center]
asbabnzool.jpg
[/align]

(أسباب النزول) رسالةٌ علميةٌ تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراة من كلية الآداب بمنّوبة في تونس , وقد أشرف عليها الأستاذ: عبد المجيد الشرفي. وصدرت عن المركز الثقافي العربي سنة (2005م).

وقد قسَّم الباحث هذه الدراسة إلى مُقدمة وأربعة أبواب وهي الآتي:

الباب الأول: علم أسباب النزول منزلةً ونشأةً ومدوَّنة .
الباب الثاني: أخبار أسباب النزول- بنيتها وصناعتها .
الباب الثالث: أثر أسباب النزول في علوم القرآن .
الباب الرابع: المتخيّل والتاريخي في أسباب النزول.

وقد انطلق الباحث في كتابة هذه الدراسة من خلال المنهج النقدي للتأريخ الذي يقوم على النقد التام للنص وتشريحه دون النظر في قدسيته من عدمه , أو صحته وضعفه , وكذلك النقد التام للأشخاص دون التفريق لمن لهم مكانة في الشرع كالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته من غيرهم .
(1) - تمَّ عرض المادة بطريقة متميزة وجذابة وهذا راجع إلى حُسن الطباعة وجمال الإخراج , وبهذه المُناسبة فإني أهيب بالأخوة المصنفين بأن يعتنوا غاية العناية بطريقة العرض والتصميم ؛ لأنَّ جمال الكتاب وحسن عرضه دليل على علو ذوق صاحبه .

(2) - كُتب البحث بلغةٍ مُعاصرةٍ وهذا جيد إلاَّ أنني أُخالفه في المُبالغة –أحياناً- في نحت بعض المصطلحات واختيار العبارات الفلسفية .

(3) - قراءته الناقدة والمستوعبة لكتابي أسباب النزول للواحدي ولباب النقول للسيوطي .

(4) - اعتماده على إحصائيات وجداول ونسب أثرت المادة البحثية .

قسَّم الدراسات الحديثة التي تكلمت عن أسباب النزول إلى ثلاثة أقسام وهي الآتي:

- الأول: الموقف التمجيدي : وهو ما يقوم به الدارسون المعاصرون من ترديد آراء القدامى في أسباب النزول كالزرقاني وصبحي الصالح والطاهر بن عاشور , وبيَّن أنَّ هذا الموقف هو السائد والمنتشر في العالم العربي .

- الثاني: الموقف النقدي: وهم الذين يتبعون المنهج النقدي للتراث مُلغين مسألة الثوابت وأنَّ كلَّ شيء قابل للنقد ومنهم حسن حنفي , ونصر أبو زيد , ومحمد أركون وغيرهم .

الثالث: الموقف الاستشراقي .

يرى الكاتب أن تسعة أعشار المصحف ليست لها أسباب النزول .

يرى الكاتب بأنَّ أسباب النزول شارك القُصاص في نسجها لاسيما في ما يتعلق بالسيرة والمغازي .

تجرأ على النبي صلى الله عليه وسلم واتهمه بأنه كاد أن يحكم بالهوى دون تحكيم كتاب الله . (ص:241-242).
تجرأ على ابن عباس رضي الله عنه واتهمه بوضع أسباب النزول لأنه أكثر من روى أسباب النزول رغم أنه لا يُعدُّ شاهداً حقيقياً على نزول الوحي , إذ لم تكن سِنُّه تسمح له بأن يكون صحابياً بالمعنى الدقيق للصحبة وشاهداً موثوقاً به على أحداث فترة الوحي و لا يُستبعد أن يكون قد اختلق عدداً منها , لكن لا أحد يجرؤ أن يقول هذا الكلام في جد الدولة العباسية !!(ص:134-136)

وختاماً:
فإنَّ الكتاب يُحتاج إلى قراءةٍ مُتأنية , ومراجعة ما احتواه من آراء جريئة , وأفكارٍ خطيرة.

حُرِّر في ليلة الأحد 21/11/1426هـ
 
أشكرك على جهودك .. والموقع يحتاج لأمثالك

لا أخفيك أنه ضاق صدري من هذا الرجل الذي تنقل لنا ملخص كتابه. بل اشمأز قلبي منه ومن أمثاله.

واسمح لي أخي العزيز على المصارحة.
 
سبحان الله !!
كأن المؤلف لن يصل إلى الحقيقة مع تعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو القرآن الكريم,
ما أقبحها من موضوعية مزعومة.
 
شيخ المؤلف عبد المجيد الشرفي.....واحد من الطابور" التنويري "المعروف الذين يريدون "هدم" الاسلام من الداخل أو"الاستشراق من الداخل"- لو سمحتم لي بهذه التسمية- وقد استضافته قناة تلفزية عندنا مع "رفاق له " ولم استطع متابعة البرنامج بسبب الغثاء الذي يرغم على الغثيان..
فحسبنا الله ونعم الوكيل.
هؤلاء الناقدون لكل شيء ......لم يخطر ببالهم أبدا أن ينقدوا "نقدهم"......مع أن فطرة الإنسان تقتضي أن يفرك المرء عينيه قبل تصويبهما للإبصار......لكن هؤلاء الذين ابتلينا بهم تغمر أعينهم الأقذاء والعمش فيرون القاذورات في كل مكان ....فهل من مبلغ لهم عن الموطن الحقيقي للخلل؟
 
دراسة أسباب النزول... التاريخية أو التاريخانية؟

دراسة أسباب النزول... التاريخية أو التاريخانية؟

هذا موضوع له صلة بالكتاب وموضوعه ، للكاتب أيمن حاج أسد ، يعطينا أبعاداً أخرى لنظرة بعض الكتاب لكتاب الجمل ومنهجه فيه .

ثمانية أعشار آيات المصحف ليست لها أسباب نزول، ولا شك في أن هذا يطعن في رأي بعض المعاصرين حول اقتران آيات القرآن الكريم كلها بأسباب نزول تاريخية، والتي يعمدون إليها كمدخل لقراءة تاريخانية للنص، كما أن ثمانين في المئة من الأسباب تتعلق بآيات الأخبار، وهو مخالف للانطباع الشائع عند القدامى من اختصاص أسباب النزول ببيان ما في بعض الآيات من أحكام قرآنية.

وكانت أسباب النزول تعكس تارة متخيلاً إسلامياً لا يرى حرجاً في تحدي قانون السببية، سواء أكان متعلقاً بالعجيب والغريب كالكائنات اللامرئية من جن وملائكة أم بالعناصر الطبيعية، وتعكس تارة أخرى مظاهر محدودة من التاريخ الإسلامي الأول، وبخاصة المغازي وصلة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالصحابة وبزوجاته (رضي الله عنهم)، كما تهم عدداً من الصحابة في تعبدهم ومعاشهم. ومن الطبيعي والحال هذه أنها لا تكفي في تبين كل ما يطمح الباحث في النص القرآني إلى معرفته على وجه الدقة، ولذا كان الرأي الذي استقر عليه المؤلف هو قلب طريقة علماء القرآن والمفسرين في التعامل مع أسباب النزول رأساً على عقب، فبدلاً من أن نقرأ مثلهم آيات المصحف بعيون الأخبار فإنه ينبغي قراءة الأخبار بتحكيم الآيات فيها تحكيماً نقدياً، هذه النتيجة التي خلصت إليها دراسة الباحث التونسي بسام الجمل «المؤسسة العربية للتحديث الفكري والمركز الثقافي العربي 2005» عن «علم أسباب النزول» بوصفها العلوم التي ظهرت نتيجة لبحث المفسر عن الظروف الحافة بآيات المصحف الشريف وعن مناسباتها والأشخاص المعنيين بها زمن الوحي.

إن البواعث التي تدفع للخوض والبحث في أسباب النزول، تتمثل في الحضور البارز لاسباب النزول في كتب التفسير، وفي وجود قراءتين قاصرتين علمياً وان كتب لهما الرواج على نطاق واسع، أولاهما قراءة إيمانية متشفية في المؤلفات القديمة سلم اصحابها بكل مرويات أسباب النزول وقبلوها على علاتها دون ادنى سؤال عن حقيقتها التاريخية ودون الجرأة على الطعن فيها بسبب ضوابط سطروها في التعامل مع إخبار أسباب النزول، إما القراءة الثانية فهي الاستشراقية الوضعية، وقد حكم فيها ممثلوها قواعد المنهج الوضعي في مقاربتهم اهم المفاهيم المؤسسة للفكر الإسلامي، ولم يعترفوا عند نظرهم في نص المصحف بصفة «المفارق» فيه، وكذلك عدم وجود دراسات عربية حديثة تصدت لمبحث أسباب النزول تصدياً علمياً موسعاً وأثارت قضاياه المنهجية والمعرفية، أو أجابت عن ابرز اشكالياته على نحو يجعلنا ندرك كيفيات اشتغال الفكر الإسلامي وآلياته في شأن نص المصحف من خلال أسباب النزول.
غير أن أهم من ذلك كله أن أسباب النزول تمثل قراءة تاريخية للقرآن تحمس لها بعض الباحثين العرب «نصر حامد أبو زيد على وجه الخصوص» لإثبات وضعيته أو على الأقل عدم الجدوى من الاستفادة منه في الحاضر والراهن.

ثمة قراءتين تناولتا علم أسباب النزول، القراءة التاريخية والقراءة الآنية، حيث تمتد القراءة التاريخية من أوائل القرن الثاني الهجري إلى بداية القرن العاشر، لا يمكن لهذه القراءة أن تكون مستمدة من مصدر واحد، كما أن الباحث في علوم أسباب النزول يحتاج إلى رصد ما يمكن أن يطرأ عليها من ضروب التغير في الرواية وأشكال التبدل في الدلالة، أما القراءة الآنية فلا بد من الاستئناس بها في انجاز عرض نقدي للمؤلفات الحديثة الدائرة على مباحث أسباب النزول.

وكما يذهب الكاتب بسام الجمل في دراسته المذكورة آنفاً، فإن استعراض الدراسات الحديثة في أسباب النزول يفضي إلى رصد موقفين متقابلين موقف تمجيدي اكتفى أصحابه باجترار ما انتهى إليه القدامى من نتائج في هذا العلم، فانعدم الحس النقدي في تلك الأعماق انعداماً كلياً، ومن هؤلاء صاحب كتاب «مناهل العرفان» و«مباحث في علوم القرآن»، وموقف نقدي لم يأت أصحابه إلا ببعض الملاحظات الجدية، لم تصل إلى مرحلة البحث المتكامل من منظور نقدي، استرشد ممثلوه بالمكاسب المعرفة والمنهجية المستفادة من العلوم الإنسانية وعلوم اللسان والانثروبولوجيا، من هؤلاء حسن حنفي، ونصر حامد أبو زيد، وفي هذا السياق لم يغفل الكاتب الدراسات الاستشراقية وسبب اهتمامهم بعلوم القرآن، التي تقوم على منهجين: المنهج الوضعي الذي كان قاصراً في تدبر المفاهيم المحورية المؤسسة للرسالة المحمدية مثل الوحي والنبوة والقرآن، ثم المنهج الفيلولوجي الذي كلف أصحابه بتتبع تاريخ المصحف والمراحل الكبرى للوحي، ووضع ترجمات للقرآن الكريم والخوض في بعض مسائل علوم القرآن ومنها أسباب النزول.

عمل الجمل على دراسة تاريخ علم أسباب النزول والكشف عن أهم عوامل تكون هذا العلم وتشكله وهي عوامل ثقافية (دور القصاص في الاهتمام بأسباب نزول بعض الآيات المتصلة بالسيرة النبوية والمغازي) ومعرفية (معرفة تاريخ نزول أي القرآن والخوص في الأحكام الناسخة والمنسوخة) وايديولوجية (تنازع المذاهب في تأويل النص الديني تعويلاً على أسباب النزول).

بعد دراسة بنية أخبار أسباب النزول وتبين طرق صناعتها ينتهي الجمل أن القسم الأكبر من مادة أسباب النزول مختلفة، ومشكوك في صحتها، وعدم ملاءمتها لمنطوق نص المصحف ولمقاصد الرسالة المحمدية، وهذا الاختلاق كانت وراءه دواع سياسية، ومذهبية، وبيئية، حتى قد تكون لعقد صلة بين آيات المصحف وما شاع من أخبار سيرة الرسول ومغازيه انطلاقاً من مجالس القصاص والإخباريين. ابن عباس مثلاً الذي استأثر برواية أكثر من ثلثي المرويات لا يعتبر شاهداً حقيقياً على مرحلة الوحي إذ لم تكن سنه – وهو في سن الثانية عشرة عند وفاة الرسول – تسمح له بأن يكون صحابياً بالمعنى الدقيق للصحبة وشاهداً موثوقاً به على أحداث فترة الوحي، ولكن من يجرؤ في ظل الدولة العباسية على تكذيب «جد الخلفاء» وقتها أو التشكيك في سلامة رأيه، كما أن جل التابعين رواة الأخبار من الموالي، ومن المعروف أن مناهضة بني أمية للموالي سيدفع بالعديد منهم إلى الرغبة في التفوق على العرب في الميادين التي كانوا يترفعون عنها، ومنها مجال العلوم عموماً كعلوم الدين واللغة وما شاكلها.

ولعل المفسرين استغلوا أسباب النزول لاستعادة طور متميز من تاريخ الإسلام، هو طور النبوة، فأعادوا بناء علاقة الرسول بالوحي، بخاصة لحظة تقبله التنزيل، ولقد أسسوا تصوراً للوحي لا يعكس إخباراً بما حصل في الواقع التاريخي وقتئذ من علاقة الرسول بالمفارق بقدر ما يترجم عن تمثلهم الخاص للوحي، وقاموا بتبرير القراءات الموافقة للمصحف العثماني في غالب الأحيان، والمخالفة له في بعض الأوقات، ووظفت تلك الأخبار لإقامة الدليل على صحة مقالاتهم في النسخ، وحسبما يرى المؤلف فإن ذلك التوظيف لم يقم على معايير مقنعة في تصور العلاقة بين أسباب النزول والنسخ، وان جل العلماء قاموا بهذا التطويع المقصود على رغم الشبهات العالقة به، من جهة الرواية وطرقها ومرجعيتها التاريخية ومدى صلتها بمقاصد النص الديني ورهانات الرسالة المحمدية.

الواقع أنه كثيراً ما يجد الباحثون المعاصرون حرجاً في التصدي بروح نقدية لجوانب من منظومة العلوم الإسلامية الأساسية التقليدية، ذلك أن عناصرها متضافرة، يعضد بعضها بعضاً، خشية أن تنهار المنظومة برمتها فيما إذا تبين الخلل في فرع من فروعها، ولهذا فهم مترددون بين الإثبات والنفي، بين الجرأة والخوف، بين مقتضيات المعرفة الحديثة ومقتضيات الوفاء لجهود القدماء، وتحتل دراسة المحاور العلمية التي ما فتئت تشغل المفسرين منذ استقام التفسير القرآني فناً ذا ملامح محددة، ومكانة متميزة، وقد تبلورت هذه المحاور بصفة تدريجية وتنوعت بتنوع اهتمامات المفسرين، كما تدل على ذلك مقدمات كتبهم، إلى أن جمعت في فترة متأخرة في «برهان» الزركشي و «إتقان» السيوطي، وقد عمل كلاهما على تصنيفها ضمن ما أصبح معروفاً بـ «علوم القرآن». وكانت وظيفتها الرئيسة توفير المعطيات التي تعين المفسر على فهم النص فهماً صحيحاً بحسب معايير المدرسة الفكرية والمذهبية التي ينتمي إليها.

ما تخلص إليه هذه الدراسة فإن جل مادة أسباب النزول لا تصلح لأن تكون معرفة إسلامية موثوقاً بها ومؤهلة بحق للإجابة عما طرحه العلماء المسلمون من أسئلة في مباحث السيرة والمغازي والحديث والوحي والفقه والقراءات والتفسير... فهذه الأخبار ليست سوى تمثل القدامى لمرحلة الوحي، وهو تمثل متأثر بأحوالهم التاريخية وناطق بهمومهم الثقافية عموماً.

موضوعات كثيرة تشترك مع أسباب النزول في مراوحة بين قراءة تاريخية وأخرى تاريخانية (مثل: الناسخ والمنسوخ والتخصيص والقراءة الفيلولوجية) تثار كلما أعيد الحديث عن القرآن وتاريخه وعلومه، تماماً كما يمكن أن نراها في كتاب تيودور نولكه «تاريخ القرآن» الذي نشر أخيرا (2004) وأثار حماسة بعض الحداثويين العرب من جديد ليتخذه دليلاً على أن العالم العربي أصبح أمام الحقيقة التاريخانية للقرآن بعد الدراسة «العلمية» لنولكه! فيما استثار حفيظة البعض الآخر (هاشم صالح مثلاً) ان يمنع الكتاب من التداول في أهم عاصمة النشر العربية (بيروت) ويصبح ذلك دليلاً على ان العالم العربي غير قادر على مواجهة الحقيقة التاريخانية للقرآن الذي يؤمن في شكل مطلق غير مخلوق ولا علاقة له بالنص البشري لا من قريب ولا من بعيد. والواقع أن تاريخانية هاشم صلاح وزملائه لا يدركون في شكل جيد أنهم يؤمنون بالمثل وفي شكل حقيقة مطلقة وغير قابلة للنقاش أن القرآن مخلوق وهو جزء من التاريخ البشري!

إن كتاباً يبحث في تاريخ القرآن سيبقى مهماً حتى لو كان استشراقياً ولكن كتاب نولكه – على رغم انه يمثل تحولاً في دراسة الاستشراق للقرآن إلا أن علله الكثيرة لا تجعلنا نذهب إلى القول بحماسة (كما ذهب هاشم صالح): «انه يمثل الثورة الكوبرنيكية بالنسبة إلى الدراسات القرآنية»، بقدر ما تجعلنا على اطلاع بتاريخ الدراسات الاستشراقية ومسارها المضطرب مع القرآن الكريم.


منقول .

قلتُ : كتاب تاريخ القرآن لنولدكه يبين مدى الضعف الذي قامت وسارت عليه الدراسات الاستشراقية ، وهذا الكتاب عمدة من كتب بعد ذلك في تاريخ القرآن ، وقارئه يوقن بضعف الجانب العلمي والنقدي لدى المؤلف ، وقلة بصره بالقرآن ولغة القرآن وتاريخه ، ونشره باللغة العربية مؤخراً يفتح الباب للمتخصصين في الدراسات القرآنية لبيان ضعفه وتهافته ، حيث كانت الدراسات النقدية السابقة له تنقل آراء بعض من اطلع عليه في لغته الأصلية ، فلم تكن تلك الآراء موفقة فيما ذهبت إليه . فليت بعض الباحثين المتخصصين في الدراسات القرآنية يتولى ذلك .
 
لدي نسخة PDF من الكتاب بإمكاني وضعها هنا لو رغبتم في الاطلاع عليه.
وأصل الكتاب رسالة دكتوراه، وهو جدير بالاطلاع والنقد من قبل المتخصصين، لكثرة الشبهات والطرح العلماني الذي يصبغ جميع محتوياته.

==

وهذا مقال آخر يعرض كتابا آخر لبسام الجمل بعنوان: "ليلة القدر في المتخيّل الإسلاميّ" لبسام الجمل

"ليلة القدر في المتخيّل الإسلاميّ" لبسام الجمل
08 تشرين الأول 2007
عفاف مطيراوي - الأوان

تناول بسّام الجمل مبحث ليلة القدر في المتخيّل الإسلاميّ في كتاب له يحمل نفس العنوان (ط 1، مؤسسة القدموس الثقافيّة،2007) ضمن اهتمامه بمجال الإسلاميّات التطبيقيّة ومساهمة منه في تبيّن منزلة المتخيّل في الفكر الإسلاميّ خاصّة والمتخيّل الدينيّ عامّة.

وما يمكن ملاحظته أنّ المتخيّل كان حاضرا بقوّة في أخبار أسباب نزول سورة القدر كما كان جليّا في الأخبار الّتي تروي فضائل ليلة القدر علاوة على مثوله جليّا في المرويات الّتي تحكي علامات ليلة القدر.

أمّا في ما يتعلّق بأسباب النّزول فقد تعدّدت تلك الأسباب وتعدّدت صيغ المرويّات للسبب الواحد. غير أنّ الجامع بين تلك الأسباب حضور العجيب والغريب والخارق في تلك الروايات. روايات رويت وأخبار أعيدت روايتها حتّى أضحت جزءا لا يتجزّأ من المتخيّل ومن اللاوعي الجمعيّ الإسلاميّ. و"غير خاف أنّ تعاقب الرواة في رواية هذا السبب من أسباب نزول السورة يرسّخ في ضمير المسلم " الصحّة التّاريخيّة" للسبب وموافقته للسورة المتعلّقة به في الآن نفسه".

ومن المعلوم أنّ البحث في أسباب النّزول هو من أبواب التفسير القرآنيّ، و غير خاف أنّ كتب التفسير مشبعة بالمتخيّل والعجيب و لغريب.

وما لوحظ من عجيب ومتخيّل في الأخبار الّتي تفسّر أسباب نزول سورة القدر يمكن ملاحظته بجلاء كذلك في الأخبار المتعلّقة بفضائل ليلة القدر.

ومن أطرف تلك الأخبار ما يتعلّق بوصف الملائكة ووصف سدرة المنتهى ووصف الروح "هيأة وأعمالا" وصفا مبالغا فيه تدقيقا وتفصيلا يوهم بالمصداقيّة والموضوعيّة.

وما يمكن قوله إجمالا حول فضائل ليلة القدر "أنّ "الحركة" و"الفعل" و"الوصف" تنتمي إلى عالم متخيّل فضاء وزمانا وأعمالا و فواعل أسطوريّة بالمعنى الأنُروبولوجي لمفهوم الأسطورة" على حدّ قول بسّام الجمل.

والطريف في الأمر أنّ ناقلي تلك الأخبار والروايات اكتفوا بإعادة تناقلها دون إعمال عقل أو إبداء رأي أو محاولة نقد أو تأويل رغم ما فيها من غريب وعجيب يأبى العقل البشريّ تصديقه. "وهكذا فإنّ مختلف الأخبار الدائرة على فضائل ليلة القدر متّصلة وثيق الاتّصال بالمجرّد واللامرئيّ بالنسبة إلى المسلم. ولكنّه يعتقد اعتقادا راسخا وجودها حقيقة في الواقع التّاريخيّ الّذي ينتمي إليه وينخرط فيه ويتفاعل معه بوجه من الوجوه".

وممّا ل اشكّ فيه أن اللاوعي الجمعيّ الإسلاميّ هو الّذي خلق هذا العالم المفارق للواقع التّاريخيّ والمتحكّم فيه في آن. عالم تتقاذف فيه الملائكة والشياطين الإنسان. وبذلك ساهمت هذه الأخبار المتعلّقة بفضائل ليلة القدر في إنتاج عالم لامرئيّ غير أنّ العقل الإسلاميّ مصدّق له ومسلّم بوجوده تسليما تامّا.

ولئن "كانت مرويّات فضائل ليلة القدر نزّاعة في مضامينها إلى عالم اللامرئيّات"، فإنّ الأخبار الّتي تروي علامات ليلة القدر ترتبط بعالم المحسوسات أو المرئيات. و بذلك، حسب بسام الجمل، انشدّت تلك العلامات "مرجعيّا إلى الحواسّ التالية:
- البصر: رؤية الشمس طالعة بيضاء لا شعاع لها.
- اللمس: أثر مصافحة جبريل للمؤمنين.
- السمع: سماع سلام أو خطاب الملائكة.
- الذوق: تذوّق ماء البحر ليلة القدر» الّتي يضحى فيه ماء البحر عذبا سلسا.

والملفت للانتباه أنّ المتخيّل الشعبيّ يعتقد جازما في ليلة القدر وينتظر قدومها بفارغ الصبر علّ أبواب العرش تُفتح له فتُتقبّل أدعيته وأمنياته وتُغفر ذنوبه ويعود مطهّرا من كلّ ذنب. "فالذهنيّة الإسلاميّة السائدة قديما وحديثا لا تكاد تشكّ في صحّة ما يروى عن علامات ليلة القدر".

أمّا في ما يتعلّق بزمان ليلة القدر، فمن الملاحظ تعدّد الروايات واختلافها غير "أنّ جلّ المواقف القديمة والحديثة الواردة في أدبيّات التفسير القرآنيّ والحديث النّبويّ والتاريخ الإسلاميّ عامّة تميل إلى اعتبار الليلة السابعة والعشرين من رمضان هي ليلة القدر".

ولا يخفى ما لهذه الليلة، ليلة السابع والعشرين، من أهميّة ورمزيّة في المتخيّل الشعبيّ الإسلاميّ. حيث ينتظر المسلم هذه الليلة ويحتفي بها أيّما احتفاء ويكثر من أشكال تعبّده ويقوم بعدّة طقوس و شعائر. كما يكثر من أدعيته وتضرّعاته إلى الخالق علّه يمسح ذنوبه ويدخله جنّة النعيم في الدار الآخرة ويحقّق أحلامه في الدار العاجلة.

و بعد المقاربة الوصفيّة للمرويّات المتعلّقة بمظاهر المتخيّل الإسلاميّ في ليلة القدر، خلُص بسّام الجمل إلى أنّ مظاهر المتخيّل الّتي عاينها من خلال أسباب النزول وفضائل ليلة القدر وعلاماتها وزمانها تقوم على "احتواء المحاور المذكورة على مستويات عديدة من المتخيّل من قبيل انفجار ماء عذب من لحيين ورؤيا الرسول سواء أكانت في اليقظة أم في النوم ونزول جبريل والملائكة إلى الأرض وقيامهم بأعمال شتّى على صعيدي الأفعال والأقوال فضلا عن سدرة المنتهى والروح القابع تحت العرش وعن سجود الأشجار وانقلاب الماء المالح الأجاج إلى ماء عذب».

ولذا يصحّ القول بأنّ الأخبار والمرويّات المتعلّقة بليلة القدر تحتفي بكلّ مظاهر العجيب

والغريب. كما أنّها تحكي عن عالم لامرئيّ تحكمه الخوارق إلاّ أنّها ساهمت في خلق متخيّل إسلاميّ يعتقد كلّ الاعتقاد بهذه الليلة ومن لا يؤمن بهذه الليلة كافر بالدّين الإسلاميّ القائم أساسا على المتخيّل.

و قد بيّن بسّام الجمل في الفصل الثّاني من كتابه المذكور أنّ المرويّات المتعلّقة بليلة القدر قد تغيّرت زمانيّا كما أنّ الخبر الواحد قد يروى بصيغ عدّة مختلفة زيادة أو نقصانا.

ولا غرابة في ذلك حيث "أنّ خبر المتخيّل – و هو يسافر في الزّمان- معرّض للتغيّر في محتواه إن قليلا أو كثيرا وهو تغيّر راجع إلى طبيعة خبر المتخيّل ذاته إذ الأحداث فيه عجيبة وغريبة وليست من جنس الوقائع التّاريخيّة الّتي تعوّد عليها النّاس في شؤون اجتماعهم وأحوال معاشهم». كما لا يخفى أنّ تلك المرويّات العجيبة الغريبة المؤثّثة بكلّ ما هو من جنس الخوارق واللامرئيّات هو من نسج "تصوّرات منتجيها" ومن صوغ

"تمثّلاتهم" الّتي تعكس"آفاقهم المعرفيّة في فترة تاريخيّة معيّنة". و لكن، وإن صحّ هذا الرأي، ما الّذي يمكن قوله عندما يتواصل هذا الاعتقاد في مرويّات عجيبة إلى يومنا هذا رغم انفتاح الآفاق المعرفيّة ورغم ما عرفه العقل الإسلاميّ من تقدّم و تطوّر؟

كما لاحظ بسّام الجمل أنّ أكثر الروايات غرابة ظهرت "دفعة واحدة بدءا من القرن السادس الهجري( مع فخر الدين الرازي)".

ولذلك صحّ القول بأنّ "المتخيّل الدّينيّ يعظم شأنه و يكتسح مجالات عديدة من الثقافة السائدة في فترات الانحطاط والوهن الحضاري". كما خلُص صاحب كتاب" ليلة القدر في المتخيّل الإسلاميّ إلى "شبه قاعدة مفادها أنّه كلّما نزعت المعرفة الدّينيّة في عصر من العصور إلى التقليد والاجترار وكلّما طغى الشعور لدى المؤمنين باقتراب الساعة وبنهاية العالم وبانسداد الآفاق كان للمتخيّل الدّينيّ ذاك العصر سوق نافقة ورواج واسع".

لذلك لم يكن غريبا على "المعرفة الدّينيّة العالمة" في القرن السادس الهجريّ و ما بعده أن تحتفي "بكلّ الأخبار العجيبة والروايات الغريبة كأحسن ما يكون الاحتفاء".

وبذلك تلبّست الذهنيّة الإسلاميّة بالمتخيّل أيّما تلبّس. ووجّه المتخيّل الثقافة الدّينيّة نحو مزيد من الاحتفاء بالعجيب والغريب ليتراجع التفكير "العقلانيّ" أمام ثقافة "التقليد والاجترار" وإنتاج قصص خياليّة متخيّلة متلبّسة بالدين والاعتقاد والمقدّس.

وكأنّ الدّينيّ لا يكون إلاّ متخيّلا. والطريف أن يُحكم على كلّ محاولة للتفكير بالتكفير.

و قد حصر بسّام الجمل مرجعيّات المتخيّل الإسلاميّ المتعلّقة بليلة القدر بمصدرين اثنين أساسيين:
" – مصدر من داخل الثقافة الإسلاميّة.

- و مصدر من خارج الثقافة الإسلاميّة ( المرجع السومريّ، المرجع التوراتيّ، المرجع المانويّ)".

أمّا في ما يتعلّق بالمرجع الإسلاميّ فمن الملاحظ "أنّ العلماء المسلمين استغلّوا عددا من الإشارات القرآنيّة وألّفوا بينها لإنتاج متخيّل إسلاميّ له ملامحه المميّزة. فوسّعوا من تلك الإشارات باختلاق مرويّات لا مرجع لها في القرآن".

و لكلّ ذلك انتهى بسّام الجمل إلى صياغة قاعدة مفادها "كلّما نزع نصّ المصحف إلى التعميم والرمز والإيحاء وفّر لقرّائه ولمؤوّليه إمكانات عريضة ومتجدّدة لنسج ما عنّ لهم أن ينسجوا حوله من أخبار وقصص ينتمي قطاع منها إلى المتخيّل الإسلاميّ ".

ولذا حُقّ القول بأنّ الثقافة الإسلاميّة "ثقافة قادرة على إنتاج متخيّلها الخاصّ وهي أيضا ثقافة منفتحة على ضروب المتخيّل الوافدة عليها بحكم طبيعة المجتمع الإسلاميّ المتكوّن من أجناس عديدة دخلت الإسلام وفي رصيدها قيم ثقافاتها الّتي تربّت عليها فحصل تلاقح ثقافيّ منذ وقت مبكّر من تاريخ الإسلام".

وقد حصر بسّام الجمل تقنيات إنتاج المتخيّل الإسلاميّ خاصّة (من خلال أخبار ليلة القدر)

والمتخيّل الدّينيّ عامّة في أربع تقنيات أساسيّة وهي :الرؤيا والتركيب والتوليد والإضافة والتضخيم والقلب. كما لاحظ أنّ هذه التقنيات لا تتعلّق فقط بالمتخيّل الدّينيّ بل تشمل كذلك المتخيّل الأدبيّ وغيره من أنواع المتخيّل.

وبذلك تميز هذه التقنيات إنتاج المتخيّل الإنسانيّ عامّة.

ولا شكّ أنّ ليلة القدر تكتسب أهميّة كبرى في المتخيّل الإسلاميّ لاسيّما أنّه يعتقد اعتقادا جازما بـ"أنّ القرآن برمّته أنزل في ليلة القدر فضلا عن تصديقهم بقول منسوب إلى الرسول’أفضل الليالي ليلة القدر’".

وقد حاول بسّام الجمل في الفصل الثالث: رموز المتخيّل من كتابه المذكور آنفا أن يتبيّن ملامح الذهنيّة الإسلاميّة ليخلص إلى أنّ هذه الذهنيّة "تعقد مطابقة تامّة بين الرمز والمرموز إليه ». و قد فصّل القول في ذلك مبرزا أنّه "إذا تأوّل المفسّرون سورة القدر في اتّجاه القول بنزول الملائكة وجبريل ومعهم ألوية أربعة فيعني ذلك عندهم أنّ النّزول فعل حاصل في التّاريخ لا مراء فيه، وحين يتأوّلون الرّوح المذكور في الآية على كونه ملكا له سبعون ألف وجه، فيعني ذلك أيضا وجود هذا الكائن ’الخرافي’ في الواقع التّاريخيّ الموضوعيّ، ومن ثمّ فإنّ كلّ ما رشحت به أخبار ليلة القدر من أفعال وأقوال مشدود عندهم إلى الحقيقة لا إلى المجاز".

وغنيّ عن الذكر أنّ الذهنيّة الإسلاميّة تمزج بين العقل والمتخيّل وتؤلّف بين العالم المرئيّ والعالم اللامرئيّ المفارق وبين التاريخيّ والأسطوريّ وبين المعقول والخرافيّ حتّى أضحى التفكير الإسلاميّ تفكيرا يتحكّم في مساراته المتخيّل كأشدّ ما يكون التّحكّم.

ومن الجليّ أنّ المسلم يعتقد اعتقادا جازما في وجود ليلة القدر "غير أنّنا ( والقول لبسّام الجمل) نرى أنّ ليلة القدر ليس لها وجود إلاّ في الذهنيّة الإسلاميّة وبعبارة أخرى إن كان لليلة القدر من حقيقة فهي بالتأكيد حقيقة نفسيّة جمعيّة في المتخيّل الإسلاميّ".

ولكلّ ذلك يحقّ لنا القول "بأنّ المسلمين – في تعلّقهم بليلة القدر- يعبّرون عن رغبة دفينة في الإنسان عامّة وهي إرادة التّخلّص من المنزلة الوجوديّة المعطاة عبر بناء عالم الآلهة والصعود إليه والاتّصال به من ناحية ومحاولاته المتعدّدة في كلّ عصر ومصر ودين لقهر حقيقة الموت من ناحية أخرى».

والجدير بالتنبيه إليه ما يكتسبه مبحث المتخيّل الإسلاميّ خاصّة والمتخيّل الدّينيّ عامّة من أهميّة في فهم اعتقادات الإنسان الدّينيّة وفي مقاربة تمثّلاته الجمعيّة وتصوّراته عن الكون والإنسان والدّين وفي ملامسة عمق لاوعيه الجمعيّ.

نقلا عن الأوان
 
عودة
أعلى