صدرت مؤخراً دراسة مهمة للبروفيسور الهندي الأصل د. محمد مصطفى الأعظمي المتخصص في علوم الشريعة الذي يعيش في المملكة العربية السعودية.. الدراسة صدرت في كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان:
The Hisiory of the Quranic Text fromo Revelation to Compilation - A comparative study with the Old and New Testaments.
"تاريخ النص القرآني من بداية النزول إلى جمعه في المصحف دراسة مقارنة مع التوراة والإنجيل".
عدد الصفحات مع المقدمة والفهارس 400 صفحة، وهي تكشف مخططات اليهود والمستشرقين الصليبيين للتشكيك في القرآن الكريم وهي المخططات التي تتواصل دون توقف حقداً على الإسلام وكراهية للقرآن.
يقول المؤلف: الصراع بين الحق والباطل قديم، والعداوة بين الإنسان والشيطان منذ خلق آدم عليه السلام. وعندما أرسل الله سبحانه وتعالى محمداً خاتم النبيين وأنزل عليه كتابه القرآن الكريم وأعلن أن الدين عند الله الإسلام، ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، بدأ الصراع بين الحق والباطل. الباطل تلبَّس وتلون بتغير الزمان والمكان. وأصبحت محاربة القرآن أشد ضراوة وخاصة بعد إنشاء الكيان الصهيوني، وذلك لإيجاد مجتمع ملحد حول هذا الكيان على الأقل، فبدأت تظهر المقالات والكتب لهذا الغرض.
ونظراً لقدسية القرآن، يحافظ المسلمون على الأوراق البالية والممزقة منه، بحفظها في المكان المناسب. وعلى هذا الأساس ففي جامع صنعاء باليمن احتُفظ من القرآن الكريم الآلاف من الأوراق يرجع بعضها إلى القرن الأول. ثم نسيها الناس، حتى تهدمت الغرفة، واكتُشفت الأوراق وقد أصابها الماء والطين والغبار والتآكل. وقد اشتغل فريق من الألمان في تنظيف وترميم تلك الأوراق ومن ثم ترتيبها وتصويرها، ولاحظ بعضهم الاختلاف في بعض المصاحف، خاصة في كتابة الألف في وسط الكلمة.
وعندما نشر الكاتب الصحفي توبي ليستر مقالة في "أتلانتيك منثلي" (يناير 1999م) Atlantic Monthly عنوانها "ما هو القرآن"؟ What is Koran حيث استغل اختلاف الهجاء الخاص بكتابة الألف في بعض المخطوطات اليمنية، وحشد في المقالات عشرات الأسماء لكبار المستشرقين وبعض "المسلمين" أمثال نصر أبوزيد المحكوم عليه بالردة، وكان الهدف منها زعزعة إيمان المسلمين بالقرآن الكريم وحفظه، وبعده عن التصحيف والتحريف، ولذلك أثار المقال قدراً كبيراً من الانفعال المتسم بالغضب عند كل من قرأ المقال من المسلمين ولا سيما في الغرب، وتساءل شباب المسلمين: أين علماؤنا كي يردوا على ادعاءات ليستر المشككة في سلامة النص القرآني؟ كأن المسلمين عاجزون تماماً عن الدفاع عن عصمة القرآن بطريقة علمية منهجية. وقد رد عليه بعض المسلمين في وريقات، رداً بسيطاً خفيفاً.
العداء للإسلام
في ضوء هذه الخلفية التاريخية بدأ د.محمد مصطفى الأعظمي، بحثه عن سلامة النص القرآني، وقارن بين حفظه وحفظ التوراة والإنجيل.
يقول: إن عداوة اليهود والنصارى للقرآن من عهد النبي { حتى الآن، مرت بثلاث مراحل رئيسة ولكل مرحلة سمتها ومتطلباتها.
المرحلة الأولى: من صدر الإسلام إلى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي وكان هدف أهل الكتاب في هذه الفترة هو إقامة سور حاجز حول النصارى واليهود لئلا يتأثروا بالقرآن، فملأوا كتبهم بالأكاذيب والافتراءات على الإسلام والقرآن.
المرحلة الثانية: من منتصف القرن الثامن عشر الميلادي إلى منتصف القرن العشرين، وقد تم استعمار البلاد الإسلامية في هذه الفترة، فأصبح الهدف هو تنصير المسلمين لأن الخوف من تأثير القرآن على المجتمع المسيحي كان قد زال.
المرحلة الثالثة: من منتصف القرن العشرين حتى الآن، وهذه المرحلة تبدأ بإنشاء الكيان الصهيوني.. وبما أنه ثبت لدى الغربيين أنه لا يمكن تنصير البلاد العربية والإسلامية لتصبح دولاً مسيحية، إضافة إلى الكيان الغاصب، كان لابد من إيجاد وسيلة لمحو الكراهية من قلوب المسلمين ضد يهود حتى يتمتع اليهود بالحدود الآمنة، وهذا لا يتحقق إلا بمحو الدين والقضاء عليه.
ولقد بيَّن هذا بكل وضوح شمعون بيريز في مقابلة تلفازية على شبكة PBS الأمريكية بتاريخ 29-3-1996م عندما سأله المذيع ديفيد فروست عن سبب كره الأوروبيين لليهود، فقال: في القرن الماضي "أي القرن التاسع عشر" واجه اليهود هذا السؤال فقالوا: لماذا يكرهنا العالم؟ فانقسموا فرقتين، فرقة تقول: الخطأ فينا، ولذا يجب أن نصحح أنفسنا. وهذه الفرقة هي التي أنشأت دولة "إسرائيل"، وأما الفرقة الأخرى فاعتبرت أن اليهود على صواب والعالم على خطأ، فعليها تصحيح مسيرة العالم. وهذا يتطلب بناء العالم ليصبح عالماً بدون جنسيات، وبدون طبقات، وبدون دين، وبدون إله (الذي ينادي بكراهية الناس). وهؤلاء أصبحوا قادة الشيوعية والاشتراكية.
في ضوء هذه المتطلبات الحديثة في هذه المرحلة بدأت الدراسات الاستشراقية تتعامل مع القرآن بروح عدائية أكثر فمثلاً:
ظهرت مقالة في سنة 1952م للقس ألفريد غيوم، بعنوان "أين كان المسجد الأقصى؟ حيث أثبت القسيس بزعمه أن المسجد الأقصى لا وجود له في القدس، بل هو في الجعرانة "على بعد 20 كم من مكة المكرمة".
تكشف مخططات اليهود والمستشرقين للتشكيك في القرآن الكريم
وأما يهودا نيفو "الإسرائيلي" فله مقالة بأن الكعبة في مكة المكرمة ليست هي الكعبة المذكورة في القرآن، بل الكعبة الأصلية موجودة في صحراء النقب.
وادعى يهودا نيفو أيضاً أن المسلمين لم يخوضوا الحرب مع بيزنطة وأعوانها بالشام، بل سلَّمت بيزنطة المسلمين المنطقة بكاملها تسليماً ودياً، وبذلك حرَّف تاريخ الإسلام والمسلمين.
ظهر كتاب للبروفيسور اليهودي وانسبراؤ من جامعة لندن بعنوان "دراسات قرآنية" وأثبت في زعمه أن القرآن من تأليف المسلمين في القرن الثالث الهجري.
إذن مقالة توبي لستر ليست إلا حلقة في سلسلة حلقات لمحاربة القرآن وليست شيئاً جديداً.
ولمحاربة القرآن اتخذ المستشرقون والمنصرون محاور عدة، ومناهج مختلفة، فقد ينفع منهج مع البعض، وينفع منهج آخر مع البعض الآخر. ومن مناهجهم:
1 اعتبار القرآن نتاج المجتمع الإسلامي وليس كلام الله.
2 إعطاء ترجمة معاني القرآن مكانة الأصل والسماح للناس بقراءة القرآن بلغاتهم ولهجاتهم في الصلاة والتلاوة.
3 "تنظيف" القرآن من 330 آية.
4 عدم الإصرار على أن الإسلام هو الدين الحق الوحيد، فقد يكون الإسلام حقاً لبعض البشر، والمسيحية حق للبعض الآخر.
5 عدم السماح للمسلمين بتفسير القرآن، فهم غير مؤهلين لفهم النصوص القرآنية بسبب الانحياز "كونهم يؤمنون بقدسية القرآن"، والتفسير هو ما يفسره الغربي لكونه غير منحاز.
6 السماح للمسلمين بتفسير القرآن ولكن في ضوء الحقائق النصرانية.
7 إلغاء الفترة المدنية من القرآن والسيرة، والاكتفاء بالفترة المكية، وبهذا يتم التخلص من الشريعة والتركيز على التوحيد فقط، وهذا ما يطالب به خالد دوران "مجهول الهوية" والقسيس كينيث كريج.
وهناك طعون أخرى على شكل أبحاث علمية، منها اختلاف القراءات، ومنها النقص الذي كان في الخط العربي مثل عدم وجود التشكيل في زمن النبي {، والذي سبب اختلاف القراءات والتغيير في المصحف حسب زعمهم.
في هذا الجو بدأت تأليف الكتاب الذي استغرق أربع سنوات من البحث والكتابة، ومن المواضيع المهمة التي نوقشت فيه بالتفصيل ما يلي:
بيَّنت أن الكتابة انتشرت بسرعة حتى إنه كان للنبي { أكثر من ستين كاتباً، وأن الخط العربي أصيل، وكان يستعمل في الجزيرة منذ عدة قرون قبل الإسلام موضحاً بنماذج من كتابات عربية قبل الإسلام، ومن المُسلمات الحديثة التي خالفت فيها رأي علماء التاريخ من المسلمين والمستشرقين في أصل الخط العربي.
فأنا أقول بعكس من يقول: إن الخط العربي تطور من الخط النبطي، لأن الخط النبطي هو نفسه الخط العربي؛ إذ النبط كانوا يتكلمون اللغة العربية، وهم من أولاد إسماعيل عليه السلام الذين نزحوا إلى شمال الجزيرة، وتسمية خطهم الخط النبطي هو من عمل المستشرقين الذين كانوا ولا يزال بعضهم يسمى الإسلام Mohammedanism "المحمدية"، والمسلمين Mohammedan "المحمديين"!.
ذكرت أن الإملاء يتغير بمرور الزمن، ولا يقتصر على لغة دون أخرى، والتغير الذي حدث في اللغة العربية خلال أربعة عشر قرناً لا يكاد يذكر، إذا ما قورن بأي لغة أخرى، وجئت بأمثلة من اللغة الإنجليزية مثل كلمة "الابن" فكانت تكتب sonne والآن تكتب son، وأما كلمة "يحكم" فكانت تكتب iudging بحرف i بدلاً من j، والملاحظ أن الحرف j لم يخترع في أوروبا إلا في القرن السادس أو السابع عشر.
أوضحت أن المنهج الذي اتبعه سيدنا زيد بن ثابت } في جمع القرآن هو أدق منهج علمي يمكن أن يُتَّبع في الأوساط الأكاديمية.
هناك نصوص تدل على أن سيدنا عثمان بن عفان } أمر زيد بن ثابت بجمع القرآن من جديد، ثم قورن هذا بما وجد مكتوباً في بيت أم المؤمنين عائشة ثم بمصحف سيدنا أبي بكر الذي كان مودعاً عند أم المؤمنين حفصة }، ثم أمر عثمان بكتابة المصاحف.
الأصل في القرآن هو التلقي شفاهة، لذلك أرسل عثمان } مع كل مصحف قارئاً.
المناخ الاجتماعي والسياسي كان في وصف القرآن وخاصة بعد هجرة النبي { إلى المدينة المنورة، لأنه كان هناك شعب يؤمن بالقرآن ويتلوه آناء الليل والنهار، وكانت الحكومة حامية للمصحف، وكانت أحكامه مطبقة من عهد النبي {، إضافة إلى وجود الآلاف من المصاحف في القرن الأول الهجري، خلافاً للتوراة حيث فقدت التوراة بعد سيدنا موسى لستة أو سبعة قرون ثم وجدت "صدفة" في المعبد، ثم فقدت مرة أخرى لمدة قرنين. أضف إلى ذلك حقيقة أن جميع ملوك مملكتي إسرائيل ويهوذا الأربعين باستثناء ملك واحد كانوا ضعيفي الصلة بالتوراة بل كانوا من عبدة الأصنام وأتباع الشياطين. ولقد أثبت أن التوراة قد حصل فيها كل أنواع التغيير والتحريف والتبديل وذلك باعتراف علماء اليهود والنصارى، حيث ثبت أن اليهود كانوا بعد التحريف يحرقون النسخ القديمة التي لا تتماشى مع التحريف، لذا فإن أقدم مخطوطة كاملة للتوراة ترجع إلى القرن الحادي عشر الميلادي.
في ضوء مخطوطات البحر الميت التي وجدت في كهوف قمران، يُدعى أنها من القرنين الأول
والثاني الميلاديين، وذلك لأن الرومان دمروا المنطقة في سنة 68م، ثم في سنة 136م تقريباً، فكل ما وجد في الكهوف في تلك المنطقة فهو من ذلك التاريخ أو من قبله، وبما أن بعض المخطوطات الموجودة في تلك الكهوف من العهد القديم، ونصه يتفق تقريباً مع العهد القديم المتداول حالياً، وهذا يثبت حسب زعم علماء الآثار والعهد القديم أن نص التوراة أصبح ثابتاً "أي أنه لم يحدث تحريف أو تبديل في النص" منذ القرن الأول الميلادي. ويرى الأعظمي عكس ذلك، لأنه وجد في ضمن الكهوف أوراقاً باللغة العربية، أحدها مؤرخ سنة سبع وعشرين وثلاثمائة هجرية أي في القرن العاشر الميلادي، وهذا يدل على أن الكهوف لم تكن محكمة بل يستطيع أي فرد دخولها والعبث في محتوياتها.
ثم بعد كل هذا عملت دراسة مقارنة للتوراة والإنجيل، ونقلت اعترافات اليهود والنصارى في تحريف كتبهم التي لم يزل تحريفها مستمراً. في الترجمات الجديدة للإنجيل تم حذف أو تعديل كل ما يسيء إلى اليهود، وقد ذكر الباحثون أنه يوجد في الإنجيل أكثر من مئتي ألف (200.000) اختلاف في القراءة، والكثير من النصوص التي لها صلة بالعقيدة المسيحية مثل التثليث، والرفع إلى السماء والخطيئة الأزلية لا توجد في النسخ القديمة من الإنجيل، علماً بأن أقدم مخطوطة كاملة من الإنجيل باليونانية ترجع إلى القرن العاشر الميلادي.
وفي الكتاب بيان عن دوافع الاستشراق في الكتابة عن القرآن الكريم، ووضحت تماماً أنه لا شأن لليهود والنصارى بأن يكتبوا عن الإسلام والقرآن. ومن المبادئ المهمة التي لم يلتزم بها المسلمون، وخاصة في العصر الحاضر، قول ابن سيرين: "إن هذا العلم دين.. فأنظروا عمن تأخذون دينكم".
نقلاً عن مجلة المجتمع الكويتية
عدد 1629
تاريخ 4/12/2004م
وانظر فيها أيضا:
http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InNewsItemID=152316
The Hisiory of the Quranic Text fromo Revelation to Compilation - A comparative study with the Old and New Testaments.
"تاريخ النص القرآني من بداية النزول إلى جمعه في المصحف دراسة مقارنة مع التوراة والإنجيل".
عدد الصفحات مع المقدمة والفهارس 400 صفحة، وهي تكشف مخططات اليهود والمستشرقين الصليبيين للتشكيك في القرآن الكريم وهي المخططات التي تتواصل دون توقف حقداً على الإسلام وكراهية للقرآن.
يقول المؤلف: الصراع بين الحق والباطل قديم، والعداوة بين الإنسان والشيطان منذ خلق آدم عليه السلام. وعندما أرسل الله سبحانه وتعالى محمداً خاتم النبيين وأنزل عليه كتابه القرآن الكريم وأعلن أن الدين عند الله الإسلام، ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، بدأ الصراع بين الحق والباطل. الباطل تلبَّس وتلون بتغير الزمان والمكان. وأصبحت محاربة القرآن أشد ضراوة وخاصة بعد إنشاء الكيان الصهيوني، وذلك لإيجاد مجتمع ملحد حول هذا الكيان على الأقل، فبدأت تظهر المقالات والكتب لهذا الغرض.
ونظراً لقدسية القرآن، يحافظ المسلمون على الأوراق البالية والممزقة منه، بحفظها في المكان المناسب. وعلى هذا الأساس ففي جامع صنعاء باليمن احتُفظ من القرآن الكريم الآلاف من الأوراق يرجع بعضها إلى القرن الأول. ثم نسيها الناس، حتى تهدمت الغرفة، واكتُشفت الأوراق وقد أصابها الماء والطين والغبار والتآكل. وقد اشتغل فريق من الألمان في تنظيف وترميم تلك الأوراق ومن ثم ترتيبها وتصويرها، ولاحظ بعضهم الاختلاف في بعض المصاحف، خاصة في كتابة الألف في وسط الكلمة.
وعندما نشر الكاتب الصحفي توبي ليستر مقالة في "أتلانتيك منثلي" (يناير 1999م) Atlantic Monthly عنوانها "ما هو القرآن"؟ What is Koran حيث استغل اختلاف الهجاء الخاص بكتابة الألف في بعض المخطوطات اليمنية، وحشد في المقالات عشرات الأسماء لكبار المستشرقين وبعض "المسلمين" أمثال نصر أبوزيد المحكوم عليه بالردة، وكان الهدف منها زعزعة إيمان المسلمين بالقرآن الكريم وحفظه، وبعده عن التصحيف والتحريف، ولذلك أثار المقال قدراً كبيراً من الانفعال المتسم بالغضب عند كل من قرأ المقال من المسلمين ولا سيما في الغرب، وتساءل شباب المسلمين: أين علماؤنا كي يردوا على ادعاءات ليستر المشككة في سلامة النص القرآني؟ كأن المسلمين عاجزون تماماً عن الدفاع عن عصمة القرآن بطريقة علمية منهجية. وقد رد عليه بعض المسلمين في وريقات، رداً بسيطاً خفيفاً.
العداء للإسلام
في ضوء هذه الخلفية التاريخية بدأ د.محمد مصطفى الأعظمي، بحثه عن سلامة النص القرآني، وقارن بين حفظه وحفظ التوراة والإنجيل.
يقول: إن عداوة اليهود والنصارى للقرآن من عهد النبي { حتى الآن، مرت بثلاث مراحل رئيسة ولكل مرحلة سمتها ومتطلباتها.
المرحلة الأولى: من صدر الإسلام إلى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي وكان هدف أهل الكتاب في هذه الفترة هو إقامة سور حاجز حول النصارى واليهود لئلا يتأثروا بالقرآن، فملأوا كتبهم بالأكاذيب والافتراءات على الإسلام والقرآن.
المرحلة الثانية: من منتصف القرن الثامن عشر الميلادي إلى منتصف القرن العشرين، وقد تم استعمار البلاد الإسلامية في هذه الفترة، فأصبح الهدف هو تنصير المسلمين لأن الخوف من تأثير القرآن على المجتمع المسيحي كان قد زال.
المرحلة الثالثة: من منتصف القرن العشرين حتى الآن، وهذه المرحلة تبدأ بإنشاء الكيان الصهيوني.. وبما أنه ثبت لدى الغربيين أنه لا يمكن تنصير البلاد العربية والإسلامية لتصبح دولاً مسيحية، إضافة إلى الكيان الغاصب، كان لابد من إيجاد وسيلة لمحو الكراهية من قلوب المسلمين ضد يهود حتى يتمتع اليهود بالحدود الآمنة، وهذا لا يتحقق إلا بمحو الدين والقضاء عليه.
ولقد بيَّن هذا بكل وضوح شمعون بيريز في مقابلة تلفازية على شبكة PBS الأمريكية بتاريخ 29-3-1996م عندما سأله المذيع ديفيد فروست عن سبب كره الأوروبيين لليهود، فقال: في القرن الماضي "أي القرن التاسع عشر" واجه اليهود هذا السؤال فقالوا: لماذا يكرهنا العالم؟ فانقسموا فرقتين، فرقة تقول: الخطأ فينا، ولذا يجب أن نصحح أنفسنا. وهذه الفرقة هي التي أنشأت دولة "إسرائيل"، وأما الفرقة الأخرى فاعتبرت أن اليهود على صواب والعالم على خطأ، فعليها تصحيح مسيرة العالم. وهذا يتطلب بناء العالم ليصبح عالماً بدون جنسيات، وبدون طبقات، وبدون دين، وبدون إله (الذي ينادي بكراهية الناس). وهؤلاء أصبحوا قادة الشيوعية والاشتراكية.
في ضوء هذه المتطلبات الحديثة في هذه المرحلة بدأت الدراسات الاستشراقية تتعامل مع القرآن بروح عدائية أكثر فمثلاً:
ظهرت مقالة في سنة 1952م للقس ألفريد غيوم، بعنوان "أين كان المسجد الأقصى؟ حيث أثبت القسيس بزعمه أن المسجد الأقصى لا وجود له في القدس، بل هو في الجعرانة "على بعد 20 كم من مكة المكرمة".
تكشف مخططات اليهود والمستشرقين للتشكيك في القرآن الكريم
وأما يهودا نيفو "الإسرائيلي" فله مقالة بأن الكعبة في مكة المكرمة ليست هي الكعبة المذكورة في القرآن، بل الكعبة الأصلية موجودة في صحراء النقب.
وادعى يهودا نيفو أيضاً أن المسلمين لم يخوضوا الحرب مع بيزنطة وأعوانها بالشام، بل سلَّمت بيزنطة المسلمين المنطقة بكاملها تسليماً ودياً، وبذلك حرَّف تاريخ الإسلام والمسلمين.
ظهر كتاب للبروفيسور اليهودي وانسبراؤ من جامعة لندن بعنوان "دراسات قرآنية" وأثبت في زعمه أن القرآن من تأليف المسلمين في القرن الثالث الهجري.
إذن مقالة توبي لستر ليست إلا حلقة في سلسلة حلقات لمحاربة القرآن وليست شيئاً جديداً.
ولمحاربة القرآن اتخذ المستشرقون والمنصرون محاور عدة، ومناهج مختلفة، فقد ينفع منهج مع البعض، وينفع منهج آخر مع البعض الآخر. ومن مناهجهم:
1 اعتبار القرآن نتاج المجتمع الإسلامي وليس كلام الله.
2 إعطاء ترجمة معاني القرآن مكانة الأصل والسماح للناس بقراءة القرآن بلغاتهم ولهجاتهم في الصلاة والتلاوة.
3 "تنظيف" القرآن من 330 آية.
4 عدم الإصرار على أن الإسلام هو الدين الحق الوحيد، فقد يكون الإسلام حقاً لبعض البشر، والمسيحية حق للبعض الآخر.
5 عدم السماح للمسلمين بتفسير القرآن، فهم غير مؤهلين لفهم النصوص القرآنية بسبب الانحياز "كونهم يؤمنون بقدسية القرآن"، والتفسير هو ما يفسره الغربي لكونه غير منحاز.
6 السماح للمسلمين بتفسير القرآن ولكن في ضوء الحقائق النصرانية.
7 إلغاء الفترة المدنية من القرآن والسيرة، والاكتفاء بالفترة المكية، وبهذا يتم التخلص من الشريعة والتركيز على التوحيد فقط، وهذا ما يطالب به خالد دوران "مجهول الهوية" والقسيس كينيث كريج.
وهناك طعون أخرى على شكل أبحاث علمية، منها اختلاف القراءات، ومنها النقص الذي كان في الخط العربي مثل عدم وجود التشكيل في زمن النبي {، والذي سبب اختلاف القراءات والتغيير في المصحف حسب زعمهم.
في هذا الجو بدأت تأليف الكتاب الذي استغرق أربع سنوات من البحث والكتابة، ومن المواضيع المهمة التي نوقشت فيه بالتفصيل ما يلي:
بيَّنت أن الكتابة انتشرت بسرعة حتى إنه كان للنبي { أكثر من ستين كاتباً، وأن الخط العربي أصيل، وكان يستعمل في الجزيرة منذ عدة قرون قبل الإسلام موضحاً بنماذج من كتابات عربية قبل الإسلام، ومن المُسلمات الحديثة التي خالفت فيها رأي علماء التاريخ من المسلمين والمستشرقين في أصل الخط العربي.
فأنا أقول بعكس من يقول: إن الخط العربي تطور من الخط النبطي، لأن الخط النبطي هو نفسه الخط العربي؛ إذ النبط كانوا يتكلمون اللغة العربية، وهم من أولاد إسماعيل عليه السلام الذين نزحوا إلى شمال الجزيرة، وتسمية خطهم الخط النبطي هو من عمل المستشرقين الذين كانوا ولا يزال بعضهم يسمى الإسلام Mohammedanism "المحمدية"، والمسلمين Mohammedan "المحمديين"!.
ذكرت أن الإملاء يتغير بمرور الزمن، ولا يقتصر على لغة دون أخرى، والتغير الذي حدث في اللغة العربية خلال أربعة عشر قرناً لا يكاد يذكر، إذا ما قورن بأي لغة أخرى، وجئت بأمثلة من اللغة الإنجليزية مثل كلمة "الابن" فكانت تكتب sonne والآن تكتب son، وأما كلمة "يحكم" فكانت تكتب iudging بحرف i بدلاً من j، والملاحظ أن الحرف j لم يخترع في أوروبا إلا في القرن السادس أو السابع عشر.
أوضحت أن المنهج الذي اتبعه سيدنا زيد بن ثابت } في جمع القرآن هو أدق منهج علمي يمكن أن يُتَّبع في الأوساط الأكاديمية.
هناك نصوص تدل على أن سيدنا عثمان بن عفان } أمر زيد بن ثابت بجمع القرآن من جديد، ثم قورن هذا بما وجد مكتوباً في بيت أم المؤمنين عائشة ثم بمصحف سيدنا أبي بكر الذي كان مودعاً عند أم المؤمنين حفصة }، ثم أمر عثمان بكتابة المصاحف.
الأصل في القرآن هو التلقي شفاهة، لذلك أرسل عثمان } مع كل مصحف قارئاً.
المناخ الاجتماعي والسياسي كان في وصف القرآن وخاصة بعد هجرة النبي { إلى المدينة المنورة، لأنه كان هناك شعب يؤمن بالقرآن ويتلوه آناء الليل والنهار، وكانت الحكومة حامية للمصحف، وكانت أحكامه مطبقة من عهد النبي {، إضافة إلى وجود الآلاف من المصاحف في القرن الأول الهجري، خلافاً للتوراة حيث فقدت التوراة بعد سيدنا موسى لستة أو سبعة قرون ثم وجدت "صدفة" في المعبد، ثم فقدت مرة أخرى لمدة قرنين. أضف إلى ذلك حقيقة أن جميع ملوك مملكتي إسرائيل ويهوذا الأربعين باستثناء ملك واحد كانوا ضعيفي الصلة بالتوراة بل كانوا من عبدة الأصنام وأتباع الشياطين. ولقد أثبت أن التوراة قد حصل فيها كل أنواع التغيير والتحريف والتبديل وذلك باعتراف علماء اليهود والنصارى، حيث ثبت أن اليهود كانوا بعد التحريف يحرقون النسخ القديمة التي لا تتماشى مع التحريف، لذا فإن أقدم مخطوطة كاملة للتوراة ترجع إلى القرن الحادي عشر الميلادي.
في ضوء مخطوطات البحر الميت التي وجدت في كهوف قمران، يُدعى أنها من القرنين الأول
والثاني الميلاديين، وذلك لأن الرومان دمروا المنطقة في سنة 68م، ثم في سنة 136م تقريباً، فكل ما وجد في الكهوف في تلك المنطقة فهو من ذلك التاريخ أو من قبله، وبما أن بعض المخطوطات الموجودة في تلك الكهوف من العهد القديم، ونصه يتفق تقريباً مع العهد القديم المتداول حالياً، وهذا يثبت حسب زعم علماء الآثار والعهد القديم أن نص التوراة أصبح ثابتاً "أي أنه لم يحدث تحريف أو تبديل في النص" منذ القرن الأول الميلادي. ويرى الأعظمي عكس ذلك، لأنه وجد في ضمن الكهوف أوراقاً باللغة العربية، أحدها مؤرخ سنة سبع وعشرين وثلاثمائة هجرية أي في القرن العاشر الميلادي، وهذا يدل على أن الكهوف لم تكن محكمة بل يستطيع أي فرد دخولها والعبث في محتوياتها.
ثم بعد كل هذا عملت دراسة مقارنة للتوراة والإنجيل، ونقلت اعترافات اليهود والنصارى في تحريف كتبهم التي لم يزل تحريفها مستمراً. في الترجمات الجديدة للإنجيل تم حذف أو تعديل كل ما يسيء إلى اليهود، وقد ذكر الباحثون أنه يوجد في الإنجيل أكثر من مئتي ألف (200.000) اختلاف في القراءة، والكثير من النصوص التي لها صلة بالعقيدة المسيحية مثل التثليث، والرفع إلى السماء والخطيئة الأزلية لا توجد في النسخ القديمة من الإنجيل، علماً بأن أقدم مخطوطة كاملة من الإنجيل باليونانية ترجع إلى القرن العاشر الميلادي.
وفي الكتاب بيان عن دوافع الاستشراق في الكتابة عن القرآن الكريم، ووضحت تماماً أنه لا شأن لليهود والنصارى بأن يكتبوا عن الإسلام والقرآن. ومن المبادئ المهمة التي لم يلتزم بها المسلمون، وخاصة في العصر الحاضر، قول ابن سيرين: "إن هذا العلم دين.. فأنظروا عمن تأخذون دينكم".
نقلاً عن مجلة المجتمع الكويتية
عدد 1629
تاريخ 4/12/2004م
وانظر فيها أيضا:
http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InNewsItemID=152316