أبو فهر السلفي
New member
- إنضم
- 26/12/2005
- المشاركات
- 770
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
بسم1
الحمد لله
هذا عرض مختصر لكتاب : ((رد افتراءات الجابري عن القرآن الكريم)) للمفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة،والذي أصدرته دار السلام بالقاهرة منذ أسابيع قليلة.
وفي مائتي صفحة من القطع الصغير تلتقي هامتان فكريتان كبيرتان لهما أعظم الأثر في الفكر العربي المعاصر،وفي سجال علمي حول الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم = تصطدم موجتان بينهما برزخ عظيم من الاختلاف في الأصول والفروع،ولا شك أن تأمل هذا الاصطدام لا يخلو من متعة فكرية وفائدة علمية.
مقدمة الكتاب
(1) يستلفتك بوضوح الأدب الكبير والاحترام الظاهر من الدكتور محمد عمارة للدكتور الجابري،فقد وصفه بالمفكر الكبير،وبأن مشروعه الفكري أحد أهم المشاريع الفكرية العربية الحديثة،وأثنى على فضيلته الفكرية المتمثلة في عدم اشتغاله بالرد على منتقديه،وترحم عليه مراراً،وأشار إلى أنه لولا بقاء كتب الجابري تطبع = لطوى صفحة هذا النقد احتراماً لجلال الموت،ولكن هذا الاحترام والإجلال لم يمنعه من توصيف أخطاء الجابري وخطاياه (على حد تعبير عمارة) وتسميتها بأسمائها.
(2) لا تستطيع إغفال الأمانة العلمية الكبيرة المتمثلة في كون الدكتور عمارة لم يقنع بكونه ناقش رسالتين علميتين فيهما عرض لمشروع الجابري الفكري،ولم يرض بذلك لما أراد مناقشة موقف الجابري من القرآن بل أصر على الحصول على كتب الجابري والعكوف عليها وعدم الاكتفاء بالمقتطعات والمقتطفات التي قرأها في الرسالتين.
(3) أشار لزيارة الجابري للمملكة وما لقيه من تحرش السلفيين (على حد تعبيره)،وأشار لنص الجابري عن كون أحد أسباب كتابته عن القرآن هو طلب أحد الحداثيين السعوديين.
الفصل الأول : موقف الجابري من التراث
أشار فيه إلى موقف الجابري ومشروعه الفكري الداعي إلى تجاوز التراث ،والذي أسماه الدكتور عمارة : قطيعة مع التراث،منبهاً لخطورة هذه القطيعة وإلى كونها عملاً منكراً لم تتورط فيه الحداثة الغربية نفسها.
ونقل نصوصاً من كلام الجابري تلخص موقفه من التراث والقائم على تدشين سلسلة من القطائع مع التراث وسيلتها احتواؤه وتمثله وتجاوزه بأدوات فكرية معاصرة عمادها فلسفات كانت وفرويد وباشلار وألتوسير وفوكو،بما يحلل بنية التراث تحليلاً معناه القضاء عليها،وتفكيك ثوابتها،ويجعل الدكتور عمارة صراحة الجابري في الإبانة عن موقفه من التراث واللغة والشريعة والعقيدة= فضيلة من فضائله.
الفصل الثاني : الترتيب الجابري للقرآن.
يعتبر الدكتور عمارة ترتيب المصحف توقيفياً،ومن ثم يُنكر على الجابري ما أسماه عمارة بدعة الخروج عن ترتيب اللوح المحفوظ،ويسأل عمارة : هل هذه محاولة لتاريخانية القرآن ،واعتبر ذلك تجديداً للمحاولات الاستشراقية لإصدار نسخة أخرى من القرآن الكريم صدوراً عن مسلمة قبلية مزعومة تقضي ببشرية ترتيب القرآن.
ثم اعتبر عمارة إقرار الجابري بقلة أسباب النزول المنصوصة بالنسبة للآيات = نقضاً للغزل،وإقراراً بوهاء الأساس العلمي لإعادة الترتيب في ظل نقص مادة الترتيب ومحوره التي هي أسباب النزول.
ثم يزيد الجابري في نقض الغزل عندما يقر أن كثيراً من الأسباب المنصوصة هو بالتفسير والربط الاجتهادي من الصحابي أشبه من أن يكون سبباً للنزول بالمعنى العلمي الدقيق.
ثم يزيد في نقض غزله أخرى عندما يقر الجابري بأن كثيراً من مرويات أسباب النزول أخبار آحاد وظنون .
فإذا كان هذا هو الأساس نقصاً ووهاء = فأين المنهجية العلمية الحداثية العقلانية ؟!!
الفصل الثالث : أخطاء لا خطايا.
يفرق الدكتور عمارة بين الأخطاء،والخطايا،ويمكننا أن نقول إن الدكتور عمارة يقصد بالأخطاء ما يُعد نظراً فكرياً يُحاور ويُناقش ،ويقصد بالخطايا السقطات التي لا تعد نظراً فكرياً معتبراً يقبل المباحثة.
وفي هذا الفصل سيناقش أخطاء الجابري في كتابه لا خطاياه ،ويمكنني تلخيص أهم الأخطاء كما سردها الدكتور في النقاط التالية :
(1) تطبيقه منهج الوضعية المنطقية باعتباره الدين منطقة تسليم ولا مجال فيه للبحث المنطقي والبرهان العقلي،ونقد الدكتور هذه الفكرة مبيناً دور العقل في البناء العقدي والتشريعي والأخلاقي للإسلام،ووما يلفت النظر هنا : دفاع الدكتور عمارة عن السلفية وبيانه لاحترامها للعقل ورفضه لتشويه الحداثة لها.
(2) زعم الجابري أن العبادات لا معقولية فيها.
(3) خطأ الجابري في نسبته للحنابلة منع التحسين والتقبيح العقليين،ودفاع عمارة عن الحنابلة وبيانه لمذهبهم المخالف لما ادعاه الجابري ومن الطرائف قول عمارة : ((ويبدو أن الجابري –غفر الله له-قد أخذ صورة الحنابلة من أفواه أصدقائه الحداثيين الذين يخوضون حرباً شرسة ضد المدرسة النجدية)).
(4) خطأ الجابري بإقامته فصاماً متوهماً بين الروح والعقل.
(5) خطأ الجابري بقوله : ((لا يتميز القرآن عن حقيقة التوراة والإنجيل لا بمصدره ولا بمحتواه،وإنما يتميز بكونه نزل بلسان عربي مبين)).
(6) خطأ الجابري بزعمه اتفاق القرآن مع التوراة في قصص الأنبياء وأنه لا يختلف سوى في طريقة العرض.
(7) خطأ الجابري بزعمه أن الإسراء والمعراج كان مناماً.
(8) إنكار الجابري للمصداقية التاريخية للقصص القرآني وموافقته لمحمد أحمد خلف الله،رغم تناقض الجابري وإثباته للتاريخية في موضع آخر.
الفصل الرابع : خطايا لا أخطاء.
يمكن تلخيص أهم خطايا الجابري التي هي سقطات فكرية شنيعة كما يراها عمارة فيما يلي :
(1) إنكار عصمة الأنبياء وزعمه اتفاق أهل السنة والمعتزلة على عدم عصمتهم من الكبائر بضوابط قليلة،وهذه النسبة غير صحيحة مطلقاً ونصوص أهل السنة والمعتزلة تخالف هذا الكلام،وذكر عمارة بعض عبارات الجابري غير اللائقة في حق النبي صلى الله عليه وسلم كوصفه بأنه يحس بالفشل ويكون في حالة نفسية قلقة أحياناً.
(2) كذب الجابري في وصفه بيعة العقبة بأنها عقد حربي تحول به الإسلام إلى دين حربي ،وإيغاله في الكذب حين زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين بدأوا حياتهم بالمدينة بقطع الطريق على قريش لإجبارها على الدخول في الإسلام.
(3) قمة الخطايا بادعاء الجابري أن المصحف الإمام به : (أخطاء-نسيان-تبديل-حذف-نسخ) وتجاوز قمة الكذب والعبث حين قال : إن جميع علماء الإسلام يعترفون بذلك،ويحاكم عمارة الجابري لأبجديات البحث العلمي حتى الغربي،وأن الجابري ضرب بها جميعاً عرض الحائط في دعاويه المرسلة تلك.
هذه هي عبارات الدكتور عمارة بلفظها عن الأخطاء والخطايا وقد رد الدكتور عمارة على الأخطاء والخطايا جميعاً ،وتعمد أن يجمع في رده نصوصاً للأشاعرة والمعتزلة والسلفيين بل وحتى للشيعة،ثم لمدرسة التنوير الإسلامي كالطهطاوي،ثم للمستشرقين،كأنه يريد الدلالة على أن الجابري يخالف بأخطائه وخطاياه أولئك جميعاً ويغرد خارج سرب البحث العلمي والمنهجي.
ورأيي : أن الكتاب وجبة فكرية مركزة،لم تختص بأخطاء الجابري في صلب البحث القرآني ،وكذلك لم تشمل هذه الأخطاء وتعالجها معالجة تتبع جزئياتها،وإنما رضي بالنقض الكلي والدلالة على مواضع الشناعة،والخلل المنهجي،ولاشك أن هذه خطوة جيدة،لكن البحث المتخصص بحاجة إلى دراسات أخرى تتابع النقض الجزئي بأوفى من هذا.
والحمد لله رب العالمين.
الغلاف ونص العرض في المرفقات..