عرض لكتاب رد افتراءات الجابري على القرآن الكريم للدكتور محمد عمارة..

إنضم
26/12/2005
المشاركات
770
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم1

الحمد لله
هذا عرض مختصر لكتاب : ((رد افتراءات الجابري عن القرآن الكريم)) للمفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة،والذي أصدرته دار السلام بالقاهرة منذ أسابيع قليلة.

وفي مائتي صفحة من القطع الصغير تلتقي هامتان فكريتان كبيرتان لهما أعظم الأثر في الفكر العربي المعاصر،وفي سجال علمي حول الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم = تصطدم موجتان بينهما برزخ عظيم من الاختلاف في الأصول والفروع،ولا شك أن تأمل هذا الاصطدام لا يخلو من متعة فكرية وفائدة علمية.

مقدمة الكتاب


(1) يستلفتك بوضوح الأدب الكبير والاحترام الظاهر من الدكتور محمد عمارة للدكتور الجابري،فقد وصفه بالمفكر الكبير،وبأن مشروعه الفكري أحد أهم المشاريع الفكرية العربية الحديثة،وأثنى على فضيلته الفكرية المتمثلة في عدم اشتغاله بالرد على منتقديه،وترحم عليه مراراً،وأشار إلى أنه لولا بقاء كتب الجابري تطبع = لطوى صفحة هذا النقد احتراماً لجلال الموت،ولكن هذا الاحترام والإجلال لم يمنعه من توصيف أخطاء الجابري وخطاياه (على حد تعبير عمارة) وتسميتها بأسمائها.
(2) لا تستطيع إغفال الأمانة العلمية الكبيرة المتمثلة في كون الدكتور عمارة لم يقنع بكونه ناقش رسالتين علميتين فيهما عرض لمشروع الجابري الفكري،ولم يرض بذلك لما أراد مناقشة موقف الجابري من القرآن بل أصر على الحصول على كتب الجابري والعكوف عليها وعدم الاكتفاء بالمقتطعات والمقتطفات التي قرأها في الرسالتين.
(3) أشار لزيارة الجابري للمملكة وما لقيه من تحرش السلفيين (على حد تعبيره)،وأشار لنص الجابري عن كون أحد أسباب كتابته عن القرآن هو طلب أحد الحداثيين السعوديين.

الفصل الأول : موقف الجابري من التراث


أشار فيه إلى موقف الجابري ومشروعه الفكري الداعي إلى تجاوز التراث ،والذي أسماه الدكتور عمارة : قطيعة مع التراث،منبهاً لخطورة هذه القطيعة وإلى كونها عملاً منكراً لم تتورط فيه الحداثة الغربية نفسها.
ونقل نصوصاً من كلام الجابري تلخص موقفه من التراث والقائم على تدشين سلسلة من القطائع مع التراث وسيلتها احتواؤه وتمثله وتجاوزه بأدوات فكرية معاصرة عمادها فلسفات كانت وفرويد وباشلار وألتوسير وفوكو،بما يحلل بنية التراث تحليلاً معناه القضاء عليها،وتفكيك ثوابتها،ويجعل الدكتور عمارة صراحة الجابري في الإبانة عن موقفه من التراث واللغة والشريعة والعقيدة= فضيلة من فضائله.

الفصل الثاني : الترتيب الجابري للقرآن.


يعتبر الدكتور عمارة ترتيب المصحف توقيفياً،ومن ثم يُنكر على الجابري ما أسماه عمارة بدعة الخروج عن ترتيب اللوح المحفوظ،ويسأل عمارة : هل هذه محاولة لتاريخانية القرآن ،واعتبر ذلك تجديداً للمحاولات الاستشراقية لإصدار نسخة أخرى من القرآن الكريم صدوراً عن مسلمة قبلية مزعومة تقضي ببشرية ترتيب القرآن.
ثم اعتبر عمارة إقرار الجابري بقلة أسباب النزول المنصوصة بالنسبة للآيات = نقضاً للغزل،وإقراراً بوهاء الأساس العلمي لإعادة الترتيب في ظل نقص مادة الترتيب ومحوره التي هي أسباب النزول.
ثم يزيد الجابري في نقض الغزل عندما يقر أن كثيراً من الأسباب المنصوصة هو بالتفسير والربط الاجتهادي من الصحابي أشبه من أن يكون سبباً للنزول بالمعنى العلمي الدقيق.

ثم يزيد في نقض غزله أخرى عندما يقر الجابري بأن كثيراً من مرويات أسباب النزول أخبار آحاد وظنون .
فإذا كان هذا هو الأساس نقصاً ووهاء = فأين المنهجية العلمية الحداثية العقلانية ؟!!

الفصل الثالث : أخطاء لا خطايا.


يفرق الدكتور عمارة بين الأخطاء،والخطايا،ويمكننا أن نقول إن الدكتور عمارة يقصد بالأخطاء ما يُعد نظراً فكرياً يُحاور ويُناقش ،ويقصد بالخطايا السقطات التي لا تعد نظراً فكرياً معتبراً يقبل المباحثة.
وفي هذا الفصل سيناقش أخطاء الجابري في كتابه لا خطاياه ،ويمكنني تلخيص أهم الأخطاء كما سردها الدكتور في النقاط التالية :
(1) تطبيقه منهج الوضعية المنطقية باعتباره الدين منطقة تسليم ولا مجال فيه للبحث المنطقي والبرهان العقلي،ونقد الدكتور هذه الفكرة مبيناً دور العقل في البناء العقدي والتشريعي والأخلاقي للإسلام،ووما يلفت النظر هنا : دفاع الدكتور عمارة عن السلفية وبيانه لاحترامها للعقل ورفضه لتشويه الحداثة لها.
(2) زعم الجابري أن العبادات لا معقولية فيها.
(3) خطأ الجابري في نسبته للحنابلة منع التحسين والتقبيح العقليين،ودفاع عمارة عن الحنابلة وبيانه لمذهبهم المخالف لما ادعاه الجابري ومن الطرائف قول عمارة : ((ويبدو أن الجابري غفر الله له-قد أخذ صورة الحنابلة من أفواه أصدقائه الحداثيين الذين يخوضون حرباً شرسة ضد المدرسة النجدية)).
(4) خطأ الجابري بإقامته فصاماً متوهماً بين الروح والعقل.
(5) خطأ الجابري بقوله : ((لا يتميز القرآن عن حقيقة التوراة والإنجيل لا بمصدره ولا بمحتواه،وإنما يتميز بكونه نزل بلسان عربي مبين)).
(6) خطأ الجابري بزعمه اتفاق القرآن مع التوراة في قصص الأنبياء وأنه لا يختلف سوى في طريقة العرض.
(7) خطأ الجابري بزعمه أن الإسراء والمعراج كان مناماً.
(8) إنكار الجابري للمصداقية التاريخية للقصص القرآني وموافقته لمحمد أحمد خلف الله،رغم تناقض الجابري وإثباته للتاريخية في موضع آخر.

الفصل الرابع : خطايا لا أخطاء.


يمكن تلخيص أهم خطايا الجابري التي هي سقطات فكرية شنيعة كما يراها عمارة فيما يلي :

(1) إنكار عصمة الأنبياء وزعمه اتفاق أهل السنة والمعتزلة على عدم عصمتهم من الكبائر بضوابط قليلة،وهذه النسبة غير صحيحة مطلقاً ونصوص أهل السنة والمعتزلة تخالف هذا الكلام،وذكر عمارة بعض عبارات الجابري غير اللائقة في حق النبي صلى الله عليه وسلم كوصفه بأنه يحس بالفشل ويكون في حالة نفسية قلقة أحياناً.
(2) كذب الجابري في وصفه بيعة العقبة بأنها عقد حربي تحول به الإسلام إلى دين حربي ،وإيغاله في الكذب حين زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين بدأوا حياتهم بالمدينة بقطع الطريق على قريش لإجبارها على الدخول في الإسلام.
(3) قمة الخطايا بادعاء الجابري أن المصحف الإمام به : (أخطاء-نسيان-تبديل-حذف-نسخ) وتجاوز قمة الكذب والعبث حين قال : إن جميع علماء الإسلام يعترفون بذلك،ويحاكم عمارة الجابري لأبجديات البحث العلمي حتى الغربي،وأن الجابري ضرب بها جميعاً عرض الحائط في دعاويه المرسلة تلك.

هذه هي عبارات الدكتور عمارة بلفظها عن الأخطاء والخطايا وقد رد الدكتور عمارة على الأخطاء والخطايا جميعاً ،وتعمد أن يجمع في رده نصوصاً للأشاعرة والمعتزلة والسلفيين بل وحتى للشيعة،ثم لمدرسة التنوير الإسلامي كالطهطاوي،ثم للمستشرقين،كأنه يريد الدلالة على أن الجابري يخالف بأخطائه وخطاياه أولئك جميعاً ويغرد خارج سرب البحث العلمي والمنهجي.

ورأيي : أن الكتاب وجبة فكرية مركزة،لم تختص بأخطاء الجابري في صلب البحث القرآني ،وكذلك لم تشمل هذه الأخطاء وتعالجها معالجة تتبع جزئياتها،وإنما رضي بالنقض الكلي والدلالة على مواضع الشناعة،والخلل المنهجي،ولاشك أن هذه خطوة جيدة،لكن البحث المتخصص بحاجة إلى دراسات أخرى تتابع النقض الجزئي بأوفى من هذا.

والحمد لله رب العالمين.

الغلاف ونص العرض في المرفقات..
 
جزاكم الله على هذا العرض والتوضيح والبيان عن هذا الكتاب والمؤلف بارك الله بجهودكم ووفقكم لمافيه خير للإسلام والمسلمين..بورك بكم وسددكم...
 
الشيخ ابو فهر جزاك الله كل خير وبارك فيك على هذه النبذة الطيبة عن الكتاب
وبارك الله في الدكتور محمد عمارة وجزاه الله كل خير على دفاعه عن كتاب الله
 
هذا جزاء من خاض في ما لا قبل له به.
فلم يكن الأستاذ الجابري ونسأل الله له الرحمة مؤهلا للكتابة في علوم القرآن والتفسير
ولكن حداه إلى ذلك شيئان. أحدهما نجاحه في تحليل إشكاليات التراث والفكر العربي
المعاصر نجاحا منقطع النظير، وما كان "يراه" من عقم الدراسات المجددة في علوم القرآن
أيضا.
وكون المرء ناجحا في تجديد الفكر الفلسفي [في الجامعات العربية]والكلامي والتفكير في أصول الفقه ولا سيما
تحليل بنية القياس لأنه مشابه للمنطق الأرسطوي وهو علم فلسفي، لا يعني بالضرورة أن ينجح
في علوم القرآن والتفسير.
لقد كان فشل الجابري رحمه الله في حقل علوم القرآن والتفسير ذريعا، والسبب أنه حقل يعتمد
الجزئيات اللغوية ويتأسس عليها، وبضاعة الجابري فيها مزجاة، كشف عن ضعفه فيها ضعفا لا يُغتفر
حين ولج هذا الحقل من الدراسات.
والسبب الثاني بيان أثر المرض في الجابري في العقد الأخير من عمره فلم ينتج دراسة واحدة يكتب
لها الخلود في هذه الفترة كما فعل في العقود الثلاثة السابقة لأن فترة إنتاج الجابري استمرت أربعين
سنة.

ولا بد من التنويه أن الدكتور عمارة قد ظلم منهج الجابري من التراث الذي بينه في مقدمة "نحن والتراث
-قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي" وأصدر عمارة حكما يمكن أن يقال فيه ما قاله محمد فؤاد نجم في
طه حسين بأن كثيرا من احكامه "تعميمات سطحية جارفة"، وأرجو أن لا يسوءه حكمي على حكمه ومقامه محفوظ ومكانته محترمة.
الدكتور عمارة كشف عن أنه لم يفهم منهج الجابري في قراءة التراث ولذلك ظلمه ولا غرو.

وأنا لست نظير الدكتور عمارة ولا ندا له ولكني أجزم بخطئه في نقد منهج الجابري في قراءة التراث
لأنه "إنجاز حقيقي للأمة لا يمكن تجاهله".
وقد تستمر انتقادات الدارسين العرب للجابري في منهجه في نقد التراث عقدا من السنين
-وهو قد كشف عن مقاتله حين ولج علوم القرآن بدراسات بادية العوار تجعل لكل عاطفي
وتقليدي حجة أمام الناس وجرأة على نقده- قد تستمر انتقادات الناس غير العلمية لكتابات الجابري
عقدا او حتى عقدين من الزمان ولكني أجزم أن ما قدمه في دراسة التراث الفكري عمل خالد غير ممكن
التجاهل. وأن مستقبل الدراسات المثمرة يجب أن تمر من خلال الجابري تصحيحا وتقويما وبناءً.
لا يمكنني في مرحلة الوعي التي انا عليها الآن أن أقتنع بغير ذلك أو أرى له وجهاً.
ونحن صائمون والدين النصيحة لله ولكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم، وأعتذر ممن له رأي
مخالف ولكني ملزم شرعا بقول ما أعتقد جازما أنه الحق. لا يجوز قياس كتب الجابري في صميم
تخصصه الفلسفي على كتبه الواهية في علوم القرآن. هذا ظلم وتجن وفاعله هو الخاسر ولا ريب
لأن الرجل أفضى إلى ما قدم ونحن الأحياء بحاجة إلى تحليلاته في الفلسفة وأصول الفقه وبعض
مسائل علم الكلام

*كتب الجابري التي لا يمكن تجاهلها أو الاستغناء عنها من وجهة نظري هي:
- نحن والتراث قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي
-تكوين العقل العربي
-بنية العقل العربي
وله كثير من الدراسات النافعة كالتراث والحداثة، والخطاب العربي المعاصر،
وغيرها ولكنا نتكلم هنا عن زبدة الجابري.رحمه الله


*ختاما أشكر الأستاذ أبو فهر السلفي على تلخيصه لكتاب الأستاذ محمد عمارة وأرجو أن يقتدي
به الإخوة الفضلاء بكتابة تلخيص للكتاب الذي يعلنون عنه، أو على الأقل طباعة محتوياته ليعلم
القراء مضمونه فإن استثار فضولهم المعرفي قاموا بتنزيله وإن لم يجتذب اهتمامهم استغنوا بقراءة
وصفه أو قائمة محتوياته.
وتقبل الله طاعاتكم
 
الأخ الكريم د. عبدالرحمن الصالح
أجد نفسي مضطراً للبوح لك بشيء، وهو أني رغم اختلافي معك في رفع شأن الجابري في أوائل ما كتب حين نشاطه الفلسفي والفكري، إلا أني احترم شخصك الكريم بل وأقف احتراماً للإنسان المنصف مثلك _ ولا سيما في مثل هذه الأزمان _ فإن مكانة الجابري لديك قد بلغت الذروة في تبجيله، ولم يمنعك هذا من نقده صراحة في كتابته في علوم القرآن والتفسير _ وإن كان نقدك الشديد لكتاباته في مجال محدد محصور هو يدفع بقوة في الاتجاه الآخر بالتأكيد صراحة على أهمية وضرورة كتب الجابري الأخرى _ كما أني أشكرك على سماحة تعاملك مع من خالفك وتفهمك لوجهات النظر التي تخالفك وتقديرك لأصحابها.

وإني وأنا أسجل هذا لك ولباقي القراء الكرام _ ولم أجعل كلامي في رسالة خاصة _ أريد تأكيد ما نسعى إليه في ملتقى أهل التفسير وهو أن نبقى إخوة نحترم بعضنا في نقاشاتنا وخلافاتنا العلمية طالما أننا قد اجتمعنا تحت مظلة أهل السنة والجماعة، فنحن نختلف ولكن بحِلْم وعِلْم. والله الموفق،،
 
بارك الله فيكم جميعاً .
أتوقع أن العرض السابق منقول من قبل الأخ أبي فهر وليس من كتابته فأسلوبه فيما يبدو لي مختلف ، وهو مشكور على كل حال .

وهذه الحلقة الثالثة والأخيرة من رد د. محمد عمارة على الجابري الممنشورة في مجلة المجتمع .

رد افتراءات «الجابري» على القرآن الكريم (أخيرة)
مشروعه «البدعة» لترتيب كتاب الله

د.محمد عمارة

لقد اختار «الجابري» لكتابه، الذي عرّف فيه بالقرآن الكريم، ذات العنوان الذي سبق واتخذه المستشرق الفرنسي «بلاشير» (1900 - 1973م) لكتابه عن القرآن بعنوان:


«مدخل إلى القرآن»!.. وأعلن «الجابري» في مشروعه عن القرآن - تعريفاً وتفسيراً - أنه قد اختار إعادة ترتيب سور القرآن الكريم وفق أسباب النزول ومسار الدعوة المحمدية، ليكون هذا الترتيب الجديد، والتفسير الجديد، أقدر على مواكبة مسيرة الدعوة المحمدية والتأريخ لها. ومن حق الباحث في القرآن الكريم أن يسأل: لماذا العدول عن الترتيب الإلهي للقرآن، الذي نزل به جبريل على الرسول [، أثناء المراجعات التي تمت بين جبريل والرسول [ في السنوات الأخيرة من حياة المصطفى [، وهي المراجعات التي وردت أحاديثها في الصحاح، والتي أوردها «الجابري» في كتابه عدة مرات؟!


لماذا العدول عن هذا الترتيب الإلهي للوحي القرآني - ترتيبه في اللوح المحفوظ - الذي أكدته مراجعات جبريل (الذي نزل بالوحي) مع الرسول [ (الذي تلقى الوحي)، والذي جُمع القرآن وفقاً له في حياة النبي [، وهو الترتيب الذي سار عليه الصحابة الذين كتبوا الوحي وحفظوه وجمعوا صحائفه، ثم دونوه وأذاعوه في الأمصار.. وهو أيضاً نفس الترتيب الذي سارت عليه الأمة بشعوبها وقبائلها وأقطارها وعلمائها ومذاهبها عبر الزمان والمكان؟! يقول «الجابري»:


«إن الهدف عندنا من «الترتيب حسب النزول» هو التعرف على المسار التكويني للنص القرآني باعتماد مطابقته مع مسار الدعوة المحمدية»(1). وهنا، من حق الباحث أن يسأل: هل القرآن كتاب تأريخ لمسار الدعوة المحمدية؟! أم أنه كتاب هداية للدين والدنيا والآخرة.. للفرد والأمم والشعوب، عبر الزمان والمكان؟! وهل مسار الدعوة المحمدية إلا مجرد «مفردة» من مفردات هذا القرآن الكريم؟ والترتيب «الجابري» للقرآن كي يكون تأريخاً لمسار الدعوة المحمدية، ألا يفضي إلى ربطه بهذا التأريخ، ومن ثم يفتح باب «التاريخية والتاريخانية» التي تحيل القرآن الكريم إلى «الاستيداع»، بعد أن طوى التاريخ صفحات الأحداث التي مثلت مسار الدعوة الإسلامية، والتي حدثت قبل نحو خمسة عشر قرناً؟!





إن المستشرق الإنجليزي «مونتجمري وات» (1909 - 2006م)، وهو قسيس أنجيلكاني ابن قسيس، قد كتب بعد أكثر من ثلث قرن في دراسة العربية والقرآن والإسلام.. يقول: «إن هذا الترتيب القائم الآن في المصحف العثماني هو الترتيب الإلهي الذي انتهى إليه الوحي مع رسول الإسلام، وليس ترتيباً بشرياً من الصحابة حتى تصح إعادة النظر فيه.. وإذا لم يكن محمد هذا الذي رتب القرآن بناء على وحي نزل عليه، فمن الصعب أن نتصور أن يقوم بهذا العمل زيد بن ثابت، أو أي مسلم آخر..»(2).


ولقد حسم القرآن الكريم ذاته أمر هذا الترتيب، فالله - سبحانه وتعالى - قد أنزله منجماً؛ ليثبت به فؤاد رسوله [ في مواجهة التحديات الشرسة التي واجهت الدعوة الإسلامية: ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا 32(الفرقان).


ثم تم الجمع الإلهي لهذا القرآن: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ 17فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 18ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ 19 (القيامة). ولقد راجع جبريل - عليه السلام - مع الرسول [ هذا الجمع وهذا الترتيب، ليس وفق التنجيم الذي نزل عليه القرآن، وإنما وفق صورته المستقرة في اللوح المحفوظ: ( بّلً هٍوّ قٍرًآنِ مَّجٌيدِ 21 فٌي لّوًحُ مَّحًفٍوظُ 22 ) (البروج).


فهذا الترتيب الذي راجعه جبريل - عليه السلام - مع الرسول [ هو الترتيب الإلهي للقرآن الكريم، وهو الذي صارت عليه الأمة منذ تدوين القرآن، وجمعه على عهد النبي [.. حتى «د. محمد عابد الجابري»، الذي ابتدع ترتيبه الجديد للقرآن، وفق «أسباب النزول ومسار الدعوة المحمدية».. أي أن «الجابري» قد ارتد بالقرآن عن ترتيبه في اللوح المحفوظ، الذي راجعه جبريل مع الرسول [، والذي دُوِّن وفقه وجُمع على أساسه في السنوات الأخيرة من حياة الرسول [.. ارتد «الجابري» بترتيب القرآن عن هذا الترتيب «الأصلي» و«النهائي» إلى حيث رتبه - كما يقول - وفق «التنجيم» الذي حاول البعض - ومنهم «الجابري» - ربطه بأسباب النزول!



مشروع بدعي وقد يقول قائل: وماذا على الجابري أن «يجتهد»، وأن ينجح فيما أخفق فيه المستشرقون؟ فقد تكون للرجل «حجج ومبررات» لم يصل إليها هؤلاء المستشرقون.. ثم إن الرجل لا يدعو إلى إلغاء الترتيب القائم في «المصحف الإمام» الذي اجتمعت عليه الأمة، وإنما دعواه أن تفسير القرآن أو «تفهيمه» وفق مصطلحه إنما يكون أوفق وأوضح إذ تم وفق ترتيبه حسب أسباب النزول، ولذلك سمَّي الرجل تفسيره: «فهم القرآن: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول».



ومع «الوجاهة الشكلية» لهذا التساؤل، فإننا نقول، وهذا مهم جداً: إن «الجابري» نفسه - الذي ابتدع هذه البدعة، فأعاد ترتيب القرآن وتفسيره وفق أسباب النزول - قد اعترف بأن هذا «الأساس» - الترتيب وفق النزول - الذي بنى عليه مشروعه، والذي دفعه إلى «بدعته»، هو أوهى من بيت العنكبوت! فبعد أن خدع «الجابري» نفسه، وحاول خداع قرائه بقوله: «لقد كان طبيعياً لكل من يريد فهم القرآن أو استنباط أحكام منه تخطي المستجدات، أن يشعر بالحاجة إلى معرفة ما اصطُلح عليه «بأسباب النزول» الأمر الذي يقتضي ترتيب السور حسب نزولها»(3).



وبعد أن جازف «الجابري»، فأعلن أن لكل آية في القرآن سبباً لنزولها، ومن ثم فمن المشروع إعادة ترتيب القرآن كله وفق أسباب النزول.. وقال: «... ولا نجافي الصواب إذا قلنا مع بعض القدماء (ولم يقل لنا من هم هؤلاء القدماء!): إنه ما من آية في القرآن إلا ومن ورائها سبب لنزولها...»(4).


بعد أن جازف «الجابري» هذه المجازفات، عاد فأفاض في الحديث عن أن هذا «الأساس» الذي بنى عليه «مشروعه - البدعة» هو - كما قلنا - أوهى من بيت العنكبوت!


فبعد أن قطع مع القدماء - الذين لم يذكر لنا اسماً واحداً منهم - أن لكل آية من آيات القرآن الكريم سبباً لنزولها، عاد ليقول: «... وقول بعضهم: «إنه ما من آية في القرآن إلا ولها سبب لنزولها».


إن عنصر المبالغة في هذه العبارة واضح! ذلك لأن ما هو متداول من «أسباب النزول» قليل جداً بالنسبة لآي الذكر الحكيم»!(5). لقد نقض الرجل قوله(6)، وأقر بأن الآيات التي لها سبب نزول هي «قليلة جداً» بالنسبة لمجموع آيات القرآن.. الأمر الذي يدعو للتساؤل: كيف يتم تفسير كل القرآن وفق أسباب النزول، بينما الآيات التي لها أسباب نزول «قليلة جداً» بالنسبة لمجموع آيات القرآن الكريم؟! أي: كيف «أقام الجابري» «مشروعه - البدعة» على إعادة ترتيب كل القرآن وفق أسباب النزول، التي لا وجود لها بالنسبة للأغلبية الساحقة من آيات القرآن الكريم؟!


أسباب نادرة إن مصادر علوم القرآن التي اشتُهرت في تراثنا الإسلامي، والتي رجع إليها «الجابري» تقول بندرة الآيات القرآنية التي لها سبب نزول. وإذا كان «السيوطي» (849 - 911هـ / 1445 - 1505م)، و«الواحدي» (168هـ - 1076م) قد اعتُمدا كأشهر مَنْ صنَّف في أسباب النزول، فإن الآيات التي لها سبب نزول عند «الواحدي» - الذي كان يدقق في الروايات إلى حد ما - هي 472 آية، من مجموع آيات القرآن البالغة 6236 آية، أي نسبة 7.5% من آيات القرآن الكريم!(7).



وعند «السيوطي» - الذي كان يتساهل في قبول الروايات - يصل عدد الآيات التي لها سبب نزول إلى 888 آية، أي نحو 14% من آيات القرآن الكريم!(8).


فهل يصح لمفكر في قامة «الجابري» أن يقيم مشروعه الضخم على هذا «السبب النادر» لنزول «النادر» من آيات القرآن الكريم؟! وحتى هذه الآيات النادرة، التي رُويت في نزولها «أسباب» - يسميها العلماء «مناسبات» لا «أسباباً» - فإن الروايات التي تحدثت عن هذه الأسباب أو أغلبها، لا تزيد في الثقة والقوة عن خيوط العنكبوت! والغريب والعجيب أن «الجابري» الذي أعاد ترتيب كل القرآن وفق أسباب النزول يعود فيقول: «إن كثيراً من الروايات التي تتحدث عن أسباب النزول تشي هي نفسها بما يطعن في صدقها، وأنها إنما حيكت من أجل «تفسير» لفظ أو عبارة(9).. وإن ما يُروى كأسباب نزول هو في الغالب اجتهادات الهدف من روايتها ربط آية أو آيات بحوادث سبقت أو تأخرت عن نزول الآية(10).. ولقد أكدنا مراراً أن روايات أسباب النزول هي في الغالب نتيجة لبحث الرواة عن سبب مناسب للآية(11).. ولذلك كان لا بد من التعامل بحذر مع «أسباب النزول به..»(12).


وعند تفسير «الجابري» لسورة «الحجر»، في سياق «ترتيبه - البدعة» وفق أسباب النزول.. يقول عن أسباب نزول آيات هذه السورة: «لقد وردت عدة أخبار عن «سبب نزول» آيات من هذه السورة تكاد تكون كلها مصطنعة»(13). ومع ذلك مضى الرجل ففسر هذه السورة، كغيرها من كل سور القرآن الكريم، وفق هذه «الروايات المصطنعة»!


وكذلك كان الحال مع تفسيره لسورة «فصلت»، التي قال عن روايات أسباب نزولها: «وما ورد في بعضها من «أسباب نزول» لا يعدو أن يكون عبارة عن التماس وقائع وأحداث «تصلح» أن تعتبر «أسباب نزول»، أي أدوات للشرح والإيضاح، والغالب ما يخلطون فيها بين المكي والمدني من النوازل..»(14).


ثم يمضي «الجابري» في العديد من صفحات مشروعه، الذي بناه على ترتيب كل القرآن وفق أسباب النزول، فيقول: «إن معظم الآيات التي يقال عنها: إنها نزلت بسبب «كذا»، لا شيء يثبت أنها نزلت فعلاً بسبب ذلك، فلم يكن هناك تسجيل بهذا المعنى، بل كل ما هناك هو أن المهتمين بتفسير القرآن في مراحل لاحقة، كانوا يسألون الصحابة أو التابعين عن النوازل التي يمكن أن تكون لها علاقة بهذه الآية أو تلك، وهكذا فقولهم: إن الآية الفلانية «نزلت بسبب كذا» لا يعني بالضرورة أن الأمر كذلك بالفعل، كل ما هناك أن الآية قد تجد ما يعين على فهمها في هذه الحادثة أو تلك(15).. إن أسباب النزول، كما هي مدونة في التفاسير أو في الكتب الخاصة بها أو في كتب «علوم القرآن»، تحمل الباحث الناقد على الشك في مصداقية كثير منها(16).. وإن من مكامن الطعن في زوايا «أسباب النزول»: ضعف وسهولة الوضع، والزيادة والنقصان، والاهتمام بالغريب العجيب، وانتزاع آيات أو أجزاء منها من السياق الذي يعطيها معنى والإطار العام الذي تتدرج تحته..»(17).



ثم يصل الجابري إلى القطع بأن: «أسباب النزول هي في نهاية الأمر روايات آحاد، وأكثرها ظنون وتخمينات»!(18).


هكذا نقض «الجابري» غزله، وحكم على أن الأساس الذي أقام عليه «مشروعه - البدعة» لا يعدو أن يكون ضرباً من «الظنون والتخمينات» عن أسباب نزول ما ندر من آيات القرآن الكريم!>





الهوامش (1) الجابري: «مدخل إلى القرآن الكريم، ص 245. (2) «مونتجمري وات» «الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر»، ص 179، ترجمة: د. عبدالرحمن عبدالله الشيخ، طبعة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2004م. (3) الجابري: «في التعريف بالقرآن»، ص 420. (4) المرجع السابق، ص 430. (5) الجابري: «فهم القرآن»، القسم الثالث، ص370، بيروت، 2008م. (6) يلاحظ القارئ لكتاب «الجابري» الكم الهائل من التناقضات، التي تقطع بأن الرجل كان «حاطب ليل» في جمع مادة هذا الكتاب من على الشبكة الدولية للمعلومات، وقد ألجأته السرعة في إخراج كتابه هذا إلى عدم التمحيص والتدقيق.. وسيرى قارئ دراستنا هذه نماذج عديدة وغريبة من هذه التناقضات. (7) الواحدي: «أسباب النزول»، طبعة الحلبي، القاهرة، 1968م. (8) السيوطي: «أسباب النزول»، طبعة دار التحرير، القاهرة، 1984م. وانظر كتابنا «سقوط الغلو العلماني»، ص(254 - 262)، دار الشروق، القاهرة، 2002م. (9) «تفهيم القرآن»، القسم الأول، ص 365. (10) المرجع السابق، ص 341. (11) المرجع السابق، ص 353. (12) المرجع السابق، ص 354. (13) «تفهيم القرآن»، القسم الثاني، ص31، بيروت، 2008م. (14) المرجع السابق، ص 110. (15) المرجع السابق، ص 283. (16) «تفهيم القرآن»، القسم الثالث، ص 371. (17) المرجع السابق، ص 379. (18) المرجع السابق، ص 109

المصدر : المجتمع
 
لم أقرأ كتاب الدكتور عمارة عن الجابري، اللهم الا مااطلعتمونا عليه منه ، مما أورده الشيخ )ابو فهر السلفي)والدكتور عبد الرحمن الشهري جزاهما الله خيرا، لكن لي تعليق وهو:
أن الدكتور عمارة في رده على المستشار العشماوي في كتابه سقوط الغلو العلماني كان واضحا بدء من عنوان الكتاب الى نهايته، وقد ذكر في المقدمة ان يهود (والدوائر الغربية)فرحوا وهللوا لكتاباته ونصحوا بها، كما عرض موقف العشماوي من القرآن والنبي والسيرة والصحابة وكان العشماوي قد قدح في القرآن وتنقصه ورماه بأنه يحمل أخطاء لغوية وقدح في النبي وفي الصحابة وافرد الدكتور عمارة لكل موضوع بابا فريدا في الكشف والرد وهو كتاب من اهم كتب عمارة الأخيرة.
اما رده على نصر حامد ابو زيد في كتابه التفسير الماركسي للإسلام فقد كان الدكتور عمارة واضحا ايضا (لاحظ العنوان ايضا)ومطلعا على كتابات نصر ابو زيد وخلفيتها الماركسية ومابعد الماركسية ولذلك واجهه من البداية بصورة مباشرة وقال له انك ماركسي تقوم بتحليل القرآن بأدوات مادية ماركسية وقدم الأدلة على ذلك الا انه كعادته قال ان مقصد الكتاب ليس التكفير ولكن البيان والنقد!
كما قلت فانا لم اطلع على كتاب الدكتور عمارة في الرد على الجابري ولكن لي سؤال وهو هل بين الدكتور عمارة خلفية الجابري العلمانية وهل اطلع على كتاباته ومنهجه ودوافعه التي اعلن عنها ؟
في التلخيص الذي قدمه اخي (ابو فهر السلفي) اشار الى امر احتاج الى الاطلاع على تفصيله من كتاب عمارة نفسه وهو
أشار فيه إلى موقف الجابري ومشروعه الفكري الداعي إلى تجاوز التراث ،والذي أسماه الدكتور عمارة : قطيعة مع التراث،منبهاً لخطورة هذه القطيعة وإلى كونها عملاً منكراً لم تتورط فيه الحداثة الغربية نفسها.
ونقل نصوصاً من كلام الجابري تلخص موقفه من التراث والقائم على تدشين سلسلة من القطائع مع التراث وسيلتها احتواؤه وتمثله وتجاوزه بأدوات فكرية معاصرة عمادها فلسفات كانت وفرويد وباشلار وألتوسير وفوكو،بما يحلل بنية التراث تحليلاً معناه القضاء عليها،وتفكيك ثوابتها،ويجعل الدكتور عمارة صراحة الجابري في الإبانة عن موقفه من التراث واللغة والشريعة والعقيدة= فضيلة من فضائله.
واظن ان هذه هي اهم نقطة يجب ابرازها في موقف الجابري من التراث ....لايعني ذلك اغفال النقد العلمي لموقف الجابري من مسائل اسلامية مثل مسألة اسباب النزول وغيرها من المسائل التي قد يخطي فيها واحد من المسلمين او يصيب
ايضا مع كشف الدكتور عمارة لخلفية نصر ابو زيد الماركسية وبيان شهرته في انه منظر للماركسية الا انه رد عليه في اخطاءه التاريخية واخطاءه عن مسائل قرآنية كموضوع الأحرف السبعة على سبيل المثال(انظر في 88-90) وموقفه من الأئمة كالأمام الشافعي رحمه الله والإمام الغزالي(القديم)وغيرهما من الأئمة
بيد ان الأمر الأهم في هذا النقد العلمي(أو المطلوب او المطلب الأهم) هو الربط بين نظرة هؤلاء الى التراث وكشف استخدامهم لنظريات مادية في تناوله نقدا او تفسيرا وتحليلا وبين كلامهم عن الأئمة او مسائل كأسباب النزول او الأحرف السبعة ولايخفى على احد من عقلاء الأمة أن نظر عالم من علماء الأمة في تناول مسائل اسباب النزول او الأحرف السبعة او الكلام عن الأئمة هو غير نظر وهدف وغاية العلمانيين في ذلك.
وعلى ذلك فيجب كشف السر الخفي الذي جعل العلماني يخوض في هذه المسائل وابرازه حتى لايذهب الظن بأحد انهم يخوضون في امور الإسلام كما يخوض فيها الفقهاء والعلماء واهل التفسير!
وجزاكم الله خيرا وبارك فيكم
 
جزاكم الله خيراً من خلال قراءاتي بين السطور للعلمانيين وجدت ما يلي وانا اطرح هذه القضية هنا ليتم تأكيدها او نفيها .الحداثيون العرب من أمثال الجابري وغيره يستخدمون مصطلح أسباب النزول بغير ما اصطلح عليه علماء الأمة ويعنون به السياق التاريخي لنزول القرآن وعليه فكلام الجابري بالنسبة لمصطلحه صحيح«... ولا نجافي الصواب إذا قلنا مع بعض القدماء (ولم يقل لنا من هم هؤلاء القدماء!): إنه ما من آية في القرآن إلا ومن ورائها سبب لنزولها...».فكل آية عند الجابري لها سياق تاريخي ،والحداثيون يعرفون أسباب النزول :بأنها السياق التاريخي لنزول القرآن ويضيفون عليه التحليل النفسي والاجتماعي للسياق التاريخي الذي نزل فيه القرآن ؛وهذا يجعل سبب النزول عن الحداثيين خاضعاً لرؤية من يقوم بهذا التحليل .وإذا تم ترتيب القرآن حسب نزوله واعتمدنا في تفسيره على أسباب النزول حسب اصطلاح الحداثيين أصبح كل شيء مغرقاً في النسبية ولم يعد لكتاب الله معنى ثابت.
 
أتوقع أن العرض السابق منقول من قبل الأخ أبي فهر وليس من كتابته فأسلوبه فيما يبدو لي مختلف ، وهو مشكور على كل حال

بل هو كلامي يا سيدنا..
 
بل هو كلامي يا سيدنا..

بس دا مش خطك يا مولانا
لا زلت موفقا، عرض جميل:
عندي سؤال:
هل تري أن الدكتور / عمارة حشد أقوال (( السلفيين، والأشاعرة، والمعتزلة .......)) لبيان خطأ الجابري، علي جميع هؤلاء، أم أن هذا يتمشي مع أفكار د/ عمارة، حول الأخذ بالمنهج العقلي ؟ .
 
-*احببت ان اضيف تعليق على التعليق وذلك فيما يخص كشف الدكتور عمارة لماركسية نصر ابو زيد وتعامله مع القرآن بالمادية الجدلية. وهذه الاخيرة تكلم عنها الدكتور من ص 44 من التفسير الماركسي للاسلام.
لقد اقتصر الدكتور عمارة في نقده على نصر ابو زيد على كشف البنية التأسيسية الأولى لفكر نصر ابو زيد وهي البنية الماركسية والمادية الجدلية، اما المذاهب الأخرى التي استعملها نصر ابو زيد في تأويل بعض نصوص القرآن-لم يخوص في كل النصوص- فلم يتطرق اليها الدكتور عمارة مع انها هي التي تشكل منهجه في التعامل مع النصوص القرآنية، ومنها الهرمنيوطيقا التي عرض نصر ابو زيد طرائقها ومنهجية فلاسفتها بصورة مختصرة في مقدمة كتابه اشكاليات القراءة وآليات التأويل وكنت قد تكلمت عن هذه المنهجية في اقطاب العلمانية ج1، وصحيح أن نصر ابو زيد لم يخرج في تفسيره عن روح المنهجية المادية الا انه تجاوز التصور الماركسي او المادية الجدلية وانطلق الى رؤى أخرى حلل بها النصوص القرآنية التي تطرق اليها في كتابه مفهوم النص وكتابه النص السلطة الحقيقة
فموقف نصر ابو زيد من ان المفسر مثلا هو الذي يحدد المعنى بحسب افقه المعاصر (أيا كان هذا الأفق)هو موقف جديد على الماركسية او المادية الجدلية وهو ماتفصح عنه رؤى او منهجيات في الهرمنيوطيقا وغيرها وهو يقول في كتابه اشكاليات القراءة" وتعد الهرمنيوطيقا الجدلية عند جادامر بعد تعديلها من خلال منظور جدلي مادي، نقطة بدء أصلية للنظر في إعادة علاقة المفسر بالنص لا في النصوص الأدبية ، ونظرية الأدب ، فحسب، بل في إعادة النظر في تراثنا الديني ومدى تأثير رؤية كل عصر- من خلال ظروفه- للنص القرآني"(ص49 من اشكاليات القراءة)
فالدائرة الهرمنيوطيقية-بحسب تعبير نص ابو زيد- وعملية فهم النصوص داخلها شيء زائد على المادية الجدلية او الماركسية ولذلك يجب عدم الاكتفاء بتحليل تناول نصر ابو زيد للنصوص القرآنية على قاعدته الأولية وهي روح الماركسية والمادية الجدلية وانما ينبغي الوصول الى الادوات التي خضع لها نصر ابو زيد وأخذت بلبه وعقله وفتنته اكثر وهي المذاهب الجديدة التي قد تخالف الماركسية في كثير مما هي عليه او تقوم بنقدها او تعديلها او الاضافة اليها ، وهي المذاهب التي اختار نصر ابو زيد من فروعها فروع (عرضها في كتابه اشكاليات القرااءة في المحور الأول من الكتاب)هي المبضع المتهالك الفاشل في التعامل مع النصوص والتراث!
ان هذا الكلام يصب في الموضوع الذي اتحفنا به الدكتور حاتم القرشي والدكتور محمد بن زين العابدين بعنوان(
حوار: علوم مهمة للقائم بالانتصار للقرآن العظيم
، فمعرفة أدوات الخصم والادوات الخاصة التي يستخدمها في عملية البتر العلمانية الفاشلة دائما(فالإسلام لايُبتر لأن منزله هو الصمد وهو الذي يقطع ولايُقطع)، هي من اهم الأمور التي يجب أن يعلمها المتصدي للإنتصار للقرآن، ولايعني ذلك ان اطروحة الدكتور عمارة غير نافعة ، هذا ليس هدفنا من هذه المداخلة ، فرد الدكتور عمارة(على العشماوي خصوصا ونصر ايضا) دامغ جدا ، وغالب جدا، وانما كان ينبغي تناول خناجر الخصم التي يستعملها في الحرب الفاشلة على القرآن، فخناجر نصر ابو زيد في التأويل هي غير الماركسية والمادية الجدلية القديمة التي وقف عندها مثلا طيب تيزيني في مشروعه المعروف لدراسة القرآن والتراث فقد استعمل العلمانيون مذاهب جديدة كان الغربيون من (الحداثيون) وماظهر بعدهم من فلاسفة مابعد الحداثة ونظرياتهم، قد استعملوها لتناول النصوص المختلفة وحاول نصر وغيره استخدامها في تناول النصوص القرآنية في محاولته الفاشلة بعد أخذه كامل الفرصة والإستطاعة البشرية في نقد ما لايُنقد ابدا وذلك قبل اخذ الناصية الكاذبة التي نفخت كثيرا بالباطل الخائر.
شيء اخر مرتبط بموضوع الرابط هنا وجزى الله اخي ابي فهر عليه وهو السؤال عن هل استوعب الدكتور عمارة في نقده- الذي لم اطلع عليه-لمباضع الجابري في محاولته في البتر المتعمدة والقلقة والمتدرجة؟؟
لاشك ان الدكتور عمارة في نقده للعلمانيين قام بعمل جليل جدا ورائع جدا خصوصا رده على العشماوي الماسوني.
 
-*احببت ان اضيف تعليق على التعليق وذلك فيما يخص كشف الدكتور عمارة لماركسية نصر ابو زيد وتعامله مع القرآن بالمادية الجدلية. وهذه الاخيرة تكلم عنها الدكتور من ص 44 من التفسير الماركسي للاسلام.
لقد اقتصر الدكتور عمارة في نقده على نصر ابو زيد على كشف البنية التأسيسية الأولى لفكر نصر ابو زيد وهي البنية الماركسية والمادية الجدلية، اما المذاهب الأخرى التي استعملها نصر ابو زيد في تأويل بعض نصوص القرآن-لم يخوص في كل النصوص- فلم يتطرق اليها الدكتور عمارة مع انها هي التي تشكل منهجه في التعامل مع النصوص القرآنية، ومنها الهرمنيوطيقا التي عرض نصر ابو زيد طرائقها ومنهجية فلاسفتها بصورة مختصرة في مقدمة كتابه اشكاليات القراءة وآليات التأويل وكنت قد تكلمت عن هذه المنهجية في اقطاب العلمانية ج1.
لدكتور محمد عمارة كتاب اسمه - قراءة النص الديني. في هذا الكتاب يتكلم بشكل خاص عن دراسات الهرمنيوطيقا و اعتقد في كتاب التفسير الماركسي للاسلام كان يركز علي قضية الارتداد و عدم جعل المحاكم تنشغل بمثل هذه القضايا الفكرية.

بخصوص رد د. عمارة علي الجابري، انا لا اوافقه بشأن رأي الجابري في موضوع القصص القرآني و تعرضه لموضوع التراث و سؤال ماذا نأخد و ماذا نترك؟ الجابري أخد يحلل مثل هذه الاسئلة وقدم ردود تختلف عن تفسير د. عمارة و في كتب الجابري التي تهتم بهذا الموضوع كان له رأي يختلف عن هذا التفسير الضعيف. اما موضوع القصص القرآني اعتقد ان الجابري لم يعرض في كتابه مدخل إلى القرآن بخصوص رأيه هل هي تعتبر من الاحداث التاريخية أم لا؟ لا داعي لمثل هذه الافتراءات علي الرجل.
 
لدكتور محمد عمارة كتاب اسمه - قراءة النص الديني. في هذا الكتاب يتكلم بشكل خاص عن دراسات الهرمنيوطيقا و اعتقد في كتاب التفسير الماركسي للاسلام كان يركز علي قضية الارتداد و عدم جعل المحاكم تنشغل بمثل هذه القضايا الفكرية.
اولا احب ان اقول ان الدكتور عمارة هو علامة في الرد على العلمانيين
وقد اشرت الى هذا ، هنا، من قبل.
وكونه حفظه الله كتب دراسة عن الهرمنيوطيقا في الكتاب الذي اشرتم اليه اخي الكريم احمد فارس، فلايعني ان اهماله للكتابة عنها في رده على نصر حامد ابو زيد وتفاصيل تلاعيات نصر ابو زيد بأدوات الهرمنيوطيقا وببعض اتجاهاتها او مشتركاتها مع اتجاهات اخرى في نظريات السرد او التفسير، لايعني ذلك ان الدكتور عمارة كان يجهل الهرمنيوطيقا فضلا عن القول بأنه اغفل التعقيب التفصيلي لسبب عدم علم بها، هذا لم يرد فيما قدمته مما هو مسطور.
انما اردت ان ابين ان الدكتور اكتفى بالاصل المادي لفكر نصر حامد وربطه بسياقه في المادية الجدلية التي ظهرت آثارها في كتابات نصر ابو زيد واكتفي الدكتور عمارة بذلك في كتاب رائع فاضح وبالحجم الصغير الذي يمكن أن يتناوله اي احد قراءة سهلة من غير ملل، وهو غرض الدكتور عمارة، وهو من اساليب الحرب القاصمة.
فلو رد عليه عمارة بالتفصيل وفصل في اتجاهات وادوات نصر ابو زيد وضرب على ذلك الامثلة كما فعل مع آثار المادية الجدلية والماركسية التي استدعى لنا الدكتور عمارة نصوصا من كلامه كمثال يوضح انه يقوم بتطبيق التصورات الماركسية المعينة في تناول النصوص القرآنية،لو رد الدكتور عمارة ببالتفصيل لخرج الكتاب ربما في ستمائة صفجة او يزيد ولو خرج الكتاب لكان رائعة من روائع عمارة لكن الرجل أبى الا ان يختصر حتى تصل التحفة النقدية الى الطبقات القارئة المختلفة وهو ماحدث فعلا.
اما الرد المطول الذي قام به الدكتور عمارة في تناول شطحات العشماوي فيلاحظ ان الدكتور وضع الرد في فصول مغرية بالقراءة لسهولة المعلومات وقد تم عرضها بطريقة مثيرة للقاريء مايجعل القراءة غير مملة فالعشماوي لم يكن عنده مذاهب عوصية فلسفية ينقل عنها ويقلدها كما نصر حامد وانما كان عنده اتهامات طائشة سخيفة مثيرة فعلا وهائجة حقا وصدقا وليس عليها اثارة من علم ومافعله الدكتور عمارة لم يكن في الغالب اكثر من فضيحة لرجل يتجول في جامعات العالم على انه فيلسوف عربي مجدد كما يدعي هو عن نفسه، ولايعني ذلك ان الدكتور عمارة كشف جهالات العشماوي فقط وانما قام ايضا بتقديم ردود نقدية من اجمع الردود وقد اشرت في كتابي الاقطاب الى ان افضل كتاب في الرد على العشماوي بل في الرد على فكر رجل علماني حتى وقته كان هو كتاب سقوط الغلو العلماني للدكتور عمارة، فالانصاف المرتبط ايضا بالدعوة هو مادعاني الى هذا التقييم مع اني لااوافق الدكتور عمارة في امور اخرى وان كنت اعتبره مجاهد ممتاز من الطابور الاول خصوصا في الرد على العلمانية والعلمانيين وخصوصا ايضا في السنوات العشر الاخيرة.
لدكتور محمد عمارة كتاب اسمه - قراءة النص الديني. في هذا الكتاب يتكلم بشكل خاص عن دراسات الهرمنيوطيقا و اعتقد في كتاب التفسير الماركسي للاسلام كان يركز علي قضية الارتداد و عدم جعل المحاكم تنشغل بمثل هذه القضايا الفكرية.
تقصد استاذنا انه فعل هذا في المقدمة الطويلة من الكتاب، لكنه بعد المقدمة دخل في صميم النقد وقد وفى به احسن الوفاء وقد جن جنون نصر ابو زيد، وكان لما قابلته في حفل بيتي، في مسكن الطلبة في ليدن،للاحتفال بتخرج صديق لي من جامعة الازهر،القسم الانجليزي، وكان قد جاء لتكملة دراسته في ليدن، وكان نصر ابو زيد يشرف على رسالته!، وكنت انا من جانبي احرض الاخ على النقد الواعي وعدم الاستسلام لوساوس الاستاذ المشرف، فجلس نصر ابو زيد بجانبي، وعرفنا الاخ ببعض وكان ان تكلم معي عن قضية الجابري وقضية رد عمارة عليه(على نصر حامد)، وكان مغتاظا جدا من الدكتور عمارة، وقال لو رد علي في حالة سلم لكان في الامر سعة لكنه استغل الهجوم علي فشارك فيه وهذا ليس من العدل في شيء، فقلت له وهل انت عملت حساب للامة التي تؤكل في كل مكان وينقد دينها في كل مكان وانت تقوم برمي القرآن بأنه منتج ثقافي وان القرآن حمل الأساطير واستخدم التصورات الاسطورية لصالحه، عمارة يعاملك بمنطقك!
فقال لي عمارة انتقل من تيار الى تيار وهذا استغلال ونفاق قلت له ولو رأينا توبتك في المستقبل هل يمكن او تسمح لنا أن نرميك بهذا....فبهت الذي كفر.
ملحوظة:
رد الدكتور عمارة علي العشماوي في مسائل القدح في القرآن والرسول والصحابة....
وبعد صدور الكتاب بمدة اخرج لنا العشماوي كل مافي جعبته الفكرية عن النبوة والانبياء دفعة واحدة في مجلة اكتوبر المصرية على حلقات، فجعل موسى عليه السلام ابن ابنة فرعون مصر رمسيس الثاني وانه كان على الديانة المصرية وانه اخرج بني اسرائيل من مصر بالحيلة وبالاتفاق مع جده(المزعوم طبعا، فرعون مصر!!) وبالسحر المصري وطبقة الكهان الذين يعملون تحت امرته..وقصة طويلة ذكرها العشماوي
كما زور حقيقة الدين وجعل مصدره مصر كما اتهم الانبياء باتهامات شنيعة جدا ورماهم بنقائص
فماكان مني الا ان جمعت اسطورته عن موسى النبي عليه السلام مع اسطورة سيد القمني ايضا عن موسى النبي وهي تختلف كثيرا عن اسطورة العشماوي وكذلك اسطورة احمد عثمان وغيرهم وصنعت من ذلك الجزء الثاني من اقطاب العلمانية بعد ان عرضت اصول الفكرة التي اختلقوا منها اساطيرهم وهي فكرة فرويد التي عرضها في كتابه موسى والتوحيد ترجمة جورج طرابيشي، الا انهم اضافوا على فرية فرويد نتف اسطورية من اختلاقاتهم فخرجوا بمجموعات متناقضة جدا من الاساطير المكذوبة ، وهي اساطير علمانية عن الانبياء والنبي موسى.

ولم يكن العشماوي قبل كتابة الدكتور عمارة رده عليه ،قد كشف عن عقائده هذه ولا موقفه التفصيلي من الدين والنبي موسى او النبي يوسف او الانبياء ابراهيم واسحاق ويعقوب والا لرد عليها الدكتور عمارة حتما في كتابه المخصص للرد عليه وهو سقوط الغلو العلماني.
وبعد صدور كتابي عن اساطير العشماوي واحمد عثمان والقمني وغيرهم ، اصدار العشماوي كتابه الاصول المصرية لليهودية وضمنه كل مقالاته التي نشرت قبلا في مجلة اكتوبر المصرية في المواضيع او السلسلة التي اشرت اليها والتي وضع لها في المجلة عنوان كتابه االاحق.
 
بخصوص رد د. عمارة علي الجابري، انا لا اوافقه بشأن رأي الجابري في موضوع القصص القرآني و تعرضه لموضوع التراث و سؤال ماذا نأخد و ماذا نترك؟ الجابري أخد يحلل مثل هذه الاسئلة وقدم ردود تختلف عن تفسير د. عمارة و في كتب الجابري التي تهتم بهذا الموضوع كان له رأي يختلف عن هذا التفسير الضعيف. اما موضوع القصص القرآني اعتقد ان الجابري لم يعرض في كتابه مدخل إلى القرآن بخصوص رأيه هل هي تعتبر من الاحداث التاريخية أم لا؟ لا داعي لمثل هذه الافتراءات علي الرجل.
السؤال للكاتب كيف لم يعرض الجابري في كتابه رأيه في القصص وهو القائل :"انتهى خلف الله إلى ان القصة القرآنية لم يكن هدفها التاريخ ،وأن مضمون القصة هو ما يعرفه المعاصرون للنبي من تاريخ..."ثم قال:"إننا لا نختلف كثيراً حول هذه النتائج ولكن طريقنا يختلف"وهذا أول إقرار بأنه مع رأي خلف الله في القصص القرآني وهذا موقفه ،والقصة القرآنية عند الجابري هي من باب ضرب المثل يقول:"فكما اننا لا نسأل عن صحة القصة التي وراء الأمثال ،فكذلك القصص القرآني في نظرنا والصدق في هذا المجال لا يلتمس في مطابقة أو عدم مطابقة شخصيات القصة والمثل للواقع التاريخي ،بل الصدق فيه مرجعه مخيال المستمع ومعهوده"وما قاله الجابري لا يحتاج لذكاء كبير لمعرفة قصده من ورائه فهو يقول ليس بالضرورة أن تكون قصص الأنبياء صحيحة ومريم عليها السلام وقوم صالح المهم انها موجودة في مخيال العرب عندما نزل القرآن،والكلام عن موقف الجابري من القصص طويل ومن فمه ندينه ولسنا نفتري عليه ،ولو تابعنا القراءة في كتاب الرجل لوجدنا انه يقيس الغيبيات من جنة ونار وما يجري في الآخرة من حوارات على القصص القرآني ،فليست هذه الغيبيات بالضرورة صحيحة ولكنها من المؤكد موجودة وصحيحة في مخيال العرب،وقد لخص الجابري موقفه من القصص فقال:القصص القرآني هو من جهة نافذة للإطلال على جانب مهم من الدعوة المحمدية (وهذا الجانب هو مخيال العرب )وومن جهة ثانية: القصص القرآني خطاب جعل منه القرآن مسرحاً لخطاب جدلي أبدي موجه إلى خصومه وعليه فالقصص القرآني مكون من مكونات مسار القرآن التكويني .هذا باختصار موقف الجابري من الأنبياء وقصصهم ومن الأقوام التي أبادها الله وأهلكها وغيرها من القصص القرآني والحديث طويل ولن أكلف نفسي عناء الرد على الجابري فقد كفاني مؤونة هذا الكثيرون.
 
السؤال للكاتب كيف لم يعرض الجابري في كتابه رأيه في القصص وهو القائل :"انتهى خلف الله إلى ان القصة القرآنية لم يكن هدفها التاريخ ،وأن مضمون القصة هو ما يعرفه المعاصرون للنبي من تاريخ..."ثم قال:"إننا لا نختلف كثيراً حول هذه النتائج ولكن طريقنا يختلف".
اذا كان الجابري قال أن قصص القرآن لم تكن هدفها التاريخ انما الموعظة، وهذا ما اخبره فعلا حتي في عنوان الفصل من الكتاب و لكن لم يقل انها ليست نفس الاحداث التاريخية لسيرة الانبياء عليهم السلام، مع أن الجابري قال ان له طريق يختلف عن رؤية خلف الله بالرغم انه لا يختلف كثيرا حول هذه النتائج.
علينا أن نظن بالناس خيرا.
 
اولا احب ان اقول ان الدكتور عمارة هو علامة في الرد على العلمانيين
وقد اشرت الى هذا ، هنا، من قبل.
وكونه حفظه الله كتب دراسة عن الهرمنيوطيقا في الكتاب الذي اشرتم اليه اخي الكريم احمد فارس، فلايعني ان اهماله للكتابة عنها في رده على نصر حامد ابو زيد وتفاصيل تلاعيات نصر ابو زيد بأدوات الهرمنيوطيقا وببعض اتجاهاتها او مشتركاتها مع اتجاهات اخرى في نظريات السرد او التفسير، لايعني ذلك ان الدكتور عمارة كان يجهل الهرمنيوطيقا فضلا عن القول بأنه اغفل التعقيب التفصيلي لسبب عدم علم بها، هذا لم يرد فيما قدمته مما هو مسطور.
أنا لا أعني انه اراد ان يهمل هذا الموضوع، لكن أظن ان محمد عمارة كان يرد علي نصر ابو زيد و يوجه اليه اسئلة تتعلق بسوء الفهم و النية. و لهذا الأمر اشار محمد عمارة في المقدمة علي من اراد طرح مثل هذه القضايا فهي قضايا فكرية و ليست قضايا تتعلق بالمحاكم.
 
هو هل فيه تناقض أم لا في موقف المرحوم الجابري من (أسباب النزول) سؤال جانبي. أما الواضح فهو التردد لأن جانب من أسباب النزول قد يخدم البارادايم التي ينظر لها بينما الجانب الآخر من أسباب النزول يفعل العكس، إذن المخرج هو نموذج نظري في الأخذ والرد في إطار القانون "المنطقي" الذي يريده حيث يقول: "إتساق الأجزاء بعضها مع بعض في إطار الكل الذي تنتمي إليه."!! وكل الأسئلة المطروحة في إطار هذا النظام من الفكر الذي يتمتع بأدوات مفهومية مسايرة للبارادايم تستعيد المنهجية نفسها التي تبناها منذ نحن والتراث وخلاصتها كما يقول: "جعل المقروء معاصرا لنفسه ومعاصرا لنا في الوقت ذاته"، و معاصر لنفسه من الناحية الواقعية ومعاصر لنا من الناحية المفهومية والمعقوليّة، وإذا كان هذا هو الإتصال فإنه شكلي وحقيقته إحداث قطيعة وبما أنه يصل الواقعية بالمفهومية فإن هذه القطيعة معرفاتيّة و القراء الذين يقصدهم في قوله: "ثقتي في حسن ظن القراء كبيرة" هم التلاميذ الذين يجب عليهم أن يواصلوا المشروع في تشييد فكرانيّة جديدة على أساس هذه القطيعة المعرفاتيّة.

ويمكن أن تستبدل (أسباب النزول) بأي (قضية) أو (مسألة) أخرى إذ النتيجة واحدة: إختلاق بارادايم بأدوات يتم إنتقاءها من القراءة التاريخية لمسألة من المسائل حيث يأخذ ويترك حسب بعد وقرب أجزاء البارادايم من الإتساقية وعندما تكتمل لتصلح (ككل) فحينها هي نفسها تصبح أساس الحكم على الأجزاء وقد يعدّل حينها ويضيف ويحذف أثناء المراجعة.

فيما يخص ترتيب المصحف مثلا فأسباب النزول قد تكون مقبولة إذا سايرت مثلا الدعوة السرية، الدعوة الجهرية السلمية، الدعوة الجهرية الهجومية، الإستعداد للهجرة، الهجرة، الجماعة، التكيف مع المحيط الجديد، جدال جديد، المواجهة .. أو أسباب نزول تبين بسياقها الواقعتاريخي مرحلة تتخلل هذه المراحل.. أما أسباب نزول أخرى التي يمكن أن تؤكد أن الآية تتجاوز الواقع أو تخترق حجاز مخيلة العربي أو توجه الواقع أو تفرض واقع جديد أو تصحح مفاهيم مخيلة العربي أو أو .. فهذا سيسبب إنهيار إتساقية الأحجية في البارادايم، وعليه فإن الروايات هذه آحاد أو متناقضة أو ضعيفة أو إختلطها المبالغة أو تم تحسينها مادامت تخدم تفسير معين (النظرة المؤامراتية التي دائما ما يشمأز منها) ...وقس على ذلك في هذا الموضوع وفي غيره، في القرآن أو في غيره.
 
عودة
أعلى