عرض لبحث: القرآن والمستشرقون لـ د. التهامي نقرة

إنضم
09/06/2005
المشاركات
1,295
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
الإقامة
الطائف
عنوان البحث / القرآن والمستشرقون
للدكتور التهامي نقرة (1)

يقع في 35 صفحة
منشور في كتاب (مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية الجزء الأول)
الصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومكتب التربية العربي لدول الخليج

الهدف من البحث:
أن يكون مدخلاً إلى نقد الدراسات الاستشراقية للقرآن وعلومه . (ص 25 و 54)

فكرة البحث :
تسليط الضوء على أبرز الشبهات لدى المستشرقين في القرآن الكريم والرد عليها .
ودار البحث في الرد على نقطتين أساسيتين مما ذكره المستشرقون هما:
* مصدر القرآن (القول ببشرية القرآن)
* الوثوق بصحة نص القرآن وفيها جانبان : جمع القرآن ونسخه، واختلاف القرآء والقراءات.


عرض البحث :

سأسرد هنا نقاطاً متفرقة كعرض لأبرز أفكار الموضوع وليس لاستيعابه :
بدأ الدكتور بحثه بلمحة ذكر فيها عوامل اهتمام رجال الفكر الإسلامي بما كتبه المستشرقون عن الإسلام،وذكر منها(ص 21-23):
1- حب الاطلاع على آراء المفكرين غير المسلمين في الإسلام وفي كتابه ونبيه، ولاسيما المستشرقون الذين نظروا إليه من عدة زوايا بحسب ثقافة كل باحث وتخصصه .
2- الرد على مطاعن المتعصبين منهم على الإسلام وعلى القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم والكشف عن حقيقة ما يخفون وراء المسوح الدينية أو العلمية من أغراض استعمارية أو نزعات صليبية، لتوهين التعاليم الإسلامية.
3- التنبيه إلى ما وقع فيه بعضهم من أخطاء لغوية أو علمية أو تاريخية عن جهل أو عن سوء فهم وضيق نظر أو عن شطط في الافتراضات .
4- الإفادة من بحوث المستشرقين، وبالأخص التي يلمس فيها التحرر من ضغوط الايدلوجية الكنسية الاستعمارية، ويغلب عليها الطابع العلمي المجرد من الأهواء والأحكام المسبقة.

- ومن إيجابيات البحث حكمه وإنصافه للاستشراق والمستشرقين، فذكر أن الاستشراق قد لعب دوراً فكرياً خطيراً في التمهيد للاستعمار السياسي والثقافي والعسكري، ولم يخلو من جوانب إيجابية، كتنظيم الكتب العربية في مكتبات أوربا ووضع الفهارس والتنقيب عن المخطوطات.
وعلى مستوى الأفراد ذكر أن المستشرقين منهم المتعصب الحاقد على الإسلام كالمستشرق كولي، وهم مَن تسبب في نظرة غيرهم إليهم بالحذر والريبة . (ص 23)
وممن وصفه بالاعتدال المستشرق الفرنسي بلاشير وقال عنه في أحد المواضع: "يعد من أكثر المستشرقين موضوعية واعتدلاً ... رغم إثارته مختلف الشبهات في كتابه مدخل إلى القرآن ". (ص 31 و 40)
وقال في موضع آخر: " إن من المستشرقين النزهاء من تركوا أثرا عميقا في الرأي العام الإسلامي والرأي العام الأوربي كالمستشرق الفرنسي كلود اتيان سافاري... وشبيه به المستشرق الإنجليزي توماس كارلايل". (ص 24)
وفي الجملة ذكر أن سلامة الدراسات الاستشراقية من الأخطاء الفكرية والميول الذاتية المتوارثة منذ قرون، ليس من السهل تجاوزها أو السيطرة عليها كلياً. (ص 24)

وذكر الجانب الآخر من علماء ومفكري الإسلام وأشار إلى فئتين واختلاف اتجاهاتهم من الإعجاب والتقدير للمستشرقين، أو السخط والتحقير . (ص 21)

- واعتبر الدكتور من اشتهر بدراسة القرآن وعلومه من المستشرقين هم أربعة: نولدكه، وبلاشير، وجيفري، وجولد تزيهر .

* مصدر القرآن:
- أكثر المستشرقون يكادون يتفقون على أن القرآن ليس من عند الله، وعلى أن محمداً صلى الله عليه وسلم استقى مادته من الأحبار والرهبان من كتب العهدين .

- أصل فكرة المستشرقين في بشرية القرآن تعود إلى إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

- من المستشرقين من يتحدث عن الوحي والنبوة كما يتحدث الناس عن الدروشة والدراويش، أو كما يتحدث علماء النفس عن أبطال وعظماء التاريخ وقادة الثورات .
وعندنا نحن المسلمين أن الوحي له مفهومه الديني الصحيح، وأنه ظاهرة روحية خصَّ الله بها من اصطفاهم للنبوة وبه يكون اتصالهم بالله من غير حلول ولا اتحاد .

- فالمستشرقون لا يفهمون الوحي خارج الطرق الكسبية للعلم !
أقول ولدي هنا استفسار :
هل مفهوم الوحي عند المستشرقين _ غير الملحدين _ مطرد في كل أنبياء الله أم هم يتناقضون في ذلك فيثبتونه لعيسى عليه السلام وينكرونه لمحمد صلى الله عليه وسلم ؟

- منشأ الخلاف بين المؤمنين بالرسالات السماوية وغير المؤمنين ترجع أساساً إلى مفهوم الوحي عندهم .

واستطرد الكاتب في دفع الشبهات عن الوحي كمن وصف حالات الوحي بالهوس أو الصرح بأدلة متنوعة ومنها الأدلة العقلية .

- من المميز في البحث ما لفت الانتباه إليه الكاتب في وجه الشبه بين شبهات المشركين في الجاهلية وشبهات المستشرقين في تفسيرهم لظاهرة الوحي (الجنون/الهوس ...)

- وبعد ذلك ساق عدداً من نصوص المستشرقين التي تشير إلى جهلهم بحقيقة الوحي .

- ثم ذكرالحجج التي فيها رد على مقولة المستشرقين في القول ببشرية القرآن، ومنها على وجه الاختصار:
1- كيف يفهم اتحاد مصدر القرآن والحديث مع وجود الفرق الشاسع بين القرآن والسنة في أسلوب العرض وطريقة الأداء .
2- مخالفة القرآن للرأي الشخصي لمحمد صلى الله عليه وسلم، كقضية أسرى بدر، ووجود آيات العتاب للنبي صلى الله عليه وسلم في القرآن، فلو كان هو القائل لم أوردها ؟!

- ومن لطيف ما ذُكر تناقض المستشرقين، فمنهم من يُنْكر السيرة المحمدية وهو في ذات الوقت يقف موقف المطمئن من شعر أمية بن أبي الصلت، مع أن أخبار أمية ليست أدنى إلى الصدق ولا أبلغ في الصحة من أخبار السيرة .

* الوثوق بصحة النص القرآني :
ترجع شكوك المستشرقين في نصل القرآن إلى عنصرين :
جمع القرآن ونسخه، اختلاف القراء والقراءات .

وذكر أن شبههم قائمة على مجرد افتراضات فطعنوا في تدوين القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي جمع أبي بكر وعثمان.


وأما في القراءات:
فأساس الخلل لديهم عدم معرفتهم بحقيقة القراءات، وعدم تميزيهم بين القراءة المتواترة والشاذةكما وقع لجولدتسيهر .

وقال في خاتمة بحثه :
وكم أثار المستشرقون في القرآن من شبهات بقصد التشكيك والتضليل يضيق النطاق عنا لعرضها والرد عليها، لأني اعتبر هذا البحث كمدخل لموضوع يتطلب مجلداً ضخماً لاستيعاب الموضوع من كل جوانبه ..

وبعد فهذا عرض أرجو أن يكون باعثاً للاطلاع على البحث والاستفادة منه ونقده لما يعود بالمصلحة على مواجهة المستشرقين ورد كيدهم . والله الموفق

===========
1) التهامي نقرة رحمه الله من علماء تونس ومن خريجي جامع الزيتونة، وحصل على الدكتوراه في رسالة بعنوان سيكلوجية القصة في القرآن الكريم بجامعة الجزائر، وعمل رئيساً لجامعة الزيتونة، وفي هذا الرابط شيء من سيرته [التهامي نقرة ]


 
جزاكم الله خيرا اخي الدكتور حاتم القرشي
قرأت هذا الكتاب منذ زمن وهو جزئين واذكر ان للدكتور عماد الدين خليل فيه بحث جيد اما مالفت نظري واظن ان لي ذاكرة جيدة في الموضوع ان لمحمد عابد الجابري بحث في الكتاب وهو مااثار استغرابي يومذاك!
والكتاب هو من امتع الكتب واجمعها
اما الاتهام بالهوس فهو اتهام جوستاف لوبون واظنه لايقصد به الجنون او مايشابه ولكنه يقصد معنى اخر تماما
وبعض التعليقات على نص لوبون تجعل المعنى قريب من الجنون
 
رد: عرض لبحث: القرآن والمستشرقون لـ د. التهامي نقرة

من المستشرقين من يتحدث عن الوحي والنبوة كما يتحدث الناس عن الدروشة والدراويش، أو كما يتحدث علماء النفس عن أبطال وعظماء التاريخ وقادة الثورات .
وعندنا نحن المسلمين أن الوحي له مفهومه الديني الصحيح، وأنه ظاهرة روحية خصَّ الله بها من اصطفاهم للنبوة وبه يكون اتصالهم بالله من غير حلول ولا اتحاد ...واستطرد الكاتب في دفع الشبهات عن الوحي كمن وصف حالات الوحي بالهوس أو الصرح بأدلة متنوعة ومنها الأدلة العقلية .
- من المميز في البحث ما لفت الانتباه إليه الكاتب في وجه الشبه بين شبهات المشركين في الجاهلية وشبهات المستشرقين في تفسيرهم لظاهرة الوحي (الجنون/الهوس ...)
- وبعد ذلك ساق عدداً من نصوص المستشرقين التي تشير إلى جهلهم بحقيقة الوحي .
غالبا ماتصدر الاحكام ضد الرسول في الغرب تحت وقع الظروف العنيفة الشخصية والجماعية التي ينغرس فيها اصحابها وبدلا من ان يوجهوا اتهاماتهم لقومهم واوضاعهم المأزومة تراهم يعبرون احيانا عن غضبهم وبؤسهم ومرضهم ضد من لو نظروا اليه نظرة محايدة لا احادية لكتبوا فيه الاشعار والكلمات الرائعة المنصفة لكن للميول النفسية ولوطأة الأوضاع العاصفة ذهنيا ووجوديا على الشخص تأثير أيما تأثير مايجعل العالم او الناقد يكتب حماقات او بذاءات او يطلق اتهامات او شتائم لاتليق بالمحكوم عليه او المنتقم من شخصه.
وهذا ينطبق تماما على كثير مما صدر ضد النبي في الغرب وقد وصفت كارين آرمسترونج الاحكام الاستشراقية التي صدرت ضد الرسول قبل القرن ال20 باحكام المرض الغربي ضد نبي بريء مما قيل فيه (مع انها هي ايضا حكمت احكام أخرى ضد النبي متأثرة في ذلك بمنتجمري واط وغيره مما قالت هي نفسها انها تأثرت به..
ولذلك اقول انه احيانا يكون المستشرق عالم اجتماع يحاول لملمة صور الاوضاع المتسارعة في بلده مع الانخراط في مجالاتها المتغيرة والفظيعة فيضيف اضافة في مجال علمه لاتخرج عن النمط السائد في عصره وظرفه وهي غالبا ماتكون احادية التفكير ضيقة المدخل والمخرج!، وقد يفرد هذا العالم -مثلا- الرسول بدراسة خاصة ، هذا اذا ولج عالم الحضارات ومنشأ المدنيات، او يكون الدارس الغربي روائي عالمي فيكتب رسالة عن النبي ، قد يلخص في تلك الرسالة موقفه من الموقف الغربي العريض تجاه النبي فالاول مثل غوستاف بولون صاحب كلمة(الهوس) او بالاحرى ناقلها من مجالها الى وصف النبي وشخصه!! والثاني يمكن ضرب المثل عليه بالروائي العالمي تولستوي،او جوته مثلا.
وقد يكون اديب او رجل سياسة يعيش عالم عنيف جدا من الصراعات التي تناله هو شخصيا من قريب ،فاذا نظرت اليه عبر التاريخ رأيته يعاني من العزلة او قسوة الحياة او المطاردة والتشرد او الخسارة والضياع،او الاضطراب النفسي والخلل الفكري(وهذه الاخيرة اصف بها فيلدرز البرلماني الهولندي الذي جهز كتابا ضد النبي على وشك الصدور!) وهو في اثناء ذلك يكتب افكاره النقدية العنيفة تجاه قومه وزمنه وهذا يمكن تعيينه بدانتي صاحب الكوكيديا الالهية ،الذي كان يعاني اشد المعاناة من واقع مجتمعه وهو يرى نموذج الحضارة الاسلامية باديا له من بعيد بل ومؤثرا بصورة كبيرة جدا ورويدا رويدا يضغط علميا ومدنيا على الواقع الغربي ومغيرا له وغازيا غزوا لطيفا، بل عنيفا(عنف المواجهة مع كهنته ومواقعهم العتيدة!)!
وفي هذه الاخيرة يقول مونتجمري واط:" وقد كان دانتي مدركا لفضل العرب على اوروبا "(فضل الإسلام على الحضارة الغربية لمنتجمري واط)
ان تحليل الواقع الذي ولد فيه المفكر الغربي والمؤثرات التي اثرت عليه والافكار العاصفة الموارة الدائرة فيه كالدائرة المغلقة، هو امر في غاية الاهمية ومن خلال دراسة الواقع هذا يمكن الوصول الى تفسير كلمات المفكر او مواقفه او نظرته ونظريته!
فدانتي مثلا كان يعاني من قومه اشد المعاناة وقد ولد في مجتمع القرون الوسطى المظلمة وفيه رأي نور الاسلام في جانب غربي مضيء ورأى الصراعات التي تدور بين قومه والتخلف الضخم جدا في كافة ميادين الحياة فكانت معاركه وكلماته تناسب ظروف عصره ولاتخرج احكامه عن دائرة وضعه وواقعه، لكنه حشر فيه موقف قومه التقليدي من النبي على الرغم من انه مدح تلاميذ النبي ومنحهم موقعا جليلا في ملهاته!
وقبل الوصول الى نظرة دانتي عن الرسول وعن فلاسفة الاسلام (وضع الرسول العظيم في الحجيم وفلاسفة الاسلام في الجنة، في ملهاته طبعا!!) يمكن رؤية دانتي مثلا وهو يقوم بشتم شعبا أوروبيا وهو شعب الفلورنسيين وقد ناله منه ماناله!
يقول ويل ديورانت المؤرخ الأمريكي المعروف في ذلك ،ان دانتي وجه :"وهو في سورة الغضب رسالة "إلى الفلورنسيين أشد الناس إجراماً Scelestissimis Florentinis (مارس 1311م) قال فيها: ألا تعرفون أن الله قد أمر أن يخضع بنو الإنسان كلهم لحكم عاهل واحد ليدافع عن العدالة، والسن، والحضارة؟(يقصد الإمبراطور هنري الذي سينقلب عليه دانتي بعد قليل ويزجره!) وأن إيطاليا كانت على الدوام فريسة للحرب الأهلية كلما زال عنها سلطان الإمبراطورية يا من تعتدون على القوانين البشرية والإلهية ويا من يدفعكم النهم الرهيب إلى ارتكاب كل جريمة مهما بلغت من الشناعة - ألم تروعكم رهبة الميت الثانية فخرجتم على مجد(!) الأمير الروماني، ملك الأرض(!) ومبعوث الله؟(!)... يا أحمق الناس وأبلدهم إحساساً! سوف تخضعون صاغرين إلى النسر الإمبراطوري. ؟وساء دانتي وملأ قلبه هلعاً أن هنري ترك فلورنس وشأنها؛ ولهذا كتب الشاعر إلى الإمبراطور في شهر إبريل كما كتب نبي من أنبياء إسرائيل يحذر الملوك فقال: لسنا ندري أي خمول يقعدك عن العمل هذا الزمن الطويل... إنك تضيع الربيع كما تضيع الشتاء في ميلان... (لعلك لا تعرف) أن فلورنس مصدر الشر المستطير... وأنها هي الأفعى... التي تنفث من أنفاسها الفاسدة الدخان الموبوء الذي يقضي على القطعان المجاورة لها... هُبَّ إذن يا ابن يسَّي Jesse النبيل!"(قصة الحضارة لديورانت ج17 ص 317) وقد خيب الله رجاء دانتي في هذا الامبراطور الذي احبه وسعى لنصرته حتى ان الامبراطور انقلب عليه وقد نفت فلورانس دانتي وفر هرعا وخوفا وهنا لجأ إلى دير ليخلو بنفسه وملهاته ،وقام بشتم النبي محمد وتصويره في صورة بشعة ،وفي ذلك يقول ويل ديورانت:" ولمّا وصل هنري إلى ميلان هرع دانتي إليها وألقى بنفسه وهو في نشوة الحماسة عند قدمي الإمبراطور، وخيّل إليه أن كل ما كانت تصوره له أحلامه من قيام إيطاليا الموحدة يوشك أن يتحقق. لكن فلورنس لم تستجب لنداء الشاعر، وأوصدت أبوابها في وجه هنري "فانقلب الامبراطور عليه" وكان رد فلورنس أن أعلنت نفي دانتي، وحرمانه أبد الدهر من كل عفو يصدر عن الخائنين. وترك هنري فلورنس دون أن يمسها بسوء، وانتقل عن طريق جنوى وبيزا إلى روما حيث توفي (1313) وكان موته من أشد الفواجع التي حلت بدانتي؛ ذلك أنه قد قامر بكل شيء على انتصار هنري، وحرق من ورائه كل الجسور الفلورنسية، ولم ير أمامه إلاّ أن يفر إلى جبيو Gibbio ويلجأ إلى دير الصليب المقدس (سانتا كروس Santa Croce). ويبدو أنه كتب في هذا الدير جزءاً كبيراً من الملهاة المقدسة ... )."(ج17 ص318)
فهذه هي بعض ظروف كتابه دانتي لملهاته كما قال ديورانت فصب جام غضبه على معاصريه في الملهاة ولم ينسى ان يدخل اعداء قومه فيها الا ما اثر عليه هو ورأى فيه المنقذ لوضوحه وقوة حضوره
.وقد تعرض دانتي لأمور يعجب لها الإنسان من فقدانه وطنه واهانته اكثر من مرة (طلب الفلورنسسين منه ان يفعل كما يفعل المعفي عنهم وهو ان يسيروا في شوارع المدينة في أثواب الندم، وأن يزج بهم في السجن وقتاً قصيراً )، وقد تعرض ولديه للحكم بالإعدام وإن كان الحكم لم ينفذ ، وقد فر هو ايضا من وجه ادانته وقتله، فكان يكتب بقية هجائيته وملهاته في مواضع فراره وهروبه وهلعه فاتسمت ملهاته بمعاناته ووضع فيها صور انتقامه من اخرين وبعضهم لاشأن له بظروف دانتي نفسها وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان هو سبب التأثير الأكبر في زحزحة -اقول زحزحة لأن الكنيسة كانت بالمرصاد للعلوم الإسلامية- كثير مما كان دانتي نفسه يعاني منه مما كان يختم العصور الاوروبية بالعصور الهمجية المظلمة ومافيها من ركام الأساطير والظلم الاجتماعي والاقتصادي ، بل جاء الاسلام بشرائع تخرج دانتي نفسه مما يعاني هو نفسه منه بل مما تعاني منه نفسه التي بين جنبيه فقد كان مغامرا بالسياسة في عالم متطاحن يأكل بعضه بعضا ، لاتحكمه قيم انسانية ولا أخلاق الفروسية الحقة، يقول ويل ديورانت في قصة الحضارة،(ص318-320):" غير أنه لم يكن قد شبع من السياسة فقد كان في أغلب الظن مع أجشيوني دلا فجيولو Uguccione della Fuggiulo في لوكا Lucca عام 1316؛ وفي ذلك العام هزم فجيولو الفلورنسيين عند مونتي كاتيني Montecantini؛ ثم استفاقت فلورنس من هذه الهزيمة وضمت ابني دانتي إلى المحكوم عليها بالإعدام - ولم ينفذ هذا الحكم قط. وخرجت لوكا على أجشيوني وألفا دانتي نفسه بلا وطن. ورأت فلورنس في نشوة النصر أن تكون كريمة، وأن تنسى أحكامها الأبدية، فعرضت أن تعفو عن جميع المنفيين وتؤمنهم على حياتهم إذا عادوا إليها، على شرط أن يؤدوا لها غرامة مالية، وأن يسيروا في شوارع المدينة في أثواب الندم، وأن يزج بهم في السجن وقتاً قصيراً. وتطوع أحد أصدقاء دانتي بإبلاغه هذا القرار، فرد عليه برسالة ذائعة الصيت قال فيها: إلى صديق فلورنس: تلقيت رسالتك بما يليق بها من الإجلال والحب، وأدركت منها بقلب مفعم بالشكر... أن عودتي إلى بلدي عزيزة على نفسك. ولكن انظر إلى ما هو مفروض عليَّ... ذلك أنني إذا ما قبلت أن أؤدي قدراً من المال وأن أتحمل وصمة السجن، فسيعفى عنّي فأستطيع العودة من فوري.. فهل هذه إذن هي الدعوة الكريمة التي توجه إلى دانتي ألجيري –يقول دانتي نفسه- ليعود إلى بلده بعد أن صبر على النفي ما يقرب من خمسة عشر عاماً... إن رجلاً ينادي بالعدالة لا يطيق أن يؤدي ما له إلى من يرتكبون المظالم، كأنهم يحسنون إليه. ألا إن هذه ليست الطريقة التي أعود إلى بلدي... فإذا كان ثمة طريقة أخرى... لا تزري بكرامة دانتي... فإني لن أتوانى قط عن اتباعها؛(اهان رسول الله فأهانه الله) أما إذا لم يكن دخول فلورنس مستطاعاً بهذه الطريقة الأخرى، فإني لن أدخلها أبداً... ما هذا الذي تقول! أليس في وسعي أن أستمتع بنور الشمس وجمال النجوم في كل مكان على ظهر الأرض؟ أليس في مقدوري أن أفكر في أعظم الحقائق شأناً؟ واغلب الظن أنه قبل في أواخر عام 1316 دعوة وجهها إليه كانْ جراندي دلا اسكالا Can Grande Della Scalla، حاكم فيرونا لأن يجيء إليه ويعيش في ضيافته. ويبدو أنه أتم في هذه البلدة قسم الجنة في الملهاة المقدسة (1318) - وفيها بلا ريب أهدى هذا القسم إلى كان جراندي. وفي وسعنا أن نصوره في تلك الفترة من حياته - أي في الحادية والخمسين من عمره - كما صوره بوكاشيو في الحياة الجديدة عام 1354؛ نصوره رجلاً متوسط القامة "منحني الظهر قليلاً" يسير بخطى وقورة متزنة تنم عن المهابة والانقباض، ذا شعر أسود وبشرة سمراء، ووجه طويل ينم عن كثرة التفكير، وجبهة بارزة مغضنة، وعينين غائرتين ذواتي نظرات صامتة، وأنف رفيع أقنى، وشفتين منطبقتين، وذقن بارز. ذلك وجه روح كانت من قبل وادعة ظريفة، ولكن الآلام جعلتها نكدة مريرة...وكان عبوساً صارماً شأن الرجل المغلوب على أمره المنفي من بلده، وقد أكسبته الشدائد حدة في اللسان، وغطرسة يغطي بها ما فقده من قوة وسلطان.فكان يفخر بنسبه لأنه كان فقيراً، ويحتقر رجال الطبقة الوسطى من أهل فلورنس الذين يجرون وراء المال؛ ولم يكن في وسعه أن يغفر لبرتناري زواج بياتريس من مصرفي؛ وسلك طريق الانتقام الوحيدة التي وجدها أمامه فوضع أمامه المرابين في الدرك الأسفل من النار.ولم يكن ينسى قط أذى أو إهانة وما أقل من سلم من أعداءه من سموم قلمه".ثم مات الرجل بحمى المستنقعات كما يخبرنا ول ديورانت:"" تلقى دعوة من بولونيا للقدوم إليها لكي يتوج فيها شاعراً لبلاطها، ورفض الدعوة بأنشودة رعوية كتبها باللغة اللاتينية. وفي عام 1321 أرسله جيدو إلى مدينة البندقية في بعثة سياسية كان نصيبها الإخفاق، وعاد دانتي من هذه البعثة مريضاً بحمى أصابته من مستنقعات فينيتو Veneto. ولم يستطع جسمه الضعيف مقاومة المرض، فقضى عليه في 14 سبتمبر سنة 1321 وهو في السابعة والخمسين من عمره."
ساقوم ان شاء الله بتكلمة المداخلة اذا توفر وقتا مناسبا ويسر الله.
وفي التكملة ان شاء الله ووفق يمكن ان نرى الظروف والاحوال والمناخ الذي كتب فيه غوستاف لوبون كلمة الهوس عن الرسول والانبياء وادخلهم في القادة والزعماء ولكن من باب حدده!
 
عودة
أعلى