أبومجاهدالعبيدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,760
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
- الإقامة
- السعودية
- الموقع الالكتروني
- www.tafsir.org
[align=center]
[/align]أولاً فهرس الكتاب :
• تقديم
• ملخص البحث
• الفصل الأول : مقدمة البحث
• الفصل الثاني : الخط العربي وانتقال الكتابة إلى الحجاز
• الفصل الثالث : حالة الكتابة في الجزيرة العربية
• الفصل الرابع : الأدلة على كتابة القرآن الكريم في العهد المكي
• الفصـل الخامـس : أدوات الكتابة ومصير القرآن المكي المكتوب
• خاتمة
• المراجع
.......................................
ثانياً : مقدمة البحث
الفصل الأول : مقدمة البحث
...............................................
• توطئة
• أهمية البحث
• الدراسات السابقة
• أسئلة البحث
• منهجية البحث
............................................
توطئة
الحمد اللّه رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد :
فقد أنزل اللَّه سبحانه وتعالى القرآن الكريم على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، ليكون الرسالة الأخيرة، والدستور الدائم للناس جميعاً، بحيث لاتحده حدود الزمان والمكان، فلقد كفل اللَّه سبحانه وتعالى حفظ لفظه ومعناه بحيث لايتطرق إليه احتمال نقص أوزيادة أو تحريف أو تغيير بقوله تعالى : { إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُون }(1).
وتحقق وعد اللَّه سبحانه بحيث حفظ لهذه الأمة معجزتها الخالدة على ما كانت عليه يوم أنزلت على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهيأ لحفظ هذا النص طرقاً ووسائل عدة لا يجدها الباحث قد توفرت لكتاب من الكتب أو لنص من النصوص سواء أكان سماوياً أم وضعياً في تاريخ البشرية جمعاء، وإلى جانب ذلك فقد بذل العلماء المسلمون في العصور المختلفة جهوداً جبارة في كتابة البحوث وإجراء الدراسات الكثيرة حول القرآن الكريم، حيث فَصَّـلوا القول في كل مايتعلق بالقرآن الكريم من علوم وموضوعات، من نزول وتاريخ، وتدوين، وجمع، وترتيب، وإعجاز، ومكي ومدني، وناسخ ومنسوخ .. الخ.
ولم يكن القرآن الكريم محل اهتمام العلماء والباحثين المسلمين فقط، وإنما أخذ القرآن الكريم مكانة بارزة في دراسات المستشرقين، الذين اهتموا بدراسة الأديان والكتب المقدسة والإسلاميات على مختلف مشاربهم وجنسياتهم، وعلى رأسهم جولد زيهر، ونولدكه، وبلاشير، وغيرهم كثير، حيث أثار بعضهم من الشبهات الشيء الكثير حوله، وكان ذلك عن سوء نية في حين أثار بعض آخر منهم الشبهات لأسباب منهجية أو لغوية فكانت النتيجة أن وقع الفريقان في أخطاء كثيرة.
ومما يؤسف له هو انخداع الكثير من الكتاب المسلمين بدراساتهم القرآنية بما يشاع من أن العلماء أو الباحثين الغربيين أو بالأحرى المستشرقين متَّصفون بصفة البحث العلمي وبالموضوعية وتحري الصِّدق والدقة في الاستنتاج وعدم التعصب للآراء والأفكار.
إلا أنه عند دراسة ما كتبه المستشرقون بإمعان حول القرآن الكريم بصفة خاصة، وحول الإسلام بصفة عامة، يجد الباحث أنهم ابتعدوا كثيراً عن هذه الحقيقة، حيث يحاولون بكل الوسائل طمس الحقائق الثابتة والواضحة وضوح الشمس في كبد السماء فيما يتعلق بالقرآن والإسلام. فهم مغرضون تدفعهم إلى الكتابة حول الإسلام دوافع وأغراض تجعلهم خارجين عن دائرة العلماء طلاب الحقيقة العلمية فيها، وتتحكم فيهم الأهواء والتعصب ضد الإسلام.
قد يكون من بين المستشرقين من هو متصف بالموضوعية وتحري الصدق والأمانة العلمية، أو هناك من يتصف بالإنصاف إذا كان البحث دائراً حول موضوع لاعلاقة له بالإسلام والمسلمين، ولكنهم عندما يأتون إلى الإسلام والمسلمين نجد أن أغلبهم يحاولون تشويه صورة الإسلام الصافية والنقية، والتشكيك في مصدريه الأصليين : القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. إلى جانب التقليل من القيمة الذاتية للفقه وأصوله القائِمَيْنِ عليها.
ولايعني هذا أنه لا يوجد على الإطلاق مستشرقون منصفون، وإنما المقصود أن الصفة العامة والمشتركة بين المستشرقين هي عدم الإنصاف وعدم الموضوعية في الإسلاميات. ولكن لابد أن يشار في هذا المجال إلى حقيقة تاريخية وهي أن كثيراً من المؤرخين تغلب عليهم صفة إطلاق الأحكام العامة والشاملة وعدم الدقة في بعض من الأحيان في إصدار الأحكام، أو في نقل الروايات المتناقضة في الحادثة الواحدة من غير تمييز الصحيح منها من السقيم، فربما يأخذ بواقعة معينة ويبني عليها حكماً عاماً تخالفه وقائع أخرى، وهو ما سيظهر في الدراسة هذه بشكل جلي وواضح، وقد مهّد هذا التوجه لأن يبني المستشرقون على ماصدر من المؤرخين المسلمين من هذا القبيل شبهات خطيرة وافتراءات تمس صلب الإسلام والقرآن الكريم وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنجد أن جل الشبهات والافتراءات التي تمسك بها المستشرقون قد كان لها أصل في بعض كتب المسلمين.
ومن الأخطاء التي صدرت عن بعض المستشرقين من أمثال بلاشير(2) ادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعط أهمية لكتابة النص القرآني في حياته، ولاسيما في العهد المكي الذي امتد حوالي ثلاثة عشر عاماً، وبقي مفهوم القرآن المكي النازل بمكة والمحفوظ في ذاكرة المسلمين المكيين. وإنما بدأ بكتابة المقاطع الهامة من القرآن المنزل عليه في السنوات الأولى من العهد المدني.
وبما أن هذا الموضوع لم تتم دراسته من قبل بشكل مستقل ومفصل فقد صدر من عدد من الباحثين المسلمين ما يفهم منه بأن القرآن المكي لم يكتب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بدأ بكتابة القرآن بشكل فعلي في أوائل العهد المدني.
ومن جانب آخر حاول بعض الباحثين المسلمين إثبات كتابة القرآن الكريم في العهد المكي والرد على مثل هذه الادعاءات، إلا أنه لم تتضح الصورة عند بعضهم، وصرح بعضهم بأن المسألة لا تزال غير واضحة عندنا(3)، وقال آخرون إن النصوص التي بين أيدينا لا تثبت الكتابة في العهد المكي على وجه قاطع(4).
أهمية البحث
تكمن أهمية هذا البحث في نقاط عديدة منها :
1. توضيح مسألة كتابة القرآن الكريم في العهد المكي، وفي الوقت نفسه الرد على من ذهب إلى أن القرآن الكريم لم يكتب إلا في السنوات الأولى من العهد المدني، بقصد إثارة الشبهات حول سلامة النص القرآني وحفظه من الضياع، بناء على أن القرآن المكي يمثل ثلثي القرآن الكريم تقريباً.
2. محاولة إزالة اللبس والغموض حول مسألة كتابة القرآن الكريم في مكة، وذلك لأن أغلب الذين كتبوا في علوم القرآن وتاريخه، ولاسيما من القدماء لم يشيروا إلى مسألة كتابة القرآن في العهد المكي.
وفي العصر الحديث أشار قلة من الباحثين إلى هذه المسألة، على أنها لم تكن واضحة عند بعضهم حتى ذهب بعضهم ـ سبق الإشارة إليه ـ إلى القول : >إننا لانستطيع أن نجزم أن القرآن لم يدون في الفترة المكية..<، وقال آخر ـ قد سبق ذكره ـ إن المسألة غير واضحة.
3. بيان الأسباب التي أدت إلى غموض حركة الكتابة في العهد المكي مقارنة بما كان عليه الحال في العهد المدني.
4. تسليط الضوء على نوعية الأساليب والأدوات التي بها وعليها تمت الكتابة في العهد النبوي بصورة عامة، لما لذلك من أهمية كبيرة في تحديد مصير القرآن المكي المكتوب. وتوضيح مدى صحة المقولة الشائعة بأن القرآن الكريم كان يكتب على العُسُب وقطع الأحجار والعظام وبيان نسبة الحقيقة في ذلك.
5. السعي لبيان الطريقة التي تم بها نقل القرآن المكتوب من مكة إلى المدنية.
الدراسات السابقة
لم يجد الباحث عند بحثه وتصفحه لكتب علوم القرآن وما يتعلق بها مَنْ أَخَذَ من الباحثين بالدراسة موضوع "كتابة القرآن الكريم في العهد المكي" دراسة شاملة تحيط بجميع جوانب الموضوع. بل إنه لم يجد من تناوله ولو في فصل واحد أو مبحث مستقل، حيث إن أكثر الذين كتبوا في علوم القرآن وتاريخه من القدامى لم يشيروا إلى موضوع كتابة القرآن الكريم في العهد المكي، إنما تناولوا موضوع جمع القرآن الكريم وكتابته على إطلاقه في العهد النبوي، ولا يشيرون أو لا يذكرون شيئاً عن المرحلة المكية.
وفي العصر الحديث وجد الباحث أن بعض المؤلفين في كتبهم ـ ولا سيما الكتب ذات العلاقة نوعاً ما بالرد على المستشرقين ـ يشيرون إلى موضوع كتابة القرآن الكريم في مكة، من خلال إشارات تكاد تكون غير واضحة، حيث إنهم في معرض كلامهم عن سلامة النص القرآني من الضياع، وتحت باب الجمع الكتابي للقرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يشيرون إلى الموضوع بإشارات طفيفة.
فمن هؤلاء الباحثين محمد حسين هيكل في كتابيه : "حياة محمد"(5)، و"الصديق أبو بكر"(6)، ومن خلال أسطر قلائل يشير إلى أن القرآن الكريم كان يكتب في العهد المكي، ويستشهد بقصة إسلام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه والصحيفة المشهورة التي كانت سبباً في إسلامه، ولايتجاوز ما كتبه في الكتابين عشرة أسطر.
ومنهم الأستاذ محمد صبيح في كتابه : "بحث جديد عن القرآن الكريم"، حيث يشير إلى الموضوع وتحت عنوان "النبي والقرآن"، ولا يتجاوز ما كتبه صفحة واحدة، إلا أن المسألة تبدو غير واضحة عنده تمام الوضوح حيث يقول : >لا نستطيع أن نجزم بأن القرآن الكريم لم يدون في الفترة المكية، ونلجأ إلى بعض الفروض ونستند إلى إشارات خفيفة مفرقة في بعض المراجع كقصة إسلام عمر بن الخطاب، للاستدلال على كتابة القرآن الكريم في مكة...<(7).
ثم يعود في فصل آخر وتحت عنوان : "التدوين بين النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة" فيقول : >إن النصوص التي بين أيدينا لا تقطع بأن القرآن كان يدون في العهد المكي<، ثم يقول بعد عدة أسطر : >وكل مانرجحه أن صحفاً معينة كانت تكتب من الـقرآن ويـتداولها المسلـمون سـراً ليـتدارسوها فـي بـيوتهم بعـيداً عـن أعين قريش...<(8).
ويشير بدوره إلى نوعية الأدوات التي تمت الكتابة عليها، وهل الصحيح أنها كانت بدائية كما أشارت إليه كثير من المصادر. ولكن مثله مثل غيره لم يعط الموضوع حقه من البحث، إضافة إلى أنه يترك القارىء في حيرة من أمره، حيث لا يأتي بأدلة كافية وشافية.
وأشار الأستاذ محمد علي الأشيقر في كتابه : "لمحات عن تاريخ القرآن"(9)، إلى الأدوات التي تمت الكتابة عليها، وحاول تحقيق مدى صحة المقولة المشهورة أن القرآن الكريم كان يكتب على العُسُب واللخاف والأكتاف(10). وقلما تجد من يتطرق إلى هذا الموضوع ممن كتب في علوم القرآن، وهو ما سيأتي عليه الباحث في هذه الدراسة ويجمع الأدلة عليه بتفصيل أكثر، وسيبيِّن مدى الصحة في إطلاق هذا القول.
ومنهم الأستاذ محمد خليفة في كتابه : "الاستشراق والقرآن العظيم"(11). تحت عنوان : "كتابة القرآن وحفظه المبكر"، حيث استشهد ببعض الآيات القرآنية المكية، وكذلك ببعض الألفاظ التي وردت فيها كالقلم والكتاب، وكذا بقصة إسلام عمر بن الخطاب ولبيد الشاعر على إثبات كتابة القرآن في العهد المكي، ولكنه لم يفصل في الموضوع ولم يعطه حقه من البحث ولم تكن أدلته كافية.
وقد تطرق الدكتور محمد عزة دروزة في كتابه : "القرآن المجيد"(12) إلى موضوع كتابة القرآن في العهد المكي في عدة صفحات أثناء حديثه عن كتابة القرآن ومسألة ترتيب الآيات والسور في العهد النبوي. ومن خلال الإشارة إلى آيات قرآنية مكية احتوت على كلمات مثبتة للكتابة، أو تلهم حسب تعبيره ـ دروزة ـ بأن القرآن كان يكتب بموازاة نزوله في العهد النبوي سواء في العهد المكي أو العهد المدني.
وتطرق أيضاً إلى مسألة الأدوات التي كانت تتم كتابة القرآن عليها بصورة عامة. وأن ما اشتهر من أن القرآن الكريم كان يكتب على أدوات بدائية مختلفة لا تمثل كل الحقيقة. وأشار إلى أن العرب قد عرفوا أدوات الكتابة اللينة القابلة للطي والسهلة الحمل من خلال إشارات وردت في نفس تلك الآيات القرآنية المكية، ومن خلال الواقع التاريخي الذي يثبت معرفة العرب لأدوات الكتابة اللينة مثل الجلود والورق البردي المصري. وقد جاء حديث الدكتور عرضاً ولم يكن شاملاً أو كافياً للإجابة على ما يطرح من أسئلة حول كتابة ومصير القرآن المكي المكتوب بعد الهجرة النبوية، حيث اقتصر على بعض الآيات القرآنية المكية فقط.
ويشير الدكتور غانم قدوري الحمد في كتابه : "رسم المصحف"(13)، إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مهتماً بتسجيل النص القرآني في العهد المكي، ولكنه يقتصر فقط على الإشارة إلى قصة إسلام عمر بن الخطاب وإلى خبر عبد اللَّه بن أبي سرح أول كاتب للوحي في مكة.
ومن الذين أشاروا إلى الموضوع من غير سرد للأدلة وتفصيل : محمد حميد اللَّه في كتابه باللغة التركية : "تاريخ القرآن"(14)، ومحمود راميار في كتابه باللغة الفارسية : "تاريخ القرآن"(15). حيث ذكر أول آيات قرآنية مكية تضمنت ألفاظا مثبتة للكتابة، في حين تطرق الثاني إلى ذكر عدد من كُتَّاب القرآن في العهد المكي.
وفي الدراسة التي نشرتها الإيسيسكو تحت عنوان "القرآن الكريم دراسة لتصحيح ما ينشر عن الإسلام والمسلمين من معلومات خاطئة رقم 2"(16)، محاولة لإثبات كتابة القرآن الكريم في العهد المكي، من خلال سرد بعض الآيات القرآنية المكية، وقصة عبد اللَّه بن أبي سرح، محاولة منها الرد على دائرة المعارف الإسلامية الصادرة في ليدن.
وفي كتاب "المستشرقون والقرآن" يحاول الأستاذ إسماعيل سالم عبد العال في صفحة واحدة الرد على بلاشير بعد أن يعرض لكلامه في نفي كتابة القرآن المكي، ولكنه بدلا من أن يأتي بأدلة مقنعة على الكتابة في مكة يسأل الكاتب بلاشير بأنه لا دليل له في نفي الكتابة، ويصف ما صدر منه على أنه تخرصات وافتراءات صدرت من مراكز الاستشراق ليس إلا. ثم يحاول إثبات الكتابة في مكة من خلال الاستشهاد بأنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم عدد من الكتاب المكيين. والغريب أن الكاتب ذكر أسماء لعدد من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم المكيين والذين تأخر إسلامهم إلى ما بعد الهجرة وبعضهم إلى قريب من فتح مكة حيث يقول : >إنه ـ بلاشير ـ يعلم أن هناك كتبة للوحي، بل يعلم أن منهم مكيين كالخلفاء الأربعة ومعاوية وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير<(17). ومعلوم أن إسلام خالد ومعاوية رضي اللَّه عنهما كان بعد الهجرة بسنوات.
ويبدو أن المسألة كانت غامضة عند الدكتور فاروق حمادة في كتابه : "مدخل إلى علوم القرآن والتفسير"، حيث يقول ما نصه : >ولا يفوتني أن أشير إلى أن القرآن الكريم قد لقي نفس المنهج من الحفظ والتدوين في مكة، وإن كانت عملية التدوين لما تتضح لي بعد كثيراً، إلا أنه ورد في بعض الآثار ما يدل على ذلك منها قصة إسلام سيدنا عمر.. <(18). هذا كل ما كتبه عن الموضوع.
ولإزالة هذا اللبس والغموض عن موضوع ذي أهمية بالغة، حيث يتعلق بثلثي القرآن الكريم وهو مانزل في العهد المكي، ولجمع المادة بعد التقاطها واستخراجها واستنباطها من بطون أمهات الكتب في مكان واحد يسهل الرجوع إليه، ولإعطاء القارىء صورة كاملة وشاملة وواضحة حول عملية كتابة القرآن الكريم في العهد المكي ومصير القرآن المكي المكتوب، يجتهد الباحث في دراسة هذا الموضوع بعد التوكل على البارىء عز وجل، ومن خلال دراسة بعض الألفاظ التي وردت في القرآن المكي، وتحليل الآيات المكية والأحاديث النبوية وسرد أحداث السيرة النبوية وتتبعها.
أسئلة البحث
يتتبع الباحث في هذه الدراسة مسألة كتابة القرآن الكريم في العهد المكي ويدرسها دراسة تحليلية نقدية، من خلال الرجوع إلى أمهات كتب التاريخ الإسلامي، والسيرة النبوية، وعلوم القرآن، والتفاسير، وكتب الحديث، والتراجم، واللغة، والكتب المتعلقة بتدوين وحفظ الشعر الجاهلي، محاولاً إزالة اللبس والغموض عن هذا الموضوع المهم، وأن يجمع كل ما يتعلق بموضوع كتابة القرآن الكريم في العهد المكي في مكان واحد، مما هو متناثر في بطون الكتب، محاولاً الإجابة على سؤال مركزي شغل الباحث وهو : هل كتب القرآن الكريم في العهد المكي أم بدىء بكتابته بعد الهجرة النبوية ؟ ويتبع هذا السؤال المركزي أسئلة فرعية وهي : هل تمت كتابة كل ما نزل من القرآن الكريم في العهد المكي، وهو ما يمثل ثلثي القرآن الكريم، أو أنه كتب بعضه ولم يكتب بعضه الآخر؟ وما هي الوسائل والأدوات التي تمت الكتابة عليها في العهد النبوي ؟.
أسئلة تضع مقولة المستشرق الفرنسي بلاشيرBlachere عند حديثه عن مراحل تكوين المصحف : "خلال المرحلة الأولى المشتملة على الأعوام العشرين من الدعوة الإسلامية التي قام بها محمد نفسه، لم تزل المنزلات بكاملها تودع الذاكرة، وتنقلها الألسن إلى الآذان، ولا شك أن مفهوم النصّ المكتوب كان حاضراً في أذهان المهتدين المكيين الذين لم يتجاوز عددهم المئة إبان الهجرة سنة 622م. ويبدو أن فكرة تدوين مقاطع الوحي الهامة التي نزلت في السنوات السالفة على مواد خشنة من الجلود واللخاف، لم تنشأ إلا بعد إقامة محمد في المدينة(19). أقول تضع تلك الأسئلة مقولة بلاشير هذه تحت محك الدراسة والتحليل، كما تضع ترديدات دائرة المعارف الإسلامية الصادرة في ليدن لمقولة المستشرق بلاشير عند تناولها لمادة القرآن(20). وكذا ما ردده بعض الكتاب المسلمين من أقوال تدور في هذا الفلك، مثل محمود عباس حمودة حيث يقول : >ويمكن القول إن التدوين الفعلي للقرآن قد بدأ في المدينة بعد الهجرة ـ وحتى بالنسبة للمدينة نجد أن الروايات تختلف ـ فمنها من(21) ينكر أن القرآن دوِّن فـي عـهد النـبي، ومنـها من(22) يـقول إن الـقرآن كـان في صحائف وراء فراش النبي...<(23).
منهجية البحث
المنهج الذي يتبعه الباحث في معالجة هذا الموضوع هو المنهج التاريخي القائم على التحليل والنقد. وفي سبيل ذلك تهتم الدراسة بتتبع الآيات القرآنية المكية المثبتة لألفاظ التدوين : (الكتاب ـ الصحف ـ القرطاس ـ الرق ـ السجل)، ودراستها دراسة تحليلية ثم الرجوع إلى أمهات المصادر في التاريخ والسير والتفاسير والحديث النبوي وعلوم والقرآن والكتب المتعلقة بالاستشراق. ومن ثم مناقشة الآراء الواردة حول كتابة القرآن الكريم في العهد المكي، ولاسيما من قبل بعض المستشرقين وبعض الباحثين المسلمين المعاصرين.
الحواشي :
(1) سورة الحجر، الآىة 9.
(2) بلاشير، ريجيس : القرآن نزوله وتدوينه وترجمته وتأثيره، ترجمة: رضا سعادة، (بيروت: دار الكتاب، ط 1، 1974م) ص 29-27. وهو ما سيذكر لاحقا.
(3) حمادة، فاروق : مدخل إلى علوم القرآن والتفسير، (د.م: مكتبة المعارف، ط 1، 1979م) ص 72.
(4) صبيح، محمد : بحث جديد عن القرآن الكريم، ( القاهرة: دار الشروق، ط 8، 1983م) ص 68.
(5) هيكل، محمد حسين : حياة محمد، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، ط 13، 1968م، ص 33-32.
(6) هيكل، محمد حسين : الصديق أبو بكر، د.م، مطبعة مصر، د.ط، 1942م، ص 308 ـ 309.
(7) صبيح : بحث جديد عن القرآن الكريم، ص 68.
(8) المرجع السابق، ص 167.
(9) الأشيقر، محمد علي : لمحات عن تاريخ القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي، ط 2، 1988م، ص 28-25.
(10) العُسُـب : وهـو جـريد النـخل يكـتب في الطرف العريض منه، واللخفة : صفائح الحجارة الرقيقة. والكتف : عظم الحيوان.
(11) خليفة، محمد : الاستشراق والقرآن العـظيم، ترجمة : مروان عبد الصبور شاهين، القاهرة، دار الاعتصام، ط 1، 1944 م، ص 79.
(12) دروزة، محمد عزة : القرآن المجيد، بيروت، المكتبة العصرية، د. ط. ت، ص 98-91.
(13) الحمـد، غـانم قدوري : رسـم المصحف دراسة لغوية تاريخية، العراق، اللجنة الوطنية، ط 1، 1982م، ص 97-96.
(14) Muhammad Hamidullah : Kurصani kerim Tarihi, Ceviri : Salih Tug. (Istanbul. 1993). pp. 41-42.
(15) راميار، محمود : تاريخ قران، تهران، مؤسسة انتشارات أمير كبير، د. ط، 1369، ص 65.
(16) القرآن الكريم دراسة لتصحيح الأخطاء الواردة في الموسوعة الإسلامية الصادرة عن دار ليدن، رقم 2، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ مطبة المعارف الجديدة، الرباط، 1997م، ص 63.
(17) عبد العال، إسماعيل سالم : المستشرقون والقرآن، د.م، رابطة العالم الإسلامي، العدد120، 1991م، ص 24.
(18) حمادة، د. فاروق : مدخل إلى علوم القرآن والتفسير، ص 72.
(19) بلاشير : القرآن نزوله وتدوينه وترجمته وتأثيره، ص 29-27.
(20) Bosworth C.E, van Donzel, lewis, B,& pellat, CH, (eds). 1986, the Encyclopaedia of Islam, Leiden, E.J. Brill. V 5, p. 403.
(21) والصحيح ما، وليس من.
(22) والصحيح ما، وليس من.
(23) حمودة، محمود عباس: تاريخ الكتاب الإسلامي المخطوط، الرياض: دار ثقيف، ط 2، 1991م، ص 100.
• تقديم
• ملخص البحث
• الفصل الأول : مقدمة البحث
• الفصل الثاني : الخط العربي وانتقال الكتابة إلى الحجاز
• الفصل الثالث : حالة الكتابة في الجزيرة العربية
• الفصل الرابع : الأدلة على كتابة القرآن الكريم في العهد المكي
• الفصـل الخامـس : أدوات الكتابة ومصير القرآن المكي المكتوب
• خاتمة
• المراجع
.......................................
ثانياً : مقدمة البحث
الفصل الأول : مقدمة البحث
...............................................
• توطئة
• أهمية البحث
• الدراسات السابقة
• أسئلة البحث
• منهجية البحث
............................................
توطئة
الحمد اللّه رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد :
فقد أنزل اللَّه سبحانه وتعالى القرآن الكريم على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، ليكون الرسالة الأخيرة، والدستور الدائم للناس جميعاً، بحيث لاتحده حدود الزمان والمكان، فلقد كفل اللَّه سبحانه وتعالى حفظ لفظه ومعناه بحيث لايتطرق إليه احتمال نقص أوزيادة أو تحريف أو تغيير بقوله تعالى : { إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُون }(1).
وتحقق وعد اللَّه سبحانه بحيث حفظ لهذه الأمة معجزتها الخالدة على ما كانت عليه يوم أنزلت على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهيأ لحفظ هذا النص طرقاً ووسائل عدة لا يجدها الباحث قد توفرت لكتاب من الكتب أو لنص من النصوص سواء أكان سماوياً أم وضعياً في تاريخ البشرية جمعاء، وإلى جانب ذلك فقد بذل العلماء المسلمون في العصور المختلفة جهوداً جبارة في كتابة البحوث وإجراء الدراسات الكثيرة حول القرآن الكريم، حيث فَصَّـلوا القول في كل مايتعلق بالقرآن الكريم من علوم وموضوعات، من نزول وتاريخ، وتدوين، وجمع، وترتيب، وإعجاز، ومكي ومدني، وناسخ ومنسوخ .. الخ.
ولم يكن القرآن الكريم محل اهتمام العلماء والباحثين المسلمين فقط، وإنما أخذ القرآن الكريم مكانة بارزة في دراسات المستشرقين، الذين اهتموا بدراسة الأديان والكتب المقدسة والإسلاميات على مختلف مشاربهم وجنسياتهم، وعلى رأسهم جولد زيهر، ونولدكه، وبلاشير، وغيرهم كثير، حيث أثار بعضهم من الشبهات الشيء الكثير حوله، وكان ذلك عن سوء نية في حين أثار بعض آخر منهم الشبهات لأسباب منهجية أو لغوية فكانت النتيجة أن وقع الفريقان في أخطاء كثيرة.
ومما يؤسف له هو انخداع الكثير من الكتاب المسلمين بدراساتهم القرآنية بما يشاع من أن العلماء أو الباحثين الغربيين أو بالأحرى المستشرقين متَّصفون بصفة البحث العلمي وبالموضوعية وتحري الصِّدق والدقة في الاستنتاج وعدم التعصب للآراء والأفكار.
إلا أنه عند دراسة ما كتبه المستشرقون بإمعان حول القرآن الكريم بصفة خاصة، وحول الإسلام بصفة عامة، يجد الباحث أنهم ابتعدوا كثيراً عن هذه الحقيقة، حيث يحاولون بكل الوسائل طمس الحقائق الثابتة والواضحة وضوح الشمس في كبد السماء فيما يتعلق بالقرآن والإسلام. فهم مغرضون تدفعهم إلى الكتابة حول الإسلام دوافع وأغراض تجعلهم خارجين عن دائرة العلماء طلاب الحقيقة العلمية فيها، وتتحكم فيهم الأهواء والتعصب ضد الإسلام.
قد يكون من بين المستشرقين من هو متصف بالموضوعية وتحري الصدق والأمانة العلمية، أو هناك من يتصف بالإنصاف إذا كان البحث دائراً حول موضوع لاعلاقة له بالإسلام والمسلمين، ولكنهم عندما يأتون إلى الإسلام والمسلمين نجد أن أغلبهم يحاولون تشويه صورة الإسلام الصافية والنقية، والتشكيك في مصدريه الأصليين : القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. إلى جانب التقليل من القيمة الذاتية للفقه وأصوله القائِمَيْنِ عليها.
ولايعني هذا أنه لا يوجد على الإطلاق مستشرقون منصفون، وإنما المقصود أن الصفة العامة والمشتركة بين المستشرقين هي عدم الإنصاف وعدم الموضوعية في الإسلاميات. ولكن لابد أن يشار في هذا المجال إلى حقيقة تاريخية وهي أن كثيراً من المؤرخين تغلب عليهم صفة إطلاق الأحكام العامة والشاملة وعدم الدقة في بعض من الأحيان في إصدار الأحكام، أو في نقل الروايات المتناقضة في الحادثة الواحدة من غير تمييز الصحيح منها من السقيم، فربما يأخذ بواقعة معينة ويبني عليها حكماً عاماً تخالفه وقائع أخرى، وهو ما سيظهر في الدراسة هذه بشكل جلي وواضح، وقد مهّد هذا التوجه لأن يبني المستشرقون على ماصدر من المؤرخين المسلمين من هذا القبيل شبهات خطيرة وافتراءات تمس صلب الإسلام والقرآن الكريم وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنجد أن جل الشبهات والافتراءات التي تمسك بها المستشرقون قد كان لها أصل في بعض كتب المسلمين.
ومن الأخطاء التي صدرت عن بعض المستشرقين من أمثال بلاشير(2) ادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعط أهمية لكتابة النص القرآني في حياته، ولاسيما في العهد المكي الذي امتد حوالي ثلاثة عشر عاماً، وبقي مفهوم القرآن المكي النازل بمكة والمحفوظ في ذاكرة المسلمين المكيين. وإنما بدأ بكتابة المقاطع الهامة من القرآن المنزل عليه في السنوات الأولى من العهد المدني.
وبما أن هذا الموضوع لم تتم دراسته من قبل بشكل مستقل ومفصل فقد صدر من عدد من الباحثين المسلمين ما يفهم منه بأن القرآن المكي لم يكتب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بدأ بكتابة القرآن بشكل فعلي في أوائل العهد المدني.
ومن جانب آخر حاول بعض الباحثين المسلمين إثبات كتابة القرآن الكريم في العهد المكي والرد على مثل هذه الادعاءات، إلا أنه لم تتضح الصورة عند بعضهم، وصرح بعضهم بأن المسألة لا تزال غير واضحة عندنا(3)، وقال آخرون إن النصوص التي بين أيدينا لا تثبت الكتابة في العهد المكي على وجه قاطع(4).
أهمية البحث
تكمن أهمية هذا البحث في نقاط عديدة منها :
1. توضيح مسألة كتابة القرآن الكريم في العهد المكي، وفي الوقت نفسه الرد على من ذهب إلى أن القرآن الكريم لم يكتب إلا في السنوات الأولى من العهد المدني، بقصد إثارة الشبهات حول سلامة النص القرآني وحفظه من الضياع، بناء على أن القرآن المكي يمثل ثلثي القرآن الكريم تقريباً.
2. محاولة إزالة اللبس والغموض حول مسألة كتابة القرآن الكريم في مكة، وذلك لأن أغلب الذين كتبوا في علوم القرآن وتاريخه، ولاسيما من القدماء لم يشيروا إلى مسألة كتابة القرآن في العهد المكي.
وفي العصر الحديث أشار قلة من الباحثين إلى هذه المسألة، على أنها لم تكن واضحة عند بعضهم حتى ذهب بعضهم ـ سبق الإشارة إليه ـ إلى القول : >إننا لانستطيع أن نجزم أن القرآن لم يدون في الفترة المكية..<، وقال آخر ـ قد سبق ذكره ـ إن المسألة غير واضحة.
3. بيان الأسباب التي أدت إلى غموض حركة الكتابة في العهد المكي مقارنة بما كان عليه الحال في العهد المدني.
4. تسليط الضوء على نوعية الأساليب والأدوات التي بها وعليها تمت الكتابة في العهد النبوي بصورة عامة، لما لذلك من أهمية كبيرة في تحديد مصير القرآن المكي المكتوب. وتوضيح مدى صحة المقولة الشائعة بأن القرآن الكريم كان يكتب على العُسُب وقطع الأحجار والعظام وبيان نسبة الحقيقة في ذلك.
5. السعي لبيان الطريقة التي تم بها نقل القرآن المكتوب من مكة إلى المدنية.
الدراسات السابقة
لم يجد الباحث عند بحثه وتصفحه لكتب علوم القرآن وما يتعلق بها مَنْ أَخَذَ من الباحثين بالدراسة موضوع "كتابة القرآن الكريم في العهد المكي" دراسة شاملة تحيط بجميع جوانب الموضوع. بل إنه لم يجد من تناوله ولو في فصل واحد أو مبحث مستقل، حيث إن أكثر الذين كتبوا في علوم القرآن وتاريخه من القدامى لم يشيروا إلى موضوع كتابة القرآن الكريم في العهد المكي، إنما تناولوا موضوع جمع القرآن الكريم وكتابته على إطلاقه في العهد النبوي، ولا يشيرون أو لا يذكرون شيئاً عن المرحلة المكية.
وفي العصر الحديث وجد الباحث أن بعض المؤلفين في كتبهم ـ ولا سيما الكتب ذات العلاقة نوعاً ما بالرد على المستشرقين ـ يشيرون إلى موضوع كتابة القرآن الكريم في مكة، من خلال إشارات تكاد تكون غير واضحة، حيث إنهم في معرض كلامهم عن سلامة النص القرآني من الضياع، وتحت باب الجمع الكتابي للقرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يشيرون إلى الموضوع بإشارات طفيفة.
فمن هؤلاء الباحثين محمد حسين هيكل في كتابيه : "حياة محمد"(5)، و"الصديق أبو بكر"(6)، ومن خلال أسطر قلائل يشير إلى أن القرآن الكريم كان يكتب في العهد المكي، ويستشهد بقصة إسلام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه والصحيفة المشهورة التي كانت سبباً في إسلامه، ولايتجاوز ما كتبه في الكتابين عشرة أسطر.
ومنهم الأستاذ محمد صبيح في كتابه : "بحث جديد عن القرآن الكريم"، حيث يشير إلى الموضوع وتحت عنوان "النبي والقرآن"، ولا يتجاوز ما كتبه صفحة واحدة، إلا أن المسألة تبدو غير واضحة عنده تمام الوضوح حيث يقول : >لا نستطيع أن نجزم بأن القرآن الكريم لم يدون في الفترة المكية، ونلجأ إلى بعض الفروض ونستند إلى إشارات خفيفة مفرقة في بعض المراجع كقصة إسلام عمر بن الخطاب، للاستدلال على كتابة القرآن الكريم في مكة...<(7).
ثم يعود في فصل آخر وتحت عنوان : "التدوين بين النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة" فيقول : >إن النصوص التي بين أيدينا لا تقطع بأن القرآن كان يدون في العهد المكي<، ثم يقول بعد عدة أسطر : >وكل مانرجحه أن صحفاً معينة كانت تكتب من الـقرآن ويـتداولها المسلـمون سـراً ليـتدارسوها فـي بـيوتهم بعـيداً عـن أعين قريش...<(8).
ويشير بدوره إلى نوعية الأدوات التي تمت الكتابة عليها، وهل الصحيح أنها كانت بدائية كما أشارت إليه كثير من المصادر. ولكن مثله مثل غيره لم يعط الموضوع حقه من البحث، إضافة إلى أنه يترك القارىء في حيرة من أمره، حيث لا يأتي بأدلة كافية وشافية.
وأشار الأستاذ محمد علي الأشيقر في كتابه : "لمحات عن تاريخ القرآن"(9)، إلى الأدوات التي تمت الكتابة عليها، وحاول تحقيق مدى صحة المقولة المشهورة أن القرآن الكريم كان يكتب على العُسُب واللخاف والأكتاف(10). وقلما تجد من يتطرق إلى هذا الموضوع ممن كتب في علوم القرآن، وهو ما سيأتي عليه الباحث في هذه الدراسة ويجمع الأدلة عليه بتفصيل أكثر، وسيبيِّن مدى الصحة في إطلاق هذا القول.
ومنهم الأستاذ محمد خليفة في كتابه : "الاستشراق والقرآن العظيم"(11). تحت عنوان : "كتابة القرآن وحفظه المبكر"، حيث استشهد ببعض الآيات القرآنية المكية، وكذلك ببعض الألفاظ التي وردت فيها كالقلم والكتاب، وكذا بقصة إسلام عمر بن الخطاب ولبيد الشاعر على إثبات كتابة القرآن في العهد المكي، ولكنه لم يفصل في الموضوع ولم يعطه حقه من البحث ولم تكن أدلته كافية.
وقد تطرق الدكتور محمد عزة دروزة في كتابه : "القرآن المجيد"(12) إلى موضوع كتابة القرآن في العهد المكي في عدة صفحات أثناء حديثه عن كتابة القرآن ومسألة ترتيب الآيات والسور في العهد النبوي. ومن خلال الإشارة إلى آيات قرآنية مكية احتوت على كلمات مثبتة للكتابة، أو تلهم حسب تعبيره ـ دروزة ـ بأن القرآن كان يكتب بموازاة نزوله في العهد النبوي سواء في العهد المكي أو العهد المدني.
وتطرق أيضاً إلى مسألة الأدوات التي كانت تتم كتابة القرآن عليها بصورة عامة. وأن ما اشتهر من أن القرآن الكريم كان يكتب على أدوات بدائية مختلفة لا تمثل كل الحقيقة. وأشار إلى أن العرب قد عرفوا أدوات الكتابة اللينة القابلة للطي والسهلة الحمل من خلال إشارات وردت في نفس تلك الآيات القرآنية المكية، ومن خلال الواقع التاريخي الذي يثبت معرفة العرب لأدوات الكتابة اللينة مثل الجلود والورق البردي المصري. وقد جاء حديث الدكتور عرضاً ولم يكن شاملاً أو كافياً للإجابة على ما يطرح من أسئلة حول كتابة ومصير القرآن المكي المكتوب بعد الهجرة النبوية، حيث اقتصر على بعض الآيات القرآنية المكية فقط.
ويشير الدكتور غانم قدوري الحمد في كتابه : "رسم المصحف"(13)، إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مهتماً بتسجيل النص القرآني في العهد المكي، ولكنه يقتصر فقط على الإشارة إلى قصة إسلام عمر بن الخطاب وإلى خبر عبد اللَّه بن أبي سرح أول كاتب للوحي في مكة.
ومن الذين أشاروا إلى الموضوع من غير سرد للأدلة وتفصيل : محمد حميد اللَّه في كتابه باللغة التركية : "تاريخ القرآن"(14)، ومحمود راميار في كتابه باللغة الفارسية : "تاريخ القرآن"(15). حيث ذكر أول آيات قرآنية مكية تضمنت ألفاظا مثبتة للكتابة، في حين تطرق الثاني إلى ذكر عدد من كُتَّاب القرآن في العهد المكي.
وفي الدراسة التي نشرتها الإيسيسكو تحت عنوان "القرآن الكريم دراسة لتصحيح ما ينشر عن الإسلام والمسلمين من معلومات خاطئة رقم 2"(16)، محاولة لإثبات كتابة القرآن الكريم في العهد المكي، من خلال سرد بعض الآيات القرآنية المكية، وقصة عبد اللَّه بن أبي سرح، محاولة منها الرد على دائرة المعارف الإسلامية الصادرة في ليدن.
وفي كتاب "المستشرقون والقرآن" يحاول الأستاذ إسماعيل سالم عبد العال في صفحة واحدة الرد على بلاشير بعد أن يعرض لكلامه في نفي كتابة القرآن المكي، ولكنه بدلا من أن يأتي بأدلة مقنعة على الكتابة في مكة يسأل الكاتب بلاشير بأنه لا دليل له في نفي الكتابة، ويصف ما صدر منه على أنه تخرصات وافتراءات صدرت من مراكز الاستشراق ليس إلا. ثم يحاول إثبات الكتابة في مكة من خلال الاستشهاد بأنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم عدد من الكتاب المكيين. والغريب أن الكاتب ذكر أسماء لعدد من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم المكيين والذين تأخر إسلامهم إلى ما بعد الهجرة وبعضهم إلى قريب من فتح مكة حيث يقول : >إنه ـ بلاشير ـ يعلم أن هناك كتبة للوحي، بل يعلم أن منهم مكيين كالخلفاء الأربعة ومعاوية وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير<(17). ومعلوم أن إسلام خالد ومعاوية رضي اللَّه عنهما كان بعد الهجرة بسنوات.
ويبدو أن المسألة كانت غامضة عند الدكتور فاروق حمادة في كتابه : "مدخل إلى علوم القرآن والتفسير"، حيث يقول ما نصه : >ولا يفوتني أن أشير إلى أن القرآن الكريم قد لقي نفس المنهج من الحفظ والتدوين في مكة، وإن كانت عملية التدوين لما تتضح لي بعد كثيراً، إلا أنه ورد في بعض الآثار ما يدل على ذلك منها قصة إسلام سيدنا عمر.. <(18). هذا كل ما كتبه عن الموضوع.
ولإزالة هذا اللبس والغموض عن موضوع ذي أهمية بالغة، حيث يتعلق بثلثي القرآن الكريم وهو مانزل في العهد المكي، ولجمع المادة بعد التقاطها واستخراجها واستنباطها من بطون أمهات الكتب في مكان واحد يسهل الرجوع إليه، ولإعطاء القارىء صورة كاملة وشاملة وواضحة حول عملية كتابة القرآن الكريم في العهد المكي ومصير القرآن المكي المكتوب، يجتهد الباحث في دراسة هذا الموضوع بعد التوكل على البارىء عز وجل، ومن خلال دراسة بعض الألفاظ التي وردت في القرآن المكي، وتحليل الآيات المكية والأحاديث النبوية وسرد أحداث السيرة النبوية وتتبعها.
أسئلة البحث
يتتبع الباحث في هذه الدراسة مسألة كتابة القرآن الكريم في العهد المكي ويدرسها دراسة تحليلية نقدية، من خلال الرجوع إلى أمهات كتب التاريخ الإسلامي، والسيرة النبوية، وعلوم القرآن، والتفاسير، وكتب الحديث، والتراجم، واللغة، والكتب المتعلقة بتدوين وحفظ الشعر الجاهلي، محاولاً إزالة اللبس والغموض عن هذا الموضوع المهم، وأن يجمع كل ما يتعلق بموضوع كتابة القرآن الكريم في العهد المكي في مكان واحد، مما هو متناثر في بطون الكتب، محاولاً الإجابة على سؤال مركزي شغل الباحث وهو : هل كتب القرآن الكريم في العهد المكي أم بدىء بكتابته بعد الهجرة النبوية ؟ ويتبع هذا السؤال المركزي أسئلة فرعية وهي : هل تمت كتابة كل ما نزل من القرآن الكريم في العهد المكي، وهو ما يمثل ثلثي القرآن الكريم، أو أنه كتب بعضه ولم يكتب بعضه الآخر؟ وما هي الوسائل والأدوات التي تمت الكتابة عليها في العهد النبوي ؟.
أسئلة تضع مقولة المستشرق الفرنسي بلاشيرBlachere عند حديثه عن مراحل تكوين المصحف : "خلال المرحلة الأولى المشتملة على الأعوام العشرين من الدعوة الإسلامية التي قام بها محمد نفسه، لم تزل المنزلات بكاملها تودع الذاكرة، وتنقلها الألسن إلى الآذان، ولا شك أن مفهوم النصّ المكتوب كان حاضراً في أذهان المهتدين المكيين الذين لم يتجاوز عددهم المئة إبان الهجرة سنة 622م. ويبدو أن فكرة تدوين مقاطع الوحي الهامة التي نزلت في السنوات السالفة على مواد خشنة من الجلود واللخاف، لم تنشأ إلا بعد إقامة محمد في المدينة(19). أقول تضع تلك الأسئلة مقولة بلاشير هذه تحت محك الدراسة والتحليل، كما تضع ترديدات دائرة المعارف الإسلامية الصادرة في ليدن لمقولة المستشرق بلاشير عند تناولها لمادة القرآن(20). وكذا ما ردده بعض الكتاب المسلمين من أقوال تدور في هذا الفلك، مثل محمود عباس حمودة حيث يقول : >ويمكن القول إن التدوين الفعلي للقرآن قد بدأ في المدينة بعد الهجرة ـ وحتى بالنسبة للمدينة نجد أن الروايات تختلف ـ فمنها من(21) ينكر أن القرآن دوِّن فـي عـهد النـبي، ومنـها من(22) يـقول إن الـقرآن كـان في صحائف وراء فراش النبي...<(23).
منهجية البحث
المنهج الذي يتبعه الباحث في معالجة هذا الموضوع هو المنهج التاريخي القائم على التحليل والنقد. وفي سبيل ذلك تهتم الدراسة بتتبع الآيات القرآنية المكية المثبتة لألفاظ التدوين : (الكتاب ـ الصحف ـ القرطاس ـ الرق ـ السجل)، ودراستها دراسة تحليلية ثم الرجوع إلى أمهات المصادر في التاريخ والسير والتفاسير والحديث النبوي وعلوم والقرآن والكتب المتعلقة بالاستشراق. ومن ثم مناقشة الآراء الواردة حول كتابة القرآن الكريم في العهد المكي، ولاسيما من قبل بعض المستشرقين وبعض الباحثين المسلمين المعاصرين.
الحواشي :
(1) سورة الحجر، الآىة 9.
(2) بلاشير، ريجيس : القرآن نزوله وتدوينه وترجمته وتأثيره، ترجمة: رضا سعادة، (بيروت: دار الكتاب، ط 1، 1974م) ص 29-27. وهو ما سيذكر لاحقا.
(3) حمادة، فاروق : مدخل إلى علوم القرآن والتفسير، (د.م: مكتبة المعارف، ط 1، 1979م) ص 72.
(4) صبيح، محمد : بحث جديد عن القرآن الكريم، ( القاهرة: دار الشروق، ط 8، 1983م) ص 68.
(5) هيكل، محمد حسين : حياة محمد، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، ط 13، 1968م، ص 33-32.
(6) هيكل، محمد حسين : الصديق أبو بكر، د.م، مطبعة مصر، د.ط، 1942م، ص 308 ـ 309.
(7) صبيح : بحث جديد عن القرآن الكريم، ص 68.
(8) المرجع السابق، ص 167.
(9) الأشيقر، محمد علي : لمحات عن تاريخ القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي، ط 2، 1988م، ص 28-25.
(10) العُسُـب : وهـو جـريد النـخل يكـتب في الطرف العريض منه، واللخفة : صفائح الحجارة الرقيقة. والكتف : عظم الحيوان.
(11) خليفة، محمد : الاستشراق والقرآن العـظيم، ترجمة : مروان عبد الصبور شاهين، القاهرة، دار الاعتصام، ط 1، 1944 م، ص 79.
(12) دروزة، محمد عزة : القرآن المجيد، بيروت، المكتبة العصرية، د. ط. ت، ص 98-91.
(13) الحمـد، غـانم قدوري : رسـم المصحف دراسة لغوية تاريخية، العراق، اللجنة الوطنية، ط 1، 1982م، ص 97-96.
(14) Muhammad Hamidullah : Kurصani kerim Tarihi, Ceviri : Salih Tug. (Istanbul. 1993). pp. 41-42.
(15) راميار، محمود : تاريخ قران، تهران، مؤسسة انتشارات أمير كبير، د. ط، 1369، ص 65.
(16) القرآن الكريم دراسة لتصحيح الأخطاء الواردة في الموسوعة الإسلامية الصادرة عن دار ليدن، رقم 2، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ مطبة المعارف الجديدة، الرباط، 1997م، ص 63.
(17) عبد العال، إسماعيل سالم : المستشرقون والقرآن، د.م، رابطة العالم الإسلامي، العدد120، 1991م، ص 24.
(18) حمادة، د. فاروق : مدخل إلى علوم القرآن والتفسير، ص 72.
(19) بلاشير : القرآن نزوله وتدوينه وترجمته وتأثيره، ص 29-27.
(20) Bosworth C.E, van Donzel, lewis, B,& pellat, CH, (eds). 1986, the Encyclopaedia of Islam, Leiden, E.J. Brill. V 5, p. 403.
(21) والصحيح ما، وليس من.
(22) والصحيح ما، وليس من.
(23) حمودة، محمود عباس: تاريخ الكتاب الإسلامي المخطوط، الرياض: دار ثقيف، ط 2، 1991م، ص 100.