عربية القرآن الكريم

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
72
الإقامة
تارودانت-المغرب
للدكتور إبراهيم أصبان
كلية الآداب ، عين الشق الدار البيضاء ــــ المغرب

تدرس اللسانيات الحديثة التغير الدلالي أو التطور الدلالي فيما يسمى بعلم الدلالة التاريخي. وهو محاولة لتقعيد التغيرات التي تحدث للمعنى مع مرور الزمن.
وقد لاحظ علماء اللغة أن التغير الدلالي يحدث تدريجيا في أغلب الأحوال[1]، ذلك أن نفس الكلمات بسبب تطور اللغة خلال الزمن تكتسب معنى آخر وتشرح فكرة أخرى، وعلى هذا فإن تغير المعنى هو تغيير الكلمات لمعانيها[2].
ولكن الملاحظ في القرآن الكريم أنه حينما أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حمل الألفاظ العربية معاني لم تكن معهودة عند الإنسان العربي القديم. نعم، إنه نزل (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: 195) ولكن عربيته كانت جديدة في كل شيء قام ببيانه. إن الذي أبهر العربي وهو يسمع القرآن الكريم، إضافة إلى أسلوبه الرائع، هو المعاني الجديدة التي استعمل فيها القرآن الكريم الألفاظ التي يعرفها العربي، ولكن حين استعملت في سياق القرآن الكريم أعطت دلالات لم يعهدها العربي في كلامه. إنها معاني قال عنها القرآن الكريم: (مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ) وهي معان نزلت من السماء لإصلاح حال أهل الأرض.
فهل يمكن الاعتماد على المعجم العربي لتفسير ألفاظ القرآن الكريم؟
قلنا سابقا إن القرآن قد أحدث قفزة كبيرة في استعمال الألفاظ العربية، وذلك بتحويل دلالة ألفاظ اللغة العربية من الاستعمال العربي البسيط إلى نسق مخالف لاستعمال الشاعر الجاهلي والأديب الجاهلي.
ولهذا فإن الدعاوى التي تدعو إلى تفسير ألفاظ القرآن الكريم بالرجوع إلى اللغة والشعر الجاهلي وحدهما دعاوي ضعيفة تحتاج إلى حجة. ويستدلون على ذلك بأن القرآن عربي، وأن الإنسان العربي قد فهم القرآن دون حاجة إلى ضوابط تفسيرية.
ويستدلون أيضا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أيها الناس تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم، فإن فيه تفسير كتابكم"[3].
إنني لا أنفي قيمة هذا الشعر وأثره في فهم ألفاظ القرآن الكريم بل أقول إنه مستوى واحد فقط من مستويات تحليل الخطاب القرآني. فلا يمكن الاعتماد عليه وحده دون وضع النص الذي نريد تفسيره في السياق العام للشريعة الإسلامية بما في ذلك القرآن والحديث النبوي الشريف.
إن اللغويين الذين حاولوا تفسير القرآن الكريم بمعزل عن مراعاة السياق الذي استعمل فيه القرآن الكلمة وقعوا في أخطاء جسيمة.
إن المفسر لابد أن يستحضر دائما في ذهنه أن المخاطِب بالقرآن الكريم هو الله سبحانه وتعالى، فاللفظ إنما هو وسيلة لتحصيل المعنى ولهذا فدلالات الألفاظ تختلف حسب السقف المعرفي للمتكلم، والمتكلم بالقرآن هو الله تعالى فعلمه علم مطلق، ولذلك فالفرق بين الدلالات التي يحملها اللفظ حين يستعمل في القرآن وحين يستعمل في الشعر الجاهلي كالفرق بين المطلق والنسبي، فالنسبي لا يمكن أن يحيط بالمطلق أبداً، ولهذا فالاعتماد عليه وحده يحجم المعاني العظيمة التي يحملها القرآن المجيد.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "ومنها أن يكون الاعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم، بناء على أن العرب إنما كانت عنايتها بالمعاني، وإنما أصلحت الألفاظ من أجلها. وهذا الأصل معلوم عند أهل العربية. فاللفظ إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد، والمعنى المقصود، ولا أيضا كل المعاني، فإن المعنى الإفرادي قد لا يعبأ به، إذا كان المعنى التركيبي مفهوما دونه"[4].
إن اللفظ قد يكون موضوعا في اللغة لمعنى معين أو يدل عليه لغة وإن لم يوضع له، لكن مراد الله تعالى قد يكون غير ذلك والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها:
قال أبو عبيد معمر بن المثنى في كتابه "مجاز القرآن" عندما أراد تفسير قول الله تعالى: (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) (الواقعة: 29)، قال: زعم المفسرون أنه الموز. وأما العرب. الطلح عندهم شجر عظيم كثير الشوك. وقال الحادي
بشرها دليلها وقالا غدا ترين الطلح والحبالا[5]
إن صاحب مجاز القرآن فسر اللفظة تفسيرا لغويا بحتا، ولم يراع الاستعمال القرآني للكلمة ولا السياق الذي وردت فيه. ولو أنه استعمل المنهج السياقي في التفسير ونظر إلى السابق واللاحق لعلم أن الآية مسوقة مساق الامتنان؛ فالله تعالى ذكر مننه العظيمة على عباده المؤمنين في الجنة، فكيف يمتن عليهم بشجر كثير الشوك، فالشوك لا يعد من النعم في شيء.
وسياق الآية هو: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ اليَمِينِ، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ، وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ، وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ، إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا، عُرُبًا اََتْرَابًا، لأَصْحَابِ اليَمِينِ) (الواقعة: من29 إلى 40) فسياق الآية يبين أن الله تعالى قد امتن على أصحاب اليمين بـهذه النعم الكثيرة.
محورية السياق في تفسير ألفاظ القرآن
إن المنهج القويم في التعامل مع القرآن الكريم هو وضع اللفظ المراد تفسيره في السياق العام كما قلنا آنفا. وهذا السياق العام تحتل فيه الرواية عن الصحابة رضوان الله عليهم مكانها، ولهذا حين فسر شيخ المفسرين الإمام الطبري رحمه الله، هذه اللفظة (الطلح) قال: "وأما الطلح فإن معمر بن المثنى كان يقول: هو عند العرب شجر عظام كثير الشوك وأنشد لبعض الحداة:
بشرها دليلها وقالا غدا ترين الطلح والحبالا
وأما أهل التأويل من الصحابة والتابعين فإنهم يقولون إنه هو الموز".. ثم ذكر ما روي عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب ومجاهد وعطاء رضي الله عنهم جميعا[6].
ونلاحظ هنا أن التفسير اللغوي قاصر عن فهم المعنى القرآني للفظة (طلح) وأنه لا ينسجم مع سياق النص القرآني، بيد أننا نجد أن الرواية منسجمة تماما مع السياق العام.
ومن الأمثلة التي اعتمد فيها معمر بن المثنى أيضا على مجرد اللغة دون مراعاة لأقوال السلف وللسياق قوله في تفسير قول الله تعالى في سورة يوسف: (ثُمَّ يَاتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) (يوسف: 49) فعند تفسيره لكلمة (يعصرون) قال[7]: "أي به ينجون وهو من العصر وهي العصرة أيضا، وهي المنجاة، قال:
ولقد كان عصرة المنجود.
أي: المقهور المغلوب. وقال لبيد[8]:
فباتَ وأسرى القوم آخر ليلهم وما كان وقَّافا بدار مُعصَّر"
وقد اعتمد أبو عبيدة على اللغة في تفسيره لهذه الآية، لأن أصحاب اللغة يذكرون أن العَصَر -بالتحريك- هو الملجأ والمنجاة وكذلك العصرة[9].
أما صاحب المفردات فقد فسرها تفسيرا ملائما لسياقها حين قال: "وفيه يعصرون أي يستنبطون منه الخير"[10].
الملاحظ هنا أن التفسير اللغوي لم يصب في بيان معنى الآية ولم ينسجم مع سياق النص الذي يفيد أن هذا العام هو عام خيرات وبركات حتى إن الناس يعصرون الفواكه لكثرتها ووفرتها[11].
ولقد اشتد نكير الطبري على من فسر الآية هذا التفسير فقال: "وكان بعض من لا علم له بأقوال السلف من أهل التأويل ممن يفسر القرآن برأيه على مذهب كلام العرب يوجه معنى قوله تعالى: (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) إلى وفيه ينجون من الجدب والقحط بالغيث، ويزعم أنه من العصر، والعصر التي بمعنى المنجاة من قول زبيد الطائي:
صاديا يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المجنود
أي المقهور ومن قول لبيد:
فباتَ وأسرى القوم آخر ليلهم وما كان وقَّافا بدار مُعصَّر
وذلك تأويل يكفي من الشهادة على خطئه خلافه قول جميع أهل العلم من الصحابة والتابعين"[12].
نستخلص مما سبق أن المعنى اللغوي لا يكفي لتفسير القرآن الكريم بل لابد من ملاحظة التحول الذي طرأ على الألفاظ العربية في سياق القرآن الكريم.
التحول الدلالي لألفاظ القرآن الكريم
وخير دليل على استقلالية الكلمة القرآنية في معناها عن لغات البشر ما ذكره الدكتور محمود السعران عن ترجمة كلمة "الله" وكيف أن معناها في القرآن الكريم لا يمكن تفسيره أو ترجمته إلى باقي اللغات، فاللغة الإنجليزية مثلا لا تتسع لاستيعاب معاني هذه الكلمة القرآنية العظيمة.
قال[13]: كنا ننظر في تفسير محمد مرمدوك بكثال للقرآن الكريم ورأيناه ذهب مذهبا خاصا في نقل كلمة "الله" عز وجل، إلى الإنجليزية لفظ الجلالة يترجم عادة ب (God) ولكن بكثال لاحظ أن كلمة (God) لا تثير في ذهن القارئ الإنجليزي ما تثيره كلمة (الله) في ذهن القارئ العربي. فكلمة (God) في الإنجليزية تؤنث ب (Goddess) وتجمع على (Gods) بينما الله، وهو واحد لا شريك له، كلمة ليس لها مثنى ولا جمع ولا مؤنث، إن التصور الذي تشير إليه كلمة (الله) سبحانه وتعالى، تصور يقضي على الشرك بينما كلمة (God) لا تقضي على هذا التصور، ولم يجد بكثال في الإنجليزية كلمة تقابل كلمة (الله) في العربية، فاحتفظ بكلمة (الله) في الإنجليزية كما هي، يترجم (بسم الله الرحمن الرحيم) بقوله: In the name of Allah the beneficiatith merciful
ونفس المسلك سلكته الترجمة المصرية للقرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية[14]، حيث احتفظ المترجم بكلمة (الله) كما هي دون ترجمة فقال في تفسير البسملة:
au nom d'Allah le miséricordieux plein de miséricorde
ولقد تفطن كثير من القدماء إلى هذا التغير الدلالي الحاصل على ألفاظ القرآن الكريم، قال أبو هلال العسكري: "فالفرق بين الاسم العرفي والاسم الشرعي أن الاسم الشرعي: ما نقل عن أصله في اللغة فسمي به فعل أو حكم حدث في الشرع نحو: الصلاة والزكاة والصوم والكفر والإيمان والإسلام وما يقرب من ذلك، وكانت هذه أسماء تجري قبل الشرع على أشياء، ثم جرت في الشرع على أشياء أخر، وكثر استعمالها حتى صارت حقيقة فيها وصار استعمالها على الأصل مجازاً. ألا ترى أن استعمال الصلاة اليوم في الدعاء مجاز وكان هو الأصل.
والاسم العرفي: ما نقل عن بابه بعرف الاستعمال نحو قولنا: دابة وذلك أنه قد صار في العرف اسما لبعض ما يدب وكان في الأصل اسما لجميعه. وعند الفقهاء إنه إذا ورد عن الله خطاب قد وقع في اللغة لشيء واستعمل في العرف لغيره ووضع في الشرع لآخر. فالواجب حمله على ما وضع له في الشرع، لأن ما وضع له في اللغة قد انتقل عنه وهو الأصل. فما استعمل فيه بالعرف أولى بذلك وإذا كان الخطاب في العرف لشيء وفي اللغة بخلافه، وجب حمله على العرف"[15].
ويستخدم أبو هلال العسكري اصطلاح "اللغة" للتعبير عن أصل الدلالة قبل تحولها، وكذلك "أصله في اللغة" ويعطي أيضا تركيبا اصطلاحيا "عرف الاستعمال" ليدل على تخصيص الدلالة في بعض الجوانب أو البيئات[16].
أما ابن فارس فقد تحدث عن التحول الدلالي الذي لحق بالألفاظ بمجيء الإسلام قائلا: "كانت العرب في جاهليتها على إرث من إرث آبائهم في لغاتهم وآدابهم ونسائهم وقرابينهم، فلما جاء الله جل ثناؤه بالإسلام، حالت أحوال، ونسخت ديانات وأبطلت أمور، ونقلت من اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع أخر بزيادات زيدت وشرائع شرعت وشرائط شرطت فعلى الآخر الأول"[17].
أما ابن جرير الطبري فقد وظف هذا المنهج في تفسيره أحسن توظيف، فكان يرى أن للكلمة معنى في القرآن الكريم هو غير المعنى الذي كان لها في الجاهلية[18]، وكتابه جامع البيان حافل بالأمثلة على ذلك.
عند تفسيره لكلمة "البخل" التي لا تعني سوى البخل بالمال، نقل هذه الكلمة من معناها اللغوي إلى معناها الذي يقتضيه السياق القرآني. قال في تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلكَافِرِينَ عَذَابًا مُهيِناً) (النساء: 37) "والبخل في كلام العرب منع الرجل سائله ما لديه وعنده [من][19] فضل عنه"[20]. ثم قال: "وأولى الأقوال بالصواب في ذلك ما قاله الذين قالوا: إن الله وصف هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآية بالبخل. بتعريف من جهل أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه حق، وأن محمدا لله نبي مبعوث، وغير ذلك من الحق الذي كان الله تعالى ذِكره قد بينه فيما أوحى إلى أنبيائه من كتبه، فبخل بتبيينه للناس هؤلاء وأمروا من كانت حاله حالهم في معرفتهم به أن يكتموه من جهل ذلك ولا يبينوه للناس.
وإنما قلنا: هذا القول أولى بتأويل الآية؛ لأن الله جل ثناؤه وصفهم بأنهم يأمرون الناس بالبخل، ولم يبلغنا عن أمة من الأمم أنها كانت تأمر الناس بالبخل ديانة، ولا تخلقا، بل ترى ذلك قبيحا، ويذم فاعله، ولا يمتدح، وإن هي تخلقت بالبخل واستعملته في أنفسها، فالسخاء والجود تعده من مكارم الأفعال وتحث عليه، ولذلك قلنا: إن بخلهم الذي وصفهم الله به، إنما كان بخلا بالعلم الذي كان الله أتاهموه، فبخلوا بتبيينه للناس، وكتموه دون البخل بالأموال"[21].
إن لفظة البخل هذه -إذن- قد حملها القرآن الكريم دلالة لم تكن معهودة عند العرب في الجاهلية، ولا عند الأمم الأخرى كما يؤكد ذلك صاحب "تاريخ الأمم والملوك"، فالبخل عندهم خاص بالمال، ولكن القرآن الكريم عمم دلالة هذه اللفظة فشملت المال والعلم.
كما تنبه إلى ضرورة التدقيق في علاقة الدال بالمدلول، واختيار الدال المناسب للمقام.
قال عند تفسير قول الله تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا) (البقرة: 104) فبعد أن ذكر أقوال السلف في معنى "راعنا" قال: والصواب من القول في نهي الله جل ثناؤه المؤمنين أن يقولوا لنبيه: راعنا، أن يقال إنها كلمة كرهها الله لهم أن يقولوها لنبيه صلى الله عليه وسلم نظير الذي ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقولوا للعنب الكَرْمَ، ولكن قولوا الحبلة، ولا تقولوا عبدي ولكن قولوا فتاي"[22] وما أشبه ذلك من الكلمتين اللتين تكونان مستعملتين بمعنى واحد في كلام العرب فتأتي الكراهة أو النهي باستعمال إحداهما واختيار الأخرى عليها في المخاطبات"[23].
إن الطبري، وهو صاحب كتاب ضخم في "تاريخ الأمم والملوك"، يدرك أن التاريخ يغير معنى الكثير من القضايا الإنسانية "فالقضايا الأخلاقية والاجتماعية تواجه تاريخيا مصيرا يشبه المصير الذي تواجهه الألفاظ والكلمات بمرور الزمن من تحول وتبديل. ومعروف أن روح الكلمات ومعانيها وحتى طريقة تلفظها تخضع لتأثير عاملين أساسيين، الزمن والبيئة"[24].
ومن الأمثلة التي تبين هذه القاعدة ما ذهب إليه الطبري في تفسير كلمة (الساحر) الواردة في قوله تعالـى: (وَقَالُوا يَأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ) (الزخرف: 48) قال: "فإن قال لنا قائل ما وجه قيلهم يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك، وكيف سموه ساحرا وهم يسألونه أن يدعو لهم ربه ليكشف عنهم العذاب؟ قيل: إن الساحر كان عندهم معناه: العالم، ولم يكن السحر عندهم ذما، وإنما دعوه بهذا الاسم لأن معناه عندهم كان: يا أيها العالم"[25].
إن العرب تعرف السحر بالمعاني الثلاثة التي ذكرها الراغب وهي: "الأول: الخداع وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعوذ بصرف الأبصار عما يفعله لخفة يد، وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع... والثاني: استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه... والثالث: ما يذهب إليه الأغتام وهو اسم لفعل يزعمون أنه من قوته يغير الصور والطبائع فيجعل الإنسان حمارا ولا حقيقة لذلك عند المحصلين"[26]. وقد يستعمل السحر في سياق المدح كوصف البيان بالسحر لعذوبته وتأثيره في النفس، ووصف الطبيعة بالساحرة وغير ذلك. أما الدلالة التي اقتنصها الطبري، فهي نتيجة دراساته التاريخية وتأمله في حياة الألفاظ كيف تنشأ وكيف تتطور عبر الزمن وهي أيضا نتيجة للتأمل في السياق العام للقرآن الكريم، إذ يذكر القرآن الكريم أن الساحر في عهد موسى عليه السلام قد يكون عالما وقد يكون كذابا. قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ) (يونس: 79) وقال: (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَاتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ) (الأعراف: 112) وقال: (وَلَقَدْ اَرْسَلْنَا مُوسَى بِئايَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) (غافر: 23-24) فالساحر عندهم قد يكون عالما وقد يكون كذابا، وسياق النص هنا اقتضى ما ذهب إليه الطبري من كونه عالما لأنهم قد طلبوا منه دعاء الله تعالى، وهو سياق لا ينسجم مع الدلالة العربية المتطورة لكلمة (ساحر).
ومن ذلك أيضا تفسيره للسجود في قوله تعالى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا) (يوسف: 100) فالسجود هنا ليس هو السجود المنهي عنه، أي سجود العبادة وإنما هو فقط تحية بينهم. قال الطبري: "إن السجود كان تحية بينهم، إن ذلك كان منهم على الخلق لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض. ومما يدل على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديما على غير وجه العبادة من بعضهم لبعض، قول أعشى بني ثعلبة:
فلما أتانا بعيد الكرى سجدنا له ورفعنا العمارا"[27]
نستخلص مما سبق، أن دلالات الألفاظ ليست ثابتة على حال بل هي متغيرة، ولذلك بواعث مخصوصة، وأعراض يقرها علم اللغة قديما وحديثا، وأن القرآن الكريم نزل بألفاظ العرب ولغته، ولكن كثيرا من الدلالات قد انزاحت عن مدلولاتها، وأصبحت لها دلالات إسلامية مفترقة عن الهيئة الأولى للغة العرب.
تحقيق القول في مجاز القرآن
هذا وقد لجأ بعض المفسرين إلى القول بمجاز القرآن الكريم لحل هذا الإشكال، فما مدى دقة هذا القول؟
إنني لا أريد أن أدخل في نقاش هل المجاز موجود في اللغة أم غير موجود، فهذا الموضوع ليس ذا فائدة كبيرة في هذا البحث، وإن كنت أرى أنه لا مانع من القول بوجوده في اللغات التي يتواصل بها أبناء الجماعة اللغوية، ولكن القول بوجود المجاز في اللغة يختلف عن القول بوجوده في القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين. فحين نقول بامتناع المجاز في القرآن الكريم لا نعني أبدا الوقوف عند ظاهر النص، بل لابد من النظر في الدلالات التي تستقى من السياق، فالسياق القرآني هو المنتج للدلالة، والدراسة المعجمية لألفاظ القرآن الكريم ينبغي أن يكون مصدرها الأول هو القرآن ثم السنة المبينة للقرآن، ثم إن القول بمجاز القرآن الكريم هو قول لا يليق بمقامه، ولا يليق بالله تعالى أن نصفه بأنه متجوز، وهو بعد هذا تحليل سطحي للخطاب القرآني لسببين:
أولا: إذا قلنا بوجود المجاز في القرآن الكريم طبقا لقواعد اللغويين في تعريف المجاز، وهي الانتقال من الوضع إلى الاستعمال؛ فإننا سنحكم على ألفاظ القرآن الكريم بأنها كلها مجاز؛ لأن المعاني التي تحملها معاني جديدة كل الجدة على الإنسان العربي.
قال الدكتور عبد الصبور شاهين: "لقد كان القرآن بحق انفجارا هائلا، إن جاز التعبير، رج أنحاء الحياة العربية على اختلاف مستوياتها، ولاسيما الجانب اللغوي والبياني، فقد واجه العرب في لغتهم شيئا لم يعهدوه من قبل في لغة شعرائهم وخطبائهم، كان جديدا في كل شيء قام به بيانه، فالألفاظ المعروفة بأصواتها تختلف عما عرفوه بمعانيها القرآنية، واختلاف معاني الألفاظ يقتضي من القارئ أن يتعرف عليها حتى يفهم المراد من الجمل والعبارات وحتى يستوعب المفهوم الكامل للنص المقروء..."[28].
ثم يمضي الدكتور عبد الصبور شاهين فيضرب مثلا بالآيات الخمس الأولى التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بغار حراء والتي بهر بها العرب، وهي قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الاِِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ، عَلَّمَ الاِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق: من1 إلى5) قال: فهذه آيات خمس تضمنت من الألفاظ مجموعة لا تزيد على عشرة ولسنا نستطيع القول بأن عرب الجاهلية كانوا يجهلون هذه الألفاظ، ولكنا نملك الجزم بأن كل لفظ منها كان يحمل معنى لا يعرفه جاهلي، وهذه هي المباينة بين ما ألفوه من قدرتهم على البيان، وبين ما تميز به بيان القرآن من اقتدار، لقد قيل دائما "إن المعاني ملقاة في الطريق يتناولها من شاء، وإنما يتفاضل البلغاء في الألفاظ" ولكن القرآن عكس هذه القضية تماما، حين جاء بألفاظ يستعملها كل الناس في معان لا يعرفها أحد من الناس.
كان العرب يعرفون كلمة (اقرأ) والمعنى القراءة، ولكن المراد بهذه اللفظة في الآيات لا علاقة له بمعرفتهم هذه، فالأمر (اقرأ) أمر إلهي، وهو موجه إلى من لا يعرف القراءة ولا الكتابة بالمفهوم اللغوي. وقد وضع الوحي بين يديه مادة القراءة، فإذا هي معان لا تمت إلى مذخور العقل العربي بصلة ما، وذلك متمثل في الربط البديع بين القراءة واسم الرب الخالق، وقد كانت للعرب الجاهليين فكرة عن الإله مشوشة مغلوطة، تختلط بفكرة الوثنية المشركة، فلا ريب أن مسافة هائلة كانت تفصل بين فكرتهم هذه، وبين ما دعي إليه محمد، صلى الله عليه وسلم، في هذه اللحظة الإلهية من القراءة باسم الرب الخالق، شيء غريب على العقلية العربية الجاهلية، وهو شديد الغرابة إذ استمرت الآيات فذكرت (خلق الانسان من علق) الألفاظ سهلة مأنوسة، ولكن المعنى جديد تماما، بل إن هذا المعنى بقي جديدا حتى الآن، يحاول العلم أن يصل إلى أسرار هذه العلقة، فيتكشف له كل يوم جديد دون أن يتصور أنه واصل إلى غاية هذا المعنى القرآني، عن أصل الإنسان اللغز الأبدي.
وحين تمضي الآيات في وصف الرب بـ (الأكرم) فلابد أن ندرك من هذا الوصف لا محدودية الكرم الإلهي، الذي لم يتصل العربي آنذاك في معتقده بطرف منه، لقد كان يرى أن الخير كله في أوثانه التي يعكف عليها، ولم يكن يتصور هذه (الأكرمية) للرب الخالق، ولا مناص من أن نعترف نحن الآن، وبعد أن عاشت العقيدة بيننا أربعة عشر قرنا، أننا عاجزون عن إدراك كنهها، إذ هي معبرة عن صفة للرب تمتد إلى وجود لا يحده زمان ولا مكان، وقد جاءت بصيغة تفضيل يعبر عن المطلق، لا عن النسبي: (ربك الاَكرم) ثم كيف تم هذا التعليم بالقلم؟ وما مادته، وما حقيقة القلم؟ وأي إنسان؟ أهو الإنسان بعامة؟ وما حقيقة (ما لم يعلم)؟ وما مداه؟...
هذا هو الإعجاز القرآني الذي منح اللفظ العربي امتدادا في المدلول فأحدث ثورة لغوية لم تشهدها لغة من لغات البشر. وقد وقع التطور في اللغة العربية في صورة انتقالات على خيط المعنى الممتد من استعمال الجاهلية إلى استعمال القرآن[29].
السبب الثاني الذي يدفعنا إلى القول بعدم دقة القول بمجاز القرآن، أن ألفاظ القرآن الكريم -بناء على ما قلناه عن التطور الحاصل فيها- تُكوّن حقلا دلاليا مستقلا[30]؛ إذ القرآن الكريم يحمل قاموسه في ذاته، فإذا أردنا تفسيره فمرجعنا هو تتبع استعمالات القرآن للكلمة داخل الحقل الدلالي القرآني.
وقد ألف الإمام عبد الحميد الفراهي كتابا نفيسا سماه "مفردات القرآن الكريم نظرات جديدة في تفسير ألفاظ قرآنية" وتتبع فيه الكلمات العربية التي أخذت معاني جديدة داخل الحقل القرآني، فيبين تعميم الدلالة وتخصيصها، والسياقات التي تستعمل فيها الكلمة في القرآن الكريم.
وتناول الآيات التي يستدل بها المجازيون وبيَّن أن لا مجاز فيها، وإنما هو التغير الحاصل بالتعميم أو التخصيص، قال رحمه الله: "ربما يراد من اللفظ معنى أعم مما يستعمل فيه عادة، ويسمونه التجريد وربما يراد منه معنى أخص مما يستعمل فيه عادة. أما الأول فكما في قوله تعالى: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ) (الأعراف: 154)؛ أي هدأ وسكن، وكما في قوله تعالى: (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ) (الكهف: 77)؛ أي قارب أن ينقض. ولا أراه من المجاز ولا من التشبيه، فلم ينسب الإرادة إليه، ولا شبه الجدار بذوي الحس. وكثيرا ما يقع ذلك عند العطف والبدل"[31].
وهناك محاولات أخرى معاصرة لجمع ودراسة ألفاظ القرآن الكريم وبيان التغير الحاصل فيها، ومنها محاولة الدكتور عبد العال سالم مكرم في كتابه "الكلمات الإسلامية في الحقل القرآني" وقد اعتمد فيه على كتاب "الزينة" لأبي حاتم الرازي وأضاف إضافات موفقة، وقد قسم الكلمات التي درسها إلى كلمات تتعلق بأسماء الله تعالى وألفاظ السمعيات "الجنة والنار والصراط والأعراف..إلخ"، وألفاظ العبادات والمعاملات، وألفاظ تتعلق بالقرآن الكريم وعلومه وألفاظ عامة.
قال في مقدمة كتابه هذا: "إن القرآن الكريم يطالعنا بكلمات أعطاها الإسلام مدلولات خاصة ومعاني معينة. فأسماء الله تعالى وصفاته لها في الأذهان معاني ليست معروفة عند أهل الجاهلية، وألفاظ العبادة من صلاة وركوع وسجود وتشهد لها أيضا مدلولات إسلامية تختلف كل الاختلاف عن المدلولات الجاهلية"[32].



الهوامش
  1. 1. علم اللغة مقدمة للقارئ العربي. محمود السعران، 280.
  2. 2. انظر علم الدلالة. مختار عمر، 235.
  3. 3. الموافقات للشاطبي،2/88. وانظر مقدمة كتاب غريب القرآن في شعر العرب سؤالات نافع بن الأزرق إلى عبد الله بن عباس.
  4. 4. الموافقات، 2/87.
  5. 5. مجاز القرآن لمعمر بن المثنى، 2/250.
  6. 6. جامع البيان لابن جرير الطبري،29/181.
  7. 7. مجاز القرآن، 1/313-314.
  8. 8. شرح ديوان لبيد. تحقيق د. إحسان عباس، 49. قال الشارح: ويقال إن قيسا كان مع قوم يسيرون فلسعته حية فمضى أصحابه وتركوه. فيقول: لم يقم إلا لأمر أصابه وقفا بغير معصر. يقول ما كان يقيم إلا للأمر حبسه. بغير معصر أي بغير حرز. أي بغير منجاة. وهو مأخوذ من العصر والعصر: الملجأ.
  9. 9. الصحاح مادة عصر.
10. المفردات للراغب الأصفهاني، 336.
11. أسباب اختلاف المفسرين، 100.
12. جامع البيان، 12/233-234.
13. علم اللغة مقدمة للقارئ العربي لمحمود السعران، 270
14. انظر المنتخب في تفسير القرآن الكريم باللغتين العربية والفرنسية.
15. الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري.
16. علم الدلالة العربي. فايز الداية، 287.
17. الصاحبي، 87.
18. دراسة الطبري للمعنى. محمد المالكي، 310.
19. لعل الصواب هو [ما].
20. جامع البيان، 5/85.
21. جامع البيان، 5/86.
22. في صحيح البخاري عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقل أحدكم أطعم ربك وضيء ربك، وليقل سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل فتاي وفتاتي وغلامي) صحيح البخاري باب كراهية التطاول على الرفيق. وقوله عبدي أو أمتي. حديث رقم: 2552. ج: 3/173.
23. جامع البيان، 1/47.
24. معرفة الإسلام. علي شريعتي، 345.
25. جامع البيان، 25/80.
26. المفردات، 226.
27. جامع البيان، 13/69.
28. العربية لغة العلوم والتقنية لعبد الصبور شاهين، 59.
29. انظر العربية لغة العلوم والتقنية، 60-61.
30. ظهرت نظرية الحقول الدلالية في اللسانيات الحديثة، وتعرف بأنها مجموعة من الكلمات التي ترتبط دلالاتها ضمن مفهوم محدد، وتقول هذه النظرية إنه لكي تفهم معنى كلمة يجب أن تفهم كذلك مجموعة الكلمات المتصلة بها دلاليا، أو كما يقول ليونز يجب دراسة العلاقة بين المفردات داخل الحقل أو الموضوع الفرعي، وهدف التحليل للحقول الدلالية هو جمع كل الكلمات التي تختص حقلا معينا والكشف عن صلاتها الواحد منها بالآخر، وصلاتها بالمصطلح العام. انظر علم الدلالة، 70-80. ومبادئ اللسانيات، 302.
31. مفردات القرآن، 115. قارن قوله هذا بقول الدكتور محمد حسين علي. قال: وفي قوله تعالى: (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ) يتجلى المجاز العقلي مستشرفا إن الجدار ليس كائنا ذا إرادة، ولا هو بمريد شأن من يريد في الفعل أو الترك ولكنه البعد المجازي الذي وهب الحياة للجماد...؟!! مجاز القرآن، 112.
32. الكلمات الإسلامية، 5.


المصدر : مجلة الإحياء
 
بسم1​

اللغة العربية لغة تختلف عن جميع اللغات ولها خصائص خاصة تحتاج إلى دراسات خاصة، ولكن هناك أمر مهم يجب مراعاته عند الحديث عن اللغات بشكل عام واللغة العربية بشكل خاص وهو أنه يجب التفريق بين اللسان العربي وكلام العرب.
اللسان العربي هو القدرة اللغوية لهذا اللسان على ( صناعة ) الألفاظ والدلالات المختلفة؛ واللسان العربي في هذا الخصوص قدرته غير محدودة في صناعة الألفاظ والدلالات ، وهنا تعتمد صناعة الألفاظ أيضا على القدرة اللغوية لمن يستخدم هذا اللسان العربي.
ما ورد في الموضوع أعلاه يذكر بعض الألفاظ القرآنية التي تظهر قدرة هذا اللسان، كما أن من يدرس السيرة النبوية سيكتشف أن الصحابة وقفوا عند ألفاظ محددة للرسول صلى الله عليه وسلم مستفسرين منه عن معناها مثل سؤالهم عن معنى (الهرج) فقال صلى الله عليه وسلم: الهرج الموت ، والأمثلة كثيرة في هذا الباب.
أما كلام العرب فهو الألفاظ التي تحدث بها العرب في فترة زمنية محددة وهو كلام يمكن منه أن نعرف بعض خصائص اللسان العربي لكنه قد لا يحيط بالضرورة بكل القدرة اللغوية الهائلة للسان العربي وهذا يفسر لماذا كان الصحابة يسألون عن بعض الألفاظ التي وردت في القرآن الكريم أو على لسان النبي عليه الصلاة والسلام.
اللسان العربي هو القدرة اللغوية (المطلقة) للسان أما كلام العرب فهو كيف استخدم العرب هذا اللسان في حياتهم؛ ولذلك يجب دراسة اللسان العربي من حيث هو نظام لغوي فريد له خصائص كونية خاصة أوسع وأشمل من كلام مجموعة بشرية عاشت ضمن حدود جغرافية محددة في فترة من الفترات؛ وليس هناك شك أن كلام العرب له أهمية كبيرة في دراسة اللغة، لكن كلام العرب في نظري هو نقطة إنطلاق فقط نحو دراسة اللسان العربي وقدرته اللغوية الكونية العجيبة.
والله تعالى أعلم.
 
تصحيح:
الهرج هو القتل وليس الموت ؛ هناك فرق في المعنى.
عَنْ أَبي مُوسى الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ". قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ".
 
الفاضل عبد الرحمن النور ، جزاكم الله خيرا على التواصل
قلتم : اللغة العربية لغة تختلف عن جميع اللغات ولها خصائص خاصة تحتاج إلى دراسات خاصة،
وهذا الكلام يحتاج إلى دليل . لأن اللغات أصلها واحد . يقول تعالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ...}[البقرة:31]
يقول الشعراوي في تفسيره : " ونعلم أن اللغة بدأت توقيفية حين علّمها الله لآدم ، ثم تكلّمها آدم فسمعتها بيئته ، فصارت وضعية من بعد ذلك ، واختلفت اللغة من مجتمع إلى آخر ."
وقلتم : ولكن هناك أمر مهم يجب مراعاته عند الحديث عن اللغات بشكل عام واللغة العربية بشكل خاص وهو أنه يجب التفريق بين اللسان العربي وكلام العرب.
اللسان العربي هو القدرة اللغوية لهذا اللسان على ( صناعة ) الألفاظ والدلالات المختلفة؛ واللسان العربي في هذا الخصوص قدرته غير محدودة في صناعة الألفاظ والدلالات ، وهنا تعتمد صناعة الألفاظ أيضا على القدرة اللغوية لمن يستخدم هذا اللسان العربي.
اللسان العربي هو الكلام العربي ، يقول تعالى :
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ...}[إبراهيم:4]
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }[النحل:103]
ما ورد في الموضوع أعلاه يذكر بعض الألفاظ القرآنية التي تظهر قدرة هذا اللسان، كما أن من يدرس السيرة النبوية سيكتشف أن الصحابة وقفوا عند ألفاظ محددة للرسول صلى الله عليه وسلم مستفسرين منه عن معناها مثل سؤالهم عن معنى (الهرج) فقال صلى الله عليه وسلم : الهرج القتل ، والأمثلة كثيرة في هذا الباب.
يقول الإمام السيوطي في الإتقان : " ولكن لغة العرب متسعة جدا ، ولا يبعد أن تخفى على الأكابر الأجلة . وقد خفي على ابن عباس معنى فاطر وفاتح . قال الشافعي في الرسالة : (لا يحيط باللغة إلا نبي ) " والنص أعلاه يتناول موضوع إبراز دلالات جديدة في اللسان العربي جاء بها القرآن الكريم ، فلسان القرآن مطلق لأن مصدره الله الواحد الأحد الذي خلق اللسان وعلم الإنسان البيان . واللسان العربي نسبي لأنه إنساني " إن المفسر لابد أن يستحضر دائما في ذهنه أن المخاطِب بالقرآن الكريم هو الله سبحانه وتعالى ، فاللفظ إنما هو وسيلة لتحصيل المعنى ولهذا فدلالات الألفاظ تختلف حسب السقف المعرفي للمتكلم، والمتكلم بالقرآن هو الله تعالى فعلمه علم مطلق، ولذلك فالفرق بين الدلالات التي يحملها اللفظ حين يستعمل في القرآن وحين يستعمل في الشعر الجاهلي كالفرق بين المطلق والنسبي، فالنسبي لا يمكن أن يحيط بالمطلق أبداً، ولهذا فالاعتماد عليه وحده يحجم المعاني العظيمة التي يحملها القرآن المجيد."
والله أعلم وأحكم
 
عربية القرآن بين اللسان والكلام

عربية القرآن بين اللسان والكلام

بسم1

الأخ العزيز/ عبدالكريم عزيز
القول أن اللغة العربية تختلف عن جميع اللغات يأتي بسبب أن القرآن الكريم الذي أنزل بلسان عربي مبين كتاب يختلف عن ما سواه من كتب، وله سمات خاصة به ورد ذكرها في القرآن وهذا يتطلب من الباحث في شأن اللسان العربي أن يبحث عن السمات اللسانية التي تحمل سمات ذلك الكتاب؛ يقول الله تبارك وتعالى في الآية الأولى من سورة هود: "الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" .
وهذا يقودنا إلى ما يلي:
أولا- الإحكام
إحكام آيات الكتاب يتطلب أن يكون اللسان الذي أنزلت به هذه الآيات محكما أيضا؛ ولذا فإن اللسان العربي لسان محكم في دلالاته وفي تراكيبه وفي نظامه؛ وهذه ميزة لا تتوفر في اللغات الأخرى وهذا هو ما يتجه إليه البحث العلمي المعاصر من وجود خصائص خاصة باللسان العربي لا توجد في اللغات الأخرى.
ثانيا- التفصيل
تفصيل آيات الكتاب المحكمات يتطلب لسانا له قدرة على (أداء) هذا التفصيل؛ بمعنى أن يكون في هذا النظام اللغوي قدرة على تفصيل الألفاظ حسب الدلالات التفصيلية المرتبطة بها ؛ وهذا باب واسع للبحث والدراسة.
و ما ذكرته هو بعض سمات اللسان العربي التي تؤكد تميزه عن سائر لغات البشر.
إما كون أصل اللغات واحد ثم اختلفت فهذا يقود إلى عدة أشياء منها:
-أن اللغة التي هي أصل اللغات يجب أن تتميز بالخصائص الأصلية ؛ مثل الإحكام والتفصيل وغيرها؛ وهذه خصائص تنطبق على اللغة العربية أو اللسان العربي كما ذكرت أعلاه.
- أن اختلاف اللغات عن الأصل هو الذي ذهب بالخصائص الأصلية أو بعضها عن تلك اللغات ؛لذا لا نجد اللغات الأخرى محكمة و لا نجدها قادرة على احتواء تفصيل الدلالات كاللسان العربي الذي أنزل به القرآن؛ على اعتبار أن اللسان العربي هو أصل اللغات؛ وهذا يؤكد ما ذهبت إليه من أن دراسة اللسان العربي أو اللغة العربية تختلف عن دراسة اللغات الأخرى لأن اللغة العربية تحتفظ بسمات أصلية.
المسألة الثانية : هل اللسان العربي هو كلام العرب؟
اللسان هو النظام اللغوي الذي يصنع الألفاظ حسب المعاني المطلوبة ، والكلام هو ناتج استخدام هذا النظام اللغوي ، اللسان هو نظام عام والكلام هو تطبيق خاص ؛ ولذلك فإن القول أن اللسان العربي هو كلام العرب يجوز في الطرح العام ؛ ولكن التفريق بين المعنيين ضروري وهام لمن يريد أن يدرس الظواهر اللغوية في القرآن الكريم ومقارنتها بكلام العرب؛ ولذلك حين يقول الله تبارك وتعالى :" وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم "؛ يجب أن ندرك أن اللسان هنا هو النظام اللغوي الذي يستخدمه القوم الموجه لهم الرسالة ولكن الكلام المرسل( بفتح السين) هو كلام الله؛ ولو كان اللسان هو الكلام ولا فرق بينهما لأصبحت الآية :" وما أرسلنا من رسول إلا بكلام قومه"، ونحن ندرك أن هناك فرقا كبيرا بين المعنيين، فالله عز وجل يرسل رسله بلسان أقوامهم ولكن الكلام هو كلام الله. ويمكن تمييز الفرق بين اللسان والكلام بكل سهوله باستعراض الايات التي ورد فيها ذكر اللسان والآيات التي ورد فيها ذكر الكلام، ولذلك نقول عن القرآن الكريم أنه أنزل بلسان عربي ولا نقول عنه أنه أنزل بكلام العرب بل هو لسان عربي والكلام كلام الله عز وجل.
وهذا التعليق على العنوان "عربية القرآن الكريم" ليس اعتراضا على ما ورد في الموضوع ولكن لتوجيه دارسي عربية القرآن الكريم لمسألة الفرق بين اللسان العربي وبين كلام العرب حتى يمكن تفسير كثير من الظواهر اللغوية في القرآن الكريم وفي كلام العرب بدراسة خصائص اللسان العربي المبين.
والله تعالى أعلم.
 
الدكتور أصبان جزاه الله خيرا ذكر أشياء من الصعوبة التسليم بها لأن من المقرر والمعلوم هو أن القرآن العظيم عبارة عن بيان. تلاوة البيان خطاب أو رسالة, هذه الرسالة لا ترسل ولا تستقبل إلا لهدف: الفهم المتبادل. إذن: هناك حالة تواصل بين المرسل والمستقبل. المرسل يستخدم إشارات يعرفها ثم يعرف في نفس الوقت أن المستقبل يعرفها أيضا وإلا لا فهم متبادل. هذا هو نموذج التواصل في أساسه الذي نستفيد منه أن أدوات الرسالة من إشارات (الألفاظ والتعابير) هي أدوات كانت معروفة معهودة عند المستقبل المباشر في فجر الإسلام.
من يحاول أن يخالف أساس هذا النموذج من خلال تفصيل حالة التواصل وآلياتها يحتاج إلى أدلة قوية صراحة.
وقوله أن المراد بـ {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} المعاني/الدلالات قول غير صحيح بل يخالف مراده الآخر بالسياق: وظيفته وهدفه. بدون العودة للتفاسير، ولا حتى السياق، نعرف وبتركيب الآية (=العبارة القرآنية) أن المقصود هنا: أنباء الغيب: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}.

اللغويون لم يقعوا في أخطاء جسيمة كما أفهم أنا بل التفسير اللغوي مهم جدا للوقوف ضد الباطنيات. اللغوي عندما يقدم إشارة ويبيّن حدودها أنها تعني: م1، م2، م3، م4 و م5، فإن أي محاولة لإضافة أو إزالة معنى ستواجه بطلب الدليل وأي محاولة لصرف الإشارة عن ظاهرها إلى مجاز أو ما شابه يجب أن تكون محاولة ضمن م1، م2، م3، م4 و م5.

وقوله أو تساؤله (فكيف يمتن عليهم بشجر كثير الشوك، فالشوك لا يعد من النعم في شيء) هذا وبغض النظر عن تفسير الطلح هو قول غير مقبول عندي لأنه تفسير دنيوي والجنة إخبار أخروي: هي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فما المانع أن نقول أن الطلح المنضود شجر عظام لها شوك، ثمرتها الموز، وشوكها لها ظل طيب بارد ممدود؟ هذا أولا. ثانيا: في القرآن (طلح منضود) وليس (طلح) وفرق كبير جدا بين (ماء) { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} و (ماء مهين) {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}. ثالثا: هذا التفسير اللغوي مهم لرفض من قال مثلا أن (طلح منضود) = (حلاوة الطاعات وتحقيق المقامات).
وتفسير الطلح بالموز أو بشجر له ظل طيب بارد لا يستفاد منه أن عربية القرآن كانت فيه جديدة فضلا عن كونها جديدة في كل شيء قام القرآن العظيم ببيانه - كما يقول د. أصبان. لأن هذا التفسير حسب المفسرين تأويل، وليس إختراع من غير أصل ولا دليل. يجب إذن البحث عن معنى التأويل هنا.

أما سؤال الصحابي عن "بعض الألفاظ" فليس فيه ما يدل على نظرية د. أصبان.
أنت تعرف ما معنى "النحو" و تعرف ما معنى "التركيب النحوي" لكن إذا سمعت "التركيب النحوي للجهاز الهضمي" فسوف تسأل ما "التركيب النحوي": أي - ما التركيب النحوي في هذا السياق أو في هذه العبارة. وبعض التركيبات التي تؤدي إلى إستشكال أو لبس موجودة في القرآن لأن القرآن جاء ليصحح المفاهيم (الإحكام والتفصيل) ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم البيان.

الرسول صلى الله عليه وسلم يبيّن لهم "الصلاة"؟ نعم. الصلاة في الجاهلية = رحلات تجارة، وفي الإسلام = شعيرة دينية؟ لا!


 
تحية خالصة للأخوين الكريمين عبد الرحمن وشايب
أتوجه أولا إلى الفاضل عبد الرحمن ، وأذكره بأن ضبط المصطلحات ضروري في كل مجالات المعرفة .
قلتم اللسان : هو النظام اللغوي الذي يصنع الألفاظ حسب المعاني المطلوبة .
وأقول : البيان : هو النظام اللساني الذي يصنع المفردات حسب المعاني المطلوبة . يقول تعالى في سورة الرحمن : [الرَّحْمَنُ{1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ{2} خَلَقَ الْإِنسَانَ{3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ{4}]
والبيان يكون بواسطة اللسان ، واللسان تنضوي تحته الأحرف .
فإذا كان القرآن بلسان عربي مبين ، فالقرآن نزل على سبعة أحرف .
أما مفردة (اللغة) فلا وجود لها بالتعبير القرآني ، لأنها مشتقة من اللغو ، والقرآن الكريم لا لغو فيه . فعوض اللغة نقول اللسان .

مع فائق التقدير والاحترام
 
تعريف اللسان بأنه النظام اللغوي الذي يصنع الألفاظ حسب المعاني المطلوبة تعريف صحيح ومقبول فقد ورد في القاموس المحيط : اللُّغَةُ: أصْواتٌ يُعَبِّرُ بها كلُّ قومٍ عن أغْراضِهِم. ويقول أبو الفتح عثمان بن جنِّي وهو أحد أبرز علماء فقه اللغة العربية في القرن الرابع الهجري في تعريفه للغة :" حد اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" وقد ورد في معجم مقاييس اللغة ما يلي:" اللام والغين والحرف المعتل أصلانِ صحيحان، أحدهما يدلُّ على الشَّيءِ لا يُعتدُّ به، والآخَر على اللَّهَج بالشَّيء.
والعرب تنصرف في معنى كلمة "اللغة" إلى اللهج بالشيء أو بمعنى أدق اللهجة، فيقولون لغة هذيل أي لهجة هذيل؛وقد ورد استخدام مصطلح اللغة في كثير من كتب علم القراءات وشرح الحديث ولم ينصرف فهم العرب لاستخدام هذه الكلمة إلى أصل اللغو.
المقصود أن اللسان نظام (صوتي) يصنع الألفاظ حسب المعاني المطلوبة.
أما القول أن البيان هو نظام لساني .....؛ فيجب الانتباه إلى أن البيان هو إظهار الشيء المخفي أو المجهول، والبيان قد يكون باللسان وقد يكون بشيء آخر.
والله تعالى أعلم.
 
لسان القرآن هو لسان العرب الذي يتكلمون به : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ...}[إبراهيم:4]
والفرق الموجود بين لسان القرآن ولسان العرب ، هو أن القرآن كلام الله وهو كلام مطلق ، يتميز عن كلام البشر الذي هو نسبي .
وهذا هو موضوع المحاضرة أعلاه .

مع فائق التقدير والاحترام
 
يقول الدكتور حسن فرحات : " إن دراسة المصطلح القرآني ، إنما تكون من خلال المنظومة القرآنية نفسها . ولا يمكن الاعتماد فيها على مرجعية غير قرآنية . لأن صاحب الكلام في هذه الحالة ، هو الذي يحدد لنا المراد بكلامه . وذلك طبقا لقوله تعالى : [لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ{16} إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ{17} فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ{18} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ{19}] القيامة 16 ـــ 19 .
أما إذا اعتمدنا مرجعية أخرى ، فلن نصل إلى المعنى الصحيح ، الذي يريده الله منا . إذ خاطبنا بهذا القرآن . ومن ثم نجد أسباب الاختلاف بين الفرق ، والمدارس التفسيرية خلال التاريخ ، إنما ترجع إلى اختلاف المرجعيات التي يحاكمون النص إليها .
وهكذا أدت هذه العملية إلى الفرقة والاختلاف من جانب ، وإلى البعد عن المعاني الحقيقية التي أراد الله منا : أن نهتدي إليها ."
 
السلام عليكم
هل يستقيم هذا المعنى:
" إنها معاني قال عنها القرآن الكريم: (مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ) وهي معان نزلت من السماء لإصلاح حال أهل الأرض." ؟


 
أخي الفاضل شايب ،
قولك : وقوله إن المراد بـ (مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا) المعاني/الدلالات قول غير صحيح بل يخالف مراده الآخر بالسياق: وظيفته وهدفه. بدون العودة للتفاسير، ولا حتى السياق، نعرف وبتركيب الآية (=العبارة القرآنية) أن المقصود هنا: أنباء الغيب: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)

وأقول : فأنباء الغيب لم يكن يعرفها النبي صلى الله عليه وسلم ولا قومه . وهذه الأنباء ، جاءت بمفردات عربية معروفة لدى العربي ، لكن معانيها ودلالاتها جديدة كل الجدة . لأن أنباء الغيب لها معان لا يعرفها العربي وإلا لما كانت غيبا .
هذه المعاني هي التي أشار إليها الدكتور أصبان في مقالته : " ولكن الملاحظ في القرآن الكريم أنه حينما أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حمل الألفاظ العربية معاني لم تكن معهودة عند الإنسان العربي القديم. نعم، إنه نزل (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: 195) ولكن عربيته كانت جديدة في كل شيء قام ببيانه. إن الذي أبهر العربي وهو يسمع القرآن الكريم، إضافة إلى أسلوبه الرائع، هو المعاني الجديدة التي استعمل فيها القرآن الكريم الألفاظ التي يعرفها العربي، ولكن حين استعملت في سياق القرآن الكريم أعطت دلالات لم يعهدها العربي في كلامه. إنها معاني قال عنها القرآن الكريم: (مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ) وهي معان نزلت من السماء لإصلاح حال أهل الأرض."
لذلك أقول للأخ الفاضل عبد الرحمن : ما وجه عدم الاستقامة في ذلك ؟

مع فائق التقدير والاحترام
 
عودة
أعلى