تيسير الغول
New member
حاتم الأصم كان حاتم الأصم رجلا كثير العيال قليل المال، ولكنه كان حسن التوكل شديد الاجتهاد في الطاعات. جلس ذات ليلة يتحدث مع أصحابه فتعرضوا لذكر الحج، فداخل الشوق قلبه، فدخل على أولاده وجلس معهم يحدثهم، فقال لهم: "لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجا، ويدعو لكم، ماذا عليكم لو فعلتم؟". فقالت زوجته وأولاده: "أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا، ونحن على ما ترى من الفاقة، فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحالة؟". وكان له ابنة صغيرة فقالت: "ماذا عليكم لو أذنتم له، ولا يهمكم ذلك، دعوه يذهب حيث شاء فإنه مناول الرزق، وليس برازق". فقالوا: "صدقت والله هذه الصغيرة يا أبانا، انطلق حيث أحببت". فقام من وقته وساعته وأحرم بالحج، وخرج مسافرا، فأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم، كيف أذنوا له بالحج، وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة، ويقولون: "لو سكتت ما تكلمنا". فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء وقالت: "إلهي وسيدي ومولاي عودت القوم بفضلك، وأنك لا تضيعهم، فلا تخيبهم ولا تخجلني معهم". صدقت الصغيرة فصدقها الله فبينما هم على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيدا فانقطع عن عسكره وأصحابه وأصابه عطش شديد، فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم الأصم فاستسقى منهم ماء، وقرع الباب فقالوا: "من أنت؟". قال: "الأمير ببابكم يستسقيكم". فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت: "إلهي وسيدي سبحانك، البارحة بتنا جياعا، واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا". ثم إنها أخذت وعاءً جديدا وملأته ماء، وقالت للمتناول منها: "اعذرونا". فأخذ الأمير الوعاء وشرب منه فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال: "هذه الدار لأمير". فقالت: "لا والله، بل لعبد من عباد الله الصالحين عرف بحاتم الأصم". فقال الأمير: "لقد سمعت به". فقال الوزير: "يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة أحرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئا، وأخبرت أنهم باتوا جياعا". فقال الأمير: "ونحن أيضا قد ثقلنا عليهم اليوم، وليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم". ثم حلّ الأمير منطقته (حزامه) من وسطه ورمى بها في الدار، ثم قال لأصحابه: "من أحبني فليلقِ منطقته". فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم ثم انصرفوا. فقال الوزير لأبناء حاتم: "السلام عليكم أهل البيت لآتينكم الساعة بثمن هذه المناطق". فلما نزل الأمير رجع إليهم الوزير، ودفع إليهم ثمن المناطق مالا جزيلا، واستردها منهم. فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاءً شديدا فقالوا لها: "ما هذا البكاء إنما يجب إن تفرحي، فإن الله وسع علينا". فقالت: "يا أم، والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعا، فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة، فأغنانا بعد فقرنا، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى أحد طرفة عين، اللهم انظر إلى أبينا ودبره بأحسن تدبير". في معية الله هذا ما كان من أمرهم، وأما ما كان من أمر حاتم أبيهم فإنه لما خرج محرما، ولحق بالقوم توجع أمير الركب، فطلبوا له طبيبا فلم يجدوا، فقال: "هل من عبد صالح؟". فدلّ على حاتم، فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته، فأمر له بما يركب، وما يأكل، وما يشرب، فنام تلك الليلة مفكرا في أمر عياله. فقيل له في منامه: "يا حاتم من أصلح معاملته أصلحنا معاملتنا معه"، ثم أخبر بما كان من أمر عياله، فأكثر الثناء على الله تعالى. وبعد أن قضى حجه ورجع تلقاه أولاده فعانق الصبية الصغيرة وبكى ثم قال: "صغار قوم كبار قوم آخرين، وإن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به، فعليكم بمعرفته والاتكال عليه، فإنه من توكل على الله فهو حسبه".
ذكرت هذه القصة لأني كنت قد عزمت على السفر الى بلد الله الحرام . ولكن المرض استوقفني ولم يمهلني الى عودتي فتخلّفت عن الركب ورضيت بما كتبه الله تعالى عليّ من قدر. رغم أني في غاية الشوق للبيت العتيق ولكن الله تعالى قدّر فأحكم قدره. أحمده سبحانه على كل حال ولا تنسوني من صالح دعائكم أحبتي في الله.
ذكرت هذه القصة لأني كنت قد عزمت على السفر الى بلد الله الحرام . ولكن المرض استوقفني ولم يمهلني الى عودتي فتخلّفت عن الركب ورضيت بما كتبه الله تعالى عليّ من قدر. رغم أني في غاية الشوق للبيت العتيق ولكن الله تعالى قدّر فأحكم قدره. أحمده سبحانه على كل حال ولا تنسوني من صالح دعائكم أحبتي في الله.