[align=center]د. محمد المسير عالم الأزهر في ذمة الله [/align]
شيعت الأحد 2, نوفمبر. 2008جنازة الدكتور محمد أحمد المسير، أستاذ العقيدة والفلسفة في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، والذي يعد من أعلام العمل الدعوي، بعد حياة حافلة بالعطاء اتخذ خلالها مواقف صريحة أدخلته في معارك مع قيادات بالأزهر.
وخرجت الجنازة من الجامع الأزهر، وشهدت حضورا كثيفا من علماء الأزهر، سواء ممن اختلف معهم الراحل، وعلى رأسهم الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر، أو من قياداته المباشرة في الجامعة، وعلى رأسهم الدكتور أحمد الطيب، رئيس الجامعة.
وشارك أيضا نواب رئيس الجامعة وعمداء الكليات وطلاب مصريون ومن المبعوثين للدراسة في الأزهر، والذين سجلوا حضورًا كثيفا على غير العادة، تقديرا لمكانة د. المسير في العالم الإسلامي، وليس في مصر فقط.
كذلك حرصت على المشاركة قيادات دينية سابقة، من بينها الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، والدكتور أحمد عمر هاشم، الرئيس السابق لجامعة الأزهر، ورؤساء الجمعيات الدينية في مصر، وعلى رأسها الجمعية الشرعية، التي نقلت بسيارتها جثمان الراحل إلى مسقط رأسه في قرية كفر طبلوها مركز تلا بمحافظة المنوفية في دلتا النيل.
وكانت صحة د. المسير قد تدهورت بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة؛ بعد إصابته بتليف في الكبد، مما تطلب دخوله المستشفى أكثر من مرة.
ومؤخرا سافر إلى الصين لإجراء عملية زراعة كبد، لكن الأطباء رفضوا إجراءها؛ نظرا لتدهور حالته الصحية بشدة، ونصحوه بالعودة إلى مصر، وما هي إلا أيام معدودات حتى انتقل إلى جوار ربه.
اختلاف بلا تطاول
واتسم د. المسير بالجرأة في الحق والدفاع عنه مهما كان الثمن، ولم يخرجه اختلافه مع الآخرين عن عفة لسانه، فلم يتطاول على المخالفين له في الرأي، ومن أبرزهم الشيخ طنطاوي، منذ أن أفتى –حين كان المفتي- بأن فوائد البنوك حلال، وهو ما عارضه بشدة د. المسير وعلماء آخرون.
كما اختلف د. المسير مع الدكتور محمود زقزوق، وزير الأوقاف، بسبب دعوة الأخير إلى توحيد الأذان، إذ اعتبر الراحل أن ذلك يمثل تعطيلا لشعيرة إسلامية لها ثواب عظيم؛ لأن صوت المؤذن عبر الأجهزة الحديثة المستخدمة في الأذان الموحد لا يُعد أذانًا، وإنما هو صدى صوت ونقل لذبذبات صوتية لا تغني عن الأذان المباشر في كل مسجد، مضيفا أنه على الوزارة أن تبحث عن الأصوات الندية لرفع الأذان في المساجد، بدلا من الأذان الموحد.
ونشأ د. المسير في بيت أزهري، وورث العلم أبا عن جد، حيث كان من كبار علماء الأزهر، وظهر نبوغه مبكرًا، فكان الأول في الثانوية الأزهرية على مستوى الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين، وتخصص في قسم العقيدة، حتى وصل إلى درجة الأستاذية، وتسابقت عليه الجامعات للتدريس فيها.
وعمل د. المسير أستاذًا للعقيدة والأديان في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى السعودية، ما بين عامي 1993- 1998، بعد أن عمل رئيسًا لقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز في المدينة المنورة لمدة أربع سنوات بداية من عام 1983.
وشارك د. المسير في عشرات المؤتمرات داخل مصر وخارجها بأبحاث كان بعضها نواة لكتب عالج فيها القضايا المطروحة على الساحة في حينها، وتجاوزت مؤلفاته الـ40 كتابا.
كثيرون هم أبناء الأزهر الذين يتخرجون من بين جنباته، ولكن قليلون هم الذين يحفرون لأنفسهم اسما وينأون به بعيدا عن التلوث، ويحافظون على استقلالهم، ويحظون باحترام جميع التيارات والاتجاهات، والدكتور محمد سيد أحمد المسير أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر أحد هؤلاء الرجال.
وعن ضعف مستوى خريجي الأزهر، والقيود التي تكبل أكبر جامعة إسلامية في العالم، وكيفية التغلب عليها، ودور الأزهر في مواجهة التبشير،وإمكانية قيام سوق إسلامية مشتركة، ومشاكل الشباب والعنف .. حول كل ذلك كان هذا اللقاء مع ضيفنا الكريم.
* ضعف مستوى الدعاة وأئمة المساجد وخريجي الأزهر أصبح أمرا معلوما لا يخفى على أحد ولا تخفى خطورته وضرره على الدعوة ... ما هو سبب هذا الضعف وكيف يمكن التغلب عليه؟
** الأزهر الشريف تحمل عبء الدعوة الإسلامية ألف عام، ومازال يتحمل هذه المسئولية بأمانة وأخلاق وشرف، وقد كان الأزهر وحده في مجال الدعوة الإسلامية على مستوى العالم، ولكن الآن أصبح هناك روافد للأزهر تتمثل في الجامعات الإسلامية التي انتشرت في أفريقيا وآسيا وقامت على أكتاف علماء الأزهر. فهم الذين أسسوا بنيانها على تقوى من الله ورضوان، وهم الذين يتحملون مواصلة التدريس فيها، بالإضافة إلى أبناء هذه الدول أنفسهم الذين تخرجوا في الأزهر وعادوا إلى بلادهم محملين بالثقافة الإسلامية النقية التي لا تعرف تعصبا ولا جموداً.
أما ما يثار حول ضعف مستوى الخريجين حاليا فتلك مسألة موقوتة لها أسبابها التي نعمل على علاجها وتخطيها، ففي الفترة الأخيرة حدث توسع في المعاهد الأزهرية على مستوى القرى والنجوع، وكان الاهتمام منصبا على الكم في محاولة سباق مع الزمن للوجود الأزهري في كل بقعة من بقاع مصر.
وهذا السباق أدى إلى أن يغض البعض الطرف عن الكيف، فنشأت مجموعات في هذه الفترة قد تكون هي المقصودة بهذه الشكوى، لكن الآن والحمد لله أصبح هناك اهتمام كبير بالكم والكيف.
* كيف أثر إلغاء هيئة كبار العلماء وتعيين شيخ الأزهر وإلغاء نظام الأوقاف على حركة الأزهر بعد أن فقد انتخاب قياداته وتمويله الذاتي؟ ولماذا توارى الأزهر على المستوى العالمي؟
** أولاً هيئة كبار العلماء مازالت قائمة تحت اسم جديد هو مجمع البحوث الإسلامية، فهذا المجمع يضم صفوة من علماء المسلمين في مصر والعالم الإسلامي وهو منوط به التعريف بالإسلام وتحديد المفاهيم وبيان حكم الإسلام فيما يجد من مشاكل الحياة المعاصرة. فالمسألة ليست مرتبطة بالاسم وإنما القضية هي ماذا قدم المجمع اليوم للمسلمين، وهذا ما يجب أن تتجه إليه الهمم لتنشيط عمل المجمع وتدعيم إمكانياته المادية وتيسير عقد المؤتمرات، لأن المفترض أن يعقد له مؤتمر سنوي، وإنما يتأخر هذا المؤتمر سنوات لعدم وجود التمويل اللازم.
فحبذا لو اتجهت الحكومات الإسلامية إلى دعم الأزهر باعتباره الواجهة المشرفة للمسلمين والحارس لعقيدتهم. أما قضية انتخاب شيخ الأزهر من عدمه فهي لا تمثل حجر عثرة في طريق النهوض بالأزهر، فعلى مدى التاريخ كان شيخ الأزهر يعين ولم يمنع ذلك من أن يقف شيخ الأزهر مواقف الدفاع عن الدين وحماية حقوق الشعب والمطالبة بتطبيق الشريعة، لأن المفترض أن العالم أيا كان موقعه لا يخشى إلا الله، ومن باب أولى أن يكون الإمام الأكبر أحرص الناس على كلمة الحق ولا يخشى لومة لائم.
فأنا لست من أنصار إثارة الجدل حول هذه النقطة وإنما أطالب بالتمكين لمجمع البحوث الإسلامية واختيار العناصر ذات الكفاءة الممتازة من العلماء لشغل مقاعد هذا المجمع على أن يختار من بينهم شيخ الأزهر.
وبالنسبة لقضية الأوقاف، فمما يفخر به المسلمون مسألة الوقف، وهو باب من أبواب التكافل الاجتماعي البعيد عن ميزانية الدولة، فهو لون من الجود والكرم وقد كان الوقف كظاهرة إسلامية يتغلغل في كافة مشاكل المجتمع ليحلها، ولو حرص الناس اليوم على إحياء الوقف لأدى ذلك إلى انتشار المدارس والمستشفيات على كافة ربوع أرض الإسلام.
وبالنسبة لأوقاف الأزهر فليست ذات أهمية كبيرة، فالآن الميزانية الرسمية للأزهر لها جوانب كثيرة ومتعددة وليس هناك شكوى من نقص الاعتمادات.
فالمسألة لا ينبغي أن تكون مثار شكوى، والذين يثيرونها يربطون بين كلمة الحق وبين الأوقات، ولكن العالم الذي يخشى الله ويتقيه سواء كان مرتبه من الأوقاف أو من الدولة فهذا لا يمنعه من أن يجهر بكلمة الحق. ثم إننا لا نريد أن نوقع الخصومة بين العلماء والحكام، وإنما نحن ننصح وندعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومسألة الصراع مع السلطة ليس مما تخدم به الدعوة وإنما هي تضر الدعوة وتعوق مسيرتها.
* يأخذ كثير من الناس على بعض العلماء انحيازهم الدائم لرأى الدولة الرسمي حتى ولو لم يكن هذا الرأي صواباً.. فكيف يستطيع علماء الإسلام أن يحلوا هذه المشكلة الشائكة؟
** لست من أنصار افتعال الخصومات مع الحكومات، والدعوة الإسلامية يجب أن تعيش في ظل الحكومة وإلا سيتحول الأمر إلى مواقف من الفتنة والصراع الدموي.
والحاكم ما هو إلا فرد من الشعب، وعندما يكون الشعب على بصيرة في أمر دينه وعلى وعي بحقوقه سيكون الحاكم على شاكلته كما قال الله تعالى: [وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا]. فالحاكم ما هو إلا فرد من المجتمع، وصلاح المجتمع يفرز الحاكم الصالح والعكس بالعكس. وإذا كانت هناك أهمية خاصة لقيادة الحاكم للدعوة الإسلامية على أساس أنه أقرب وأسرع للتأثير ولإنجاح الرسالة، إلا أن هذا لا يمنعنا أن نربي الشباب ونثقف الأمة ونبعث فيها عوامل التدين ونشجعها على الاستقامة.
واللوم الواقع على بعض العلماء هو النفاق الذي قد يتبناه قلة قليلة منبوذون من الله ومن الناس ، والحق دائما أبلج والشعوب بحسها الفطري تستطيع أن تدرك الفرق بين كلمة الحق وكلمة النفاق.
* لا حظنا أن الكنيسة تتمتع بحرية أكبر.. فلا أحد يتدخل في انتخاباتها.. ولا في تمويلها فهل هذا ينطوي على شيء من المحاباة؟
** نحن دولة إسلامية والحاكم مسلم والشعب مسلم وبالتالي نحن ننظم أمورنا بما يحقق لنا الاستقامة والولاء لله ورسوله، أما ما يتعلق بأهل الذمة فهم متروكون يدبرون شئونهم الدينية بما يعتقدونه وما يرونه مناسبا لهم شريطة ألا يسيئوا إلى أحد من المسلمين، ولا يظاهرون علينا أحدا، فهذا من الحرية الدينية التي تكفلها الدولة الإسلامية لرعاياها غير المسلمين. وحرص الدولة على الإسلام وحرص المسلمين على دينهم هو أصلح مناخ لرعاية الحقوق لغير المسلمين. وأذكر أن واحدا من النصارى قال لي: يا أخي لقد كنا فيما مضى في حماية الإسلام عندما كان الإيمان يتغلغل في قلوب المسلمين، فلما خف الإيمان في نفوسهم أصبحنا في حماية القانون، ووالله إن حماية الإسلام أحب إلينا من حماية القانون.
* ما هو تقييمكم للحركة الإسلامية.. وهل ما يثار حول التطرف من أجهزة الإعلام حقيقي أم مبالغ فيه؟
** الإسلام واحد وليس هناك إسلام خارج الأزهر وإسلام داخل الأزهر، وعندما يتبوأ الأزهر مكانته اللائقة به فسوف يكون كشروق الشمس تختفي معه كل المصابيح.
لكن أتى علينا حين من الدهر لم يتبوأ فيه العلماء مكانتهم اللائقة نتيجة بعض الظروف فخلت الساحة من العلماء فنشأت قضية ما يسمى بالجماعات والأمراء وما شاكل ذلك.
وهذه الجماعات، وإن كنا نعتقد إخلاصها، إلا أنها ليست مؤهلة للدعوة ولا تملك القدرة الصحيحة على التعبير باسم الإسلام، فالدعوة الإسلامية تقوم على أركان ثلاثة: إخلاص وعلم وحكمه.
فالدعوة بغير إخلاص تصبح نفاقا وويل للمجتمع من كل منافق عليم اللسان، والدعوة بغير حكمة تصبح فتنة وشراً مستطيراً، فالعالم الداعية يعرف متى يقول الكلمة وكيف يقولها، والدعوة بغير علم تصبح جهلاً وفاقد الشيء لا يعطيه.
* كيف ترون حرب التنصير الشرسة التي تدور رحاها في معظم بلاد المسلمين؟ وما هي أهم أسلحتنا المضادة لمواجهة التنصير؟ وما دور الأزهر في هذا الصدد؟
** العداء للإسلام قائم، وسيظل قائما، ونتوقع من أعدائنا أن يفعلوا كل شيء وليس هذا بالجديد، وإنما القضية تكمن في ماذا أعددنا لمواجهة أساليب أعدائنا. فمواجهة التبشير ليس واجب فرد ولا حكومة وإنما واجب كل مسلم، وكل حكومة إسلامية. وهذه المواجهة ذات شقين: الأول هو الالتزام بالإسلام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في كل دولة إسلامية التزاما أمينا بكل المعاني، والشق الثاني هو ما ينبغي أن تقدمه الحكومات الإسلامية للأفارقة والآسيويين الذين يتعرضون للضغوط التنصيرية. وأفريقيا يموت أهلها جوعا وهي الآن مهدده بخطر الإيدز، والمعونات الصليبية تتدفق إليها باسم الصليب مع أننا كمسلمين نملك من الثروات والإمكانات ما نستطيع أن نقدمه باسم الإسلام. إن التنصير في أفريقيا خصوصا يتجه في غالبيته إلى الوثنيين لأن أفريقيا بها ملايين الوثنيين الذين لا يعرفون دينا، وأهل الصليب يريدون أن يستحوذوا على هذه المجموعات الضخمة.
والمواجهة ليست فقط ببناء مساجد، إننا نريد المواجهة العملية الشاملة ببناء المدرسة والمستشفى وتقديم المأوى والطعام والكساء.
ثم إن ما يجب أن نعرفه هو أن النصرانية ليس فيها ما يغري أحداً على الدخول فيها والتحمس لها، وأهل الصليب يخدعون الناس بالعلاج والغذاء، والإسلام وحده هو الذي يقدم للناس العقيدة الصحيحة والمبادئ السامية.
* السوق الإسلامية المشتركة .. هل هي وهم أم حلم يمكن تحقيقه؟
** ليست وهما وليست حلما، كل الأسباب والعوامل تؤكد ضرورة الوحدة الإسلامية. ومن المآسي حقا أننا نملك أكبر تجمع عالمي في موسم الحج ولا تجد فيه بضاعة إسلامية، حتى المصلى التي نصلي عليها تأتي من الصين الشيوعية، وأصبح موسم الحج الإسلامي مجمعاً لكل منتجات العالم ما عدا المنتجات الإسلامية، وأصبح هؤلاء متفننين فيما يجذب المشتري في كل شيء وليس هذا عجزاً من المسلمين أو عن قلة ذات اليد.
وأذكر أنني رأيت في أحد مواسم الحج قماشا من اليابان مكتوبا عليه صنع من القطن المصري الممتاز.. فلماذا هذه الدورة الطويلة؟ ألم يكن من الأجدى أن يختصر الطريق فيأتي القطن المصنوع في مصر ليباع في مكة مباشرة؟.
إننا نرى أرضاً خصبة في السودان والصومال صالحة للزراعة ولا يستنبتها أحد في الوقت الذي تشكو فيه بلاد إسلامية مثل مصر من الزيادة السكانية.
إن أوروبا تجتمع اليوم سياسيا واقتصاديا، بلا دين ولا لغة ولا تاريخ، فدينهم مذاهب شتى ولغاتهم متفرقة، وتاريخهم أسود كله حروب ومنازعات، ومع ذلك يتخطون كل هذه العقبات ليقيموا وحدتهم، في الوقت الذي نملك نحن فيه كل عوامل الوحدة والثروات وما زلنا عالة على غيرنا.
وأحسبه أنه آخر عالم أزهري على نهج الرعيل الأول من الأزهريين..العلماء العاملين الناصحين الصادقين المصلحين المخلصين الذين قل نظيرهم في الأزهر بل و في العالم الإسلامي إلا من رحم الله..