عاقبة تأديب النفس

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
إن النفس التي صبر صاحبها على تأديبها ومجاهدتها في الله تعالى ؛ هي النفس التي لم تبال بما يفعل المخالفون ، ولا بما يستهزئ به المستهزئون ، ولا بما تناله من أذى في سبيل مرضاة الله تعالى ، فهي تعلم أن هذا طريق نجاتها ، ولابد من الصبر على ما في هذا الطريق من صعوبات للوصول إلى السعادة الأبدية ، قال الله تعالى : ] إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ . إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [ [ المؤمنون : 109 : 111 ] .
فهل تكون منهم - أيها القارئ ؟!

قيل : على العاقل أن يكون له ساعة يحاسب فيها نفسه ؛ فهلا فعلنا ذلك ؟
هلا نظرنا في علاج أنفسنا مما علق بها من أمراض ؟
قال الغزالي - رحمه الله - ما خلاصته : إن مثال النفس في علاجها بمحو الرذائل والأخلاق الرديئة عنها وجلب الفضائل والأخلاق الجميلة إليها - مثال البدن في علاجه لمحو العلل عنه وكسب الصحة له وجلبها إليه ؛ فالنفس إن كانت زكية طاهرة مهذبة فينبغي أن تسعى لحفظها وجلب مزيد قوة إليها واكتساب زيادة صفائها ، وإن كانت عديمة الكمال والصفاء فينبغي أن تسع لجلب ذلك إليها ؛ وكما أن العلة المغيرة لاعتدال البدن الموجبة للمرض لا تعالج إلا بضدها ؛ فكذلك الرذيلة التي هي مرض القلب علاجها بضدها ؛ فيعالج مرض الجهل بالتعليم ، ومرض البخل بالتسخي ، ومرض الكبر بالتواضع ، ومرض الشره بالكف عن المشتهى تكلفًا ؛ وكما أنه لابد من الاحتمال لمرارة الدواء وشدة الصبر عن المشتهيات لعلاج الأبدان المريضة ؛ فكذلك لابد من احتمال مرارة المجاهدة والصبر لمداواة مرض القلب ، بل أولى ؛ فإن مرض البدن يخلص منه بالموت ، ومرض القلب – عياذا بالله تعالى – مرض يدوم بعد الموت أبد الآباد. ا.هـ . فطريق النجاة صعب وعر ولكن عاقبته جميلة ، وقد قَالَ النبي
e : " حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ".

واعلم أن من عانى تهذيب نفسه وتنظيف قلبه كان من أفضل الناس ، فقد سئل النبي e : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ " قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ : " هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ " ؛ ومخموم مِنْ خَمَمْت الْبَيْت إِذَا كَنَسْته وَنَظَّفْته ؛ أي : القلب الذي نظفه صاحبه من هذه الأمراض : الإثم والبغي والغل والحسد ، فأصبح نقيًّا تقيًّا ؛ فهل ترى أن ذلك يمكن أن يكون بغير تهذيب النفس وتأديبها ؟
 
عودة
أعلى