د.خديجة إيكر
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الإبدال بمعناه الصرفي هو وضع حرف مكان حرف آخر بشرط ألا تكون هذه الحروف حروف علة تبدل في ما بينها لأن هذا يسمى إعلالا و هو موضوع آخر . والإبدال قانون من القوانين الصوتية و الصرفية في آن واحد ،بمعنى أنه قد تجتمع عوامل صوتية و صرفية معا لتؤدي إلى حدوث الإبدال في اللفظ .
و تفيد معرفة الإبدال مستعمل اللغة في أمور كثيرة ، أهمها تمكينه من حسن استخدام المعجم ،لأنه بمعرفته بوجود إبدال في كلمة ما يتمكن من معرفة اصلها المبدل منه و بالتالي يقوم بإرجاعها إلى أصلها مما يسهل عليه البحث عن معناها داخل المعجم . كلفظ "اتحاد " مثلا أبدلت فيه الواو تاء ، وأصله واوي ،أي من فعل "وحد "، فحين يكون الشخص ملما بالإبدال سيذهب داخل المعجم مباشرة إلى حرف الواو و ليس الألف ، وهو يبحث عن معنى هذا كلمة " اتحاد ".ويحدث الإبدال في اللغة في مواضع مضبوطة من النسق العربي منها :
أ ـ إذا كان الفعل المعتل مثالا واويا ( أي فاؤه أو حرفه الأول واو ) فإن هذه الواو تبدل تاء في صيغة الافتعال ، ثم تدغم التاءان في بعضهما . مثل : وصف إذا صغناها على وزن افتعل تصبح ـــــــ اوْتَصَفَ ، فتبدل الواو تاء ـــــــ اتْتَصَفَ ، ثم تدغم التاء في التاء ــــــــــ اتَصَفَ .
وقد جاءت في القرآن الكريم آيات كثيرة حدث في أفعالها هذا النوع من الإبدال نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تبارك وتعالى : ( والقمر إذا اتسق ) الإنشقاق 18 ، ففعل (اتسق ) مشتق من (وسق )المثال الواوي ، وقوله سبحانه وتعالىأيضا : (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) الزمر 34 ، والشاهد هنا هو فعل (يتقي ) المشتق من (وقى) المثال الواوي كذلك ، و قوله جل وعلا: (هم و أزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ) ،حيث اشتق اسم الفاعل الذي جاء جمع مذكر سالم (متكئون ) من (وكأ) المثال الواوي ، إلى غير ذلك من الآيات التي لا يتسع المجال لذكرها هنا .
ب ـ إذا كان الفعل ثلاثيا فاؤه ( أي حرفه الأول ) دال أو ذال أو زاي فإن تاء الافتعال تبدل دالا مثل : دَثَرَإذا صيغت على وزن افتعل تصبح ـــــــ ادْتَثَرَ، فتبدل تاء الافتعال دالا فتصبح ـــــــ ادْدَثَرَ ، ثم تدغم الدالان في بعضهما ــــــــ ادَثَرَ
و مثل: زان / ازتان / ازدان
ومثل :ذكر /اذتكر / اذدكر /ادكر
وهذا النوع من الإبدال موجود أيضا في كتاب الله تبارك وتعالى، نمثل له بقوله جل جلاله: ( وأنبئكم بما تأكلون و ما تدخرون في بيوتكم ) آل عمران 49 ، والشاهد هو قوله (تدخرون ) الذي اشتق من (دخر) وطبقت عليه قاعدة الإبدال السالفة الذكر، وكذلك بقوله تعالى : ( وقال الذي نجا منهما و ادكر بعد أمة ) يوسف 45 ،الذي حدث في فعلها (ادكر ) إبدال وهو مشتق من (ذكر ) و و ضحنا ما حدث فيه من إبدال آنفا ، و منه أيضا قوله سبحانه وتعالى : (فكذبوا عبدنا و قالوا مجنون و ازدجر ) حيث وقع إبدال في ( ازدجر ) الذي اشتق من (زجر) .
ت ـ إذا كان الفعل ثلاثيا فاؤه صاد أو ضاد أو طاء او ظاء فإن تاء الافتعال تبدل طاء مثل : (صلح )إذا صيغت على وزن افتعل تصبح ـــــــ اصْتَلَحَ ، ثم تبدل تاء الافتعال طاء ـــــــــ اصْطَلَحَ
ومثل : ضرب / اضترب /اضطرب
ومثل : طلع / اطتلع / اطلع
أما عن ورود هذا النوع من الابدال في كتاب الله جل وعلا فنمثل له بقوله عز وجل: (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) الحج 75 ، والشاهد هو ( يصطفي ) ، وقوله تبارك وتعالى كذلك : (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ) لقمان 24 ، حيث حدث إبدال في (نضطرهم ) ، وقوله سبحانه وتعالى أيضا : ( إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون )الآية7 من سورة النمل ، ففعل (تصطلون ) جاءت فاؤه صادا (صَلِيَ ـ يَصْلَى) وبالتالي لو صيغ على وزن افتعل سيصبح (اصتلى ) ثم بعد تطبيق قاعدة الإبدال (اصطلى )
... إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تبين أن ظاهرة الإبدال من الظواهر الصرفية الموجودة بشكل كبير في القرآن الكريم ، كيف لا والنص القرآني هو الذي استنبطت منه العلوم اللغوية كلها : من صوت و صرف و نحو و دلالة .