ظواهر النصوص (كتاب-سنة) بين القطع والظن (للمباحثة)

إنضم
22/09/2008
المشاركات
35
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الموقع الالكتروني
www.way2jannah.com
بسم الله الرحمن الرحيم

اعترض بعض أهل العلم على أهل الظاهر وقالوا : إنه في كثير من الأحيان ما يستدل أهل الظاهر على مسألة بما يظنونه ظاهرا والظاهر خلافه وقال أيضا إن أدلة الأحكام لا بد وان يكون فيها شئ من عدم القطع فإن دلالة العموم في الظواهر قد تكون محتملة للنقيض وكذلك خبر الواحد والقياس [1] .

وحاول بعض الباحثين أن يحل معقد الإشكال فقال : إن الظاهرية لما يقولون بأن الظواهر تفيد القطع فإنهم حينئذ ينظرون إلى يجدونه في أنفسهم من الإطمئنان لا إلى ذات الدليل .ومن خالفهم فقد نظر إلى ذات الدليل لا إلى ما يجده من نفسه [2].

ويحسن ان أورد حد الظاهر عند كل من ابن حزم وجمهور الأصوليين:

أما عن معنى الظاهر عند ابن حزم رحمه :" والنص هو اللفظ الوارد في القران أو السنة المستدل به على حكم الأشياء وهو الظاهر نفسه"[3].

وأما الظاهر عند المتكلمين فسفصله الإمام أبو الوليد الباجي تفصيلا بديعا فيقول :" واما الظاهر فهو ما سبق إلى فهم سامعه معناه من لفظه ولم يمنعه من العلم به من جهة اللفظ مانع.

وهو على ثلاثة أضرب : ظاهر بالوضع وظاهر بالعرف وظاهر بالدلالة.

فأما الظاهر بالوضع : فهو كل لفظ وضع في اللغة بمعنى واستعمل فيه على حسب ما وضع له كأوامر الشرع ونواهيه , مثل قوله "فاقتلوا المشركين.." وقوله :" لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم" مما ظاهره الوجوب , فهذا النوع إذا ورد حمل على موضوعه في اللغة ولا يجوز العدول عنه إلا بدليل.

وأما الظاهر بالعرف : فعلى ضربين : ظاهر بعرف اللغة وظاهر بعرف الشرع.

فأما الظاهر بعرف الشرع فهي الألفاظ التي هي في أصل اللغة موضوعة بجنس من الأجناس , ثم وردت في الشرع لمعنى من ذلك الجنس بعينه و مثل قوله تعالى :)أقيموا الصلاة..( , أصل الصلاة في اللغة الدعاء ثم ورد في الشرع عبارة عن دعاء مخصوص يقترن بركوع وسجود وكقوله :)كتب عليكم الصيام..( هو في أصل اللغة عبارة عن كل إمساك ثم ورد في الشرع عبارة عن معنى مخصوص في وقت مخصوص ’ والحج عبارة عن القصد في أصل اللغة , ثم ورد في الشرع عبارة عن وقوف وطواف وقصد إلى موضع مخصوص , وما اشبه ذلك, فهذا إذا ورد حمل على عرفه في الشرع , ولا يجوز العدول به عما وضع له في عرف الشرع إلا بقرينة ودليل.

وأما الظاهر بعرف اللغة والإستعمال فهو كقوله تعالى :)أو جاء أحد منكم من الغائط..( أصل الإتيان من الغائط في كلام العرب , المجئ من المطمئن من الأرض على اي وجه كان لقضاء حاجة أو غيرها, ثم جرى العرف باستعماله عند العرب لكل من جاء من ناحية قضاء الحاجة حتى شهر ذلك وعرف به واستعمل فيه مع الإطلاق , فيجب أن يحمل عليه إلا أن يدل دليل على ان المراد به غيره.

وأما الظاهر بالدلالة : فهو أن يكون اللفظ موضوعا لمعنى , إلا أن الدليل قد قام على انه أريد به غير ذلك المعنى مثل قوله تعالى :) والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء( فهذا لفظه لفظ الخبر , إلا ان الدليل قد قام على ان المراد به والأمر , لأنا لو جعلناه لوقع بخلاف بمخبره لأنا نرى من المطلقات من لا تتربص , وخبر الله لا يقع بخلاف مخبره , فثبت أنه أريد به الأمر "[4]

وبما أن الظاهر هو ما تبادر إلى الذهن ابتداءا فإن التفاوت يكون في تعيينه من جهة الشخص ومدى اطلاعه على الأدلة وحسن تحريره واستدلالاته.. لا من جهة اللفظ , فإن ظاهر اللفظ كما قال الباجي رحمه الله هو "ما سبق إلى فهم سامعه معناه من لفظه ولم يمنعه من العلم به من جهة اللفظ مانع" أو هو كل لفظ- كما تقول الحنفية- أو كلام ظهر المعنى المراد به للسامع بصيغته من غير توقف على قرينة خارجية أو تأمل"[5].

وهذا عكس ما قاله الباحث فإن التفاوت في تعيينه يكون بحسب المواهب اللغوية والعقلية والشرعية للناظر فقط لا من جهة الدليل نفسه . وكذلك فإن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من انه في كثير من الأحيان ما يذهب أهل الظاهر إلى ان مرادا ما من النص هو الظاهر ويكون الظاهر خلافه إنما هو راجع إلى ملكة الناظر العقلية والنقلية كما سبق وقلت وليس إلى ذات الدليل وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام نفسه [6] , ولا أظن أن معترضا سيعترض على هذا إلا إن طعن في نقل اللغة وغير ذلك مما قاله العلامة الرازي رحمه الله.

وهذا ما يوضحه قول الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى :" وهكذا نقول نحن اتباعا لربنا عز و جل بعد صحة مذاهبنا لا شكا فيها ولا خوفا منه أن يأتينا أحد بما يفسدها ولكن ثقة منا بأنه لا يأتي أحد بما يعارضها به أبدا لأننا ولله الحمد أهل التخليص والبحث وقطع العمر في طلب تصحيح الحجة واعتقاد الأدلة قبل اعتقاد مدلولاتها حتى وفقنا ولله تعالى الحمد على ما ثلج اليقين وتركنا أهل الجهل والتقليد في ريبهم يترددون وكذلك نقول فيما لم يصح عندنا حتى الآن فنقول مجدين مقرين إن وجدنا ما هو أهدى منه اتبعناه وتركنا ما نحن عليه وإنما هذا في مسائل تعارضت فيها الأحاديث والآي في ظاهر اللفظ ولم يقم لنا بيان الناسخ من المنسوخ فيها فقط أو في مسائل وردت فيها أحاديث لم تثبت عندنا ولعلها ثابتة في نقلها فإن بلغنا ثباتها صرنا إلى القول بها إلا أن هذا في أقوالنا قليل جدا والحمد لله رب العالمين"[7].

فواضح من كلام ابن حزم رحمه الله أنه لا يقطع إلا فيما لم يبلغه فيه خبر النسخ او راو مجروح لم يعرف بخير جرحه وهو في كل هذا يبقى على الصل المقطوع به وهو اليقين في حالته تلك فإن استجد مستجد صار إليه.

وقد يقول قائل إن هذا المخصص للظاهر قد اسقط الظاهر الذي تبادر ابتداء للناظر فنقول بل لم يسقطه البتة فما زال الظاهر ظاهرا ولكن طرأ ما أوجب مخالفة هذا الظاهر . فالظاهر الأول يقيني وبالمخصص انتقلنا إلى يقين آخر ابطل الأول .

----------------------
[1] - مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ج 13 ص 111 وما بعدها.
[2] - التجديد والمجددون في أصول الفقه ص 184 - 185
[3] - الإحكام ج1 ص
[4] - المنهاج في ترتيب الحاجاج لأبي الوليد الباجي ص 15-16-17
[5] - أصول الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي ج1/ 317
[6] - مجموع الفتاوى ج13/ 121
[7] - الإحكام ج 1 ص 23
 
جزاك الله خيرا شيخ عبدالرحمن، وموضوع الظاهر في غاية الأهمية،وما أظن الخلاف الكبير والنزاع الأليم لكثير من الفرق الإسلامية، إلا من باب الظاهر وماتعلق بتأويله، واختلاف المنهجية وتباينها في حالات كثيرة، ناهيك عن فاقدها أصلا، والمقترف للقول على الله مالم يقله، لفساد في عقيدته، أو محاربة للدين، والفرق الضالة أو من تدثر بدثارها تقية أو خفية، لا تخفى على ذي لب.

ولمَّا كان الظاهر بهذه الأهمية، بل والخطورة لكونه ومن خلاله يتوصل المغرضون إلى تحريف معاني كلام الله، والخروج بتأويلات فاسدة، يصل البعض من خفائها ودقتها أن تنطلي على البعض من العلماء، فمابالكم بطلبة العلم الضعفاء ، ناهيك عن العامة البسطاء.

وعليه: فإن الضرورة ملحة، بل اعتقدها واجبة في حق علماء الأمة، خاصة مع التطور المعلوماتي وسهولة التواصل وسعته وسرعته، بالعكوف على انتاج قواعد ضابطة مؤصلة، وآليات موحدة فاعلة، تضبط التعامل مع مصطلح الظاهر -بعد الاتفاق على حده- مبينة التعامل معه ( إعمالا، وإهمالا، وإكمالا)؛ تسهم بدورها في الحد من التأويلات المنحرفة، وتفضي بتفعيلها إلى التخفيف من الهوة الشاسعة بين المذاهب والفرق الإسلامية، الخارجة طبيعة عن دائرة الضلال، مما يخلق بيئة إسلامية بمساحتها الشاسعة كونيا موحدة قليلة الاختلاف والتنازع في بيان كلام خالقها.

ولعل من أبرز ما لاحظت قِلَّة إن لم أقل خلو المكتبة الإسلامية قديما وحديثا - في حدود اطلاعي البسيط-من مؤلفات تتناول هذا الموضوع استقلالا، وتشبعة دراسة، بأسلوب علمي، ومنهج موضوعي، يثمر الثمار المرجوة المفيدة لديننا العظيم.

وهي فرصة انتهزها من منطلق عالمية الموقع وما يكتنزه من نخبة علمية متميزة،بالسؤال عن ما وُجِدَ من كتابات مستقلة حول الظاهر، وإن ليست بالمواصفات السالفة. راجيا ممن لديه اطلاع أن يدلو بدلوه.
ثم إن ما طرحه الأخ الكريم عبدالرحمن جدير بالمباحثة والنقاش، فليت علماءنا يفيضوا علينا بما ينفعنا وجزى الله الجميع خيرا.
 
كما هي ملاحظة لمن يعنيه الأمر، بالتكرم بنقل الموضوع إلى الملتقى العلمي، لكونه الأكثر مناسبة له.
 
كما هي ملاحظة لمن يعنيه الأمر، بالتكرم بنقل الموضوع إلى الملتقى العلمي، لكونه الأكثر مناسبة له.
ولينال حظه من النقاش المثمر، كما اعتدنا من علمائنا وإخوتنا بالملتقى.
 
كما هي ملاحظة لمن يعنيه الأمر، بالتكرم بنقل الموضوع إلى الملتقى العلمي، لكونه الأكثر مناسبة له.

كل الشكر والتقدير لمن تجاوب من أساتذتنا ونقل الموضوع.
فجزاكم الله خيرا.
 
عودة
أعلى