الإخوة والأخوات الكرام في ملتقى أهل التفسير
قرأت عدة كتب حول نداءات القرآن الكريم للمؤمنين فوجدت في نفسي ميلاً لأقوم ببحث أشمل حول نداءات القرآن الكريم كلها وقد يتحول هذا البحث إلى كتاب إن شاء الله تعالى لنشره على المكتبات الإلكترونية ليستفيد منه الباحثون في دراساتهم إن شاء الله تعالى. لكني أحتاج لآرائكم القيمة لوضع منهجية لهذا البحث
جمع النداءات وتفسيرها من ثلاثة أنواع من كتب التفسير:
(من الناحية الفلسفية) مثلاً من كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب ،
(من الناحية التفسيرية المبسّطة) مثلاً تفسير الجزائري أو أي كتاب تفسير ميسر ،
(من الناحية البيانية) تفسيرالوسيط في تفسير القرآن للطنطاوي أو أي كتاب آخر تنصحون به:
النداءات كما جمعتها والله أعلم هي:
يا أيها الذين آمنوا، يا أيها الناس، يا أيها النبي، يا أيها الرسول، يا أيها الرسل، يا بني آدم، يا أهل الكتاب، يا أيها المدثر، يا أيها المزمل، يا ابن آدم، يا عبادي، يا أيها الكافرون، يا بني إسرائيل، يا أيها الذين أوتوا الكتاب، يا أيها الذين كفروا، يا أيها الذي نُزّل عليه الذكر، يا أولي الألباب، يا أيتها النفس المطمئنة، يا نساء النبي، يا إبليس، يا أيها الإنسان
ثم النداءات للأنبياء بأسمائهم وغيرها من النداءات الأخرى: وهذه النداءات نذكر فقط الآيات التي جاءت بها في القرآن على سبيل الإحصاء بدون تفسيرها: يا آدم، يا نوح، يا لوط، يا عيسى، يا موسى، يا شعيب، يا هارون، يا قوم، يا إبراهيم، يا صالح، يا هود، يا زكريا، يا يحيى، يا مريم، يا أخت هارون، يا أيها العزيز، يا أبانا،يا أبت، يا بنيّ، يا سامريّ، يا صاحبي السجن، يا أيها الملأ، يا سماء، يا أرض.
وأريد أن أقدّم لهذا الكتاب وأضع منهجاً لترتيب هذه النداءات حسب تسلسلها المنطقي أو ترتيبها في الخطاب الإلهي لأصحابها. وهنا أطلب منكم المساعدة أني أحتاج للتالي:
معنى كل من هذه النداءات ثم ترتيبها بشكل منهجي يعني النداءات لبني الإنسان وتشمل (يا أيها الذين آمنوا، يا أيها الناس، يا أيها الإنسان، يا عبادي، يا أهل الكتاب وغيرها) ثم نداءت الرسل (يا أيها الرسل، يا أيها الرسول، نداءات الأنبياء بأسمائهم) وهكذا..
وقد جمعت لهذا الخصوص ما يلي مما سمعته من برامج ومحاضرات وما قرأته في بعض الكتب فأرجو إبداء الرأي والتصحيح:
في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا) أن الايمان هو أصلاً اظهار الخشوع والخضوع وقبول التشريع من الله تبارك وتعالى: أن تظهر قبولك بكل ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم وتظهر،اعتقاد ذلك كله بقلبك دون شك أو ريب وتصدق الرسول بكل ما جاء به حتى في المعجزات من تحويل القبلة والاسراء والعروج والخروج الى المدينة والايمان، أن تظهر الكلام وتقتنع به ويكون ظاهرك كباطنك.
صيغة يا ايها الذين آمنوا: يا للنداء وأيها هي نداء الحبيب للحبيب وهي مختلفة عن ندائه (يا أيها الكافرون) فهذه نداء المنتقم المتكبر للكافرين. (أيها) هي لفت نظر انتباه من الحبيب للحبيب. و (الذين آمنوا) هي شهادة الحبيب للحبيب بالايمان . وهذا النداء فيه تخفيف بالنداء بالتكليف فمثلاً قوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) تدل على ان النداء بالتكليف جاء للذن آمنوا وليس الذين اسلموا لأن التكاليف صعبة وشاقة ولا يقدر عليها إلا الذين آمنوا ولذا كانت فرضية الصيام في السنة الثانية بعد الهجرة مع أنه ركن من اركان الاسلام الخمسة وكذلك الحج فرض متأخراً بعد الهجرة مع أنهما ركنان من أركان الاسلام لا أركان الايمان.
وهذا ما جاء في تفسير الشعراوي رحمه الله للفائدة:
النداء بـ يا أيها الناس إنما يخاطب الله تعالى كل الناس والبشر جميعاً فإذا أراد مخاطبة المؤمنين قال: يا أيها الذين آمنوا أي يا أيها الذين آمنتم بالله إلهاً ودخلتم معه في عقد ايماني وآمنتم به رباً وإلهاً وخالقاً خذ من الله وافعل لأنك آمنت بمن أمرك.
وهذا من تفسير الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى.: هذا نداء للمؤمنين .. لأن الآية الكريمة تبدأ: "يا أيها الذين آمنوا" .. نعرف أن الإيمان هنا هو سبب التكليف .. فالله لا يكلف كافرا أو غير مؤمن .. ولا يأمر بتكليف إلا لمن آمنوا .. فما دام العبد قد آمن فقد أصبحت مسؤولية حركته في الحياة عند ربه .. ولذلك يوحي إليه بمنهج الحياة .. أما الكافر فلا يكلفه الله بشيء. إذن قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا" .. أمر لمن آمن بالله ورضى به إلها ومشرعا .. قوله: "يا أيها الذين آمنوا" .. نداء للمؤمنين
وهذا ما جمعته من بعض الكتب:
يا أيها الناس: خطاب الجنس
يا بني آدم: خطاب النوع
يا آدم، يا هود، يا إبراهيم...: خطاب العين
يا أيها الذين آمنوا: خطاب المدح
يا أيها الذين كفروا: خطاب الذمّ
يا أيها الرسول، يا أيها النبي: خطاب الكرامة
يا إبليس: خطاب الهوان
يا أيها الإنسان: خطاب الجمع بلفظ واحد
يا أيها الرسل: خطاب الواحد بلفظ الجمع
هذا معنى بعض النداءات بشكل عام لكن مع هذا أحتاج إلى التسلسل المنطقي لترتيب هذه النداءات في البحث وفق منهج معين يكون له دلالة.
هذا هو مشروعي فأرجو منكم أيها الكرام أن لا تبخلوا علي بآرائكم ونصائحكم وكلي آذان صاغية إن شاء الله.
جزاكم الله تعالى عني كل خير ونفعني بعلمكم وزادكم من فضله.
جزاكما الله خيراً أيها الأفاضل على ردودكما الطيبة. سأستمع لحلقات الدكتور أبو مجاهد العبيدي ولعله يقرأ مشاركتي فيرشدني في هذا الموضوع.
وبانتظار رابط ما ذكرته عن الشيخ المغامسي بارك الله بكم
أختي الكريمة
ذكر الشيخ المغامسي النداءات مجملة في تفسيره لسورة الأعراف
أما الرابط فهو في ملف خاص لأختي لانها تفرغ جميع دروس التفسير للشيخ لكن سأنزله هنا الليلة بإذن الواحد الأحد
أنار الله قلبك أخية ,,, ووفقك لاكمال ماأردت ,,
جميل أن نتعاون في مابيننا,,,
أيضا ذكرها الشيخ المغامسي في حلقة من برنامج ((معكم على الهواء )) بعنوان وقفات في سورة التحريم ولو تأملنا أستاذ كمال السورة التي قبلها وهي سورة الطلاق لوجدنا أن كلا السورتين افتتحت بقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، لكن سورة الطلاق عنيت بما يكون في بيوت المؤمنين عامة، وما يقع في البيوت من أحداث، وما ينجُم عن ذلك من تدخل الشرع، فجاء فيها : {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء}، وجاء فيها: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، وجاء فيها قول الله تبارك وتعالى: {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}، وقضية إسكان المرأة حيث يسكن المرء، وهكذا، ثم جاء القرآن بسورة التحريم كأنه يفرد الحديث عن أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهن، فشرف مكانتهن جعل لهن صورة يمكن أن يقال أنها حملت حيزاً كبيراً من القضايا التي تحدث في بيت النبوة، ذلك البيت الطاهر العفيف الشريف.
فإذا بَنَيْتَ فخير زوج عشرةً ** وإذا ابْتَنَيْتَ فدونك الأبناء
صلوات الله وسلامه عليه، وقد قلنا أنها سورة مدنية، وعدد آياتها اثنتا عشرة آية... أ.كمال: فضيلة الشيخ تصدر هذه السورة قول المولى عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}وذكرتم أن سورة الطلاق أيضاً، كانت بهذا الخطاب من المولى عزوجل لنبيه الكريم، وهو لفظ يُشعر بالإجلال لمقام النبوة، نريد بيان هذا النداء مقارنة مع نداءات القرآن الأخرى التي وردت في السور الأخر. الشيخ صالح:نداءات القرآن الأخرى جاءت بحسب المطلوب: // فعندما يأتي الخطاب بالعبادة - وهي حق الله على العباد - يأتي قول المولى جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ}، فجاء القرآن بنداء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، // وجاء القرآن في آيات الامتنان بذكر بني آدم:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ}، // وجاء القرآن بنداء أهل الكتاب:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء}، // وجاء الخطاب القرآني كذلك في بعض أحيانه مُخاطباً به الكفار:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا َلا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} كما سيأتي في السورة. // وجاء القرآن بخطاب الذين آمنوا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، // وجاء القرآن:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} وهذا كما أوضحتموه وفقكم الله ، فيه إظهار لمقام الإجلال لنبينا صلى الله عليه وسلم... أما إذا أردنا المقارنة فإننا نقول: إنك تلحظ أيها المبارك المتدبر لكلام الله أن القرآن أحياناً يجمع بين نداءين مضت سنة القرآن أن لا يجمع بينهما، وهذا إذا وجدته في القرآن فإنما يدلك على عظيم الأمر، فبيانه بمثال: // الله يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} فالمخاطب: النبي صلى الله عليه وسلم، وأمته تبع له، // وقول الرب تبارك وتعالى هنا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لوحده، // لكن تبين أو تدبر قول الله جل وعلا في حادثة عظيمة وهي حادثة تحويل القبلة قال الله جل وعلا: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآن تلحظ أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن القرآن هنا لم يكتفِ بهذا، فالآية التي بعدها: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ}، فجمع القرآن في أمر واحد بين نداءين هما: 1.نداء النبي صلى الله عليه وسلم، 2.ونداء الأمة، وذلك لعظيم الأمر؛ لأن أمر تحويل القبلة كان أمراً عظيماً، قال الله جل وعلا: {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ}، فإذا قارنا هذا كله تبين لنا أن القرآن العظيم جاء مخاطباً لفئات المجتمع كلها والناس أجمعين، لكن الخطاب يتصدر بحرف النداء {يَا أَيُّهَا} ثم يأتي المنادى بحسب ذلك الطلب كما بيناه آنفا، والعلم عند الله. أ.كمال: بارك الله فيكم، فضيلة الشيخ نلحظ أيضاً أن الخطاب دائماً عندما يكون للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يكون بهذه الصفة{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، بينما يخاطب بعض الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم بأسمائهم كما ورد في بعض السور. الشيخ صالح: هذا فيه إظهار جلي لمقام النبي صلى الله عليه وسلم، فالله قال في كلامه العظيم: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} وآدم نبي، وقال: {يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا} ونوح نبي ، وقال: {يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، وقال جل ذكره: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي}، وقال تباركت أسماؤه: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}، لكن ليس في القرآن كله خطاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا بلفظ النبوة أو بلفظ الرسالة،{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ}، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ} إلى غيرها من الآيات، وقد بينا أن هذا معدود - كما بينه العلماء في مواضعه - من إظهار كرامته صلى الله عليه وسلم عند ربه، وإجلال مقامه، ورفيع درجته، وعلو منزلته، صلوات الله وسلامه عليه.
وقيل كل نبي عند رُتْبَتِه ** ويا محمد هذا العرشُ فاستلمِ
والمقصود أنه مقدم على الأنبياء وليس المقصود حقيقة العرش .
جزاك الله خيراً أخي الفاضل فيوض على تعقيبك وبانتظار الملف الصوتي وكذلك التفريغ إذا انتهت منه أختكم الكريمة وفقها الله تعالى.
الأخت الفاضلة أمل الأمة جزاك الله تعالى خيراً على هذه اللإضافة القيمة للشيخ المغامسي بارك الله به وزاده علماً بكتابه العزيز.
صدقت أختي جميل أن نتعاون في تدارس كتاب الله تعالى وتدبر آياته فكلنا نتعلم ونسعى بجهد وجد لخدمة هذا الكتاب العظيم.
هذا تفسير الشيخ المغامسي للنداءات من سورة الأعراف أما الصوتي تجدينه في موقعه الراسخون
نداءات الله تبارك وتعالى لبني آدم ورحمته بهم ونصحه لهم
ثم قال الله جل وعلا هنا: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ [الأعراف:11]، لكن الله لم يقل في الأعراف هل صور آدم على هيئة حسنة أم على هيئة غير حسنة؟ لكن الله أثبت حسن خلق آدم في التين، قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4]، ولهذا قال بعض الفقهاء: لو أن رجلاً قال لامرأته: أنت طالق إن لم يكن وجهك أحسن من القمر، فإنها لا تطلق، ولو كانت من أقبح الناس وجهاً؛ لأن الله يقول: (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ))، ثم وقع من أبينا آدم المعصية بالأكل من الشجرة، وأهبط إلى الأرض، فلما أهبط إلى الأرض جاءت النداءات الربانية الإلهية لبني آدم، فناداهم الله في الأعراف بأربع نداءات: - قال في الأولى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]، هذه الآية مسوقة في سياق الامتنان، واللباس: هو اللباس الضروري الذي تستر به العورة. والريش: هو اللباس الزائد عن الضروري الذي يتجمل به الإنسان. قال تعالى: (( قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ )) أي: عوراتكم، وسميت العورة سوءة؛ لأن العاقل يسوؤه أن تظهر عورته للناس، فالله يقول في باب الامتنان على عباده: (( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا )) لباساً ضرورياً، ولباساً زائداً تتزينون به، فلما ذكر الله اللباس الحسي ذكر اللباس المعنوي فقال جل وعلا: (( وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ )) أي: خير من كل شيء، خير من كل لباس، ولباس التقوى: أن يكون الإنسان مكتسياً بتقوى الرب تبارك وتعالى في قلبه، يخشى الله تبارك وتعالى ويخافه، ويجتنب نواهيه ويأتي أوامره، فهذا هو المؤمن حقاً الذي ارتدى خير لباس: ليس الجمـال بمئزر فاعلم وإن رديت برداً إن الجمال معادن ومناقب أورثن حمداً فاللباس الحسي يبلى ويبيد ولا ينفعك في الآخرة، بل تستر به عورتك في الدنيا فقط، أما لباس التقوى فهو الذي عليه معيار العقاب والحساب والثواب يوم القيامة. ثم قال الله: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، (يَا بَنِي آدَمَ) هذا خطاب، ويسمى: نداء علامة، فمتى يسمى النداء نداء كرامة؟ إذا قال الله في القرآن (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ )) هذا نداء كرامة، وإذا قال (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ )) أو (( يَا بَنِي آدَمَ )) فهذا نداء علامة، لأنه يشترك فيه المؤمن والكافر، وإنما علموا بنسبتهم إلى أبيهم. قال: (( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ )) وهو العدو الأول، (( كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ )) الأبوان هنا: آدم وحواء، وإنما سميا أبوان رغم أن حواء امرأة من باب التغليب، وقد قلنا في دروس عدة مكررة: إن العرب إذا تكلمت عن اثنين وأرادت أن تثني فإنها تغلب، لكن معيار التغليب يختلف من مثنى إلى مثنى، فقالوا في الأبوين: الأبوان، فغلبوا الرجل على المرأة؛ لأن الرجل أفضل من المرأة عموماً، وقالوا في المدينة ومكة: المكتان؛ لأن مكة عند الجمهور أفضل من المدينة، وقالوا في الحسن و الحسين : الحسنان؛ لأن الحسن أكبر، وقالوا في الشمس والقمر: القمران؛ لأن القمر مذكر والشمس مؤنث: وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال فلو كان النساء كمن فقدنا لفضلت النساء على الرجال فهنا قول الله جل وعلا: (( لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا )) لما ذاقا من الشجرة بدت السوءتان لآدم و حواء ، فعلما أنهما وقعا في أمر عظيم. ومن هنا تعلم أن هذا القرآن أنزله الله هداية للناس، فأول طريق للمعاصي هو نزع الحياء من قلب المؤمن، فأول ما أراده إبليس حتى يغوي آدم وزوجته وذريته أن لجأ إلى أول قضية وهي أن يريهما عوراتهما، فإذا كشفت السوءتان في مكان ظاهر، واستمرأ النظر إليها فإن النفس والعياذ بالله يهين عليها ما ترى، فتستمرئ كل الفواحش وتنساق بعد ذلك إلى المعاصي من غير أن تعلم، ولهذا تعلم أن ما صنعه الشيطان قديماً يصنعه شياطين الإنس حديثاً، فأكثر ما يسعى إليه القائمون على القنوات الفاجرة أن يبثوا أشياء تكشف من خلالها العورات حتى تعتاد الأسرة المسلمة أباً وأماً وأحفاداً وأبناءً على النظر إلى تلك العورات، وأن يصبح أمراً بدهياً مستساغاً لدى الأسرة ككل أن تنظر إلى الفواحش والإغراءات وما يكون من اتصالات محرمة وكشف للعورات، إما عن طريق رقص أو غناء أو تمثيل أو غير ذلك، فتصبح الأسرة -والعياذ بالله- بعد ذلك هينة عليها المعاصي، سهلة على الجميع، ويصبح أمر الله جل وعلا عياذاً بالله هيناً على تلك القلوب، فمن أراد الله جل وعلا أن يعصمه أول ما يعظم فيه يعظم فيه مسألة الحياء في قلبه، والإنسان إذا جبل على الحياء يقول عليه الصلاة والسلام: (الحياء لا يأتي إلا بخير) وقد ترى أنت بعض الناس على مسألة تستغرب كيف يصنعونها، والفرق بينك وبينه ليس العلم، فهو يعلم وأنت تعلم، لكن الفرق بينك وبينه أن مسألة الحياء شجرة نابتة في قلبك، والحياء في قلبه غير موجود، فلما ذهب الحياء من قلبه سهل عليه أن يأتي المعاصي، قال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين! يبيت أحدهم يستره ربه -أي: على معصية- فإذا أصبح قال: يا فلان! أما علمت أن البارحة فعلت كذا وكذا وكذا!) يقول صلى الله عليه وسلم: (يمسي يستره الله ويصبح يكشف ستر الله عنه) نعوذ بالله من فجأة نقمته، وزوال نعمته. والذي يصل إلى هذه المرحلة طبع على قلبه تماماً، كمن يذهب إلى حانات الغرب وبارات الشرق فيقع في المعاصي والفجور، وبنات الزنا وأشباه ذلك، ثم والعياذ بالله -مع أن الله قد ستر عليه- يصور نفسه ثم يأتي بتلك الصور ويجمع أقرانه وخلطاءه وأمثاله ليعرض عليهم تلك الصور ويريهم إياها، وهذا قد يصل إلى حد الكفر؛ لأنه في الغالب لا يصنع امرؤ مثل هذا إلا وهو يستحل ما حرم الله، وإن كنا لا نكفر أحداً بعينه لكن نقول: إن هذا من أعظم الدلائل على ذهاب الخشية من القلب، واستيلاء الشيطان على تلك القلوب، يقول صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي من هذه القاذورات بشيء فليستتر بستر الله عليه)، والمؤمن يسأل الله دائما الستر والعافية ومحو الذنوب في الدنيا والآخرة، لكن المقصود من الآية: أن نبين أن من أعظم طرائق إبليس لإغواء الناس: أن ينزع عنهم لباسهما كما قال الله: (( لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ))، فالله كتب أن الإنس لا ترى الجن، والجن ترى الإنس، وقد قلنا في دروس سابقة: إن العرب تسمي الجن خمسة أسماء أو ستة، وأنا مضطر للكلام العلمي؛ فبعضهم يسمون الجني العادي: جني، فإذا كان ممن يسكن البيوت سموه: عُمَّاراً، وإذا كان ممن يتعرض للصبيان سموه: أرواحاً، فإذا كان فيه شيء من التمرد سموه شيطاناً، فإذا ازداد تمرده سموه: عفريتاً، وقد ذكر هذا الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى. قال: (( إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ))، يستنبط من هذه الآية: أن عقد الولاية ما بين الإنس والجن قائم على عدم الإيمان؛ لأن الله قال: (( أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ )) فعدم الإيمان بالله عقد ما بين الإنسي والشيطان.
أعانك الله د سمر فقد اخترت موضوعاً شائكاً يحتاج الى صبر جميل وليل طويل ولكنك على قدر أهل العزم إن شاء الله ولن يثنيك أي شيء عن إتمامه . والله تعالى المستعان وعليه التكلان . وننتظر رؤياه النور قريباً بإذن الله. تحياتي لك
لعل من فوائد الآية الكريمة : أنّ الأم إن نفد حليبها أو قلَّ جداً أو فسد فتعاسر عليها الرضاع ، فسترضع الطفل امرأة أخرى .
وفي هذا إرشاد لولي الطفل أن يبحث عمن ترضع له ولده إن حصل ما يعيق الرضاعة ، ولا يستبدل الحليب الصناعي بالرضاعة .
وهل يمكن أن يضاف هذا: يا معشر الجن يا فرعون يا بشرى يا ويلتنا يا ذا القرنين يا نار كوني بردا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن يا أيها النمل يا أهل يثرب يا جبال أوبي معه يا داوود إنا جعلنا خليفة في الأرض قل يا عباد الذي آمنوا اتقوا ربكم يا عباد فاتقون وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً يا أيه الساحر ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى يا قومنا أجيبوا داعي الله فاعتبروا يا أولى الأبصار قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم
والله أعلم.