طلب توضيح عبارة للإمام ابن مجاهد

إنضم
28/11/2012
المشاركات
17
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
مراكش - المغرب
قال الإمام ابن مجاهد [ت‍ 324ه‍]رحمه الله: { اختلف الناس في القراءة كما اختلفوا في الأحكام، ورويت الآثار بالاختلاف عن الصحابة والتابعين توسعة ورحمة على المسلمين، وبعض ذلك قريب من بعض } من مقدمة كتاب السبعة.
أدعوا الإخوة والأخوات الأفاضل إلى توضيح المراد من كلام ابن مجاهد الآنف الذكر، مع استحضار وجه المقابلة بين اختلاف القراء واختلاف الفقهاء رغم ما بينها من البون الشاسع؛ ذلك أن الطرفين معا يدخلهما النظر والقياس من وجه مخصوص، إلا أن الأول محفوف بوزَر الرواية ومحكوم بها. شكر الله للجميع.
 
يظهر أن الإمام ابن مجاهد - رحمه الله - يصف حال اختلاف القراءات حسبما كان في زمنه، ومعلوم أن الاختلاف وقته كان كبيرا، والروايات (صحيحها وشاذها وضعيفها) كانت متعددة، مما يقرب حال القراءات من حال الأحكام الفقهية، والمشبه - كما لا يخفى على شريف علمكم - لا يقوى قوة المشبه به، فالظاهر أنه يقصد كثرة الاختلاف، ومما يقوي ما أراه قوله في مكان آخر من مقدمة كتاب السبعة:
"وأما الآثار التي رويت في الحروف فكالآثار التي رويت في الأحكام:
منها المجتمع عليه السائر المعروف.
ومنها المتروك المكروه عند الناس المعيب من أخذ به وإن كان قد روى وحفظ.
ومنها ما توهم فيه من رواه، فضيع روايته ونسي سماعه لطول عهده، فإذا عرض على أهله عرفوا توهمه وردوه على من حمله. وربما سقطت روايته لذلك بإصراره على لزومه وتركه الانصراف عنه، ولعل كثيرا ممن ترك حديثه واتهم في روايته كانت هذه علته.
وإنما ينتقد ذلك أهل العلم بالأخبار والحرام والحلال والأحكام، وليس انتقاد ذلك إلى من لا يعرف الحديث، ولا يبصر الرواية والاختلاف.
كذلك ما روى من الآثار في حروف القرآن:
منها المعرب السائر الواضح.
ومنها المعرب الواضح غير السائر.
ومنها اللغة الشاذة القليلة.
ومنها الضعيف المعنى في الإعراب، غير أنه قد قرئ به.
ومنها ما توهم فيه فغلط به، فهو لحن غير جائز عند من لا يبصر من العربية إلا اليسير.
ومنها اللحن الخفي الذي لا يعرفه إلا العالم النحرير.
وبكل قد جاءت الآثار في القراءات.
والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقيا، وقام بها - في كل مصر من هذه الأمصار - رجل ممن أخذ عن التابعين أجمعت الخاصة والعامة على قراءته، وسلكوا فيها طريقه، وتمسكوا بمذهبه، على ما روى عن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعروة بن الزبير، ومحمد بن المنكدر، وعمر بن عبد العزيز، وعامر الشعبي...". (السبعة: 48، 49).
 
أما تفريق الإمام ابن الجزري بين الاختلافين فهو منصب على ما ثبت من القراءات، لا على كل ما روي.
ولا بأس من أنقل كلامه ليتضح ما أردته.
قال رحمه الله: "وكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقد وجب قبوله، ولم يسع أحداً من الأمة رده، ولزم الإيمان به، وأن كله منزل من عند الله؛ إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمان بها كلها، واتباع ما تضمنته من المعنى علماً وعملاً، ولا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظناً أن ذلك تعارض.
وإلى ذلك أشار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله: (لا تختلفوا في القرآن، ولا تتنازعوا فيه؛ فإنه لا يختلف ولا يتساقط، ألا ترون أن شريعة الإسلام فيه واحدة، حدودها وقراءتها وأمر الله فيها واحد، ولو كان من الحرفين حرف يأمر بشيء ينهى عنه الآخر كان ذلك الاختلاف، ولكنه جامع ذلك كله، ومن قرأ على قراءة فلا يدعها رغبة عنها؛ فإنه من كفر بحرف منه كفر به كله).
قلت: وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لأحد المختلفين (أحسنت)، وفي الحديث الآخر: (أصبت) وفي الآخر: (هكذا أنزلت)، فصوب النبي صلى الله عليه وسلم قراءة كل من المختلفين، وقطع بأنها كذلك أنزلت من عند الله.
وبهذا افترق اختلاف القراء من اختلاف الفقهاء؛ فإن اختلاف القراء كلٌّ حق وصواب نزل من عند الله، وهو كلامه لا شك فيه، واختلاف الفقهاء اختلاف اجتهادي، والحق في نفس الأمر فيه واحد، فكل مذهب بالنسبة إلى الآخر صواب يحتمل الخطأ، وكل قراءة بالنسبة إلى الأخرى حق وصواب في نفس الأمر، نقطع بذلك ونؤمن به، ونعتقد أن معنى إضافة كل حرف من حروف الاختلاف إلى من أضيف إليه من الصحابة وغيرهم إنما هو من حيث إنه كان أضبط له، وأكثر قراءة وإقراء به، وملازمة له، وميلا إليه، لا غير ذلك. وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة ورواتهم المراد بها أن ذلك القارئ وذلك الأمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة حسبما قرأ به، فآثره على غيره، وداوم عليه ولزمه حتى اشتهر وعرف به، وقصد فيه، وأخذ عنه، فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد". (النشر: 1/51، 52).
 
ونعتقد أن معنى إضافة كل حرف من حروف الاختلاف إلى من أضيف إليه من الصحابة وغيرهم ...........
وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة .......
الاخ العزيز الشيخ ايت عمران دمت موفقا بعون الله
ارجو منك ايضاح معنى (حرف من حروف الاختلاف) ، (الحروف والقراءات) في هذا النص من النشر لابن الجزري رحمه الله .
هل الاول خاص بالصحابة؟؟ والثاني خاص بالقراء؟
ونحن نعلم ان الحروف غير القراءات، جزيت خيرا
 
أشكرك أخي الكريم أيت عمران على حسن اقتباسك ولطف استثمارك لنصوص الأقدمين، إلا أن غليلي لم يشف بعدُ؛ لأن الذي تفضلتم به أتفق معكم فيه: أن الإمام بن مجاهد - رحمه الله - يقصد كثرة الاختلاف في أحرف القرآن ورواياته، في عصره وكذلك قبلُ ولتقريب الصورة شبهه - تجوزا واتساعا في العبارة - بالفروع الفقهية بجامع التعدد والكثرة، فهذا حاصل منطوق كلام الإمام، لكن مفهومه ومشاره الذي يرومه - والله أعلم - تبيان موجب هذا الاختلاف خاصة في أحرف القرآن الكريم وإبراز ثمرته {التوسعة ورفع الحرج} بقوله {وبعض ذلك قريب من بعض} وهذا اطمئنان منه لهذا الاختلاف وإقرار،كما أنه مترجم قوله عليه الصلاة والسلام {أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شاف كاف} وما ذلك إلا لأنه خلاف حتمي واقع ليس له دافع، خاصة فيما صح وثبت من أحرف القرآن العزيز. حفظكم الله وشكر سعيكم أمين.
 
تتمة القول في تبين موجب اختلاف القراء

تتمة القول في تبين موجب اختلاف القراء

ومما يعضُد هذا الذي ذكرت قول الإمام المهدوي [ ت‍ 440 ه‍] - رحمه الله - الذي عَد تفضيلَ الله عز وجل للقرآن الكريم على سائر الكتب المنزلة من جملة أسباب اختلاف القرأه فيه: { ولست فيما قدمته في هذا الفصل - إشارة إلى ابتداء كلامه السابق - بمعتقد تفضيل بعض كلام الله تعالى على بعض في الذات؛ إذ كان ذلك إنما يجوز في المخلوقات، لكن لما كان الأجر يزيد بزيادة القراءات واتساع اللغات أطلقنا التفضيل في الأجر لا في الذات}. وشكرا.
 
قال أبو الفضل الرازي في كتابه معاني الأحرف السبعة ص462:
فإن قيل: فأي تشابه بين القراءة والأحكام، فيكون المتخذ بشواذها كالمتخذ برخص الأحكام؟
فالجواب: إنهما يتشابهان من حيث إن فيهما الرخصة والعزيمة، والجلي والخفي، والناسخ والمنسوخ.
ويختلفان من حيث إن مباني القرآن على الأثر لا غير، وأن مباني الأحكام قد تكون على النص والأثر والإجماع والقياس، بعد أن الإجماع والقياس لا سبيل لهما إلى القراءة بحال.
 
عودة
أعلى