طلاب الحلقات ومقامات الارتقاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد : ـ
كنا نعاني ـ في السابق ـ من قلة وندرة حفاظ القرآن الكريم ، وكثرة واستفحال اللحن الجلي وما هو أشنع منه ... لكن هذه المعاناة انكشفت وانقشعت ؛ إذ أجرى الله - تعالى - على أيدي حلقات القرآن الكريم الخير العميم والنفع الكبير ، فكَثُر حفّاظ القرآن من الرجال والنساء ، وسرعان ما اندرس اللحن الجلي ، ونَدُر اللحن الخفي ، وعُني طلاب الحلقات بإتقان أحكام التجويد و مخارج الحروف ، فالحمد لله على نعمة الإيمان والقرآن .
وهذه الجهود المحمودة تستدعي الانتقال إلى مراحل أعلى ، ومقامات أسمى ، إذ الشخص لا ينفك عن تقدم أو تأخر ، ولا يفارقه الارتقاء أو السفول قال تعالى : { لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ }المدثر 37 .
- ومن المقامات الرفيعة التي يُحث عليها : تحريك القلوب بمواعظ القرآن وقصصه وأحكامه ، والوجد والتأثر عند تلاوته وسماعه كما كان سلفنا الصالح يعتريهم وجل القلب، ودمع العين ، واقشعرار الجلد عند سماع القرآن وتلاوته قال عز وجل : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }الأنفال 2 . وقال سبحانه : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }الزمر23 ، وقال تعالى : { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً }مريم 58 .
فلا يزال الضعف ظاهراً في الاهتمام والاحتفاء بهذا الجانب الوجداني التربوي ، فلا بد من التفاتة جادة وعزيمة صادقة من أجل إعداد برامج وخطط عملية في سبيل تحقيق هذا المقام الشريف .
- ومن مقامات الرفعة : استصحاب هذا الفضل الكبير ، واستحضاره في كل حين ، والفرح به ، كما قال الله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }يونس 58 .
يقول ابن القيم ـ في هذا الشأن ـ : ( ولا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته خير من كل ما يجمع الناسُ من أعراض الدنيا وزينتها ، أي هذا هو الذي ينبغي أن يفرح به ، ومن فرح به فقد فرح بأجل مفروح به ، لا ما يجمع أهل الدنيا منها ، فإنه ليس بموضع للفرح ، لأنه عرضة للآفات ، ووشيك الزوال ، ووخيم العافية..) مدارج السالكين 3/ 157= باختصار .
إن غرس وترسيخ هذا المقام ليورث عزة واستغناء عن الناس وحطام الدنيا ، كما يحقق لحملة القرآن كرامة واستعلاء بهذا القرآن .
- ومن مقامات الارتقاء : الاحتفاء بتدبر القرآن وفهمه وعقله ( فما أشدها من حسرة وأعظمها من غبنة ممن أفنى أوقاته في طلب العلم ثم يخرج من الدنيا ، وما فهم حقائق القرآن ولا باشر قلبه أسراره ) بدائع الفوائد لابن القيم 1/18 .
فتدبر القرآن يورث علما وفقها ، ويحقق رسوخاً ويقيناً ، ويحفظ المرء من مزالق الأهواء والبدع ، فهل خرجت " الخوارج " عن جماعة المسلمين إلا بالإعراض عن فهم القرآن وعقله ، إذ يقرؤون القرآن قراءة لا تجاوز تراقيهم ...!
وهل سلك أرباب التجهيل والتفويض في الصفات الإلهية إلا لمحاكاتهم الذين يقرؤون الكتاب مجرد تلاوة دون فهم أو عقل ، إذ جعلوا آيات الصفات مجهولة المعاني ، لا تعقل ولا تفهم ! مع أن الله تعالى قد أمر بتدبر القرآن مطلقاً ، ولم يستثن منه شيئا لا يتدبر([1])، قال عز وجل { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ }ص 29 .
ورحم الله أبا العباس ابن تيمية القائل " من أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله بعقله وتدبره بعلمه ، وجد فيه من الحلاوة والفهم ، والبركة والمنفعة ملا يجده في شيء من الكلام لا منظومه ولا منثوره " اقتضاء الصراط المستقيم 2/741 .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ينظر :القاعدة المراكشية لابن تيمية , ومجموع الفتاوى لابن تيمية 17/396
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد : ـ
كنا نعاني ـ في السابق ـ من قلة وندرة حفاظ القرآن الكريم ، وكثرة واستفحال اللحن الجلي وما هو أشنع منه ... لكن هذه المعاناة انكشفت وانقشعت ؛ إذ أجرى الله - تعالى - على أيدي حلقات القرآن الكريم الخير العميم والنفع الكبير ، فكَثُر حفّاظ القرآن من الرجال والنساء ، وسرعان ما اندرس اللحن الجلي ، ونَدُر اللحن الخفي ، وعُني طلاب الحلقات بإتقان أحكام التجويد و مخارج الحروف ، فالحمد لله على نعمة الإيمان والقرآن .
وهذه الجهود المحمودة تستدعي الانتقال إلى مراحل أعلى ، ومقامات أسمى ، إذ الشخص لا ينفك عن تقدم أو تأخر ، ولا يفارقه الارتقاء أو السفول قال تعالى : { لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ }المدثر 37 .
- ومن المقامات الرفيعة التي يُحث عليها : تحريك القلوب بمواعظ القرآن وقصصه وأحكامه ، والوجد والتأثر عند تلاوته وسماعه كما كان سلفنا الصالح يعتريهم وجل القلب، ودمع العين ، واقشعرار الجلد عند سماع القرآن وتلاوته قال عز وجل : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }الأنفال 2 . وقال سبحانه : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }الزمر23 ، وقال تعالى : { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً }مريم 58 .
فلا يزال الضعف ظاهراً في الاهتمام والاحتفاء بهذا الجانب الوجداني التربوي ، فلا بد من التفاتة جادة وعزيمة صادقة من أجل إعداد برامج وخطط عملية في سبيل تحقيق هذا المقام الشريف .
- ومن مقامات الرفعة : استصحاب هذا الفضل الكبير ، واستحضاره في كل حين ، والفرح به ، كما قال الله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }يونس 58 .
يقول ابن القيم ـ في هذا الشأن ـ : ( ولا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته خير من كل ما يجمع الناسُ من أعراض الدنيا وزينتها ، أي هذا هو الذي ينبغي أن يفرح به ، ومن فرح به فقد فرح بأجل مفروح به ، لا ما يجمع أهل الدنيا منها ، فإنه ليس بموضع للفرح ، لأنه عرضة للآفات ، ووشيك الزوال ، ووخيم العافية..) مدارج السالكين 3/ 157= باختصار .
إن غرس وترسيخ هذا المقام ليورث عزة واستغناء عن الناس وحطام الدنيا ، كما يحقق لحملة القرآن كرامة واستعلاء بهذا القرآن .
- ومن مقامات الارتقاء : الاحتفاء بتدبر القرآن وفهمه وعقله ( فما أشدها من حسرة وأعظمها من غبنة ممن أفنى أوقاته في طلب العلم ثم يخرج من الدنيا ، وما فهم حقائق القرآن ولا باشر قلبه أسراره ) بدائع الفوائد لابن القيم 1/18 .
فتدبر القرآن يورث علما وفقها ، ويحقق رسوخاً ويقيناً ، ويحفظ المرء من مزالق الأهواء والبدع ، فهل خرجت " الخوارج " عن جماعة المسلمين إلا بالإعراض عن فهم القرآن وعقله ، إذ يقرؤون القرآن قراءة لا تجاوز تراقيهم ...!
وهل سلك أرباب التجهيل والتفويض في الصفات الإلهية إلا لمحاكاتهم الذين يقرؤون الكتاب مجرد تلاوة دون فهم أو عقل ، إذ جعلوا آيات الصفات مجهولة المعاني ، لا تعقل ولا تفهم ! مع أن الله تعالى قد أمر بتدبر القرآن مطلقاً ، ولم يستثن منه شيئا لا يتدبر([1])، قال عز وجل { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ }ص 29 .
ورحم الله أبا العباس ابن تيمية القائل " من أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله بعقله وتدبره بعلمه ، وجد فيه من الحلاوة والفهم ، والبركة والمنفعة ملا يجده في شيء من الكلام لا منظومه ولا منثوره " اقتضاء الصراط المستقيم 2/741 .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ينظر :القاعدة المراكشية لابن تيمية , ومجموع الفتاوى لابن تيمية 17/396