طريفة تفسير و..........تفسير طريفة.

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
588
مستوى التفاعل
25
النقاط
28
طريفة تفسير.......وتفسير طريفة.


طريفة التفسير:

رأى عليان أبا يوسف يمشي فقال له: يا أبا يوسف ،مسألة ؟ فقال أبو يوسف :سل.
فقال عليان: يا أبا يوسف أليس الله قال ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم مافرطنا في الكتاب من شيء )
فقال أبو يوسف نعم.
قال عليان: وأليس الله قال ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )
فقال أبو يوسف نعم.
فقال عليان: فمن نذير الكلاب يا أبا يوسف ؟
فنظر أبو يوسف متأملا ومتعجبا ! وقال .. لا أعلم أخبرني من ( نذير الكلاب )
فقال عليان لا حتى تأمر لي بفالوذج .. فأمر أبو يوسف من يحضر له طلبه ثم أخذه للمسجد وجلس أبو يوسف وطلابه ينتظرون عليان المجنون حتى يفرغ من الطعام ، فلما فرغ قال أبو يوسف .. هيه يا عليان أخبرنا من نذير الكلاب ؟
فأبتسم عليان ثم أخرج من جيبه ( حجرا ) وقال .. هذا نذير الكلاب يا أبا يوسف !


تفسير الطريفة:

قال ابن ماكولا في الإكمال:
أما عليان بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء وفتحها فهو عليان الموسوس كوفى له اخبار.
قلت :ومن أخباره ما جاء في مختصر تاريخ دمشق
عن عطاء السلمي قال :
مررت في أزقة الكوفة فرأيت عليان المجنون على طبيب يضحك منه وما كان لي عهد بضحكه فقلت : ما يضحكك ؟ قال من هذا العليل السقيم الذي يداوي غيره وهو مسقام . قلت : فهل تعرف له دواء ينجيه مما هو فيه ؟ قال : نعم شربة إن هو شربها رجوت برأه . قلت : صفها قال : خذ ورق الفقر وعذق الصبر وهليلج التواضع ويلنلج المعرفة وغاريقون الفكر ودقها دقا ناعما بهاون الندم واطبخها في طبخة التقى وصب عليها ماء الحياة وأوقد تحتها حطب المحبة حتى يرغو الزبد ثم أفرغها في جام الرضا وروحها بمروحة الجهد واجعلها في قدح القكرة وذقها بملعقة الاستغفار فلن تعود إلى المعصية أبدا قال : فشهق الطبيب وخر مغشيا عليه وفارق الدنيا
قال عطاء : ثم رأيت عليان بعد حولين في الطواف فقلت له : وعظت رجلا فقتلته قال : بل أحييته قلت : وكيف ؟ قال : رأيته في منامي بعد ثلاث من وفاته عليه قميص أخضر ورداء وبيده قضيب من قضبان الجنة قلت له : حبيبي ما فعل الله بك ؟ قال : يا عليان وردت على رب رحيم غفر ذنبي وقبل توبتي وأقالني عثرتي.

2-عجيب أمرمجنون الكوفة:
فكأن الرجل يتقن علم المعقول وهو المجنون!!
جند للإيقاع بأبي يوسف فنين:
-فن صناعة المنطق كما هو موروث عن الحكيم أرسطو.
-فن الاستدراج كما هو مأثور عن الحكيم سقراط.
فعن الأول يقال هنا قياسان:
كل الأمم الدابة على الأرض أمم أمثال الناس.
الكلاب أمة تدب على الأرض
فالكلاب أمثال الناس.
ثم يسلسل القياس :
الكلاب أمثال الناس
الناس جاءهم نذير
فالكلاب جاءها نذير
ويمكن صياغة ما سبق في نسق قياس واحد مركب موصول أو منفصل ....المقصود أن أرسطو سيرضى على تطبيق الصنعة .....بل سيرضى بأقل من ذلك على رأي الحيص بيص:
[من الوافر] :
إذا شُورِكْتَ فِي حالٍ بدُونٍ ... فلا يغشاك عارٌ أو نفورُ
تشارك فِي الحياة بغير خُلفٍ ... اْرِسْطاليسُ والكلب العقور.!!

لكن عليان ارتقى فوق ارسطو درجة:فلم يقدم قياسه بالشكل الجاف الميت بل مزجه بطريقة شيخ شيوخ أرسطو –سقراط- فأضحى المنطق جدليا توليديا....ولم يكن الضحية إلا أبا يوسف رحمه الله.
فقال عليان: فمن نذير الكلاب يا أبا يوسف ؟
وما عساه أن يجيب!
فقد سلم له بالمقدمتين وأقره عليهما ولا بد من حصد النتيجة وإلا فهو الخروج عن العقل و المنطق....
عليان لم يسأل هل للكلاب نذير.....فهو عاقل جدا ويعلم أن السؤال عنه عي، وفضول قول ،وتحصيل حاصل، لكنه يسأل عن هوية النذير .هذا هو الخليق بالسؤال عنه.

3- فنظر أبو يوسف متأملا ومتعجبا ! وقال .. لا أعلم أخبرني من ( نذير الكلاب ).

-هل كان عليان داهية؟
-لماذا وقع اختياره على أبي يوسف بالضبط؟
-ثم لماذا وقع اختباره في مضمار القياس؟
-هل كان عليان متعاطفا مع المدرسة الأثرية في الفقه ؟
-هل أراد التنبيه على أن التوسع في القياس -على منهج أهل الرأي-قد يؤدي إلى الكارثة؟
أم كان مراده ساذجا بريئا هو الحصول على وجبة طعام فقط.؟
متأملا.
لعله يتأمل المقدمات وإفضاءها إلى النتيجة.
متعجبا.....
لعله تعجب من القياس الصحيح الذي لا غبار عليه......
لا أعلم....
لأن مسايرة الاستدلال يفضي إلى الوقوع في الكفر .(انظر الفقرة الخامسة)
على كل حال فالشيخ عليان وهو من عقلاء المجانين أفضل بكثير من مجانين العقلاء الآتي ذكرهم.
4- فابتسم عليان ثم أخرج من جيبه ( حجرا ) وقال .. هذا نذير الكلاب يا أبا يوسف !
ظل عليان منطقيا إلى آخر القصة.....فبالنظر إلى المقدمات الصحيحة لا بد من نذير في أمة الكلاب......لكن الكوفي خبأ لأبي يوسف مخرجا لا يثير الضحك فقط بل يثير الإعجاب أيضا......فهاهو عليان يوظف في نهاية القصة ما يسميه النظار بالقول بالموجب....نعم لا بد من نذير للكلاب ولكن ليكن نذير مناسب لهذه الأمة.....وليس أنسب من الحجر.....وهل ثمة شيء يخيف الكلب أكثر من الحجر!!
حل عجيب فيه دمج رائع بين الوجهين: القول بالموجب وقياس الأولى...
5-لكن بعض العقلاء من المعتزلة والصوفية نصروا المذهب الذي هو ممجوج حتى عند عليان المجنون....... ولله في خلقه شؤون!
قال ابن حزم رحمه الله في الفصل:


الكلام على من قال أن في البهائم رسلا
قال أبو محمد رضي الله عنه ذهب أحمد بن حابط وكان من أهل البصرة من تلاميذ ابراهيم النظام يظهر الإعتزال وما نراه إلا كافرا لا مؤمنا وإنما استخرنا اخراجه عن الإسلام لأن أصحابه حكوا عنه وجوها من الكفر منها التناسخ والطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنكاح وكان من قوله أن الله عز وجل نبأ أنبياء من كل نوع من أنواع الحيوان حتى البق والبراغيث والقمل وحجته في ذلك قول الله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء.

لعل تكفير ابن حزم لابن حابط كما يستفاد من كلامه ليس بسبب هذا القول ولكن بسبب أقوال أخرى....
لكن القاضي عياض رحمه الله لم يتردد في تكفير من قال بقول ابن حابط ولو لم تكن معه أقوال كفرية اخرى.
قال في الشفا:
كذلك نكفر من ذهب مذهب بعض القدماء في أن في كل جنس من الحيوان نذيرا ونبيا من القردة والخنازير والدواب والدود ويحتج بقوله تعالى 35 : 24 وإن من أمة إلا خلا فيها نذير إذ ذلك يؤدي إلى أن توصف أنبياء هذه الأجناس بصفاتهم المذمومة وفيه من الإزراء على هذا المنصب المنيف ما فيه مع إجماع المسلمين على خلافه وتكذيب قائله انتهى.
وقال الألوسي في تفسيره للآية:
وأغرب من هذا دعوى الصوفية ونقله الشعراني عن شيخه علي الخواص قدس الله تعالى سره أن الحيوانات مخاطبة مكلفة من عند الله تعالى من حيث لا يشعر المحجوبون ثم قال : ويؤيده قوله تعالى وإن من أمة إلا خلا فيها نذير حيث ذكر سبحانه وتعالى الأمة والنذير وهم من جملة الأمم.
ونقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول : جميع ما في الأمم فينا حتى أن فيهم ابن عباس مثلي وذكر في الأجوبة المرضية أن فيهم أنبياء وفي الجواهر أنه يجوز أن يكون النذير من أنفسهم وأن يكون خارجا عنهم من جنسهم وحكى شيخه عن بعضهم أنه قال : إن تشبيه الله تعالى من ضل من عباده بالأنعام في قوله سبحانه وتعالى : إن هم كالأنعام ليس لنقص فيها وإنما هو لبيان كما مرتبتها في العلم بالله تعالى حتى حارت فيه فالتشبيه في الحقيقة واقع الحيرة لا في المحار فيه فلا أشد حيرة من العلماء بالله تعالى فأعلى ما يصل إليه العلماء بربهم سبحانه وتعالى هو مبتدأ البهائم الذي لم تنتقل عنه أي عن أصله وان كانت منتقلة من شؤونه بتنقل الشؤون الألهية لأنها لا تثبيت على حال ولذلك كان من وصفهم الله عز وجل من هؤلاء القوم أضل سبيلا من الأنعام لأنهم يريدون الخروج من الحيرة من طريق فكرهم ونظرهم ولا يمكن ذلك لهم والبهائم علمت ذلك ووقفت عنده ولم تطلب الخروج عنه وذلك لشدة علمها بالله تعالى. انتهى.
ونقل الشهاب عن ابن المنير أن من ذهب الى أن البهائم والهوام مكلفة لها رسل من جنسها فهو من الملاحدة الذين لا يعول عليهم كالجاحظ وغيره وعلى اكفار القائل بذلك نص كثير من الفقهاء والجزاء الذي يكون يوم القيامة للحيوانات عندهم ليس جزاء تكليف على أن بعضهم ذهب إلى أن الحيوانات لا تحشر يوم القيامة وأول الظواهر الدالة على ذلك وما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا أصل له.
والله إن عليان الكوفي لأعقل وأعلم بالقرآن من هؤلاء ...
وأشهد أن منهجه في التفسير أفضل من مناهج فئة من المعاصرين....
 
أعذرني أخي عبد المعز... ولكنها تخريفة أكثر من كونها طريفة!!.

وفيها شقلبة... فمرة نورد قصص الدهاء لمن نريد, ومرة نجعلهم "عصافير"!!
 
على كل حال.....أخي المعظم لربه......لا بد أن تعترف أن الحكاية خفيفة مع كونها خرافة....وأن الشيخ عليان لم يتجرأ على القرآن مع قياسه الشكلي الصحيح.....فهو افضل حالا من "العرفانين" الذين حولوا القرآن إلى غابة من "الأسرار" تختلط فيها الوجوه والمعالم .....واعتمدوا قياسا فاسدا عند عليان نفسه :مفاده أن الشخص في المنتديات إذا كان قادرا على اتخاذ أسماء مختلفة فلم لا يجوز ذلك على الأنبياء....
 
الحقيقة أن الأستاذ أبو عبد المعز قد أحسن في إيراد هذه الطرفة الممتعة عن عليان المجنون. فلا شيء يصلح أن يكون نذيرًا للكلاب سوى الحجر.. ولكن ألا يرى أن هذا النذير لا ينفع مع هذه الكلاب؛ لأن من طباع الكلاب دوام اللهث؛ لأنها منقطعة الفؤاد، كمن لا فؤاد له، إن حملت عليها بحجر أو نحوه تلهث، وإن تركتها تلهث؛ ولهذا شبه الله تعالى بها الذي آتاه الله آياته، فانسلخ منها؛ كما تنسلخ الحية من جلدها، فقال عز من قائل:
( فمَثَلُه كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ )
قال ابن قتيبة:” كل شيء يلهث؛ فإنما يلهث من إعياء، أو عطش إلا الكلب، فإنه يلهث في حال الكلال، وحال الراحة، وحال الصحة، وحال المرض والعطش، فضرَبه الله مثلاً لمن كذَّب بآياته “.
فهل ينفع هذا النذير المسمَّى بالحجر مع هذه الكلاب المنقطعة الفؤاد ؟؟؟
 
الأستاذ خالد.....
من غرائب سلوك الكلاب أنك إذا قذفتها بحجر تعتقد أن الحجر طعاما أو شيئا صالحا للأكل فتهرع إلى حيث السقط......فتأخذ ما ضرب بها على أنه ألقي إليها ...حتى إذا تأكدت من أنه لا يصلح للأكل وعادت تنبح من جديد. وإذا ضربتها مرة أخرى مضت لتتأكد من جديد أ حجر ألقي إليها أم طعام......وهلم جرا....

فاعجب لهذا الكلب الذي يعتقد أنه أذكى من نذيره ..لكنه الطمع الطمع...حمله على إدراك الواقع على غير ما هو عليه.....وهو مع غروره عنيد : إذا خنس لحظة لا تعتقدن أنه بلع ريقه وانصرف ..... سيناوشك من جديد لا محالة بغتة أو على توقع......
 
المهم يا أبا عبد المعز أن الكلاب لا تنفع معها النذر.. ومن الغريب أن تضرب بها الأمثال في الأمانة والوفاء لأصحابها. ولعلك سمعت بقول أحد الشعراء في مدح أحد الخلفاء:
فإنك كالكلب في الأمانة === وكالتيس في قراع الخطوب
 
عودة
أعلى