مازن مطبقاني
New member
لا تخلو رحلة من الرحلات من لحظات ومفارقات وصعوبات ومن تنغيصات ولكن إذا عظم المطلوب قلّ المساعد، وهل أعظم من طلب العلم. وسأبدأ في هذه الصفحات ببعض المعلومات الطريفة من الرحلة
العودة من كراكوف إلى وارسو
عندما يكون موعد انطلاق القطار على الخامسة وثلاث وخمسين دقيقة صباحاً وتكون الحقيبة جاهزة وليس أمامك سوى ارتداء الملابس فالأمر لا يحتاج وقتاً طويلاً، ولكن قاتل الله القلق أو قلق السفر وهو ما قصده سيد الخلق صلى الله عليه وسلم "يدع نومه وفراشه" فوضعت منبه الهاتف على الثالثة وطلبت من الفندق إيقاظي على الرابعة فاستيقظت قبل المنبهين. ولكن من الممكن أن يكون الإنسان جالساً ويغفو حتى تفوته كل المواعيد. وهنا تذكرت عجوزاً كويتية اشتكى ابنها من التأخر عن مواعيده فقالت له قولة حكيمة: "يا وليدي اللي تهمه الصلاة يقوم لها".
خرجت لركوب السيارة الأجرة إلى محطة القطار فأخذ طريقاً أطول لتصل الأجرة إلى ست عشرة زوتاً بينما لم يكن المشوار يستحق أكثر من عشرة، ولكن هل الأمر متأصل في معظم سائقي السيارات الأجرة أو هي جزء من ثقافة المجتمعات حين يغيب الوازع الديني ويحل محله الجشع والطمع، فقد يغش الأستاذ الجامعي وقد يغش الوزير ومن فوق الوزير ومن هو دونه. فلا يزعمن أحد أن الأوروبيين أصدق فالمسألة نسبية فهم إن خافوا العقوبة انضبطوا ومع ذلك قد يكون فيه أخلاق في التعامل أفضل مما عندنا إلى حد ما. وقد وجدت بالقرب من موقف الحافلة زجاجات خمر مكسورة وملقاة في الشارع، وكم كنت أرى أكواماً من النفايات يخلفها من يخرج من الحانات والمراقص في أكسفورد فأتعجب أهذا هو الشعب الأوروبي الراقي، ولكن مرة أخرى قاتل الله الخمر وصانعي الخمر ومروجيها والساكتين عليها.
وصل قطار وارسو قبل موعده بعشرة دقائق أو ربع ساعة وركب الركّاب وعلى الساعة الخامسة وثلاث وخمسين دقيقة انطلق في طريقه إلى العاصمة، وقد كان القطار جديداً نظيفة مقاعده وأسقفه وجدرانه والتكييف فيه جيد. أما مقاعد الدرجة الثانية فهي ستة في كل جهة ثلاثة في المقصورة الواحدة. وكان بجواري فتاتان أمريكيتان من أصل بولندي ولكن حديثهما باللغة الإنجليزية ولاحظت أن واحدة تكتب مذكرات، وقبل أن أنزل من القطار أخبرتها عن أهمية هذه المذكرات لأنها قد تصبح كتباً في يوم من الأيام حيث إنه صدر لي ثلاثة كتب وهناك ثلاثة أو أربعة كتب أخرى في الرحلات من هذه المذكرات التي قد لا نعبأ بها اليوم فيصبح لها قيمة في يوم من الأيام. ولكن الغريب أنها تكتب باللون الأحمر وفي دفتر بلا سطور. وقد أخبرني أحدهم أن اللون الأزرق أكثر راحة للعين، ولكن قاتل الله العادة. لم يكن في الرحلة ما يلفت الانتباه حيث لم يدر أي حديث في مقصورتنا فكان الوقت مبكراً والجميع يرغب في مواصلة النوم، ولكن قبيل نهاية الرحلة تحدثت إحدى الراكبات مع الفتيات بالبولندية فعرفت أنها متخصصة في علم الاجتماع ولها رغبة في العمل الاجتماعي أو الخدمة الاجتماعية وهو تخصص ابنتي أسماء التي تحب هذا النوع من العمل. وسبحان الله فهناك أناس قيضهم الله لخدمة الآخرين ولمساعدتهم يتحملون من أجل ذلك كثيراً من المتاعب ولكنهم يرون في ذلك متعة ولذة.
وعند أبواب محطة وارسو جرى تفاوض بيني وبين بعض سائقي التاكسي على الأجرة إلى المطار فقال أحدهم ستون ، ثم قبل الخمسين، وكدت أقبل بالخمسين فوجدت أنه ثمة سيارات أجرة في مكان آخر فذهبت إليهم وسألت أحدهم فقال خمسة وخمسون، فقلت له أربعون. وركبت السيارة فإذ بالمشوار لا يزيد على ثلاثة وثلاثين زوتا بالسير العادي يوم الأحد صباحاً حيث الطريق شبه خاو. وعلى ذلك فلم يأخذ مني سوى سبعة زوتات زيادة. فربما لو فاوضته على ثلاثين لقبل لقلة الحركة والثلاثين أفضل من الصفر ولكن ليس لدي المواهب التجارية أو الصبر.
سلوكيات غير محمودة
بدأت تركيا مع عهد أردوغان وعبد الله قول الدخول في عالم التقدم الصناعي والمهني والعلمي، ولكن يبقى أن يترقوا في الأخلاق والسلوك، ففيما أنا حامل حقيبتي إلى كاونتر الحصول على بطاقة الصعود إذ بشاب تركي يركض بسرعة ليكون أمامي فنظرت إليه متعجباً ثم نظرت إلى زميل له مازال خلفي، فقلت ألا تريد أن تتقدم أنت الآخر، فقالا نحن معاً، قلت تقدما أو حتى كانوا ثلاثة. وشاء الله أن أنهي إجراءاتي وحتى إجراءات الأمن قبلهم. وقد حدث الأمر نفسه معي في الرياض مع بعض الأتراك. ومع ذلك فإنهم حتى في السلوكيات العامة قد سبقونا فالشعب الذي يشعر بالحرية وأن حقوقه في اختيار حكامه مصونة لا بد أن يكون أرقى سلوكاً وألطف لأنه لا يعيش تحت الضغط والاستعباد والاستبداد. ويشذ عن القاعدة من يشذ.
مطار وارسو
ليس مطار وارسو من المطارات الضخمة أو المتميزة فإنه يكاد يشبه كثيراً من المطارات وربما نسخوا تصميم مطار آخر ولكنه عملي فصالة المغادرة تضم كل شركات الطيران بما فيها الناقلة الوطنية. وهناك العديد من الممرات وفي كل ممر عدد من المكاتب على الجانبين حتى يصل عدد المكاتب لأكثر من خمسمائة أو يزيد لكل شركة أربعة أو خمسة بحسب حجم طائراتها وقد يتناوب على المكتب أكثر من شركة لأن بعض الشركات ليس لها سوى رحلتان في الأسبوع. وسقف المطار من الأنابيب الحديدية وفي الأعلى نوافذ زجاجية تدخل الضوء فيتم توفير الطاقة في أثناء النهار أو عندما تكون الشمس ساطعة. أما أرضية المطار فهي من الرخام الأسود أو الرمادي المنقط ولا أعرف أيها أغلى الرخام الأبيض الذي صرف منه الكثير والكثير جداً في مطار جدة أو الرخام البيج في مطار الرياض ولكن أتوقع أن رخام مطار الرياض أغلى. وجدران مطار وارسو في معظمها من الزجاج. فالمطار عملي وليس مزدحماً مقارنة بمطار اسطنبول الذي أزعم أنه مطار عالمي وزائري تركيا وحتى العابرين منها وإليها أصبح عددهم في اليوم الواحد بقدر عدد ركاب مطارات المملكة في شهر.
الشرطة في بولندا
لاحظت كثرة وجود سيارات الشرطة وأفرادها في الميادين العامة في كراكوف، وعلى الرغم من أن الشعب في مظهره العام مسالم ولكن يبدو أن الشرطة لا تريد أن تترك الأمور للصدف. أو من طبيعة الشباب وهو في سن الحيوية أن تقع بينه المخاصمات والمشاجرات وبخاصة أن القوم يتعاطون الخمور وربما اقتربوا من تعاطي الروس لها فقد خضعوا للحكم الشيوعي مدة طويلة فلا بد أن تأثروا بالحياة الثقافية الروسية. والعجيب أن بولندا كانت ضمن الدولة العثمانية فلا تكاد ترى أثراً لمساجد أو معالم تركية إلاّ إن كانت بعض المباني لها طابع عثماني ولم ألاحظ هذا. وأتساءل إن كان العثمانيون أمضوا زمناً يحكمون بولندا فهل الكباب هو الشيء الوحيد الذي تركوه؟ أعتقد أنه لا بد أن تكون اللغة البولندية قد دخلها كثير من المفردات التركية وربما العربية من تركيا، وعجيب نحن المسلمين يذموننا وانظروا إلى أننا لم نمسخ هوية ولم نلغ لغة ولا تراثاً ولم يسرق العثمانيون آثاراً كما سرق الأوروبيون وما يزالون آثارنا وثرواتنا وأبناءنا.
العودة من كراكوف إلى وارسو
عندما يكون موعد انطلاق القطار على الخامسة وثلاث وخمسين دقيقة صباحاً وتكون الحقيبة جاهزة وليس أمامك سوى ارتداء الملابس فالأمر لا يحتاج وقتاً طويلاً، ولكن قاتل الله القلق أو قلق السفر وهو ما قصده سيد الخلق صلى الله عليه وسلم "يدع نومه وفراشه" فوضعت منبه الهاتف على الثالثة وطلبت من الفندق إيقاظي على الرابعة فاستيقظت قبل المنبهين. ولكن من الممكن أن يكون الإنسان جالساً ويغفو حتى تفوته كل المواعيد. وهنا تذكرت عجوزاً كويتية اشتكى ابنها من التأخر عن مواعيده فقالت له قولة حكيمة: "يا وليدي اللي تهمه الصلاة يقوم لها".
خرجت لركوب السيارة الأجرة إلى محطة القطار فأخذ طريقاً أطول لتصل الأجرة إلى ست عشرة زوتاً بينما لم يكن المشوار يستحق أكثر من عشرة، ولكن هل الأمر متأصل في معظم سائقي السيارات الأجرة أو هي جزء من ثقافة المجتمعات حين يغيب الوازع الديني ويحل محله الجشع والطمع، فقد يغش الأستاذ الجامعي وقد يغش الوزير ومن فوق الوزير ومن هو دونه. فلا يزعمن أحد أن الأوروبيين أصدق فالمسألة نسبية فهم إن خافوا العقوبة انضبطوا ومع ذلك قد يكون فيه أخلاق في التعامل أفضل مما عندنا إلى حد ما. وقد وجدت بالقرب من موقف الحافلة زجاجات خمر مكسورة وملقاة في الشارع، وكم كنت أرى أكواماً من النفايات يخلفها من يخرج من الحانات والمراقص في أكسفورد فأتعجب أهذا هو الشعب الأوروبي الراقي، ولكن مرة أخرى قاتل الله الخمر وصانعي الخمر ومروجيها والساكتين عليها.
وصل قطار وارسو قبل موعده بعشرة دقائق أو ربع ساعة وركب الركّاب وعلى الساعة الخامسة وثلاث وخمسين دقيقة انطلق في طريقه إلى العاصمة، وقد كان القطار جديداً نظيفة مقاعده وأسقفه وجدرانه والتكييف فيه جيد. أما مقاعد الدرجة الثانية فهي ستة في كل جهة ثلاثة في المقصورة الواحدة. وكان بجواري فتاتان أمريكيتان من أصل بولندي ولكن حديثهما باللغة الإنجليزية ولاحظت أن واحدة تكتب مذكرات، وقبل أن أنزل من القطار أخبرتها عن أهمية هذه المذكرات لأنها قد تصبح كتباً في يوم من الأيام حيث إنه صدر لي ثلاثة كتب وهناك ثلاثة أو أربعة كتب أخرى في الرحلات من هذه المذكرات التي قد لا نعبأ بها اليوم فيصبح لها قيمة في يوم من الأيام. ولكن الغريب أنها تكتب باللون الأحمر وفي دفتر بلا سطور. وقد أخبرني أحدهم أن اللون الأزرق أكثر راحة للعين، ولكن قاتل الله العادة. لم يكن في الرحلة ما يلفت الانتباه حيث لم يدر أي حديث في مقصورتنا فكان الوقت مبكراً والجميع يرغب في مواصلة النوم، ولكن قبيل نهاية الرحلة تحدثت إحدى الراكبات مع الفتيات بالبولندية فعرفت أنها متخصصة في علم الاجتماع ولها رغبة في العمل الاجتماعي أو الخدمة الاجتماعية وهو تخصص ابنتي أسماء التي تحب هذا النوع من العمل. وسبحان الله فهناك أناس قيضهم الله لخدمة الآخرين ولمساعدتهم يتحملون من أجل ذلك كثيراً من المتاعب ولكنهم يرون في ذلك متعة ولذة.
وعند أبواب محطة وارسو جرى تفاوض بيني وبين بعض سائقي التاكسي على الأجرة إلى المطار فقال أحدهم ستون ، ثم قبل الخمسين، وكدت أقبل بالخمسين فوجدت أنه ثمة سيارات أجرة في مكان آخر فذهبت إليهم وسألت أحدهم فقال خمسة وخمسون، فقلت له أربعون. وركبت السيارة فإذ بالمشوار لا يزيد على ثلاثة وثلاثين زوتا بالسير العادي يوم الأحد صباحاً حيث الطريق شبه خاو. وعلى ذلك فلم يأخذ مني سوى سبعة زوتات زيادة. فربما لو فاوضته على ثلاثين لقبل لقلة الحركة والثلاثين أفضل من الصفر ولكن ليس لدي المواهب التجارية أو الصبر.
سلوكيات غير محمودة
بدأت تركيا مع عهد أردوغان وعبد الله قول الدخول في عالم التقدم الصناعي والمهني والعلمي، ولكن يبقى أن يترقوا في الأخلاق والسلوك، ففيما أنا حامل حقيبتي إلى كاونتر الحصول على بطاقة الصعود إذ بشاب تركي يركض بسرعة ليكون أمامي فنظرت إليه متعجباً ثم نظرت إلى زميل له مازال خلفي، فقلت ألا تريد أن تتقدم أنت الآخر، فقالا نحن معاً، قلت تقدما أو حتى كانوا ثلاثة. وشاء الله أن أنهي إجراءاتي وحتى إجراءات الأمن قبلهم. وقد حدث الأمر نفسه معي في الرياض مع بعض الأتراك. ومع ذلك فإنهم حتى في السلوكيات العامة قد سبقونا فالشعب الذي يشعر بالحرية وأن حقوقه في اختيار حكامه مصونة لا بد أن يكون أرقى سلوكاً وألطف لأنه لا يعيش تحت الضغط والاستعباد والاستبداد. ويشذ عن القاعدة من يشذ.
مطار وارسو
ليس مطار وارسو من المطارات الضخمة أو المتميزة فإنه يكاد يشبه كثيراً من المطارات وربما نسخوا تصميم مطار آخر ولكنه عملي فصالة المغادرة تضم كل شركات الطيران بما فيها الناقلة الوطنية. وهناك العديد من الممرات وفي كل ممر عدد من المكاتب على الجانبين حتى يصل عدد المكاتب لأكثر من خمسمائة أو يزيد لكل شركة أربعة أو خمسة بحسب حجم طائراتها وقد يتناوب على المكتب أكثر من شركة لأن بعض الشركات ليس لها سوى رحلتان في الأسبوع. وسقف المطار من الأنابيب الحديدية وفي الأعلى نوافذ زجاجية تدخل الضوء فيتم توفير الطاقة في أثناء النهار أو عندما تكون الشمس ساطعة. أما أرضية المطار فهي من الرخام الأسود أو الرمادي المنقط ولا أعرف أيها أغلى الرخام الأبيض الذي صرف منه الكثير والكثير جداً في مطار جدة أو الرخام البيج في مطار الرياض ولكن أتوقع أن رخام مطار الرياض أغلى. وجدران مطار وارسو في معظمها من الزجاج. فالمطار عملي وليس مزدحماً مقارنة بمطار اسطنبول الذي أزعم أنه مطار عالمي وزائري تركيا وحتى العابرين منها وإليها أصبح عددهم في اليوم الواحد بقدر عدد ركاب مطارات المملكة في شهر.
الشرطة في بولندا
لاحظت كثرة وجود سيارات الشرطة وأفرادها في الميادين العامة في كراكوف، وعلى الرغم من أن الشعب في مظهره العام مسالم ولكن يبدو أن الشرطة لا تريد أن تترك الأمور للصدف. أو من طبيعة الشباب وهو في سن الحيوية أن تقع بينه المخاصمات والمشاجرات وبخاصة أن القوم يتعاطون الخمور وربما اقتربوا من تعاطي الروس لها فقد خضعوا للحكم الشيوعي مدة طويلة فلا بد أن تأثروا بالحياة الثقافية الروسية. والعجيب أن بولندا كانت ضمن الدولة العثمانية فلا تكاد ترى أثراً لمساجد أو معالم تركية إلاّ إن كانت بعض المباني لها طابع عثماني ولم ألاحظ هذا. وأتساءل إن كان العثمانيون أمضوا زمناً يحكمون بولندا فهل الكباب هو الشيء الوحيد الذي تركوه؟ أعتقد أنه لا بد أن تكون اللغة البولندية قد دخلها كثير من المفردات التركية وربما العربية من تركيا، وعجيب نحن المسلمين يذموننا وانظروا إلى أننا لم نمسخ هوية ولم نلغ لغة ولا تراثاً ولم يسرق العثمانيون آثاراً كما سرق الأوروبيون وما يزالون آثارنا وثرواتنا وأبناءنا.