بسم الله الرحمن الرحيم
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ )
1 - طبيعة القرآن المكي وحله لمشكلات الإنسان
ظل القرآن المكي ينزل على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ثلاثة عشر عاما كاملة , يحدثه فيها عن قضية واحدة . قضية واحدة لا تتغير، ولكن طريقة عرضها لا تكاد تتكرر. ذلك الأسلوب القرآني يدعها في كل عرض جديدة، حتى لكأنما يطرقها للمرة الأولى.
لقد كان يعالج القضية الأولى، والقضية الكبرى، والقضية الأساسية ، في هذا الدين الجديد .. قضية العقيدة .. ممثلة في قاعدتها الرئيسية .. الألوهية والعبودية، وما بينهما من علاقة.
لقد كان يخاطب بهذه الحقيقة "الإنسان" .. الإنسان بما أنه إنسان .. وفي هذا المجال يستوي الإنسان العربي في ذلك الزمان والإنسان العربي في كل زمان، كما يستوي الإنسان العربي وكل إنسان، في ذلك الزمان وفي كل زمان!
إنها قضية "الإنسان" التي لا تتغير، لأنها قضية وجوده في هذا الكون وقضية مصيره. قضية علاقته بهذا الكون وبهؤلاء الأحياء، وقضية علاقته بخالق هذا الكون وخالق هذه الأحياء. وهي قضية لا تتغير، لأنها قضية الوجود والإنسان.
لقد كان هذا القرآن المكي يفسر للإنسان سر وجوده ووجود هذا الكون من حوله .. كان يقول له : من هو ؟ ومن أين جاء؟ ولماذا جاء؟ وإلى أين يذهب في نهاية المطاف؟ ومن ذا الذي يذهب به، وما مصيره هناك؟ وكان يقول له: ما هذا الوجود الذي يحسه ويراه، والذي يحس أن وراءه غيبا يستشرفه ولا يراه؟ من أنشأ هذا الوجود الملئ بالأسرار؟ من ذا الذي يدبره؟ ومن ذا يحوره؟ ومن ذا يجدد فيه ويغير على النحو الذي يراه؟ وكان يقول له كذلك: كيف يتعامل مع خالق هذا الكون، ومع الكون أيضا، كما يبين له كيف يتعامل العباد مع العباد؟
وكانت هذه هي القضية الكبرى التي يقوم عليها وجود "الإنسان". وستظل هي القضية الكبرى التي يقوم عليها وجوده على توالي الزمان.
وهكذا انقضت ثلاثة عشرة عاما كاملة في تقرير هذه القضية الكبرى، القضية التي ليس وراءها شئ في حياة الإنسان إلا ما يقوم عليها من المقتضيات والتفريعات.
ولم يتجاوز القرآن المكي هذه القضية الأساسية إلى شيء مما يقوم عليها من التفريعات المتعلقة بنظام الحياة , إلا بعد أن علم الله أنها قد استوفت ما تستحقه من البيان , وأنها استقرت استقرارا مكينا ثابتا في قلوب العصبة المختارة من بني الإنسان , التي قدر الله لها أن يقوم هذا الدين عليها ; وأن تتولى هي إنشاء النظام الواقعي الذي يتمثل فيه هذا الدين .
2 - حكمة البدء بالعقيدة وليس بالقومية أو الإجتماعية أو الأخلاقية.
وأصحاب الدعوة إلى دين الله , وإقامة النظام الذي يتمثل فيه هذا الدين في واقع الحياة ; خليقون أن يقفوا طويلا أمام هذه الظاهرة الكبيرة . . ظاهرة تصدي القرآن المكي خلال ثلاثة عشر عاما . . لتقرير هذه العقيدة ; ثم وقوفه عندها لا يتجاوزها إلى شيء من تفصيلات النظام الذي يقوم عليها , والتشريعات التي تحكم المجتمع المسلم الذي يعتنقها . .
لقد شاءت حكمة الله أن تكون قضية العقيدة هي القضية التي تتصدى الدعوة لها منذ اليوم الأول للرسالة . وأن يبدأ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أولى خطواته في الدعوة , بدعوة الناس أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ; وأن يمضي في دعوته يعرف الناس بربهم الحق , ويعبدهم له دون سواه .
ولم تكن هذه - في ظاهر الأمر وفي نظرة العقل البشري المحجوب - هي أيسر السبل إلى قلوب العرب !
فلقد كانوا يعرفون من لغتهم معنى:"إله" ومعنى:"لا إله إلا الله" . . كانوا يعرفون أن الألوهية تعني الحاكمية العليا . . وكانوا يعرفون أن توحيد الألوهية وإفراد الله - سبحانه - بها , معناه نزع السلطان الذي يزاوله الكهان ومشيخة القبائل والأمراء والحكام , ورده كله إلى الله . . السلطان على الضمائر , والسلطان على الشعائر , والسلطان على واقعيات الحياة . . السلطان في المال , والسلطان في القضاء , والسلطان في الأرواح والأبدان . . كانوا يعلمون أن:"لا إله إلا الله" ثورة على السلطان الأرضي , الذي يغتصب أولى خصائص الألوهية , وثورة على الأوضاع التي تقوم على قاعدة من هذا الاغتصاب ; وخروج على السلطات التي تحكم بشريعة من عندها لم يأذن بها الله . . ولم يكن يغيب عن العرب - وهم يعرفون لغتهم جيدا , ويعرفون المدلول الحقيقي لدعوة:"لا إله إلا الله" - ماذا تعنيه هذه الدعوة بالنسبة لأوضاعهم ورياساتهم وسلطانهم . . ومن ثم استقبلوا هذه الدعوة - أو هذه الثورة - ذلك الاستقبال العنيف , وحاربوها تلك الحرب التي يعرفها الخاص والعام . .
فلم كانت هذه نقطة البدء في هذه الدعوة ؟ ولم اقتضت حكمة الله أن تبدأ بكل هذا العناء ؟
يتبع بإذنه تعالى
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ )
1 - طبيعة القرآن المكي وحله لمشكلات الإنسان
ظل القرآن المكي ينزل على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ثلاثة عشر عاما كاملة , يحدثه فيها عن قضية واحدة . قضية واحدة لا تتغير، ولكن طريقة عرضها لا تكاد تتكرر. ذلك الأسلوب القرآني يدعها في كل عرض جديدة، حتى لكأنما يطرقها للمرة الأولى.
لقد كان يعالج القضية الأولى، والقضية الكبرى، والقضية الأساسية ، في هذا الدين الجديد .. قضية العقيدة .. ممثلة في قاعدتها الرئيسية .. الألوهية والعبودية، وما بينهما من علاقة.
لقد كان يخاطب بهذه الحقيقة "الإنسان" .. الإنسان بما أنه إنسان .. وفي هذا المجال يستوي الإنسان العربي في ذلك الزمان والإنسان العربي في كل زمان، كما يستوي الإنسان العربي وكل إنسان، في ذلك الزمان وفي كل زمان!
إنها قضية "الإنسان" التي لا تتغير، لأنها قضية وجوده في هذا الكون وقضية مصيره. قضية علاقته بهذا الكون وبهؤلاء الأحياء، وقضية علاقته بخالق هذا الكون وخالق هذه الأحياء. وهي قضية لا تتغير، لأنها قضية الوجود والإنسان.
لقد كان هذا القرآن المكي يفسر للإنسان سر وجوده ووجود هذا الكون من حوله .. كان يقول له : من هو ؟ ومن أين جاء؟ ولماذا جاء؟ وإلى أين يذهب في نهاية المطاف؟ ومن ذا الذي يذهب به، وما مصيره هناك؟ وكان يقول له: ما هذا الوجود الذي يحسه ويراه، والذي يحس أن وراءه غيبا يستشرفه ولا يراه؟ من أنشأ هذا الوجود الملئ بالأسرار؟ من ذا الذي يدبره؟ ومن ذا يحوره؟ ومن ذا يجدد فيه ويغير على النحو الذي يراه؟ وكان يقول له كذلك: كيف يتعامل مع خالق هذا الكون، ومع الكون أيضا، كما يبين له كيف يتعامل العباد مع العباد؟
وكانت هذه هي القضية الكبرى التي يقوم عليها وجود "الإنسان". وستظل هي القضية الكبرى التي يقوم عليها وجوده على توالي الزمان.
وهكذا انقضت ثلاثة عشرة عاما كاملة في تقرير هذه القضية الكبرى، القضية التي ليس وراءها شئ في حياة الإنسان إلا ما يقوم عليها من المقتضيات والتفريعات.
ولم يتجاوز القرآن المكي هذه القضية الأساسية إلى شيء مما يقوم عليها من التفريعات المتعلقة بنظام الحياة , إلا بعد أن علم الله أنها قد استوفت ما تستحقه من البيان , وأنها استقرت استقرارا مكينا ثابتا في قلوب العصبة المختارة من بني الإنسان , التي قدر الله لها أن يقوم هذا الدين عليها ; وأن تتولى هي إنشاء النظام الواقعي الذي يتمثل فيه هذا الدين .
2 - حكمة البدء بالعقيدة وليس بالقومية أو الإجتماعية أو الأخلاقية.
وأصحاب الدعوة إلى دين الله , وإقامة النظام الذي يتمثل فيه هذا الدين في واقع الحياة ; خليقون أن يقفوا طويلا أمام هذه الظاهرة الكبيرة . . ظاهرة تصدي القرآن المكي خلال ثلاثة عشر عاما . . لتقرير هذه العقيدة ; ثم وقوفه عندها لا يتجاوزها إلى شيء من تفصيلات النظام الذي يقوم عليها , والتشريعات التي تحكم المجتمع المسلم الذي يعتنقها . .
لقد شاءت حكمة الله أن تكون قضية العقيدة هي القضية التي تتصدى الدعوة لها منذ اليوم الأول للرسالة . وأن يبدأ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أولى خطواته في الدعوة , بدعوة الناس أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ; وأن يمضي في دعوته يعرف الناس بربهم الحق , ويعبدهم له دون سواه .
ولم تكن هذه - في ظاهر الأمر وفي نظرة العقل البشري المحجوب - هي أيسر السبل إلى قلوب العرب !
فلقد كانوا يعرفون من لغتهم معنى:"إله" ومعنى:"لا إله إلا الله" . . كانوا يعرفون أن الألوهية تعني الحاكمية العليا . . وكانوا يعرفون أن توحيد الألوهية وإفراد الله - سبحانه - بها , معناه نزع السلطان الذي يزاوله الكهان ومشيخة القبائل والأمراء والحكام , ورده كله إلى الله . . السلطان على الضمائر , والسلطان على الشعائر , والسلطان على واقعيات الحياة . . السلطان في المال , والسلطان في القضاء , والسلطان في الأرواح والأبدان . . كانوا يعلمون أن:"لا إله إلا الله" ثورة على السلطان الأرضي , الذي يغتصب أولى خصائص الألوهية , وثورة على الأوضاع التي تقوم على قاعدة من هذا الاغتصاب ; وخروج على السلطات التي تحكم بشريعة من عندها لم يأذن بها الله . . ولم يكن يغيب عن العرب - وهم يعرفون لغتهم جيدا , ويعرفون المدلول الحقيقي لدعوة:"لا إله إلا الله" - ماذا تعنيه هذه الدعوة بالنسبة لأوضاعهم ورياساتهم وسلطانهم . . ومن ثم استقبلوا هذه الدعوة - أو هذه الثورة - ذلك الاستقبال العنيف , وحاربوها تلك الحرب التي يعرفها الخاص والعام . .
فلم كانت هذه نقطة البدء في هذه الدعوة ؟ ولم اقتضت حكمة الله أن تبدأ بكل هذا العناء ؟
يتبع بإذنه تعالى