بسم الله الرحمن الرحيم
طبق جديد في سر حذف وزيادة وإبدال الواو في الرسم القرآني
طبق جديد في سر حذف وزيادة وإبدال الواو في الرسم القرآني
قد بينا في لوحة مفاتيح معاني الحروف الهجائية؛ أن استعمال الواو في الإشارة إلى الباطن والداخل وبينا قوة هذه الإشارة إلى الباطن والداخل في الجذور التي بدأت بحرف الواو.
واليوم نكمل الأبحاث التي سننشرها عن حرف الواو الذي اخترنا الابتداء به من بين الحروف الهجائية؛ لسعة استعماله في الجذور والنحو وتأثره بالرسم القرآني.
من قواعد الرسم القرآني (العثماني) ؛ الحذف
شمل الحذف في القرآن الكريم خمسة حروف هي؛ ا ، و ، ي ، ل ، ن
ووقع الحذف للواو في آخر كلمات وفي وسط أخريات
أ - حذف الواو آخر الأفعال
قال تعالى : (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَـاـبِ(39) الرعدقال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَـاـطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَـاـتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(24) الشورى
اختلف المحو في الآيتين؛ فالمحو في الأولى هو لما عند الله تعالى، ومتعلق بنفسه وذاته، لذلك حسن إثبات الواو لأن في الإثبات إشارة إلى ذات وإرادته وما عنده.
والحذف في الثانية: كان للباطل؛ وهو بعيد عن الله تعالى وذاته وما عنده، ومتعلق بما عند الناس؛ فحتى لا يكون هناك إشارة إلى ذات الله تعالى، وهو منزه عن الباطل وكل عيب ونقص؛ حذفت الواو لأن الفعل لله تعالى، فكان التنزيه لله تعالى حتى في الرسم القرآني.
وعندما تدعو أحدًا من الناس إنما تدعوه لنفسك، أو للدخول في بيتك، أو الدخول في شأن تدعوه إليه، وكانت الواو في تركيبة هذا الفعل (يدعو) لتشير إلى ذلك؛ فأثبتت الواو في القرآن لدلالتها إلى ما تشير إليه.
ولكن الواو حذفت في ثلاث مواضع لاختلاف الدلالة؛
قال تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسَـاـنُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَـاـنُ عَجُولًا (11) الإسراء
وقال تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) القمر
وقال تعالى : (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) العلق
في الآية الأولى : يحدث التباس عند بعض الناس؛ كيف يدعو الإنسان بالشر والخير لنفسه؟! فلما حذفت الواو؛ دل حذفها على أن دعاء الداعي بالشر لغيره وليس لنفسه، لذلك حذفت الواو لبيان ذلك، وإن كان الشر يعم فيلحق الداعي له منه نصيب.
وفي الآية الثانية : فالداعي هم الملائكة، ولا يدعون الناس لأنفسهم إنما يدعوهم للحساب والعقاب؛ لذلك حذفت الواو لما لم يكن لها دلالة في دعاء الملائكة لهم.
وفي الآية الثالثة : يدعو الله تعالى الزبانية للكافرين ليأتوا بهم أو يعذبوهم، وليست دعوة الزبانية لنفسه سبحانه وتعالى؛ لذلك تم حذف الواو كذلك لما لم يكن لها دلالة في دعائه تعالى للزبانية.
ب- حذف الواو علامة الرفع في جمع المذكر السالم
قال تعالى : (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَـاـهُ وَجِبْرِيلُ وَصَـاـلِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَـاـئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) التحريم. استعملت الواو في اللغة العربية كاسم يفيد الجمع؛ ولم يكن الوجود في مكان واحد وزمان واحد؛ شرطًا لأن يعد الأفراد جمعًا، لذلك أضيفت النون التي تفيد النزع بعد الواو؛ لبيان هذا الوضع، وأن الجمع لا يجعلهم قطعة واحدة؛ ولو كان جمعهم في مكان واحد وفي زمن واحد.
ولا مكان للنون في الفعل الماضي مع واو الجمع، لأن الفعل انتهى وأصحابه قد تفرقوا، فاستبدلت النون بألف الانفصال الأكثر تمثيلا للواقع من النون، بالإضافة إلى إشارة الألف لاختلاف درجات ومراتب أفراد الجمع في الفعل ... والتفاصيل ستذكر في مكانها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
أما استعمال الواو للدلالة على الرفع في جمع المذكر السالم للأسماء الدالة على الصفات؛ فهو للدلالة على اجتماع حاملين هذه الصفة عليها، وقيامها فيهم، ومرتبطة بأنفسهم المستبطنة فيهم.
وكلمة (صالح)؛ أصلها في أحد الرأيين صالحون؛ جمع (صالح)، وليس لفظًا مفردًا ، حذفت فيه النون للإضافة، ثم حذفت الواو رسمًا... ولذلك أدخلت كإحدى الأمثلة على حذف الواو.
وعند الإضافة تحذف نون النزع لتنافي الإضافة التي تربط الاثنين معًا مع النزع الذي تفيده النون، والدال على الفصل والافتراق.
وواو الجمع تتولد من مد ضمة الحرف الأخير للأسماء المفردة الحاملة للصفة؛ ومدها أشرك غير صاحبها في هذه الصفة, فأصبحوا جمعًا... وحذف الواو الدالة على الجمع يعيد حصر الصفة على صاحبها.
والناس في حمل على الصفات على ثلاثة أقسام:
- قسم تتخلق فيه الصفة تخلقًا.
- وقسم تنتقل إليه الصفة وتتمكن فيه كأنها متخلقة فيه.
- وقسم تنتقل إليه الصفة؛ لكنها تنفصل عنه إذا تعرض لأمر يجبره على التخلي عنها، والتنكر لها، أو تفضيل غيرها عليها لمصلحة ينالها، وغير ذلك من الأسباب...
وصالح المؤمنين ذكروا بجانب الله عز وجل، وجبريل، والملائكة، فلأجل مراعاة مكانة ومنزلة وفضل وقوة وشدة من ذكروا معهم في موالاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أن يذكر اللفظ بصيغة المفردة الدالة على قوة تمكن صفة الصلاح في صاحبها، وتميزه بها؛ ليحمل تبعات الموالاة للنبي عليه الصلاة والسلام.
وإن كان اللفظ بصيغة الإفراد إلا أنه يفيد الجمع، وشاملاً لجنس الصالحين من المؤمنين... ولا يحصرهم بزمن النزول فقط، وأن الولاية تكون من الجماعات كما تكون من الأفراد... وأن جماعة المؤمنين في صلاحهم كأنهم رجل واحد لما اختيرت صيغة المفرد لتدل عليهم أيضًا.
حذف الواو صورة الهمزة
قال تعالى : (قَالَ يَـاـبُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَـاـنَ لِلْإِنْسَـاـنِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) يوسف وقال تعالى : (يَـاـأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيَـاـيَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ (43) يوسف
وقال تعالى : (وَقَالَ يَـاـأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيَـاـيَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا (100) يوسف
وقال تعالى : (وَنَـاـدَيْنَـاـهُ أَنْ يَـاـإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) الصافات
وقال تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ (27) الفتح.
الهمزة في الرُؤْيا ساكنة وما قبلها مضموم، وحقها في الرسم القرآني أن تصور بحرف الواو لما يكن يعرف لها صورة في الرسم؛
ولبيان سبب تسمية الرؤيا بهذا الاسم مع أنها تكون في المنام وليست في اليقظة؛ نبين مراتب التعرف على الأشياء عن طريق العين؛
مراتب التعرف على الأشياء بالعين تنقسم إلى ثلاثة مراتب؛
المرتبة الأولى : النظر؛ وهو التوجه إلى الشيء لرؤيته؛ تحققت الرؤية مباشرة أم تأخرت، أو لم تتحقق، ولذلك هذا التوجه يحتاج إلى زمن قصير أو طويل يسمى الانتظار.
المرتبة الثانية : الرؤية ؛ وهي العلم الذي يحصل من النظر إلى الشيء، وهذا العلم قد يحصل بالنظر مباشرة بالعين، وقد يحصل بما يراه النائم بعينه، وقد يحصل بالنقل مما تراه عين الآخرين في زمن ماض، أو حاضر، أو مما ستراه في المستقبل مما أخبر الله تعالى عنه.
كما في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَـاـبِ الْفِيلِ (1) الفيل، وهو لم يرهم بعينه لكن وصله العلم بما رأته عيون من حضر الحادث نفسه.
وقال تعالى : (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَـاـبِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) الجاثية؛ هذا حدث من غيوب المستقبل حصل العلم به، ولم يحصل الإبصار له بعد.
أما الرؤية بالعين مباشرة فهي كما في قوله تعالى : (فَلَمَّا تَرَاءَا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـاـبُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) الشعراء.
المرتبة الثالثة : الإبصار ؛ وهو اليقين بصحة العلم الذي حصل من الرؤية؛
فقد تنتظر شخصًا تعرفه حق المعرفة، ويطل عليك من نهاية الطريق مقبلا عليك، فيحصل العلم بقدومه، وبعد أن يقترب منك تجده شخصًا آخر شبيهًا له في جسمه ومشيته، فالعلم بقدومه انتقض لما تحقق خلافه.
أما إذا كان هو نفس الذي تنتظره بعد وصوله إليك؛ فقد حصل اليقين بقدومه فتسمى الرؤية له عند ذلك إبصارًا.
وقد جمع الله تعالى المراتب الثلاث في آية واحدة؛ قال تعالى : (وَتَرَـاـهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) الأعراف.
هم متوجهون بنظرهم إليك كأنهم يبصرون
فحصل لك العلم بهذا التوجه أنهم يبصرون
وجاء النفي بأنهم لا يبصرون خلافًا لما حصل من العلم.
فالعلم يكون بالنظر بالعين في اليقظة، ويحصل هذا العلم من حكم الناظر على ما رأى
ويكون العلم بالنظر بالعين في المنام ؛ ويسمى هذا العلم رؤيا؛ لأنه أدى علمًا.
لكن هذا العلم لم يكن من نفس النائم، وإنما جاء له من خارجه، وأعطي له من غيره؛
لذلك حذفت الواو التي تشير إلى الباطن، لأن هذا العلم لم يحصل عليه بنفسه.
وقد بينا في الجذور التي ابتدأت بحرف الواو، أن النفس يشار إليها بحرف الواو، لأنها مستبطنة في صاحبها.
فجميع ألفاظ الرؤيا جاءت بحذف حرف الواو التي هي صورة الهمزة في الرسم، لأن نفس الرائي لا دخل لها في الرؤيا التي تنبئ بما يحدث في المستقبل، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى؛ فهي من الله سبحانه وتعالى.
أما ما يراه النائم في المنام من غير الله تعالى؛ فهو أضغاث أحلام. ولا يسمى بالرؤيا.
حذف الواو الثانية المدية في الأسماء والأفعال
القاعدة في الرسم القرآن ألا يرسم واوان متتاليان الثاني منهما حرف مد. وذلك أن الواو المدية حرف يتولد من ضمة الحرف الذي قبله، فيؤدي تغييرًا أو إضافة في المعنى، قال تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَـاـهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ (251) البقرة
وقال تعالى : (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) الشعراء.
وقال تعالى : (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) التكوير.
وقال تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَـاـنُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا (20) الأعراف.
أو يتحول المفرد إلى جمع مذكر سالم في حالة الرفع.
قال تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) السجدة.
وقال تعالى: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَـاـنَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) الزخرف.
وقال تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ (153) آل عمران.
وقال تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُوونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَـاـبِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَـاـبِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَـاـبِ (78) آل عمران.
وقال تعالى: (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) النساء.
وقال تعالى: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16) الكهف.
ثبوت واو الجمع التي سبقها فتح
قال تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـاـهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) الأنفالوقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) المنافقون.
واو الجمع التي سبقها فتح فأصبحت واو لين وليس مدًا، وصارت بهذا الوضع حرفًا صحيحًا بعد أن كانت حرفًا مقدرًا.. وإذا حذفت لم يبق شيء يدل عليها.. لأن ما قبله مفتوح وليس مضمومًا.
فحذف الواو في يمحُ، ويدعُ، دل عليه بقاء حرفين من الفعل مما يوجب وجود ثالث لهما، فيقدر المحذوف من آخرهما؛أي ضمة الحاء، وضمة العين، وكان التعليل لغياب صورة الواو من الرسم.
أما آوى ، ولوَّى؛ فهما فعلان ماضيان، وقد حذفت الألف المقصورة لالتقاء ساكنين، وقد انفصل الفعل عن الفاعل.. فإلغاء أحدهما بالحذف لا يدل عليه الآخر، والأفعال الماضية مبنية على الفتح، والفتحة لا علاقة لها بالواو ليدل عليها حال حذفها.
أما المضارع فما زال الفاعل في الفعل فهما مجتمعان؛ وعند اجتماع حرفين؛ فقد يدغم أحدهما في الآخر، أو يلغي أحدهما الآخر عند سكونهما؛ وكان الثاني منهما حرف مد، ويبقى هناك ما يدل في اللفظ على المحذوف رسمًا، أو يحرك أحدهما لصعوبة نطق ساكنين.
لذلك ثبتت واو الجمع في الرسم مع واو الفعل الماضي.( آوَوْا – لوَّوْا )
والباطن لا يكشف وهو باطن؛ عن باطن آخر فيه... فلا بد من بيان الإشارة إلى كل واحد منهما.
ثبوت واو الجمع التي سبقها همز
قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَـاـنَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ (9) الحشر.وقال تعالى: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) الزمر.
وقال تعالى: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَـاـءُـوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) النجم.
وقال تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُـ وـءُـوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) الإسراء.
في هذه الأمثلة قدر أن الهمزة المضمومة هي المحذوفة، وأن الواو المدية هي الثابتة في الرسم.
وذلك أن الهمزة تكتب حسب حركتها وحركة ما قبلها، وإذا كانت آخر الكلمة تكتب حسب حركة ما قبلها؛ لأن كتابة الكلمات يراعى فيها: كيفية الابتداء بها، والوقوف عليها،
فإذا كانت الهمزة آخر الكلمة، وما قبلها حرف مد ساكن، وهي ساكنة بسبب الوقف عليها، فلا تعرف حركتها؛ ولذلك تكتب على السطر، وقبل الفراهيدي لم تكن هناك صورة للهمزة منفردة، ولا وجود لها في الرسم القرآني، والهمزة على السطر من اختراعات الفراهيدي رحمه الله تعالى؛ ولأن أول الحروف حسب المخارج عنده العين فسمى كتابه العين، ولما وجد مخرج الهمزة قريبًا من العين رسم الهمزة مثل رسم حرف عين مصغرة، وأضيفت إلى الرسم الإملائي، وأضيفت ثَمَّ على رسم المصحف ليعرف وجودها من يجهل القراءة فيقرأها،
وحرف المد لا يقوم إلا بحرف صحيح؛ وحذف الفرع أولى من حذف الأصل؛ وأرى أن الواو هي صورة الهمزة والمحذوف هو الواو المدية؛ أي أن الكتابة تكون هكذا : تَبَوَّؤُوا - يَشَاؤُونَ - أَسَـاـؤُوا - لِيَسُـ وـؤُوا
وذلك للأسباب التالية.
أولاً : أن حرف المد لا يقوم بذاته، فكيف يحذف الأصل الذي تولد منه ويبقى هو.
ثانيًا : أنه يبقى ما يدل على حذف حرف المد ؛ وهو حركة الحرف الذي قبله، وحذف الأصل لا شيء يدل عليه.
ثالثًا : أن الهمزة التي في آخر الكلمة وقبلها حرف مد حذفت؛ لأنه لا تعرف حركتها وما قبلها حرف مد ساكن، فلما صارت وسطًا تحركت؛ فوجب كتابتها بحركة نفسها؛ أي على واو، ولا يبقى مبررًا لحذفها إلا إذا كانت مفتوحة فيمتنع رسم ألف أخرى بعد الألف.
رابعًا : أن كلمات عديدة في القرآن كتبت على أصل الوصل في القراءة، وليس على أصل الوقف؛ فرسمت الهمزة المضمومة واوًا .. وكان ذلك مراعاة للمعنى فيها. ولم يكن قاعدة عامة.
خامسًا : أن في كلمة أساءوا – وهي مكررة مرتان في القرآن – قد حذف الألف فيها أيضًا فحذفان متتاليان في الرسم يعد إجحاف فيه.. وفي حال جعل الواو المثبتة هي صورة للهمزة، فيدل على الألف المحذوفة فتحة السين، ويدل على الواو المدية ضمة الهمزة.
سادسًا : أن في كلمة ليسوءوا قد حذفت الواو فيها أيضًا فحذفان متتاليان في الرسم يعد إجحافًا فيه.. وفي حال جعل الواو المثبتة هي صورة للهمزة، فيدل على الواو المحذوفة ضمة السين، ويدل على الواو المدية ضمة الهمزة.
وعلى أي تقدير كان؛ فالرسم القرآني يبقى هو هو لا تغيير فيه، وتقدير الحذف راجع لترجيع علماء الرسم.[/size]
ثبوت الواوين إذا فتح أحدهما
قال تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَـاـبَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) البقرة وقال تعالى: (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) الزمر: ٧٠
وقال تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) الضحى
وقال تعالى: (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الشرح
وقال تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْكَـاـفِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) إبراهيم
وقال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَـاـنُ دَاوُودَ (16) النمل
وقال تعالى: (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) النمل
وقال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَـاـرُونَ نَبِيًّا (53) مريم
وقال تعالى: (يَـاـبَنِي إِسْرَاءِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَـاـكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَـاـكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) طه
وقال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَـاـنُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ (22) إبراهيم: ٢٢
وقال تعالى: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَـاـطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) هود
وقال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَـاـتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) مريم
( البلد: ٣
وقال تعالى: (فَـاـكِهِينَ بِمَا آَتَـاـهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَـاـهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) الطور
وقال تعالى: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) الممتحنة
وقال تعالى: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) القيامة
الواو الأولى ليست أصلية في الكلمة؛ وإنما هي مضافة إليها، وتعد الكلمة الموجودة فيها من كلمتين؛ واو العطف أو واو الاستئناف، والكلمة الأصلية؛ إما فعلاً (كوصى)، أو اسمًا (كوجوه.
لذلك فإن الحذف مخل في المعنى لسببين: إما بحذف كلمة منها؛ وهي الحرف المضاف المفيد للعطف أو الاستئناف.
وإما حذف الحرف الأول من الكلمة الأصلية؛ وهو يعد وجهها؛ وهو أكثر الحروف تمثيلا للمعنى المراد بها.
لذلك ثبتت الواوان فيها؛ بالإضافة إلى أن الواوين حرفان صحيحان متحركان، ليس فيهما حرف مد.
من قواعد الرسم القرآني (العثماني) الزيادة
زيادة الواو في وسط الكلمة
زيادة الواو في وسط الكلمة
قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَواةٌ يَـاـأُوْلِي الْأَلْبَـاـبِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) البقرة
وقال تعالى: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَـاـبِ (269) البقرة
وقال تعالى: (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـاـئِكَ هُمُ الْفَـاـسِقُونَ (82) آل عمران
وقال تعالى: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَـاـئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) القمر
وقال تعالى: (هَـاـأَنْتُمْ أُوْلَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ .. (119) آل عمران.
وقال تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـاـؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) النساء
اسم الإشارة أولي، وأولاء، ومع هاء التنبيه؛ هؤلاء، ومع الكاف؛ أولئك؛ كلها تشير إلى جمع، وأن الجمع قد اجتمعوا على صفة، وأن هذه الصفة مستبطنة في نفوسهم، والإشارة لم تكن لهم في أماكن وجودهم؛ بل كانت الإشارة إليهم لما في نفوسهم فكانت زيادة الواو للدلالة على ذلك، وكانت الزيادة بعد الهمزة؛ لأن الهمزة هي للامتداد المتصل، وما امتدوا به من تلك الصفات ملتصق بهم.
أما اسم الإشارة "هؤلاء" فقد اتصل فيها هاء التنبيه مع الكلمة، فصارت الهمزة وسطًا، وهي مضمومة فصورت واوًا بدلا من الألف، فأغنت بصورتها عن الواو الزائدة؛ لذلك لم تظهر زيادة الواو فيها.
أما زيادة الواو في "سأوريكم" في قوله تعالى:
قال تعالى: (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَـاـسِقِينَ (145) الأعراف
وقال تعالى: (خُلِقَ الْإِنْسَـاـنُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ ءاَيَـاـتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) الأنبياء
فاللفظ متعلق بشيء واحد في الآيتين؛ هو الآن في باطن الغيب، أي النار ودار الفاسقين، وعند الكشف عنها لن يقف الأمر على الاطلاع عليها؛ بل سيكون دخولهم بها، ولذلك زيدت الواو التي تشير إلى الباطن والداخل للدلالة على ذلك، وكان مكانها كذلك بعد الهمزة لالتصاقهم الدائم في باطنها، ولا خروج لهم منها.
والله تعالى أعلم
إبدال الألف واوًا في وسط الكلمة
كتبت الألف واوًا في أربعة أصول حيث وجدت : الحياة، الصلاة، الزكاة، الربا. وأصل الألف واو في هذه الأصول ؛
الحياة من مادة "حيي" أو "حيو" لأن كثيرًا من الجذور تكون يائية واوية في آن واحد؛
كما قال تعالى : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) العنكبوت
وقال تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَواةَ الدُّنْيَا (29) النجم
الحياة لا تكون إلا في نفس صاحبها؛ والواو دائمًا إشارتها للباطن والداخل، والنفس مكانها في باطن الجسد، ولا تكون حياة بلا نفس في ذات صاحبها.
الصلاة من مادة "صلو"
الصلاة فعل بالجوارح وتوجه بالقلب؛ والصلاة المقبولة عند الله تعالى هي التي يكون فيها توجه النفس إلى الله تعالى مع أداء أفعال، وأما أفعال الجسد لوحدها وانشغال القلب بغيرها؛ فلا قبول لها عند الله تعالى، وترد على صاحبها.
قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَواةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَـاـشِعِينَ (45) البقرة.
وقال تعالى: (حَـاـفِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَواةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَـاـنِتِينَ (238) البقرة
وعند الإضافة إلى الضمائر المتصلة؛ فتكتب الألف كذلك واواً إذا أريد بها توجه النفس إلى الله ؛
قال تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَواتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) التوبة، والمقصود بها توجه النفس والقلب لله ودعائه فيها، وهذا الذي يكون منه سكن لهم، وليس فعل الجوارح فقط؛ فكتبت بالواو.
وقال تعالى : (قَالُوا يَـاـشُعَيْبُ أَصَلَواتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَـاـؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) هود ؛ والمقصود فيها كالآية السابقة وليست الجوارح.
وقد قرأ حفص، وحمزة، والكسائي، وخلف آيتي التوبة وهود: صَلَاتِك، أَصَلَاتِك؛ بالإفراد.
وقرأ الباقون: صَلَوَاتِك، أَصَلَوَاتِك؛ بالجمع.
وذلك أن توجه القلب إلى الله تعالى في الصلاة يأتي من كثرة الصلاة الدال على تعلق صاحبها بالله، أما غير الملتزم بها، والمضيع لها، والمتهاون في كثير منها فإن توجهه إلى الله تعالى يكون ضعيفًا، وكيف يكون منه سكن لهم، وأمر منه بالمعروف ونهي عن المنكر؛ وهو غير منضبط عليها ؟!
أما إذا أريد بها فعل الجوارح الظاهرة للناس؛ فكتب بالألف فقط كما تلفظ؛
قال تعالى : (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) الإسراء. والجهر والإخفات مما يطلع عليه الناس ويحكمون عليه. .. ومثلها؛
قوله تعالى : (وَالطَّيْرُ صَـاـفَّـاـتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) النور
والعلم بالشيء وتعلمه مما يكون ظاهرًا بينًا غير مستور.
أما عند إضافة الصلاة إلى ضمير الجمع، فتكتب الألف كما هي؛ لأن فعل الجمع للصلاة يكون ظاهرًا معلومًا عند الناس، ويمكن أن يتماثل الناس في أدائه وخاصة إذا كان أدوها جماعة، وذلك هو المقصود، والمطلوب أداؤه؛ والمحافظة والديمومة عليها؛ كما في قوله تعالى:
(وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَـاـفِظُونَ (92) الأنعام.
وقال تعالى: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) الأنفال.
وقال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَـاـشِعُونَ (2) المؤمنون
وقال تعالى: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) المعارج.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَـاـفِظُونَ (34) المعارج.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الماعون.
وما قصد فيه التوجه القلبي إلى الله تعالى فتكتب بالواو؛
قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَـاـفِظُونَ (9) المؤمنون،
فقد قرأها حمزة، والكسائي، وخلف آية المؤمنون: صَلَاتِهم؛ بالإفراد.
وقرأ الباقون: صَلَوَاتِهم؛ بالجمع ومنهم حفص.
والعلة في ذلك كما ذكرناها عند التعقيب على آيتي التوبة(103)، وهود(87) السابقتين.
الزكاة من مادة "زكو"
الزكاة المقبولة عند الله هي التي يخرجها صاحبها طواعية؛ يريد بها أداء الحق الذي عليه في ماله، ويسأل الله تعالى الأجر والثواب على إخراجها؛ ولذلك كتبت الألف بالواو على الأصل لموافقة المعنى حيث ذكرت؛
قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَواةَ وَآَتُوا الزَّكَواةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) البقرة
الربا من مادة "ربو"
الربا: مال يفرض على المدين فوق المال الذي يأخذه، فيدخل في رأس المال ويصبح جزءًا منه؛ ويرده المدين للدائن؛ ولذلك كتبت الألف بالواو على الأصل حيث ذكرت لموافقة المعنى؛
قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَوا وَيُرْبِي الصَّدَقَـاـتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) البقرة
واستثني هذا الموضع فقط :
قال تعالى: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ (39) الروم
أي ما آتيتم من مال لتنالوا عليه الربا؛ فالزيادة لم تقبض بعد؛ لتدخل في رأس المال؛ لذلك كتبت بالألف على اللفظ، ولم يكتب بالواو.
وكتبت الألف واوًا في أربعة كلمات : بالغداة، كمشكاة، النجاة، ومناة. والألف فيها منقلبة عن واو؛
"الغداة من مادة غدو"
قال تعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَواةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (52) الأنعام
وقال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَواةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (28) الكهف.
الغداة من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس حيث يخرج الناس من هذا الوقت من بيوتهم متوجهين لأشغالهم؛ ويدخلوا فيها بعيدًا عن بيوتهم ولذلك كتبت الألف بالواو على الأصل لموافقة المعنى؛
قال تعالى : (فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَـاـرِمِينَ (22) القلم.
وقال عليه الصلاة : (لو أنكم تتكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا)
وقال الشاعر: وقد أغتدي والطير في وكناتها
وتغدى الصائم : تسحر
والجذر "غدو" أوله غين الغياب وفي فعل الغادي غياب عن البيت والسكن
وآخره واو الداخل والباطن وفيه دخول فيما يغيب عن العين أيضًا؛ ولذلك كتبت الغداة بالواو على أصل الجذر، وعلى أصل الخروج من أجل العودة بما تجنيه الأيدي.
ففي الآية توجه للعمل مع بداية الصباح وآخر النهار التوجه للبيت للمبيت والاستقرار؛ فهم يريدون وجه الله تعالى، ويدعونه في كل توجه لهم؛ في غيابهم وفي حضورهم، وفي كل أوقاتهم.
"المشكاة من مادة شكو"
المشكاة كوة في جدار غير نافذة؛ أي هي في باطن جدار؛ ولذلك كتبت الألف بالواو على الأصل لموافقة المعنى؛
قال تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمـَاـوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَواةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ (35) النور
النجاة من مادة "نجو"
النجاة هي بلوغ مأمن والدخول فيه ليحتمي به؛ ولذلك كتبت الألف بالواو على الأصل لموافقة المعنى؛
قال تعالى: (وَيَـاـقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَواةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) غافر
مناة من مادة "منو"
تسمية هذا الصنم بمناة من الأمنية؛ ومحل الأمنية هو القلب لتعلق الشيء بالقلب، وانهم جعلوا كل أمانيهم فيه؛ ولذلك كتبت الألف بالواو على الأصل لموافقة المعنى؛
قال تعالى: (أَفَرَءَيْتُمُ اللَّـاـتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَواةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) النجم
والله تعالى أعلم
أبو مُسْلِم/ عَبْد المَجِيد العَرَابْلِي