طبعات مسند الإمام أحمد فى الميزان ( بقلم الشيخ حسين بن عكاشة )

إنضم
26/05/2003
المشاركات
284
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الإمارات - الشارقة
بسم الله الرحمن الرحيم​

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

قد وقفت على بحث مفيد كتبه الشيخ حسين بن عكاشة فى مقدمة كتاب مسند أبى سعيد الخدرى من ترتيب المسند لابن المحب وجامع المسانيد والسنن لابن كثير طبعة دار المودة بالرياض أحببت أن أنقله لكم هنا للفائدة ، فقد قال :

الفصل الرابع: نسخ «المسند» المطبوعة

للمسند طبعاتٍ كثيرة، وسأحاول التعريف بأشهر طبعاته المنتشرة بين أيدي المسلمين اليوم، وأذكرُ ما لكل طبعةٍٍ وما عليها، فأقول: تعود أصول طبعات «المسند» إلي أربع طبعاتٍ، وما سواها لا يَعْدُو أن يكون مأخوذًا عنها أو مذيلًا عليها، وهذه الطبعات الأربعة هي: الطبعة الميمنية القديمة، وطبعة الشيخ أحمد محمد شاكر، وطبعة مؤسسة الرسالة، وطبعة عالم الكتب.

أولا: الطبعة الميمنية

نسخةٌ كاملةٌ في الجملة، صدرتْ عن المطبعةِ الميمنية بمصر المحروسة، قريبًا من الجامع الأزهر، إدارة أحمد البابي الحلبي، سنة 1313 هـ. وطُبع بحاشية المسند منتخب «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» للمتقي الهندي، تقع هذه النسخة في ست مجلدات كبار، عُني بتصحيحها محمد الزهري الغمراوِي، وذكر في خاتمة الطبعة (6/468) أن من أهم ما قُوبل عليه المسند نسخة مُحضرة من خزانة السادات الوفائية بمصر المحروسة المعزية.

خطها دقيق، والأحاديث مكتوبة متتالِية دون فواصل إلا أنه يكتب كلمة «حدثنا» في أول كل حديث بخطٍ أسود ثقيل، ولا يُوجد بها علامات ترقيم، وعنوان مسند الصحابي يوضع بين قوسين مثل: (مسند عثمان بن عفان رضي الله تعالي عنه). وذلك إذا كتب متصلًا مع ما سبقه من الأحاديث، أو يُكتب وسط السطر مستقلًا.

بها هوامشٌ قليلةٌ، بعضُها معزوٌ إلى هامش المخطوطة، وبعضُها مشارٌ به إلى ما وُجد في نسختين، وبعضُها لتفسير بعض الألفاظ الغريبة في متون الأحاديث، انظر (1/3، 2/392) وغيرهما.

بمواضعٍ متعددةً منها وُضع في أثناء نص المسند رقم (3)، أو رقم (7)، إشارةً إلي وجود خللٍ أو سقطٍ في موضع هذا الرقم، وقد يُستعمل بعض هذين الرقمين للتعليق علي نص المسند، انظر (2/228 , 229، 392، 393، 4/89).

هذه النسخة بقيت في أيدي الباحثين وطلبة العلم أكثر من قرن من الزمان، وقد صُورت مراتٍ كثيرة من قبل عددٍ من دور النشر.

وطبعت مؤسسة قرطبة للطباعة والنشر المسند منفردًا عن «المنتخب من كنز العمال» مصورًا عنها، ورقمت أحاديث المسند علي الحواشي، ولا تزال معظم إحالات الباحثين المعاصرين إلى «المسند» عليها، وصنع لها فضيلة الشيخ الألباني فهرسًا لأسماء الصحابة كان لاستعماله الشخصي، ثم طبعه المكتب الإسلامي في أول «المسند»، وتبعه غيره، وصنع لها الشيخ حمدي السلفي فهرسًا لأطراف الأحاديث والآثار، وكذلك صنع لها أبو هاجر السعيد بسيوني فهرسًا للأطراف، وقد أعادت عدةُ دورٍ جمع هذه الطبعة جمعًا تصويريًا مع ترقيم أحاديثها.

وقد أثني عليها الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله فقال في مقدمة تحقيقه للمسند (1/12): «وهي طبعةٌ جيدةٌ من ناحيةِ التصحيحِ، الخطأُ فيها قليلٌ» ولعل الشيخ رحمه الله حين وصفها بذلك لم يكن خبرها تفصيلًا ولا قارنها بالنسخ الخطية، فإن من يفعل ذلك سيجد أنه:

يؤخذ علي هذه الطبعة عدة أمور:

منها: أنها أصبحتْ لدقة خطها وتكدُس صفحاتها كأنها نسخةً خطيةً؛ لذا يصعب استفادة كثيرٍ من الطلبة منها.

ومنها: أنه وقع فيها في مواضع متعددة تحريفات وتصحيفات في الأسانيد والمتون، خاصةً في الألفاظ المتشابهة، مثل لفظي: «عن» و«بن» يحرف أحدهما إلي الآخر كثيرًا، وهو أمرٌ معروفٌ لكلِ من طالع هذه النسخة بإمعان، أو قارنها ببعض النسخ الخطية.

ومنها: أنه وقع فيها في مواضع متعددة سقطٌ في الأسانيد والمتون، وهو أمرٌ أصبح معلومًا لا يحتاج إلى دليل.

ومنها: أنه اختلط «المسند» فيها بـ«زوائد عبد الله بن أحمد»، بل جاءت زوائد عبد الله في كثيرٍ من المواضع من رواية الإمام أحمد نفسه، وهو خطأٌ يُعلم بمراجعة النسخ الخطية للمسند، أو بمراجعة «جامع المسانيد» لابن كثير، و«غاية المقصد في زوائد المسند» للهيثمي، و«أطراف المسند» لابن حجر، ونحوها من الكتب التي اهتمت بالمسند، وينظر: «زوائد عبد الله بن أحمد بن حنبل في المسند» للدكتور عامر حسن صبري ( ص130) و«مقدمة أطراف المسند» للدكتور زهير الناصر (ص96).

ومنها: أنه وقع فيها سقطٌ كبيرٌ في «مسند الأنصار»، ظهر ذلك جليًّا بمراجعة «ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج حديثهم أحمدُ بن حنبل في المسند» لابن عساكر، و«جامع المسانيد» لابن كثير، و«أطراف المسند» لابن حجر، وظهر أن هذا السقط في الجزأين الخامس عشر والسادس عشر من «مسند الأنصار»، وهذا يكون في أوائل المجلد السادس منها، وقد حاول بعضهم سدَّ هذا النقص، منهم محمود الحداد فجمع جزءًا سماه «صلة المسند»، وكذلك حاول سَدَّه محققو طبعة الرسالة للمسند فجمعوا اثنين وتسعين حديثًا من «جامع المسانيد» لابن كثير، و«أطراف المسند» لابن حجر، و«غاية المقصد في زوائد المسند» للهيثمي، و«ترتيب أسماء الصحابة» لابن عساكر، ووضعوها في ملحق آخر المجلد التاسع والثلاثين (ص 434-535) من طبعتهم، وكذلك حاول سَدَّه محققو طبعة عالم الكتب له، فجمعوا واحدًا وتسعين حديثًا من نفس المصادر، ووضعوها في داخل طبعتهم من الحديث (24218) إلي الحديث (24308) وعزوا في الهوامش كل حديث إلي مصادره التي أثبتوه منها، وهي محاولات مشكورة، لكنها لم تعتمد نسخًا خطية للمسند، فلا يمكن أن نحكم لها باستيعاب الأحاديث التي سقطت كلها، بل بعد الوقوف علي نسخ خطية متقنة من المسند لهذا الموضع تبين أن السقط أكبر من ذلك.

ومنها: أنه وقع فيها سقط عشرة أحاديث متتالية في «مسند أبي سعيد الخدري» في أثناء الصفحة الثانية عشرة من المجلد الثالث، وتداخل حديثان لوقوع هذا السقط، ومن ثم انتقل هذا الخلل لكل النسخ المطبوعة بعد، وفيها سقوطات أخر.

ثانيًا: طبعة فضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر

فضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر أحد أعلام الحديث في مصر والعالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الهجري، ولا يجهل أحدٌ من طلبة العلم مكانته العالية، وعمله في تحقيق المسند عملٌ علميٌّ رائدٌ، ولذلك سأذكر مقدمته رحمه الله باختصارٍ يسير، قال فضيلته وهو يتكلم عن المسند:

رأيتُ أن خير ما تخدم به علوم الحديث أن يُوفق رجلٌ لتقريب هذا المسند الأعظم للناس؛ حتى تعمَ فائدُته، وحتى يكون للناس إمامًا، وتمنيتُ أن أكون ذلك الرجل... فكان هذا المقصد أمنية حياتي، وغاية همي، سنين طويلة، أن أقرب هذا المسند للناس. حتى وفقني الله، منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، إلى ما أريد، على النحو الذي أريد: أن يكون المسند بين أيدي العلماء والمتعلمين، كما هو، كما ألَّفه مؤلفه الإمام، وأن تكون له فهارسٌ وافيةٌ متقنةٌ، علميةٌ ولفظيةٌ.

وأعني باللفظيةِ هذا النوعُ من الفهارس للأعلام وغيرها. وبالفهارس العلمية، فهارسٌ للأبواب والمسائل العلمية، ترشد الباحث على ضوئها إلى كل ما جاء في المسند في المعنى الذي يريده.
ومكثتُ أيامًا طوالًا أضعُ خُطَطَ العملِ ومناهجه، وأغير فيها وأبدل، حتى استقامت السبيل، ووضح النهج واستنار. فشرعت في العمل.

وجعلت لأحاديثِ الكتاب أرقامًا متتابعة من أول الكتاب إلى آخره. وجعلتُ هذه الأرقامَ كالأعلام للأحاديث، بنيت عليها الفهارس التي ابتكرتها كلها.

وأول فائدةً لهذا أن الفهارس لا تتغير بتغير طبعات الكتاب، إذا وفق الله لإعادة طبعه.

أما الفهارس اللفظية فهي أنواع:

1- فهرسٌ للصحابة رواة الأحاديث، مرتبٌ على حرف المعجم، فيه موضع بدء مسنده من هذا المسند، ببيان الجزء ورقم الصفحة، وفيه أرقام الأحاديث التي من روايته، سواء أكانت في مسنده الخاص أم جاءت في مسند غيره من الصحابة، فإنه كثيرًا ما يقع حديث صحابي في أثناء مسند غيره، من غير أن يذكر في مسنده، فيشبَّه على كثير من الباحثين حتى يظنوا أن الحديث ليس في الكتابِ، إذ لم يجدوه في مظنته. وكثيرًا ما يكون الحديث من مسند صحابيين أو أكثر، إما مشتركين فيه، وإما منسوبًا كل جزء منه لراويه، فهذا يجب أن يوضع رقمه في مسند كل صحابي له رواية فيه. ثم أستثنى من أرقام مسند الصحابي الأحاديث التي ليست من روايته أصلًا، واضعًا للأمور مواضعها. وما كان من رواية صحابي لم يسمَّ وُضع في اسم التابعي الذي رواه عن الصحابي المبهم.

2- فهرس الجرح والتعديل. وهو فهرسٌ للرواة الذين تكلم عليهم الإمام أحمد أو ابنه عبد الله في المسند، وهم قليل، وللرواة الذين أتكلم عليهم في كلامي على الأحاديث. إذ أنني إذا ما تكلمتُ علي راوٍ مرةً، فمن النادر أن أتكلمُ عليه مرةً أخري، إلا لسبب يتعلق بالرواية.

3- فهرسٌ للأعلام التي تُذكر في متنِ الحديث، إذ أنها تكون في الأغلب الأعلامَ التي تدور عليها قصة الحديث أو موضع العبرة منه.

4- فهرسٌ للأماكن التي تذكر في متن الحديث أيضا، وهي كسابقتها.

5- فهرسٌ لغريبِ الحديث. أي للألفاظ اللغوية التي تحتاج إلى شرح.

وقد كنتُ فكرت في أنواعٍ أخرى من الفهارس اللفظية، وشرعتُ في بعضها فعلًا. ثم رأيتُ أن في ذلك إطالةً وإرهاقًا لي وللقارئ، على قلة غَنائها، وأن ما اخترتُ الاقتصار عليه كافٍ وافٍ، والحمد لله.
وأما الفهارس العلمية، فهي الأصلُ لهذا العمل العظيم، الذي أسأل اللهَ أن يوفقني لإتمامه وإخراجه، وأن يسددَ يدي وعقلي في صنعه، وهو الابتكارُ الصحيح، الذي ما أظن أحدًا سبقني إليه.
وقد بنيت هذه الفهارس أيضًا على الأرقام للأحاديث، بل إن الأرقام هي التي سددت الفكرة وحددتها.

فإن كل مُطْلِّعٍ على الأحاديث يعلمُ أن الحديث الواحد قد يدل على معانٍ كثيرة متعددة، في مسائلٍ وأبوابٍ منوعة، وأن هذا هو الذي أَلجَأَ البخاري رضي الله عنه إلى تقطيع الأحاديث وتكرارها في الأبواب، استشهادًا بالحديث في كل موضعٍ يَستدلُ به فيه ولو من بعيد، فكانت صعوبة البحث في «صحيحه»، الصعوبة التي يعانيها كل المشتغلين بالسنة. مع أن هذه الطريقة هي الطريقة الصحيحة للإفادة من الأحاديث: أن يستدل بها في كل موضع تصلح للدلالة فيه. وأما سائر أصحاب الصحاح والسنن، فإنهم تفادوا ذلك، وذكروا الحديث في الموضع الأصلي في الاستدلال، وأعرضوا عما وراء ذلك، إلا في الندرة بعد الندرة، ولذلك صرتُ أَجِدُني مثلًا بعد مروري على هذه الفهارس، أيسر عليَّ أن أبحث عن حديث في «صحيح البخاري» من أن أبحث عنه في غيره من الصحاح والسنن؛ لأني - في الأكثر الأغلب - أجدُ الحديث في أي معنى من المعاني التي يصلح للدلالة عليها.
فهذه الأرقام أراحتنا من كل ذلك، من تقطيع الحديث ومن تكراره. رقم الحديث يوضع في كل باب وفي كل معنى يدل عليه، أو يصلح للاستشهاد به فيه، دون تكلف ولا مشقة.

فمن الميسور للباحث في هذا الفهرس أن يجد الباب الذي يريده، أو المعنى الذي يقصده، فيجد فيه كل أرقام الأحاديث التي تصلح في بحثه، بالاستقصاء التام، والحصر الكامل.

وقد قرأت من أجل هذا الفهرس كل فهارس كتب السنة، وكتب الفقه، وكتبِ السير، وكتب الأخلاق التي يسر لي الحصول عليها، ثم ضممت كل شبه إلى شبهه، وكل شكل إلى شكله. وتخيرت في ترتيبها أقرب الطرق إلى عقل المحدث والفقيه، بعد أن قسمتها إلى كتبٍ جاوزت الأربعين، فيها أكثر من ألفِ باب.

وكلما رأيت بابًا فيه شيء من العموم كثرت أرقامُ أحاديثه، اجتهدتُ في تقسيمه إلى معانٍ فرعية؛ ليحصرَ أقرب المعاني إلى بعضها في أرقام يسهل علي القارئ الرجوع إليها.

والمقصد الأول من هذا كله تقريب الإفادة من هذا المسند الجليل إلي الناس عامة، وأهل الحديث خاصة. حتى يصلوا إلى ما في السنة النبوية من كنوز قد يعسر عليهم الوصول إليها، في كتاب هو كالأصل لجميع كتب السنة أو لأكثرها. ويعجبني في هذا المعنى كلمة قالها الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (1/213): «فإني رأيت الكتاب الكثير الإفادة المحكم الإجادة، ربما أريد منه الشيء، فيعمد من يريده إلي إخراجه، فيغمض عنه موضعه، ويذهب بطلبه زمانه، فيتركه وبه حاجة إليه، وافتقار إلي وجوده».

وبينا أنا أطبق القواعد التي ابتكرتها للفهارس على الأحاديث حديثًا حديثًا، كنتُ أجدُ كثيرًا من الأحاديث يشتبه عليَّ إسنادها، وأحتاج فيها إلى مراجعة دواوين الحديث وكتب الرجال، فتارة أراجعها وتارة أدعها. ثم بدا لي أن أقيد ما أراجعه في كراسة خاصة، ففعلت. وكنت أفكر في تتبع أحاديثه كلها، وتمييز صحيحها من ضعيفها، ثم أخش الإقدام على ما قد أعجز عنه، والتعرض لشيء أظنني غير أهل له. ثم كما يقول علماء البلاغة «أقدم رجلًا وأؤخر أخري» وكان معنا في مدينة الزقازيق عاصمة مديرية الشرقية، حين كنت قاضيا بالمحاكم الشرعية فيها، شابٌ من الرجال الصالحين المتقين، هو صديقي الدكتور السيد أحمد أحمد الشريف رحمه الله... فاستشرته مرارًا في الإقدام على الكلامِ على الأحاديث من جهة الصحةِ والضعف، فكان لا يني أن يرغبني في ذلك، ويحملني على الإقدام عليه، بعد التوكل والاعتماد على الله، حتى شرح الله صدري لهذا العمل، فأقدمت واستعنت بالله، والحمد لله على التوفيق.

ولم ألتزم في الكلام على الأحاديث أن أُخرِّجها كلها، فذلك أمر يطول جدًا. إنما جعلتُ همي ووكدي أن أُبين درجة الحديث، فإن كان صحيحًا ذكرتُ ذلك، وإن كان ضعيفًا بينتُ سبب ضعفه. وإن كان في إسناده رجلٌ مختلفٌ في توثيقه وتضعيفه، اجتهدتُ رأيي على ما وسعه علمي، وذكرتُ ما أَراه. وفي كثير من مثل هذا أُخَرِجُ الحديث بذكر من رواه من أصحاب الكتب الأخرى.

وعن هذا صنعت الفهرس الثاني من الفهارس اللفظية؛ ليكون الكلام على الرجل المُضَعَّفِ أو المُوَثَّقِ أو المُخْتَلَف فيه مرةً واحدةً في الأغلب، فيمكن للقارئ إذا عُرِضَ له في إسنادٍ أن يبحثَ عنه في الفهرس، ثم يرجع إلى ما قلته فيه، وما اخترته درجة له.

ولم أَعْرِضْ في شرحي لشيءٍ من أبحاثِ الفقه والخلاف ونحوهما، فما هذا من عملي في هذا الكتاب، إنما هو عمل المستفيد المستنبط، بعد أن تجتمع له الأحاديث بدلالة الفهرس العلمي. وليس المسند من الكتب المرتبة على الأبواب حتى يستقيمَ هذا لشارحه.

واقتصرتُ في تفسير غريب الحديث على ما تدعو إليه الضرورة جدًا، وعلى ما وجدتُ أصحابَ الغريبِ قد قَصَّرُوا فيه، أو كان لي رأيٌ يخالف ما قالوا، وهو شيءُ قليلٌ نادر.

وأحاديث المسند تتكرر كثيرًا، فيُروى الحديث الواحد بأسانيدٍ متعددة، وألفاظٍ مختلفة أو متقاربة، وبعضها مطول وبعضها مختصر. فرأيت أن أذكر بجوار كل حديث رقم الرواية التي سبقت في معناه أو لفظه. فإن كان مكررًا بنصه أو قريبًا من نصه قلت: «مكرر كذا» وذكرت الرقمَ الذي مضى، وإن كان الآخر أطول من الأول قلت: «مطول كذا» وإن كان أوجز منه قلت: «مختصر كذا».

ولهذا العمل فائدةً أخرى: أن القارئ إذا جاء إلى حديث في معنى من المعاني في آخر مسند صحابي معين، أمكنه بالرجوع إلى الأرقام التي أشير إليها عَوْدًا على بِدْءٍ أن يجمع كل الروايات في ذلك المعنى للصحابي الواحد، دون أن يرجع فيه إلى الفهرس العلمي.

ولجمع الروايات فوائد عند علماء هذا الشأن يدركها كل من عاناها، وأقربُ فوائدها تحقيق المعنى الصحيح للحديث، وتقوية أسانيده بانضمام بعضها إلى بعض.

وقد بذلتُ جهدي في التحقيق والتوثق، وفي العناية بهذه الفهارس التي هي كما سَمَيْتُها «مقاليد الكنوز» فإن يكن صوابًا فإني أحمد الله على توفيقه، وإن يكن خطأً، فما أردتُ إلا الخير، وأستغفر الله.
وأرجو أن يكون عملي هذا محققًا لكلمة الإمام أحمد لابنه عبد الله: «احتفظ بهذا المسند، فإنه سيكون للناس إمامًا» وهي الكلمة التي رواها ابن الجوزي في مناقب أحمد (ص191) وجعلناها في صدر الكتاب عنوانًا له. فإن الإمام رضي الله عنه توقع أن يكون هذا، ولكنه لم يكن إلا لأفرادٍ أفذاذ معدودين، لا لعامة المحدثين؛ فإذا وفق الله لإتمام هذا العمل تحققت الكلمة وتمت: أن يكون المسند للناس إمامًا.

وقد قال الحافظ الذهبي - فيما رواه عنه الحافظ شمس الدين بن الجزري في كتاب «المصعد الأحمد»- : «فلعل الله تبارك وتعالي أن يقيض لهذا الديوان السامي من يخدمه ويبوب عليه، ويتكلم على رجاله، ويرتب هيئته ووضعه، فإنه محتوٍ على أكثر الحديث النبوي، وقَلَّ أن يَثبُت حديثٌ إلا وهو فيه».

وإني أرجو أن تكون دعوة الذهبي أُجيبت بما صنعتُ، وأسأل اللهَ سبحانه الهُدى والسداد، والعصمة والتوفيق.
وما أبغي أن أتمدح بعملي أو أفخر به، ولكني أستطيع أن أقول: إني في بعض ما حققتُ من الأسانيد قد حَلَلْتُ مشاكل، وبينت دقائق، وصححت أخطاء، فاتت على كثيرٍ من أئمة الحديث السابقين، لا تقصيرًا منهم، ولا اجتهادًا مني، ولكن هذا الديوان السامي كما سماه الحافظ الذهبي، كان مفتاحًا لما أغلق، ومنارًا يهتدى به في الظلمات، وكان للناس إمامًا، حين وُفق رجلٌ لخدمته، وحين حُققتْ أحاديثُه تحقيقًا مفصلًا.

وقد يكون في بعض ما ذهبتُ إليه من التحقيق شيءٌ من الخطأ، فما يخلو عمل إنسان غير معصوم من الخطأ، ولكني قد أراه خطأ يهدي إلى كثيرٍ من الصواب، إذ فتح للباحثين باب البحث في دقائق كانت مغلقة، ومشاكل كانت مستعصية.

ولا يظُنن ظانٌّ أني أغلو فيما أقول، فإني أرجو أن يكون عملي خالصًا لوجه الله، وإن كثيرًا من إخواني من علماء السنة والقائمين عليها، في مصر والحجاز والشام، قرؤوا بعض ما كتبت، وأظنهم موافقي على الوصف الذي وصفت، والله الهادي إلى سواء السبيل. اهـ.

وقدم الشيخ شاكر لهذه الطبعة بثلاث رسائل سماها «طلائع المسند»، هي: «خصائص المسند» لأبي موسي المديني، و«المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد» لابن الجزري، و«ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام» للذهبي.

قلت: قد حاز فضيلة الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله قصب السبق في تحقيق «المسند» وإخراجه في صورة جميلة، فقد رقَّم أحاديثه، وخَرَّج بعضها، وتَكلَّم على أسانيدها، وبَيَّن أحوال كثير من رواتها، وأَوْضَحَ مشكلاتها، وصنع لها فهارس دقيقة، فخرج المسند لأول مرةٍ في حُلةٍ بهية تليق بمكانته العظيمة، وقعَّد من خلال تحقيقه قواعد تطبيقية لتحقيق كتب الحديث المسندة وتوثيقها، فرحمه الله رحمةً واسعةً.

ويُؤخذ على هذه الطبعة عدة أمورٍ:

منها: أنه لم يتوافر لفضيلة الشيخ شاكر من النسخ الخطية إلا ثلاث نسخ خطية، هي: النسخة الكتانية، كما ذكر في مقدمة تحقيقه للمسند (ص12)، ونسخة من الرياض في ثلاث مجلدات، كما ذكر في مقدمة الجزء السابع (ص3)، وهما نسختان متأخرتان، وقطعة فيها مسند أبي هريرة، كما ذكر في مقدمة مسند أبي هريرة (ص81).

ومنها: أن هذه الطبعة لم تكتمل، فقد توفي الشيخ شاكر رحمه الله قبل أن يخراج ثلث المسند، وقد رأيت محاولات لإكمال طبعته، وكلها تقصُر عن عمل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله قصورًا بيِّنًا: منها قطعةً يسيرة بتحقيق الدكتور الحسيني عبد المجيد هاشم والدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ الحديث بجامعة الأزهر. ومنها: طبعة مؤسسة قرطبة في 15 مجلدة، وقد أَكملتْ بقية المسند، وفيها جهدٌ مبذولٌ، ومقابلةٌ على نسخٍ خطيةٍ، وتخريج للأحاديث، لكنها لم تشتهر بين طلبة العلم. ومنها: طبعة دار الحديث بالقاهرة بتحقيق حمزة الزين، مسخ المحقق عمل الشيخ شاكر، ثم أكمل عليه، وهي نسخة رديئة لا شك في ذلك.

ومنها: أنه قد أُخذ على فضيلة الشيخ شاكر رحمه الله اعتباره أن من لم يذكر فيه البخاري في «التاريخ الكبير» ولا ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» جرحًا ولا تعديلًا أنه ثقة عندهما، وبناء على ذلك صحح فضيلة الشيخ بعض الأحاديث التي لم يُسبق إلى تصحيحها.

ومنها: أنه قد أُخذ على فضيلة الشيخ شاكر توثيقه لبعض من لا يستحق التوثيق من الرواة؛ لاعتداده بذكر ابن حبان للراوي في «ثقاته» توثيقًا مطلقًا، ونحو ذلك.

ومنها: تصرف فضيلة الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في النص في بعض الأحيان، فإنه لما حذف من أوائل الأحاديث: «حدثنا عبد الله حدثني أبي» اضطُر إلى وضع في ثنايا النص [قال عبد الله بن أحمد] بين معقوفين هكذا في مواضع كثيرة، مخالفًا للنسخ التي اعتمد عليها.

ثالثًا: طبعة مؤسسة الرسالة​

وهي طبعةٌ كاملةٌ في الجملة، صدر أول أجزائها عام 1413هـ - 1993م وصدر آخر أجزائها عام 1421هـ - 2001م، بإشراف معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، وتحقيق فضيلة الشيخ شعيب الأرنؤوط وجماعة، وشارك في وضع منهج التحقيق والتعليق كل من الأستاذ الدكتور محمود أحمد ميرة والأستاذ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم الأستاذان بقسم السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود حينذاك - ذكر ذلك معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي في مقدمته للكتاب (1/27) - ثم راجعا نحو ثلث الكتاب، كما ذكر لي فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور / أحمد معبد ذلك.

وقد بين المحققون منهج العمل في مقدمتهم (1/138-147) وهو باختصار مع المحافظة على ألفاظهم، قالوا:

1- قمنا بتوثيق النَّصِّ، وذلك بمقابلة المطبوع بالأصول الخطية المتوافرة لدينا، وأثبتنا الفروق المهمة، وقد رمزنا للطبعة الميمنية في هوامشنا بالحرف: م.

2- ضبطنا النص ضبطًا قريبًا من التمام، وضبطنا من يُشكل من أسماء الرواة، وكناهم وألقابهم ضبط قلم، وربما ضبطناه بالحروف في الحاشية.

3- نبهنا على الأخطاء الواقعة في الطبعتين السابقتين من تحريف وتصحيف وسقط.

4- حكمنا على أسانيد أحاديثه، حيث قمنا بدراسة رجال إسناد كل حديث فيه، وأشرنا إلى الأسانيد التي هي على شروط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو على شرط مسلم.

5- خرَّجنا أحاديث الكتاب من «الصحاح» و«السنن» و«المسانيد» و«المعاجم» وغيرها من المظان مما تيسر لنا، محاولين الاستيعاب قدر الإمكان، وأشرنا إلى أماكن وجود الحديث إذا تكرر في المسند، وبما أن المؤلف قد يُورد الحديث الواحد في مواضع متعددة من طرق مختلفة، فقد قمنا بتخريج كل طريق في موضعه مشيرين إلى أن المؤلف سيورده من طريق كذا برقم كذا، وإن لم يورده إلا من طريقٍ واحدٍ مع أن له طرقا عديدة أشرنا إلى تلك الطرق الأخرى عن ذلك الراوي. وفي حال اختلاف الطريق كلها عدا الصحابي راوي الحديث نورد الإسناد بتمامه أو جزء منه.

وإذا كان للحديث شاهدٌ عند أحمد، أَحلنا عليه، فنقول مثلا: ويشهد له حديث سبق برقم كذا، أو سيأتي، ويحال حينئذ إلى الصفحة والجزء في الطبعة الميمنية، وإذا لم يكن الشاهد في المسند، فيُخرَّج من المصادر الأخرى مع تبيين حاله عند الحاجة إلى ذلك، فيزداد بذلك حديث الباب قوةً، ويخرج عن حدِّ الغرابة.

6- علَّقنا على بعض المواضع بما يستدعيه المقام، من تفسير لفظ غريب، أو توضيح معنى مستغلق، أو ترجمة بلد أو موضع، أو نقل فائدة لمحها أحدُ الأئمة من الخبر، أو ذكر وقوع نسخ في الحديث، أو التنبيه على شِذُوذٍ في المتن، أو عِلَةٍ خفية قادحة، ونحو ذلك. ونُحيل إلى المصادر التي نقلنا عنها، فأحيانًا نُثبت النص المنقول بتمامه في العلة الخفية القادحة، وأحيانًا نلخصه بحيث يفي بالمراد، ويحقق المُبتغى، ونذكر أيضًا ما نقف عليه من قرائن يكون لها تأثير في حال الراوي، أو في درجة الحديث، وذلك إما ضمن خلاصة الراوي، أو عند الحكم على الحديث.

7- رقمنا أحاديث الكتاب، ونبَّهنا على المكرر منها.

8- فصَّلنا النص ورقَّمناه، ووضعنا قول الرسول عليه الصلاة والسلام بين قوسين صغيرين، والآية بين قوسين مزركشين.

9- نبَّهنا إلي زيادات عبد الله بن الإمام أحمد ووجاداته، وما رواه عن أبيه، وعن شيخ أبيه أو غيره، باستخدام الرموز التالية.

• دائرة صغيرة سوداء لزيادات عبد الله.

° دائرة صغيرة بيضاء لوجاداته.

* نجمة مدورة لما رواه عن أبيه، وعن شيخ أبيه أو غيره.
10- أما الفهارس فتشمل:
1- فهرس شيوخ أحمد.
2- فهرس شيوخ عبد الله بن أحمد.
3- فهرس الصحابة.
4- فهرس الرواة.
5- فهرس الأحاديث القولية والفعلية. انتهي.

قلت: هي أفضل الطبعات الكاملة للمسند في الجملة، وقد قُوبلت على عدة نسخ خطية منها نسخ موثقة، ذكرها المحققون في مقدمة عملهم (1/104-137) ووضعوا صورًا لبعض أوراقها في (1/154- 175)، وذكروا كثيرًا من فروقها بالحواشي، وراجعوا بعض الكتب التي لها تعلق مباشر بالمسند مثل «جامع المسانيد» لابن كثير، و«أطراف المسند» لابن حجر، و«غاية المقصد في زوائد المسند» للهيثمي، و«ترتيب أسماء الصحابة» لابن عساكر، و«حاشية السندي على المسند»، وبذلك جاءت هذه الطبعة أكمل من كل الطبعات السابقة عليها، مع ترقيم الأحاديث، والحُكم على أسانيدها، والتوسع في تخريجها وذكر الشواهد والمتابعات لها، وبذلوا جهدًا كبيرًا، جزاهم الله خيرًا، وطبُع الكتاب مع فهارسه في خمسين مجلدة من القطع المتوسط، منها خمس مجلدات للفهارس.

ويُؤخذ على هذه الطبعة عدة أمورٍ:

منها: كبر حجمها جدًا، مما أدى إلى غلاء سعرها وكونها ليست في متناول كثير من طلبة العلم.
ومنها: عدم كفاية النسخ التي اعتمدوها لتحقيق المسند؛ فقد وقع فيها نفس السقط الكبير الذي وقع في الطبعة الميمنية القديمة، مما دفعهم إلى محاولة استكماله من الكتب التي اعتنت بالمسند كما تقدم.

ومنها: أن حكم محققيها على الأحاديث لا يسلم لهم في كثير من الأحاديث، فقد أهملوا كثيرًا من كلام أهل العلم على الأحاديث، خاصة ما يتعلق بالعلل الخفية وأخطاء الثقات، وهذا أمر معروف لا يحتاج إلى تدليل.

ومنها: تصرف محققيها في النص في بعض الأحيان، فإنهم لما حذفوا من أوائل الأحاديث «حدثنا عبد الله حدثني أبي» اضطروا إلى وضع في خلال النص [قال عبد الله بن أحمد] بين معقوفين هكذا في مواضع كثيرة، مخالفين للنسخ التي اعتمدوا عليها، وقد تبعوا في ذلك الشيخ أحمد شاكر، وكذلك تصرفوا في مواضع أخرى من «المسند».

ومنها: وهم محققيها في مواضع، منها على سبيل المثال وهمان في صفحة واحدة من مقدمتهم للكتاب (ص87):

الوهم الأول: ذكروا ترتيب المسند على حروف المعجم لأبي بكر محمد بن عبد الله بن عمر المقدسي الحنبلي المتوفي سنة 820هـ، وقالوا: انظر «تاريخ التراث العربي» لسزكين (3/221). قلت: هذا وهمٌ تابعوا عليه سزكين، وهو قد أحال على فهرس دار الكتب المصرية (1/96)، حديث 29م. والكتاب للحافظ أبي بكر بن المحب الصامت، ونسخته تحت يدي، وفي آخرها كتب: آخر الجزء الرابع من ترتيب مسند الإمام أحمد على حروف المعجم في الصحابة، جمع الإمام الأوحد أبي بكر محمد بن الحافظ أبي محمد عبد الله المقدسي الحنبلي، ألحق فيه الشيخ عماد الدين ابن كثير باقي ما في الكتب الستة والمسانيد والسنن من الرواية وسماه «جامع المسانيد والسنن». قلت: فظهر أن الكتاب للحافظ ابن المحب الصامت، وقد ذكروه قبل نقلًا عن ابن الجزري على الصواب.
الوهم الثاني: ذكروا تهذيب المسند وترتيبه على الأبواب للشيخ الإمام المحدث قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمد بن سليمان الحنبلي الشهير بابن زريق المتوفى 841 هـ، وقالوا: وقد فُقدت هذه النسخة فيما فُقد في كائنة تيمور في دمشق سنة 803 هـ. قلت: هو وهمٌ لا أدري من أين نقلوه، وأصل هذا الكلام هو للحافظ ابن حجر العسقلاني فقد قال في «المعجم المفهرس» (ص 129) وهو يتكلم عن المسند: ورتبه من أهل عصرنا الحافظ ناصر الدين بن زريق علي الأبواب، وأظنه عُدم في الكائنة العظمى بدمشق. قلت: وناصر الدين بن زريق هو الحافظ محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسي المتوفى سنة 803 هـ، ترجمته في «المعجم المفهرس» لابن حجر (ص528)، و«الضوء اللامع» (7/300 -301). قلت: منشأ هذا الوهم وأمثاله أن السادة المحققين يرسلون كلامهم إرسالًا في مواضع كثيرة فلا يوثقونه بالعزو إلى مصدر، ولو تأنوا في نقولاتهم وراجعوا مصادرها مراجعة دقيقة - كما نصحهم الأستاذ الدكتور محمود ميرة والأستاذ الدكتور أحمد معبد - ما وقعوا في مثل هذه الأوهام.

رابعًا: طبعة عالم الكتب

طبعةٌ كاملةٌ في الجملة صدرت عام 1419هـ - 1998م، بتحقيق السيد أبي المعاطي النوري وأحمد عبد الرزاق عيد وجماعة، في إحدى عشرة مجلدة، منها مجلدة للمقدمة، ومجلدتان للفهارس.
وهي طبعة مقابلة على عدة نسخ خطية، ذكر المحققون هذه النسخ في مقدمتهم (ص411-414)، ووضعوا عدة صور منها (ص420-431) - وتتفق النسخ التي اعتمدها محققوها مع النسخ التي اعتمدها محققو طبعة الرسالة تقريبًا – وراجعوا بعض الكتب التي لها تعلق مباشر بالمسند مثل «جامع المسانيد» لابن كثير، و«أطراف المسند» لابن حجر، و«غاية المقصد في زوائد المسند» للهيثمي، و«ترتيب أسماء الصحابة» لابن عساكر.

وقد بُذل فيها جهدٌ جهيدٌ، وضبط نصها ضبطًا جيدًا، وأثبتت فروق النسخ في الهوامش - وهي تُسَامي إن لم تكن تَفُوق طبعة الرسالة في ضبط النص وذكر فروق النسخ، فقد صرف محققوها عنايتهم إلى ذلك - وخُرِّجت أحاديثها تخريجًا مختصرًا، ونبَّه محققوها على زيادات عبد الله بن الإمام أحمد على المسند، وما رواه عن أبيه وعن غيره، باستخدام الرموز التالية قبل أرقام الأحاديث:

• دائرة سوداء لزيادات عبد الله.

▪ مربع أسود لما رواه عبد الله عن أبيه وعن غير أبيه.

* نجمة لما رواه عن أبيه وعن شيخ أبيه.

□ مربع فارغ لما رواه عبد الله عن أبيه وجادة أو شك في سماعه.

* نجمة إشارة لزيادات القطيعي.

وصنعوا لها فهارس في مجلدين، شملت: فهرس الأحاديث والآثار، فهرس شيوخ الإمام أحمد، فهرس شيوخ عبد الله بن أحمد، فهرس شيوخ القطيعي.

وهي نسخة جيدة في الجملة، متوسطة الحجم، معقولة الثمن، إلا أنها لم تنتشر بين طلبة العلم.

ويُؤخذ على هذه الطبعة عدة أمورٍ:

منها: عدم كفاية النسخ التي اعتمدوها لتحقيق المسند؛ فقد وقع فيها نفس السقط الذي وقع في الطبعة الميمنية القديمة، مما دفعهم إلى محاولة استكماله من الكتب التي اعتنت بالمسند؛ كما تقدم.

ومنها: أنه لم يفصل منهج العمل في المقدمة الطويلة التي جاءت في مجلدة مفردة، على أنه بوب فيها (ص414): «خطة العمل في تحقيق المسند» وكُتب تحت هذا الباب ست صفحات لم يُفصَّل فيها خطة ولم يُبين فيها منهجٌ واضحٌ للعمل.

ومنها: مقدمتها التي كتب عليها: بقلم أبي صهيب الكرمي بالتنسيق مع المستشرق السويدي جان جاربيه جامعة لندن. وهي مقدمة سيئة، أول ما يلفت النظر فيها أن كاتبها - الذي لم يجرؤ أن يُصرح باسمه - كتبها بالتعاون مع رجل مستشرق غير مسلم، وكتب مقدمة لكتاب لم يُذكر أنه عمل فيه أصلًا ، ثم فيها تشكيك في أحاديث الصحيحين، وفيها من حدة الانتقاد التي تصل إلى حدٍ لا يُطاق حين يُقال في حق فضيلة العلَّامة الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: وهذا تدليس رخيص وتمويه فاسد وجهل بألف باء علم حديث. اهـ. أيُقال هذا عن العلَّامة أحمد شاكر، ألا يدري المتكلم عمَّن يتكلم ؟! إنه لاشك يتكلم عمَّن هو أعلم منه بمراحل، نعم ما هو بمعصوم كما قرر الشيخ نفسه ذلك في مقدمته - وقد تقدمت - وعند الله تجتمع الخصوم، وقد آذى هذا الكاتب نفسه بهذا الكلام، ولعل هذه المقدمة السيئة من أسباب عدم انتشار هذه النسخة مع جودتها ورُخصٍِ ثمنها بالموازنة بطبعة مؤسسة الرسالة.

هذه إشارة وجيزة إلى أشهر طبعات المسند التي وقفت عليها، بما لها وما عليها.

وقد شرَّفني الله تبارك وتعالى بالمشاركة في تحقيق أكمل طبعات «المسند» وأدقها إلى الآن، استغرق عملنا فيها سنوات طوال، تحت إشراف فضيلة الأستاذ الدكتور الكريم أحمد معبد عبد الكريم جزاه الله خيرًا، وستصدر قريبًا بإذن الله تعالى عن جمعية المكنز الإسلامي، وتقع في أربع عشرة مجلدة من القطع الكبير، وقد اعتمدنا في إصدارها تسعًا وثلاثين نسخة، جمعناها من مكتباتٍ كثيرةٍ مفرقةٍ في أربع قارات، بعضها كامل وأكثرها قطع، منها ست عشرة نسخة يُطبع عليها «المسند» لأول مرةٍٍ،لم يعتمدها محققو نسخة الرسالة ولا غيرهم، وقد بلغت أحاديث المسند بترقيمنا 28295 حديث، وقد وفقنا الله لاستدراك السقط الواقع في كل النسخ المطبوعة قبلنا بما فيها طبعة مؤسسة الرسالة، وقد تجاوز السقط في موضعٍ واحدٍ مائة حديث.
وقد اتبعنا منهجًا علميًّا دقيقًا؛ فقابلنا الكتاب على كل هذه النسخ، وعلى النسخ المساعدة الكثيرة - مثل: «جامع المسانيد بألخص الأسانيد» لابن الجوزي، والموجود من «ترتيب المسند» لابن المحب، و«جامع المسانيد والسنن» لابن كثير، و«غاية المقصد في زوائد المسند» للهيثمي - وأثبتنا الصواب أو الأصوب في المتن، وعللنا الاختيار وذكرنا فروق النسخ في الهوامش، وضبطنا الكتاب بالشكل ضبطًا كاملًا معتبرين ضبط النسخ الخطية الموثقة، ووجهنا ما يحتاج إلى توجيهٍ، وخرجنا الأحاديث تخريجًا موجزًا حتى لا يكبر حجم الكتاب، وقدمنا للكتاب بحمد الله بمقدمةٍ قيِّمةٍ، فيها أبحاثٌ علميةٌ دقيقةٌ، ترجمنا فيها للإمام أحمد ترجمة موجزة، وترجمنا كذلك لمشاهير رواة «المسند» وأشرنا إلى طبقات رواة «المسند»، وأشرنا إلى أهمية المسند وعناية العلماء به قديمًا وحديثًا، وحقَّقنا القول في زيادات عبد الله بن الإمام أحمد وأنواعها بما لا تجده في موضع آخر ولله الحمد والمنة، وكذلك حقَّقنا القول في زيادات القطيعى على «المسند»، وأن زياداته نادرةٌ، وأنَّ مجموعها أحد عشر حديثًا فقط، منها عشرة أحاديث وقعت في موضعٍ واحد ٍمميزة بأنها من زيادات القطيعي، ووصفنا كل النسخ التي اعتمدناها وصفًا دقيقًا، وبيَّنا ميزات طبعتنا وتفردها عن سائر الطبعات، وغير ذلك من الأبحاث القيمة.

وقد أثنى على هذه الطبعة كل من رأها، والحمد لله رب العالمين.

والذي أقوله بعد عملي في هذه الطبعة من «المسند» نحو خمس سنين: إنه لم يُخدم كتابٌ من كتب السُّنة بعد «صحيح البخاري» مثلما خُدم «المسند» في هذه الطبعة، ولله الحمد والمنَّة، وليس الخبر كالمعاينة. انتهى بحروفه .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مصدر الموضوع مع ردود بعض الأعضاء
 
[align=center]جزاك الله خيرًا كثيرًا ..
فأنا أنتظر هذه الطبعة من سنتين وأسأل الله أن يعجل بخروجها .
بارك الله فيك أخي أبا الخطاب على هذا النقل فقد استفدت منه [/align]
.
 
عودة
أعلى