محمود عبدالله إبراهيم نجا
Member
طالما في السماوات عقلاء غيرنا، فلهم أرضين غير أرضنا
(الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن)
ورد قول الله (ما في السماوات) في القرآن في ٣٨ آية، وورد قول الله (من في السماوات) في ١٣ آية، ومع أن الفرق بين القولين في حرف واحد، إلا أن الفرق بينهما في المعنى كبير.
فقول الله (ما في السماوات)، لإستغراق كل مخلوقاته العاقلة وغير العاقلة، التي تعبدها الله بالأمر، والتي لم يتعبدها الله بالأمر، حيث أن (ما) في لغة العرب تستخدم لغير العاقل والعاقل، ولذا فالجمع سماوات في قول الله (ما في السماوات) يشير لكل سماء، كونية أو جوية (الغلاف الجوي). وأما قول الله (من في السماوات) فهو للعقلاء المأمورين بأمر الله، لأن غالب استعمال (من) في لغة العرب للعاقل، ولذا فالسماوات في الآية كونية، ولا تدخل فيها الجوية (الغلاف الجوي) لأنها ليست مسكن للعقلاء.
وكقاعدة عامة يمكننا القول بأن كل سماء، أو سماوات في القرآن ارتبط ذكرها بما يشير للعقلاء المُكلفين فإنها تتحدث عن السماوات الكونية (لا الجوية) لأن الجوية لا عُقلاء فيها، فمثلاً آية (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ)، تم تحديد عدد السماوات فيها بالعدد سبعة، فمُحال أن تشمل الكونية والجوية معاً، لأن السماوات العُلى الكونية كما هو معلوم عددها سبعة، ولذا فالسبع سماوات في هذه الآية إما أن تكون كونية فقط، أو جوية فقط، وطالما السبع سماوات في الآية ارتبطت بتسبيح من فيهن، ومن للعاقل، فيصعب القول بأنها السماوات الجوية لأنه لا عقلاء فيها، فوجب أن تكون السماوات الكونية لأن بها أرضين مثل أرضنا، وبها دواب مبثوثة، ومنهم عقلاء مثلنا، قال الله (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، يتنزل الأمر بينهن).
ولكن للأسف بعض المشتغلين بالإعجاز العلمي أخطأوا في تفسير آية (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ، يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ)، ففسروها بطبقات الغلاف الجوي وطبقات أرضنا التي نعيش فيها، فأساءوا الفهم لأنهم أهملوا قول الله (يتنزل الأمر بينهن)، وبالنسبة لي ولأغلب المفسرين وعلى رأسهم الطبري فإن أول ما يتبادر للذهن عند ذكر نزول "الأمر" هو الوحي والشرائع التي أنزلها الله لهداية العقلاء المُكلفين من بني آدم على أرضنا، وكما أن نزول "الأمر" في عالمنا يستلزم وجود عقلاء مكلفين يتلقون الوحي، فإن نزول "الأمر بينهن" بالضرورة يشير إلى وجود عقلاء مكلفين في تلك الأرضين الأخرى، ولا مانع من وجود معاني أُخرى للأمر مثل التدبير الكوني لكل ما خلق الله في السماوات والأرضين، ولكن طالما أن جزء أساسي من تفسير "الأمر بينهن" هو الشرائع الموجهة للعقلاء، فإن وجود عقلاء مكلفين في تلك الأرضين سيكون منطقياً لتلقي أوامر إلهية تناسبهم، فالغرض الأساسي من الأرض هو عمارتها بالعقلاء المكلفين، وتعبيدهم لله من خلال أوامر الشريعة.
ونحن إذا صدقنا أن السبع سماوات هي طبقات الغلاف الجوي، والسبع أرضين هي طبقات أرضنا، فإن هذا يعني ضمنياً أن الجزء من الأمر الخاص بالوحي والشرائع يتنزل لكائنات غير عاقلة، فعلمياً بعض طبقات الغلاف الجوي، وبعض طبقات الأرض توجد بها كائنات دقيقة غير عاقلة، مثل البكتيريا والفطريات والطحالب المجهرية، كما توجد بعض الديدان المجهرية في باطن الأرض، وكما نرى فكل هذه الكائنات غير عاقلة، وغير مكلفة، ولا تتلقى أوامر التشريع.
وقد ذكر الطبري في تفسير آية (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن)، عدة آثار عن ابن عباس تفيد وجود بشر مثلنا في كل أرض، ومنهم آدم كآدمنا، وأنبياء كأنبيائنا، ولكن للأمانة كل هذه الآثار مع أنها تخدم هدف البحث إلا أنها لا تصح. ولله الحمد ذكر الطبري بإسناد حسن رجاله ثقات عن قتادة أنه قال (خلق سبع سموات وسبع أرضين؛ في كل سماء من سمائه، وأرض من أرضه، خلق من خلقه وأمر من أمره، وقضاء من قضائه)، وكان الإمام أحمد يُضعف كل آثار ابن عباس التي قالت بوجود آدم، أو إبراهيم في كل أرض، ويستدل بأثر قتادة، بما يدل على أنه يصححه.
وواضح طبعاً من أثر قتادة أن هناك مخلوقات في كل أرض من الأرضين السبعة، ولكن ليس بالضرورة أن يكونوا شبهنا، وهذا الأقرب للعقل والفهم، لأن الله لم يبين لنا شكل عقلاء السماوات في القرآن، ولا ذكر النبي شكلهم في حديث صحيح، فوجب التسليم بأن الله بث في السماوات والأرض خلق غيرنا، ومنهم عقلاء لهم شرائع وعبادات، ولا داعي للتطرق لشكلهم فهو غيب، وقول قتادة يصدقه قول الله (ومن آياته خلق السماوات والأرض، وما بث فيهما من دابة)، وأيضاً حديث (اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ ، وَرَبَّ الأَرَضِينِ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ)، فالأرضين السبع تقل من الخلق ما الله به عليم، و(أقللن) لُغةً من الإقلال، وتشير للمحمول على سطح الشيء، أي أن هناك مخلوقات محمولة على سطح كل أرض من هذه الأرضين السبع، لا كما يظن البعض أنها مخلوقات داخل طبقات الأرض، والله تعالى أعلى وأعلم.
وأصحاب هذا الراي الخطأ استدلوا أيضاً بالحديث المتفق عليه (من ظلم شبرًا من أرض؛ طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين)، فقالوا المراد بالسبع أرضين هو سبع طبقات أرضنا، مع أن الحديث لم يذكر أن هذه الأرضين السبعة في أرضنا، وهذا العقاب بالتطويق من سبع أرضين لا يتم في الدُنيا، ولكن يوم القيامة، ولها احكام خاصة غير الدنيا، والتطويق كما في تفسير ابن عاشور وغيره، يكون بجعل طوق في رقبته بمقدار الجزء الذي سرقه من كل أرض من الأرضين السبعة، والله قادر على ذلك، وعلى كل حال فالحديث لا ينفي وجود أرضين منفصلة في السماوات الكونية بها عقلاء ولهم أوامر، فقد دل على ذلك أدلة كثيرة كما سبق وبينت، والله تعالى اعلى واعلم.
ومع أن جميع طرق الحديث فيها لفظة (طوقه)، ولكن للأمانة هناك رواية للبخاري عن ابن عمر يقول فيها (من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه، خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين)، ولفظة الخسف في هذه الرواية ربما توحي بأن الحديث يتكلم عن الخسف بالعبد في طبقات أرضنا، إلا أن الحديث ذكر أن هذا الأمر سيكون يوم القيامة، يوم تكون السماوات مطويات بيمين الله، والأرض جميعا قبضته، فلا مانع من أن يأتي الله بالسبعة أرضين المنفصلة فيجعلها بعضها فوق بعض ثم يخسف بالعبد فيها كلها، وهذا أشد في التنكيل، فيكون له طوق من كل أرض، والله أعلم. وأيضاً لعل أحد رواة الحديث ذكر لفظة الخسف بالمعنى، والبخاري له تعليق على هذه الرواية ربما يوحي بذلك، فأحد رواة حديث ابن عمر هو عبدالله ابن المبارك، وقد قال عنه البخاري في رواية الخسف (هذا الحَدِيثُ لَيْسَ بِخُرَاسَانِي فِي كِتَابِ ابن المُبَارَكِ، أَمْلَاهُ عَلَيْهِمْ بِالبَصْرَةِ)، أي ان ابن المبارك كتب كتابه في خرسان وليس به حديث الخسف، ثم أملاه لما انتقل للبصرة، ولذا قلت لعله روى لفظة خسف بالمعنى، والله أعلم.
■ الخلاصة
طالما صح أن هناك أرضين تقل من الخلائق الكثير، وبها عقلاء مسبحون ولهم أوامر، فمحال أن يقع ذلك في طبقات أرضنا التي درسناها، وعرفنا ما فيها من كائنات دقيقة غير عاقلة، فالأصح وجود سبع أرضين منفصلة، وأرضنا واحدة منها، وسبق أن بينت بالأدلة في بحث سابق بعنوان (إشارات قُرآنية لوجود عقلاء السماوات غير الملائكة)، أن هناك كائنات عاقلة مكلفة في السماوات الكونية، مخلوقة من ماء، تملك أجسامًا كثيفة تُلقي ظلالًا، تعيش على كواكب مائية بها شموس وغلاف جوي، تؤدي الصلاة والتسبيح بلغاتها، وتخضع للإسلام طوعًا أو كرهًا، مع وجود مؤمنين وكافرين بينها، ولها موت وبعث كالبشر، ويمكن مراجعة البحث على الرابط التالي؛
www.facebook.com
■ وفي الختام لا أنسى أن أتوجه بالشكر لشيخنا طلعت بن فؤاد الحلوانى الأستاذ في علوم الحديث على ما تفضل به من مساعدتي في تحقيق وفهم الأحاديث والآثار الواردة بهذا المبحث، فجزاه الله خير الجزاء.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من خطأ أو سهو او نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبد الله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر
(الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن)
ورد قول الله (ما في السماوات) في القرآن في ٣٨ آية، وورد قول الله (من في السماوات) في ١٣ آية، ومع أن الفرق بين القولين في حرف واحد، إلا أن الفرق بينهما في المعنى كبير.
فقول الله (ما في السماوات)، لإستغراق كل مخلوقاته العاقلة وغير العاقلة، التي تعبدها الله بالأمر، والتي لم يتعبدها الله بالأمر، حيث أن (ما) في لغة العرب تستخدم لغير العاقل والعاقل، ولذا فالجمع سماوات في قول الله (ما في السماوات) يشير لكل سماء، كونية أو جوية (الغلاف الجوي). وأما قول الله (من في السماوات) فهو للعقلاء المأمورين بأمر الله، لأن غالب استعمال (من) في لغة العرب للعاقل، ولذا فالسماوات في الآية كونية، ولا تدخل فيها الجوية (الغلاف الجوي) لأنها ليست مسكن للعقلاء.
وكقاعدة عامة يمكننا القول بأن كل سماء، أو سماوات في القرآن ارتبط ذكرها بما يشير للعقلاء المُكلفين فإنها تتحدث عن السماوات الكونية (لا الجوية) لأن الجوية لا عُقلاء فيها، فمثلاً آية (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ)، تم تحديد عدد السماوات فيها بالعدد سبعة، فمُحال أن تشمل الكونية والجوية معاً، لأن السماوات العُلى الكونية كما هو معلوم عددها سبعة، ولذا فالسبع سماوات في هذه الآية إما أن تكون كونية فقط، أو جوية فقط، وطالما السبع سماوات في الآية ارتبطت بتسبيح من فيهن، ومن للعاقل، فيصعب القول بأنها السماوات الجوية لأنه لا عقلاء فيها، فوجب أن تكون السماوات الكونية لأن بها أرضين مثل أرضنا، وبها دواب مبثوثة، ومنهم عقلاء مثلنا، قال الله (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، يتنزل الأمر بينهن).
ولكن للأسف بعض المشتغلين بالإعجاز العلمي أخطأوا في تفسير آية (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ، يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ)، ففسروها بطبقات الغلاف الجوي وطبقات أرضنا التي نعيش فيها، فأساءوا الفهم لأنهم أهملوا قول الله (يتنزل الأمر بينهن)، وبالنسبة لي ولأغلب المفسرين وعلى رأسهم الطبري فإن أول ما يتبادر للذهن عند ذكر نزول "الأمر" هو الوحي والشرائع التي أنزلها الله لهداية العقلاء المُكلفين من بني آدم على أرضنا، وكما أن نزول "الأمر" في عالمنا يستلزم وجود عقلاء مكلفين يتلقون الوحي، فإن نزول "الأمر بينهن" بالضرورة يشير إلى وجود عقلاء مكلفين في تلك الأرضين الأخرى، ولا مانع من وجود معاني أُخرى للأمر مثل التدبير الكوني لكل ما خلق الله في السماوات والأرضين، ولكن طالما أن جزء أساسي من تفسير "الأمر بينهن" هو الشرائع الموجهة للعقلاء، فإن وجود عقلاء مكلفين في تلك الأرضين سيكون منطقياً لتلقي أوامر إلهية تناسبهم، فالغرض الأساسي من الأرض هو عمارتها بالعقلاء المكلفين، وتعبيدهم لله من خلال أوامر الشريعة.
ونحن إذا صدقنا أن السبع سماوات هي طبقات الغلاف الجوي، والسبع أرضين هي طبقات أرضنا، فإن هذا يعني ضمنياً أن الجزء من الأمر الخاص بالوحي والشرائع يتنزل لكائنات غير عاقلة، فعلمياً بعض طبقات الغلاف الجوي، وبعض طبقات الأرض توجد بها كائنات دقيقة غير عاقلة، مثل البكتيريا والفطريات والطحالب المجهرية، كما توجد بعض الديدان المجهرية في باطن الأرض، وكما نرى فكل هذه الكائنات غير عاقلة، وغير مكلفة، ولا تتلقى أوامر التشريع.
وقد ذكر الطبري في تفسير آية (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن)، عدة آثار عن ابن عباس تفيد وجود بشر مثلنا في كل أرض، ومنهم آدم كآدمنا، وأنبياء كأنبيائنا، ولكن للأمانة كل هذه الآثار مع أنها تخدم هدف البحث إلا أنها لا تصح. ولله الحمد ذكر الطبري بإسناد حسن رجاله ثقات عن قتادة أنه قال (خلق سبع سموات وسبع أرضين؛ في كل سماء من سمائه، وأرض من أرضه، خلق من خلقه وأمر من أمره، وقضاء من قضائه)، وكان الإمام أحمد يُضعف كل آثار ابن عباس التي قالت بوجود آدم، أو إبراهيم في كل أرض، ويستدل بأثر قتادة، بما يدل على أنه يصححه.
وواضح طبعاً من أثر قتادة أن هناك مخلوقات في كل أرض من الأرضين السبعة، ولكن ليس بالضرورة أن يكونوا شبهنا، وهذا الأقرب للعقل والفهم، لأن الله لم يبين لنا شكل عقلاء السماوات في القرآن، ولا ذكر النبي شكلهم في حديث صحيح، فوجب التسليم بأن الله بث في السماوات والأرض خلق غيرنا، ومنهم عقلاء لهم شرائع وعبادات، ولا داعي للتطرق لشكلهم فهو غيب، وقول قتادة يصدقه قول الله (ومن آياته خلق السماوات والأرض، وما بث فيهما من دابة)، وأيضاً حديث (اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ ، وَرَبَّ الأَرَضِينِ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ)، فالأرضين السبع تقل من الخلق ما الله به عليم، و(أقللن) لُغةً من الإقلال، وتشير للمحمول على سطح الشيء، أي أن هناك مخلوقات محمولة على سطح كل أرض من هذه الأرضين السبع، لا كما يظن البعض أنها مخلوقات داخل طبقات الأرض، والله تعالى أعلى وأعلم.
وأصحاب هذا الراي الخطأ استدلوا أيضاً بالحديث المتفق عليه (من ظلم شبرًا من أرض؛ طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين)، فقالوا المراد بالسبع أرضين هو سبع طبقات أرضنا، مع أن الحديث لم يذكر أن هذه الأرضين السبعة في أرضنا، وهذا العقاب بالتطويق من سبع أرضين لا يتم في الدُنيا، ولكن يوم القيامة، ولها احكام خاصة غير الدنيا، والتطويق كما في تفسير ابن عاشور وغيره، يكون بجعل طوق في رقبته بمقدار الجزء الذي سرقه من كل أرض من الأرضين السبعة، والله قادر على ذلك، وعلى كل حال فالحديث لا ينفي وجود أرضين منفصلة في السماوات الكونية بها عقلاء ولهم أوامر، فقد دل على ذلك أدلة كثيرة كما سبق وبينت، والله تعالى اعلى واعلم.
ومع أن جميع طرق الحديث فيها لفظة (طوقه)، ولكن للأمانة هناك رواية للبخاري عن ابن عمر يقول فيها (من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه، خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين)، ولفظة الخسف في هذه الرواية ربما توحي بأن الحديث يتكلم عن الخسف بالعبد في طبقات أرضنا، إلا أن الحديث ذكر أن هذا الأمر سيكون يوم القيامة، يوم تكون السماوات مطويات بيمين الله، والأرض جميعا قبضته، فلا مانع من أن يأتي الله بالسبعة أرضين المنفصلة فيجعلها بعضها فوق بعض ثم يخسف بالعبد فيها كلها، وهذا أشد في التنكيل، فيكون له طوق من كل أرض، والله أعلم. وأيضاً لعل أحد رواة الحديث ذكر لفظة الخسف بالمعنى، والبخاري له تعليق على هذه الرواية ربما يوحي بذلك، فأحد رواة حديث ابن عمر هو عبدالله ابن المبارك، وقد قال عنه البخاري في رواية الخسف (هذا الحَدِيثُ لَيْسَ بِخُرَاسَانِي فِي كِتَابِ ابن المُبَارَكِ، أَمْلَاهُ عَلَيْهِمْ بِالبَصْرَةِ)، أي ان ابن المبارك كتب كتابه في خرسان وليس به حديث الخسف، ثم أملاه لما انتقل للبصرة، ولذا قلت لعله روى لفظة خسف بالمعنى، والله أعلم.
■ الخلاصة
طالما صح أن هناك أرضين تقل من الخلائق الكثير، وبها عقلاء مسبحون ولهم أوامر، فمحال أن يقع ذلك في طبقات أرضنا التي درسناها، وعرفنا ما فيها من كائنات دقيقة غير عاقلة، فالأصح وجود سبع أرضين منفصلة، وأرضنا واحدة منها، وسبق أن بينت بالأدلة في بحث سابق بعنوان (إشارات قُرآنية لوجود عقلاء السماوات غير الملائكة)، أن هناك كائنات عاقلة مكلفة في السماوات الكونية، مخلوقة من ماء، تملك أجسامًا كثيفة تُلقي ظلالًا، تعيش على كواكب مائية بها شموس وغلاف جوي، تؤدي الصلاة والتسبيح بلغاتها، وتخضع للإسلام طوعًا أو كرهًا، مع وجود مؤمنين وكافرين بينها، ولها موت وبعث كالبشر، ويمكن مراجعة البحث على الرابط التالي؛
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
■ وفي الختام لا أنسى أن أتوجه بالشكر لشيخنا طلعت بن فؤاد الحلوانى الأستاذ في علوم الحديث على ما تفضل به من مساعدتي في تحقيق وفهم الأحاديث والآثار الواردة بهذا المبحث، فجزاه الله خير الجزاء.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من خطأ أو سهو او نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبد الله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر