نور الدين الغزالي
New member
كثير يسمعون هذه الاية : " وَ وَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا " [العنكبوت:8] , فيحملونها على غير محملها , و بالتالي يروحون يطيعون والديهم طاعة عمياء و مطلقة دونما وزن أوامرها و رغباتهم بميزان الشريعة .. لقد عرفت في حياتي أشخاصا دمر آباؤهم حياتهم بسبب الجهل أو التقاليد و الأعراف , و استجاب هؤلاء الأشخاص لجهل آبائهم , فذهب كثير من حياتهم ضياعا , لم يشعروا فيه بمعاني انسانياتهم و لم يتذوقوا فيه جماليات الحياة , و بالتالي دفعوا ثمنا غاليا جدا من راحتهم و سعادتهم و تحقيق آمالهم و أحلامهم , و عندما تسألهم : لماذا دمرتم حياتكم بأيدكم ؟ يقولون : برا بالوالد أو الوالدة أو بهما جميعا .. لقد نسي هؤلاء أو جهلوا , أن أمر الله تعالى لنا بطاعة غيره : الرسول أو العالم أو الحاكم أو الوالد أو ... إنما هو مقيّد بالمعروف , أي بما يناسب أحكام الشريعة فقط , و ذلك أن أحكام الشريعة أنما جاءت ليستكمل الإنسان بها بناء شخصيته و ليحقق في إطارها أحلامه و طموحاته , و بالتالي يستطيع تحقيق مهمته في الحياة و هي : عبادة الله تعالى بمعناها الكبير الواسع , و لهذا قال الله لنا تنبيها على ضرورة تقييد طاعة غير الله بالمعروف أي بما يوافق أحكام الشريعة : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " [ الممتحنة :12] فأنت ترى هنا كيف قال : و لا يعصينك في معروف , قالت العلماء : لو افترضنا جدلا ان الرسول صلى الله عليه و سلم - و حشاه فداه نفسي و ابي و امي - ممكن أن يأمر بغير المعروف أي بشئ يخالف تعاليم الشريعة لا يجب طاعته , و اعلم ايها الفاضل ايتها الفاضلة ان هذه الصيغة اي هذا الافتراض الوارد في الاية انما هو الحقيقة تنبيه قوي للمسلم على ما قلنا , فإذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم لا يجب طاعته الا في المعروف فكيف إذن بغيره سواء كان حاكما أم عالما أو والدا ؟؟؟ يا اخوان : طاعة الوالدين حسنة كبيرة عند الله و لكن رجاء زنوا دائما اوامرهم و رغباتهم بموازين الشريعة , فلا تدمروا حياتكم بدعوى البر بهما , فإن الله سائلكم عن حياتكم و لن يرض لكم أن تدمروها , فحياتكم ليست ملكا لكم لتفعلوا بها ما شئتم بل هي ملك لله و هو أمركم بالحفاظ عليها و تطوير شخصيتكم لتكونوا عبادا صالحين , و لنكن صرحاء فغالبية اباء هذا الزمان ليسوا علماء أو اتقياء او ورعين , بل كثير منهم يندفعون في أمر الابن او الابنة اما جهلا و اما لاجل التقاليد و العائلة القبيلة دونما مراعاة لتعاليم الاسلام او السعي للحفاظ على حياة ابنائهم .. أطع أباك و امك و لكن طاعة الله أولى , فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , و ليست شعري أي معصية افظع من تدمير حياتك كلها بدعوى طاعة ابي و امي ؟؟؟