ضد العقل

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
405
مستوى التفاعل
49
النقاط
28
الإقامة
مصر
ضد العقل

كان العقل يقتضي أن يقولوا : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا القرآن هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فاهدنا إليه، لكن العِناد تَـمَلَّكَهم، والجحود والكِبْر ملأ قلوبهم، وأعْمَى أبصارهم فقالوا: {قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (الأنفال32)

فهل كان كفار قريش واثقين متأكدين أن القرآن ليس بحق فيدعون على أنفسهم بالهلاك بعظيم العذاب؟

ذهب بعض المفسرين إلى أنهم كانوا واثقين من ذلك قال العلامة أبو حيان في البحر: " قال الزمخشري ومراده نفي كونه حقّاً فإذا انتفى كونه حقّاً لم يستوجب منكره عذاباً ... وقوله {هو الحق} تهكّم بمن يقول: هذا هو الحق".

ولا أنكر على سادتنا قولهم لكني أقول غير ذلك؛ فإن الآثار تدل على أنهم كانوا يعلمون تمام العلم أن القرآن حق.

ومن الأدلة على ذلك ما جاء في القرآن على لسانهم في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] فالآية تدل على إقرارهم بأن القرآن حق عظيم لكنهم لا يقبلون به حسدا أنه أنزل على محمد وليس على أحد رجلين عظيمين أحدهما من مكة [الوليد بن المغيرة] والآخر من الطائف [عروة بن مسعود الثقفي]

وقد تحداهم القرآن تحديا صريحا أن يأتوا بمثله، ثم بعشر سور من مثله، ثم بسورة من مثله، فكلوا وعجزوا قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ { (البقرة:23)

والأدلة في السنة كثيرة منها ما ثبت على لسان الوليد بن المغيرة إقرارا قوله:" ووالله إن لقوله حَلاوة، وإن عليه لَطَلاوَة، وإنه لَمُنِير أعلاه، مُشْرِقٌ أَسْفَلُه, وإنه لَيَعْلُو ولا يُعْلَى، وإنه لَيَحْطُم ما تحته"

ولا يكاد يخلو زمان ولا مكان من أمثال هؤلاء الذين ينكرون الحق على علم، إلا أنهم في زماننا مسلمون، يصلون معنا ويصومون، ثم هم يرون الحق ساطعا، ويعلمون أنه حق مبين، ثم ينصرفون عنه إلى الباطل المبين، طمعا ورغبا أو خوفا ورهبا.

نسألك اللهم العفو والعافية.

والله أعلم

د. محمد الجبالي
 
عودة
أعلى