ضبط : سلم الوصول إلى علم الأصول للحكمي

محمود مرسي

New member
إنضم
26/03/2011
المشاركات
35
مستوى التفاعل
3
النقاط
8
إخْوانِي فِي اللهِ ،
السَّلام عليكم وَرَحْمَةُ اللهِ وبرَكاتُه ، وبعدُ :
فقَدْ أَشَارَ عليَّ أخُونا فِي اللهِ أبُو مَالكٍ الْعَوَضِي ـ وَفَّقَهُ اللهُ إِلَى مَا فيهِ الْخيْرُـ أَنْ أنقلَ إلَى هذا المُلْتقَى الْمُبارَكِ مَا كُنْتُ شَارَكْتُ بِهِ عَلَى صَفَحَاتِ الْمَجْلسِ الْعِلْمِيِّ مِنْ : ضَبْطِ مَنْظُومةِ سُلَّمِ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ الأصُولِ ، لِلشَّيخِ الْعَالمِ الْعلَّامةِ حَافظِ بنِ أحْمَدَ الحَكَمِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى ـ ، فوَافقَتِ الفكرَةُ قبُولًا عِنْدِي وَترْحِيبًا ؛ لأسْبَابٍ أهمُّها :
أ ـ الامْتِثالُ لِلْأَمرِ لاسيَّمَا أنَّ أبَا مَالكٍ الْعَوَضِي هُوَ الَّذي اقْترَحَ عَليْنا هنالِكَ أنْ نضْبطَ تلْكَ المنظومَةَ ؛ لمَا لهَا منْ قيمَةٍ علْمِيَّةٍ فِي بابِها ، وَلكثْرةِ مَا فِي طبَعَاتِهَِا المُختلفةِ ـ كَمَا لاحَظَ ـ منْ أخطاءٍ وتصحيفاتٍ ،
ب ـ ثُمَّ الرَّغبةُ فِي نشْرِ المنظومةِ صَحِيحةً خَاليةً مِنَ الأخْطاءِ ،
ج ـ ثُمَّ لَعَلِّي أَجِدُ بَيْنَ أهلِ هَذا الملتقى الكرامِ ـ أعْضاءً وزوَّارًا ـ مَنْ يقوِّم لِي خَطأً لمْ يُقَوَّمْ هنالك ؛ لهذا رحَّبْتُ بإعَادةِ هذه الْمُشاركاتِ ،
هذا ، وَسَوفَ أنتَهِجُ هنا نفسَ النَّهجِ الَّذِي انتهجْتُه هُنالِكَ ؛ حيثُ أقومُ بوضْعِ جُزْءٍ مِنَ الأبياتِ مَضْبُوطًا ضَبْطًا تامًّا ، ثمَّ أُشْفِعُهُ بمجْموعةٍ مِنَ التنبيهاتِ الَّتي أُضمِّنُها الوُجُوهَ المُخْتارَةَ عِندِي فِي الضَّبْطِ والرواياتِ ؛ مبينا أسبابَ التَّرْجيحِ وَ الاخْتِيَارِ ، ثُمَّ أدَعُ أوْ أُتِيحُ الفرْصَةَ لإخْوَانِي ؛ لعرضِ مَا يرَوْنَهُ مِنْ آراءٍ ومُقترَحَاتٍ ، أو إجابةٍ عنْ تسَاؤُلاتٍ .
واللهَ أدْعُو أَنْ يوفِّقنا إلَى إِخْرَاجِ نُسْخَةٍ صَحِيحةٍ تلِيقُ بهَذِهِ المَنْظُومَةِ الطَّيبةِ الشَّائقةِ الرَّائقةِ الداعيةِ إلى توْحِيدِ اللهِ وَاتِّباعِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ـ
وَهَذا أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الْمَوْضُوعِ ، وَاللهُ المستعانُ ، وعليهِ التكْلَان
منظومةُ :
( سُلَّم الْوُصُولِ إِلَى عِلْمِ الْأُصُولِ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ الرَّسُولِ )
لِلْعَلاَّمَةِ الشَّيْخِ :
حَافِظِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَكَمِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ
1 ـ أَبْدَأُ بِاسْمِ اللَّهِ مُسْتَعِينَا ... رَاضٍ بِهِ مُدَبِّرًا مُعِينَا
2 ـ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا هَدَانَا ... إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَاجْتَبَانَا
3 ـ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهْ ... وَمِنْ مَسَاوِي عَمَلِي أَسْتَغْفِرُهْ
4 ـ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى نَيْلِ الرِّضَا ... وَأَسْتَمِدُّ لُطْفَهُ فِيمَا قَضَى
5 ـ وَبَعْدُ : إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ
6 ـ بِالْحَقِّ مَأْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ ... مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ
7 ـ وَأَنَّ خَيْرَ خَلْقِهِ مُحَمَّدَا ... مَنْ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
8 ـ رَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ ... بِالنُّورِ وَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
9 ـ صَلَّى عَلَيهِ رَبُّنَا وَمَجَّدَا ... وَالْآلِ وَالصَّحْبِ دَوَامًا سَرْمَدَا
10 ـ وَبَعْدُ هَذَا النَّظْمُ فِي الْأُصُولِ ... لِمَنْ أَرَادَ مَنْهَجَ الرَّسُولِ
11 ـ سَأَلَنِي إِيَّاهُ مَنْ لَا بُدَّ لِي ... مِنِ امْتِثَالِ سُؤْلِهِ الْمُمْتَثَلِ
12 ـ فَقُلْتُ مَعْ عَجْزِي وَمَعْ إِشْفَاقِي ... مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدِيرِ الْبَاقِي
مُقَدِّمَةٌ :
تُعَرِّفُ الْعَبْدَ بِمَا خُلِقَ لَهُ ، وَبِأَوَّلِ مَا فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ،وَبِمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ الْمِيثَاقَ فِي ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَبِمَا هُو صَائِرٌ إِلَيْهِ .
13 ـ اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا ... لَمْ يَتْرُكِ الْخَلْقَ سُدًى وَهَمَلَا
14 ـ بَلْ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ ... وَبِالْإِلَهِيَّةِ يُفْرِدُوهُ
15 ـ أَخْرَجَ فِيمَا قَدْ مَضَى مِنْ ظَهْرِ ... آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ
16 ـ وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ ... لَا رَبَّ مَعْبُودٌ بِحَقٍّ غَيْرَهُ
17 ـ وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلَا ... لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلَا
18 ـ لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ
19 ـ كَيْ لَا يَكُونَ حُجَّةٌ لِلنَّاسِ بَلْ ... لِلَّهِ أَعْلَى حُجَّةٍ عَزَّ وَجَلّْ
20 ـ فَمَنْ يُصَدِّقْهُمْ بِلَا شِقَاقِ ... فَقَدْ وَفَى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ
21 ـ وَذَاكَ نَاجٍ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ... وَذلِكَ الْوَارِثُ عُقْبَى الدَّارِ
22 ـ وَمَنْ بِهِمْ وَبِالْكِتَابِ كَذَّبَا ... وَلَازَمَ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ وَالْإِبَا
23 ـ فَذَاكَ نَاقِضٌ كِلَا الْعَهْدَيْنِ ... مُسْتَوْجِبٌ لِلْخِزْيِ فِي الدَّارَيْنِ
تنبيهاتٌ :
أ ـ قولُهُ :
5 ـ وَبَعْدُ : إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ
كُنْتُ أمِيلُ إِلَى أَنْ يَكُونَ الرَّوِيُّ فِي الْبَيْتِ مُقيَّدًا لَا مُطْلقًا ؛ لِظَنِّي أَنَّ (أَنْ )عَاملةٌ النَّصْبَ ، وَلَوْ أننا أطلقْنا الرَّويَّ لاخْتَلَفَ الْمَجْرَى ، وَجَمَعْنا بينَ الضَّمِّ وَالفَتْحِ ، وَهَذا عَيْبٌ مِنْ عُيُوبِ الْقافِيةِ ، وَهُو الْمُسمَّى إصْرافًا ؛ لهذا كنتُ أفضِّلُ التقييد ولا أجيزُ الإطلاقَ إلا على لغةِ بعضِ العربِ الذين يهملون ( أنْ ) العاملة على حدِّ قولِ ابنِ مالكٍ :
وبعْضُهم أهْملَ أنْ حَمْلًا عَلَى *** مَا أخْتِها حَيثُ استحقَّتْ عمَلَا
هذا مَا كنتُ أميلُ إليهِ إلى أَنْ نبَّهَنِي أَخُونا فِي اللهِ أَبُو مَالكٍ إِلَى أَنَّ ( أنْ ) هُنا غيرُ عاملةٍ ؛ لأنَّها مُخفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ ـ كمَا رأى الشَّيخُ صَاحبُ المنظُومةِ في شرْحِهِ المُسَمَّى ( معارج القبول ) ، وقدْ أكَّدَ هذا عِندي وقُوعُها في حَيزِِ الشَّهَادِةِ ، وَلا تكُونُ الشَّهادةُ إلَّا عَنْ عَلْمٍ وَيقِينٍ ؛ وعليهِ فالفِعلُ : ( يعبد ) مَرْفوعٌ لا إشكالَ في ذلكَ ، والتقديرُ : أشهدُ أنَّه لا يُعبدُ ؛ وعَلَيْهِ صِرْتُ أُفضِّلُ إِطْلاقَ الرَّويِّ ، وَإنْ جَازَ التَّقْيِيدُ .
ب ـ قَوْلُهُ :
5 ـ وَبَعْدُ : إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ
6 ـ بِالْحَقِّ مَأْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ ... مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ
لا يَخْفَى أَنَّ الشيخَ وقعَ هنا فِي عَيْبِ التَّضْمِينِ ، وَالتَّضْمِينُ هُو :
تضْمِينُهُمْ تَعْلِيقُهُمْ رَوِيَّا *** بِمِا يكُونُ بَعْدَهُ مَرْوِيَّا
واعْلَمُوا ـ يَا إخْواني ـ أَنَّ التَّضْمِينَ صِنفَانِ :
صِنْفٌ بِهِ مَعْنَى الْكَلَامِ لَا يَتمّْ *** إِلَّا بِهِ وَذَا بِقُبْحٍ قَدْ وُصِمْ
كَأَنْ تَرَى الرَّوِيَّ جَاءَ مُبْتَدَا *** خَبَرُهُ فِيمَا يَلِي قَدْ وَرَدَا
وَالثَّانِ تَعْلِيقٌ أتَى تَوْضِيحَا *** مُتمِّمًا فلَا يُرَى قبِيحَا
وَالسُّؤَالُ : مِنْ أَيِّ النوعينِ جَاءَ تَضْمِينُ الشَّيْخِ ؟
إنَّ كَلِمَةَ : ( مألوه ) تُعْرَبُ نائِبَ فَاعِلٍ ، فالتَّضْمِينُ مِنَ النَّوْعِ الأوَّلِ ، وَهُو مَعَ قُبْحِهِ جَائزٌ لِلْمُوَلدِين .
ج ـ كلمَةُ : ( مع ) فِي قَوْلِهِ :
12 ـ فَقُلْتُ مَعْ عَجْزِي وَمَعْ إِشْفَاقِي ... مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدِيرِ الْبَاقِي
بسُكُونِ الْعَيْنِ ، وَقدِ اختُلِفَ في نَوْعِهَا ، يقولُ ابْنُ مُعْطٍ :
وفِي مَعَ الْخُلْفُ فقِيلَ : ظَرْفُ *** وَقِيلَ إِنْ أُسْكِنَ فَهْوَ حَرْفُ
د ـ كَلِمَةُ : ( رُسله ) في قولِهِ :
17 ـ وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلَا ... لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلَا
تُنْطقُ بِسُكُونِ السِّينِ لا ضَرُورةً بَلْ لُغَةً ؛ فَإِنَّ جَمْعَ : رسُولٍ : رُسُلٌ بِضَمَّتَيْنِ ، وَالإِسْكَانُ لُغَةٌ .
ه ـ قولُه :
18 ـ لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ
رغْمَ أنَّ الأصْلَ فِي ميمِ الْجمْعِ أَنْ تُحرَّكَ وَتُشبَعَ ـ كمَا يقولُ علماءُ القراءاتِ ـ إلا أنَّني أفضِّلُ تقْيِيدَ الرَّوِيِّ ؛ ذلِكَ لأنَّ التَّسْكِينَ هُوَ الأكْثَرُ عندَنا اسْتِعْمَالًا ، وَمَعَ هَذا لَا أمْنَعُ إِطْلَاقَ الرَّوِيِّ ، فنقُولُ :
18 ـ لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمُ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمُ
لكِنِ الميمُ في : ( يُنذرُوهُمْ ) لَا تكُونُ إلَّا سَاكنةً .
يُتْبَعُ إنْ شَاءَ اللهُ .
 
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم.
وليتكم تشيرون إلى منظومة العروض التي اقتبستم بعض أبياتها.
 
فَصْلٌ :
في انقِسَامِ التَّوحِيدِ إِلَى نَوْعَيْنِ ، وَبَيَانِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ تَوْحِيدُ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِثْبَاتِ .
24 ـ أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبِيدِ ... مَعْرِفَةُ الرَّحْمَنِ بِالتَّوْحِيدِ
25 ـ إِذْ هُوَ مِنْ كُلِّ الْأَوَامِرْ أَعْظَمُ ... وَهُوَ نَوْعَانِ أَيَا مَنْ يَفْهَمُ
26 ـ إِثْبَاتُ ذَاتِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا ... أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى صِفَاتِهِ الْعُلَى
27 ـ وَأَنَّهُ الرَّبُّ الْجَلِيلُ الْأَكْبَرُ ... الْخَالِقُ الْبَارِئُ وَالْمُصَوِّرُ
28 ـ بَارِي الْبَرَايَا مُنْشِئُ الْخَلَائِقِ ... مُبْدِعُهُمْ بِلَا مِثَالٍ سَابِقِ
29 ـ الْأَوَّلُ الْمُبْدِي بِلَا ابْتِدَاءِ ... وَالْآخِرُ الْبَاقِي بِلَا انْتِهَاءِ
30 ـ الْأَحَدُ الْفَرْدُ الْقَدِيرُ الَأَزَلِي ... الصَّمَدُ الْبَرُّ الْمُهَيْمِنُ الْعَلِي
31 ـ عُلُوَّ قَهْرٍ وَعُلُوَّ الشَّانِ ... جَلَّ عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَعْوَانِ
32 ـ كَذَا لَهُ الْعُلُوُّ وَالْفَوْقِيَّهْ ... عَلَى عِبَادِهِ بِلَا كَيْفِيَّهْ
33 ـ وَمَعَ ذَا مُطَّلِعٌ إلَيْهِمْ ... بِعِلْمِهِ مُهَيْمِنٌ عَلَيْهِمْ
34 ـ وَذِكْرُهُ لِلْقُرْبِ وَالْمَعِيَّةِ ... لَمْ يَنْفِ لِلْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ
35 ـ فَإِنَّهُ الْعَلِيُّ فِي دُنُوِّهِ ... وَهْوَ الْقَريِبُ جَلَّ فِي عُلُوِّهِ
36 ـ حَيٌّ وَقَيُّومٌ فَلَا يَنَامُ ... وَجَلَّ أَنْ يُشْبِهَهُ الْأَنَامُ
37 ـ لاَ تَبْلُغُ الْأَوْهَامُ كُنْهَ ذَاتِهِ ... وَلَا يُكَيِّفُ الْحِجَا صِفَاتِهِ
38 ـ بَاقٍ فَلَا يَفْنَي وَلَا يَبِيدُ ... وَلَا يَكُونُ غَيْرُ مَا يُرِيدُ
39 ـ مُنْفَرِدٌ بِالْخَلْقِ وَالْإِرَادَهْ ... وَحَاكِمٌ جَلَّ بِمَا أَرَادَهْ
40 ـ فَمَنْ يَشَأْ وَفَّقَهُ بِفَضْلِهِ ... وَمَنْ يَشَأْ أَضَلَّهُ بِعَدْلِهِ
41 ـ فَمِنْهُمُ الشَّقِيُّ وَالسَّعِيدُ ... وَذَا مُقَرَّبٌ وَذَا طَرِيدُ
42 ـ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ قَضَاهَا ... يَسْتَوْجِبُ الْحَمْدَ عَلَى اقْتِضَاهَا
43 ـ وَهْوَ الَّذِي يَرَى دَبِيبَ الذَّرِّ ... فِي الظُّلُمَاتِ فَوْقَ صُمِّ الصَّخْرِ
44 ـ وَسَامِعٌ لِلْجَهْرِ وَالْإِخْفَاتِ ... بِسَمْعِهِ الْوَاسِعِ لِلْأَصْوَاتِ
45 ـ وَعِلْمُهُ بِمَا بَدَا وَمَا خَفِي ... أَحَاطَ عِلْمًا بِالْجَليِّ وَالْخَفِي
46 ـ وَهْوَ الْغَنِي بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ ... جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَعَالَى شَانُهُ
47 ـ وَكُلُّ شَيْءٍ رِزْقُهُ عَلَيْهِ ... وَكُلُّنَا مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ
تنبيهَاتٌ
أ ـ سَكَّنْتُ رَاءَ كَلمَةِ : ( الأوَامرْ ) فِي قوْلِهِ :
25 ـ إِذْ هُوَ مِنْ كُلِّ الْأَوَامِرْ أَعْظَمُ ... وَهُوَ نَوْعَانِ أَيَا مَنْ يَفْهَمُ
لِضَرُورَةِ الوَزْنِ ؛ حيْثُ إنَّ إظهارَ عَلَامةِ الْجَرِّ الَّتِي هِي هُنَا الكَسْرةُ يحِيلُ مستفْعِلنْ إلى مُتفَاعِلن ، وَلمْ أَنقلْ حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ فِي : ( أعْظم ) إلى الرَّاءِ في : ( الأوَامِر ) ؛ لأنَّ الرَّاءَ مُتَحَرِّكَةٌ ، ولا يَجُوزُ النقلُ إلى مُتَحَرِّكٍ ،
ب ـ مَا قلتُه فِي قوْلِهِ :
18 ـ لِكَيْ بِذَا العَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ
يُقَالُ فِي قولِهِ :
33 ـ وَمَعَ ذَا مُطَّلِعٌ إلَيْهِمْ ... بِعِلْمِهِ مُهَيْمِنٌ عَلَيْهِمْ
أيْ يجُوزُ أنْ نقُولَ :
33 ـ وَمَعَ ذَا مُطَّلِعٌ إلَيْهِمُ ... بِعِلْمِهِ مُهَيْمِنٌ عَلَيْهِمُ
ج ـ آثرْتُ السَّلامةَ على القطْعِ في قوْلِهِ :
34 ـ وَذِكْرُهُ لِلْقُرْبِ وَالْمَعِيَّةِ ... لَمْ يَنْفِ لِلْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ
35 ـ فَإِنَّهُ الْعَلِيُّ فِي دُنُوِّهِ ... وَهْوَ الْقَريِبُ جَلَّ فِي عُلُوِّهِ
لأنَّهُا الأصْلُ ، ولا يترتَّبُ عليْها اخْتِلافُ المجرَى ، فكانَتِ الأفْضلَ ، أمَّا فِي قوْلِهِ :
32 ـ كَذَا لَهُ الْعُلُوُّ وَالْفَوْقِيَّهْ ... عَلَى عِبَادِهِ بِلَا كَيْفِيَّهْ
فالْوَاجِبُ الْقَطْعُ بالتَّقْيِيدِ ، وإلا اخْتَلفَ المجْرى وَكانَ الإقواءُ ،
د ـ هاءُ ضَمِيرِ الغائبِ : ( هوَ ) الْمَسْبُوقِ بوَاوِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ :
35 ـ فَإِنَّهُ الْعَلِيُّ فِي دُنُوِّهِ ... وَهْوَ الْقَريِبُ جَلَّ فِي عُلُوِّهِ
وَقََوْلِهِ :
43 ـ وَهْوَ الَّذِي يَرَى دَبِيبَ الذَّرِّ ... فِي الظُّلُمَاتِ فَوْقَ صُمِّ الصَّخْرِ
وَقَوْلِهِ :
46 ـ وَهْوَ الْغَنِي بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ ... جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَعَالَى شَانُهُ
سَاكِنَةٌ لا ضرورةً بل لغةً ؛ إذْ يَجُوزُ تَسْكِينُها في السَّعَةِ بعدَ الْوَاوِ أوِ الْفَاءِ أوْ ثمَّ أوِ اللَّامِ ،
أَمَّا فِي قَوْلِهِ :
25 ـ إِذْ هُوَ مِنْ كُلِّ الْأَوَامِرْ أَعْظَمُ ... وَهُوَ نَوْعَانِ أَيَا مَنْ يَفْهَمُ
فَمَضْمُومَةٌ علًَى الأَصْلِ ، إِذِ الأصْلُ فيها أنْ تكونَ مَضْمُومَةً ، كمَا أنَّ الأصْلَ فِي هَاءِ : هِي أنْ تكونَ مكْسُورَةً
ه ـ يَاءُ كَلِمَةِ : ( الغنِي ) فِي قَوْلِهِ :
46 ـ وَهْوَ الْغَنِي بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ ... جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَعَالَى شَانُهُ
مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثقيلةِ لِلضَّرُورَةِ ، وذلِكَ جَائزٌ ؛ قُلْتُ فِي ضَرُورَاتِ الشِّعْرِ فِي الْوَافِي :
وَقَصْرُكَ الأسْمَاءَ إِذْ تُمَدُّ *** وَأَنْ تُخَفِّفَ الَّذِي يُشَدُّ .
هَذا ، وَاللهُ الموفِّقُ ، والسَّلام .
 
48 ـ كَلَّمَ مُوسَى عَبْدَهُ تَكْليِمَا ... وَلَمْ يَزَلْ بِخَلْقِهِ عَلِيمَا
49 ـ كَلَامُهُ جَلَّ عَنِ الْإِحْصَاءِ ... وَالْحَصْرِ وَالنَّفَادِ وَالْفَنَاءِ
50 ـ لَوْ صَارَ أَقْلَامًا جَمِيعُ الشَّجَرِ ... وَالْبَحْرُ يُلْقَى فِيهِ سَبْعُ أَبْحُرِ
51 ـ وَالْخَلْقُ تَكْتُبْهُ بِكُلِّ آنِ ... فَنَتْ وَلَيْسَ الْقَوْلُ مِنْهُ فَانِي
52 ـ وَالْقَوْلُ فِي كِتَابِهِ الْمُفَصَّلْ ... بِأَنَّهُ كَلَامُهُ الْمُنَزَّلْ
53 ـ عَلَى الرَّسُولِ الْمُصْطَفَى خَيْرِ الْوَرَى ... لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلَا بِمُفْتَرَى
54 ـ يُحْفَظُ بِالْقَلْبِ وَبِاللِّسَانِ ... يُتْلَى كَمَا يُسْمَعُ بِالْآذَانِ
55 ـ كَذَا بِالَابْصَارِ إِلَيْهِ يُنْظَرُ ... وَبِالْأَيَادِي خَطُّهُ يُسَطَّرُ
56 ـ وَكُلُّ ذِي مَخْلُوقَةٌ حَقِيقَهْ ... دُونَ كَلَامِ بَارِئِ الْخَلِيقَهْ
57 ـ جَلَّتْ صِفَاتُ رَبِّنَا الرَّحْمَنِ ... عَنْ وَصْفِهَا بِالْخَلْقِ وَالْحِدْثَانِ
58 ـ فَالصَّوْتُ وَالْأَلْحَانُ صَوْتُ الْقَارِي ... لَكِنَّمَا الْمَتْلُوُّ قَوْلُ الْبَارِي
59 ـ مَا قَالَهُ لاَ يَقْبَلُ التَّبْدِيلَا ... كَلَّا وَلَا أَصْدَقُ مِنْهُ قِيلَا
60 ـ وَقَدْ رَوَى الثِّقَاتُ عَنْ خَيْرِ الْمَلَا ... بِأنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَا
61 ـ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ يَنْزِلُ ... يَقُولُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُقْبَلُ ؟
62 ـ هَلْ مِنْ مُسِيءٍ طالِبٍ لِلْمَغْفِرَهْ ... يَجِدْ كَرِيمًا قَابِلًا لِلْمَعْذِرَهْ
63 ـ يَمُنُّ بِالْخَيْرَاتِ وَالْفَضَائِلْ ... وَيَسْتُرُ الْعَيْبَ وَيُعْطِي السَّائِلْ
64 ـ وَأنَّهُ يَجِيءُ يَوْمَ الْفَصْلِ ... كَمَا يَشَاءُ لِلْقَضَاءِ الْعَدْلِ
65 ـ وَأنَّهُ يُرَى بِلَا إِنْكَارِ ... فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ بِالْأَبْصَارِ
66 ـ كُلٌّ يَرَاهُ رُؤيَةَ الْعِيَانِ ... كَمَا أَتَى فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ
67 ـ وَفِي حَدِيثِ سَيِّدِ الْأَنَامِ ... مِنْ غَيْرِ مَا شَكٍّ وَلَا إِبْهَامِ
68 ـ رُؤْيَةَ حَقٍّ لَيْسَ يَمْتَرُونَهَا ... كَالشَّمْسِ صَحْوًا لَا سَحَابَ دُونَهَا
69 ـ وَخُصَّ بِالرُّؤْيَةِ أَوْلِيَاؤُهُ ... فَضِيلَةً وَحُجِبُوا أَعْدَاؤُهُ
70 ـ وَكُلُّ مَا لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ ... أَثْبَتَهَا في مُحْكَمِ الْآيَاتِ
71 ـ أَوْ صَحَّ فِيمَا قَالَهُ الرَّسُولُ ... فَحَقُّهُ التَّسْلِيمُ وَالْقَبُولُ
72 ـ نُمِرُّهَا صَرِيحَةً كَمَا أَتَتْ ... مَعَ اعْتِقَادِنَا لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ
73 ـ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلِ ... وَغَيْرِ تكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلِ
74 ـ بَلْ قَوْلُنَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى ... طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِِمْ قَدِ اهْتَدَى
75 ـ وَسَمِّ ذَا النَّوْعَ مِنَ التَّوْحِيدِ ... تَوْحِيدَ إِثْبَاتٍ بِلَا تَرْدِيدِ
76 ـ قَدْ أَفْصَحَ الْوَحيُ الْمُبِينُ عَنْهُ ... فَالْتَمِسِ الْهُدَى الْمُنِيرَ مِنْهُ
77 ـ لاَ تَتَّبِعْ أَقْوَالَ كُلِّ مَارِدِ ... غَاوٍ مُضِلٍّ مَارِقٍ مُعَانِدِ
78 ـ فَلَيْسَ بَعْدَ رَدِّ ذَا التِّبْيَانِ ... مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ
تنبيهاتٌ :
أ ـ قوله :
50 ـ لَوْ صَارَ أَقْلَامًا جَمِيعُ الشَّجَرِ ... وَالْبَحْرُ يُلْقَى فِيهِ سَبْعُ أَبْحُرِ
هذا البَيتُ وَجَدْتُ له رِوايةً أخْرَى هَكَذَا :
50 ـ لَوْ صَارَ أَقْلَامًا جَمِيعُ الشَّجَرِ ... وَالْبَحْرُ تُلْقَى فِيهِ سَبْعَةُ أَبْحُرِ
وَقَدْ تأمَّلتُ هذه الرِّوَايَةَ فوَجَدْتُها ذهَبَتْ بالْوَزْنِ ؛ إذِ التَّفْعِيلَةُ الأَخِيرَةُ فِي الشَّطْرِ الأوَّلِ انقلبَتْ بِتَاءِ : ( سبْعة ) إلَى مُتفاعِلنْ ، وَبِالتَّالِي يفْسدُ الوَزْنُ ولا يَستقيمُ ، فقلتُ : ألا يجُوزُ نقلُ حَرَكَةِ الْهَمْزةِ فِي : ( أبحُر ) إلى التاء ؟ هذا لا يجوزُ لأنَّ النقلَ لا يكونُ إلا إلَى ساكنٍ ، فقلتُ : ألا يجُوزُ إسقاطُ الهمزةِ وجعْلُها وصْلًا ؟ بلَى ، ذلكَ جائزٌ لكنْ جعلُ همزةِ القطْعِ وَصْلًا أمرٌ مبتذلٌ مرذولٌ ، وإنْ جازَ ، ثُمَّ لوْ فعَلْنا ذلكَ فسَوْفَ يكُونُ البيتُ هَكذا :
50 ـ لَوْ صَارَ أَقْلَامًا جَمِيعُ الشَّجَرِ ... وَالْبَحْرُ تُلْقَى فِيهِ سَبْعَةُ ابْحُرِ
والبيتُ بهَذِهِ الصُّورَةِ سيكُونُ ثقيلًا نطْقُه ـ فِي رَأْيِي ـ لِأَنَّ تاءَ : سَبْعَة مَضْمُومَةٌ ؛ لِأَنَّ الكلمَةَ مرفوعةٌ ؛ إذْ هِي نَائِبُ فاعِلٍ ؛ لِهَذَا أَعْرَضْتُ عنْ هذِه الرِّوَايةِ ، وَفَضَّلْتُ الرِّوايَةَ التى فيها حَذْفُ التَّاءِ مِنْ : سبعة للضرورة ، فإنها خفيفةٌ ، واللهُ أعْلمُ
ب ـ أبقيتُ على ياءِ المنقوصِ في قولِهِ :
51 ـ وَالْخَلْقُ تَكْتُبْهُ بِكُلِّ آنِ ... فَنَتْ وَلَيْسَ الْقَوْلُ مِنْهُ فَانِي
إذِ الكلمةُ : ( فاني ) ليستْ مرفوعةً ولا مَجرُورةً ، وإنما هي منصوبةٌ ؛ إذِ الأصلُ : وليسَ القوْلُ منه فانيًا ، فَحذفَتِ الفتحةُ ، وَمَا يتبَعُها من التنوين للضَّرُورَةِ ، وبقيتِ الياءُ ، وَمثلُها فِي ذلكَ كَلِمَةُ : ( مُضَاهِي ) فِي قوله الآتي ـ إنْ شاءَ اللهُ ـ :
وَهْوَ اتِّخَاذُ الْعَبْدِ غَيْرَ اللَّهِ ... نِدًّا بِهِ مُسَوِّيًا مُضَاهِي
ثُمَّ إنَّ وجودَ الياءِ هنا أعتبره علامةً لتمييزِ حالةِ
النصبِ عنْ حَالتَي الرَّفعِ والْجَرِّ
ـ ثم َّ إنَّ كلمةَ : ( تكتبْهُ ) تنطقُ بتسْكِينِ البَاءِ للضَّرورةِ .
ج ـ كلمةُ : بالأبصار في قولِه :
55 ـ كَذَا بِالَابْصَارِ إِلَيْهِ يُنْظَرُ ... وَبِالْأَيَادِي خَطُّهُ يُسَطَّرُ
تقرأٌ للضرورةِ بنقلِ حركةِ الهمزةِ إلى اللامِ الساكنةِ قبلَها ، وتبقى الهمزةُ مدًّا ، فيحذفُ لالتقاءِ الساكنين .
د ـ يَجوزُ في قولِه :
58 ـ فَالصَّوْتُ وَالْأَلْحَانُ صَوْتُ الْقَارِي ... لَكِنَّمَا الْمَتْلُوُّ قَوْلُ الْبَارِي
تحقيقُ الهمزةِ في العرُوضِ والضربِ ولا يختلُّ بذلك وزنٌ ، أيْ يجوزُ أنْ نقولَ :
فَالصَّوْتُ وَالْأَلْحَانُ صَوْتُ الْقَارِئِ ... لَكِنَّمَا الْمَتْلُوُّ قَوْلُ الْبَارِئِ
ه ـ في قوْلِه :
59 ـ مَا قَالَهُ لاَ يَقْبَلُ التَّبْدِيلَا ... كَلَّا وَلَا أَصْدَقُ مِنْهُ قِيلَا
اخْترتُ رفعَ كلمةِ : ( أصدق ) على أنها خبرُ لا النافيةِ للجنْسِ ويكونُ اسمُها محْذوفًا تقدِيرُه : لَا أَحَدَ أصدقُ منه قيلا ، معَ علْمي أنَّ حذفَ اسمِ لا النافية للجنسِ نادرٌ ،
هذا ويجوزُ النَّصبُ عَلى أنَّها وصفٌ لاسْمِ لا المَحْذوفِ ، ويكُونُ الخبرُ : منهُ ، أيْ لا أحدَ أصْدقَ منه ، وهذا الذي ذكرتُه هو ما جاء في توجيهِ قولِ ابنِ أُبَيٍّ في القرآنِ : ( لا أحسن منْ هذا ) بالرفع والنصبِ .
وـ في قولِه: ِ
61 ـ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ يَنْزِلُ ... يَقُولُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُقْبَلُ ؟
اخترتُ بناءَ الفعلِ : ( فيقبلُ ) لِمَا لمْ يسمَّ فاعلُه أي : فيقبَل عندَ الله ، وإِنْ جازَ بناءِ الفعلِ للمعلومِ فاعلُه أيْ : فيقبِلُ على الله ، والخطبُ سهلٌ .
ز ـ في قولِه :
68 ـ رُؤْيَةَ حَقٍّ لَيْسَ يَمْتَرُونَهَا ... كَالشَّمْسِ صَحْوًا لَا سَحَابَ دُونَهَا
اخترتُ نصبَ كلمةِ : ( رؤية ) ، وإنْ جازَ الرفعُ على أنَّها خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ تقديرُه : هيَ رؤيةُ حقٍّ .
ح ـ قولُهُ : ( وَحُجبوا أعداؤُه ) فِي قولِهِ :
69 ـ وَخُصَّ بِالرُّؤْيَةِ أَوْلِيَاؤُهُ ... فَضِيلَةً وَحُجِبُوا أَعْدَاؤُهُ
إنَّمَا جاءَ على لغةِ : أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ ، وَعليْها قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا )، وَقَوْلُ النَّبِيِّ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ ـ في الْحَدِيثِ :
( يتعَاقبُون فيكمْ مَلائِكَةٌ ..... )
يُتْبَعُ إنْ شاءَ اللهُ
 
فَصْلٌ :
فِي بَيَانِ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيِ التَّوْحِيدِ ، وَهُوَ تَوْحِيدُ الطَّلَبِ وَالقَصْدِ ، وَهُوَ مَعْنَى ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ) .
79 ـ هَذَا وَثَانِي نَوْعَيِ التَّوْحِيدِ ... إِفْرَادُ رَبِّ الْعَرْشِ عَنْ نَدِيدِ
80 ـ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ إِلَهًا وَاحِدَا ... مُعْتَرِفًا بِحَقِّهِ لَا جَاحِدَا
81 ـ وَهْوَ الَّذِي بِهِ الْإِلَهُ أَرْسَلَا ... رُسْلَهُ يَدْعُونَ إِلَيْهِ أَوَّلَا
82 ـ وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالتِّبْيَانَا ... مِنْ أَجْلِهِ وَفَرَقَ الْفُرْقَانَا
83 ـ وَكَلَّفَ اللَّهُ الرَّسُولَ الْمُجْتَبَى ... قِتَالَ مَنْ عَنْهُ تَوَلَّى وَأَبَى
84 ـ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ خَالِصًا لَهُ ... سِرًّا وَجَهْرًا دِقَّهُ وَجِلَّهُ
85 ـ وَهَكَذَا أُمَّتُهُ قَدْ كُلِّفُوا ... بِذَا وَفِي نَصِّ الْكِتَابِ وُصِفُوا
86 ـ وَقَدْ حَوَتْهُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ ... فَهْيَ سَبِيلُ الْفَوْزِ وَالسَّعَادَةِ
87 ـ مَنْ قَالَهَا مُعْتَقِدًا مَعْنَاهَا ... وَكَانَ عَامِلًا بِمُقْتَضَاهَا
88 ـ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَمَاتَ مُؤْمِنَا ... يُبْعَثُ يَوْمَ الْحَشْرِ نَاجٍ آمِنَا
89 ـ فَإِنَّ مَعْنَاهَا الَّذِي عَلَيْهِ ... دَلَّتْ يَقِينًا وَهَدَتْ إِلَيْهِ
90 ـ أَنْ لَيْسَ بِالْحَقِّ إِلَهٌ يُعْبَدُ ... إِلَّا الْإِلَهُ الْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ
91 ـ بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَبِالتَّدْبِيرِ ... جَلَّ عَنِ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ
92 ـ وَبِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ قَدْ قُيِّدَتْ ... وَفِي نُصُوصِ الْوَحْيِ حَقًّا وَرَدَتْ
93 ـ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ قَائِلُهَا ... بِالنُّطْقِ إِلَّا حَيْثُ يَسْتَكْمِلُهَا
94 ـ الْعِلْمُ وَالْيَقِينُ وَالْقَبُولُ ... وَالِانْقِيَادُ فَادْرِ مَا أَقُولُ
95 ـ وَالصِّدْقُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْمَحَبَّهْ ... وَفَّقَكَ اللَّهُ لِمَا أَحَبَّهْ
تنبيهاتٌ :
أ ـ فِي قوْلِهِ :
81 ـ وَهْوَ الَّذِي بِهِ الْإِلَهُ أَرْسَلَا ... رُسْلَهُ يَدْعُونَ إِلَيْهِ أَوَّلَا
تُقرأُ كلمةُ : ( رُسْلَهُ ) بسكُونِ السينِ ، وبهاءٍ مَضْمُومةٍ غَيْرِ مُشْبَعَةٍ ؛ أي بطي التفعيلةِ ، و إلا يختلَّ الوزْنُ بإشباعِ الهاءِ ، وَعندي لوْ قالَ ـ رحمَه اللهُ ـ :
81 ـ وَهْوَ الَّذِي بِهِ الْإِلَهُ أَرْسَلَا ... رُسُلَهُ تدْعُو إِلَيْهِ أَوَّلَا
لكانَ أفْضلَ ـ عنْدِي ـ معَ علْمِي أنَّ الطَّيَّ صالحٌ و الخبْلَ قبيحٌ ؛ لكوْنِهِ زحافًا مزْدَوجًا ، قلتُ في الوَافي :
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْخبْنَ باتِّفَاقِ *** يحْسُنُ فِي الْحَشْوِ عَلَى الإِطْلَاقِ
والطَّيُّ صَالحٌ وأَمَّا الخبلُ *** فقبَّحُوه حَيْثُمَا يَحلُّ .
ب ـ أكرِّرُ في مثلِ قولِهِ :
86 ـ وَقَدْ حَوَتْهُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ ... فَهْيَ سَبِيلُ الْفَوْزِ وَالسَّعَادَةِ
أفضِّلُ السَّلامةَ في العرُوضِ وَالضَّرْبِ علَى القطْعِ ، إذا لَمْ تُؤدِّ السَّلَامَةُ إلى إقْواءٍ أوْ إصْرَافٍ .
ج ـ كلمةُ : ناجٍ في قولِهِ :
88 ـ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَمَاتَ مُؤْمِنَا ... يُبْعَثُ يَوْمَ الْحَشْرِ نَاجٍ آمِنَا
تُعْرَبُ خبرًا لمبتدأٍ محْذوفٍ ، والتَّقدِيرُ : وهُوَ ناجٍ ، ومثلُها في ذلكَ كلمةُ : ( راضٍ ) في قولِهِ في أوَّل المنظومَةِ : رَاضٍ بِهِ مُدَبِّرًا مُعِينا ، ويجوز أنْ تُعْرَبَ الكلمةُ حَالًا معَ حذْفِ حرَكةِ الإعْرابِ والتَّنوينِ لِلْوزْنِ ، لَكِنْ في هذِه الْحَالةِ أفضِّلُ أَنْ يُكْتَبَ البيتُ هَكَذَا :
88 ـ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَمَاتَ مُؤْمِنَا ... يُبْعَثُ يَوْمَ الْحَشْرِ نَاجِي آمِنَا
أيْ بالياءِ لتكونَ ـ كما قلتُ من قبلُ ـ تمييزًا لحَالةِ النَّصْبِ عَنْ حالتَيِ الرَّفعِ وَالْجَرِّ ، وهذا المبدأُ أيِ الزيادةُ في الرَّسْمِ لتزْيِيلِ الكلماتِ مبدأٌ مَعْمُولٌ بِهِ ، قلتُ في : حُسْنِ الإفادةِ في نظْمِ بابِ الحَذْفِ وَالزِّيَادَةِ :
وبعدُ فاسمَعْ هَذِهِ الإفادَهْ *** في نظْمِ بَابِ الْحَذْفِ وَالزِّيَادَهْ
إذْ يَحْذِفُ الكُتَّابِ لِلتَّخْفِيفِ *** فِي رَسْمِهِمْ بَعْضًا مِنَ الْحُرُوفِ
وَقدْ يَكُونُ الحَذْفُ باتِّفاقِ *** إذا اغْتَنَوْا عَنْ ذِكْرِهِ بِالْبَاقِي
وزَوَّدُوا عِنْدَ اتفاقِ أمثلهْ *** فِي الرَّسْمِ حَرْفًا كَيْ تُرَى مُزَيَّلَهْ
وَهَكَذا فعَلْتُ : زوَّدْتُ حَرْفًا أوْ أبقيتُ على حَرْفٍ هُو مِنْ أَصْلِ الكَلِمَةِ ؛ لتمييز حالةِ النَّصبِ عنْ حَالتي الرَّفْعِ والْجَرِّ لكلمَةٍ واحِدةٍ ، والله أعلم
د ـ قوله :
89 ـ فَإِنَّ مَعْنَاهَا الَّذِي عَلَيْهِ ... دَلَّتْ يَقِينًا وَهَدَتْ إِلَيْهِ
90 ـ أَنْ لَيْسَ بِالْحَقِّ إِلَهٌ يُعْبَدُ ... إِلَّا الْإِلَهُ الْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ
ما خَبرُ إنَّ ؟ خبرُ إنَّ هو قولُهُ : أنْ ليسَ بالحقِ إلهٌ يُعبدُ إِلَّا الإِلَهُ ، فهلْ هُنا تضمينٌ ؟
الرَّاجِحُ أنَّهُ لا تضمينَ هُنا ، إذِ التَّضْمينُ في القولِ الرَّاجحِ : تعليقُ كَلِمَةِ الرَّويِّ بما بعْدَه ، بأنْ تفتقرَ إليهِ في الإفادةِ ، أمَّا إذا ربَطَ الشاعرُ شيئًا منَ البيتِ السابقِ غير كلمةِ رَويِّهِ بالبيتِ اللاحقِ فليسَ بتضمينٍ كمَا نقلَهً الدماميني عنْ أبِي العباسِ وأقرَّهُ وسمَّاهُ تعليقًا معنويًّا وَوُجِّهَ بأنَّ كلمةَ الرَّويِّ محلُّ الوقفِ والاستراحةِ ، فإذا افتقرتْ لما بعدَها لمْ يصحَّ الوقفُ عليها فخرَجتْ عَنِ اللائقِ بها ، أمَّا إذا سلِمَتْ هِي مِن الافتقارِ فلَا عيبَ لانْتفَاءِ هَذا الْمَحْذُورِ ، وَلِهَذا قلْتُ فِي الْوافِي :
تَضْمِينُهُمْ تَعْلِيقُهُمْ رَويَّا *** بِمَا يكُونُ بَعْدَهُ مَرْوِيَّا
وَانْقدْ هُنا مَا بَعْضُهمْ يرْويهِ *** تعْلِيق بَيْتٍ بِالَّذي يَلِيهِ
إِذْ أَوَّلُ الْبَيْتِ إِذَا تَعَلَّقا *** بِمَا يلِي فليْسَ عَيبًا مُطْلقا
واللهُ أعلمُ
يُتْبَعُ إِنْ شَاءَ اللهُ
 
فَصْلٌ:
فِي تَعْرِيفِ الْعِبَادَةِ ، وَذِكْرِ بَعْضِ أَنْوَاعِهَا ، وَأَنَّ مَنْ صَرَفَ مِِنْهَا شَيْئًا لِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ .
96 ـ ثُمَّ الْعِبَادَةُ هِيَ اسْمٌ جَامِعُ ... لِكُلِّ مَا يَرْضَى الْإِلَهُ السَّامِعُ
97 ـ وَفِي الْحَدِيثِ مُخُّهَا الدُّعَاءُ ... خَوْفٌ تَوَكُّلٌ كَذَا الرَّجَاءُ
98 ـ وَرَغْبَةٌ وَرَهْبَةٌ خُشُوعُ ... وَخَشْيَةٌ إِنَابَةٌ خُضُوعُ
99 ـ وَالِاسْتِعَاذَةُ والِاسْتِعَانَهْ ... كَذَا اسْتِغَاثَةٌ بِهِ سُبْحَانَهْ
100 ـ وَالذَّبْحُ وَالنَّذْرُ وَغَيْرُ ذَلِكْ ... فَافْهَمْ هُدِيتَ أَوْضَحَ الْمَسَالِكْ
101 ـ وَصَرْفُ بَعْضِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ ... شِرْكٌ وَذَاكَ أَقْبَحُ الْمَنَاهِي
تنبِيهاتٌ :
أ ـ الفعلُ : ( يَرْضَى ) فِي قولِهِ :
96 ـ ثُمَّ الْعِبَادَةُ هِيَ اسْمٌ جَامِعُ ... لِكُلِّ مَا يَرْضَى الْإِلَهُ السَّامِعُ
يُقرأ بفتحِ ياءِ الْمُضَارعةِ ، والضَّادِ من الثلاثي : ( رَضِيَ ) ؛ وَعَليْهِ فالإلهُ فاعِلُهُ ، والمعْنى عَلى هَذا :
الْعِبَادةُ اسْمٌ جَامعٌ لِكُلِّ مَا يَرْضَاه الإلهُ ؛ وَعليْهِ فيُطلقُ الرَّوي ُّ ، وَلَا يُقيَّدُ ، أمَّا إذا نطقنا الفعلَ بِضَمِّ ياءِ المُضَارعةِ وكَسْرِ الضَّادِ ؛ أي نَطَقْناهُ مُضَارِعًا لِلْفِعْلِ الرُّبَاعِيِّ : ( أَرْضَى ) فالواجبُ تقْيِيدُ الرَّوِيِّ مَنْعًا لاختلافِ المجَرى ( الإصراف ) ويكُونُ الْبَيْتُ هكذا :
96 ـ ثُمَّ الْعِبَادَةُ هِيَ اسْمٌ جَامِعْ ... لِكُلِّ مَا يُرْضِى الْإِلَهَ السَّامِعْ
وَمَا قدَّمْتُ أَوَّلًا أَوْلى .
يُتْبَعُ إنْ شاءَ اللهُ
 
فَصْلٌ :
فِي بَيَانِ ضِدِّ التَّوْحِيدِ ، وَهُوَ الشَّرْكُ ، وَأَنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ : أَصْغَرَ وَأَكْبَرَ، وَبَيَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا.
102 ـ وَالشِّرْكُ نَوْعَانِ : فَشِرْكٌ أَكْبَرُ ... بِهِ خُلُودُ النَّارِ إِذْ لَا يُغْفَرُ
103 ـ وَهْوَ اتِّخَاذُ الْعَبْدِ غَيْرَ اللَّهِ ... نِدًّا بِهِ مُسَوِّيًا مُضَاهِي
104 ـ يَقْصِدُهُ عِنْدَ نُزُولِ الضُّرِّ ... لِجَلْبِ خَيْرٍ أَوْ لِدَفْعِ الشَّرِّ
105 ـ أَوْ عِنْدَ أَيِّ غَرَضٍ لْا يَقْدِرُ ... عَلَيْهِ إِلَّا الْمَالِكُ الْمُقْتَدِرُ
106 ـ مَعْ جَعْلِهِ لِذَلِكَ الْمَدَعُوِّ ... أَوِ الْمُعَظَّمِ أَوِ الْمَرْجُوِّ
107 ـ فِي الْغَيْبِ سُلْطَانًا بِهِ يَطَّلِعُ ... عَلَى ضَمِيرِ مَنْ إِلَيْهِ يَفْزَعُ
108 ـ وَالثَّانِ شِرْكٌ أَصْغَرٌ وَهْوَ الرِّيَا ... فَسَّرَهُ بِهِ خِتَامُ الْأَنْبِيَا
109 ـ وَمِنْهُ إِقْسَامٌ بِغَيْرِ الْبَارِي ... كَمَا أَتَى فِي مُحْكَمِ الْأَخْبَارِ
تنبيهاتٌ :
أ ـ مَا إِعْرَابُ كَلِمَةِ : ( مُضَاهي ) فِي قولِهِ :
103 ـ وَهْوَ اتِّخَاذُ الْعَبْدِ غَيْرَ اللَّهِ ... نِدًّا بِهِ مُسَوِّيًا مُضَاهِي ؟
تُعْرَبُ حَالًا ؛ وَعليْهِ فَهِيَ مَنْصُوبةٌ ، لَكِنْ حُذِفتْ عَلَامَةُ النَّصْبِ ( الفتْحةُ ) وَمَا يتْبَعُهَا مِنَ التَّنْوِينِ ؛ لِلْوَقْفِ ، ولهذا أبْقَيْتُ الْيَاءَ فِي الرَّسْمِ ، لتكُونَ عَلَمًا عَلَى حَالَةِ النَّصْبِ ـ كَمَا سبقَ ذكْرُه ـ
ـ الهَاءُ فِي : ( وهو ) تنْطَقُ سَاكِنَةً كمَّا تقدَّمَ ، وَكذلك فِي قولِهِ :
108 ـ وَالثَّانِ شِرْكٌ أَصْغَرٌ وَهْوَ الرِّيَا ... فَسَّرَهُ بِهِ خِتَامُ الْأَنْبِيَا
ب ـ رَسَمْتُ كَلِمَةَ : ( الثَّانِي ) فِي قولِهِ :
108 ـ وَالثَّانِ شِرْكٌ أَصْغَرٌ وَهْوَ الرِّيَا ... فَسَّرَهُ بِهِ خِتَامُ الْأَنْبِيَا
بِحَذْفِ الْيَاءِ خَطًّا ، ولا تنطقُ لفْظًا ؛ لِسَبَبَيْنِ :
1ـ لأنَّ الْوَزْنَ يَقْتَضِي ذلِكَ ،
2ـ ثُمَّ إنَّ هَذا لُغَةٌ لِبَعْضِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ؛ حَيْثُ يَحْذِفُونَ مِنَ الْمَنْقُوصِ الْمُفْرَدِ الْمُقْتَرِنِ بِأَلْ يَاءَه فِي حَالَتَيِ الرَّفْعِ وَالْجَرِّ ، وَبِلُغَتِهِمْ جَاءَ الْقُرْآنُ الْكَريمُ ، مِثْلُ كلمةِ : ( الْبَادِ ) فِي قولِهِ :
( الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) أَيِ البَادِي ،
وَمِثلُ كلمةِ : ( بِالْوَادِ ) فِي قولِهِ :
( وَثَمُود الَّذينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ) أَيْ بِالْوَادِي
وَمثْلُ كَلِمَةِ : ( الْمُتَعَالِ ) فِي قوْلِهِ :
( الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ) أَيِ الْمُتَعَالِي
لِهذين السَّبَبَيْنِ ، رَسَمْتُ الْكَلِمَةَ بِحَذْفِ الْيَاءِ خَطًّا ، كَمَا تُنطَقُ بِحَذْفِهَا لفْظًا ، وَيُمْكنُ الْجَمْعُ بينَ السببينِ بِقَوْلِنَا : إنَّ الشَّيْخَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ اخْتَارَ هَذِهِ اللُّغَةَ ؛ لِيَسْتَقِيمَ لَهُ الْوَزْنُ
ج ـ قولُهُ :
108 ـ وَالثَّانِ شِرْكٌ أَصْغَرٌ وَهْوَ الرِّيَا ... فَسَّرَهُ بِهِ خِتَامُ الْأَنْبِيَا
يَسْتقيمُ وَزْنُهُ كذلكَ لَوْ قُرِئ :
108 ـ وَالثَّانِ شِرْكٌ أَصْغَرٌ وَهْوَ الرِّيَاءْ ... فَسَّرَهُ بِهِ خِتَامُ الْأَنْبِيَاءْ
إذِ التَّذْيِيلُ جَائزٌ وَمُغْتفرٌ لِلْمُولَّدِينَ فِي مَشْطُورِ الرَّجَزِ إِذَا اسْتُعْمِلَ مُزْدَوجًا ، وَقدْ أشرْتُ إلَى ذلكَ في الْوَافِي بقوْلِي :
وَاسْتَعْمَلُوا الْمَشْطُورَ بازْدِوَاجِ *** فَجَازَ قَطْعُه بِلَا إِحْرَاجِ
وَالْمُحْدَثُون ذيَّلُوه لَا الأُوَلْ *** إِذْ لَمْ يَرِدْ مُذَيَّلًا فِيمَا نُقِلْ
يُتْبَعُ إِنْ شَاءَ اللهُ
 
فَصْلٌ :
فِي بَيَانِ أُمُورٍ يَفعَلُهَا العَامَّةُ ؛ مِنْهَا مَا هُوَ شِرْكٌ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَبَيَانِ حُكْمِ الرُّقَى وَالتَّمَائِمِ.
110 ـ وَمَنْ يَثِقْ بِوَدْعَةٍ أَوْ نَابِ ... أَوْ حَلْقَةٍ أَوْ أَعْيُنِ الذِّئَابِ
111 ـ أَوْ خَيْطٍ اوْ عُضْوٍ مِنَ النُّسُورِ ... أَوْ وَتَرٍ أَوْ تُرْبَةِ الْقُبُورِ
112 ـ لِأَيِّ أَمْرٍ كَائِنٍ تَعَلَّقَهْ ... وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى مَا عَلَّقَهْ
113 ـ ثُمَّ الرُّقَى مِنْ حُمَةٍ أَوْ عَيْنِ ... فَإِنْ تَكُنْ مِنْ خَالِصِ الْوَحْيَيْنِ
114 ـ فَذَاكَ مِنْ هَدْيِ النَّبِي وَشِرْعَتِهْ ... وَذَاكَ لَا اخْتِلَافَ فِي سُنِّيَّتِهْ
115 ـ أَمَّا الرُّقَى الْمَجْهُولَةُ الْمَعَانِي ... فَذَاكَ وِسْوَاسٌ مِنَ الشَّيْطَانِ
116 ـ وَفِيهِ قَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ ... شِرْكٌ بِلَا مِرْيَةِ فَاحْذَرَنَّهُ
117 ـ إِذْ كُلُّ مَنْ يَقُولُهُ لَا يَدْرِي ... لَعَلَّهُ يَكُونُ مَحْضَ الْكُفْرِ
118 ـ أَوْ هُوَ مِنْ سِحْرِ الْيَهُودِ مُقْتَبَسْ ... عَلَى الْعَوَامِ لَبَّسُوهُ فَالْتَبَسْ
119 ـ فَحَذَرًا ثُمَّ حَذَارِ مِنْهُ ... لَا تَعْرِفِ الْحَقَّ وَتَنْأَى عَنْهُ
120 ـ وَفِي التَّمَائِمِ الْمُعَلَّقَاتِ ... إِنْ تَكُ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتِ
121 ـ فَالِاخْتِلَافُ وَاقِعٌ بَيْنَ السَّلَفْ ... فَبَعْضُهُمْ أَجَازَهَا وَالْبَعْضُ كَفّْ
122 ـ وَإِنْ تَكُنْ مِمَّا سِوَى الْوَحْيَيْنِ ... فَإِنَّهَا شِرْكٌ بِغَيْرِ مَيْنِ
123 ـ بَلْ إِنَّهَا قَسِيمَةُ الْأَزْلَامِ ... فِي الْبُعْدِ عَنْ سِيمَا أُولِي الْإِسْلَامِ
تنْبِيهَاتٌ :
أ ـ في قولِهِ :
111 ـ أَوْ خَيْطٍ اوْ عُضْوٍ مِنَ النُّسُورِ ... أَوْ وَتَرٍ أَوْ تُرْبَةِ الْقُبُورِ
تَمَّ نقْلُ حَرَكَةِ همْزةِ : ( أو) الثانية إلى التَّنوينِ قبْلَها ، والتَّنوينُ ـ كما نعلمُ ـ نونٌ ساكِنةٌ لفظًا ، ثمَّ سقطَتِ الهمزةُ ، وإنْ شِئْتَ فقُلْ : جُعِلَتْ همْزةُ القطعِ وصْلًا .
ب ـ الْيَاءُ في كَلِمَةِ ) : النَّبِي ) فِي قوْلِهِ :
114 ـ فَذَاكَ مِنْ هَدْيِ النَّبِي وَشِرْعَتِهْ ... وَذَاكَ لَا اخْتِلَافَ فِي سُنِّيَّتِهْ
مخفَّفَةٌ منَ الثَّقِيلَةِ ، وَتُنْطَقُ مَدًّا .
ج ـ كَلِمَةُ : ( وسواس ) فِي قوْلِهِ :
115 ـ أَمَّا الرُّقَى الْمَجْهُولَةُ الْمَعَانِي ... فَذَاكَ وِسْوَاسٌ مِنَ الشَّيْطَانِ
هيَ بكسْرِ الْوَاوِ بمعْنى الوَسْوَسَةِ ، إذ كلٌّ مِنهما مصْدرُ للفعْلِ : وَسْوَس ، أمَّا الوَسْوَاسُ بفتحِ الوَاوِ فالاسمُ كالزَّلزالِ والزِّلزالِ ؛ وَعَليْهِ يَجُوزُ أَيْضًا ضَبْطُ الكلمَةِ في البَيْتِ بفتْحِ الْوَاو ، وَإِنْ كُنْتُ أفضِّلُ الكسرَ ؛ حيثُ غلبَ عندي أنَّ الوَسْوَاسَ اسمُ الشيطان .
د ـ في قولِهِ :
116 ـ وَفِيهِ قَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ ... شِرْكٌ بِلَا مِرْيَةِ فَاحْذَرَنَّهُ
ضرورةٌ ؛ حيثُ اضْطرَّ ـ رحمه الله ـ إلى منْعِ كَلِمَةِ : ( مرية ) مِنَ الصَّرْفِ ، إنَّها مَجْرُورَة ٌبالباءِ ؛ إذْ : ( لَا ) لا عَمَلَ لهَا بعدَ دخُولِ الْبَاءِ عَليْها ، وَلَكِنْ مَا عَلامةُ الجَرِّ ؟
يقولُ صَاحبُ التَّوضِيحِ والتَّكْمِيلِ لِشَرْحِ ابْنِ عقيل :
ويُعربُ الْمَمْنُوعُ مِنَ الصَّرفِ لِلضَّرُورَةِ علَى حَسبِ مَوْقِعِهِ مِنَ الجَمْلَةِ ، وَالْأحْسَنُ جرُّهُ بالْكسْرةِ كأَصْلِهِ ، وَالاقْتِصَارُ في الضَّرُورَةِ علَى مَنْعِ تنوينِهِ ، ويُقَالُ : إنَّهُ مَمْنُوعٌ من التَّنوينِ للضَّرُورةِ ، وإذا جُرَّ بالفتحةِ قِيلَ : إنَّه مجْرورٌ بالفتحةِ ؛ لأنَّه ممنُوعٌ من الصَّرفِ للضَّرُورةِ ؛ وبهذا يتبيَّنُ أنَّ الأمْرَيْنِ جَائِزَانِ ، لَكِنِّي أُفَضِّلُ الْجَرَّ بِالْكَسْرةِ ، إذ تُقدَّرُ الضَّرُورةُ بقدرِهَا ، وِلِئَلَّا يَتوَهَمَ أَحدٌ هنا أنَّها اسْمُ لا النَّافيةِ .
ه ـ قوْلُهُ :
119 ـ فَحَذَرًا ثُمَّ حَذَارِ مِنْهُ ... لَا تَعْرِفِ الْحَقَّ وَتَنْأَى عَنْهُ
هذا الْبَيْتُ ليْسَ مَوْجُودًا فِي نُسْخَةِ الشَّرحِ : ( مَعَارج القبُولِ ) الَّتِي عِندِي ، وَهِيَ النُّسْخةُ الَّتي نشَرَتْها جَمَاعَةُ إِحْياءِ التُّرَاثِ ، فاللهُ أَعْلَمُ بهِ .
يُتْبَعُ إنْ شَاءَ اللهُ .
 
فَصْلٌ :
مِنَ الشِّركِ فِعْلُ مَنْ يَتَبَرَّكُ بِشَجَرَةٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ بُقْعَةٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ نَحْوِهَا ، يَتَّخِذُ ذَلِكَ الْمَكَانَ عِيدًا ، وَبَيَانُ أَنَّ الزِّيَارَةَ تَنقَسِمُ إِلَى : سُنِّيَّةٍ وَبِدْعِيَّةٍ وَشِرْكِيَّةٍ .
124 ـ هَذَا وَمِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ ... مِنْ غَيْرِ مَا تَرَدُّدٍ أَوْ شَكِّ
125 ـ مَا يَقْصِدُ الْجُهَّالُ مِنْ تَعْظِيمِ مَا ... لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِأَنْ يُعَظَّمَا
126 ـ كَمَنْ يَلُذْ بِبُقْعَةٍ أَوْ حَجَرِ ... أَوْ قَبْرِ مَيْتٍ أَوْ بِبَعْضِ الشَّجَرِ
127 ـ مُتَّخِذًا لِذَلِكَ الْمَكَانِ ... عِيدًا كَفِعْلِ عَابِدِي الْأَوْثَانِ
128 ـ ثُمَّ الزِّيَارَةُ عَلَى أَقْسَامِ ... ثَلَاثَةٍ يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ
129 ـ فَإِنْ نَوَى الزَّائِرُ فِيمَا أَضْمَرَهْ ... فِي نَفْسِهِ تَذْكِرَةً بِالْآخِرَهْ
130 ـ ثُمَّ الدُّعَا لَهُ وَلِلْأَمْوَاتِ ... بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ الزَّلَّاتِ
131 ـ وَلَمْ يَكُنْ شَدَّ الرِّحَالَ نَحْوَهَا ... وَلَمْ يَقُلْ هُجْرًا كَقَوْلِ السُّفَهَا
132 ـ فَتِلْكَ سُنَّةٌ أَتَتْ صَرِيحَهْ ... فِي السُّنَنِ الْمُثْبَتَةِ الصَّحِيحَهْ
133 ـ أَوْ قَصَدَ الدُّعَاءَ وَالتَّوَسُّلَا ... بِهِمْ إِلَى الرَّحْمَنِ جَلَّ وَعَلَا
134 ـ فَبِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ ضَلَالَهْ ... بَعِيدَةٌ عَنْ هَدْيِ ذِي الرِّسَالَهْ
135 ـ وَإِنْ دَعَا الْمَقْبُورَ نَفْسَهُ فَقَدْ ... أَشْرَكَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَجَحَدْ
136 ـ لَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ ... صَرْفًا وَلَا عَدْلًا فَيَعْفُو عَنْهُ
137 ـ إِذْ كُلُّ ذَنْبٍ مُوشِكُ الْغُفْرَانِ ... إِلَّا اتِّخَاذَ النِّدِّ لِلرَّحْمَنِ
تنبِيهاتٌ :
أ ـ ( مَا ) الأُولَى فِي قَوْلِهِ :
125 ـ مَا يَقْصِدُ الْجُهَّالُ مِنْ تَعْظِيمِ مَا ... لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِأَنْ يُعَظَّمَا
تُعْرَبُ مبتدأً مُؤخَّرًا للخبرِ المقدَّمِ في البيتِ السابقِ : ( ومِنْ أعمَالِ ...) ، وأمَّا ( مَا ) الثَّانِيةُ فَهِيَ مُضافٌ إليْهِ.
ب ـ كلمةُ : (مَيْت ) فِي قوْلِهِ :
126 ـ كَمَنْ يَلُذْ بِبُقْعَةٍ أَوْ حَجَرِ ... أَوْ قَبْرِ مَيْتٍ أَوْ بِبَعْضِ الشَّجَرِ
تُنْطقُ بسكونِ الياءِ لا ضرورةً ؛ فإنَّ الكلمةَ تأتِي في السَّعَةِ ، يُقالُ : ماتَ يمُوتُ ويماتُ أيضًا فهُو مَيِّتٌ وَمَيْتٌ ، وقيلَ : إنَّ ثمَّةَ فرقًا بينهُما في الاستخدامِ ، فالمَيْتُ : منْ فارقَ الحياةَ ، وعليه جاءَ قولُهُ : لنُحْيِيَ به بلدةً ميْتًا ، وأمَّا المَيِّتُ فهو منْ كانَ في حُكمِ الموتِ وليسَ به أيِ الَّذِي لمْ يَمُتْ بَعْدُ كمَا قالَ فِي القامُوسِ ، وَقَالَ الفرَّاءُ: ( يُقالُ لمَنْ لمْ يَمُتْ : إنَّهُ مَائتٌ عَنْ قليلٍ ومَيِّتٌ ) ، وعَليهِ قوْلُهُ تَعَالَى : إنَّكَ مَيِّتٌ وَإنَّهُمْ مَيِّتُونَ ، ومعَ ذلكَ فقَدْ يُسْتَخْدَمُ المَيِّتُ بمعْنى المَيْتِ ، قال في المعجمِ الوسيط : ( المَيِّتُ ) : المَيْتُ ، وَمَنْ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ وَليْسَ بِهِ .
ج ـ الْعرُوضُ والضَّربُ فِي قوْلِهِ :
132 ـ فَتِلْكَ سُنَّةٌ أَتَتْ صَرِيحَهْ ... فِي السُّنَنِ الْمُثْبَتَةِ الصَّحِيحَهْ
مقطُوعانِ بتقْيِيدِ الرَّوِيِّ ، ولا يجوزُ إطلاقُ الرَّوِيِّ ؛ لِيخْلوَ الْعرُوضُ والضَّرْبُ مِنَ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّ ذلك يُؤدِّي إلَى اخْتِلَافِ المَجْرى بِالْجَمْعِ بيْنَ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ ، وَهُوً المُسَمَّى بالْإقْوَاءِ ، ومَا قِيلَ هُنا يُقالُ في قولِهِ :
134 ـ فَبِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ ضَلَالَهْ ... بَعِيدَةٌ عَنْ هَدْيِ ذِي الرِّسَالَهْ
د ـ الفِعْلُ : ( يَعفُو) فِي قَوْلِهِ :
136 ـ لَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ ... صَرْفًا وَلَا عَدْلًا فَيَعْفُو عَنْهُ
وَقَعَ بعْدَ الفاءِ في جَوَابِ نفْيٍ كَالْفعلِ : ( يَمُوت ) فِي قولِهِ تَعَالَى : ( لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فيَمُوتُوا ) فكلا الفعلينِ إذنْ منْصُوبٌ ، قالَ ابنُ مَالكٍ :
وَبعْدَ ( فَا ) جَوَابِ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ *** مَحْضَيْنِ ( أَنْ ) وَسَتْرُهُ حَتْمٌ نَصَبْ ،
ولكنْ مَا عَلامَةُ النَّصْبِ ؟ إنَّها الفتْحةُ المَحْذُوفَةُ لِلضَّرورةِ ؛ وعليْهِ تُنْطقُ الْوَاوُ فِي الفعلِ : ( يَعفُو ) مَدًّا ،
هَذا ومِمَّا يَجْدُرُ ذكْرُهُ أنَّ كُلَّ النسَخِ اتَّفقتْ عَلى نَفْيِ الْفِعْلِ : ( يَقْبَل ) بـِ ( لَنْ ) غَيْرَ أنِّي وَجَدْتُ فِي الشَّرْحِ ـ لَا فِي الْمَتْنِ المَشْرُوحِ ـ أَنَّ الشَّيْخَ نفى الفِعْلَ بـِ ( لَا ) وَوَضَعَ : ( لَا يقْبلُ اللهُ تعَالَى مِنْهُ ) بَيْنَ قَوْسَيْنِ كَمَا سَبَقَ ، وَهُوَ لَا يَضَعُ بَيْنَ قوْسَينِ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ المَتْنِ ، فَهْلِ النَفْيُ بـِ ( لَا ) رِوَايَةٌ أخْرَى ؟
اللهُ أَعْلَمُ .
يُتْبَعُ إنْ شَاءَ اللهُ
 
فَصْلٌ :
فِي بَيانِ مَا وَقَعَ فِيهِ الْعَامَّةُ الْيَوْمَ مِمَّا يَفْعَلُونَهُ عِنْدَ الْقُبُورِ ،وَمَا يَرْتَكِبُونَهُ مِنَ الشِّركِ الصَّرِيحِ وَالْغُلُوِّ الْمُفْرِطِ فِي الْأَمْوَاتِ .
138 ـ وَمَنْ عَلَى الْقَبْرِ سِرَاجًا أَوْقَدَا ... أَوِ ابْتَنَى عَلَى الضَّرِيحِ مَسْجِدَا
139 ـ فَإِنَّهُ مُجَدِّدٌ جِهَارَا ... لِسُنَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
140 ـ كَمْ حَذَّرَ الْمُخْتَارُ عَنْ ذَا وَلَعَنْ ... فَاعِلَهُ كَمَا رَوَى أَهْلُ السُّنَنْ
141 ـ بَلْ قَدْ نَهَى عَنِ ارْتِفَاعِ الْقَبْرِ ... وَأَنْ يُزَادَ فِيهِ فَوْقَ الشِّبْرِ
142 ـ وَكُلُّ قَبْرٍ مُشْرِفٍ فَقَدْ أَمَرْ ... بِأَنْ يُسَوَّى هَكَذَا صَحَّ الْخَبَرْ
143 ـ وَحَذَّرَ الأُمَّةَ عَنْ إِطْرَائِهِ ... فَغَرَّهُمْ إِبْلِيسُ بِاسْتِجْرَائِهِ
144 ـ فَخَالَفُوهُ جَهْرَةً وَارْتَكَبُوا ... مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ وَلَمْ يَجْتَنِبُوا
145 ـ فَانْظُرْ إِلَيْهِمْ قَدْ غَلَوْا وَزَادُوا ... وَرَفَعُوا بِنَاءََهَا وَشَادُوا
146 ـ بِالشِّيدِ وَالْآجُرِّ وَالْأَحْجَارِ ... لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ
147 ـ وَلِلْقَنَادِيلِ عَلَيْهَا أَوْقَدُوا ... وَكَمْ لِوَاءٍ فَوْقَهَا قَدْ عَقَدُوا
148 ـ وَنَصَبُوا الْأَعْلَامَ وَالرَّايَاتِ ... وَافْتَتَنُوا بِالْأَعْظُمِ الرُّفَاتِ
149 ـ بَلْ نَحَرُوا فِي سُوحِهَا النَّحَائِرْ ... فِعْلَ أُولِي التَّسْيِيبِ وَالْبَحَائِرْ
150 ـ وَالْتَمَسُوا الْحَاجَاتِ مِنْ مَوْتَاهُمْ ... وَاتَّخَذُوا إلَهَهُمْ هَوَاهُمْ
151 ـ قَدْ صَادَهُمْ إبْلِيسُ فِي فِخَاخِهِ ... بَلْ بَعْضُهُمْ قَدْ صَارَ مِنْ أَفْرَاخِهِ
152 ـ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ... بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَبِاللِّسَانِ
153 ـ فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَبَاحَ ذَلِكْ ... وَأَوْرَطَ الْأُمَّةَ فِي الْمَهَالِكْ
154 ـ فَيَا شَدِيدَ الطَّوْلِ وَالْإِنْعَامِ ... إِلَيْكَ نَشْكُو مِحْنَةَ الْإِسْلَامِ
تنبِيهاتٌ :
أ ـ يَجُوزُ في قوْلِهِ :
139 ـ فَإِنَّهُ مُجَدِّدٌ جِهَارَا ... لِسُنَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
أنْ نضْبِطَ كلمةَ : ( سنَن ) ـ كمَا فِي الْبَيْتِ ـ بِضَمِّ السِّينِ جَمْع : ( سُنَّة ) بمَعْنَى : الطَّريقَةِ والسِّيرَةِ ، وَأَنْ نضْبطَها بفتْحِ السِّينِ ( سَنَن) بمَعْنَى : الطَّريقةِ والمثالِ ، يُقالُ : بَنَوْا بُيُوتَهمْ على سََنَنٍ وَاحِدٍ ، وقدْ فضَّلْتُ فِي الضَّبْطِ : (سُنَن ) ؛ لأنَّ الشَّيْخَ ـ رحمَهَ اللهُ ـ فسَّرَهَا في كتابِهِ المعارَجِ عَلَى أنَّهَا جَمَعٌ فقالَ : أيْ لطرائقِ ، واللهُ أعْلمُ .
ب ـ الأبْيَاتُ :
143 ـ وَحَذَّرَ الأُمَّةَ عَنْ إِطْرَائِهِ ... فَغَرَّهُمْ إِبْلِيسُ بِاسْتِجْرَائِهِ
151 ـ قَدْ صَادَهُمْ إبْلِيسُ فِي فِخَاخِهِ ... بَلْ بَعْضُهُمْ قَدْ صَارَ مِنْ أَفْرَاخِهِ
150 ـ وَالْتَمَسُوا الْحَاجَاتِ مِنْ مَوْتَاهُمْ ... وَاتَّخَذُوا إلَهَهُمْ هَوَاهُمْ
يَجُوزُ أَنْ تُقْرَأَ بإِطْلاقِ الرَّوِيِّ وَتقييدِه ، وَإِنْ كنتُ أفضِّلُ الإطْلَاقَ في البيتينِ : 143 و 151 على التقييدِ ، وَأُفَضِّلُ التَّقْيِيدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي البيتِ : 150
ج : البيتان :
149 ـ بَلْ نَحَرُوا فِي سُوحِهَا النَّحَائِرْ ... فِعْلَ أُولِي التَّسْيِيبِ وَالْبَحَائِرْ
153 ـ فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَبَاحَ ذَلِكْ ... وَأَوْرَطَ الْأُمَّةَ فِي الْمَهَالِكْ
لا يجوزُ فيهما إلا تقييدُ الرويِّ ، وإلَّا وقعنا في عيبِ الإصرافِ ، وهو اختلافُ المجْرى بالجمْعِ بينَ الفتْحِ وَغيْرِه .
د : الفعلُ : ( افتتن ) فِي قوْلِهِ :
148 ـ وَنَصَبُوا الْأَعْلَامَ وَالرَّايَاتِ ... وَافْتَتَنُوا بِالْأَعْظُمِ الرُّفَاتِ
مَبْنِيٌّ لِلْمَعْلومِ فَاعِلُهُ .
ه ـ البيتانِ :
153 ـ فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَبَاحَ ذَلِكْ ... وَأَوْرَطَ الْأُمَّةَ فِي الْمَهَالِكْ
154 ـ فَيَا شَدِيدَ الطَّوْلِ وَالْإِنْعَامِ ... إِلَيْكَ نَشْكُو مِحْنَةَ الْإِسْلَامِ
لمْ أجدْهُمَا فِي النُّسْخَةِ التي شرَحَ فيها الشَّيخُ مَنْظُومتَهُ ، لكنَّهُمَا مَوْجُودَان في النُّسْخَةِ التي طُبِعتْ بمطْبَعَةِ : محمد علي صبيح عام 1392 تحتَ عنوان : ( مجموع بقلمِ : حافظِ بنِ أحمدَ الحكمي) .
يُتْبَعُ إنْ شَاءَ اللهُ
 
فَصْلٌ :
فِي بَيَانِ حَقيقَةِ السِّحْرِ وَحَدِّ السَّاحِرِ ،وَأَنَّ مِنْهُ عِلْمَ التَّنْجِيمِ ، وَذِكْرِ عُقُوبَةِ مَنْ صَدَّقَ كَاهِنًا .
155 ـ وَالسَّحْرُ حَقٌّ وَلَهُ تَأْثِيرُ ... لَكِنْ بِمَا قَدَّرَهُ الْقَدِيرُ
156 ـ أَعْنِي بِذَا التَّقْدِيرِ مَا قَدْ قَدَّرَهْ ... فِي الْكَوْنِ لَا فِي الشِّرْعَةِ الْمُطَهَّرَهْ
157 ـ وَاحْكُمْ عَلَى السَّاحِرِ بِالتَّكْفِيرِ ... وَحَدُّهُ الْقَتْلُ بِلَا نَكِيرِ
158 ـ كَمَا أَتَى فِي السُّنَّةِ الْمُصَرِّحَهْ ... مِمَّا رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَصَحَّحَهْ
159 ـ عَنْ جُنْدَبٍ وَهَكَذَا في أَثَرِ ... أَمْرٌ بِقَتْلِهِمْ رُوِي عَنْ عُمَرِ
160 ـ وَصَحَّ عَنْ حَفْصَةََ عِنْدَ مَالِكِ ... مَا فِيهِ أَقْوَى مُرْشِدٍ لِلسَّالِكِ
161 ـ هَذَا وَمِنْ أَنْوَاعِهِ وَشُعَبِهْ ... عِلْمُ النُّجُومِ فَادْرِ هَذَا وَانْتَبِهْ
162ـ وَحَلُّهُ بِالْوَحْيِ نَصًّا يُشْرَعُ ... أَمَّا بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَيُمْنَعُ
163 ـ وَمَنْ يُصَدِّقْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرْ ... بِمَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ الْمُعْتَبَرْ
تنبيهات :
أ ـ فِي قَوْلِهِ :
158 ـ كَمَا أَتَى فِي السُّنَّةِ الْمُصَرِّحَهْ ... مِمَّا رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَصَحَّحَهْ
ـ فضَّلْتُ ضَبْطَها بصِيغَةِ اسْمِ الفَاعِلِ ؛ إِذِ السُّنةُ أَدْلَتْ وَصَرَّحَتْ بقتْلِ السَّاحِرِ ، ومَعَ هذا يَجُوزُ ضَبْطُها بصِيغةِ اسْمِ الْمَفْعُول بمعْنَى : الْوَاضِحةِ أوِ الصَّريحةِ أوِ الْخَالصةِ أوِ الثَّابتةِ .
ـ يَاءُ : ( الترمذي ) مُخفَّفةٌ مِنَ الثقيلةِ ، وَتُنطقُ مَدًّا
ب ـ في قَوْلِهِ ـ رَحِمَهُ الله ـ :
159 ـ عَنْ جُنْدَبٍ وَهَكَذَا في أَثَرِ ... أَمْرٌ بِقَتْلِهِمْ رُوِي عَنْ عُمَرِ
ـ ضَبَطْتُ : ( جُنْدَب ) بفتْحِ الدَّال ،
ـ وحَذَفْتُ حركةَ بناءِ الفعلِ : رُوِيَ ( المبني للمجهول ) للضَّرُورةِ ،
ـ وَصَرفْتُ : ( عمر الممنوعَ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعلميَّةِ والْعَدْلِ ) كذلكَ لِلضَّرُورَةِ ،
ـ وَأَودُّ أن أنبِّهَ هُنا إلَى أنَّ الحدِيثَ لمْ يَصِحَّ عنْ جُندَبٍ إلا مَوقُوفًا لا مَرْفُوعًا، وَقَدْ أَشَرْتُ إلى ذلِكَ في : إماطة اللثامِ عنْ نواقضِ الإسْلَامِ بقولِي :
وَالرَّأْيُ عِنْدِي ـ لَا جِدَالَ ـ السِّحْرُ......تَعَلُّمًا أَوِ اشْتِغَالًا كُفْرُ
إِذْ جَاءَنَا فِي آيَةٍ بِالْبَقَرَهْ..........نَصٌّ بكُفْرِ هَؤُلَاءِ السَّحَرَهْ
يَكْفِيكَ أَنََّ الْمَلَكَيْنِ حَذَّرَا . .طَالِبَ عِلْمِ السِّحْر مِنْ أَنْ يَكْفُرَا
وَصَحَّ قَتْلُ السَّاحِرِ الْخَبِيثِ .. عن جُنْدَبٍ بِالْوَقْفِ فِي الْحَدِيثِ
واللهُ أعْلَمُ .
ج ـ كلمةُ : حَلُّهُ فِي قولِهِ :
162 ـ وَحَلُّهُ بِالْوَحْيِ نَصًّا يُشْرَعُ ... أَمَّا بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَيُمْنَعُ
تُعربُ مُبتدأً و خبَرُه : جمْلةُ : يُشْرعُ ، وقدْ سَمِعْتُ بَعْضَهمْ ينْطِقُهَا : وَحِلَّه بِالْوَحْيِ ، وَهَذَا جَائزٌ عَلَى أنَّه أمرٌ مِنَ الفِعْلِ : حَلَّ ، لكنَّه في هذا السِّياقِ ـ هُنا ـ غَيْرُ مُسْتسَاغٍ .
يُتْبَعُ إنْ شاءَ اللهُ
 
فَصْلٌ :
يَجْمَعُ مَعْنَى حَدِيثِ جِبْريلَ الْمَشهُورِ فِي تَعلِيمِنَا الدِّينَ ،وَأَنَّهُ يَنقَسِمُ إِلَى ثَلاثِ مَراتِبَ : الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ ، وَبَيَانَ أَرْكَانِ كُلٍّ مِنْهَا .
164 ـ اعْلَمْ بِأَنَّ الدِّينَ قَوْلٌ وَعَمَلْ ... فَاحْفَظْهُ وَافْهَمْ مَا عَلَيْهِ ذَا اشْتَمَلْ
165 ـ كَفَاكَ مَا قَدْ قَالَهُ الرَّسُولُ ... إِذْ جَاءَهُ يَسْأَلُهُ جِبْرِيلُ
166 ـ عَلَى مَرَاتِبَ ثَلاَثٍ فَصَّلَهْ ... جَاءَتْ عَلَى جَمِيعِهِ مُشْتَمِلَهْ
167 ـ اْلِاسْلَامِ والْإِيمَانِ والْإِحْسَانِ ... وَالْكُلُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَرْكَانِ
168 ـ فَقَدْ أَتَى : ( الْإِسْلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى ... خَمْسٍ ) فَحَقِّقْ وَادْرِ مَا قَدْ نُقِلَا
169 ـ أَوَّلُهَا الرُّكْنُ الْأَسَاسُ الْأَعْظَمُ ... وَهْوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الْأَقْوَمُ
170 ـ رُكْنُ الشَّهَادَتَيْنِ فَاثْبُتْ وَاعْتَصِمْ ... بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لَا تَنْفَصِمْ
171 ـ وَثَانِيًا إِقَامَةُ الصَّلَاةِ ... وَثَالِثًا تَأْدِيَةُ الزَّكَاةِ
172 ـ وَالرَّابِعُ الصِّيَامُ فَاسْمَعْ وَاتَّبِعْ ... وَالْخَامِسُ الْحَجُّ عَلَى مَنْ يَسْتَطِعْ
173 ـ فَتِلْكَ خَمْسَةٌ وَلِلْإِيمَانِ ... سِتَّةُ أَرْكَانٍ بِلَا نُكْرَانِ
174 ـ إِيمَانُنَا بِاللَّهِ ذِي الْجَلَالِ ... وَمَا لَهُ مِنْ صِفَةِ الْكَمَالِ
175 ـ وَبِالْمَلائِكِ الْكِرَامِ الْبَرَرَهْ ... وَكُتْبِهِ الْمُنْزَلَةِ الْمُطَهَّرَهْ
176 ـ وَرُسْلِهِ الْهُدَاةِ لِلْأَنَامِ ... مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ وَلَا إِيهَامِ
177 ـ أَوَّلُهُمْ نُوحٌ بِلَا شَكٍّ كَمَا ... أَنَّ مُحَمَّدًا لَهُمْ قَدْ خَتَمَا
178 ـ وَخَمْسَةٌ مِنْهُمْ أُولُو الْعَزْمِ الأُلَى ... فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَالشُّورَى تَلَا
تنبيهاتٌ :
أ ـ قوْلُهُ :
164 ـ اعْلَمْ بِأَنَّ الدِّينَ قَوْلٌ وَعَمَلْ ... فَاحْفَظْهُ وَافْهَمْ مَا عَلَيْهِ ذَا اشْتَمَلْ
هذا البيْتُ هُو الموجُودُ في النُّسْخَةِ التي شَرَحَ فيها الشَّيْخُ المنْظُومَة ، وَالقوْلُ والعَمَلُ يكُونَانِ ـ كمَا نَصَّ الشَّيخُ في الشَّرْحِ ـ بالقلْبِ واللِّسَانِ ؛ وعليه لمْ يخْرُجِ شيخُنا عنْ قَولِ السَّلفِ : الإيمانُ : اعْتِقادٌ و قوْلٌ وعملٌ ، وقدْ وَجَدْتُ مَكانَ هَذَا البَيْتِ في النُّسْخةِ التي طبعتْها مكتبةُ صبيح :
وَالدِّينُ نِيَّةٌ وَقَوْلٌ وَعَمَلْ ... فاحْفَظْ وَدَعْ عَنْكَ الْمِرَاءَ وَالْجَدَلْ
والحمدُ لله .
ب ـ بَعْضُ النَّاسِ يََصْرِفُ كلمةََ : ( مَرَاتبَ ) فِي قَولِهِ :
166 ـ عَلَى مَرَاتِبَ ثَلاَثٍ فَصَّلَهْ ... جَاءَتْ عَلَى جَمِيعِهِ مُشْتَمِلَهْ
مُعْتقِدًا ضَرُورةَ ذلكَ ، والْوَاقعُ أنَّه لا ضَرُورةَ هنا ؛ إذِ الوزنُ مُسْتَقِيمٌ ، والْخَبلُ جَائزٌ ، وإنْ كانَ قبيحًا ، وقدْ ذكرْتُ ذلكَ لأَخِي فِي اللهِ فتْحِ الْبَارِي في ضَبْطِ : الكوكبِ الساطعِ مِنْ قبْلُ فقلْتُ :
اعْلمْ ـ يَا أخِي ـ أنَّه يجُوزُ للشَّاعرِ أنْ يصْرِفَ ما مُنعَ منَ الصَّرفِ للضَّرورةِ ، وإلى ذلكَ أشارَ الحريريُّ بقولِه :
وجائزٌ في صنعَةِ الشعرِ الصَّلفْ *** أنْ يَصْرِفَ الشَّاعرُ ما لا ينْصَرِفْ
ونحنُ إذا تأمَّلْنا قوْلَ السيوطيِّ :
1229 . أَوْ أَهْلُ طَيْبَةَ أَوِ الصَّحَابِي....ثَالِثُهَا إِنْ كَانَ ذَا انْتِسَابِ
لا نجدُ ضَرُورةً لِصَرْفِ كلمة : ( طيبة ) ؛ إذِ الْوَزْنُ مَعَ عَدَمِ الصَّرفِ صَالِحٌ ؛ حَيْثُ تكُونُ التَّفْعِيلةُ الثَّانيةُ فِي الْمِصْراعِ الأوَّلِ على وزنِ : ( مُتَعِلُنْ ) بَعْدَ الخَبْنِ وَالطَّيِّ أيِ : الخَبْل ، وهذا مُباحٌ ـ وَإنْ يكنْ قبيحًا ـ ، وإلى هذا أَشَرْتُ بقولِي في الْوَافِي :
وَخَبْلُه وَإنْ يَكُنْ أُبيحا **** فقَدْ أتَى فِي شِعْرِهِم قَبِيحَا
؛ وعليهِ لمْ يكُنْ هُناكَ دَاعٍ لِصَرْفِ الكلمةِ كمَا جَاءَ في طبعةِ ابنِ تيميةَ ، وتكون أنتِ بعدمِ صرفِكَ لها قدْ أحْسَنْتَ ؛ فبَاركَ اللهُ فيكَ ، وسَدَّدَ خطاك ، والسَّلام .
ج ـ رفعَ بعْضُهُمْ كلمةَ : ( الإسلام ) في قولِهِ :
167 ـاْلِاسْلَامِ والْإِيمَانِ والْإِحْسَانِ ... وَالْكُلُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَرْكَانِ
ورفعٌهم لها صَحِيحٌ على أنَّ الكلمةَ خَبَرٌ لمبتدأٍ محْذوفٍ تقدِيرُه : هي الإسلامُ والإيمانٌ ... غَيْرَ أنَّ هذا الضبطَ يوقعُنا في عيبٍ منْ عُيوبِ القافيةِ ، وهُو الإقواءُ ؛ حيثُ يخْتلِفُ المَجْرى بالْجَمْعِ بَينَ الضَّمَّةِ والكسْرَةِ ؛ وعليهِ يلزمُ للتخلصِ مِنْ هَذا العيْبِ إعْرابُ كلمةِ : ( الإسلام ) بدلًا مفصلًا من مُجمل ( مَرَاتبَ ) كمَا قالَ الشيخُ ، والبدلُ ـ كمَا نعلمُ ـ تابعٌ للمُبْدلِ مِنهُ ؛ وعَليهِ تكونُ كَلِمَةُ : ( الإسلام ) مجرورةً ، ويكُونُ ما بعْدَها معْطُوفًا عليها ؛ وبالتالي فلا إِقْوَاءَ ،
بقِيَ أنْ نشيرَ إلى : كيف ننطقُ بكلمةِ : الإسلام ؟
أقولُ : ننقلُ حركةَ الهمزةِ إلى اللَّامِ السَّاكنةِ ، ثُمَّ نُسقِطُ الهمزةَ ، ثمَّ ننطقُ الكلمةَ بلا همْزةِ وَصَلٍ ، بلْ نبدأُ باللَّام هَكذا : ( لِسْلَامِ ) ؛ وَلهذا وَضَعْتُ فوقَ همزةِ الْوَصْلِ علامَةَ السُّكُونِ كَيْ لا تنْطَقَ ؛ وَكلُّ هذا لِيَسْتقِيمَ الوَزْنُ .
د ـ بَدَا لي أَنَّ الشَّيْخَ بقَوْلِه : ( فحقِّقْ وَادْرِ مَا قدْ نُقِلَا ) فِي قولِهِ :
168 ـ فَقَدْ أَتَى : ( الْإِسْلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى ... خَمْسٍ ) فَحَقِّقْ وَادْرِ مَا قَدْ نُقِلَا
يَحْكِي مَا بَيْنَ القَوْسَيْنِ ، وَلوْلا ذلكَ لنَصَبْتُ كَلِمَةَ : ( مَبْني) عَلى الحَاليَّةِ ، لَكِنِ السُّؤَالُ : هلْ هَذَا القَوْلُ : (الْإِسْلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى خَمْسٍ ) وَارِدٌ بلفْظِهِ أَمْ أنَّ الوَاردَ : ( بُنيَ الإسْلامُ عَلَى خمْسٍ ) ؟
هذا وممَّا هو حَرِيٌّ أنْ يُذكَرَ أنِّي قَدْ وَجَدْتُ هَذا البَيْتَ بنَصْبِ كلمَةِ : ( مَبْني ) فِي نسْخَةِ المَعَارِجِ التي نشَرتْها جَمَاعَةُ إحْياءِ التراثِ .
ه ـ قولُه :
175 ـ وَبِالْمَلائِكِ الْكِرَامِ الْبَرَرَهْ ... وَكُتْبِهِ الْمُنْزَلَةِ الْمُطَهَّرَهْ
وَجَدْتُه في بعْضِ النسخِ : وَبالمَلائِكَةِ ، وإثبَاتُ هذِهِ التَّاءِ يُفسِدُ الوَزْنَ ، وَكلمةُ : ( كُتْبه ) بسُكُونِ التَّاءِ ، وَكلِمَةُ : ( الْمُنْزَلَة ) اسْمُ مفْعُولٍ منْ : ( أنْزلَ ) .
يُتْبعُ إنْ شَاءَ اللهُ
 
أ.محمود مرسي أفاض الله عليكم من علمه وتوفيقه وامتنانه فقد أرحت قلبي كثيرا بهذه التصحيحات والتعديلات والترجيحات، لقد قمت بتسجيل هذه المنظومة بشريط كاسيت وقدم لي التزكية الصوتية فضيلة الشيخ محمد بن الشيخ أحمد الشنقيطي ولعلها كانت فاتحة للمبتدئين في هذا الباب ثم شرح الله صدري بعد إجازتي بالحفظ لها والشرح ـ من الشيخ بأن قمت بشرحها في عشرين درسا للمبتدئين في دراسة العقيدة في الموقع الذي أشرف عليه .. ولعل هذا الضبط قد يفتح لي الباب لتسجيلها مرة أخرى مع إعادة البيت بكل الضبوطات الراجحة له كعادة كثير من المشايخ في عرض المتون .. نفع الله بكم ووفقكم إلى الخير وسدد أعمالكم.
 
179 ـ وَبِالْمَعَادِ ايقَنْ بِلَا تَرَدُّدِ ... وَلَا ادِّعَا عِلْمٍ بِوَقْتِ الْمَوْعِدِ
180 ـ لَكِنَّنَا نُؤْمِنُ مِنْ غَيْرِ امْتِرَا ... بِكُلِّ مَا قَدْ صَحَّ عَنْ خَيْرِ الْوَرَى
181 ـ مِنْ ذِكْرِ آيَاتٍ تَكُونُ قَبْلَهَا ... وَهْيَ عَلَامَاتٌ وَأَشْرَاطٌ لَهَا
182 ـ وَيَدْخُلُ الْإِيمَانُ بِالْمَوْتِ وَمَا ... مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعِبَادِ حُتِمَا
183 ـ وَأَنَّ كُلًّا مُقْعَدٌ مَسْئُولُ ... مَا الرَّبُّ مَا الدِّينُ وَمَا الرَّسُولُ ؟
184 ـ وَعِنْدَ ذَا يُثَبِّتُ الْمُهَيْمِنُ ... بِثَابِتِ الْقَوْلِ الَّذِينَ آمَنُوا
185 ـ وَيُوقِنُ الْمُرْتَابُ عِنْدَ ذَلِكْ ... بِأَنَّهُ مَوْرِدُهُ الْمَهَالِكْ
186 ـ وَبِاللِّقَا وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ... وَبِقِيَامِنَا مِنَ الْقُبُورِ
187 ـ غُرْلًا حُفَاةً كَجَرَادٍ مُنْتَشِرْ ... يَقُولُ ذُو الْكُفْرَانِ : ذَا يَوْمٌ عَسِرْ
188 ـ وَيُجْمَعُ الْخَلْقُ لِيَوْمِ الْفَصْلِ ... جَمِيعُهُمْ عُلْوِيُّهُمْ وَالسُّفْلِي
189 ـ فِي مَوْقِفٍ يَجِلُّ فِيهِ الْخَطْبُ ... وَيَعْظُمُ الْهَوْلُ بِهِ وَالْكَرْبُ
190 ـ وَأُحْضِرُوا لِلْعَرْضِ وَالْحِسَابِ ... وَانْقَطَعَتْ عَلَائِقُ الْأَنْسَابِ
191 ـ وَارْتَكَمَتْ سَحَائِبُ الْأَهْوَالِ ... وَانْعَجَمَ الْبَلِيغُ فِي الْمَقَالِ
192 ـ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْقَيُّومِ ... وَاقْتُصَّ مِنْ ذِي الظُّلْمِ لِلْمَظْلُومِ
193 ـ وَسَاوَتِ الْمُلُوكُ لِلْأَجْنَادِ ... وَجِيءَ بِالْكِتَابِ وَالْأَشْهَادِ
194 ـ وَشَهِدَ الْأَعْضَاءُ وَالْجَوَارِحُ ... وَبَدَتِ السَّوْءَاتُ وَالْفَضَائِحُ
195 ـ وَابْتُلِيَتْ هُنَالِكَ السَّرَائِرْ ... وَانْكَشَفَ الْمَخْفِيُّ فِي الضَّمَائِرْ
196 ـ وَنُشِرَتْ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ ... تُؤْخَذُ بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ
197 ـ طُوْبَى لِمَنْ يَأْخُذُ بِالْيَمِينِ ... كِتَابَهُ بُشْرَى بِحُورٍ عِينِ
198 ـ وَالْوَيْلُ لِلْآخِذِ بِالشِّمَالِ ... وَرَاءَ ظَهْرٍ لِلْجَحِيمِ صَالِ
199 ـ وَالْوَزْنُ بِالْقِسْطِ فَلَا ظُلْمَ وَلَا ... يُؤْخَذُ عَبْدٌ بِسِوَى مَا عَمِلَا
200 ـ فَبَيْنَ نَاجٍ رَاجِحٍ مِيزَانُهُ ... وَمُقْرِفٍ أَوْبَقَهُ عُدْوَانُهُ
تنبيهَاتٌ :
أ ـ قولُهُ :
179 ـ وَبِالْمَعَادِ ايقَنْ بِلَا تَرَدُّدِ ... وَلَا ادِّعَا عِلْمٍ بِوَقْتِ الْمَوْعِدِ
وقفْتُ عندَ هذا البَيْتِ طويلًا ؛ ذلِكَ لأنِّي لا أُريدُ أنْ أُخَالفَ لغةً ، ولا أُريدُ أنْ أصْطَدِمَ بِالعرُوضِ أوْ أخْرُجَ عَنِ الوزْنِ ، لقدْ كانَ البيتُ هكذا :
وَبِالْمَعَادِ أَيْقِنْ بلَا تردُّدِ *** ولا ادِّعا علْمٍ بوقتِ الموعد
وبِهذِهِ الصُّورَةِ خَرَجَ الشَّطرُ الأوَّلُ عَنِ الوزنِ فمَاذا نفْعلُ ؟ إنْ نقَلْنَا حَرَكَةَ الهمْزةَ إلى مَا قبلَها نكونُ قدْ نقلْنَاها إِلى مُتَحَرِّكٍ ، وفِي هَذِهِ الحالةِ سنقُولُ : وَبِالْمَعَادَ ايْقِنْ ، لكِنْ هذا غيرُ مُسْتَساغٍ عندي ؛ إذ النقلُ إلى متحرِّكٍ لا يجُوزُ كمَا نصَّ عليه أئمةُ القراءاتِ وكثيرٌ من أهلِ اللُّغةِ ، فقُلْتُ : أبْحَثُ عنْ طريقٍ آخَرَ يجْمَعُ بينَ المحافظةِ على لفْظِ الشَّيخِ والوزْنِ والمطابقَةِ للقواعِدِ ، فقلتُ : لمَ لا يكونُ الفعلُ ثلاثيًّا لا رباعيًّا ؟ ، إنَّ الفعلَ : يَقِنَ مُضَارِعُهُ : يَيْقَنُ ، وهُو يؤَدِّي معْنى الفعلِ الرباعيِّ : ( أيْقَن ) ، جاءَ في الصحاحِ :
( يقن ) اليَقينُ : العلم وزوالُ الشك. يقال منه: يَقِنْتُ الأمر يَقْناً، وأيْقَنْتُ ، واسْتَيْقَنْتُ، وتَيَقَّنْتُ، كلُّه ، بمعنًى .
وجَاء في المُعجم الوسيط :
( يَقِنَ )
الشَّيْءُ ـَ (يَيْقََنُ) يَقْنًا ، وَيقينًا ثَبَتَ وَتحقَّقَ وَوَضَحَ . فَهُوَ يَقَنٌ ويَقِين ، وَالشَّيْءَ وَبِه : عَلِمَه وتحقَّقَه .
(أَيْقَنَهُ) وَبِه : يَقِِنَهُ
وإِذا كانتْ هذه الأفعالُ كلُّها تؤدِّي نفسَ المعْنى ، فلمَاذا لا نأتِي بِالأمرِ منْهُ إذا كَانَ ذلك يُؤَدِّي إِلى حَلِّ الْإِشْكالِ ؟ ، وَلكنْ مَا الأمرُ منهُ ؟ إنَّه مثالٌ يائيٌّ من بابِ : فرِحَ يفْرَح أو علِم يعلَم ؛ فمُضَارعُهُ وأمْرُه مثل السالمِ لاحذفَ فيهِ ولا إعْلالَ ؛ وَعليْهِ فالمُضَارعُ كمَا تَقدَّمَ : ( يَيْقَنُ )، والأمر : ( ايقَنْ ) ، وهُوَ يحلُّ الإشكالَ ، فلا نخَالفُ لغةً ، ولا نخْرجُ عن وزْنٍ ، وعليْهِ ضَبَطْتُ البَيْتَ .
ـ وقدْ أضَافَ أسُتاذُنا القارِئ المليجِي وجها آخر جائزا ، وهو أن يكون الفعل : ايقِنْ بكسرِ القافِ ، ووجَّهه بتوجيهين ، فقالَ في التَّوْجيهِ الأول : وجَدْتُ في القاموسِ المُحيطِ وغيرِهِ : وَ (أَقَنَ) : لغَةٌ فِي أَيْقَنَ.
فمُضَارعُه : يَأْقِن، والأمرُ منهُ : ائْقِن... وعندَ البدءِ بها تَصيرُ: ايقِن بالمَدِّ بدلَ الهَمْزةِ.
ولا إشْكالَ فِي إبدالِ هذِهِ الهمْزةِ [فاء الفعل] حَرْفَ مدٍّ في الوَصْلِ أيْضًا ، وهَذِه هِيَ طريقةُ الإمامِ ورْشٍ عَنْ نافعٍ من السَّبْعةِ ، وهَذا مُطَّرِدٌ عندَه سِوَى في "جمْلةِ الإيواء".
قالَ الشَّاطِبيُّ - رَحِمَهُ اللهُ ـ :
إذا سكنت فاءً منَ الفعْلِ هَمْزة * * * فوَرْشٌ يُريها حَرْفَ مَدٍّ مبدلا
سوى جملة الإيواء
ولَعَلَّ الجَمِيعَ مرَّ به في التِّلاواتِ المسمُوعة نَحْوُ : "قالَ ائتوني بأخ" ، "وقالَ الملك ائتوني". بالمدِّ الطبيعيِّ في روايةِ ورشٍ بدلَ الهمزِ.
فيصيرُ البَيتُ الَّذي هُنا : "وبالمعادِ ايقِنْ" بكسرِ القَافِ
ـ وأمَّا التَّوْجيهُ الثَّاني فهُو جَعلُ هَمْزةِ القطْعِ في : أَيْقِنْ وصلًا ضَرُورَةً ؛ وعليه يكونُ الفعلُ أيضًا : ايقِنْ ، غَيرَ أنَّ هذا التَّوجيهَ ـ وإنْ كَانَ جائِزًا ـ مَرْذُولٌ ؛ لأنَّه مبنيٌّ علَى ضَرُورةٍ مبتذلةٍ ـ أعني جعلَ همزةِ القطعِ وصلًا ـ ، قلت في الوافي :
وَجَازَ في التَّغْيِيرِ قَطْعُ ما وُصِلْ *** هَمزًا وَوَصْلُ ذاتِ قطعٍ ابْتُذِلْ
خُلاصَةُ القوْلِ : يَجُوز أنْ نَضْبِطَ البَيْتَ هكذا :
179 ـ وَبِالْمَعَادِ ايقَََنْ بِلَا تَرَدُّدِ ... وَلَا ادِّعَا عِلْمٍ بِوَقْتِ الْمَوْعِدِ
أوْ :
179 ـ وَبِالْمَعَادِ ايقَِنْ بِلَا تَرَدُّدِ ... وَلَا ادِّعَا عِلْمٍ بِوَقْتِ الْمَوْعِدِ
ب ـ رسَمْتُ كَلِمَةَ : ( مَسئُول ) في قولِهِ :
183 ـ وَأَنَّ كُلًّا مُقْعَدٌ مَسْئُولُ ... مَا الرَّبُّ مَا الدِّينُ وَمَا الرَّسُولُ ؟
برَسْم أهلِ مِصْرَ ؛ إذِ الْهَمْزةُ مضْمُومَةٌ ،وما قبلَهَا سَاكِنٌ صَحيحٌ ، والضَّمَةُ أقْوَى مِنَ السُّكونِ ،وينَاسِبُها الوَاوُ ، لَكِنْ جَاءَ بعْدَها مَدٌّ مُصَوَّرٌ بِصُورتِها ،ومَا قبْلَها يتَّصِلُ خَطًّا بِمَا بَعْدَها ، فتُرْسمُ عَلى نبرةٍ .
ج ـ قوْلُهُ :
185 ـ وَيُوقِنُ الْمُرْتَابُ عِنْدَ ذَلِكْ ... بِأَنَّهُ مَوْرِدُهُ الْمَهَالِكْ
ـ هكذا وجَدْتُه بـِ (المعَارج ) وَهُوَ صَحِيحٌ لغَةً وَوَزْنًا ؛ فجمْلةُ : ( مَوْرِدُهُ المهالِكْ ) في مَحلِّ رفعٍ خبَرُ أنَّ ؛ لِهذا أَيْ : لوُجُودِ هذه الرِّوَايةِ في نسْخةِ الشَّرْحِ ، وَصِحَّتِها فضَّلْتُهَا على الرِّوَايةِ الأُخْرى :
185 ـ وَيُوقِنُ الْمُرْتَابُ عِنْدَ ذَلِكْ ... بِأَنَّما مَوْرِدُهُ الْمَهَالِكْ
وإِنْ كانَتْ هذِهِ الرِّوايَةُ صَحِيحَةً أيْضًا لغةً ووزْنًا ؛ فَ (مَا ) هِي الكافةُ لِأَنَّ عنِ العملِ ، ومَا بَعْدَها مبتدأٌ وخبَرٌ ، لَكِنْ أفضِّلُ إِذا اخْتار أحدٌ هذه الروايةُ أنْ يصلَ ( مَا ) بأنَّ خطَّا لا كَمَا جاءَ في بَعْضِ النسخ .
ـ يلزمُ هُنا أنْ يكُونَ العرُوضُ والضَّربُ مقطوعين .
د ـ قولُه :
194 ـ وَشَهِدَ الْأَعْضَاءُ وَالْجَوَارِحُ ... وَبَدَتِ السَّوْءَاتُ وَالْفَضَائِحُ
ـ فضَّلْتُ هذه الروايةَ التي حُذِفَتْ فيها التاءُ الدَّالةُ على تأنيثِ فاعلِ الفعلِ : شهدَ على الرِّوايةِ الأخرى التي تثْبُتُ فيها التَّاءُ ؛ لِأسْبابٍ :
1ـ هكذا جاءَ البيْتُ في المتنِ المشْروحِ بالمعَارج
2 ـ حذفُ التاءِ في هذا الموْضعِ جَائزٌ في النثر والشعرِ ، يقُولُ ابنُ مالكٍ :
والتاءُ معْ جَمْع سِوى السَّالمِ مِنْ *** مُذَكَّرٍ كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ
3 ـ لوْ أثبتنا التاءَ لَلزمَ الآتي :
ـ نقلُ حَرَكَةِ الهمزةِ فِي كلمةِ : الأعْضاءِ إلى اللَّامِ السَّاكنةِ قبلَها ،
ـ إسقاطُ الهمزةِ
ـ إسقاطُ همزةِ الوصْلِ
ـ يُنطقُ البيتُ كالتَّالي :
وَشَهِدَتْ لَعْضَاءُ وَالْجَوَارِحُ ... وَبَدَتِ السَّوْءَاتُ وَالْفَضَائِحُ
وبهذا يستقيمُ الوزْنُ ، لكنْ هذا فيهِ مِنَ الصُّعُوبَةِ مَا فيهِ لَمَنْ لمْ يعْرِفْ ذلكَ ؛ لهذَا فضَّلْتُ الروايةَ الأُولى ، واللهُ أعلمُ
ـ الرويُّ في هذا البيت مُطلَقٌ ، ويجوزُ تقييدُه ، لكنِ الإطْلاقُ أفْضَلُ
ه ـ قولُه :
195 ـ وَابْتُلِيَتْ هُنَالِكَ السَّرَائِرْ ... وَانْكَشَفَ الْمَخْفِيُّ فِي الضَّمَائِرْ
يجِبُ أنْ يُقيَّدَ فيه الرويُّ و إلا وقعْنا فِي الإقواءِ .
و ـ فِي قولِهِ :
200 ـ فَبَيْنَ نَاجٍ رَاجِحٍ مِيزَانُهُ ... وَمُقْرِفٍ أَوْبَقَهُ عُدْوَانُهُ
ليْسَتِ الهاءُ في : ميزانه ولا عدوانه رَوِيًّا وإِنمَا هِي وصْلٌ ، وَحَرَكتُها تُسمَّى نفاذًا , ويجُوزُ هنا حَذْفُ النفاذِ ويكونُ الضربُ والعرُوضُ مقْطُوعَينِ ، وَلكِنْ أُفضِّلُ مَا قدَّمْتُ .
يُتْبَعُ إنْ شَاءَ اللهُ
 
201 ـ وَيُنْصَبُ الْجِسْرُ بِلَا امْتِرَاءِ ... كَمَا أَتَى فِي مُحْكَمِ الْأَنْبَاءِ
202 ـ يَجُوزُهُ النَّاسُ عَلَى أَحْوَالِ ... بِقَدْرِ كَسْبِهِمْ مِنَ الْأَعْمَالِ
203 ـ فَبَيْنَ مُجْتَازٍ إِلَى الْجِنَانِ ... وَمُسْرِفٍ يُكَبُّ فِي النِّيرَانِ
204 ـ وَالنَّارُ وَالْجَنَّةُ حَقٌ وَهُمَا ... مَوْجُودَتَانِ لَا فَنَاء لَهُمَا
205 ـ وَحَوْضُ خَيْرِ الْخَلْقِ حَقٌّ وَبِهِ ... يَشْرَبُ فِي الْأُخْرَى جَمِيعُ حِزْبِهِ
206 ـ كَذَا لَهُ لِِوَاءُ حَمْدٍ يُنْشَرُ ... وَتَحْتَهُ الرُّسْلُ جَمِيعًا تُحْشَرُ
207 ـ كَذَا لَهُ الشَّفَاعَةُ العُظْمَى كَمَا ... قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَا تَكَرُّمَا
208 ـ مِنْ بَعْدِ إِذْنِ اللَّهِ لَا كَمَا يَرَى ... كُلُّ قُبُورِيٍّ عَلَى اللَّهِ افْتَرَى
209 ـ يَشْفَعُ أَوَّلًا إِلَى الرَّحْمَنِ فِي ... فَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ
210 ـ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَطْلُبَهَا النَّاسُ إِلَى ... كُلِّ أُولِي الْعَزْمِ الْهُدَاةِ الفُضَلَا
211 ـ وَثَانِيًا يَشْفَعُ فِي اسْتِفْتَاحِ ... دَارِ النَّعِيمِ لِأُولِي الْفَلَاحِ
212 ـ هَذَا وَهَاتَانِ الشَّفَاعَتَانِ ... قَدْ خُصَّتَا بِهِ بِلَا نُكْرَانِ
213 ـ وَثَالِثًا يَشْفَعُ فِي أَقْوَامِ ... مَاتُوا عَلَى دِينِ الْهُدَى الْإِسْلَامِ
214 ـ وَأَوْبَقَتْهُمْ كَثْرَةُ الْْآثَامِ ... فَأُدْخِلُوا النَّارَ بِذَا الْإِجْرَامِ
215 ـ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا إِلَى الْجِنَانِ ... بِفَضْلِ رَبِّ الْعَرْشِ ذِي الْإِحْسَانِ
216 ـ وَبَعْدَهُ يَشْفَعُ كُلُّ مُرْسَلِ ... وَكُلُّ عَبْدٍ ذِي صَلَاحٍ وَوَلِي
217 ـ وَيُخْرِجُ اللَّهُ مِنَ النِّيرَانِ ... جَمِيعَ مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ
218 ـ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ يُطْرَحُونَا ... فَحْمًا فَيَحْيَوْنَ وَيَنْبُتُونَا
219 ـ كَأَنَّمَا يَنْبُتُ فِي هَيْئَاتِهِ ... حِبُّ حَمِيلِ السَّيْلِ فِي حَافَاتِهِ
220 ـ وَالسَّادِسُ الْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ ... فَأَيْقِنَنْ بِهَا وَلَا تُمَارِ
221 ـ فَكُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرْ ... وَالْكُلُّ فِي أُمِّ الْكِتَابِ مُسْتَطَرْ
222 ـ لَا نَوْءَ لَا عَدْوَى وَلَا طَيْرَ وَلَا ... عَمَّا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى حِوَلَا
223 ـ لَا غُولَ لَا هَامَةَ لَا وَلَا صَفَرْ ... كَمَا بِذَا أَخْبَرَ سَيِّدُ الْبَشَرْ
224 ـ وَثَالِثٌ مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ ... وَتِلْكَ أَعْلَاهَا لَدَى الرَّحْمَنِ
225 ـ وَهْوَ رُسُوخُ الْقَلْبِ فِي الْعِرْفَانِ ... حَتَّى يَكُونَ الْغَيْبُ كَالْعِيَانِ
تنبيهاتٌ :
أ ـ كلِمَةُ : ( الرسل ) فِي قَوْلِهِ :
206 ـ كَذَا لَهُ لِِوَاءُ حَمْدٍ يُنْشَرُ ... وَتَحْتَهُ الرُّسْلُ جَمِيعًا تُحْشَرُ
تُضْبَطُ بسكُونِ السِّينِ ـ كما تقدَّم ـ
ب ـ كَلِمَةُ : ( نهر ) فِي قَوْلِهِ :
218 ـ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ يُطْرَحُونَا ... فَحْمًا فَيَحْيَوْنَ وَيَنْبُتُونَا
تُضْبَطُ بفتْح الْهَاءِ ، وتسكينُها كمَا جَاءَ في بعْضِ الطَّبَعَاتِ يُفْسِدُ الْوزْنَ .
ج ـ كلمَةُ : ( حبّ ) فِي قَوْلِهِ :
219 ـ كَأَنَّمَا يَنْبُتُ فِي هَيْئَاتِهِ ... حِبُّ حَمِيلِ السَّيْلِ فِي حَافَاتِهِ
تُضْبَطُ بكسرِ الحَاءِ ، وأخطأَ من ضبطَها بالفتحِ ، قالَ الفيوميُّ في المصباح : وَالْحِبُّ بِالْكَسْرِ بِزْرُ مَا لَا يُقْتَاتُ مِثْلُ: بُزُورِ الرَّيَاحِينِ الْوَاحِدَةُ حِبَّةٌ . وَفِي الْحَدِيثِ «كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ» هُوَ بِالْكَسْرِ . انتهى قوله ،
وَقَالَ ابْنُ دُرَيْد ٍ: الحِبَّةُ بِالْكَسْرِ : مَا كَانَ مِن بَزْرِ العُشْبِ ،
وقيل الحِبَّة : بزرُ كُلِّ نباتٍ ينبُتُ وحْدَه من غيرِ أنْ يُبْذرَ ، وكُلُّ ما بُذِرَ فبزْرُه حَبَّةٌ بالفتحِ ، يقول الكسائي :
فأَما الْحَبُّ فَلَيْسَ إِلَّا الحِنْطةَ والشَّعِيرَ، وَاحِدَتُهَا حَبَّةٌ ، بِالْفَتْحِ .
د ـ قولُه :
222 ـ لَا نَوْءَ لَا عَدْوَى وَلَا طَيْرَ وَلَا ... عَمَّا قََضَى اللَّهُ تَعَالَى حِوَلَا
سقطَتِ الْوَاوُ مِنْ : ( ولا طير ) في بعضِ الطَّبعاتِ ، وسُقوطُها يُفْسِدُ الوزنَ ؛ فالواجِبُ إثباتُها .
ه ـ يُضْبَطُ الضَّمِيرُ : ( هوَ ) المَسْبُوقُ بالْوَاوِ فِي قَولِهِ :
225 ـ وَهْوَ رُسُوخُ الْقَلْبِ فِي الْعِرْفَانِ ... حَتَّى يَكُونَ الْغَيْبُ كَالْعِيَانِ
بسُكُونِ الْهَاءِ ـ كما تقدم ـ
يُتْبَعُ إنْ شَاءَ اللهُ
 
فَصْلٌ :
فِي كَوْنِ الْإِيمَانِ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ ،وَأَنَّ فَاسِقَ أَهْلِ الْمِلَّةِ لَا يُكَفَّرُ بِذَنْبٍ دُونَ الشِّركِ إِلَّا إِذَا اسْتَحَلَّهُ ، وَأَنَّهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ ، وَأَنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ .
226 ـ إِيمَانُنَا يَزِيدُ بِالطَّاعَاتِ ... وَنَقْصُهُ يَكُونُ بِالزَّلَّاتِ
227 ـ وَأَهْلُهُ فِيهِ عَلَى تَفَاضُلِ ... هَلْ أَنْتَ كَالْأَمْلَاكِ أَوْ كَالرُّسُلِ
228 ـ وَالْفَاسِقُ الْمِلِّيُّ ذُو الْعِصْيَانِ ... لَمْ يُنْفَ عَنْهُ مُطْلَقُ الْإِيمَانِ
229 ـ لَكِنْ بِقَدْرِ الْفِسْقِ وَالْمَعَاصِي ... إِيمَانُهُ مَا زَالَ فِي انْتِقَاصِ
230 ـ وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ فِي النَّارِ ... مُخَلَّدٌ ، بَلْ أَمْرُهُ لِلْبَارِي
231 ـ تَحْتَ مَشِيئَةِ الْإِلَهِ النَّافِذَهْ ... إِنْ شَا عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَا آخَذَهْ
232 ـ بِقَدْرِ ذَنْبِهْ وَإِلَى الْجِنَانِ ... يُخْرَجُ إِنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ
233 ـ وَالْعَرْضُ تَيْسِيرُ الْحِسَابِ فِي النَّبَا ... وَمَنْ يُنَاقَشِ الْحِسَابَ عُذِّبَا
234 ـ وَلَا تُكَفِّرْ بِالْمَعَاصِي مُؤْمِنَا ... إِلَّا مَعَ اسْتِحْلَالِهِ لِمَا جَنَى
235 ـ وَتُقْبَلُ التَّوْبَةُ قَبْلَ الْغَرْغَرَهْ ... كَمَا أَتَى فِي الشِّرْعَةِ الْمُطَهَّرَهْ
236 ـ أَمَّا مَتَى تُغْلَقُ عَنْ طَالِبِهَا ؟ ... فَبِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
تنبيهاتٌ :
أ ـ قولُهُ :
228 ـ وَالْفَاسِقُ الْمِلِّيُّ ذُو الْعِصْيَانِ ... لَمْ يُنْفَ عَنْهُ مُطْلَقُ الْإِيمَانِ
لمْ ينْفِ الشَّيخُ ـ رحمه الله ـ مُطْلَقَ الإيمَانِ عَنْ فاسقِ أهلِ الْمِلَّةِ ، وَهَذا صَحِيحٌ عندَنا ، لَكِنْ لا يُوصَفُ بالإيمَانِ الْمُطْلقِ .
ب ـ قولُه :
232 ـ بِقَدْرِ ذَنْبِهْ وَإِلَى الْجِنَانِ ... يُخْرَجُ إِنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ
ـ هذا الْبَيْتُ لا يَستقيمُ وزنُه إلَّا بتسْكينِ الْهَاءِ في : ( ذنبهْ ) ، وَقدْ وجدْتُ له رِوَايةً أخْرَى بتَحْريكِ الْهَاءِ ، لَكِنْ مَعَ إِسْقَاطِ وَاوِ الْعطْفِ التي تسبِقُ : ( إلى ) هكذا :
بِقَدْرِ ذَنْبِهِ إِلَى الْجِنَانِ ... يُخْرَجُ إِنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ
وَقدْ وقفْتُ عِندَ الرِّوايتينِ ، أُفَاضِلُ بينَهُما ، فاخْتَرْتُ الأُولى ؛ ذلكَ لأَنَّ وَاوَ العطفِِِ مَطْلوبَةٌ للرَّبطِ بينَ الجُمْلتينِ إذِ المَعْنى : إنْ شَاءَ عفَا عنْهُ وإنْ شَاءَ آخَذَهُ بقَدْرِ ذنبِهِ ، ويُخْرَجُ بَعْدَها إلَى الجِنانِ ، ثُمَّ إنِّي وَجَدْتُ الروايةَ هكذا في النسْخةِ التي طَبعَتْها مَكتبةُ : صبيح ، وَقَدْ يقُولُ قائلٌ إنَّ الروايةَ الأخْرى مُثْبَتةٌ في المَتْنِ الْمَشْرُوحِ ، وَأقولُ : نَعَمْ ، لكنِ الشَّيخُ في الشَّرحِ ذَكََرَ قولَهُ : ( وإلَى الجنانِ ) بَيْنَ القوْسَينِ ، وَهُو لَا يضعُ بينَ القوسينِ إلَّا ما جاءَ في المتنِ ، فلعلَّ الواوَ سقَطَتْ مِنَ المتنِ خطأً ؛ ولِهَذا فضَّلتُ هذِهِ الروايةَ التي تُثبِتِ الوَاوَ معَ تسْكِينِ الهاءِ ضرورةً مُرَاعَاةً لما يقتضِيه المعْنى ، وَإِنْ كانَتِ الرِّوَايةُ الأخرى أحْلى وقعًا .
ـ الفعلُ : ( يُخْرَج ) ضَبَطْتُه لِمَا لمْ يُسَمَّ فاعِلُه ، وقَدْ وجدْتُه في روايةٍ للمعلومِ فاعلُه ، ولا شكَّ أنَّ الروايةَ الأولى أفضلُ ؛ إذْ فيها إشْعارٌ وتلميحٌ إلى أَنَّ اللهَ هو الذي يُخْرجُهُ إلى الجنةِ برحْمَتِهِ ، واللهُ أعلمُ
ج ـ قوْلُهُ :
234 ـ وَلَا تُكَفِّرْ بِالْمَعَاصِي مُؤْمِنَا ... إِلَّا مَعَ اسْتِحْلَالِهِ لِمَا جَنَى
ـ هذا البيْتُ مرويٌّ في معظمِ النسخِ هَكذا :
وَلَا نكَفِّرُ بِالْمَعَاصِي مُؤْمِنَا ... إِلَّا مَعَ اسْتِحْلَالِهِ لِمَا جَنَى
أيْ : برفعِ الفِعلِ المُضَارعِ : ( نكفر ) ؛ لأنَّه لَمْ يُسْبَقْ بناصِبٍ وَلا جَازمٍ ، حَيْثُ إنَّ : ( لا ) نافيةٌ لا ناهيةٌ ، لكنِ الوزنُ برفعِ الفعلِ لا يستقيمُ ، ولكَيْ يسْتقِيمَ الوزْنُ لَا بُدَّ منْ تسكينِ الرَّاءِ ، فهلْ نُسَكِّنُهَا للضَّرورةِ أمْ نقولُ : إنَّ (لا ) ناهِيةٌ والفِعْل المُضَارع مَجْزُومٌ بِها ؟ لكِن مِنَ النَّادرِ الذي لا يُقاسُ عليهِ في الرأيِ المختارِ ـ كمَا يقُولُ صاحبُ النحوِ الْوَافِي ـ أَنْ تجزمَ أوْ تدخلَ ( لا ) الناهيةُ على الفعلِ المُضَارعِ المبْنيِّ للمعلومِ إذا كَانَ مَبْدُوءًا بعَلامةِ التكلُّمِ : الهَمْزةِ أوِ النونِ ؛ لأنَّ المتكلمَ لا ينْهَى نفسَه إلا مَجَازًا ؛ وإذًا فالتَّسكِينُ يَكُونُ للضَّرُورةِ ؛ لِهَذا فَضَّلتُ الرِّوَايةََ التِي أثبتُّها ؛ لِأنَّ الْوَزْنَ بها مُستقِيمٌ ، وَلا ضَرُورةَ فيها .
ـ المرادُ بالمعَاصِي في قَوْلِ الشيخِ ما كَانَ دُونَ الشِّركِ كمَا جَاءَ في عنوانِ الفصْلِ والشَّرحِ ، وقدْ قيَّدْتُ ذلكَ في : النظم المفيد الحاوي عقيدة التوحيد للطحاوي ، فقلتُ :
1066. لَكِنْ بِشَرْطِ أنْ يَكُونَ مَا ارْتكَبْ...شِرْكًا فإنَّ الكُفْرَ بالشِّرْكِ وَجَبْ
1067 . وَلا يَكُونَ الشِّركُ مِنْ لوَازِمِهْ...كَالسِّحْرِ أَوْ تَرْكِ الصَّلاةِ اللَّازِمَهْ
واللهُ أعلمُ .
د ـ قولُهُ :
236 ـ أَمَّا مَتَى تُغْلَقُ عَنْ طَالِبِهَا ؟ ... فَبِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
لهذا البَيْتِ روايةٌ أخْرَى وَجَدْتُها في طبعَةِ : صبيح هَكذا :
كَذَاكَ لَا يَكُونُ سَدُّ بَابِهَا ... قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
وَالرِّوايتانِ صَحِيحتان ، ثُمَّ إِنَّ البَيْتَ ـ بِرِوَايَتَيْهِ ـ لا يُوجَدُ فِي نُسْخَةِ الشَّرْحِ .
يُتْبَعُ إنْ شَاءَ اللهُ
 
فَصْل:
فِي مَعْرِفَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَتَبْلِيغِِهِ الرِّسَالَةَ ، وِإِكْمَالِ اللَّهِ لَنَا بِهِ الدِّينَ ، وَأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ ، وَأَنَّ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بَعْدَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ .
237 ـ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ مِنْ هَاشِمِ ... إِلَى الذَّبِيحِ دُونَ شَكٍّ يَنْتَمِي
238 ـ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَيْنَا مُرْشِدَا ... وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدَى
239 ـ مَوْلِدُهُ بَمَكَّةَ الْمُطَهَّرَهْ ... هِجْرَتُهُ لِطَيْبَةَ الْمُنَوَّرَهْ
240 ـ بَعْدَ ارْبَعِينَ بَدَأَ الْوَحْيُ بِهِ ... ثُمَّ دَعَا إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ
241 ـ عَشْرَ سِنِينَ : أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا ... رَبًّا تَعَالَى شَأْنُهُ وَوَحِّدُوا
242 ـ وَكَانَ قَبْلَ ذَاكَ فِي غَارِ حِرَا ... يَخْلُو بِذِكْرِ رَبِّهِ عَنِ الْوَرَى
243 ـ وَبَعْدَ خَمْسِينَ مِنَ الْأَعْوَامِ ... مَضَتْ لِعُمْرِ سَيِّدِ الْأَنَامِ
244 ـ أَسْرَى بِهِ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الظُّلَمْ ... وَفَرَضَ الْخَمْسَ عَلَيْهِ وَحَتَمْ
245 ـ وَبَعْدَ أَعْوَامٍ ثَلَاثَةٍ مَضَتْ ... مِنْ بَعْدِ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ وَانْقَضَتْ
246 ـ أُوذِنَ بِالْهِجْرَةِ نَحْوَ يَثْرِبَا ... مَعْ كُلِّ مُسْلِمٍ لَهُ قَدْ صَحِبَا
247 ـ وَبَعْدَهَا كُلِّفَ بِالْقِتَالِ ... لِشِيعَةِ الْكُفْرَانِ وَالضَّلَالِ
248 ـ حَتَّى أَتَوْا لِلدِّينِ مُنْقَادِينَا ... وَدَخَلُوا فِي السِّلْمِ مُذْعِنِينَا
249 ـ وَبَعْدَ أَنْ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَهْ ... وَاسْتَنْقَذَ الْخَلْقَ مِنَ الْجَهَالَهْ
250 ـ وَأَكْمَلَ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَا ... وَقَامَ دِينُ الْحَقِّ وَاسْتَقَامَا
251 ـ قَبَضَهُ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى ... سُبْحَانَهُ إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى
252 ـ نَشْهَدُ بِالْحَقِّ بِلَا ارْتِيَابِ ... بِأَنَّهُ الْمُرْسَلُ بِالْكِتَابِ
253 ـ وَأَنَّهُ بَلَّغَ مَا قَدْ أُرْسِلَا ... بِهِ وَكُلَّ مَا إِلَيْهِ أُنْزِلَا
254 ـ وَكُلُّ مَنْ مِنْ بَعْدِهِ قَدِ ادَّعَى ... نُبُوَّةً فَكَاَذِبٌ فِيمَا ادَّعَى
255 ـ فَهْوَ خِتَامُ الرُّسْلِ بِاتِّفَاقِ ... وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ
تنبيهاتٌ :
أ ـ قولُهُ :
240 ـ بَعْدَ ارْبَعِينَ بَدَأَ الْوَحْيُ بِهِ ... ثُمَّ دَعَا إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ
كَلِمَةُ : ( أرْبَعِينَ ) تُضْبَطُ هنا بِجَعْلِ هَمْزَةِ الْقطْع فيها وصلًا ، وهَذا جائزٌ في الضَّرُورةِ ، وَإنْ كَانَ مُبْتَذلًا عِنْدَهُمْ ، وقدْ أشرْتُ إليهِ مِنْ قبلُ في نظم الضرورات بقوْلِي :
وَجَازَ في التَّغْييرِ قطْعُ مَا وُصِلْ *** مِنْ هَمْزةٍ وَعَكْسُهُ عِنْدي ابْتُذِلْ
ولا يَجُوزُ أنْ يقالَ هنا نقلٌ فإنَّ الحرفَ الذي يسبقُ الهمزةَ متحرِّكٌ وليسَ سَاكنًا .
ب ـ قولُهُ :
249 ـ وَبَعْدَ أَنْ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَهْ ... وَاسْتَنْقَذَ الْخَلْقَ مِنَ الْجَهَالَهْ
العروضُ والضَّربُ هنا مقطُوعَان ، وإلَّا وقعْنَا في الإِصرَافِ
ج ـ ( مَنْ ) في قولِهِ : ( وَكُلُّ مَنْ ) في البيت :
254 ـ وَكُلُّ مَنْ مِنْ بَعْدِهِ قَدِ ادَّعَى ... نُبُوَّةً فَكَاَذِبٌ فِيمَا ادَّعَى
اسمٌ موْصُولٌ ، و (مِنْ ) التي بَعْدَها حَرْفُ جَرٍّ
د ـ قولُهُ :
255 ـ فَهْوَ خِتَامُ الرُّسْلِ بِاتِّفَاقِ ... وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ
الهاءُ في ( فَهْوَ ) سَاكنةٌ ـ كما تقدَّم ـ
يُتْبَعُ إنْ شَاءَ اللهُ
 
فصْلٌ :
فِيمَنْ هُوَ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ بَعْدَ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللهُُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ،وَذِكْرِ الصَّحَابَةِ بِمَحَاسِنِهِمْ ، وَالكَفِّ عَنْ مَسَاوِئِهِمْ، وَمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ .
256 ـ وَبَعْدَهُ الْخَلِيفَةُ الشَّفِيقُ ... نِعْمَ نَقِيبُ الأُمَّةِ الصِّدِّيقُ
257 ـ ذَاكَ رَفِيقُ الْمُصْطَفَى فِي الْغَارِ ... شَيْخُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
258 ـ وَهْوَ الَّذِي بِنَفْسِهِ تَوَلَّى ... جِهَادَ مَنْ عَنِ الْهُدَى تَوَلَّى
259 ـ ثَانِيهِ فِي الْفَضْلِ بِلَا ارْتِيَابِ ... الصَّادِعُ النَّاطِقُ بِالصَّوَابِ
260 ـ أَعْنِي بِهِ الشَّهْمَ أَبَا حَفْصٍ عُمَرْ ... مَنْ ظَاهَرَ الدِّينَ الْقَوِيمَ وَنَصَرْ
261 ـ الصَّارِمُ الْمُنْكِي عَلَى الْكُفَّارِ ... وَمُوسِعُ الْفُتُوحِ فِي الْأَمْصَارِ
262 ـ ثَالِثُهُمْ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ ... ذُو الْحِلْمِ وَالْحَيَا بِغَيْرِ مَيْنِ
263 ـ بَحْرُ الْعُلُومِ جَامِعُ الْقُرْآنِ ... مِنْهُ اسْتَحَتْ مَلَائِكُ الرَّحْمَنِ
264 ـ بَايَعَ عَنْهُ سَيِّدُ الْأَكْوَانِ ... بِكَفِّهِ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ
265 ـ وَالرَّابِعُ ابْنُ عَمِّ خَيْرِ الرُّسُلِ ... أَعْنِي الْإِماَمَ الْحَقَّ ذَا الْقَدْرِ الْعَلِي
266 ـ مُبِيدُ كُلِّ خَارِجِيٍّ مَارِقِ ... وَكُلِّ خِبٍّ رَافِضِيٍّ فَاسِقِ
267 ـ مَنْ كَانَ لِلرَّسُولِ فِي مَكَانِ ... هَارُونَ مِنْ مُوسَى بِلَا نُكْرَانِ
268 ـ لَا فِي نُبُوَّةٍ فَقَدْ قَدَّمْتُ مَا ... يَكْفِي لِمَنْ مِنْ سُوءِ ظَنٍّ سَلِمَا
269 ـ فَالسِّتَّةُ الْمُكَمِّلُونَ الْعَشَرَهْ ... وَسَائِرُ الصَّحْبِ الْكِرَامِ الْبَرَرَهْ
270 ـ وَأَهْلُ بَيْتِِ الْمُصْطَفَى الْأَطْهَارُ ... وَتَابِعُوهُ السَّادَةُ الْأَخْيَارُ
271 ـ فَكُلُّهُمْ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ ... أَثْنَى عَلَيْهِمْ خَالِقُ الْأَكْوَانِ
272 ـ فِي الْفَتْحِ وَالْحَدِيدِ وَالْقِتَالِ ... وَغَيْرِهَا بِأَكْمَلِ الْخِصَالِ
273 ـ كَذَاكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ... صِفَاتُهُمْ مَعْلُومَةُ التَّفْصِيلِ
274 ـ وَذِكْرُهُمْ فِي سُنَّةِ الْمُخْتَارِ ... قَدْ سَارَ سَيْرَ الشَّمْسِ فِي الْأَقْطَارِ
275 ـ ثُمَّ السُّكُوتُ وَاجِبٌ عَمَا جَرَى ... بَيْنَهُمُ مِنْ فِعْلِ مَا قَدْ قُدِّرَا
276 ـ فَكُلُّهُمْ مُجْتَهِدٌ مُثَابُ ... وَخِطْؤُهُمْ يَغْفِرُهُ الْوَهَّابُ
تنبيهاتٌ :
أ ـ قولُهُ :
258 ـ وَهْوَ الَّذِي بِنَفْسِهِ تَوَلَّى ... جِهَادَ مَنْ عَنِ الْهُدَى تَوَلَّى
رغْمَ أنَّ الضربَ هو نفسُ العروضِ لفظًا ، إِلَّا أنهما اختلفا في المعنى ؛ وعليهِ فلا إيطَاءَ في البيتِ ؛ لأنَّ منْ شرْطِ الإيطاءِ تكرارَ كلمةِ الرويِّ لفظًا ومعنًي قبلَ سَبْعةِ أبياتٍ :
إِيطَاؤُهُمْ تكْرَارُ كِلْمةِ الرَّوِي *** لفظًا وَمَعْنًى قَبْلَ سَبْعٍ تَنْطَوِي
ب ـ قولُهُ :
261 ـ الصَّارِمُ الْمُنْكِي عَلَى الْكُفَّارِ ... وَمُوسِعُ الْفُتُوحِ فِي الْأَمْصَارِ
ـ الصارمُ في البيتِ بالرفعِ مِنَ الأخبارِ المتعدِّدةِ للمبتدأِ ( ثانيه في الفضل ) ، وقد قالَ ابنُ مالكٍ :
وأخْبَرُوا باثْنينِ أوْ بأكثرَا *** عنْ واحِدٍ كهمْ سُراة شُعَرا
ويجوزُ فيه النصبُ صفةً لـِ ( أبا حفص عمر ) ، وما قيلَ ـ هنا ـ يقالُ في ضبطِ كلمةِ : ( مبيد ) في قولِهِ :
266 ـ مُبِيدُ كُلِّ خَارِجِيٍّ مَارِقِ ... وَكُلِّ خِبٍّ رَافِضِيٍّ فَاسِقِ
ج ـ كَلِمَةُ : ( بينهم ) في قوْلِهِ :
275 ـ ثُمَّ السُّكُوتُ وَاجِبٌ عَمَا جَرَى ... بَيْنَهُمُ مِنْ فِعْلِ مَا قَدْ قُدِّرَا
تُنْطَقٌ بضمِّ الميمِ وَإشْباعِهَا أيْ : على الأصْلِ كمَا قَالَ أَخُونا في اللهِ الْبَازِيُّ .
د ـ (خطؤهم ) في قوْلِهِ :
276 ـ فَكُلُّهُمْ مُجْتَهِدٌ مُثَابُ ... وَخِطْؤُهُمْ يَغْفِرُهُ الْوَهَّابُ
تُنْطقُ بكَسْرِ الخاءِ ، وسُكونِ الطَّاءِ ، وَأخْطَأَ مَنْ ضَبَطَ الكَلِمَةَ هكذا : ( وَخَطَؤُهُمْ ) فقدْ توَالَى بِضَبْطِهِ ـ هَذا ـ خمْسُ حرَكاتٍ ، وهذا غيرُ جائزٍ في الشِّعْرِ مُطلقًا .
ه ـ قولُهُ :
270 ـ وَأَهْلُ بَيْتِِ الْمُصْطَفَى الْأَطْهَارُ ... وَتَابِعُوهُ السَّادَةُ الْأَخْيَارُ
يقْصِدُ الشَّيخُ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ بـِ ( تابعوه ) هُنا تابعِي النبيِّ ـ صلَّى الله عليهِ وسلَّم ـ وأَصْحَابِهُ ، وقدْ عطفَ الشيخُ ـ رَحِمَه اللهُ ـ في ( معارجِ القبولِ ) هذِهِ الكلمةَ على كلمةِ : ( المصطفى ) فقالَ :
وَأَهْلُ بَيْتِِ الْمُصْطَفَى الْأَطْهَارُ ... وَتَابِعِيهِ السَّادَة الْأَخْيَار
كَمَا جَاءَ في نُسْخَتي ، وَمِمَّا لا شكَّ فيه أنَّنا لوْ جَعَلْنا كَلَمَتَي : ( السادة والأخيار) بهذِه الرِّوايةِ نعْتينِ تابِعَين لوَقَعْنا فِي الإقوَاءِ ، لَكِنْ يمكنُ التخلُّصُ من ذلك لو قطَعْنا النعتَ عَنِ التَّبَعِيَّةِ إلى الرَّفعِ على أنَّه خَبَرٌ لمُبتدأٍ مَحْذوفٍ وُجوبًا تقديرُه : هُمْ ، كمَا قالَ ابنُ مَالكٍ :
وَارْفَعْ أَوِ انْصِبْ بَعْدَ قَطْعٍ مُضْمِرَا *** مُبْتَدَأً أَوْ نَاصِبًا لَنْ يَظْهَرَا
وَلوْ قالَ ـ رَحِمَهُ الله ـ :
وَأَهْلُ بَيْتِ المُصْطَفَى الْأَطْهَارُ *** وَالتَّابِعُونَ السَّادَةُ الْأَخْيَارُ
لكَانَ أفْضَلَ عِندي ، لمَ ؟ لا أدْري ، لَكنْ رُبَّمَا لِقَطْعِ احْتِمالِ العَطْفِ علَى كلِمَةِ : ( المُصْطفى ) ، وَتَعَيُّنِ العَطْفِ علَى المَرْفُوعِ ، فلا يكونُ ثمَّةَ مجالٌ للإقواءِ ، وعلى كٌلٍّ فالخطْبُ سَهْلٌ .
يُتْبَعُ إِنْ شَاءَ اللهُ
 
خَاتِمَةٌ :
فِي وُجُوبِ التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَالرُّجُوعِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ إِلَيْهِمَا ، فَمَا خَالَفَهُمَا فَهُوَ رَدٌّ .
277 ـ شَرْطُ قَبُولِ السَّعْيِ أَنْ يَجْتَمِعَا ... فِيهِ إِصَابَةٌ وَإِخْلَاصٌ مَعَا
278 ـ لِلَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ لَا سِوَاهُ ... مُوَافِقَ الشَّرْعَ الَّذِي ارْتَضَاهُ
279 ـ وَكُلُّ مَا خَالَفَ لِلْوَحْيَيْنِ ... فَإِنَّهُ رَدٌّ بِغَيْرِ مَيْنِ
280 ـ وَكُلُّ مَا فِيهِ الْخِلَافُ نُصِبَا ... فَرَدُّهُ إِلَيْهِمَا قَدْ وَجَبَا
281 ـ فَالدِّينُ إِنَّمَا أَتَى بِالنَّقْلِ ... لَيْسَ بِالَاوْهَامِ وَحَدْسِ الْعَقْلِ
282 ـ ثُمَّ إِلَى هُنَا قَدِ انْتَهَيْتُ ... وَتَمَّ مَا بِجَمْعِهِ عُنِيتُ
283 ـ سَمَّيْتُهُ بِسُلَّمِ الْوُصُولِ ... إِلَى سَمَا مَبَاحِثِ الْأُصُولِ
284 ـ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى انْتِهَائِي ... كَمَا حَمِدْتُ اللَّهَ فِي ابْتِدَائِي
285 ـ أَسْأَلُهُ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ ... جَمِيعِهَا وَالسَّتْرَ لِلْعُيُوبِ
286 ـ ثُمَّ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَبَدَا ... تَغْشَى الرَّسُولَ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدَا
287 ـ ثُمَّ جَمِيعَ صَحْبِهِ وَالْآلِ ... السَّادَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَبْدَالِ
288 ـ تَدُومُ سَرْمَدًا بِلَا نَفَادِ ... مَا جَرَتِ الْأَقْلَامُ بِالْمِدَادِ
289 ـ ثُمَّ الدُّعَا وَصِيَّةُ الْقُرَّاءِ ... جَمِيعِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَا اسْتِثْنَاءِ
290 ـ أَبْيَاتُهَا (يُسْرٌ) بِعَدِّ الْجُمَّلِ ... تَأْرِيخُهَا (الْغُفْرَانُ) فَافْهَمْ وَادْعُ لِي
تَمَّتْ وَبِالْخَيْرِ عَمَّتْ
تنبيهاتٌ :
أ ـ قولُهُ :
279 ـ وَكُلُّ مَا خَالَفَ لِلْوَحْيَيْنِ ... فَإِنَّهُ رَدٌّ بِغَيْرِ مَيْنِ
ضَبَطَ بعضُهُمْ البيْتَ هَكذا :
279 ـ وَكُلُّ مَا خَالَفَ الْوَحْيَيْنِ ... فَإِنَّهُ رَدٌّ بِغَيْرِ مَيْنِ
وَهُو بهذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ غيرَ مَوْزونٍ ، فلا بُدَّ إذَنْ مِنْ وُجُودِ اللَّامِ الَّتِي حَذفُوها ؛ لِيَسْتَقِيمَ الوَزْنُ ، ولوْ قالَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ :
279 ـ وَكُلُّ مَا يُخَالَفُ الْوَحْيَيْنِ ... فَإِنَّهُ رَدٌّ بِغَيْرِ مَيْنِ
لكَانَ أفْضَلَ مَعَ اسْتقامَةِ الوزنِ ، واللهُ أعلمُ .
ب ـ قوله :
281 ـ فَالدِّينُ إِنَّمَا أَتَى بِالنَّقْلِ ... لَيْسَ بِالَاوْهَامِ وَحَدْسِ الْعَقْلِ
كلمَةُ : ( الأوهام ) تُقرأُ بنقلِ حَرَكةِ الهمزةِ إلى اللَّامِ الساكنةِ قبْلَها ، وإسْقَاطِ الهمْزةِ ، أيْ بالنقلِ المعرُوفِ عندَ الْقُرَّاءِ .
ج ـ قولُهُ :
282 ـ ثُمَّ إِلَى هُنَا قَدِ انْتَهَيْتُ ... وَتَمَّ مَا بِجَمْعِهِ عُنِيتُ
الرِّدْفُ في الشَّطْرِ الْأَوَّلِ ( الياء ) حرفُ لينٍ ، بينما هُو في الشطر الثاني حرفُ مدٍّ ، وهذا عندي معيبٌ ، وإنْ كانَ جائِزًا لِلْمُولدينَ ، ولوْ أنَّه ـ رحمه الله ـ قال :
282 ـ ثُمَّ إِلَى هُنَا قَدِ انْتَهَيْتُ ... وَتَمَّ مَا بِجَمْعِهِ اعْتَنَيْتُ
لَسَلِمَ منْ هَذا .
د ـ قَوْلُهُ :
285 ـ أَسْأَلُهُ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ ... جَمِيعِهَا وَالسَّتْرَ لِلْعُيُوبِ
كلمةُ : ( السَّتر) في البَيْتِ ضبطُتُها بفتحِ السِّينِ مَصْدَرًا لِلْفِعلِ : سَتَرَ أيْ : أسألُهُ أنْ يَسْترَ عليَّ عُيوبي ، ويجوزُ أَنْ تُضْبَطَ بالْكَسْرِ : السِّتْر .
ه ـ كَلِمَةُ : ( جميع ) في قولِهِ :
287 ـ ثُمَّ جَمِيعَ صَحْبِهِ وَالْآلِ ... السَّادَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَبْدَالِ
معْطُوفةٌ عَلى كَلِمَةِ : ( الرسول ) في البيْتِ السَّابقِ ؛ فهِيَ منْصُوبةٌ .
و ـ قولُهُ :
289 ـ ثُمَّ الدُّعَا وَصِيَّةُ الْقُرَّاءِ ... جَمِيعِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَا اسْتِثْنَاءِ
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ .
ز ـ قوله :
290 ـ أَبْيَاتُهَا (يُسْرٌ) بِعَدِّ الْجُمَّلِ ... تَأْرِيخُهَا (الْغُفْرَانُ) فَافْهَمْ وَادْعُ لِي
الْيَاءُ في حسابِ الجمَّل بعشرةٍ ، والسينُ بستين ، والرَّاءُ بمائتين فيكونُ عددُ الأبياتِ مائتينِ وسبْعِينَ ، لكِنِ الأبيَاتُ بَلَغَتْ بالْعَدِّ مائتينِ وتِسْعِينَ ، فهَلَ أخْطأَ الشَّيْخُ ؟ لا ؛ لأنَّ الشَّيخَ أخرَجَ مِنْ عدِّهِ الْمُقَدِّمةَ والْخَاتمةَ ، واقتصرَ على عدِّ الأبياتِ الَّتِي فيها المسَائِلُ وَالأَحْكَامُ ؛ وَلهذا جَاءَ في رِوَايةٍ أخْرَى لهذَا البَيْتِ :
290 ـ أَبْيَاتُهَا الْمَقْصُودُ (يُسْرٌ ) فَاعْقِلِ ... تَأْرِيخُهَا (الْغُفْرَانُ) فَافْهَمْ وَادْعُ لِي
يقولُ الشَّيخُ في الشَّرْحِ : ( المقْصُودُ ) الذي فيهِ الأحْكَامُ وَالمسَائِلُ .
هَذا ، وَاللهُ أعلمُ .
 
إخواني في الله ،
السَّلام عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه ، وبعْدُ :
فقَدْ تَمَّ ـ بحمْدِ اللهِ تعَالى وتوْفِيقِهِ ـ ضَبْطُ منْظُومةِ : ( سُلَّم الْوُصُول إلى علْمِ الأصول ) الَّتِي خَدَمَ بها الشَّيخُ الحَكَمِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تعَالى ـ عَقِيدةَ السَّلَفِ ، التي إنْ دَانَ بها المرءُ ، وعَمِلَ صَالحًا ، فالفوزُ ـ بفضلِ اللهِ ـ سَيَكُونُ حَلِيفَهُ فِي الدُّنيَا والآخِرَةِ ، هذا ، ولا يَبْقَى عَليَّ إلا أنْ أضَعَ لكُمُ المنظومةَ كامِلةً مجرَّدةً ؛ لِيَقْرأَهَا مضْبُوطةً منْ أرادَ القراءةَ فقطْ ، دُونَ أنْ نشغلَهُ بتلكَ التنبيهاتِ ، وهَا هِيَ :
منظومةُ :
( سُلَّم الْوُصُولِ إِلَى عِلْمِ الْأُصُولِ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ الرَّسُولِ )
لِلْعَلاَّمَةِ الشَّيْخِ :
حَافِظِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَكَمِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ
1 ـ أَبْدَأُ بِاسْمِ اللَّهِ مُسْتَعِينَا ... رَاضٍ بِهِ مُدَبِّرًا مُعِينَا
2 ـ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا هَدَانَا ... إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَاجْتَبَانَا
3 ـ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهْ ... وَمِنْ مَسَاوِي عَمَلِي أَسْتَغْفِرُهْ
4 ـ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى نَيْلِ الرِّضَا ... وَأَسْتَمِدُّ لُطْفَهُ فِيمَا قَضَى
5 ـ وَبَعْدُ : إِنِّي بِالْيَقِينِ أَشْهَدُ ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ أَنْ لَا يُعْبَدُ
6 ـ بِالْحَقِّ مَأْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ ... مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ
7 ـ وَأَنَّ خَيْرَ خَلْقِهِ مُحَمَّدَا ... مَنْ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
8 ـ رَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ ... بِالنُّورِ وَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
9 ـ صَلَّى عَلَيهِ رَبُّنَا وَمَجَّدَا ... وَالْآلِ وَالصَّحْبِ دَوَامًا سَرْمَدَا
10 ـ وَبَعْدُ هَذَا النَّظْمُ فِي الْأُصُولِ ... لِمَنْ أَرَادَ مَنْهَجَ الرَّسُولِ
11 ـ سَأَلَنِي إِيَّاهُ مَنْ لَا بُدَّ لِي ... مِنِ امْتِثَالِ سُؤْلِهِ الْمُمْتَثَلِ
12 ـ فَقُلْتُ مَعْ عَجْزِي وَمَعْ إِشْفَاقِي ... مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدِيرِ الْبَاقِي
مُقَدِّمَةٌ :
تُعَرِّفُ الْعَبْدَ بِمَا خُلِقَ لَهُ ، وَبِأَوَّلِ مَا فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ،وَبِمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ الْمِيثَاقَ فِي ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَبِمَا هُو صَائِرٌ إِلَيْهِ .
13 ـ اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا ... لَمْ يَتْرُكِ الْخَلْقَ سُدًى وَهَمَلَا
14 ـ بَلْ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ ... وَبِالْإِلَهِيَّةِ يُفْرِدُوهُ
15 ـ أَخْرَجَ فِيمَا قَدْ مَضَى مِنْ ظَهْرِ ... آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ
16 ـ وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ ... لَا رَبَّ مَعْبُودٌ بِحَقٍّ غَيْرَهُ
17 ـ وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلَا ... لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلَا
18 ـ لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ ... وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ
19 ـ كَيْ لَا يَكُونَ حُجَّةٌ لِلنَّاسِ بَلْ ... لِلَّهِ أَعْلَى حُجَّةٍ عَزَّ وَجَلّْ
20 ـ فَمَنْ يُصَدِّقْهُمْ بِلَا شِقَاقِ ... فَقَدْ وَفَى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ
21 ـ وَذَاكَ نَاجٍ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ... وَذلِكَ الْوَارِثُ عُقْبَى الدَّارِ
22 ـ وَمَنْ بِهِمْ وَبِالْكِتَابِ كَذَّبَا ... وَلَازَمَ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ وَالْإِبَا
23 ـ فَذَاكَ نَاقِضٌ كِلَا الْعَهْدَيْنِ ... مُسْتَوْجِبٌ لِلْخِزْيِ فِي الدَّارَيْنِ
فَصْلٌ :
في انقسام التَّوحِيدِ إِلَى نَوْعَيْنِ ، وَبَيَانِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ تَوْحِيدُ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِثْبَاتِ .
24 ـ أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبِيدِ ... مَعْرِفَةُ الرَّحْمَنِ بِالتَّوْحِيدِ
25 ـ إِذْ هُوَ مِنْ كُلِّ الْأَوَامِرْ أَعْظَمُ ... وَهُوَ نَوْعَانِ أَيَا مَنْ يَفْهَمُ
26 ـ إِثْبَاتُ ذَاتِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا ... أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى صِفَاتِهِ الْعُلَى
27 ـ وَأَنَّهُ الرَّبُّ الْجَلِيلُ الْأَكْبَرُ ... الْخَالِقُ الْبَارِئُ وَالْمُصَوِّرُ
28 ـ بَارِي الْبَرَايَا مُنْشِئُ الْخَلَائِقِ ... مُبْدِعُهُمْ بِلَا مِثَالٍ سَابِقِ
29 ـ الْأَوَّلُ الْمُبْدِي بِلَا ابْتِدَاءِ ... وَالْآخِرُ الْبَاقِي بِلَا انْتِهَاءِ
30 ـ الْأَحَدُ الْفَرْدُ الْقَدِيرُ الَأَزَلِي ... الصَّمَدُ الْبَرُّ الْمُهَيْمِنُ الْعَلِي
31 ـ عُلُوَّ قَهْرٍ وَعُلُوَّ الشَّانِ ... جَلَّ عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَعْوَانِ
32 ـ كَذَا لَهُ الْعُلُوُّ وَالْفَوْقِيَّهْ ... عَلَى عِبَادِهِ بِلَا كَيْفِيَّهْ
33 ـ وَمَعَ ذَا مُطَّلِعٌ إلَيْهِمْ ... بِعِلْمِهِ مُهَيْمِنٌ عَلَيْهِمْ
34 ـ وَذِكْرُهُ لِلْقُرْبِ وَالْمَعِيَّةِ ... لَمْ يَنْفِ لِلْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ
35 ـ فَإِنَّهُ الْعَلِيُّ فِي دُنُوِّهِ ... وَهْوَ الْقَريِبُ جَلَّ فِي عُلُوِّهِ
36 ـ حَيٌّ وَقَيُّومٌ فَلَا يَنَامُ ... وَجَلَّ أَنْ يُشْبِهَهُ الْأَنَامُ
37 ـ لاَ تَبْلُغُ الْأَوْهَامُ كُنْهَ ذَاتِهِ ... وَلَا يُكَيِّفُ الْحِجَا صِفَاتِهِ
38 ـ بَاقٍ فَلَا يَفْنَي وَلَا يَبِيدُ ... وَلَا يَكُونُ غَيْرُ مَا يُرِيدُ
39 ـ مُنْفَرِدٌ بِالْخَلْقِ وَالْإِرَادَهْ ... وَحَاكِمٌ جَلَّ بِمَا أَرَادَهْ
40 ـ فَمَنْ يَشَأْ وَفَّقَهُ بِفَضْلِهِ ... وَمَنْ يَشَأْ أَضَلَّهُ بِعَدْلِهِ
41 ـ فَمِنْهُمُ الشَّقِيُّ وَالسَّعِيدُ ... وَذَا مُقَرَّبٌ وَذَا طَرِيدُ
42 ـ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ قَضَاهَا ... يَسْتَوْجِبُ الْحَمْدَ عَلَى اقْتِضَاهَا
43 ـ وَهْوَ الَّذِي يَرَى دَبِيبَ الذَّرِّ ... فِي الظُّلُمَاتِ فَوْقَ صُمِّ الصَّخْرِ
44 ـ وَسَامِعٌ لِلْجَهْرِ وَالْإِخْفَاتِ ... بِسَمْعِهِ الْوَاسِعِ لِلْأَصْوَاتِ
45 ـ وَعِلْمُهُ بِمَا بَدَا وَمَا خَفِي ... أَحَاطَ عِلْمًا بِالْجَليِّ وَالْخَفِي
46 ـ وَهْوَ الْغَنِي بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ ... جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَعَالَى شَانُهُ
47 ـ وَكُلُّ شَيْءٍ رِزْقُهُ عَلَيْهِ ... وَكُلُّنَا مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ
48 ـ كَلَّمَ مُوسَى عَبْدَهُ تَكْليِمَا ... وَلَمْ يَزَلْ بِخَلْقِهِ عَلِيمَا
49 ـ كَلَامُهُ جَلَّ عَنِ الْإِحْصَاءِ ... وَالْحَصْرِ وَالنَّفَادِ وَالْفَنَاءِ
50 ـ لَوْ صَارَ أَقْلَامًا جَمِيعُ الشَّجَرِ ... وَالْبَحْرُ يُلْقَى فِيهِ سَبْعُ أَبْحُرِ
51 ـ وَالْخَلْقُ تَكْتُبْهُ بِكُلِّ آنِ ... فَنَتْ وَلَيْسَ الْقَوْلُ مِنْهُ فَانِي
52 ـ وَالْقَوْلُ فِي كِتَابِهِ الْمُفَصَّلْ ... بِأَنَّهُ كَلَامُهُ الْمُنَزَّلْ
53 ـ عَلَى الرَّسُولِ الْمُصْطَفَى خَيْرِ الْوَرَى ... لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلَا بِمُفْتَرَى
54 ـ يُحْفَظُ بِالْقَلْبِ وَبِاللِّسَانِ ... يُتْلَى كَمَا يُسْمَعُ بِالْآذَانِ
55 ـ كَذَا بِالَابْصَارِ إِلَيْهِ يُنْظَرُ ... وَبِالْأَيَادِي خَطُّهُ يُسَطَّرُ
56 ـ وَكُلُّ ذِي مَخْلُوقَةٌ حَقِيقَهْ ... دُونَ كَلَامِ بَارِئِ الْخَلِيقَهْ
57 ـ جَلَّتْ صِفَاتُ رَبِّنَا الرَّحْمَنِ ... عَنْ وَصْفِهَا بِالْخَلْقِ وَالْحِدْثَانِ
58 ـ فَالصَّوْتُ وَالْأَلْحَانُ صَوْتُ الْقَارِي ... لَكِنَّمَا الْمَتْلُوُّ قَوْلُ الْبَارِي
59 ـ مَا قَالَهُ لاَ يَقْبَلُ التَّبْدِيلَا ... كَلَّا وَلَا أَصْدَقُ مِنْهُ قِيلَا
60 ـ وَقَدْ رَوَى الثِّقَاتُ عَنْ خَيْرِ الْمَلَا ... بِأنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَا
61 ـ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ يَنْزِلُ ... يَقُولُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُقْبَلُ ؟
62 ـ هَلْ مِنْ مُسِيءٍ طالِبٍ لِلْمَغْفِرَهْ ... يَجِدْ كَرِيمًا قَابِلًا لِلْمَعْذِرَهْ
63 ـ يَمُنُّ بِالْخَيْرَاتِ وَالْفَضَائِلْ ... وَيَسْتُرُ الْعَيْبَ وَيُعْطِي السَّائِلْ
64 ـ وَأنَّهُ يَجِيءُ يَوْمَ الْفَصْلِ ... كَمَا يَشَاءُ لِلْقَضَاءِ الْعَدْلِ
65 ـ وَأنَّهُ يُرَى بِلَا إِنْكَارِ ... فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ بِالْأَبْصَارِ
66 ـ كُلٌّ يَرَاهُ رُؤيَةَ الْعِيَانِ ... كَمَا أَتَى فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ
67 ـ وَفِي حَدِيثِ سَيِّدِ الْأَنَامِ ... مِنْ غَيْرِ مَا شَكٍّ وَلَا إِبْهَامِ
68 ـ رُؤْيَةَ حَقٍّ لَيْسَ يَمْتَرُونَهَا ... كَالشَّمْسِ صَحْوًا لَا سَحَابَ دُونَهَا
69 ـ وَخُصَّ بِالرُّؤْيَةِ أَوْلِيَاؤُهُ ... فَضِيلَةً وَحُجِبُوا أَعْدَاؤُهُ
70 ـ وَكُلُّ مَا لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ ... أَثْبَتَهَا في مُحْكَمِ الْآيَاتِ
71 ـ أَوْ صَحَّ فِيمَا قَالَهُ الرَّسُولُ ... فَحَقُّهُ التَّسْلِيمُ وَالْقَبُولُ
72 ـ نُمِرُّهَا صَرِيحَةً كَمَا أَتَتْ ... مَعَ اعْتِقَادِنَا لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ
73 ـ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلِ ... وَغَيْرِ تكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلِ
74 ـ بَلْ قَوْلُنَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى ... طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِِمْ قَدِ اهْتَدَى
75 ـ وَسَمِّ ذَا النَّوْعَ مِنَ التَّوْحِيدِ ... تَوْحِيدَ إِثْبَاتٍ بِلَا تَرْدِيدِ
76 ـ قَدْ أَفْصَحَ الْوَحيُ الْمُبِينُ عَنْهُ ... فَالْتَمِسِ الْهُدَى الْمُنِيرَ مِنْهُ
77 ـ لاَ تَتَّبِعْ أَقْوَالَ كُلِّ مَارِدِ ... غَاوٍ مُضِلٍّ مَارِقٍ مُعَانِدِ
78 ـ فَلَيْسَ بَعْدَ رَدِّ ذَا التِّبْيَانِ ... مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ
فَصْلٌ :
فِي بَيَانِ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيِ التَّوْحِيدِ ،وَهُوَ تَوْحِيدُ الطَّلَبِ وَالقَصْدِ ، وَهُوَ مَعْنَى ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) .
79 ـ هَذَا وَثَانِي نَوْعَيِ التَّوْحِيدِ ... إِفْرَادُ رَبِّ الْعَرْشِ عَنْ نَدِيدِ
80 ـ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ إِلَهًا وَاحِدَا ... مُعْتَرِفًا بِحَقِّهِ لَا جَاحِدَا
81 ـ وَهْوَ الَّذِي بِهِ الْإِلَهُ أَرْسَلَا ... رُسْلَهُ يَدْعُونَ إِلَيْهِ أَوَّلَا
82 ـ وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالتِّبْيَانَا ... مِنْ أَجْلِهِ وَفَرَقَ الْفُرْقَانَا
83 ـ وَكَلَّفَ اللَّهُ الرَّسُولَ الْمُجْتَبَى ... قِتَالَ مَنْ عَنْهُ تَوَلَّى وَأَبَى
84 ـ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ خَالِصًا لَهُ ... سِرًّا وَجَهْرًا دِقَّهُ وَجِلَّهُ
85 ـ وَهَكَذَا أُمَّتُهُ قَدْ كُلِّفُوا ... بِذَا وَفِي نَصِّ الْكِتَابِ وُصِفُوا
86 ـ وَقَدْ حَوَتْهُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ ... فَهْيَ سَبِيلُ الْفَوْزِ وَالسَّعَادَةِ
87 ـ مَنْ قَالَهَا مُعْتَقِدًا مَعْنَاهَا ... وَكَانَ عَامِلًا بِمُقْتَضَاهَا
88 ـ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَمَاتَ مُؤْمِنَا ... يُبْعَثُ يَوْمَ الْحَشْرِ نَاجٍ آمِنَا
89 ـ فَإِنَّ مَعْنَاهَا الَّذِي عَلَيْهِ ... دَلَّتْ يَقِينًا وَهَدَتْ إِلَيْهِ
90 ـ أَنْ لَيْسَ بِالْحَقِّ إِلَهٌ يُعْبَدُ ... إِلَّا الْإِلَهُ الْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ
91 ـ بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَبِالتَّدْبِيرِ ... جَلَّ عَنِ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ
92 ـ وَبِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ قَدْ قُيِّدَتْ ... وَفِي نُصُوصِ الْوَحْيِ حَقًّا وَرَدَتْ
93 ـ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ قَائِلُهَا ... بِالنُّطْقِ إِلَّا حَيْثُ يَسْتَكْمِلُهَا
94 ـ الْعِلْمُ وَالْيَقِينُ وَالْقَبُولُ ... وَالِانْقِيَادُ فَادْرِ مَا أَقُولُ
95 ـ وَالصِّدْقُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْمَحَبَّهْ ... وَفَّقَكَ اللَّهُ لِمَا أَحَبَّهْ
فَصْلٌ:
فِي تَعْرِيفِ الْعِبَادَةِ ، وَذِكْرِ بَعْضِ أَنْوَاعِهَا ، وَأَنَّ مَنْ صَرَفَ مِِنْهَا شَيْئًا لِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ .
96 ـ ثُمَّ الْعِبَادَةُ هِيَ اسْمٌ جَامِعُ ... لِكُلِّ مَا يَرْضَى الْإِلَهُ السَّامِعُ
97 ـ وَفِي الْحَدِيثِ مُخُّهَا الدُّعَاءُ ... خَوْفٌ تَوَكُّلٌ كَذَا الرَّجَاءُ
98 ـ وَرَغْبَةٌ وَرَهْبَةٌ خُشُوعُ ... وَخَشْيَةٌ إِنَابَةٌ خُضُوعُ
99 ـ وَالِاسْتِعَاذَةُ والِاسْتِعَانَهْ ... كَذَا اسْتِغَاثَةٌ بِهِ سُبْحَانَهْ
100 ـ وَالذَّبْحُ وَالنَّذْرُ وَغَيْرُ ذَلِكْ ... فَافْهَمْ هُدِيتَ أَوْضَحَ الْمَسَالِكْ
101 ـ وَصَرْفُ بَعْضِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ ... شِرْكٌ وَذَاكَ أَقْبَحُ الْمَنَاهِي
فَصْلٌ :
فِي بَيَانِ ضِدِّ التَّوْحِيدِ ، وَهُوَ الشَّرْكُ ،وَأَنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ : أَصْغَرَ وَأَكْبَرَ، وَبَيَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا.
102 ـ وَالشِّرْكُ نَوْعَانِ : فَشِرْكٌ أَكْبَرُ ... بِهِ خُلُودُ النَّارِ إِذْ لَا يُغْفَرُ
103 ـ وَهْوَ اتِّخَاذُ الْعَبْدِ غَيْرَ اللَّهِ ... نِدًّا بِهِ مُسَوِّيًا مُضَاهِي
104 ـ يَقْصِدُهُ عِنْدَ نُزُولِ الضُّرِّ ... لِجَلْبِ خَيْرٍ أَوْ لِدَفْعِ الشَّرِّ
105 ـ أَوْ عِنْدَ أَيِّ غَرَضٍ لْا يَقْدِرُ ... عَلَيْهِ إِلَّا الْمَالِكُ الْمُقْتَدِرُ
106 ـ مَعْ جَعْلِهِ لِذَلِكَ الْمَدَعُوِّ ... أَوِ الْمُعَظَّمِ أَوِ الْمَرْجُوِّ
107 ـ فِي الْغَيْبِ سُلْطَانًا بِهِ يَطَّلِعُ ... عَلَى ضَمِيرِ مَنْ إِلَيْهِ يَفْزَعُ
108 ـ وَالثَّانِ شِرْكٌ أَصْغَرٌ وَهْوَ الرِّيَا ... فَسَّرَهُ بِهِ خِتَامُ الْأَنْبِيَا
109 ـ وَمِنْهُ إِقْسَامٌ بِغَيْرِ الْبَارِي ... كَمَا أَتَى فِي مُحْكَمِ الْأَخْبَارِ
فَصْلٌ :
فِي بَيَانِ أُمُورٍ يَفعَلُهَا العَامَّةُ ؛ مِنْهَا مَا هُوَ شِرْكٌ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَبَيَانِ حُكْمِ الرُّقَى وَالتَّمَائِمِ .
110 ـ وَمَنْ يَثِقْ بِوَدْعَةٍ أَوْ نَابِ ... أَوْ حَلْقَةٍ أَوْ أَعْيُنِ الذِّئَابِ
111 ـ أَوْ خَيْطٍ اوْ عُضْوٍ مِنَ النُّسُورِ ... أَوْ وَتَرٍ أَوْ تُرْبَةِ الْقُبُورِ
112 ـ لِأَيِّ أَمْرٍ كَائِنٍ تَعَلَّقَهْ ... وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى مَا عَلَّقَهْ
113 ـ ثُمَّ الرُّقَى مِنْ حُمَةٍ أَوْ عَيْنِ ... فَإِنْ تَكُنْ مِنْ خَالِصِ الْوَحْيَيْنِ
114 ـ فَذَاكَ مِنْ هَدْيِ النَّبِي وَشِرْعَتِهْ ... وَذَاكَ لَا اخْتِلَافَ فِي سُنِّيَّتِهْ
115 ـ أَمَّا الرُّقَى الْمَجْهُولَةُ الْمَعَانِي ... فَذَاكَ وِسْوَاسٌ مِنَ الشَّيْطَانِ
116 ـ وَفِيهِ قَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ ... شِرْكٌ بِلَا مِرْيَةِ فَاحْذَرَنَّهُ
117 ـ إِذْ كُلُّ مَنْ يَقُولُهُ لَا يَدْرِي ... لَعَلَّهُ يَكُونُ مَحْضَ الْكُفْرِ
118 ـ أَوْ هُوَ مِنْ سِحْرِ الْيَهُودِ مُقْتَبَسْ ... عَلَى الْعَوَامِ لَبَّسُوهُ فَالْتَبَسْ
119 ـ فَحَذَرًا ثُمَّ حَذَارِ مِنْهُ ... لَا تَعْرِفِ الْحَقَّ وَتَنْأَى عَنْهُ
120 ـ وَفِي التَّمَائِمِ الْمُعَلَّقَاتِ ... إِنْ تَكُ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتِ
121 ـ فَالِاخْتِلَافُ وَاقِعٌ بَيْنَ السَّلَفْ ... فَبَعْضُهُمْ أَجَازَهَا وَالْبَعْضُ كَفّْ
122 ـ وَإِنْ تَكُنْ مِمَّا سِوَى الْوَحْيَيْنِ ... فَإِنَّهَا شِرْكٌ بِغَيْرِ مَيْنِ
123 ـ بَلْ إِنَّهَا قَسِيمَةُ الْأَزْلَامِ ... فِي الْبُعْدِ عَنْ سِيمَا أُولِي الْإِسْلَامِ
فَصْلٌ :
مِنَ الشِّركِ فِعْلُ مَنْ يَتَبَرَّكُ بِشَجَرَةٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ بُقْعَةٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ نَحْوِهَا ، يَتَّخِذُ ذَلِكَ الْمَكَانَ عِيدًا ، وَبَيَانُ أَنَّ الزِّيَارَةَ تَنقَسِمُ إِلَى : سُنِّيَّةٍ وَبِدْعِيَّةٍ وَشِرْكِيَّةٍ .
124 ـ هَذَا وَمِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ ... مِنْ غَيْرِ مَا تَرَدُّدٍ أَوْ شَكِّ
125 ـ مَا يَقْصِدُ الْجُهَّالُ مِنْ تَعْظِيمِ مَا ... لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِأَنْ يُعَظَّمَا
126 ـ كَمَنْ يَلُذْ بِبُقْعَةٍ أَوْ حَجَرِ ... أَوْ قَبْرِ مَيْتٍ أَوْ بِبَعْضِ الشَّجَرِ
127 ـ مُتَّخِذًا لِذَلِكَ الْمَكَانِ ... عِيدًا كَفِعْلِ عَابِدِي الْأَوْثَانِ
128 ـ ثُمَّ الزِّيَارَةُ عَلَى أَقْسَامِ ... ثَلَاثَةٍ يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ
129 ـ فَإِنْ نَوَى الزَّائِرُ فِيمَا أَضْمَرَهْ ... فِي نَفْسِهِ تَذْكِرَةً بِالْآخِرَهْ
130 ـ ثُمَّ الدُّعَا لَهُ وَلِلْأَمْوَاتِ ... بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ الزَّلَّاتِ
131 ـ وَلَمْ يَكُنْ شَدَّ الرِّحَالَ نَحْوَهَا ... وَلَمْ يَقُلْ هُجْرًا كَقَوْلِ السُّفَهَا
132 ـ فَتِلْكَ سُنَّةٌ أَتَتْ صَرِيحَهْ ... فِي السُّنَنِ الْمُثْبَتَةِ الصَّحِيحَهْ
133 ـ أَوْ قَصَدَ الدُّعَاءَ وَالتَّوَسُّلَا ... بِهِمْ إِلَى الرَّحْمَنِ جَلَّ وَعَلَا
134 ـ فَبِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ ضَلَالَهْ ... بَعِيدَةٌ عَنْ هَدْيِ ذِي الرِّسَالَهْ
135 ـ وَإِنْ دَعَا الْمَقْبُورَ نَفْسَهُ فَقَدْ ... أَشْرَكَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَجَحَدْ
136 ـ لَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ ... صَرْفًا وَلَا عَدْلًا فَيَعْفُو عَنْهُ
137 ـ إِذْ كُلُّ ذَنْبٍ مُوشِكُ الْغُفْرَانِ ... إِلَّا اتِّخَاذَ النِّدِّ لِلرَّحْمَنِ
فَصْلٌ :
فِي بَيانِ مَا وَقَعَ فِيهِ الْعَامَّةُ الْيَوْمَ مِمَّا يَفْعَلُونَهُ عِنْدَ الْقُبُورِ ،وَمَا يَرْتَكِبُونَهُ مِنَ الشِّركِ الصَّرِيحِ وَالْغُلُوِّ الْمُفْرِطِ فِي الْأَمْوَاتِ .
138 ـ وَمَنْ عَلَى الْقَبْرِ سِرَاجًا أَوْقَدَا ... أَوِ ابْتَنَى عَلَى الضَّرِيحِ مَسْجِدَا
139 ـ فَإِنَّهُ مُجَدِّدٌ جِهَارَا ... لِسُنَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
140 ـ كَمْ حَذَّرَ الْمُخْتَارُ عَنْ ذَا وَلَعَنْ ... فَاعِلَهُ كَمَا رَوَى أَهْلُ السُّنَنْ
141 ـ بَلْ قَدْ نَهَى عَنِ ارْتِفَاعِ الْقَبْرِ ... وَأَنْ يُزَادَ فِيهِ فَوْقَ الشِّبْرِ
142 ـ وَكُلُّ قَبْرٍ مُشْرِفٍ فَقَدْ أَمَرْ ... بِأَنْ يُسَوَّى هَكَذَا صَحَّ الْخَبَرْ
143 ـ وَحَذَّرَ الأُمَّةَ عَنْ إِطْرَائِهِ ... فَغَرَّهُمْ إِبْلِيسُ بِاسْتِجْرَائِهِ
144 ـ فَخَالَفُوهُ جَهْرَةً وَارْتَكَبُوا ... مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ وَلَمْ يَجْتَنِبُوا
145 ـ فَانْظُرْ إِلَيْهِمْ قَدْ غَلَوْا وَزَادُوا ... وَرَفَعُوا بِنَاءََهَا وَشَادُوا
146 ـ بِالشِّيدِ وَالْآجُرِّ وَالْأَحْجَارِ ... لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ
147 ـ وَلِلْقَنَادِيلِ عَلَيْهَا أَوْقَدُوا ... وَكَمْ لِوَاءٍ فَوْقَهَا قَدْ عَقَدُوا
148 ـ وَنَصَبُوا الْأَعْلَامَ وَالرَّايَاتِ ... وَافْتَتَنُوا بِالْأَعْظُمِ الرُّفَاتِ
149 ـ بَلْ نَحَرُوا فِي سُوحِهَا النَّحَائِرْ ... فِعْلَ أُولِي التَّسْيِيبِ وَالْبَحَائِرْ
150 ـ وَالْتَمَسُوا الْحَاجَاتِ مِنْ مَوْتَاهُمْ ... وَاتَّخَذُوا إلَهَهُمْ هَوَاهُمْ
151 ـ قَدْ صَادَهُمْ إبْلِيسُ فِي فِخَاخِهِ ... بَلْ بَعْضُهُمْ قَدْ صَارَ مِنْ أَفْرَاخِهِ
152 ـ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ... بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَبِاللِّسَانِ
153 ـ فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَبَاحَ ذَلِكْ ... وَأَوْرَطَ الْأُمَّةَ فِي الْمَهَالِكْ
154 ـ فَيَا شَدِيدَ الطَّوْلِ وَالْإِنْعَامِ ... إِلَيْكَ نَشْكُو مِحْنَةَ الْإِسْلَامِ
فَصْلٌ :
فِي بَيَانِ حَقيقَةِ السِّحْرِ وَحَدِّ السَّاحِرِ ،وَأَنَّ مِنْهُ عِلْمَ التَّنْجِيمِ ، وَذِكْرِ عُقُوبَةِ مَنْ صَدَّقَ كَاهِنًا
155 ـ وَالسَّحْرُ حَقٌّ وَلَهُ تَأْثِيرُ ... لَكِنْ بِمَا قَدَّرَهُ الْقَدِيرُ
156 ـ أَعْنِي بِذَا التَّقْدِيرِ مَا قَدْ قَدَّرَهْ ... فِي الْكَوْنِ لَا فِي الشِّرْعَةِ الْمُطَهَّرَهْ
157 ـ وَاحْكُمْ عَلَى السَّاحِرِ بِالتَّكْفِيرِ ... وَحَدُّهُ الْقَتْلُ بِلَا نَكِيرِ
158 ـ كَمَا أَتَى فِي السُّنَّةِ الْمُصَرِّحَهْ ... مِمَّا رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَصَحَّحَهْ
159 ـ عَنْ جُنْدَبٍ وَهَكَذَا في أَثَرِ ... أَمْرٌ بِقَتْلِهِمْ رُوِي عَنْ عُمَرِ
160 ـ وَصَحَّ عَنْ حَفْصَةََ عِنْدَ مَالِكِ ... مَا فِيهِ أَقْوَى مُرْشِدٍ لِلسَّالِكِ
161 ـ هَذَا وَمِنْ أَنْوَاعِهِ وَشُعَبِهْ ... عِلْمُ النُّجُومِ فَادْرِ هَذَا وَانْتَبِهْ
162ـ وَحَلُّهُ بِالْوَحْيِ نَصًّا يُشْرَعُ ... أَمَّا بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَيُمْنَعُ
163 ـ وَمَنْ يُصَدِّقْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرْ ... بِمَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ الْمُعْتَبَرْ
فَصْلٌ :
يَجْمَعُ مَعْنَى حَدِيثِ جِبْريلَ الْمَشهُورِ فِي تَعلِيمِنَا الدِّينَ ،وَأَنَّهُ يَنقَسِمُ إِلَى ثَلاثِ مَراتِبَ : الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ ، وَبَيَانَ أَرْكَانِ كُلٍّ مِنْهَا .
164 ـ اعْلَمْ بِأَنَّ الدِّينَ قَوْلٌ وَعَمَلْ ... فَاحْفَظْهُ وَافْهَمْ مَا عَلَيْهِ ذَا اشْتَمَلْ
165 ـ كَفَاكَ مَا قَدْ قَالَهُ الرَّسُولُ ... إِذْ جَاءَهُ يَسْأَلُهُ جِبْرِيلُ
166 ـ عَلَى مَرَاتِبَ ثَلاَثٍ فَصَّلَهْ ... جَاءَتْ عَلَى جَمِيعِهِ مُشْتَمِلَهْ
167 ـ اْلِاسْلَامِ والْإِيمَانِ والْإِحْسَانِ ... وَالْكُلُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَرْكَانِ
168 ـ فَقَدْ أَتَى : ( الْإِسْلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى ... خَمْسٍ ) فَحَقِّقْ وَادْرِ مَا قَدْ نُقِلَا
169 ـ أَوَّلُهَا الرُّكْنُ الْأَسَاسُ الْأَعْظَمُ ... وَهْوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الْأَقْوَمُ
170 ـ رُكْنُ الشَّهَادَتَيْنِ فَاثْبُتْ وَاعْتَصِمْ ... بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لَا تَنْفَصِمْ
171 ـ وَثَانِيًا إِقَامَةُ الصَّلَاةِ ... وَثَالِثًا تَأْدِيَةُ الزَّكَاةِ
172 ـ وَالرَّابِعُ الصِّيَامُ فَاسْمَعْ وَاتَّبِعْ ... وَالْخَامِسُ الْحَجُّ عَلَى مَنْ يَسْتَطِعْ
173 ـ فَتِلْكَ خَمْسَةٌ وَلِلْإِيمَانِ ... سِتَّةُ أَرْكَانٍ بِلَا نُكْرَانِ
174 ـ إِيمَانُنَا بِاللَّهِ ذِي الْجَلَالِ ... وَمَا لَهُ مِنْ صِفَةِ الْكَمَالِ
175 ـ وَبِالْمَلائِكِ الْكِرَامِ الْبَرَرَهْ ... وَكُتْبِهِ الْمُنْزَلَةِ الْمُطَهَّرَهْ
176 ـ وَرُسْلِهِ الْهُدَاةِ لِلْأَنَامِ ... مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ وَلَا إِيهَامِ
177 ـ أَوَّلُهُمْ نُوحٌ بِلَا شَكٍّ كَمَا ... أَنَّ مُحَمَّدًا لَهُمْ قَدْ خَتَمَا
178 ـ وَخَمْسَةٌ مِنْهُمْ أُولُو الْعَزْمِ الأُلَى ... فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَالشُّورَى تَلَا
179 ـ وَبِالْمَعَادِ ايقَنْ بِلَا تَرَدُّدِ ... وَلَا ادِّعَا عِلْمٍ بِوَقْتِ الْمَوْعِدِ
180 ـ لَكِنَّنَا نُؤْمِنُ مِنْ غَيْرِ امْتِرَا ... بِكُلِّ مَا قَدْ صَحَّ عَنْ خَيْرِ الْوَرَى
181 ـ مِنْ ذِكْرِ آيَاتٍ تَكُونُ قَبْلَهَا ... وَهْيَ عَلَامَاتٌ وَأَشْرَاطٌ لَهَا
182 ـ وَيَدْخُلُ الْإِيمَانُ بِالْمَوْتِ وَمَا ... مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعِبَادِ حُتِمَا
183 ـ وَأَنَّ كُلًّا مُقْعَدٌ مَسْئُولُ ... مَا الرَّبُّ مَا الدِّينُ وَمَا الرَّسُولُ ؟
184 ـ وَعِنْدَ ذَا يُثَبِّتُ الْمُهَيْمِنُ ... بِثَابِتِ الْقَوْلِ الَّذِينَ آمَنُوا
185 ـ وَيُوقِنُ الْمُرْتَابُ عِنْدَ ذَلِكْ ... بِأَنَّهُ مَوْرِدُهُ الْمَهَالِكْ
186 ـ وَبِاللِّقَا وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ... وَبِقِيَامِنَا مِنَ الْقُبُورِ
187 ـ غُرْلًا حُفَاةً كَجَرَادٍ مُنْتَشِرْ ... يَقُولُ ذُو الْكُفْرَانِ : ذَا يَوْمٌ عَسِرْ
188 ـ وَيُجْمَعُ الْخَلْقُ لِيَوْمِ الْفَصْلِ ... جَمِيعُهُمْ عُلْوِيُّهُمْ وَالسُّفْلِي
189 ـ فِي مَوْقِفٍ يَجِلُّ فِيهِ الْخَطْبُ ... وَيَعْظُمُ الْهَوْلُ بِهِ وَالْكَرْبُ
190 ـ وَأُحْضِرُوا لِلْعَرْضِ وَالْحِسَابِ ... وَانْقَطَعَتْ عَلَائِقُ الْأَنْسَابِ
191 ـ وَارْتَكَمَتْ سَحَائِبُ الْأَهْوَالِ ... وَانْعَجَمَ الْبَلِيغُ فِي الْمَقَالِ
192 ـ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْقَيُّومِ ... وَاقْتُصَّ مِنْ ذِي الظُّلْمِ لِلْمَظْلُومِ
193 ـ وَسَاوَتِ الْمُلُوكُ لِلْأَجْنَادِ ... وَجِيءَ بِالْكِتَابِ وَالْأَشْهَادِ
194 ـ وَشَهِدَ الْأَعْضَاءُ وَالْجَوَارِحُ ... وَبَدَتِ السَّوْءَاتُ وَالْفَضَائِحُ
195 ـ وَابْتُلِيَتْ هُنَالِكَ السَّرَائِرْ ... وَانْكَشَفَ الْمَخْفِيُّ فِي الضَّمَائِرْ
196 ـ وَنُشِرَتْ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ ... تُؤْخَذُ بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ
197 ـ طُوْبَى لِمَنْ يَأْخُذُ بِالْيَمِينِ ... كِتَابَهُ بُشْرَى بِحُورٍ عِينِ
198 ـ وَالْوَيْلُ لِلْآخِذِ بِالشِّمَالِ ... وَرَاءَ ظَهْرٍ لِلْجَحِيمِ صَالِ
199 ـ وَالْوَزْنُ بِالْقِسْطِ فَلَا ظُلْمَ وَلَا ... يُؤْخَذُ عَبْدٌ بِسِوَى مَا عَمِلَا
200 ـ فَبَيْنَ نَاجٍ رَاجِحٍ مِيزَانُهُ ... وَمُقْرِفٍ أَوْبَقَهُ عُدْوَانُهُ
201 ـ وَيُنْصَبُ الْجِسْرُ بِلَا امْتِرَاءِ ... كَمَا أَتَى فِي مُحْكَمِ الْأَنْبَاءِ
202 ـ يَجُوزُهُ النَّاسُ عَلَى أَحْوَالِ ... بِقَدْرِ كَسْبِهِمْ مِنَ الْأَعْمَالِ
203 ـ فَبَيْنَ مُجْتَازٍ إِلَى الْجِنَانِ ... وَمُسْرِفٍ يُكَبُّ فِي النِّيرَانِ
204 ـ وَالنَّارُ وَالْجَنَّةُ حَقٌ وَهُمَا ... مَوْجُودَتَانِ لَا فَنَاء لَهُمَا
205 ـ وَحَوْضُ خَيْرِ الْخَلْقِ حَقٌّ وَبِهِ ... يَشْرَبُ فِي الْأُخْرَى جَمِيعُ حِزْبِهِ
206 ـ كَذَا لَهُ لِِوَاءُ حَمْدٍ يُنْشَرُ ... وَتَحْتَهُ الرُّسْلُ جَمِيعًا تُحْشَرُ
207 ـ كَذَا لَهُ الشَّفَاعَةُ العُظْمَى كَمَا ... قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَا تَكَرُّمَا
208 ـ مِنْ بَعْدِ إِذْنِ اللَّهِ لَا كَمَا يَرَى ... كُلُّ قُبُورِيٍّ عَلَى اللَّهِ افْتَرَى
209 ـ يَشْفَعُ أَوَّلًا إِلَى الرَّحْمَنِ فِي ... فَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ
210 ـ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَطْلُبَهَا النَّاسُ إِلَى ... كُلِّ أُولِي الْعَزْمِ الْهُدَاةِ الفُضَلَا
211 ـ وَثَانِيًا يَشْفَعُ فِي اسْتِفْتَاحِ ... دَارِ النَّعِيمِ لِأُولِي الْفَلَاحِ
212 ـ هَذَا وَهَاتَانِ الشَّفَاعَتَانِ ... قَدْ خُصَّتَا بِهِ بِلَا نُكْرَانِ
213 ـ وَثَالِثًا يَشْفَعُ فِي أَقْوَامِ ... مَاتُوا عَلَى دِينِ الْهُدَى الْإِسْلَامِ
214 ـ وَأَوْبَقَتْهُمْ كَثْرَةُ الْْآثَامِ ... فَأُدْخِلُوا النَّارَ بِذَا الْإِجْرَامِ
215 ـ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا إِلَى الْجِنَانِ ... بِفَضْلِ رَبِّ الْعَرْشِ ذِي الْإِحْسَانِ
216 ـ وَبَعْدَهُ يَشْفَعُ كُلُّ مُرْسَلِ ... وَكُلُّ عَبْدٍ ذِي صَلَاحٍ وَوَلِي
217 ـ وَيُخْرِجُ اللَّهُ مِنَ النِّيرَانِ ... جَمِيعَ مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ
218 ـ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ يُطْرَحُونَا ... فَحْمًا فَيَحْيَوْنَ وَيَنْبُتُونَا
219 ـ كَأَنَّمَا يَنْبُتُ فِي هَيْئَاتِهِ ... حِبُّ حَمِيلِ السَّيْلِ فِي حَافَاتِهِ
220 ـ وَالسَّادِسُ الْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ ... فَأَيْقِنَنْ بِهَا وَلَا تُمَارِ
221 ـ فَكُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرْ ... وَالْكُلُّ فِي أُمِّ الْكِتَابِ مُسْتَطَرْ
222 ـ لَا نَوْءَ لَا عَدْوَى وَلَا طَيْرَ وَلَا ... عَمَّا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى حِوَلَا
223 ـ لَا غُولَ لَا هَامَةَ لَا وَلَا صَفَرْ ... كَمَا بِذَا أَخْبَرَ سَيِّدُ الْبَشَرْ
224 ـ وَثَالِثٌ مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ ... وَتِلْكَ أَعْلَاهَا لَدَى الرَّحْمَنِ
225 ـ وَهْوَ رُسُوخُ الْقَلْبِ فِي الْعِرْفَانِ ... حَتَّى يَكُونَ الْغَيْبُ كَالْعِيَانِ
فَصْلٌ :
فِي كَوْنِ الْإِيمَانِ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ ،وَأَنَّ فَاسِقَ أَهْلِ الْمِلَّةِ لَا يُكَفَّرُ بِذَنْبٍ دُونَ الشِّركِ إِلَّا إِذَا اسْتَحَلَّهُ ، وَأَنَّهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ ، وَأَنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ .
226 ـ إِيمَانُنَا يَزِيدُ بِالطَّاعَاتِ ... وَنَقْصُهُ يَكُونُ بِالزَّلَّاتِ
227 ـ وَأَهْلُهُ فِيهِ عَلَى تَفَاضُلِ ... هَلْ أَنْتَ كَالْأَمْلَاكِ أَوْ كَالرُّسُلِ
228 ـ وَالْفَاسِقُ الْمِلِّيُّ ذُو الْعِصْيَانِ ... لَمْ يُنْفَ عَنْهُ مُطْلَقُ الْإِيمَانِ
229 ـ لَكِنْ بِقَدْرِ الْفِسْقِ وَالْمَعَاصِي ... إِيمَانُهُ مَا زَالَ فِي انْتِقَاصِ
230 ـ وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ فِي النَّارِ ... مُخَلَّدٌ ، بَلْ أَمْرُهُ لِلْبَارِي
231 ـ تَحْتَ مَشِيئَةِ الْإِلَهِ النَّافِذَهْ ... إِنْ شَا عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَا آخَذَهْ
232 ـ بِقَدْرِ ذَنْبِهْ وَإِلَى الْجِنَانِ ... يُخْرَجُ إِنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ
233 ـ وَالْعَرْضُ تَيْسِيرُ الْحِسَابِ فِي النَّبَا ... وَمَنْ يُنَاقَشِ الْحِسَابَ عُذِّبَا
234 ـ وَلَا تُكَفِّرْ بِالْمَعَاصِي مُؤْمِنَا ... إِلَّا مَعَ اسْتِحْلَالِهِ لِمَا جَنَى
235 ـ وَتُقْبَلُ التَّوْبَةُ قَبْلَ الْغَرْغَرَهْ ... كَمَا أَتَى فِي الشِّرْعَةِ الْمُطَهَّرَهْ
236 ـ أَمَّا مَتَى تُغْلَقُ عَنْ طَالِبِهَا ؟ ... فَبِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
فَصْل:
فِي مَعْرِفَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَتَبْلِيغِِهِ الرِّسَالَةَ ، وِإِكْمَالِ اللَّهِ لَنَا بِهِ الدِّينَ ، وَأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ ، وَأَنَّ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بَعْدَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ .
237 ـ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ مِنْ هَاشِمِ ... إِلَى الذَّبِيحِ دُونَ شَكٍّ يَنْتَمِي
238 ـ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَيْنَا مُرْشِدَا ... وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدَى
239 ـ مَوْلِدُهُ بَمَكَّةَ الْمُطَهَّرَهْ ... هِجْرَتُهُ لِطَيْبَةَ الْمُنَوَّرَهْ
240 ـ بَعْدَ ارْبَعِينَ بَدَأَ الْوَحْيُ بِهِ ... ثُمَّ دَعَا إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ
241 ـ عَشْرَ سِنِينَ : أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا ... رَبًّا تَعَالَى شَأْنُهُ وَوَحِّدُوا
242 ـ وَكَانَ قَبْلَ ذَاكَ فِي غَارِ حِرَا ... يَخْلُو بِذِكْرِ رَبِّهِ عَنِ الْوَرَى
243 ـ وَبَعْدَ خَمْسِينَ مِنَ الْأَعْوَامِ ... مَضَتْ لِعُمْرِ سَيِّدِ الْأَنَامِ
244 ـ أَسْرَى بِهِ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الظُّلَمْ ... وَفَرَضَ الْخَمْسَ عَلَيْهِ وَحَتَمْ
245 ـ وَبَعْدَ أَعْوَامٍ ثَلَاثَةٍ مَضَتْ ... مِنْ بَعْدِ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ وَانْقَضَتْ
246 ـ أُوذِنَ بِالْهِجْرَةِ نَحْوَ يَثْرِبَا ... مَعْ كُلِّ مُسْلِمٍ لَهُ قَدْ صَحِبَا
247 ـ وَبَعْدَهَا كُلِّفَ بِالْقِتَالِ ... لِشِيعَةِ الْكُفْرَانِ وَالضَّلَالِ
248 ـ حَتَّى أَتَوْا لِلدِّينِ مُنْقَادِينَا ... وَدَخَلُوا فِي السِّلْمِ مُذْعِنِينَا
249 ـ وَبَعْدَ أَنْ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَهْ ... وَاسْتَنْقَذَ الْخَلْقَ مِنَ الْجَهَالَهْ
250 ـ وَأَكْمَلَ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَا ... وَقَامَ دِينُ الْحَقِّ وَاسْتَقَامَا
251 ـ قَبَضَهُ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى ... سُبْحَانَهُ إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى
252 ـ نَشْهَدُ بِالْحَقِّ بِلَا ارْتِيَابِ ... بِأَنَّهُ الْمُرْسَلُ بِالْكِتَابِ
253 ـ وَأَنَّهُ بَلَّغَ مَا قَدْ أُرْسِلَا ... بِهِ وَكُلَّ مَا إِلَيْهِ أُنْزِلَا
254 ـ وَكُلُّ مَنْ مِنْ بَعْدِهِ قَدِ ادَّعَى ... نُبُوَّةً فَكَاَذِبٌ فِيمَا ادَّعَى
255 ـ فَهْوَ خِتَامُ الرُّسْلِ بِاتِّفَاقِ ... وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ
فصْلٌ :
فِيمَنْ هُوَ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ بَعْدَ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللهُُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ،وَذِكْرِ الصَّحَابَةِ بِمَحَاسِنِهِمْ ، وَالكَفِّ عَنْ مَسَاوِئِهِمْ، وَمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ .
256 ـ وَبَعْدَهُ الْخَلِيفَةُ الشَّفِيقُ ... نِعْمَ نَقِيبُ الأُمَّةِ الصِّدِّيقُ
257 ـ ذَاكَ رَفِيقُ الْمُصْطَفَى فِي الْغَارِ ... شَيْخُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
258 ـ وَهْوَ الَّذِي بِنَفْسِهِ تَوَلَّى ... جِهَادَ مَنْ عَنِ الْهُدَى تَوَلَّى
259 ـ ثَانِيهِ فِي الْفَضْلِ بِلَا ارْتِيَابِ ... الصَّادِعُ النَّاطِقُ بِالصَّوَابِ
260 ـ أَعْنِي بِهِ الشَّهْمَ أَبَا حَفْصٍ عُمَرْ ... مَنْ ظَاهَرَ الدِّينَ الْقَوِيمَ وَنَصَرْ
261 ـ الصَّارِمُ الْمُنْكِي عَلَى الْكُفَّارِ ... وَمُوسِعُ الْفُتُوحِ فِي الْأَمْصَارِ
262 ـ ثَالِثُهُمْ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ ... ذُو الْحِلْمِ وَالْحَيَا بِغَيْرِ مَيْنِ
263 ـ بَحْرُ الْعُلُومِ جَامِعُ الْقُرْآنِ ... مِنْهُ اسْتَحَتْ مَلَائِكُ الرَّحْمَنِ
264 ـ بَايَعَ عَنْهُ سَيِّدُ الْأَكْوَانِ ... بِكَفِّهِ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ
265 ـ وَالرَّابِعُ ابْنُ عَمِّ خَيْرِ الرُّسُلِ ... أَعْنِي الْإِماَمَ الْحَقَّ ذَا الْقَدْرِ الْعَلِي
266 ـ مُبِيدُ كُلِّ خَارِجِيٍّ مَارِقِ ... وَكُلِّ خِبٍّ رَافِضِيٍّ فَاسِقِ
267 ـ مَنْ كَانَ لِلرَّسُولِ فِي مَكَانِ ... هَارُونَ مِنْ مُوسَى بِلَا نُكْرَانِ
268 ـ لَا فِي نُبُوَّةٍ فَقَدْ قَدَّمْتُ مَا ... يَكْفِي لِمَنْ مِنْ سُوءِ ظَنٍّ سَلِمَا
269 ـ فَالسِّتَّةُ الْمُكَمِّلُونَ الْعَشَرَهْ ... وَسَائِرُ الصَّحْبِ الْكِرَامِ الْبَرَرَهْ
270 ـ وَأَهْلُ بَيْتِِ الْمُصْطَفَى الْأَطْهَارُ ... وَتَابِعُوهُ السَّادَةُ الْأَخْيَارُ
271 ـ فَكُلُّهُمْ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ ... أَثْنَى عَلَيْهِمْ خَالِقُ الْأَكْوَانِ
272 ـ فِي الْفَتْحِ وَالْحَدِيدِ وَالْقِتَالِ ... وَغَيْرِهَا بِأَكْمَلِ الْخِصَالِ
273 ـ كَذَاكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ... صِفَاتُهُمْ مَعْلُومَةُ التَّفْصِيلِ
274 ـ وَذِكْرُهُمْ فِي سُنَّةِ الْمُخْتَارِ ... قَدْ سَارَ سَيْرَ الشَّمْسِ فِي الْأَقْطَارِ
275 ـ ثُمَّ السُّكُوتُ وَاجِبٌ عَمَا جَرَى ... بَيْنَهُمُ مِنْ فِعْلِ مَا قَدْ قُدِّرَا
276 ـ فَكُلُّهُمْ مُجْتَهِدٌ مُثَابُ ... وَخِطْؤُهُمْ يَغْفِرُهُ الْوَهَّابُ
خَاتِمَةٌ :
فِي وُجُوبِ التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَالرُّجُوعِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ إِلَيْهِمَا ، فَمَا خَالَفَهُمَا فَهُوَ رَدٌّ .
277 ـ شَرْطُ قَبُولِ السَّعْيِ أَنْ يَجْتَمِعَا ... فِيهِ إِصَابَةٌ وَإِخْلَاصٌ مَعَا
278 ـ لِلَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ لَا سِوَاهُ ... مُوَافِقَ الشَّرْعَ الَّذِي ارْتَضَاهُ
279 ـ وَكُلُّ مَا خَالَفَ لِلْوَحْيَيْنِ ... فَإِنَّهُ رَدٌّ بِغَيْرِ مَيْنِ
280 ـ وَكُلُّ مَا فِيهِ الْخِلَافُ نُصِبَا ... فَرَدُّهُ إِلَيْهِمَا قَدْ وَجَبَا
281 ـ فَالدِّينُ إِنَّمَا أَتَى بِالنَّقْلِ ... لَيْسَ بِالَاوْهَامِ وَحَدْسِ الْعَقْلِ
282 ـ ثُمَّ إِلَى هُنَا قَدِ انْتَهَيْتُ ... وَتَمَّ مَا بِجَمْعِهِ عُنِيتُ
283 ـ سَمَّيْتُهُ بِسُلَّمِ الْوُصُولِ ... إِلَى سَمَا مَبَاحِثِ الْأُصُولِ
284 ـ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى انْتِهَائِي ... كَمَا حَمِدْتُ اللَّهَ فِي ابْتِدَائِي
285 ـ أَسْأَلُهُ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ ... جَمِيعِهَا وَالسَّتْرَ لِلْعُيُوبِ
286 ـ ثُمَّ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَبَدَا ... تَغْشَى الرَّسُولَ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدَا
287 ـ ثُمَّ جَمِيعَ صَحْبِهِ وَالْآلِ ... السَّادَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَبْدَالِ
288 ـ تَدُومُ سَرْمَدًا بِلَا نَفَادِ ... مَا جَرَتِ الْأَقْلَامُ بِالْمِدَادِ
289 ـ ثُمَّ الدُّعَا وَصِيَّةُ الْقُرَّاءِ ... جَمِيعِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَا اسْتِثْنَاءِ
290 ـ أَبْيَاتُهَا (يُسْرٌ) بِعَدِّ الْجُمَّلِ ... تَأْرِيخُهَا (الْغُفْرَانُ) فَافْهَمْ وَادْعُ لِي
تَمَّتْ وَبِالْخَيْرِ عَمَّتْ
والحمدُ للهِ أوَّلًا وَآخِرًا
 
إخواني في الله ،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعدُ :
فمعذرةً ـ يا إخواني ـ إِنْ كنتُ وضعتُ مشاركاتِ ضبطِ المنظومةِ متتاليةً متتابعةً ، دونَ أن أتيحَ لكم الفرصة للإدلاء بآرائكم وملاحظاتكم ـ كما وعدتُكم ـ في المشَاركةِ الأولى ؛ ذلكَ لأنَّهُ جدَّتْ أمورٌ تحولُ دُونَ أنْ أتواجدَ على الشبكةِ اعتبارًا من أول : أبريل ، وهذه الأمورُ منها ما يتعلق بنظري ، ومنها ما يتعلَّق بأولادي الذين هم بالثانوية العامة ، ولا أريدُ أن أشغلهم بالنت في هذه الفترة ؛ لهذا كنتُ حريصًا على أن أنهي المشَاركاتِ اليومَ ، فمعْذرةً يا إخواني ، وإنْ شاءَ اللهُ سوف أعاودُ الاتصالَ بكم قريبا ، ومن كانت لديه ملاحظةٌ أو سؤالٌ ، فليسألْ أخانا في الله أبا مالك العوضي يجدْ عنده الجواب ، وإنْ شاءَ اللهُ سوف أعاودُ الاتصالَ بكم قريبا ،
يا من يعز علينا أن نفارقَهم *** وجداننا كل شيء بعدكم عدم
هذا ، وأستودعُ اللهَ دينَكم وأماناتِكم وخواتيمَ أعمالِكم ،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
عودة
أعلى