ضبط المصاحف واختيارات القراء

إنضم
11/07/2012
المشاركات
604
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
العراق
السلام على آل الله ورحمة الله وبركاته
لأن موضوعي السابق (وفق اي قراءة كان ضبط المصحف حينها؟) قد تعرض للتشويه فسأعيد صياغة موضوعي بعنوان جديد:
(ضبط المصاحف واختيارات القراء)
وكلي أمل ان لا تُكرر المأساة ثانية.
بالنظر لكوني طبيب قضيت جل عمري بين مريض يئن ودواء يوصف فلا اطلاع عندي كما هو لديكم كمتخصصين في علوم القرآن اجمالا والتجويد والقراءات خصوصا فقد يعتمل في تصوراتكم ما اتصوره وتنقدح شرارة بحث ليس من اختصاصي متابعته، فصلتي بما لديكم صلة المثقف بالثقافة العامة، فلا يحق لكم محاسبتي لماذا لا تكمل البحث؟ وماذا تقصد؟ ولأي جهة تعمل؟ وكيف ...؟ ووووو.

وسأفصل سؤالي وانطباعي عن مسألة الضبط المصحفي تأريخيا:
ليعد أحدنا بمخيلته التاريخية الى حقبة أواخر المئة الاولى والمئة الثانية والثالثة للهجرة وكأنه يعمل خطاطا أو ما يسمى سابقاً نقّاطاً من نقّاط المسلمين في ورشة او مكتب لاستنساخ المصاحف التي لابد أنها كانت متوافرة في وقت استقرت أوضاع الدولة الاسلامية اقتصاديا واجتماعيا تقريبا والدليل هو انتعاش الحياة العلمية في ظل النهم العلمي لعباقرة المسلمين على مستوى الامور الفقهية والعقدية والكلامية واللغوية والنحوية والعلمية الاخرى كالكيمياء والفلك والطب وغيرها.
ولابد ان المسلمين عربيهم وأعجميهم كانوا يحرصون على اقتناء المصاحف نيلا لثواب التلاوة العظيم ، وكانت الكتاتيب منتشرة لتعليم الصبيان قراءة القرآن والمساجد زاخرة بدروس الفقه والإقراء.
وفي خضم هذه الفترة كنت أعمل مع أبي أو جدي او استاذي في خط المصاحف لان خطي كان ممتازا جدا وأتقاضى أجرا حلالا كافيا طيبا ، ولابد من وجود نسخة نستنسخ عليها باشراف متخصص ذي علاقة بقراء القرآن ويتابع ما يستجد في هذا الشأن المهم عند المسلمين جميعا.
وكأني مثلا كنت في الكوفة او البصرة وانتشرت أخبار ضبط ابي الأسود الدؤلي رضي الله عنه (ت 90هـ) فقمنا بشراء الحبر الأحمر وحصلنا على نسخة من هذا المصحف المنقوط (نقط شكل) وعملنا عليه فترة من الزمن.
وبلاشك ان هذا المصحف لم تكن الكلمة الفرشية فيه منقوطة على كل الأوجه الإقرائية وأقصد أوجه الشكل لا الإعجام(حسب المعطيات التاريخية الثابتة لدينا)،
أي لا يعقل مثلاً أنهم وضعوا نقطة فوق وتحت السين في كلمة (يحسب) ومثيلاتها بالفتح(يحسَب) والكسر(يحسِب) لمراعاة القراءات الاخرى .

وهذا يعني ان المصحف بكله لم يُضبط شكلا الا على قراءة واحدة باختيارات أبي الأسود أي بإملاءه (فقد كان ضريرا حسبما أظن) بالاعتماد على حركات شفتيه وفكيه كم هو معروف لديكم.
ولو عثرنا على نسخة منه او اشارات في بطون الكتب لعلمنا شيئا عن اختيارات ابي الأسود التي قد تعكس روايته للقرآن عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه وأرضاه.

على كل حال فان فكرة ابي الاسود رحمه الله في تشكيل المصحف لايُعقل انها لم تدغدغ مشاعر من عاصره ومن تلاه من المهتمين بالاقراء من التابعين وتابعيهم وفي مختلف الامصار الاسلامية العامرة آنذاك، ولعل كانت لهم اختيارات خاصة في فرش الكلمات ، وقد تُخط لهم مصاحف في أمصارهم تحمل ضبطا واحداُ في الشكل للفرشيات وفقا لاختيار ذلك القاريء في ذلك المصر.

وأثناء كل ذلك بقي الرسم المصحفي سالما لم يمسه احد بسوء وتبنى الحبر الاحمر مسؤولية التشكيل الاعرابي حصرا.
ولا نستطيع تحديد عدد المكاتب الخاطّة او الناقطة للمصاحف في الكوفة مثلا او الشام او البصرة او المدينة ومكة ولا استطيع الجزم بان كل المصاحف في سنة معينة كانت تخضع لضبط واحد لقارئ واحد لمصر واحد فقد يكون في المصر اكثر من ضبط لأكثر من مصحف والرسم ثابت والضبط متغير حسب شيوع اختيارات ذلك القارئ (او العالم) في مصره في فترة معينة( إذ قد تشتهر قراءة معينة في مصر معين لفترة معينة) وعمل النقاط تابع لذلك.

ولندرة او لضياع تلك المصاحف لا نجد دليلا على ما نقول ، ولكن قد (اقول قد) توجد في متاحف نسخ المصاحف او الروايات التاريخية ما يشير الى ذلك او بعض منه.

يتبع ان شاء الله.. مرحلة الضبط الثاني
 
نتابع بلا توقف ان شاء الله:
وعلى كل حال مرت السنين وظهر ضبط نقط الاعجام وبدأنا مع بقية النساخ بتطوير نسخ مصاحفنا وفق الضبط الجديد بعد انتشاره بين الناس والناس مقبلة على اقتناء تلك المصاحف بشغف اذ هوّن لديهم الكثير من الصعوبات وحتما كان باختيار ضبطي واحد للفرشيات تحريكاً واعجاما ، ولا يعقل ايضا ان في نفس الكلمة تنقيطات متعددة وهذا يعني ان المصحف الشائع للقارئ المشهور في مصر معين هو الحاوي لضبطه.
وهنا ايضا لا استطيع معرفة مستوى شيوع اي قراءة من القراءات بضبطها الخاص لا برسمها فالرسم واحد كما اتفقنا .
ثم وردت لنا تحسينات الفراهيدي فزاد ضبطنا ضبطا وسهل بعض العسير من الضبط السابق واخذت الحركات شكلها الجديد واضيفت الهمزة والسكون والشدة والمدة وازداد اقبال الناس على اقتناء المصاحف ذات الضبط الجديد وحتما كانت وفق اختيار واحد بشكله واعجامه فلا يعقل ان كلمة(فتبينوا) وُضع في الحرف الثالث نقطة تحته وثلاث فوقه ليحتمل قرائتين وهكذا بقية الكلمات.
وكنت خلال معيشتي في الكوفة مثلا أرى ان المصاحف متفقة على الرسم الذي يخالف في بعض مواضعه ما هو منتشر في مصاحف الشام والمدينة عند اطلاعنا عليها عندما نسافر للحج والعمرة ، ولكن ذاكرتي لا تسعفني في تذكر هل كانت المصاحف في المدينة مثلا مضبوطة(ولا اقول مرسومة)وفق اختيار واحد ام جمعت فيها خيارات متناثرة ، لا أدري.
وعندما عدت الآن إلى العصر الحديث واصبح الرسم بخط النسخ وليس بالكوفي واستقر الضبط وضوحا وتعددت الاحبار والوانها وجدت ان المصاحف المنتشرة بقراءتين واحدة لعاصم برواية ورش عند المشارقة واخرى لنافع براوييه ورش وقالون عند المغاربة.

اذن شاعت قراءات على حساب قراءات لعوامل عديدة ليس هنا محل مناقشتها.

يتبع .....
 
ونتابع معا ما بدأناه بعونه تعالى وبلا ارباك:
وفيات القراء العشرة:
الشام :ابن عامر(118هـ)،
مكة: ابن كثير(120هـ)،
الكوفة: عاصم(128هـ)، حمزة(156هـ)، الكسائي(189هـ)، خلف(229هـ).
البصرة: ابوعمرو(154هـ)، يعقوب(205هـ) ،
المدينة: نافع(169هـ)، ابوجعفر(139هـ) ،
اذن اولهم وفاة ابن عامر وآخرهم خلف.
وفيات الرواة:
قالون(220هـ)، ورش(197هـ) ،
البزي(250هـ) ، قنبل(291هـ) ،
الدوري(246هـ) ، السوسي(261هـ) ،
حفص(180هـ) ، شعبة(193هـ) ،
رويس(238هـ) ، روح(234هـ) ،
خلاد(220هـ) ،
هشام(245هـ) ، ابن ذكوان(242هـ) ،
ابوالحارث(240هـ) ،
ابن جماز(170هـ) ، ابن وردان(160هـ)
اسحق(286هـ) ، ادريس(292هـ)،
اذن اولهم وفاة ابن وردان وآخرهم ادريس.

ان المتابع لتواريخ وفيات القراء ورواتهم يرى انهم عاشوا في المئة الاولى والثانية والضبط التشكيلي او الحركاتي بدأ في الثلث الاخير من القرن الاول الهجري تقريبا (وفاة ابي الاسود90هـ) ، اما الضبط الاعجامي فبدأ في اوائل القرن الثاني الهجري وضبط الخليل(ت 170هـ) في وسطه تقريبا.

اذن فالقراء معاصرون للضبطين بتفاوت يسير(راجع جدول وفياتهم)، وعلى الاقل نقول ان القارئ(او الراوي) المبرز في مصره (في حياته او بعد مماته) تشيع قراءته ويضبط مصحف مصره وفقا لها ، والا فما فائدة الضبط المستحدث في تلك الفترة، ووفقا لهذا نتوقع انتشار مصاحف مختلفة في الضبط حتى في المصر الواحد.

وهنا السؤال: قلنا ان الرسم ثابت ولكن في المصاحف الكوفية مثلا كل الكوفيين (الا حفصاً) قرأوا بلا هاء في(عملته) بياسين فكيف ضبط لهم الحرف الساقط لفظا عندهم.

ملاحظة:طبعا ولم يسجل لنا التاريخ إخضاع السلطات الحاكمة رعاياها على اتباع مصحف لقارئ معين من قبلها فالقراء لا يعملون في بلاطات الحكام.

وهنا السؤال للمطلعين على آثار المصاحف في حقبة زمنية محددة ، هل كان الضبط للفرشيات بل وحتى للاصول احيانا (كالمدود والادغامات) فيه اختيار واحد ام كان يجمع اختيارات متعددة متناثرة وطبعا ليس في الكلمة الواحدة.
فمثلا انا في الكوفة وقراء الكوفة ورواتهم خلال مئة سنة مثلا هل كانت مصاحفهم تضبط باختيار في الاية الفلانية لحمزة او خلف وفي اية اخرى لعاصم او لحفص وهكذا.؟

ارجو ان كانت هناك ادلة وثائقية او روائية تاريخية ادراجها في سياق البحث .
واخيرا غفر الله لي ولكم
 
أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي إمام نحاة الكوفة عنه أخذ القراء وغيرهم وانتهت إليه الرياسة في القراءة بعد حمزة وبلغ عند هارون الرشيد منزلة عظيمة وكان الناس يأخذون عنه ألفاظه بقراءته عليهم وينقطون مصاحفهم بقراءته. السبعة والمحكم وإبراز المعاني.
قلت فهذا جواب ما روي عن اليزيدي أنه قال لو كان لنثوينهم لكان في غرف واختار أبو عبيد القراءة الأخرى لإجماعهم على التي في النحل { لنبوئنهم في الدنيا حسنة }
قال لا نعلم الناس يختلفون فيه فهذا مثله وإن كان ذاك في الدنيا وهذا في الآخرة فالمعنى فيهما واحد قال ورأيت هذا الحرف الذي هو في العنكبوت في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بالياء معجمة
قلت وهذا بعد ما نقطت المصاحف وكثر هذا اللفظ في القرآن نحو { ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق} { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } وقال { يتبوأ منها حيث يشاء } وقال { نتبوأ من الجنة حيث نشاء } وقال { أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا } إبراز المعاني
إن قومي اتخذوا [30] فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وابن كثير في رواية البزّي، وفي رواية الخزاعي عن أصحابه القوّاس والبزّي وابن فليح وفي رواية أبي ربيعة عن صاحبيه قنبل والبزّي، وفي رواية الزينبي عن قنبل. قال الخزاعي:
وكذلك رويتها في كثير من مصاحفهم، ونا محمد بن علي، نا ابن مجاهد، قال:
قال لي قنبل: كان البزّي ينصب الياء، فقال لي القوّاس: انظر في مصحف أبي الإخريط كيف هي في نقطها؟ فنظرت فإذا هو قد كان نقطها بالفتح، ثم حكّت. جامع البيان
 
قال أ.د عبد الغفور محمود مصطفى جعفر رحمه الله في كتابه "القرآن والقراءات والأحرف السبعة" 1/ 121ـ123:
ولا يخفى أن أول ظهور كتابة القراءات بشكل ملحوظ كان في نفس المصاحف العثمانية، بمثل "فلا يخاف عقباها" بالفاء في المصحف الشامي والمدني، "ولا يخاف عقباها" بالواو في بقية المصاحف، وهذا هو النوع الذي يظهر في الكتابة المجردة من النقط والشكل ..
والقراءات التي باختلاف النقط والشكل تتبع النقل الشفوي وحده؛ إذ لا نص عليها، أو لا وجود لها بالتعيين في المصاحف المجردة من النقط والشكل، بل هي محتملة فقط، والمصحف حجة فيما يحصره ويعينه فقط، وما زاد على ذلك فحجته المشافهة.
ولما ظبط المصحف بما يدل على أن اللفظ بالياء مثل: "أفحكم الجاهلية يبغون" منع من قراءته بالتاء في ضوء ذلك الضبط ..
فماذا يفعل يحيى بن يعمر المتوفى قبل سنة تسعين من الهجرة وقد ضبط المصحف؟
إنه يعلم أن القراءات عديدة، وأن النقط والشكل يحددان قراءة واحدة، فهل يترك الضبط يحدد واحدة، ويلغي غيرها؟ وهل يملك ذلك؟ وهل يجوز؟ لا، وهل يضبط مصاحف بعدد القراءات؟ لم يفعل، ولعله لم يكن يستطيع.
كأنما أحس يحىى أنه حين يضبط "يبغون" بالياء، كما هي قراءته وقراءة ستة من السبعة ـ وهم من عدا ابن عامر ـ يمنع ضبطه قراءتها بالتاء، وهي لا تمنع لأنها متواترة، وهي قراءة ابن عامر من بعد.
وحين يضبط "هئتُ لك" بكسر الهاء وضم التاء كما قرأها ومن بعده هي رواية هشام في أحد وجهيه، يمنع ذلك من وجوه أخرى لا يصح أن تمنع فهي متواترة ..
كأن يحيى أحس بأن النقط والشكل يمنعان من بقية القراءات، مع أن المنع لا يصح لأحد أن يجترئ عليه، فإنها من عند الله، وربما كان الأكثرون على غير قراءته، أو على غير القراءة التي نقطها وحدد ضبطها، فأراد أن يؤدي ما عليه، ويدل على أن النقط والشكل ليس إلغاء ولا منعا لبقية القراءات، ولكنه لوظيفة أخرى فألف إثر ذلك كتابا في القراءات جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط، ومشى الناس على ذلك زمانا طويلا، إلا أن ألف ابن مجاهد كتابه في القراءات ...فأعطى بالمصحف الذي ضبطه والكتاب الذي ألفه للناس ما يتمكنون به من تحديد القراءة التي يريدونها ويروونها تحديدا بالنقط والشكل يكون في المصحف مذكرا ومانعا من التصحيف والتحريف في تلك القراءات، فالقراءات التي في ذلك الكتاب لا تخالف المصحف ولا بد أنها ـ وهي مروية ـ صحيحة السند معروفة في عصره، وهو كما نرى قريب العهد بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد قرأ على ابن العباس وابن عمر وعلى أبي الأسود الدؤلي فهو عالي السند وهو تابعي جليل ...
 
الشكر الموصول للاستاذ سمير عمر على هذه النقول الممتازة والتي تدل على سعة اطلاعه فاستخرج لنا هذه الكوامن من كنوز فهمه فنعم الناقل ونعم المنقول.
 
رسالتي للماجستير كانت بعنوان ( اصطلاحات الضبط في المصاحف المعاصرة وعلاقتها بالظواهر الصوتية مع دراسة لقراءات القرآن وأصول كتابته ) وهي تزيد على الـ 1000 صفحة ، بدأت من بداية اختراع الإنسان للكتابة وانتهت باقتراحات قد يؤخذ بها في المستقبل ... ولكن لم أناقش هذه النقطة لعدم أهميتها ؛ لسببين :
أولهما : أن المغزى هو وضع قواعد عامة في الكتابة تنطبق على أي كيفية نطقية .
وثانيهما : أن أبا الأسود ( ت 69 هـ ) قبل اختيارات القراء ، وهو في البصرة ، فالقراءة التي ضبط عليها موافقة للمشايخ الذين وصلت عن طريقهم القراءة إلى أبي عمرو بن العلاء .
والله أعلم .
 
عودة
أعلى