محمد محمود إبراهيم عطية
Member
روى أحمد وأصحاب السنن عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله e : "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا " ؛ ولفظ الترمذي : " إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا "[1]؛ قال الترمذي : حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ؛ ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطرًا ، فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان ؛ وقد روي عن أبي هريرة عن النبي e ما يشبه قولهم ، حيث قال e : " لَا تَقَدَّمُوا شَّهْرَ رَمَضَانَ بِصِيَامٍ ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ " ، وقد دل في هذا الحديث أنما الكراهية على من يتعمد الصيام لحال رمضان .ا.هـ .
قَالَ ابن رجب – رحمه الله : واختلف العلماء في صحة هَذَا الْحَدِيْث ، ثُمَّ العمل بِهِ ؛ أما تصحيحه فصححه غَيْر واحد ، مِنْهُمْ : الترمذي ، وابن حبان ، والحاكم ، وابن
عَبْد البر ؛ وتكلم فِيْهِ من هُوَ أكبر من هؤلاء وأعلم ، وقالوا : هُوَ حَدِيْث منكر ؛ مِنْهُمْ : عَبْد الرحمن ابن مهدي ، وأحمد ، وأبو زرعة الرازي ، والأثرم ، ورده الإمام أحمد بحديث : " لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين " ، فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين [2] .
قال ابن القيم - رحمه الله - في ( حاشيته على سنن أبي داود ) : الذين ردوا هذا الحديث لهم مأخذان ؛ أحدهما أنه لم يتابع العلاء عليه أحد ، بل انفرد به عن الناس ، وكيف لا يكون هذا معروفًا عند أصحاب أبي هريرة ، مع أنه أمر تعم به البلوى ، ويتصل به العمل ؛ والمأخذ الثاني أنهم ظنوه معارضًا لحديث عائشة وأم سلمة في صيام النبي e شعبان كله ، أو إلا قليلا منه ؛ وقوله : " إلا أن يكون لأحدكم صوم فليصمه " ، وسؤاله للرجل عن صومه سرر شعبان ؛ قالوا : وهذه الأحاديث أصح منه ؛ وربما ظن بعضهم أن هذا الحديث لم يسمعه العلاء من أبيه .
وأما المصححون له فأجابوا عن هذا بأنه ليس فيه ما يقدح في صحته ، وهو حديث على شرط مسلم ، فإن مسلمًا أخرج في صحيحه عدة أحاديث عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ؛ وتفرده به تفرد ثقة بحديث مستقل ، وله عدة نظائر في الصحيح .
قالوا : والتفرد الذي يعلل به ، هو تفرد الرجل عن الناس بوصل ما أرسلوه ، أو رفع ما وقفوه ، أو زيادة لفظة لم يذكروها ؛ وأما الثقة العدل إذا روى حديثًا وتفرد به ، لم يكن تفرده علة ، فكم قد تفرد الثقات بسنن عن النبي e عملت بها الأمة ؛ قالوا : وأما ظن معارضته بالأحاديث الدالة على صيام شعبان ، فلا معارضة بينهما ، وإن تلك الأحاديث تدل على صوم نصفه مع ما قبله ، وعلى الصوم المعتاد في النصف الثاني ، وحديث العلاء يدل على المنع من تعمد الصوم بعد النصف ، لا لعادة ولا مضافًا إلى ما قبله ، ويشهد له حديث التقدم .
وأما كون العلاء لم يسمعه من أبيه ، فهذا لم نعلم أن أحدًا علل به الحديث ، فإن العلاء قد ثبت سماعه من أبيه ؛ وفي صحيح مسلم عن العلاء عن أبيه بالعنعنة غير حديث .
وقد قال ( لم يذكر بن القيم صاحب القول ، ولعله عباد بن كثير ، فقد ذكر أبو داود أنه استحلف عبد الرحمن في هذا الحديث ، لكنه لم يذكر أنه كان يطوف بالبيت ) : لقيت العلاء بن عبد الرحمن وهو يطوف ، فقلت له : برب هذا البيت ، حدثك أبوك عن أبي هريرة عن النبي e أنه قال : " إِذَا اِنْتَصَفَ شَعْبَان فَلَا تَصُومُوا " ؟ فقال : ورب هذا البيت ، سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة عن النبي e فذكره .
وقال النووي في ( شرح مسلم ) : قوله e : " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه " ، فيه التصريح بالنهي عن استقبال رمضان بصوم يوم ويومين ، لمن لم يصادف عادة له أو يصله بما قبله ، فإن لم يصله ولا صادف عادة فهو حرام ، هذا هو الصحيح في مذهبنا ؛ لهذا الحديث وللحديث الآخر في سنن أبي داود وغيره : " إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يكون رمضان " ، فإن وصله بما قبله أو صادف عادة له ؛ فإن كانت عادته صوم يوم الاثنين ونحوه ، فصادفه فصامه تطوعًا بنية ذلك جاز ، لهذا الحديث .ا.هـ .
وصفوة القول : أن الراجح صحة حديث العلاء بن عبد الرحمن لما ذكره ابن القيم - رحمه الله ؛ ويجمع بينه وبين الأحاديث الأخر ، بأنه خاص بمن لم يكن له عادة صيام ، أو أراد أن يصومه من أجل رمضان ، كما ذكر الترمذي عن بعض أهل العلم ؛ ويبقى الجواز لمن كان له عادة لقول النبي e : " إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه " ، ويؤيده حديث عائشة رضي الله عنها : كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا ... والعلم عند الله تعالى .
[1] أحمد : 2 / 442 ، وأبو داود ( 2337 ) ، والترمذي ( 738 ) ، والنسائي في الكبرى ( 2911 ) ، وابن ماجه ( 1651 ) ، وصححه الألباني .
[2] لطائف المعارف : 142 .
قَالَ ابن رجب – رحمه الله : واختلف العلماء في صحة هَذَا الْحَدِيْث ، ثُمَّ العمل بِهِ ؛ أما تصحيحه فصححه غَيْر واحد ، مِنْهُمْ : الترمذي ، وابن حبان ، والحاكم ، وابن
عَبْد البر ؛ وتكلم فِيْهِ من هُوَ أكبر من هؤلاء وأعلم ، وقالوا : هُوَ حَدِيْث منكر ؛ مِنْهُمْ : عَبْد الرحمن ابن مهدي ، وأحمد ، وأبو زرعة الرازي ، والأثرم ، ورده الإمام أحمد بحديث : " لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين " ، فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين [2] .
قال ابن القيم - رحمه الله - في ( حاشيته على سنن أبي داود ) : الذين ردوا هذا الحديث لهم مأخذان ؛ أحدهما أنه لم يتابع العلاء عليه أحد ، بل انفرد به عن الناس ، وكيف لا يكون هذا معروفًا عند أصحاب أبي هريرة ، مع أنه أمر تعم به البلوى ، ويتصل به العمل ؛ والمأخذ الثاني أنهم ظنوه معارضًا لحديث عائشة وأم سلمة في صيام النبي e شعبان كله ، أو إلا قليلا منه ؛ وقوله : " إلا أن يكون لأحدكم صوم فليصمه " ، وسؤاله للرجل عن صومه سرر شعبان ؛ قالوا : وهذه الأحاديث أصح منه ؛ وربما ظن بعضهم أن هذا الحديث لم يسمعه العلاء من أبيه .
وأما المصححون له فأجابوا عن هذا بأنه ليس فيه ما يقدح في صحته ، وهو حديث على شرط مسلم ، فإن مسلمًا أخرج في صحيحه عدة أحاديث عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ؛ وتفرده به تفرد ثقة بحديث مستقل ، وله عدة نظائر في الصحيح .
قالوا : والتفرد الذي يعلل به ، هو تفرد الرجل عن الناس بوصل ما أرسلوه ، أو رفع ما وقفوه ، أو زيادة لفظة لم يذكروها ؛ وأما الثقة العدل إذا روى حديثًا وتفرد به ، لم يكن تفرده علة ، فكم قد تفرد الثقات بسنن عن النبي e عملت بها الأمة ؛ قالوا : وأما ظن معارضته بالأحاديث الدالة على صيام شعبان ، فلا معارضة بينهما ، وإن تلك الأحاديث تدل على صوم نصفه مع ما قبله ، وعلى الصوم المعتاد في النصف الثاني ، وحديث العلاء يدل على المنع من تعمد الصوم بعد النصف ، لا لعادة ولا مضافًا إلى ما قبله ، ويشهد له حديث التقدم .
وأما كون العلاء لم يسمعه من أبيه ، فهذا لم نعلم أن أحدًا علل به الحديث ، فإن العلاء قد ثبت سماعه من أبيه ؛ وفي صحيح مسلم عن العلاء عن أبيه بالعنعنة غير حديث .
وقد قال ( لم يذكر بن القيم صاحب القول ، ولعله عباد بن كثير ، فقد ذكر أبو داود أنه استحلف عبد الرحمن في هذا الحديث ، لكنه لم يذكر أنه كان يطوف بالبيت ) : لقيت العلاء بن عبد الرحمن وهو يطوف ، فقلت له : برب هذا البيت ، حدثك أبوك عن أبي هريرة عن النبي e أنه قال : " إِذَا اِنْتَصَفَ شَعْبَان فَلَا تَصُومُوا " ؟ فقال : ورب هذا البيت ، سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة عن النبي e فذكره .
وقال النووي في ( شرح مسلم ) : قوله e : " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه " ، فيه التصريح بالنهي عن استقبال رمضان بصوم يوم ويومين ، لمن لم يصادف عادة له أو يصله بما قبله ، فإن لم يصله ولا صادف عادة فهو حرام ، هذا هو الصحيح في مذهبنا ؛ لهذا الحديث وللحديث الآخر في سنن أبي داود وغيره : " إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يكون رمضان " ، فإن وصله بما قبله أو صادف عادة له ؛ فإن كانت عادته صوم يوم الاثنين ونحوه ، فصادفه فصامه تطوعًا بنية ذلك جاز ، لهذا الحديث .ا.هـ .
وصفوة القول : أن الراجح صحة حديث العلاء بن عبد الرحمن لما ذكره ابن القيم - رحمه الله ؛ ويجمع بينه وبين الأحاديث الأخر ، بأنه خاص بمن لم يكن له عادة صيام ، أو أراد أن يصومه من أجل رمضان ، كما ذكر الترمذي عن بعض أهل العلم ؛ ويبقى الجواز لمن كان له عادة لقول النبي e : " إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه " ، ويؤيده حديث عائشة رضي الله عنها : كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا ... والعلم عند الله تعالى .
[1] أحمد : 2 / 442 ، وأبو داود ( 2337 ) ، والترمذي ( 738 ) ، والنسائي في الكبرى ( 2911 ) ، وابن ماجه ( 1651 ) ، وصححه الألباني .
[2] لطائف المعارف : 142 .