صوم شهر رجب بين المجيزين والمانعين ( دراسة مقارنة )

إنضم
20/12/2006
المشاركات
49
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
صوم شهر رجب بين المجيزين والمانعين ( دراسة مقارنة )
عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وأتباعه وبعد :
فيقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( إن لله في أيام دهره لنفحات ألا فتعرضوا لنفحات الله ) ومن حكمة الله أن فضل بعض الشهور على بضع ليغتنمها ذوو الألباب , ومن الشهور الفاضلة التي ينبغي اغتنامها شهر رجب , وهذه بحث موجز في حكم صيام شهر رجب وقد جعلته على ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : أقوال أهل العلم في حكم صوم رجب
المبحث الثاني : أدلة المجيزين والمانعين
المبحث الثالث : فوائد متممة في صوم رجب

المبحث الأول :
أقوال أهل العلم في حكم صوم رجب
اختلف أهل العلم في حكم صيام شهر رجب :
- فذهب الجمهور من حنفية ومالكية وشافعية وهو قول في مذهب الحنابلة إلى استحباب صيام شهر رجب كله
- وذهب الحنابلة إلى كراهة إفراد شهر رجب كله بالصوم دون سائر الشهور , وتزول الكراهة عندهم بفطر يوم منه أو يومين أو بصيام شهر آخر إضافة إليه , واختلف الحنابلة في تخصيص الأشهر الحرم بالصيام : فذهب بعضهم إلى استحباب ذلك , ولم يذكر الأكثرون استحبابه

وهذه بعض أقوال أهل العلم من المذاهب الأربعة في ذلك :

من أقوال الحنفية :
في الفتاوي الهندية 1/202 : ( المرغوبات من الصيام أنواع ) أولها صوم المحرم والثاني صوم رجب والثالث صوم شعبان وصوم عاشوراء ) اه

من أقوال المالكية:
في شرح الخرشي على خليل 2/241 وهو يعدد الصوم المستحب : (والمحرم ورجب وشعبان ) يعني : أنه يستحب صوم شهر المحرم وهو أول الشهور الحرم , ورجب وهو الشهر الفرد عن الأشهر الحرم ) اه
وفي الحاشية عليه : ( قوله : ورجب ) , بل يندب صوم بقية الحرم الأربعة وأفضلها المحرم فرجب فذو القعدة فالحجة ) اه
وفي مقدمة ابن أبي زيد مع اشرح لفواكه الدواني 2/ 272 : ( التنفل بالصوم مرغب فيه وكذلك , صوم يوم عاشوراء ورجب وشعبان ويوم عرفة والتروية وصوم يوم عرفة لغير الحاج أفضل منه للحاج .) اه
وفي شرح الفواكه عليه : ( من المرغب في صومه شهر ( رجب ) اه
وفي كفاية الطالب الرباني 2/407 : ( و ) كذلك صوم شهر ( رجب ) مرغب فيه ) اه
وفي حاشية العدوي عليه :[ قوله : رجب ] سمي رجبا من الترجيب وهو التعظيم ... تنبيه : ظاهر كلامه أن ثواب صومه يفضل ثواب صوم غيره , ولو من باقي الحرم إذ لو لم يكن كذلك لم يكن لذكره دون باقيها وجه وليس كذلك كما أشار له الشيخ زروق بل ورد أن صوم المحرم أفضل من صوم رجب , أو غيره من الحرم عج ) اه
وفي شرح الدردير على خليل 1/513 : ( و ) ندب صوم ( المحرم ورجب وشعبان ) وكذا بقية الحرم الأربعة وأفضلها المحرم فرجب فذو القعدة والحجة ) اه
وفي حاشية الدسوقي عليه : ( قوله ورجب ) اعترض ح رجب بما نقله عن ابن حجر بأنه لم يرد في فطر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين حديث صحيح يصلح للحجة , ولذا قال : ولو قال المصنف والمحرم وشعبان لوافق المنصوص ا هـ وبه يعلم أن قول الشارح تبعا لعبق : وندب بقية الأربعة غير المنصوص ) اه
في التاج والإكليل 3/220 : ( والمحرم ورجب وشعبان ) لو قال والمحرم وشعبان لوافق المنصوص . نقل ابن يونس : خص الله الأشهر الحرم وفضّلها وهي : المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة . ) اه

من أقوال الشافعية:
قال الإمام النووي في المجموع 6/439 : ( قال أصحابنا : ومن الصوم المستحب صوم الأشهر الحرم , وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب , وأفضلها المحرم , قال الروياني في البحر : أفضلها رجب , وهذا غلط ; لحديث أبي هريرة الذي سنذكره إن شاء الله تعالى { أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم ) اه
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب 1/433 : ( وأفضل الأشهر للصوم ) بعد رمضان الأشهر ( الحرم ) ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ...
( وأفضلها المحرم ) لخبر مسلم { أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم } ( ثم باقيها ) وظاهره استواء البقية والظاهر تقديم رجب خروجا من خلاف من فضله على الأشهر الحرم ) اه
وفي حاشية الرملي عليه : ( قوله وأفضلها المحرم ) وقع في الروضة نقلا عن البحر أن أفضل الحرم رجب واعترض بأن الذي في البحر أنه أفضلها بعد المحرم ( قوله ثم باقيها ) قال شيخنا والحاصل أنه يقدم المحرم ثم رجب ويتجه أن يقال ثم الحجة ثم القعدة وبعد ذلك شعبان كاتبه ( قوله والظاهر تقديم رجب ) أشار إلى تصحيحه ) اه
وفي فتاوى ابن حجر 2/53 : ( ... وأما استمرار هذا الفقيه على نهي الناس عن صوم رجب فهو جهل منه وجزاف على هذه الشريعة المطهرة فإن لم يرجع عن ذلك وإلا وجب على حكام الشريعة المطهرة زجره وتعزيره التعزير البليغ المانع له ولأمثاله من المجازفة في دين الله تعالى
وكأن هذا الجاهل يغتر بما روي من أن جهنم تسعر من الحول إلى الحول لصوام رجب وما درى هذا الجاهل المغرور أن هذا حديث باطل كذب لا تحل روايته كما ذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح وناهيك به حفظا للسنة وجلالة في العلوم
ويوافقه إفتاء العز بن عبد السلام فإنه سئل عما نقل عن بعض المحدثين من منع صوم رجب وتعظيم حرمته وهل يصح نذر صوم جميعه فقال في جوابه : نذر صومه صحيح لازم يتقرب إلى الله تعالى بمثله والذي نهى عن صومه جاهل بمأخذ أحكام الشرع وكيف يكون منهيا عنه مع أن العلماء الذين دونوا الشريعة لم يذكر أحد منهم اندراجه فيما يكره صومه بل يكون صومه قربة إلى الله تعالى ...
فتأمل كلام هذا الإمام تجده مطابقا لهذا الجاهل الذي ينهى أهل ناحيتكم عن صوم رجب ومنطبقا عليه على أن هذا أحقر من أن يذكر فلا يقصد بمثل كلام ابن عبد السلام ; لأنه إنما عنى بذلك بعض المنسوبين إلى العلم ممن زل قلمه وطغى فهمه فقصد هو وابن الصلاح الرد عليه وأشار إلى أنه يكفي في فضل صوم رجب ما ورد من الأحاديث الدالة على فضل مطلق الصوم وخصوصه في الأشهر الحرم ...
وللحليمي في صوم رجب كلام محتمل فلا تغتر به فإن الأصحاب على خلاف ما قد يوهمه كلامه . والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ) اه
وفي مغني المحتاج 2/187 : ( أفضل الشهور للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم , وأفضلها المحرم لخبر مسلم { أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم ثم رجب } خروجا من خلاف من فضله على الأشهر الحرم ثم باقيها ثم شعبان ) اه
وفي نهاية المحتاج 3/211 : ( اعلم أن أفضل الشهور للصوم بعد رمضان الأشهر الحرم وأفضلها المحرم ثم رجب خروجا من خلاف من فضله على الأشهر الحرم ثم باقيها وظاهره الاستواء ثم شعبان ) اه

من أقوال الحنابلة :
قال ابن قدامة في المغني 3/53 :( فصل : ويكره إفراد رجب بالصوم . قال أحمد : وإن صامه رجل , أفطر فيه يوما أو أياما , بقدر ما لا يصومه كله ... قال أحمد : من كان يصوم السنة صامه , وإلا فلا يصومه متواليا , يفطر فيه ولا يشبهه برمضان ) اه
وفي الفروع لابن مفلح 3/118 : ( فصل : يكره إفراد رجب بالصوم
نقل حنبل : يكره , ورواه عن عمر وابنه وأبي بكرة , قال أحمد : يروى فيه عن عمر أنه كان يضرب على صومه , وابن عباس قال : يصومه إلا يوما أو أياما ...
وتزول الكراهة بالفطر أو بصوم شهر آخر من السنة , قال صاحب المحرر : وإن لم يله . قال شيخنا : من نذر صومه كل سنة أفطر بعضه وقضاه . وفي الكفارة الخلاف , قال : ومن صامه معتقدا أنه أفضل من غيره من الأشهر أثم وعزر , وحمل عليه فعل عمر . وقال أيضا : في تحريم إفراده وجهان , ولعله أخذه من كراهة أحمد .وفي فتاوى ابن الصلاح الشافعي : لم يؤثمه أحد من العلماء فيما نعلمه .
ولا يكره إفراد شهر غير رجب , قال صاحب المحرر : لا نعلم فيه خلافا للأخبار , منها أنه { كان عليه السلام يصوم شعبان ورمضان } , وأن معناه : أحيانا . ولم يداوم كاملا على غير رمضان .
ولم يذكر الأكثر استحباب صوم رجب وشعبان , واستحبه في الإرشاد . وقال شيخنا : في مذهب أحمد وغيره نزاع , قيل : يستحب , وقيل : يكره , فيفطر ناذرهما بعض رجب .) اه
وفي الفروع أيضا 3/120 : ( قال ابن الجوزي في كتاب أسباب الهداية : يستحب صوم الأشهر الحرم وشعبان كله , وهو ظاهر ما ذكره صاحب المحرر في الأشهر الحرم , وقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما من رواية مجيبة الباهلي ولا يعرف { عن رجل من باهلة أنه عليه السلام أمره بصوم الأشهر الحرم } , وفي الخبر اختلاف , وضعفه بعضهم , ولهذا والله أعلم لم يذكر استحبابه الأكثر ) اه
وقال المرداوي في الإنصاف 3/346 : ( ويكره إفراد رجب بالصوم ) . هذا المذهب , وعليه الأصحاب , وقطع به كثير منهم . وهو من مفردات المذهب , وحكى الشيخ تقي الدين في تحريم إفراده وجهين . قال في الفروع : ولعله أخذه من كراهة أحمد .
تنبيه : مفهوم كلام المصنف : أنه لا يكره إفراد غير رجب بالصوم . وهو صحيح لا نزاع فيه . قال المجد : لا نعلم فيه خلافا .
فائدتان . إحداهما : تزول الكراهة بالفطر من رجب , ولو يوما , أو بصوم شهر آخر من السنة . قال في المجد : وإن لم يله .
الثانية : قال في الفروع : لم يذكر أكثر الأصحاب استحباب صوم رجب وشعبان . واستحسنه ابن أبي موسى في الإرشاد .
قال ابن الجوزي في كتاب أسباب الهداية : يستحب صوم الأشهر الحرم وشعبان كله , وهو ظاهر ما ذكره المجد في الأشهر الحرم , وجزم به في المستوعب , وقال : آكد شعبان يوم النصف , واستحب الآجري صوم شعبان , ولم يذكر غيره , وقال الشيخ تقي الدين : في مذهب أحمد وغيره نزاع . قيل : يستحب صوم رجب وشعبان , وقيل : يكره . يفطر ناذرهما بعض رجب .) اه
وفي كشاف القناع 2/340 : ( ويكره إفراد رجب بالصوم ...( وتزول الكراهة بفطره فيه ولو يوما أو بصومه شهرا آخر من السنة قال المجد : وإن لم يله ) أي : يلي الشهر الآخر رجب . ( ولا يكره إفراد شهر غيره ) أي : غير رجب بالصوم قال في المبدع : اتفاقا ; لأنه صلى الله عليه وسلم { كان يصوم شعبان ورمضان } والمراد أحيانا ولم يداوم كاملا على غير رمضان فدل على أنه لا يستحب صوم رجب وشعبان في قول الأكثر , واستحبه في الإرشاد ) اه
وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية 2/479 : ( وأما صوم رجب بخصوصه , فأحاديثه كلها ضعيفة , بل موضوعة , لا يعتمد أهل العلم على شيء منها , وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل , بل عامتها من الموضوعات المكذوبات ...
فمتى أفطر بعضا لم يكره صوم البعض . وفي المسند وغيره : حديث { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بصوم الأشهر الحرم , وهي : رجب , وذو القعدة , وذو الحجة , والمحرم } . فهذا في صوم الأربعة جميعا , لا من يخصص رجبا ) اه

المبحث الثاني :
الأدلة للمجيزين والمانعين
أولا : أدلة الجمهور :
دليل الجمهور الخبر والأثر
أما الخبر فأحاديث ومنها :
1-الأحاديث الواردة في فضل الصوم مطلقا :
قال ابن حجر كما في الفتاوى الفقهية الكبرى 2/53 :( ويوافقه إفتاء العز بن عبد السلام فإنه سئل عما نقل عن بعض المحدثين من منع صوم رجب وتعظيم حرمته وهل يصح نذر صوم جميعه فقال في جوابه :
نذر صومه صحيح لازم يتقرب إلى الله تعالى بمثله والذي نهى عن صومه جاهل بمأخذ أحكام الشرع وكيف يكون منهيا عنه مع أن العلماء الذين دونوا الشريعة لم يذكر أحد منهم اندراجه فيما يكره صومه بل يكون صومه قربة إلى الله تعالى لما جاء في الأحاديث الصحيحة من الترغيب في الصوم مثل :
قوله صلى الله عليه وسلم { يقول الله كل عمل ابن آدم له إلا الصوم } وقوله صلى الله عليه وسلم { لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك } وقوله { إن أفضل الصيام صيام أخي داود كان يصوم يوما ويفطر يوما } وكان داود يصوم من غير تقييد بما عدا رجبا من الشهور ) اه
وقال الشوكاني في نيل الأوطار 4/291 : ( وقد ورد ما يدل على مشروعية صومه على العموم والخصوص : أما العموم : فالأحاديث الواردة في الترغيب في صوم الأشهر الحرم وهو منها بالإجماع . وكذلك الأحاديث الواردة في مشروعية مطلق الصوم ... ) اه

2-الأحاديث التي فيها الصوم في الأشهر الحرم :
ومنها حديث مجيبة الباهلية : ففي سنن أبي داود 2/322 :( عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حالته وهيئته فقال يا رسول الله أما تعرفني
قال ومن أنت قال أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول قال فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة قال ما أكلت طعاما إلا بليل منذ فارقتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم عذبت نفسك
ثم قال صم شهر الصبر ويوما من كل شهر قال زدني فإن بي قوة قال صم يومين قال زدني قال صم ثلاثة أيام قال زدني قال صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها ) اه
ورواه ابن ماجه ولفظه 1/554 : (عن أبي مجيبة الباهلي عن أبيه أو عن عمه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا نبي الله أنا الرجل الذي أتيتك عام الأول قال فمالي أرى جسمك ناحلا قال يا رسول الله ما أكلت طعاما بالنهار ما أكلته إلا بالليل قال من أمرك أن تعذب نفسك قلت يا رسول الله إني أقوى قال صم شهر الصبر ويوما بعده قلت إني أقوى قال صم شهر الصبر ويومين بعده قلت إني أقوى قال صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده وصم أشهر الحرم ) اه
قال الإمام النووي في المجموع 6/439 : ( قوله صلى الله عليه وسلم : { صم من الحرم واترك } إنما أمره بالترك ; لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم كما ذكره في أول الحديث . فأما من لم يشق عليه فصوم جميعها فضيلة . ) اه
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب 1/433 : ( وإنما أمر المخاطب بالترك لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم كما جاء التصريح به في الخبر أما من لا يشق عليه فصوم جميعها له فضيلة ) اه
وفي فتاوى ابن حجر 2/53 : ( قال العلماء : وإنما أمره بالترك ; لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم كما ذكره في أول الحديث فأما من لا يشق عليه فصوم جميعها فضيلة . فتأمل أمره صلى الله عليه وسلم بصوم الأشهر الحرم في الرواية الأولى وبالصوم منها في الرواية الثانية تجده نصا في الأمر بصوم رجب أو بالصوم منه ; لأنه من الأشهر الحرم بل هو من أفضلها ) اه

3-الأحاديث التي فيها التصريح بفضل صوم رجب بخصوصه :
وهي وإن كانت ضعيفة فإن الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل ففي فتاوى ابن حجر 2/53 : ( فقول هذا الجاهل إن أحاديث صوم رجب موضوعة إن أراد به ما يشمل الأحاديث الدالة على صومه عموما وخصوصا فكذب منه وبهتان فليتب عن ذلك , وإلا عزر عليه التعزير البليغ
نعم روي في فضل صومه أحاديث كثيرة موضوعة , وأئمتنا وغيرهم لم يعولوا في ندب صومه عليها حاشاهم من ذلك وإنما عولوا على ما قدمته وغيره ومنه :
ما رواه البيهقي في الشعب عن أنس يرفعه : { أن في الجنة نهرا يقال له رجب أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل , من صام من رجب يوما سقاه الله من ذلك النهر }
وروي عن عبد الله بن سعيد عن أبيه يرفعه :{ من صام يوما من رجب كان كصيام سنة ومن صام سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم , ومن صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة , ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه , ومن صام خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفر لك ما سلف فاستأنف العمل وقد بدلت سيئاتك حسنات , ومن زاد زاده الله } .
ثم نقل عن شيخه الحاكم أن الحديث الأول موقوف على أبي قلابة وهو من التابعين فمثله لا يقوله إلا عن بلاغ عمن قوله مما يأتيه الوحي
ثم روي عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان } ثم قال إسناده ضعيف ا هـ
وقد تقرر أن الحديث الضعيف والمرسل والمنقطع والمعضل , والموقوف يعمل بها في فضائل الأعمال إجماعا ولا شك أن صوم رجب من فضائل الأعمال فيكتفى فيه بالأحاديث الضعيفة ونحوها ولا ينكر ذلك إلا جاهل مغرور
وروى الأزدي في الضعفاء من حديث السنن { من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة سبعمائة عام } ) اه
وفي فتاوى ابن حجر أيضا 2/86 : ( وسئل ) نفع الله به عن : حديث { إن في الجنة نهرا يقال له رجب ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر } وحديث { من صام من كل شهر الخميس والجمعة والسبت كتب له عبادة سبعمائة سنة } وحديث { من صام يوما من رجب كان كصيام شهر , ومن صام منه سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم السبعة ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية , ومن صام منه عشرة أيام بدلت سيئاته حسنات } هل هي موضوعة أم لا ؟
( فأجاب ) بقوله : ليست موضوعة بل ضعيفة فتجوز روايتها والعمل بها في الفضائل قال الحافظ ابن حجر في الأول : ليس في إسناده من ينظر في حاله سوى منصور الأسدي وقد روى عنه جماعة لكن لم أر فيه تعديلا وقد ذكره الذهبي وضعفه بهذا الحديث
وقال في الثاني : له طرق بلفظ عبادة ستين سنة وهو أشبه ومخرجه أحسن وإسناده أشد من الضعيف قريب من الحسن , والثالث له طرق وشواهد ضعيفة يرتقى بها عن كونه موضوعا , والله أعلم . ) اه

4-ومن أدلتهم حديث أسامة رضي الله عنه :
في سنن النسائي 4/201 : ( عن أسامة بن زيد قال قلت : يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ) اه
قال الشوكاني في نيل الأوطار 4/291 : (ظاهر قوله في حديث أسامة : " إن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان أنه يستحب صوم رجب ; لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبا به . ) اه

وإما الأثر فقد ورد صوم الأشهر الحرم عن الصحابة ومن ذلك :
ما في مصنف ابن أبي شيبة 2/457 : (حدثنا ابن علية عن يونس عن الحسن أنه كان يصوم أشهر الحرام .
حدثنا أبو داود عن خالد بن أبي عثمان عن أيوب بن عبد الله بن يسار وسليط أخيه قالا كان ابن عمر يصوم بمكة أشهر الحرام . ) اه
وفي مصنف عبد الرزاق 4/292 : ( عن معمر عن الزهري عن سالم أن ابن عمر كان يصوم أشهر الحرم
وعن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان لا يكاد أن يفطر في أشهر الحرم ولا غيرها ) اه

ثانيا :
أدلة الحنابلة :
ودليل الحنابلة الخبر والأثر والنظر :
أما الخبر فأحاديث ومنها :
1- ما في مصنف ابن أبي شيبة 2/513 وعبد الرزاق 4/292: ( عن زيد بن أسلم قال { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم رجب فقال : أين أنتم من شعبان } . ) اه وهو مرسل كما ترى
2-ما رواه ابن ماجه 1/555 : (عن محمد بن إبراهيم أن أسامة بن زيد كان يصوم أشهر الحرم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : صم شوالا فترك أشهر الحرم ثم لم يزل يصوم شوالا حتى مات ) اه
وهو ضعيف قال البوصيري في مصباح الزجاجة : فيه مقال وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه
3-ما رواه ابن ماجه 1/554 : ( عن بن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب ) اه
ولكن الحديث ضعيف قال ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى 2/479 : ( وقد روى ابن ماجه في سننه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم رجب , وفي إسناده نظر ) اه
وفي الفروع لابن مفلح 3/118 أن هذا الحديث : ( من رواية داود بن عطاء , ضعفه أحمد وغيره ) اه
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة 2/77 : ( فيه داود بن عطاء المدني وهو متفق على تضعيفه وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية من طريق داود وضعف الحديث به وهو ضعيف متفق على ضعفه ) اه
وقال الشوكاني في نيل الأوطار 4/291 : ( وأما حديث ابن عباس عند ابن ماجه بلفظ : إن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن صيام رجب } ففيه ضعيفان : زيد بن عبد الحميد , وداود بن عطاء . ) اه

وأما الأثر فآثار ومنها :
ما في مصنف ابن أبي شيبة 2/513 : ( 1 ) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن وبرة عن عبد الرحمن عن خرشة بن الحر قال رأيت عمر يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية .
( 2 ) حدثنا وكيع عن يزيد مولى الصهباء عن رجل قد سماه عن أنس قال لا يكون اثنينيا ولا خميسيا ولا رجبيا .
( 3 ) حدثنا وكيع عن عاصم بن محمد عن أبيه قال كان ابن عمر إذا رأى الناس وما يعدون لرجب كره ذلك .) اه
وفي مصنف عبد الرزاق 4/292 : ( عن بن جريج عن عطاء قال كان بن عباس ينهى عن صيام رجب كله لأن لا يتخذ عيدا ) اه
ولكن ابن عباس كان هذا مذهبه في كل الأشهر لا في رجب فقط فقد روى عبد الرزاق بعد روايته السابقة مباشرة قال : ( عن بن جريج عن عطاء قال كان بن عباس ينهى عن صيام الشهر كاملا ويقول ليصمه إلا أياما وكان ينهى عن إفراد اليوم كلما مر به وعن صيام الأيام المعلومة وكان يقول لا يصم صياما معلوما ) اه
وفي المغني لابن قدامة 3/53 : ( ووجه ذلك , ما روى أحمد وبإسناده عن أبي بكرة , أنه دخل على أهله , وعندهم سلال جدد وكيزان , فقال : ما هذا ؟ فقالوا : رجب نصومه . قال : أجعلتم رجبا رمضان , فأكفأ السلال , وكسر الكيزان .)

وأما النظر :
فقالوا : إن ذلك تشبها بأهل الجاهلية ففي الفروع لابن مفلح 3/118 : ( ولأن فيه إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه ) اه وفي كشاف القناع 2/340 : ( ولأن فيه إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه ولهذا صح عن عمر أنه كان يضرب فيه ويقول : كلوا فإنما هو شهر كانت الجاهلية تعظمه ) اه

وأجيب عن أدلة الحنابلة :
- أما الأخبار فبأنها ضعيفة لا تقوم بها حجة مع معارضتها لما هو أصح منها
- وأما الآثار فلا حجة فيها مع وجود الأخبار المعارضة لها وكذا الآثار المعارضة لها
- وأما أنه من التشبه بأمور الجاهلية ففي فتاوى ابن حجر 2/53 حكاية عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام : ( ومن عظم رجبا بجهة غير ما كانت الجاهلية يعظمونه به فليس مقتديا بهم وليس كل ما فعلوه منهيا عن فعله إلا إذا نهت الشريعة عنه أو دلت القواعد على تركه ولا يترك الحق لكون أهل الباطل فعلوه والذي ينهى عن صومه جاهل معروف بالجهل ولا يحل لمسلم أن يقلده في دينه إذ لا يجوز التقليد إلا لمن اشتهر بالمعرفة بأحكام الله تعالى وبمآخذها والذي يضاف إليه ذلك بعيد عن معرفة دين الله تعالى فلا يقلد فيه ومن قلده غر بدينه ا هـ) اه

المبحث الثالث :
فوائد متممة في صوم رجب :

الأولى :
أن مذهب الزيدية في ذلك كالجمهور :
ففي البحر الزخار 3/272 : ( وندب صوم المحرم , لقوله صلى الله عليه وآله وسلم { أفضل الصيام } الخبر ونحوه ورجب , لقوله صلى الله عليه وآله وسلم { من صام يوما من رجب } الخبر ونحوه ) اه
وفي الحاشية عليه : ( قوله ) { من صام يوما من رجب } ونحوه . تمامه { فكأنما صام سنة } وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : { من صام سبعة أيام من رجب غلقت عنه أبواب جهنم } وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : { شعبان شهري , ورجب شهرك يا علي , ورمضان شهر الله } حكي ذلك كله في الشفاء ) اه

والثانية :
أن مذهب الشوكاني في ذلك كالجمهور :
ففي نيل الأوطار 4/291 : ( فائدة : ظاهر قوله في حديث أسامة : " إن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان أنه يستحب صوم رجب ; لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبا به .
ويحتمل أن المراد غفلتهم عن تعظيم شعبان بصومه كما يعظمون رجبا بنحر النحائر فيه , فإنه كان يعظم ذلك عند الجاهلية وينحرون فيه العتيرة كما ثبت في الحديث , والظاهر الأول . والمراد بالناس : الصحابة , فإن الشارع قد كان إذ ذاك محا آثار الجاهلية , ولكن غايته التقرير لهم على صومه , وهو لا يفيد زيادة على الجواز .
وقد ورد ما يدل على مشروعية صومه على العموم والخصوص :
أما العموم : فالأحاديث الواردة في الترغيب في صوم الأشهر الحرم وهو منها بالإجماع . وكذلك الأحاديث الواردة في مشروعية مطلق الصوم .
وأما على الخصوص : فما أخرجه الطبراني عن سعيد بن أبي راشد مرفوعا بلفظ : { من صام يوما من رجب فكأنما صام سنة , ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم , ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة , ومن صام منه عشرة لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه , ومن صام منه خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل , ومن زاد زاده الله } ثم ساق حديثا طويلا في فضله .
وأخرج الخطيب عن أبي ذر { من صام يوما من رجب عدل صيام شهر } وذكر . نحو حديث سعيد بن أبي راشد .وأخرج نحوه أبو نعيم وابن عساكر من حديث ابن عمر مرفوعا .وأخرج أيضا نحوه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس مرفوعا .
وأخرج الخلال عن أبي سعيد مرفوعا { رجب من شهور الحرم , وأيامه مكتوبة على أبواب السماء السادسة فإذا صام الرجل منه يوما وجدد صومه بتقوى الله نطق الباب ونطق اليوم وقالا : يا رب اغفر له , وإذا لم يتم صومه بتقوى الله لم يستغفر له , وقيل : خدعتك نفسك }
وأخرج أبو الفتوح بن أبي الفوارس في أماليه عن الحسن مرسلا أنه قال صلى الله عليه وسلم : { رجب شهر الله , وشعبان شهري , ورمضان شهر أمتي } .
وحكى ابن السبكي عن محمد بن منصور السمعاني أنه قال : لم يرد في استحباب صوم رجب على الخصوص سنة ثابتة , والأحاديث التي تروى فيه واهية لا يفرح بها عالم ....
ولا يخفاك أن الخصوصات إذا لم تنتهض للدلالة على استحباب صومها انتهضت العمومات , ولم يرد ما يدل على الكراهة حتى يكون مخصصا لها .
وأما حديث ابن عباس عند ابن ماجه بلفظ : إن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن صيام رجب } ففيه ضعيفان : زيد بن عبد الحميد , وداود بن عطاء .
( وعن رجل من باهلة ... قوله : ( وصم أشهر الحرم ) هي شهر القعدة والحجة ومحرم ورجب . وفيه دليل على مشروعية صومها . ) اه

والثالثة :
جاء في موسوعة الفقه الكويتية 28 /95 :
( صوم الأشهر الحرم :
ذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والشافعية - إلى استحباب صوم الأشهر الحرم . وصرح المالكية والشافعية بأن أفضل الأشهر الحرم : المحرم , ثم رجب , ثم باقيها : ذو القعدة وذو الحجة ...
وذهب الحنابلة إلى أنه يسن صوم شهر المحرم فقط من الأشهر الحرم . وذكر بعضهم استحباب صوم الأشهر الحرم , لكن الأكثر لم يذكروا استحبابه , بل نصوا على كراهة إفراد رجب بالصوم , لما روى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - : أن { النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب } . ولأن فيه إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه .
وتزول الكراهة بفطره فيه ولو يوما , أو بصومه شهرا آخر من السنة وإن لم يل رجبا .) اه

هذا آخر المطاف والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وأتباعه
عبد الفتاح بن صالح قُديَش اليافعي
اليمن – صنعاء
ذو الحجة / 1426 هـ
 
(أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم)
لعله شُرع فيه الصيام تنصيصاً ؛ لأنّ فيه جنسه . وهو صيام عاشوراء .
ويستحب الإكثار من الطاعات في الأشهر الحرم ؛ تعظيماً لها . كما عظمها ربنا سبحانه
 
عودة
أعلى