صور من صبر النبي صلى الله عليه وسلم والرعيل الأول

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
68
الإقامة
الدوحة - قطر

إليك أيها القارئ الكريم صورًا من هذا الصبر وتلك التضحيات: روى أحمد والشيخان والنسائي عَنْ ابن مسعود - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ. قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ ابْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ " وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ.

هكذا صنيعهم مع أكرم نفس على الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا وحسب، بل ورموه بكل إفك: قالوا: ساحر، وقالوا: شاعر، وقالوا: كاهن، بل وقالوا: كذاب، وقالوا: معلم مجنون. كل ذلك ليصرفوا وجوه الناس عنه، ولكن للحق نور، فتتابع الناس إليه. فلما لم يفلحوا في ذلك، استخدموا وسيلة أخرى: وسيلة المساومة والإغراءات، بل والتهديدات، فجاءوا إلى أبي طالب فقالوا له: يا أبا طالب ! إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه، وإنا والله لا نصبر على هذا: من شتم آباءنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تسلمه لنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين. ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا بن أخي ! إن قومك قد جاءوني فقالوا لي: كذا وكذا.. فأبْقِ علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عم ! والله لو وضعوا الشمس في يميني، و القمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته ". هكذا كان صبره صلى الله عليه وسلم معلمًا أمته .



 
صور من صبر النبي صلى الله عليه وسلم والرعيل الأول ( 2 )

الصحيفة الجائرة والمقاطعة الاقتصادية :

ثم اشتد الأمر بالمسلمين، وزاد الإيذاء بكل أساليبه وأنواعه، حتى أجمعت قريش على التضييق على بني هاشم وبني المطلب ليسلموا لهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان كتابة الصحيفة الآثمة، والحصار الاقتصادي، وكان ذلك ثلاث سنين احتمل فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه الجهد البالغ حتى أكلوا أوراق الشجر، وصبروا محتسبين لم تلن لهم قناة، ولم تهتز لهم عزيمة، ولم ير منهم أعداء الله ورسوله إلا الثبات.. نعم إنه الإيمان الصادق الذي يصنع المعجزات.

فهكذا واجهوا جميعًا هذا البلاء العام بصبر واحتساب.

كما واجه كل واحد من الصحابة بلاء خاصًا به ليمتاز بدينه ويثبته الله عليه، فالإيمان يُبتلى ليميز الله الخبيث من الطيب، وليظهر الصادق من الكاذب ؛ قال الله تعالى: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [ العنكبوت: 2، 3].

فهذا ياسر وآله رضي الله عنهم، يعذبون عذابا لا يتحمله بشر، ويمر بهم الرسول e، ولا يملك أن يدفع عنهم، فيقول لهم مواسيا ومصبِّرا: " صبرا آل ياسر إن موعدكم الجنة ". وتقتل سمية أم عمار عليهم رضوان الله، لتكون أول شهيدة في الإسلام، ولتضرب المثل لغيرها في الصبر والاحتساب.

وهذا بلال رضي الله عنه يضرب بالسياط، ويُخرج به إلى الصحراء في شدة الحر، ويوضع على صدره الصخر، ويجوَّع، ويعطَّش، كل هذا لماذا ؟ ليكفر بالله العظيم، ويؤمن بالآلهة الباطلة، ولا يزيد على أن يقول: أحدٌ أحد، وكان يقول: والله لو أعلم أن هناك كلمة أشد غيظا لهم من هذه لقلتها.

وأبو بكر رضي الله عنه يضرب ضربا شديدا حتى يغمى عليه، وابن مسعود رضي الله عنه يضرب ضربا مبرحا عندما جهر بالقرآن حتى اختلفت ملامح وجهه، وأبو ذر يجتمع عليه كفار قريش حتى كادوا يقتلونه، وغيرهم... وغيرهم. فالأمثلة كثيرة،

إنه الابتلاء العظيم لتمحيص القلوب، وتمييز الصادقين من الكاذبين. { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران:179].

يا مسلمٌ تدعي الإسلام مجانا ... هلا أقمت على دعواك برهانا



 
عودة
أعلى