صور من حسن العشرة بين الزوجين

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
) تتبع أحوال الزوج
في الحياة كثير مما يعكر الصفو ، وقد يكون ظاهرا ، وقد يكون خفيا ؛ وقد يحدث عند أحد الزوجين شيء من هذا يلاحظ في أسلوب كلامه ونظراته وبعض أفعاله ، فمن حسن العشرة أن ينظر الطرف الآخر في أسباب ذلك ويحاول إزالته .. ليرجع الصفو وتدوم العشرة .
روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ e : " إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى " قَالَتْ : فَقُلْتُ : مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : " أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ : لَا ، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ : لا ، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ " قَالَتْ : قُلْتُ : أَجَلْ ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلا اسْمَكَ ( 1[1] ) .
قال ابن حجر - رحمه الله: يُؤْخَذ مِنْهُ اِسْتِقْرَاء الرَّجُل حَال الْمَرْأَة مِنْ فِعْلهَا وَقَوْلهَا فِيمَا يَتَعَلَّق بِالْمَيْلِ إِلَيْهِ وَعَدَمه , وَالْحُكْم بِمَا تَقْتَضِيه الْقَرَائِن فِي ذَلِكَ , لأَنَّهُ e جَزَمَ بِرِضَا عَائِشَة وَغَضَبهَا بِمُجَرَّدِ ذِكْرهَا لاسْمِهِ وَسُكُوتهَا , فَبَنَى عَلَى تَغَيُّر الْحَالَتَيْنِ مِنْ الذِّكْر وَالسُّكُوت تَغَيُّر الْحَالَتَيْنِ مِنْ الرِّضَا وَالْغَضَب , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِنْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ شَيْء آخَر أَصْرَح مِنْهُ لَكِنْ لَمْ يُنْقَل .
وَقَوْل عَائِشَة : ( أَجَل يَا رَسُول اللَّه مَا أَهْجُر إِلا اِسْمك ) قَالَ الطِّيبِيُّ : هَذَا الْحَصْر لَطِيف جِدًّا ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي حَال الْغَضَب الَّذِي يَسْلُب الْعَاقِل اِخْتِيَاره لَا تَتَغَيَّر عَنْ الْمَحَبَّة الْمُسْتَقِرَّة .ا.هـ وَقَالَ اِبْن الْمُنَيِّر : مُرَادهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَتْرُك التَّسْمِيَة اللَّفْظِيَّة وَلَا يَتْرُك قَلْبهَا التَّعَلُّق بِذَاتِهِ الْكَرِيمَة مَوَدَّة وَمَحَبَّة .ا .هـ .
ومن هذا الباب ما في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ .. الحديث ( [2]2 ) .

2 ) ومن حسن العشرة تطييب خاطر الزوج ومراعاة مشاعرها
وهذا مما يدخل السرور على النفس ويزيل آثار الحزن والهم ؛ وقد قال الله تعالى لنبيه : ]تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ [ (الأحزاب: 51 ) وعن صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ - رضي الله عنها - قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ e وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ كَلامٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : " أَلا قُلْتِ : فَكَيْفَ تَكُونَانِ خَيْرًا مِنِّي ، وَزَوْجِي مُحَمَّدٌ ، وَأَبِي هَارُونُ ، وَعَمِّي مُوسَى ؟! " وَكَانَ الَّذِي بَلَغَهَا أَنَّهُمْ قَالُوا : نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ e مِنْهَا ، وَقَالُوا : نَحْنُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ e وَبَنَاتُ عَمِّهِ ( [3]3 ) .
وفي سير أعلام النبلاء عن صفية بنت حيي - رضي الله عنها - أن النبي e حج بنسائه ، فبرك بصفية جملها فبكت ، وجاء رسول الله e لما أخبروه ، فجعل يمسح دموعها بيده ، وهي تبكي وهو ينهاها ( [4]4 ) .
فليتنا نتعلم من قدوتنا e في حياته مع أهله ، ليكون لنا نبراسًا في حياتنا الزوجية ، وأعتقد أن هذه السنن الزوجية تُصلح كثيرًا مما يجري بين الأزواج في حياتهم ... أليس كذلك ؟ ... بلى .

[1] - البخاري ( 5228 ) ، ومسلم ( 2439 ) .

[2] - البخاري ( 5267 ) ، ومسلم ( 1474 ) .

[3] - رواه الترمذي ( 3892 ) ، والطبراني في الأوسط ( 8503 ) ، والحاكم (6790).

[4] - سير أعلام النبلاء : 2 / 233، 234 .


 
ومن حسن العشرة
الإغضاء عن الهفوات
للإنسان هفوات ذكرًا كان أو أنثى ، ولابد ؛ وفهم هذه الحتمية تجعل للزوجين فهمًا للإغضاء عن الهفوات ، ولكن طبيعة المرأة العاطفية مع ما فيها من نقص في العقل قد يكون منها التسرع والوقوع في مثل هذه الهفوات ، فلابد للزوج أن يدرك ذلك منها وأن يغمض عينيه عن تلك الهفوات ، ليفتحها على جوانب الخير فيها ؛ وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ " ([1]) ، وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ " ([2]) .
قال ابن حجر – رحمه الله : قيل : اِقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ وَاعْمَلُوا بِهَا وَارْفُقُوا بِهِنَّ وَأَحْسِنُوا عِشْرَتهنَّ ؛ وقَوْلُهُ : «خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع " قِيلَ : فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ حَوَّاء خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع آدَم الأَيْسَر ، وقَوْله : « وَإِنَّ أَعْوَج شَيْء فِي الضِّلْع أَعْلاهُ » قِيلَ : فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ أَعْوَج مَا فِي الْمَرْأَة لِسَانهَا , وَفَائِدَة هَذِهِ الْمُقَدِّمَة أَنَّ الْمَرْأَة خُلِقَتْ مِنْ ضِلْع أَعْوَج فَلا يُنْكَر اِعْوِجَاجهَا , أَوْ الإِشَارَة إِلَى أَنَّهَا لا تَقْبَل التَّقْوِيم كَمَا أَنَّ الضِّلْع لا يَقْبَلهُ . قَوْلُهُ : " فَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمهُ كَسَرْته " قِيلَ : هُوَ ضَرْب مَثَل لِلطَّلاقِ ، أَيْ : إِنْ أَرَدْت مِنْهَا أَنْ تَتْرُك اِعْوِجَاجهَا أَفْضَى الأَمْر إِلَى فِرَاقهَا , وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة مُسْلِم : " وَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمهَا كَسَرْتهَا , وَكَسْرهَا طَلاقهَا " ([3]) .
قال القسطلاني - رحمه الله : فيه ندب إلى مداراة النساء وسياستهن والصبر على عوجهن ، وأن من رام تقوميهن رام مستحيلا وفاته الانتفاع بهن ، مع أنه لا غنى للإنسان عن امراة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه ([4]) .ا.هـ .
فإذا علم ذلك فعلى الزوج أن يأخذ الأمور بحكمة ويتغاضى عن الهفوات ، ويصبر على المرأة ، ولا يجنح إلى الخيال ولا يطلب الكمال ؛ وليعلم أن حسن الخلق معها ليس كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها ، والحلم عن طيشها وغضبها ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان أزواجه يراجعنه الكلام وتهجره إحداهن إلى الليل ([5]) .

[1] - مسلم ( 1469 ) .

[2] - البخاري ( 3331 ) ومسلم (1468) .

[3] - انظر فتح الباري : 6 / 368 ، مختصرا .

[4] - إرشاد الساري : 8 / 78 .

[5] - جزء من حديث رواه مسلم ( 1479 ) .
 
الإغضاء عن الهفوات وترك تتبع الزلات وإقالة العثرات ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة : (.... وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض) .
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ، وإن كنت أخشى أن أكون قد أفسدت تسلسل الموضوع بهذه المشاركة ، فعذرا منكم .
 
ومن حسن العشرة
حسن التصرف في مواقف الغيرة
ففي صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ ، فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ ، فَانْفَلَقَتْ ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصَّحْفَةِ ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ ، وَيَقُولُ : " غَارَتْ أُمُّكُمْ " ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا ، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا ، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ ([1]) .
ورواه النسائي عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا أَتَتْ بِطَعَامٍ فِي صَحْفَةٍ لَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فَجَاءَتْ عَائِشَةُ مُتَّزِرَةً بِكِسَاءٍ وَمَعَهَا فِهْرٌ [حجر ] فَفَلَقَتْ بِهِ الصَّحْفَةَ ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ فِلْقَتَيْ الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ : " كُلُوا ، غَارَتْ أُمُّكُمْ " مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَحْفَةَ عَائِشَةَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، وَأَعْطَى صَحْفَةَ أُمِّ سَلَمَةَ عَائِشَةَ ([2]) .
ياله من موقف عظيم ، ومعالجة له هي أعظم منه ، وهذا الموقف وما يشابهه بسبب الغيرة يتكرر في حياة الأزواج ؛ فهل يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا في معالجة هذه المواقف ؟ أقول جازمًا : إن كان الرسول قدوتنا في حياتنا الزوجية لقلَّت جدًّا تلكم المشاكل التي بين الزواج .
قال ابن حجر - رحمه الله : وقـوله : " غَارَتْ أُمُّكُمْ " اعتذار منه صلى الله عليه وسلم لئلا يحمل صنيعها على ما يذم ، بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة ، فإنها مركبة في النفس بحيث لا يقدر على دفعها ([3]) ، قَالُ العلماء : فِيهِ إِشَارَة إِلَى عَدَم مُؤَاخَذَة الْغَيْرَاء بِمَا يَصْدُر مِنْهَا لأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَة يَكُون عَقْلهَا مَحْجُوبًا بِشِدَّةِ الْغَضَب الَّذِي أَثَارَتْهُ الْغَيْرَة ؛ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ لا بَأْس بِهِ عَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا : " إِنَّ الْغَيْرَاء لا تُبْصِر أَسْفَل الْوَادِي مِنْ أَعْلاهُ " قَـالَهُ فِي قِصَّة ؛ وَعَنْ اِبْن مَسْعُود رَفَعَهُ : " إِنَّ اللَّه كَتَبَ الْغَيْرَة عَلَى النِّسَاء , فَمَنْ صَبَرَ مِنْهُنَّ كَانَ لَهَا أَجْر شَهِيد " أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَأَشَارَ إِلَى صِحَّته وَرِجَاله ثِقَات , لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي عُبَيْد بْن الصَّبَاح مِنْهُمْ ([4]) .
إن معالجة مواقف الغيرة من المرأة تحتاج إلى حكمة عالية ، وفي معالجة النبي صلى الله عليه وسلم لما فعلته أمنا عائشة رضي الله عنها ، وقوله : " غَارَتْ أُمُّكُمْ " ، ما يبين ذلك ، فإذا عُلم أن الغيرة في النساء أمرٌ مكتوب عليها ، فلابد أن يتعامل الرجل معه بفهم وحكمة ... وهذا من حسن العشرة .
كما يجب على المرأة – أيضًا – أن تحدَّ من غيرتها ، وتصبر في مواقف يمكن أن تؤدي الغيرة فيها إلى أمور لا تحمد عقباها ... وهذا - أيضًا - من حسن عشرة المرأة لزوجها ؛ فحسن العشرة أمر مشترك يتبادل فيه الطرفان حسن التصرف في المواقف بأخلاق الإسلام .


[1] - البخاري ( 5225 ) .

[2] - النسائي ( 3956 ) .

[3] - فتح الباري : 5 / 126 .

[4] - فتح الباري : 9 / 325 ، وحديث عائشة رواه أبو يعلى ( 4670 ) .
 
من حسن العشرة المحادثة
والاستشارة بين الزوجين
لما كان الزوجان شريكين في الحياة كان الحوار بينهما من الأمور المطلوبة ، وقد كان النبي e يحاور نسائه ويشاورهم ، ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ e : إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلّا اضْطَجَعَ ([1]) .
وفي رواية عند البخاري : كَانَ إِذَا صَلَّى فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلا اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤْذَنَ بِالصَّلاةِ ([2]) . وعند أحمد : كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ اضْطَجَعَ ، فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَانَةً تَحَدَّثَ مَعِي ، وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً نَامَ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ ([3]) .
ففي الرواية الأولى أن ذلك بعد ركعتي الفجر ، وفي الروايات الأخرى أنه بعد صلاة الليل ، وكأنه e كان يتحين الوقت للكلام معها ، وهو ما ينبغي أن يفعله الزوج ، فالحديث فيه إيناس وإزالة وحشة ، وقد يكون فيه مداولة لأمور حياتية تهم الطرفين ؛ وقد مربك حديث أم زرع .
وأما المشورة فتستحب فيما تحسنه المرأة من شئون بيتها أو أمر زواج بناتها ، وقد يكون في غير ذلك مما يمكن أن تشير فيه برأي صائب ؛ وقد أشارت أم سلمة - رضي الله عنها - على النبي e بأمر صائب أخذ به وكان فيه صلاح ؛ فبعد صلح الحديبية وما كان فيه بنود ، فلَمَّا فَرَغَ e مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ لأَصْحَابِهِ : " قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا " فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ ؛ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ : نَحَرَ بُدْنَهُ ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ ؛ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا ؛ حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ([4]) .
فما أروعها من مشورة أتت بعظيم فائدة ... ولكن من مثل أمنَّا أم سلمة رضي الله عنها ؟ وأحسب أن في بعض النساء عقل وحسن مشورة أفضل من بعض الرجال ؛ والعلم عند الله تعالى .

[1] - البخاري ( 1162 ) ، ومسلم ( 743 ) .

[2] - البخاري ( 1161 ) .

[3] - أحمد : 6 / 35 .

[4] - جزء من حديث رواه البخاري (2731،2732) عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم .
 
من حسن العشرة
صلة أقارب الزوج
من المعلوم وجوب صلة الرحم ، ومن هنا كان من حسن العشرة المتبادلة بين الزوجين توقير أقارب كلٍ ، والمعاونة على صلتهم حسب الاستطاعة ، وعدم إيصال سوء إليهم قولا كان أو فعلا ؛ وبخاصة الوالدين فإن حقهما بعد حق الله ورسوله e ؛ فليس من حسن العشرة أن يمنع الرجل زوجته من بر أبويها ؛ وليس من حسن العشرة أن تكون المرأة سببا في أن يقطع الرجل رحمه .
وبالجملة فكل ما كان من حسن قول أو حسن فعال في قدرة الزوج أو الزوجة فعلى كل منهما أن يقوم به تجاه الآخر .

فائدة :
روى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن موسى الرازي قال : عُمل مجلس موسى بن إسحاق القاضي ، وقدمت امرأة تشكو زوجها إليه فادعت عليه مهرها خمسمائة دينار ، فأنكر الرجل ؛ فقال وكيل المرأة : قد أحضرت شهودي ، فقال واحد من الشهود : انظر إلى المرأة ، فقام وقامت ، فقال الزوج : يفعل ماذا ؟ ينظر إلى امرأتي ؟ قالوا : نعم ! قال : فإني أشهد القاضي أن لها علي مهرها خمسمائة دينار كلها ذهبا عينا مثاقيل ولا تسفر عن وجهها ، قالت المرأة : فإني أشهد القاضي أني قد وهبتها له ؛ قال القاضي : يكتب هذا في مكارم الأخلاق ([1]) .

[1] - شعب الإيمان ( 10804 ) .
 
حسن المنطق من حسن العشرة
للكلمة موقع في القلب قبولا وردًّا ، واستحسانًا ورفضًا ؛ فإذا كانت الكلمة حسنة فإن لها دور عجيب في تغيير الأحوال وتحسين العلاقات ؛ وقد قال الله تعالى: ] وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [ ( الإسراء : 53 ) .
وكم من مشكلات بين الزوجين فاقت التصور سببها أن الزوج لا يكلم امرأته كلامًا حسنًا فيه ود وحب وملاطفة ؛ فلا يقول لها إذا قدمت له شيئًا مثلا : ( جزاك الله خيرًا .. هذا طعام طيب .. هذا عمل جميل .. وما شابه ذلك ) ، ولا يناديها بلقب تحبه أو يحدثها بكلام فيه غزل مباح بين الرجل وامرأته ، ونحو ذلك ؛ وقد كان النبي e يلاطف زوجاته بحسن الحديث فمن ذلك - مثلا - أنه كان ينادي عائشة بقوله : " يا عائش " ( [1] ) ، وهو ما يعرف بالترخيم ، وهو حذف الحرف الأخير من الاسم ، وفيه ملاطفة ؛ وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يؤانسهم بذلك e ؛ وقد قال تعالى : ] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [ ( الأحزاب : 21 ) .
ومن أمثلة هذه الملاطفات حديث أم زرع ، فروى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - قَالَتْ : جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا ؛ قَالَتْ الأُولَى : زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ [ شديد الهزال ] عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ: لا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى ، وَلا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ .
قَالَتْ الثَّانِيَةُ : زَوْجِي لا أَبُثُّ [ أنشر ] خَبَرَهُ ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لا أَذَرَهُ ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ [ عيوبه ] .
قَالَتْ الثَّالِثَةُ : زَوْجِي الْعَشَنَّقُ [ الفارع الطول ، المعنى : لَيْسَ فِيهِ أَكْثَر مِنْ طُول بِلَا نَفْع ] : إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ .
قَالَتْ الرَّابِعَةُ : زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ : لا حَرَّ ، وَلا قُرَّ ، وَلا مَخَافَةَ ، وَلا سَآمَةَ .
قَالَتْ الْخَامِسَةُ : زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ [ أي : يتغافل ] ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ ، وَلا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ .
قَالَتْ السَّادِسَةُ : زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ [ أكثر وخلط ] ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ [ شرب ما في الإناء ] ، وَإِنْ اضْطَجَعَ الْتَفَّ ، وَلا يُولِجُ الْكَفَّ [ كناية عن عدم قربه منها ] لِيَعْلَمَ الْبَثَّ [ الهم ] .
قَالَتْ السَّابِعَةُ : زَوْجِي غَيَايَاءُ [مِنْ الْغَيّ , وَهُوَ الِانْهِمَاك فِي الشَّرّ ] ( أَوْ عَيَايَاءُ [ عنين ] ) طَبَاقَاءُ [الأَحْمَق ] ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ : شَجَّكِ [ جَرَحَك فِي الرَّأْس ] ، أَوْ فَلَّكِ [ الْفَلُّ الْكَسْر وَالضَّرْب ] ، أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ .
قَالَتْ الثَّامِنَةُ : زَوْجِي الرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ [ طِّيب مَعْرُوف ] ، وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ [ لِين الْجَانِب ] .
قَالَتْ التَّاسِعَةُ : زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ [ أي رَفِيع الشرف ] ، طَوِيلُ النِّجَادِ [ حَمَائِل السَّيْف ] ، عَظِيمُ الرَّمَادِ [ تصفه بالجود وكثرة الضيافة ] ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنْ النَّادِ [ وصفته بالكرم لأن ناديه قريب من بيته ] .
قَالَتْ الْعَاشِرَةُ : زَوْجِي مَالِكٌ ، وَمَا مَالِكٌ ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ ، قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ [ بِكَسْرِ الْمِيم الْعُودُ الَّذِي يَضْرِبُ ] أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ [أَرَادَتْ أَنَّ زَوْجهَا عَوَّدَ إِبِله إِذَا نَزَلَ بِهِ الضِّيفَان نَحَرَ لَهُمْ مِنْهَا , وَأَتَاهُمْ بِالْعِيدَانِ وَالْمَعَازِف وَالشَّرَاب , فَإِذَا سَمِعَتْ الْإِبِل صَوْت الْمِزْهَر عَلِمْنَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُ الضِّيفَان, وَأَنَّهُنَّ مَنْحُورَات هَوَالِك ] .
قَالَتْ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ ؟ أَنَاسَ [ النَّوْس : الْحَرَكَة مِنْ كُلّ شَيْء مُتَدَلٍّ ] مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ ، وَبَجَّحَنِي [ فَرَّحَنِي وَعَظَّمَنِي ] فَبَجَحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي ؛ وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ [ اسم موضع ] ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ [ أَصْوَات الْخَيْل ] وَأَطِيطٍ [أَصْوَات الإِبِل ] وَدَائِسٍ [ يَدُوسُ الزَّرْع يدَرَسَهُ ] وَمُنَقٍّ [ يُنَقِّيهِ بِالْغِرْبَالِ , وَالْمَقْصُود أَنَّهُ صَاحِب زَرْع , وَيَدُوسُهُ وَيُنَقِّيهِ ] ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ [ أُرْوَى حَتَّى أَدَعَ الشَّرَاب مِنْ شِّدَّة الرِّي ] ؛ أُمُّ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ [ الأَوْعِيَة الَّتِي فِيهَا الطَّعَام وَالأَمْتِعَة ؛ رَدَاح : عِظَام كَبِيرَة ] ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ؛ ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ [خَفِيف اللَّحْم كَالشَّطْبَةِ , وَهُوَ مِمَّا يُمْدَحُ بِهِ الرَّجُل ] ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ [الأُنْثَى مِنْ أَوْلاد الْمَعْزِ ] ؛ بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا ، وَمِلْءُ كِسَائِهَا ، وَغَيْظُ جَارَتِهَا ؛ جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ؟ لا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا [ لا تُشِيعُهُ وَتُظْهِرُهُ ] ، وَلا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا [لا تُفْسِدُ طَعَامَنَا وَلا تُفَرِّقُهُ ] ، وَلا تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا [ لا تَتْرُكُ الْكُنَاسَة وَالْقُمَامَة فِيهِ مُفَرَّقَة كَعُشِّ الطَّائِر ] ؛ قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ [ سَقِيَّة اللَّبَن الَّتِي يُمْخَض فِيهَا ] تُمْخَضُ ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا ؛ فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلا سَرِيًّا ، رَكِبَ شَرِيًّا [ الْفَرَس الْفَائِق الْخِيَار ] ، وَأَخَذَ خَطِّيًّا [ الْخَطِّيّ الرُّمْح ] ، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا ، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا ، قَالَ : كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ ؛ فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِي مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ ! قَالَتْ عَائِشَةُ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ e : " كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ " .
قَالَ الْعُلَمَاء: هُوَ تَطْيِيبٌ لِنَفْسِهَا , وَإِيضَاحٌ لِحُسْنِ عِشْرَته إِيَّاهَا ؛ وفِي حَدِيث أُمّ زَرْع فَوَائِد ، مِنْهَا : اِسْتِحْبَاب حُسْن الْمُعَاشَرَة لِلأَهْلِ , وَجَوَاز الإِخْبَار عَنْ الأُمَم الْخَالِيَة , وَأَنَّ الْمُشَبَّه بِالشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مِثْله فِي كُلّ شَيْء , لأَنَّ النَّبِيّ e قَالَ لِعَائِشَة : " كُنْت لَك كَأَبِي زَرْع لأُمِّ زَرْع " ، وَمِنْ جُمْلَة أَفْعَال أَبِي زَرْع أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته أُمَّ زَرْع , وَلَمْ يَقَع ذلك من النَّبِيِّ e لعائشة رضي الله عنها ( [2] ) .
ومنها ما رواه أبو نعيم والبيهقي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كنت قاعدة أغزل والنبي e يخصف نعله ، فجعل جبينه يعرق ، وجعل عرقه يتولد نورًا ، فبهت ( اندهشت ) فنظر إلي رسول الله e فقال : " مالك يا عائشة بهت ؟ " قلت : جعل جبينك يعرق ، وجعل عرقك يتولد نورًا ، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم انك أحق بشعره ! قال: " وما يقول أبو كبير ؟ " قالت : قلت يقول :
وَمُبَرَّأٌ مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ ... وَفسَادِ مُرْضِعَةٍ وَدَاءٍ مُغْيَّلِ
فإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلِّلِ

قالت : فقام إلي النبي e وقبل بين عيني ، وقال : " جزاك الله يا عائشة عني خيرا ؛ ما سررت مني كسروري منك " ( [3] ) .
ومعنى ( غُبَّرِ حَيْضَةٍ ) أي : بقايا حيضة ؛ والمُغْيَّلِ من الغيلة بكسر الغين ، وهو أن تغشى المرأة وهي ترضع ؛ والمعنى : أنها حملت به وهي طاهرة ليس بها بقية حيض ، ووضعته ولا داء به استصحبه من بطنها ، ولم ترضعه أمه غيلا ؛ وأسرة وجهه : خطوط جبهته ؛ والعارض من السحاب ما يعرض في جانب السماء ، والمتهلل المتلألئ بالبرق ؛ يقول : إذا نظرت في وجهه رأيت أسارير وجهه تشرق إشراق السحاب المتهلل بالبرق .
وفي الحديث ما فيه من بيان الود والحب والملاطفة من السيدة عائشة - رضي الله عنها - ثم من ردِّ النبي e على ذلك ؛ مما ينبغي أن يكون عليه الزوجان .

[1] - انظر صحيح البخاري ( 3768 ) ، وصحيح مسلم ( 974 ) .

[2] - انظر شرح النووي على مسلم : 15 / 221 .

[3] - حلية الأولياء : 2 / 46 ، والسنن الكبرى للبيهقي : 7 / 422 ، ورواه البغدادي في تاريخه : 13 / 253 ، والمزي في تهذيب الكمال : 28 / 319 ، 320 .
 
ومن حسن العشرة اللهو مع
الزوجة واللعب معها
وهذا أمر قد يغفله كثير من الناس ، وفيه ما فيه من التواد والتحاب والتقريب بين الزوجين ؛ وقد فعله النبي e ؛ فعند أحمد وأبي داود وابن ماجة عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ e فِي سَفَرٍ قَالَتْ : فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ ؛ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي ، فَقَالَ : " هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ "( 1 ) . مسابقة ومداعبة وملاطفة . وقد قال e : " وَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ بَاطِلٌ إِلا رَمْيَةَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ ، وَمُلاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ " ( 2 ) .

ومن حسن المعاشرة معاونتها
في بعض أمور البيت
ومن حسن العشرة أن يساعد الرجل زوجه في بعض شئون البيت ، وفيه إشارة للعناية بها وتقدير ما تقوم به وأنه قريب منها ؛ وفي صحيح البخاري عَنْ الأَسْوَدِ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - مَا كَانَ النَّبِيُّ e يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ ( 3 ).
وفي رواية لأحمد : قِيلَ لِعَائِشَةَ : مَا كَانَ النَّبِيُّ e يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : كَمَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ ؛ وفي أخرى : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e يَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ( 4 ). وفي رواية : قَالَتْ: سُئِلْتُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : كَانَ بَشَرًا مِنْ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ ( 5 ) وَزَادَ اِبْن حِبَّانَ " وَيَرْقَعُ دَلْوَهُ " ( 6 ) .
قال ابن حجر - رحمه الله : وَفِيهِ التَّرْغِيب فِي التَّوَاضُع وَتَرْك التَّكَبُّر وَخِدْمَة الرَّجُل أَهْله ؛ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّف فِي الْأَدَب ( كَيْفَ يَكُون الرَّجُل فِي أَهْله ) ( 7 ) .

[1] - أحمد : 6 / 39 ، 280 ، أبو داود ( 2578 ) ، وابن ماجة ( 1979 ) .

[2] - جزء من حديث رواه أحمد : 4 / 144 ، 148 ، وأبو داود ( 2513 ) ، والترمذي ( 1637 ) وصححه ، والنسائي ( 3578 ) ، وابن ماجة ( 2811 ) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه .

[3] - البخاري ( 676 ، 5363 ، 6039 ) .

[4] - أحمد: 6/106، 167، ورواه البخاري في الأدب (540)، وابن حبان ( 6440 ) .

[5] - أحمد : 6 / 256 ، والبخاري في الأدب ( 541 ) ، وابن حبان ( 5675 ) .

[6] - ابن حبان ( 5676 ) .

[7] - انظر فتح الباري : 2 / 163 .
 
عودة
أعلى