صورتان في القرآن الكريم للعلم النافع والعلم الذي لا ينفع
قال الله تعالى في سياق قصة قارون : {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{79} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ{80} فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ{81} وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ{82} سورة القصص
هؤلاء أهل العلم بالله تعالى وعظمته ووقاره وحقّه عز وجل ، والعلم بحقارة الدنيا وزخرفها، والعلم بأمر الآخرة وأنها هي خير وأبقى وهي المقصِد، والعلم بأن ما أوتيه قارون ليس دليلاً على رضاء الله عنه وليس دليلاً على أنه ناجٍ مفلح وأن الذي ينبغي أن يتمناه العبدُ وتتوجه إليه همته هو ثواب الله لا زخرف الدنيا فهي علوم مجتمعة ونور على نور.. كل ذلك من جملة "ويلكم ثواب الله خير" .
وأهل الجهل قالوا عن قارون : "إنه لذو حظٍ عظيم" فتمنّوا أن يكونوا مثله وظنوا أنه حظيٌّ عند الله، إما في الدنيا -والحال أن هذا منتهى إرادتهم ونظرهم ولا التفاتَ لهم إلى الآخرة- أو أنهم مع ذلك ظنوا أنه لا يكون ذا حظ بهذا الشكل في الدنيا إلا وهو حظيٌّ عند الله بإطلاق مرضيٌّ عنه عند ربه، فكان جهلهم جهالاتٍ متراكمة بعضها فوق بعض.
وقال تعالى : {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ{82} فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون{83} فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ{84} فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ{85} آخر سورة غافر
عندما جاءتهم رسلهم بالهدى والبينات وتلتْ عليهم الوحي صدوا عن دعوتهم واستهانوا بهم واستخفوا واستهزؤوا وفرحوا بما عندهم من العلوم والفلسفات والثقافات والحضارة والمدنية والتقدم والتكنلوجيا والفنون والآداب وسائر المعارف والتجارب والمكاسب الإنسانية، ورأوا أنهم على شيء وأنهم أفضل من الأنبياء علماً ومعرفةً، وأن ما عند الأنبياء ليس بعلمٍ ولا شيئاً ذا قيمة، مجرد مواعظ وآداب وأحكام وما شابه ذلك عندنا نحن مثلها وأكثر منها وليس فيها جديد ولا إبداع...!
إنه العلم الفاسد المذموم المردي، وقد سماه الله علماً مع ذلك.
ولعلي أستظهر لتسميته علماً أوجهاً : منها أنه كذلك في نفس الأمر إذ هو إدراكٌ.
ومنها أنه ليس مذموماً بإطلاق من حيث هو ، وإنما كان علماً فاسداً غير نافع لأنه صدّ عن سبيل الله وجُعِل في معارضة العلم والهدى والنور الذي جاء به الأنبياء. والله أعلم
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وعملا صالحاً ورزقاً طيباً مباركاً وعملاً متقبَّلاً وغنىً عن الناس .. آمين