.
قلتُ يا دكتورنا الحبيب: الغدر ليس في السم فحسب ولا في السحر ــــــ كما تفضلت فقط ـــــــــ بل في :
أخلاق الذئاب
وروغان الثعالب
وسم العقارب والحيات .
الغدر : تنور الحقد الذي يُشوى به صاحبه قبل أن يُصّدر إلى الغير .
أرى العداوة لا أرى أسبابها .
أرى الغدر قد كَثُرت صوره وعَلَت أصواته وزمجرت كلابه فهذا "يخزِّن" حقدا كحقد الإبل .
يبكى علينا ولا نبكي على أحد ؟ **** لنحن أغلظ أكبادا من الابل
وذاك يبسم ابتسامة باهتة كابتسامة الليوث ــــ من حيث الظاهر ــــ ولكنها في الحقيقة بسمة تحمل وعيدا وتهديدا غفل عن معناه الكرماء وذهل عن مبناه الأصفياء .
إن الغدر والخبث وسواد الطوية رأيناه بأعيننا ـــــ وليس مع العين أين ــــــ في أناس يصدق عليهم قوله تعالى:{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (الكهف104) ساقوا غيرهم كما وصف القرآن {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50المدثر ) فظنوا أن الناس جميعا من فصيل الحُمُر المستنفرة ، في حين أن من الناس من يأبى الركوع إلا لله ، وهم هم الذين يجوّدون ألاعيب الغادرين ويخيل لأهل الغدر من سحرهم أن الناس لا يكادون يفقهون حديثا .
إن من أعظم أنواع الخيانة والغدر والإجرام ودس السم وحفر الجُبّ للخصم مُجَرَاة الخَوَنَة
والتصفيق لهم
وتقبيل أياديهم
والانحناء على أعتابهم
والخوف من أقلامهم التى مدادها السم الزعاف .
إذ من فَعَلَ هذا النقص فهو مشارك في تلويث الحياة وتلوينها بلون الجريمة ، جريمة الطاعة العمياء للجبابرة والمتكبرين والوصوليين والمتغطرسين { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54){الزخرف}
إن الخونة أصحاب" الأفئدة الهواء "كما قال الله{ وأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } حياتهم محدودة، وأنفاسهم معدودة، ويوم خروجهم من وجاهتهم يوم خروجهم من الحياة خروجا أبدياً ، وسيذكرهم التاريخُ في " مزابل " القوم و"زرائب" الحيوانات النافقة ، وسيَعُدُّهم فيروسا من الفيروسات الضارة كانفلونزا الخنازير......وكل من نفر منه خوفا على أنفسنا كفرارنا من المجزوم ، نعم سنفر منهم فرارنا من الأسد.
الكل سيُخَمِّر أنفه عند مرورهم عليه خوفا من تلوثه منهم من هوائهم من كلامهم من شهيقهم ومن زفيرهم .
الكل سيتنكَّر لهم لأنهم دخلوا التاريخ من باب الأعرابي الذي بال في المسجد .
إننا نحن صنّاع الخونة ، كما أننا نحن صناع الكبار والمتواضعين والنبهاء وأهل النبوغ، وقبل أن نشتكي من الغير يجب أن ننتقد ذواتَنا بذواتنا ، وأنفسَنا بأنفسنا وأعمالنا بأعمالنا .
إنني بدلا من أن أمحض دعائي في رمضان على الإفطار لنفسي وولدي وبيتي ونصرة المسلمين ، دعتني مرارةُ الخيانة وقتامة الغدر أن أخص الغادرين بقَسْم من الدعاء أن يهديهم ربي أو أن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر وما ذلك على الله بعزيز .
اللهم اهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين .
وزدنا طهرا ونبلا وسعة في الصدر وتواضعا لك يارب وحبا لمصالح العباد والبلاد.
أورد الذهبي في الكبائر وابن حجر الهيثمي في الزوجر ما نصه :
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : { اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَى مَنْ ظَلَمَ مَنْ لَا يَجِدُ لَهُ نَاصِرًا غَيْرِي } .
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ : لَا تَظْلِمَنَّ إذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا فَالظُّلْمُ تَرْجِعُ عُقْبَاهُ إلَى النَّدَمِ
تَنَامُ عَيْنَاك وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ يَدْعُو عَلَيْك وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنِمْ
وَقَوْلُ الْآخَرِ : إذَا مَا الظَّلُومُ اسْتَوْطَأَ الْأَرْضَ مَرْكَبًا وَلَجَّ غُلُوًّا فِي قَبِيحِ اكْتِسَابِهِ
فَكِلْهُ إلَى صَرْفِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ سَيُبْدِي لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : لَا تَظْلِمَنَّ الضُّعَفَاءَ فَتَكُنْ مِنْ شِرَارِ الْأَقْوِيَاءِ .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّ الْحُبَارَى لَتَمُوتُ هَوْلًا فِي وَكْرِهَا مِنْ ظُلْمِ الظَّالِمِ .
وَقِيلَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ : يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ وَرَاءِ الْجِسْرِ يَعْنِي الصِّرَاطَ يَا مَعْشَرَ الْجَبَابِرَةِ الطُّغَاةِ ، وَيَا مَعْشَرَ الْمُتْرَفِينَ الْأَشْقِيَاءِ ، إنَّ اللَّهَ يَحْلِفُ بِعِزَّتِهِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ هَذَا الْجِسْرَ الْيَوْمَ ظُلْمُ ظَالِمٍ .
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { لَمَّا رَجَعَتْ مُهَاجِرَةُ الْحَبَشَةِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَلَا تُخْبِرُونِي بِأَعْجَبَ مَا رَأَيْتُمْ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ ؟
فَقَالَ قُتَيْبَةُ وَكَانَ مِنْهُمْ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسًا إذْ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ الْمَرْأَةُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا ، فَلَمَّا قَامَتْ الْتَفَتَتْ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إذَا وَضَعَ . أ.ه