صلاح القلوب

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
قال ابن تيمية - رحمه الله : وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَلِمَنْ فِي قَلْبِهِ أَمْرَاضُ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ ، فَفِيهِ مِنْ الْبَيِّنَاتِ مَا يُزِيلُ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ فَيُزِيلُ أَمْرَاضَ الشُّبْهَةِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعِلْمِ وَالتَّصَوُّرِ وَالْإِدْرَاكِ ، بِحَيْثُ يَرَى الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ؛ وَفِيهِ مِنْ الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْقَصَصِ الَّتِي فِيهَا عِبْرَةٌ ، مَا يُوجِبُ صَلَاحَ الْقَلْبِ ، فَيَرْغَبُ الْقَلْبُ فِيمَا يَنْفَعُهُ ، وَيَرْغَبُ عَمَّا يَضُرُّهُ ، فَيَبْقَى الْقَلْبُ مُحِبًّا لِلرَّشَادِ ، مُبْغِضًا لِلْغَيِّ ؛ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُرِيدًا لِلْغَيِّ مُبْغِضًا لِلرَّشَادِ .
فَالْقُرْآنُ مُزِيلٌ لِلْأَمْرَاضِ الْتي تنشأ عنها الْإِرَادَاتُ الْفَاسِدَة ، حَتَّى يَصْلُحَ الْقَلْبُ فَتَصْلُحُ إرَادَتُهُ وَيَعُودُ إلَى فِطْرَتِهِ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا ، كَمَا يَعُودُ الْبَدَنُ إلَى الْحَالِ الطَّبِيعِيِّ ؛ وَيَغْتَذِي الْقَلْبُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ بِمَا يُزَكِّيهِ وَيُؤَيِّدُهُ ، كَمَا يَغْتَذِي الْبَدَنُ بِمَا يُنَمِّيهِ وَيُقَوِّمُهُ فَإِنَّ زَكَاةَ الْقَلْبِ مِثْلُ نَمَاءِ الْبَدَنِ .
فَالْقَلْبُ يَحْتَاجُ أَنْ يَتَرَبَّى فَيَنْمُو وَيَزِيدُ حَتَّى يَكْمُلَ وَيَصْلُحَ ، كَمَا يَحْتَاجُ الْبَدَنُ أَنْ يُرَبَّى بِالْأَغْذِيَةِ الْمُصْلِحَةِ لَهُ ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ مَنْعِ مَا يَضُرُّهُ ، فَلَا يَنْمُو الْبَدَنُ إلَّا بِإِعْطَاءِ مَا يَنْفَعُهُ وَمَنْعِ مَا يَضُرُّهُ ؛ كَذَلِكَ الْقَلْبُ لَا يَزْكُو فَيَنْمُو وَيَتِمُّ صَلَاحُهُ إلَّا بِحُصُولِ مَا يَنْفَعُهُ وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ ، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ لَا يَزْكُو إلَّا بِهَذَا .
وَالصَّدَقَةُ لَمَّا كَانَتْ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ، صَارَ الْقَلْبُ يَزْكُو بِهَا ؛ وَزَكَاتُهُ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى طَهَارَتِهِ مِنْ الذَّنْبِ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [ التوبة : 103 ] ؛ فالطهارة من الذنب ، والتزكية معنى زائد ، وهو تنمية القلب وزيادة صلاحه [1] .
فإذا أضيف إلى أثر القرآن والصدقة أثر ذكر الله تعالى في الصباح والمساء ، وأذكار الأعمال [ كأذكار النوم والاستيقاظ ، والذكر بعد الوضوء ، ودبر الصلوات ، والذكر عند الطعام والشراب وبعد ذلك ، وذكر الخروج من البيت والدخول فيه .... الخ ] ، مع لزوم الاستغفار ، كان في ذلك صلاح عظيم للقلوب .
وليس من نافلة القول أن نقول : وللدعاء أثر عظيم في صلاح القلوب ؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " [2] .
اللهم أصلح لنا قلوبنا ؛ يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ... آمييين ... يا سميع الدعاء .
___
[1] - انظر مجموع الفتاوى : 10 / 95 ، 96 ، باختصار وتصرف .
[2] - رواه أحمد : 6 / 315 ، وبنحوه : 6 / 294 ، 6 / 302 ؛ ورواه الترمذي ( 3522 ) وحسنه ، عن أم سلمة رضي الله عنها ؛ وفي الباب عن عائشة وأنس وابن عمرو وغيرهم .
 
عودة
أعلى