صلاة الخوف ||خاصة|| بالنبي ﷺ بدلالة القرآن الظاهرة !

إنضم
15/09/2010
المشاركات
159
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الإقامة
جدة
قال أحكمُ الحاكمين -سبحانه- :﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا (101) وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ...﴾ إلى آخر الآية
فهاتان آيتان متجاورتان قد تميـّزت إحداهما عن الأخرى تميـُّزا ظاهرا في المخاطَب ومايتعلق به من أحوال وقيود وشروط.
وكلام الله أجلُّ من أن يكون التنويع اللفظي المحض هو الغرض من هذا التميّز في الخطاب بل لا بد من فارق معنويّ عمليّ واقعيّ.
فقد وجّهَ اللهُ -سبحانه- خطابَه في الآية الأولى إلى عموم المؤمنين ثم غيّرَ خطابَه في الآية الثانية فأفردَ نبيـَّـه ﷺ بالخطاب مشترِطا كونَه فيهم أي: موجودا معهم وبين أظهرهم بحيث يقيم لهم صلاتهم فيؤمهم فيها:{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} وهذا لفظٌ مألوفٌ، معروفٌ معناه ومقصوده في القرآن كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}
قال القرطبي:-
«..وهذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة .. هذا قول كافة العلماء . وشذ أبو يوسف وإسماعيل بن علية فقالا : لا نصلي صلاة الخوف بعد النبي ﷺ ؛ فإن الخطاب كان خاصا له بقوله تعالى : {وإذا كنت فيهم} وإذا لم يكن فيهم لم يكن ذلك لهم ؛ لأن النبي ﷺ ليس كغيره في ذلك ، وكلهم كان يحب أن يأتم به ويصلي خلفه ، وليس أحد بعده يقوم في الفضل مقامه ، والناس بعده تستوي أحوالهم وتتقارب ؛ فلذلك يصلي الإمام بفريق ويأمر من يصلي بالفريق الآخر ، وأما أن يصلوا بإمام واحد فلا . وقال الجمهور : إنا قد أمرنا باتباعه والتأسي به ﷺ .. فلزم اتباعه مطلقا حتى يدل دليل واضح على الخصوص .. ثم إن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين اطرحوا توهم الخصوص في هذه الصلاة وعدَّٰوْه إلى غير النبي ﷺ وهم أعلم بالمقال وأقعد بالحال.»

قلتُ:-
لا بد أن تقوم الحجة الظاهرة البيـّـنة على أن القيد المذكور ليس بشرط وأنه قيد أغلبي، أو صفة كاشفة ونحو ذلك، وإلا فالأصل في كل قيد هو اعتبار مفهومه وأنه مراد كالمنطوق، فكيف إذا كان هذا القيد في غاية المناسبة للحكم والصفة المخصوصة الواردة.
وإذا تقرر الحكم المناسب بظاهر القرآن فلا يشكل عليه قلة من قال به. ولا حجة إلا في عمل مستفيض ظاهر يُلغى بمثله مفهوم القرآن الكريم المناسب الظاهر.

قال الشافعي في الأم [455/2] :-
«وإن رأوا سوادا مقبلا وهم ببلاد عدو أو بغير بلاد عدو فظنوه عدوا أحببت أن لا يصلوا صلاة الخوف، وكل حال أحببت أن لا يصلوا فيه صلاة الخوف إذا كان الخوف يسرع إليهم أمرت الإمام أن يصلي بطائفة فيكمل كما يصلي في غير خوف وتحرسه أخرى فإذا فرغ من صلاته حرسَ ومن معه الطائفةَ الأخرى وأمر بعضهم فأمهم. (قال الشافعي) : وهكذا آمر المسلحة في بلاد المسلمين تناظر المسلحة للمشركين أن تصنع إذا تراخى ما بين المسلحتين شيئا وكانت المسلحتان في غير حصن أو كان الأغلب أنهم إنما يتناظرون بناظر الربيئة لا يتحاملون.»
وقال الشافعي-رحمه الله-[470/2]:-
«وإذا خافت الجماعة القليلة السبع أو السباع فصلوا صلاة الخوف كما صلى رسول الله ﷺ بذات الرقاع أجزأهم ذلك إن شاء الله تعالى، وأحب إلي أن تصلي منهم طائفة بإمام ثم أخرى بإمام آخر. وإذا خافوا الحريق على متاعهم أو منازلهم فأحب إلي أن يصلوا جماعة ثم جماعة أو فرادى، ويكون من لم يكن معهم في صلاة في إطفاء النار.»
قلتُ:
الظاهر من مجموع كلام الشافعي في (الأم) هو مشروعية تلك الصفات الواردة لكل جمع من المجاهدين ولا يشترط حضور النبي ﷺ معهم فالأظهر أن الحكم عنده تعبدي غير معقول المعنى لأنه لو كان عنده لأجل كراهية تفرق المؤمنين في صلاتهم على جماعتين فأكثر فلَأن يُكره في يسير الخوف أَولىٰ وأحرىٰ.
وإذا شُرع تعدد الجماعات في يسير الخوف فأولى أن يُشرع ذلك عند اشتداد الخوف، فلم يبق من علة للصفات المخصوصة الواردة في القرآن والسنة إلا التعديل والتسوية بين المؤمنين المجاهدين في الصلاة مع رسول الله ﷺ إذا كان حاضرا.
وإلا كان الحكم تعبديا محضا ولا تُعقل له علة على التفصيل وإذن فلا نتجاوز به محله المنصوص ولايُعدّىٰ إلى غيره حتى يوافقه في جميع أوصافه ولا يتحقق هذا لأحد بعد النبي ﷺ

ولكن الأوفق لهذه الشريعة هو بناء أحكامها على المعاني والحكم الظاهرة فالأصل والغالب هو معقولية المعنى حتى يتعذر علينا ذلك في مثل أعداد الركعات وغيرها من المحدَّدات الشرعية كأنصبة الزكاة وفروض الميراث ونحو ذلك.
وبعد سبر المعاني المعقولة من صلاة الخوف يبدو أن التسوية بين المؤمنين في الصلاة مع النبي ﷺ أظهر مناسبةً، وفيه تقوية لنفوسهم حين البأس، بل إنه يشبه العلة المنصوصة بظاهر الآية﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ...﴾
أما تعدد جماعة الصلاة فلا بأس به عند الحاجة والمصلحة الراجحة، وصلاة المؤمنين جماعتين مستـقـرّتـيـن أولىٰ من صلاتهم جماعةً واحدةً فيها مفارقة وتأخر وتربص وخروج ودخول لولا أن النبي ﷺ معهم فيشق على بعضهم فوات الصلاة معه ﷺ «..وفضيلة الصلاة خلف رسول الله ﷺ لا يجهلها مسلم ولا يلحقها أحد، وأما سائر الناس فلا ضرورة بهم إلى ذلك لأن الأول والثاني سواء..»(١)
___
(١) هذه عبارة ابن عبدالبر في التمهيد أثناء شرحه الحديث ٣٩٣ ...عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر الصديق فقال أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله ﷺ والناس في الصلاة فتخلّص حتى وقف في الصف فصفق الناس -وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته- فلما أكثر الناس من التصفيق التفت أبو بكر فرأى رسول الله ﷺ فأشار إليه رسول الله ﷺ أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله ﷺ من ذلك، ثم استأخر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله ﷺ فصلّىٰ، ثم انصرف فقال: «يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك» فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ :«مالي رأيتكم أكثرتم التصفيق، من نابه شيء في صلاته فليسبّح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيح للنساء»
فأثبت ابن عبدالبر خصوصية النبي ﷺ بمثل هذا الاستخلاف ومافيه من تأخر إمام وتقدّم آخَر وأنه لا يجوز لغير النبي ﷺ إلا لمانع شرعي كسَبْق الحدَث أو مانع طبيعي كمرض الإمام وعجزه عن الإتمام.
************

كل تعليل منقوض !
#التعليل باقتسام شرف الائتمام بالنبيﷺ يرِدُ عليه:-
*جواز أن يفتتح النبيﷺ صلاةً أخرى للطائفة التي لم تصلّ معه وتكون لهﷺ نافلة، فكيف يكون المقصود هو التسوية في الائتمام بالنبيﷺ ؟!

#التعليل بمنع تفرّق المسلمين في صلاتهم يرِدُ عليه:-
*أن كل طائفة قد أتمّت صلاتَها بمعزل عن الطائفة الأخرى ولم يقع اجتماع في شيء من أفعال الصلاة ! فكيف يكون المقصود هو توحيد الجماعة ؟!

وهذا يقوّي القول بأن الحكم تعبـّديٌّ محض لايتعدّىٰ إلى غير المنصوص:﴿وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة﴾ وهذا خطابٌ ظاهره الاختصاص بشخص النبي ﷺ كما قال تعالى:﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم﴾ وإلا كان لغوًا يُنزّه عن مثله أعظم كلام !
ولاشك أن المسألة قوية الاحتمال والتردد، ولكن ظاهر القرآن لايجوز إلغاؤه إلا بحُجة قاهرة !

ومما يفنّد مقصد توحيد الجماعة ما ثبت عن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي -رضي الله عنه- قال: صلّى النَّبيُّ ﷺ في خوفٍ الظُّهرَ، فصَفَّ بعضُهُم خلفَهُ، وبعضُهُم بإزاءِ العدوِّ، فصلّى بِهِم رَكْعتينِ ثمَّ سلَّمَ فانطلقَ الَّذينَ صلَّوا معَهُ فوقَفوا موقفَ أصحابِهِم، ثمَّ جاءَ أولئِكَ فصلَّوا خلفَهُ فصلّى بِهِم رَكْعتينِ ثمَّ سلَّمَ، فَكانَت لرسولِ اللَّهِ ﷺ أربعًا، ولأصحابِهِ رَكْعتينِ رَكْعتينِ، وبذلِكَ كانَ يُفتي الحسَنُ.
أخرجه أبو داود (١٢٤٨) واللفظ له، والنسائي (٨٣٦)، وأحمد (٢٠٤٠٨) مختصراً، وصححه الألباني وغير واحد من العلماء.
جاء في التمهيد لابن عبدالبر من موسوعة شروح الموطأ[٣٧١/٦] :-
«قال أبو عمر: كل من أجاز اختلاف نية الإمام والمأموم في الصلاة ... وأجاز أن تصلىٰ الفريضة خلف المتنفل يجيز هذا الوجه في صلاة الخوف وهو مذهب الأوزاعي والشافعي وابن علية وأحمد بن حنبل وداود.
وصلاة الخوف إنما وُضِعت على أخفّ ما يمكن وأحوطه للمسلمين، ولا وجه لقول من قال إن حديث أبي بكرة وما كان مثله كان في الحضر لأن فيه سلامَه في كل ركعتين منها، وغيرُ محفوظ عن النبي ﷺ أنه صلى صلاة الخوف في الحضر.
وقد حكى المزني عن الشافعي قال: ولو صلى في الخوف بطائفة ركعتين فسلّم ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلّم كان جائزا قال: وهكذا صلى النبي ﷺ ببطن نخلة..»


فثبت أن تفريق المؤمنين على جماعتين سنةٌ صحيحة لا معارض لها ولا إشكال في العمل بها، أما الصفات الأخرى المبنية على آية النساء فإن مطلع الآية ظاهر الدلالة على اختصاصها بشخص النبي ﷺ ويقوي دلالة الشرط فيها أنه فرّع عليه فقال:﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ...﴾ فهنا أثر تفرّع وترتّب على كونه ﷺ فيهم أنه هو الذي يقيم لهم الصلاة مما يقوّي اعتباره وصفا مؤثّرا في الحكم.

والله تعالىٰ أعلم
 
عودة
أعلى